أخلاقيات الذكاء الاصطناعي


فئة :  قراءات في كتب

أخلاقيات الذكاء الاصطناعي

أخلاقيات الذكاء الاصطناعي

مارك كوكلبيرج

ترجمة; هبة عبد العزيز غانم، مراجعة: هبة عبد المولى أحمد

فكرة الكتاب

كتاب أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لمؤلفه "مارك كوكلبيرج" ترجمة هبة عبد العزيز غانم، مراجعة هبة عبد المولى أحمد، وقد صدر باللغة الإنجليزية عام 2020م، وترجم إلى العربية عن مؤسسة هنداوي عام 2024م.

العنوان مركب من ثلاثة مصطلحات في غاية الأهمية في علاقتهما بالإنسان، الذكاء والأخلاق والصناعة. ذَكاءُ الإِنْسانِ: قُدْرَتُهُ على الفَهْمِ والاِسْتِنْتاجِ والتَّحْليلِ والتَّمْيِيزِ بِقُوَّةِ فِطْرَتهِ وَذَكاءِ خاطِرِه[1]، والذكاء عند الإنسان متعدد ومتنوع، فيمكن الحديث عن الذَّكاء الاجتماعي: حسن التّصرُّف في المواقف والأوضاع الاجتماعيّة، والذكاء العاطفي، والذكاء في التواصل... أما الأخلاق بمعنى المبادئ والقواعد المنظمة لمختلف التصورات والسلوك الإنساني. أما الصناعة، فهي حاضرة في كلّ علم أو فنّ يُمارسه الإنسان، ويترتب عن الصناعة تحول المواد الخام إلى منتجات مختلفة. المشكلة هنا هي ربط مفهوم الأخلاق والذكاء، بما هو مصنوع ومركب نتيجة تحويل مختلف المواد من صيغتها الخام إلى صيغة مصنعة...هذه المرة ليس بشكل ميكانيكي، بل بشكل تحضر معه البرمجة على أشياء كثيرة في الرياضيات والهندسة...وقد تحولت تلك البرمجة في مختلف المصنوعات إلى وجه من أوجه الذكاء الذي تفوق على الإنسان من جهة البيانات والحساب والتكبير والتصغير والدقة والضبط...

الإشكالية هل مسألة الذكاء محدودة في وجه واحد خاضع للبرمجة (الذكاء الاصطناعي) أم إن مختلف المصنوعات قد تتخطى البرمجة في مجال معين إلى مجالات أخرى تتعلق بالعاطفة... مثلا هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحيز لإنسان على حساب آخر، أو لثقافة على حساب أخرى؟

لنبقى في مجال الذكاء المرتبط بالبرمجة واتخاذ القرار في لحظة فارقة، ماذا يعني أن يكون بنك يديره ربوت آلي، ففي حالة رفض معاملة مالية؛ لأنها تختلف مع نظام البرمجة لديه، بالرغم من أنها معاملة مهمة وطارئة وتستحق العناية والنظر فيها، ألا يترتب عن هذا مشكلة أخلاقية؟

يلقي الكتاب الضوء على مسألة واقعية ويومية، ترتبط في الوقت ذاته بمستقبل العلم والتكنولوجيا والإنسان. إنها مسألة الذكاء الاصطناعي، فهو يدعم مُحرِّك بحث جوجل، ويُمكِّن فيسبوك من توجيه إعلانات مُستهدفة، كما أنه يكمُن وراء تكنولوجيا السيارات الذاتية القيادة، والأسلحة الذاتية التشغيل. وتُثير هذه التطبيقات وغيرها من تطبيقات الذكاء الاصطناعي قضايا أخلاقيةً مُعقَّدة، تُشكِّل موضوع نقاش دائمًا... هذه القضايا وغيرها التي يظهر من خلالها أثر الذكاء الاصطناعي تشغل العالم اليوم، من جهة سؤال كيف ستكون عليه حالة العالم مستقبلا واقعا وأخلاقا؟

فهناك اليوم ضجة محيطة بسؤال الذكاء الاصطناعي أدت إلى "ظهور جميع أنواع التكهُّنات حول مستقبل الذكاء الاصطناعي ومستقبل ما سيكون عليه الإنسان. إن إحدى الأفكار الشائعة، والتي تتكرَّر كثيرًا في وسائل الإعلام وفي النقاشات العامة حول الذكاء الاصطناعي، بل ينشرها أيضًا خبراء التكنولوجيا المؤثِّرون الذين يُطوِّرون تقنية الذكاء الاصطناعي [...] هي فكرة الذكاء الفائق، وبشكلٍ أكثر عمومية، فكرة أن الآلات ستُسيطر علينا، وتستعبِدنا وليس العكس. بالنسبة إلى البعض، هذا حلم؛ وبالنسبة إلى الكثيرين، هذا كابوس. وهناك مَن يرَون أنه حلم وكابوس في الوقت نفسه".[2]

عناوين موضوعات الكتاب

يضم الكتاب الكثير من العناوين التي تقرب ما هي الذكاء الاصطناعي، والإشكالات التي تصحب هذا المنحى الذي يتجه نحوه العلم والتكنولوجيا في مختلف المجالات؛ فإنجازات "الذكاء الاصطناعي لا تقتصر على الألعاب أو عالَم الخيال العلمي. فالذكاء الاصطناعي يحدث الآن، وهو مُتوغِّل في كل ما حولنا، وغالبًا ما يكون مُضمَّنًا على نحو غير مرئي في أدواتنا اليومية وبكونه جزءًا من الأنظمة التكنولوجية المعقَّد. ونظرًا إلى النمو الهائل لقدرة الكمبيوتر، وإتاحة البيانات (الضخمة) بسبب وسائل التواصل الاجتماعي والاستخدام الهائل لمليارات الهواتف الذكية، وشبكات المحمول السريعة، أحرَزَ الذكاء الاصطناعي، وخاصة تعلُّم الآلة، تقدُّمًا كبيرًا. وقد مكَّنَ هذا الخوارزميات من تولِّي العديد من أنشطتنا، بما في ذلك التخطيط والكلام والتعرُّف على الوجوه واتخاذ القرار. يمتلك الذكاء الاصطناعي تطبيقاتٍ في العديد من المجالات، بما في ذلك النقل والتسويق والرعاية الصحية والتمويل والتأمين والأمن والجيش والعلوم والتعليم والعمل المكتبي والمساعدة الشخصية"[3] ومن أبرز عناوين المواضيع التي عالجها الكتاب نذكر: أيتها المرآة على الحائط. الذكاء الفائق والوحوش ونهاية العالم بالذكاء الاصطناعي. كل ما له علاقة بالبشر. أهي حقًّا مجرد آلات؟ لا مسؤوليةُ الآلات والقرارات غير المُبررة. التحيز ومعنى الحياة. السياسات المقترحة. التحديات التي تُواجه صانعي السياسات. تحدِّي تغيُّر المناخ: حول الأولويات وحقبة التأثير البشري.

تجاوز الضجة حول الذكاء الاصطناعي

نحن في حاجة إلى فهم موضوعي لطبيعة الذكاء الاصطناعي، وفهم طبيعة ما سيكون عليه العالم، وسوق الشغل والإنسان في بيته ومختلف مجالات الفضاء العام، عندما تحضر فيها الروبوتات المبرمجة على مختلف ما يمكن أن تقوم به من أشغال، فأنت في المقهى أو المطعم مثلا فلست في حاجة لتتواصل مع النادل ليحضر لك ما ترغب فيه، الربو سيقوم بما ترغب فيه، وأنت في مؤسسة بنكية صغيرة، ستجد الربو يقوم بمختلف العمليات والطلبات لمختلف زبائن البنك... هذا الوضع نتخيله اليوم، وقد بدأت بعض من ملامحه بشكل واضح في بعض الدول على رأسها الصين.

ولتجاوز الضجة المُثارة حول الذكاء الاصطناعي "وتجنُّب حصر مناقشة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في أحلام المستقبل البعيد وكوابيسه، يُمكننا (1) استخدام الفلسفة والعلم لفحص ومناقشة الافتراضات المتعلِّقة بالذكاء الاصطناعي والإنسان الذي يلعب دورًا في هذه السيناريوهات والمناقشات (مثل: هل الذكاء العام مُمكن؟ ما الفارق بين الإنسان والآلة؟ ما العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا؟ ما الوضع الأخلاقي للذكاء الاصطناعي؟)؛ و(2) النظر بتفصيلٍ أكثر إلى ماهية الذكاء الاصطناعي الموجود وما يفعله اليوم في التطبيقات المختلفة؛ و(3) مناقشة المشكلات الأخلاقية والاجتماعية الأكثر واقعيةً وإلحاحًا التي يُثيرها الذكاء الاصطناعي كما يُطبق اليوم؛ و(4) التفكير في سياسة الذكاء الاصطناعي للمستقبل القريب؛ و(5) طرح تساؤل عما إذا كان التركيز على الذكاء الاصطناعي في الخطاب الجماهيري الحالي مُفيدًا في ضوء المشكلات الأخرى التي تُواجهنا، وما إذا كان تركيزنا ينبغي أن ينصبَّ على الذكاء الاصطناعي وحدَه. وسوف نتبع هذه المسارات في الفصول القادمة من الكتاب."[4]

الوكالة الأخلاقية والذكاء الاصطناعي

السؤال الذي يفرض ذاته ونحن نتوقع مجموعة الاستجابات المبرمجة وغير المبرمجة التي قد تقوم بها مختلف الآليات المنتسبة لمجال الذكاء الاصطناعي، هو سؤال يتعلق بكفاءة الذكاء الاصطناعي فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي، فهل يمكن أن ينوب الذكاء الاصطناعي عن الإنسان في الجانب الأخلاقي؟ "فإذا كان الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يُصبح أكثر ذكاءً مما هو عليه اليوم، فيُمكننا أن نفترض أنه يستطيع أن يُطوِّر قدرته على التفكير الأخلاقي، وأنه يستطيع أن يتعلَّم كيف يتَّخِذ البشر القرارات بشأن القضايا الأخلاقية. ولكن هل سيكون هذا كافيًا لكي يحظى بالوكالة الأخلاقية الكاملة؛ أي الوكالة الأخلاقية التي يتمتَّع بها الإنسان؟ هذا السؤال ليس خيالًا علميًّا بالكامل. فإذا كنا نعتمِد اليوم على الخوارزميات في اتخاذ بعض قراراتنا، على سبيل المثال في السيارات أو المحاكم، فيبدو أنه سيكون من المُهمِّ أن تكون تلك القرارات سليمةً من الناحية الأخلاقية. ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت الآلات يمكن أن تتمتَّع بنفس القدرات الأخلاقية التي يتمتَّع بها البشر. إنها تتمتَّع بالوكالة الأخلاقية بمعنى أنها تقوم بأفعالٍ في العالَم، وهذه الأفعال لها عواقب أخلاقية. على سبيل المثال، قد تتسبَّب سيارة ذاتية القيادة في حادث، أو قد يوصي الذكاء الاصطناعي بسجن شخص معيَّن. هذه السلوكيات والخيارات ليست حيادية من الناحية الأخلاقية؛ إذ إن لها عواقب أخلاقية واضحة على الأشخاص ذوي الصلة. ولكن للتعامُل مع هذه المشكلة، هل يجب منح الوكالة الأخلاقية للذكاء الاصطناعي؟ وهل يمكن أن يتمتَّع بوكالة أخلاقية كاملة؟"[5].

هناك مواقف فلسفية مُتنوِّعة حيال هذه الأسئلة. في نظر البعض الآلات لا يمكن أن تتمتَّع أبدًا بالوكالة الأخلاقية، فهي ليس لدَيها القدرات اللازمة للوكالة الأخلاقية، مثل الحالات العقلية أو الانفعالات أو الإرادة الحرة. ولذلك هناك خطورة في أن نفترِض أنها تستطيع اتخاذ قراراتٍ سليمة أخلاقيًّا، وأن نعتمِد عليها في اتخاذ مثل هذه القرارات اعتمادًا كاملًا.[6]

[1] معجم المعاني على الانترنت الرابط:

https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%A1/?

[2] أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لمؤلفه "مارك كوكلبيرج" ترجمة هبة عبد العزيز غانم، مراجعة هبة عبد المولى أحمد، وقد صدر باللغة الإنجليزية عام 2020م، وترجم إلى العربية عن مؤسسة هنداوي عام 2024م.ص.19

[3] نفسه، ص.14

[4] نفسه، ص.28

[5] نفسه، ص.42

[6] نفسه، ص. 23