إدوار الخراط: مغامرة الكتابة، زحزحة السرد وشهوة التكرار المختلف
فئة : مقالات
إدوار الخراط:
مغامرة الكتابة، زحزحة السرد وشهوة التكرار المختلف[1]
يُعَدُّ النص الروائي الجديد مشروعاً للقلق والأسئلة الحادة والاستفزازية التي يطرحها الناصُّ على العالم/ الواقع، مشروع الجرأة والدهشة في تفكيك المسلَّمات والأوهام القومية والأيديولوجية، ومساءلة الحقائق التي اصطبغت بصبغة القداسة. إلى فضاء القلق هذا، تنتمي كتابة الروائي المصري إدوار الخراط الروائية والقصصية والنقدية تحت عتبة «الحساسية الجديدة» بما هي اختلاف للرؤية المهيمنة وتجاوز لها في الحقل الأدبي في مصر وقتئذٍ، وتغاير لها من حيث استراتيجيات القص والبنى السردية واللغة وقواعد الإحالة إلى الواقع.
مع هذه «الحساسية الجديدة» التي رسَّخها إدوار نفسه في كتبه ومقالاته النقدية. بدأ الكاتب مع جماعة الستينيات مشروع مغامرة الكتابة وكتابة المغامرة، وذلك حين ينبري الفن للتعبير ليس عن السطح فحسب، وإنما: «عن شيء يستحيل التعبير عنه؛ أي أن يوجد ويخلق ما لا يكاد أن يكون قابلاً للنقل والتعبير»([2]). في هذه المغامرة المحفوفة باللذة والرُّعب، كانت الكتابة بالنسبة إلى الخراط محاولة بحث عن أفق مغاير للإبداع القصصي والروائي، وتأسيس خطاب يستنُّ من المفارقة والاختلاف قانوناً لوجوده وكينونته، مرتكناً إلى قلق الإبداع وأسئلته الملغمة، لتفجير ما تقمص من أردية القداسة وأبديتها، خطاب يهرب من فخاخ التشاكل مع العالم الذي ساد «الحساسية التقليدية» إلى مفاجأة البداهات الراسخة ومواضعاتها، وكتابة الصمت والغياب، وتشهير سلاح الاختلاف والتغاير مع ما هو سائد ومهيمن.
وهكذا لم تكن الكتابة الروائية وفق «الحساسية الجديدة» مجرّد فاعلية طارئة وعابرة على الساحة الأدبية، وإنما كانت «مغامرة في الظلام»([3])؛ فالكتابة لم تعد مقتنعة بمس الواقع بخفر وخجل، بقدر ما أخذ الروائي: «يكتب من منطقة الارتياب والتساؤل والبحث عن الحقيقة المحفوفة بالالتباس والتعدد»([4]). وهذه حال إدوار الخراط مع «الكتابة» التي أنجزها، وما يزال ينجزها، أو في طريقها للإنجاز، كتابة لا تعرف المهادنة وبروتوكولات التعايش مع السائد، لكونها منذورة لشقِّ مسالك وتضاريس لم توطأ بعدُ لنسج متاهتها، لتكون من ثمَّ انتهاكاً صارخاً لتخوم «الحساسية التقليدية» وطرائقها وأساليبها في بَنْيَنَةِ النص؛ وذلك على صعيد صياغة الواقع من ناحية، واستراتيجيات هذه الصياغة من ناحية أخرى.
إن الكتابة لدى إدوار الخراط في انكتابها وتحققها هي تعبير عن علاقة عشق وإيروسية؛ لأنها، إذ تنكتب، إنما تكتب الجسد بأشواقه ورغباته، يقول الكاتب: «كثيراً ما أشعر بوجود ما يشبه الحبَّ في الكتابة. في الكتابة قدر من الولع، المتعة والعذاب، عذاب الكتابة، مثل عذاب الحب فعلاً. كأن الكتابة نفسها عملية شبقية»([5])، فالكتابة شهوة تحفر في البياض بحثاً عن لذة راقدة هناك، وتحريراً للمكبوت، واستدراجاً للاشعور والهذيان أن يبوحا بالرغبة المقموعة تحت أصفاد العرف والحصار. وإنها ــ أيضاً ــ وفي غفلة من اللوغوس/ الحضور، تكتب نفير الغياب والصمت، لتسكن فضاء الاختلاف.
فلا غرو عندئذ، أن يعلن الروائيُّ في افتتاحية أحد كتبه: «من يقول «الأدب في مصر» لا بد أن يقول: «الحساسية الجديدة» ([6])؛ لأن مَفْهَمَة كتابة إدوار الخراط بوصفها كتابة اختلاف وتجاوز، لابد وأن تمر من قناة هذه المقولة، لكونها تكشف عن قوانين وآليات الكتابة الجديدة في مواجهة الكتابة التقليدية، والتعامل مع الواقع وفق التغاير لا التشاكل، يقول إدوار الخراط بهذا الصدد: «إن الكتابة الإبداعية ـ لسبب أو لآخرـ قد أصبحت اختراقاً لا تقليداً، واستشكالاً لا مطابقة، وإثارة للسؤال لا تقديماً للأجوبة، ومهاجمة للمجهول لا رضى عن الذات والعرفان»([7]). ولذلك، كانت كتابة إدوار ديدنها الاستفزاز وتفجير الصمت، وارتياد المناطق المعتمة من الواقع والذات على مختلف المستويات. ولأنها كذلك، فقد اختطت لنفسها خرائط جديدة وطرائق مغايرة للسائد الأدبي، لتكون كتابة إشكالية في انتمائها، يقول أحمد خريّس: «ولعل نقاد الخراط، لم يجمعوا على شيء إجماعهم على أنَّ أعماله صادمة ومغايرة للمعتاد، وعصية على التصنيف، وأنها نوعية جديدة، غير مسبوقة في تراث القص العربي»([8]). غير أنَّ هذه المغايرة والصدمة التي يشكّلها النصُّ الخراطيُّ، إنما تتأسَّس وفق انتهاكات متعددة، يمارسها الروائي في بَنْيَنَة Structuration الكتابة نصياً، الأمر الذي ينبغي للقراءة تحديدها، ضمن مسعاها للإمساك ببنية المكان الروائي لدى الكاتب. ويمكن للقراءة ــ بناء على ذلك ـ الوقوف عند جملة من الانعطافات في هذه الكتابة كنتوءات مميزة لها.
أولاً: الكتابة عبر النوعية
ضمن المسعى الحثيث للكاتب في إنتاج كتابة مختلفة ومفارقة ليس عن الكتابة التقليدية فحسب، وإنما عن غيرها من الكتابات المتزامنة معها في إطار «الحساسية الجديدة»؛ لجأ الكاتب إلى الهروب من أقفاص النَّوع الأدبيِّ وإشكالياته، بتفكيك إواليات الأجناسية الأدبية وخصائصها، ومحاولة نسفها عن وعي حادٍّ باستبدادية النوع ومركزيته، ولهذا كان لابُدَّ من زجِّ «الكتابة» في فضاء نصي، تتقاطع فيه الأجناس الأدبية المختلفة. الأمر الذي نأى بكتابة الكاتب عن الانتماء إلى جنس أدبيٍّ محدّدٍ، وبدلاً من الانتماء إلى النَّوع الواحد والوقوع تحت سطوته؛ فقد اختار الكاتب لنصه الاعتياش على تخوم الأنواع الأدبية، وهذا ما لمسه الباحث أحمد خريّس الذي قارب هذا المستوى بعمقٍ في كتابة الخراط، يقول: «ومن أبرز ما يثير القارئ لأعمال الخراط ـ في هذا الصدد- صعوبة إدراجها تحت أطر نظرية الأنواع الأدبية القارّة، على الرغم من أنَّ الخراط يضع على بعضها كلمة «رواية» أو عبارة «مجموعة قصص»، مما يوحي للوهلة الأولى بسلّمها النوعي»([9]). ومردُّ هذه الصعوبة يكمن في خاصية الاختلاف التي بمقتضاها يمارس النَّصُّ المراوغةَ والمخاتلةَ في الانتماء إلى جنس محدد ثم التمرد عليه في الوقت ذاته، مما يحدث تلك الحيرة العميقة لدى متلقيه: هل هو قصة أم رواية أم أنه مزيج من القصة والرواية والشعر والدراما؟
ويستفحل هذا التمردُ النَّصيُّ ـ على حدود النوع وسلطته ـ في «المتوازيات النصية» ([10])، ومن بينها العنونة الأجناسية التي تشكل تحدياً للجنس الأدبي المشار إليه من جهة، واستفزازاً للقارئ من جهةٍ أخرى. يقول الخراط في هذا السياق: «أحياناً أضع على كتاب من كتبي «رواية» على سبيل الاستفزاز للقارئ ودعوته إلى التفكير معي في هذا النوع الأدبي الذي يسمى رواية، لأن هذا الكتاب يمكن جداً أن يقرأ كفصول مستقلة، كقصص قصيرة إذا أحب القارئ»([11])، وعلى سبيل التمثيل ينتمي نص (رامة والتنين) بحسب الغلاف الأول إلى الجنس الروائي من خلال الإشارة العلامية «رواية»، بيد أن الكاتب ما يلبث أن يفاجئ قارئه على الغلاف الأخير بعلامة أخرى تشير إلى أن النص «مجموعة قصص قوامها أربع عشرة قصة»، وبذلك يعلن الكاتب عن انتماء النص إلى جنس القصة. وفي حقيقة الأمر، يتيح تركيب النص في التلقي قراءته على أكثر من مستوى: رواية ـ قصة، قصة ـ قصيدة، رواية ـ قصيدة. وبهذا الصدد يقول الخراط: «أنا أعتبر مثلاً أن (رامة والتنين)، أحد توصيفاتها أنها «رواية قصيدة» رواية شعر، وأنا أقبل هذا التوصيف دون تردد»([12]).
غير أن هذه الخاصية ـ خاصية الاختراق النوعي ــ تستغرق نصوص: ترابها زعفران(نصوص اسكندرانية)، اختراقات الهوى والتهلكة (نزوات روائية)، أبنية متطايرة، وتلك المساحات النصية الخاصة بالإسكندرية تحت عنوان: إسكندريتي (كولاج روائي)، وأغلب نصوص الخراط تفتح بواباتها لاستضافة الشعري إلى جانب القصصيِّ والروائيِّ والدراميِّ والإفادة من الفنون الأخرى، وبكلمة أكثر دقة يمكن القول: إن الأجناس الأدبية التقليدية منها والحديثة تكون في ضيافة باذخة في النص الخراطي. فما النوع الذي تندرج فيه كتابة الخراط؟ يقول الخراط: «ليس ما أكتب رواية ولا قصة قصيرة، وفق المواصفات التقليدية لهذين الجنسين الأدبيين، ولا هو بالشعر أو بالسيرة الذاتية وفق هذه المواصفات. فما هو؟ مغامرة، مغامرة روحية وأدبية في الشكل والمضمون معاً فلا انفصال بينهما بطبيعة الحال، وهي كتابة أريد أن أقترح لها، ما أسميه الكتابة عبر النوعية»([13]).
وفي واقع الحال، يمكن للمتلقي أن يفسِّر تحطيمية حدود النوع الأدبي لدى الكاتب واختراقها، بالاتكاء إلى مصطلح «الكتابة عبر النوعية» أو «النص المفتوح على الأنواع» الذي استنه الروائي لتوصيف تجربته الشخصية في الكتابة الأدبية، وقراءة الظواهر النّصيّة الحديثة في فضاء الأدب المصري، لأن: «الحدود بين الأجناس الأدبية لم تعد بنفس الصرامة والقطع والتحديد التي كانت قائمة في فترة سابقة، بل أصبح الأمر يصل إلى درجة سقوط هذه الحدود وتداخل الأجناس»([14]). وتمنح رواية (أبنية متطايرة) فرصة لتلمُّس آثار «الكتابة عبر النوعية» وحضورها الكثيف؛ إذ تتجاور في فضاء النص أساليب القصة والرواية والشعر والدراما...، فكل جنس من هذه الأجناس يشدُّ النصَّ إلى منطقته وحدوده ليمركز خصائص النوع وسطوته، لكن النص في الوقت الذي يشيّد فيه بروتوكولات أجناسية؛ فإنه ينقضها ويتنكر لها، ولا يعترف بشيء سوى بكونه كتابة تصهر الأجناس في ذاتها، حيث: «تشتمل على الأنواع التقليدية، تحتويها في داخلها وتتجاوزها لتخرج عنها، حيث تصبح الكتابة الجديدة في نفس الوقت «قصة ــ مسرحاً ــ شعراً» على سبيل المثال مستفيدة أيضاً، أو أحياناً من منجزات الفنون الأخرى من تصوير، وموسيقا، ونحت، وسينما، ومعمار»([15]).
إن مصطلح «الكتابة عبر النوعية» الذي اجترحه الخراط، لتوصيف نصوص «الحساسية الجديدة» يستغرق، في الواقع، معظم أعمال الخراط، كما يرى الناقد، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الباحث أحمد خريّس قد حاول تفسير خاصية «الاختراق النوعي» فخري صالح([16]). ويكاد هذا المصطلح يقترب من مفهوم النص لدى رولان بارت، وجوليا كريستيفا وإمبرتو إيكو لنصوص الخراط في ضوء المفهوم البارتي للنص، كما يتجلى في النقاط الآتية([17]):
1- حقل منهجي.
2- حركته المكوّنة هي العبور والاختراق (يمكنه أن يعبر الأثر أو عدة آثار).
3- خلخلة التصنيفات القديمة، والخروج عن الآراء السائدة لكونها بدعة.
4- مجاله مجال الدال.
5- تعددي على مستوى المعنى/مفتوح باتجاه الاحتمال والممكن.
6- نسيج من الاقتباسات والإحالات والأصداء (كائن تناصي).
وإذا كان مصطلح «الكتابة عبر النوعية» يُستخدم لدى الخراط للتدليل على التناص الأجناسي، غير أنه في الحقيقة يوحي بمجمل المستويات الموجودة في مفهوم بارت للنص، الذي ينتجه الخراط هو ذاك الذي يخالف السائد الأدبي، ويمارس هرطقة المخالفة والانتماء واللاانتماء، وغير قابل للمكوث تحت سلطة النوع الواحد ومركزيته التي تحدُّ من حرية الدلالة والمعنى، ولهذا لا يفتأ أن يغيرَ هويتَهُ باستمرار، والتحرُّك عبر اختراق فضاءات القصة والشعر والرواية...، إنه النص الذي لا يتقن سوى «الإرهاب»، والخروج عن المتعارف عليه، معلناً أفقاً مختلفاً للكتابة الأدبية. وفي هذا السياق، نتساءل: هل ثمة علاقة خفية بين مفهوم «الكتابة عبر النوعية»، حيث تتعايش الأجناس في فضاء نصي واحد، ومفهومات إيديولوجية ـ سياسية، ينحاز إليها الخراط ؟ في حقيقة الأمر إنَّ قراءة نصوص الخراط النقدية والإبداعية تشي بتعطُّشٍ وتوقٍ عميقين لفضاءٍ ديمقراطيٍّ، يضمن حرية الكائن واختلافه، وربما تُشكِّل رواية (يقين العطش) من بين أعماله مثالاً جلياً على ذلك.
ثانياً: استراتيجية اللغة
لن يكون من قبيل الغلو القول: إن اللغة هي رهان الخراط في تحقيق التمايز والفرادة لنصه في فضاء الكتابة العربية راهناً، لما يجده المتلقي من افتتان خاص باللغة في مستوياتها المتنوعة (الحرف، الكلمة، الجملة)، حتى تبدو كما لو أنها العنصر الأكثر استراتيجية (وهي كذلك فعلاً) من بين عناصر الكتابة الروائية. ولا غَرَوَ في ذلك، مادامت اللغة «بيت الوجود» كما يقول هايدغر؛ فهي التي تمتص العالم، وعبرها تتشكّل المعرفة البشرية وتتجمع على مختلف أنواعها وحقولها، بل إن التجربة الإنسانية لا معنى لها دون اللغة، إذ: «الإنسان لا يوجد إلا انطلاقاً من كونه يعيش كينونته لا كتجربة لغوية (...) بل كتجربة تستمد كيانها الأنطولوجي ومعناها انطلاقاً من اللغة»([18])؛ لأن إدراك الكائن للعالم يتمُّ باللغة وفي اللغة، كما لو أن هذا العالم يرتهن بوجوده للغة، فهي: «وحدها التي تبني من حولنا، وإدراك العالم يتحدَّد من خلال اللغة المستخدمة في تحديده»([19]).
وإذا كانت اللغة في جملة وظائفها (المرجعية، الانفعالية، التأثيرية، التواصلية، الميتالغوية «ما وراء اللغة»، البصرية والأيقونية) رازحة تحت أثقال المعنى في فاعلية التواصل اليومي، فإنها على صعيد (الوظيفة الشعرية/الجمالية) تتحرر من تبعية المدلول والمعنى لتمارس اللعبَ الحُرَّ كما يقول التفكيكيون، ذلك أنَّ: «قيام الكتابة هي قيام اللعب»([20]). ولا تتحقق هذه الإمكانية ــ إمكانية اللعب ــ إلاّ في فضاء النص الأدبي الذي يمنح اللغة إجازة لما لحقها من تشويه وعطب ومؤالفة مع العالم والأشياء، لتعود إليها طزاجتها وفتوتها من خلال النص الأدبي، لما تحدثه آليات الانزياح Displacement والتكثيف Condensation من فجوة/ هوّة Ellipsis بين اللغة والعالم، حيث يتحرَّر الدّالُّ اللغويُّ من وصاية المعنى، وتنطلق العلامات اللغوية بحرية تبعاً للإمكانيات التي تتيحها المنظومة الثقافية العامة، في مجرات المعنى، ووفقاً لقانون الاختلاف والإرجاء، وبذلك تخيب آمال المدلول المستقر، بالإمساك بالدوال اللغوية طمعاً بالتمركز والحضور Presence وتضييق حرية الدال في الانزلاق والتحرُّك.
هذه الصورة المقدمة عن دور اللغة في النص الأدبي المعاصر تكاد تنطبق على اللغة ووظائفها في نصوص إدوار الخراط، الذي تشكل كتابته في الواقع مغامرة حقيقية على صعيد اشتغال اللغة في النص؛ لأن كينونة الأدب، تبدأ باشتغال الدال اللغوي([21])، حينما يقود الكاتب اللغة إلى تضاريس مجهولة ووعرة من جغرافيا الذات والواقع. وتشي نصوص الخراط بممارسات تجريبية عنيفة على اللغة، حتى غدت تجربته من أكثر التجارب استقطاباً لاهتمام النقاد، يقول حسن حسني: «أما مغامرة إدوار الخراط اللغوية، فهي واحدة من أعنف الموجات تجريبية في الأدب العربي المعاصر، والتي فرضت نفسها فرضاً على خريطته، ربما بسبب طبيعتها الانفجارية وعاطفيتها المشبوبة الرنانة»([22])، وإذا كان الأمر كذلك، وحتى تتكشف خيوط هذه المغامرة اللغوية، لا بد من رصد علاقة الروائي باللغة في مستوى أول: ماذا تعني اللغة بالنسبة إلى الكاتب ؟ وكيف ينظر إلى اللغة كأداة استراتيجية في تشكيل النص؟
ما بين اللغة وإدوار الخراط علاقة عشق عميقة، ولكنها ليست انكفاءً على الذات، كما يوحي به العشق، بقدر ما يتخذ الروائيُّ من هذه العلاقة العشقية /الشبقية فعلاً معرفياً من حيث إنَّ العشق هو تجاوز للذات نحو فضاء الآخر، للإقامة فيه، ولأن علاقة العشق هي فرصة للأنا أن تتعرَّف الذات من خلال معرفة الآخر، يوضح الخراط هذه العلاقة بقوله: «فإن علاقتي باللغة تكاد تكون علاقة عضوية، جسدانية، شبقية، إلى جانب أنها علاقة درس ومعرفة ومحاولة لسبر الأغوار. إلى آخر ما يمكن أن يقوم به العاشق من بحث»([23]). والبحث لدى الخراط في حقل الكتابة الأدبية هو ممارسة التجريب، سواء على مستوى الأشكال الأدبية أو على مستوى دفع اللغة إلى مناطق مستحيل التعبير عنها، وتقويض ما أسسته اللغة ذاتها من فضاءات كتابية، ففعل اللغة في النص الأدبي هو فعل تفكيكي لما أنجزته اللغة ذاتها، بتحرير الدوال والعلامات من مدلولاتها المستقرة الثابتة التي ترسّخ من سلطة المؤسسة أياً كانت. وهكذا، على اللغة ألاّ تطمع بمأوى لها، لكونها لا تجد حريتها وكينونتها إلا في التيه، وعليها إذن أن تكونَ في فاعلية تحرّكٍ مستمرة نحو المغامرة والتجديد: «لا أخفي أن ثمة نزعات تقصف بي نحو نوع من التدمير، ونسف للقوالب اللغوية القديمة والجديدة. تدفعني حوافز غامضة وغلابة نحو نوع من التفجير للأبنية التي يتقلص تحتها الفكر والحس، محاولاً أن أجد بين أنقاض هذه الركامات الجوهر الثمين الحي. أتوق إلى نوع من الانهمار اللغوي الذي لا يحدّ حاجزه، وأعرف استحالة ذلك، ولكن ما أن أفتح له ثغرة حتى يندفع، وقد لا أضع يدي مباشرة على منطق يحكم هذا الانهمار ويضبطه»([24]). وعلى هذا الأساس، تنأى اللغة لدى الخراط عن أن تكون مجرد وسيلة للتواصل والتوصيل، أو مستوى زخرفي، وإنما خبرة معرفية بالعالم، يوظفه الروائي لإنتاج نص مغاير ومتمايز، ولأنها تصبح الغاية، بل (هي الكاتب) ينكتب به النص، فاللغة هي نداء الجسد، وهسهسات الرغبة المتقدة. ومن هنا غدت اللغة بعداً استراتيجياً في النص الخراطي إلى درجة أن تجريده من هذا البعد من شأنه إقفار النص وإفقاره، يقول الخراط: «في كتابتي، أجد هذا التأكيد أو التركيز على اللغة، والعناية باللغة، وكأنني أريد باللغة، ومنها، أن تشق طريقاً بصوت أعمق من العادي والمألوف في ذات قارئي وفي نفسه. وفي الوقت ذاته، كأنني أجعل من هذه اللغة بعداً فنياً آخر في عملي الإبداعي، كما قيل، وهو صحيح بمعنى أن اللغة عندي ليست مجرد «اللغة»، أصبحت أكاد أضيق أو أثور على وضع المسألة على هذا النحو، لأن المسألة عندي ليست «لغة»، بل هي مسألة خبرة كاملة ومتكاملة. اللغة عندي ـ فيما أرجو ـ ليست شيئاً خارجياً يمكن النظر إليه»([25]). وبناء على ما سبق، تغدو اللغة لدى الخراط غاية الكتابة، أي بعداً من أبعادها الفنية، بل هي القيمة الأكثر بروزاً وهيمنة، وهي تتحول من خبرة معرفية يتحقق بها تعرّفُ العالم والذات إلى وسيلة للتجريب، وتفكيك الأبنية اللغوية المستقرة، وتجديد لغة الكتابة وإغنائها فضلاً عن كونها عنصراً يحدِّد قيمة النص في أدب إدوار الخراط.
وفي حقيقة الأمر، تقترب علاقة إدوار باللغة من علاقة المتصوفة بها، لأن اللغة تبقى الفضاء الوحيد للكشف وكتابة الصمت، من خلال الإنصات للعالم. إذ تنسحب الذات، ليكتب الغيابُ صمتَهُ وضجيجه، ويرسم كهوفه ومغاراته إلى درجة تكاد اللغة تشرف على منحدر الخطر، والإطاحة بأية إمكانية للتفسير والتأويل، كما هي الحال في الشاهد الآتي:
«رأسُ الميم المكسور المدوّر على ذاته فلْكٌ مغلقٌ يمخر الموج بلا مرسى، وكأن الأرض تتشقق غداً وتمور تحت طوفان البحر الغضوب.
ملائكة الجحيم تحوم بي وهزيم الملأ الأسمى في سماء طامية يزمزم بحدمة الغلمة وجمجمة الرمضاء. أوام حومان له طعم الرغام في فمي. اليم الخضمّ يموج بدوامات من عُرام حميّاي إلى حرمك. ميمي ممدودة إليك بجسم منهمر ونعمتي فيك موصولة بالميمين. رمال مهامه المضض ترتمض جمراً وحمماً وبي لممٌ من غمرات التّيم التي تتمعج في مكامني»([26]).
واللغة هنا في علاقتها بالمرجع/العالم تبدو في محنة شديدة، وربما سيكون من العبث الحديث عن الوظيفة الإحالية، لكونها قد تقوضت وانهارت، لذلك ينعت محمد بدوي النص الخراطي، بأنه نص إشكالي: «يسعى إلى تدمير علاقته بمرجعه»([27])، تمجيداً للغموض والعتمة الدلالية، وهذا لا يعني أن اللغة لدى الخراط تتدفق على الوتيرة نفسها من الغموض والكتامة الدلالية، بل إن الروائي يلجأ إلى وسائل عديدة للتخفيف من وطأة غموض المعنى، وإعادة الوظيفة الإحالية للغة. إن اللغة على مستوى النص الروائي تتمظهر في تجليات متعددة؛ فثمة المستوى التقريري/ الوثائقي، وفيه تنزع اللغة إلى تأكيد الواقع وتوطيد العلاقة مع أشيائه بتشديد الوظيفة المرجعية على نحو ما يُرى في المقطع الآتي:
«على الكورنيش في آخر رشدي باشا، سلالم حجرية ــ أحسها الآن تحت قدميّ ــ منحوتة من البازلت، تنحدر إلى أول شاطئ ستانلي على شمالي، وأنا نازل السلالم: ساحة صغيرة أمام كازينو رشدي الخاوي دائماً حتى في عز الصيف. وإلى يميني جدار عالٍ عريض، مصمت، يسحرني، ليس فيه نافذة أو فتحة من أي نوع. في لون الكريم، تنمو عليه وتلتصق به تعاريج نبات داكن الخضرة نضر كثير التفاريع»([28]).
ومن شأن هذا المستوى اللغوي ــ كما يلاحظ ــ تحقيق التواصل ما بين النص والمتلقي من جهة، وبينهما وبين الواقع من جهة ثانية، وتجسيد المكان نصياً من جهة ثالثة. وتحتفل نصوص الخراط بالمستوى الشعري للغة الروائية، حتى أنها حازت على تسمية «الرواية الشعرية»([29])، نظراً لتوظيف آليات الجنس الشعري من إزاحة وانحراف وكسر لأفق انتظار المتلقي، لتحقيق المسافة الجمالية aesthetic distance والنهوض باللغة الروائية إلى مستويات تتمُّ فيها إعادة تشكيل لعناصر الواقع في سياق نصي مفارق، ولكن هذا المستوى الذي يمتد على مساحات نصية كبيرة في نصوص الخراط، يبقى في إطار الدائرة التأويلية، إذ تتقوس علاقة اللغة بالمرجع، ولكن ذلك لا يلغي فعالية القارئ في تحقيق لذة القراءة بنمو لذة المتخيَّل النصي. وينتقل بذلك قارئ الخراط إلى بنية نصية منزاحة عن المرجع، أي خلق واقع نصي جديد يجمع بين المتناقضات والمؤتلفات ويصهرها، ومن ثَمَّ نسج علاقات دلالية غير مألوفة للعلامات اللغوية، لترتقي اللغة الروائية إلى مصاف اللغة الشعرية، وتخلق صوراً سردية لها كيانها المميز والمحتشد بالكثافة الدلالية والجمالية:
«..حبيبتي .. حبيبتي.. حريتي وأنين صلاة الجسد في المحراب المفتوح المنتهك أي أرضي المستباحة المقدسة لن يغتصبك بَشَنْس إلهك المقرّن القاسي أبداً.. أبداً النشوة الأنثوية بالاغتصاب والرضى بالضربة وارتعادة الجسد المتمرد ينتفض ويشبُّ ويرتخي عذباً طرياً كأنه يتلاشى لكنه يتماسك ويتصلّب ويتحدّى من جديد همس العشق الذي ينطق بحكمة الأحشاء العميقة الممزعة وينهمر بوحشيتها وعذابها ويتلوى بأشواقها الحارة لن يصمت أبداً يا حبي.. يا حبي.. يا ضياعي ونوري الوحيد والطين الطري ينفتح ليتلقى الساقين تغوصان والجزع والصدر ويطوي الذراعين تحت موجته الكثيفة ويهبط فيه الرأس ببطء مفتوح العينين يعرف أنها لحظته الأخيرة ويقبلها وتنطبق شفتا الموجة اللدنتان المكتنزتان وتنفثئ الفقاعة الأخيرة على سطح الطين الذي يرتعش ثم تعود إليه ملاسته الخبيثة الرائقة المتماسكة والنور الهمجي الأبيض كتلة قاطعة الحدود تجرح الأجساد المتلاطمة تتلاحق وتتباعد لكي ترتطم من جديد وتتلمس في النعومة المتقلبة حساً بالولادة والبعث في غضب مياه الفيضان زئير الذكورة المتفجر المكتوم بينما تتحدر الجسور الترابية وتنهار والقمر يتحطم شظايا متطايرة تغوص في البطن الداكن الذي يرتفع وينخفض في حمى الشهوة والظمأ الجديد وقد سقط الإله القاسي تعال يا أوزير الصارم المحبة والقطرات المدورة الكثيفة تنضح على جلدها الأسمر الوثير الذي ينبض بالنداء والاستمتاع في رائحة الخمير ثقيلة بعبق التراب المسقي إذ ينثال بين شقوقه بعد يبوسة الظمأ والتحاريق»([30]).
مما لا شكّ فيه أن الصورة الروائية هنا تضفر الواقعي بالأسطوري، لتنبجس صورة دينامية عن الفاعلية الجسدية في حالة المجامعة، ولكن الروائي إذ يبني هذه الصورة؛ فإنه يلجأ إلى استعارة عناصر الطبيعة في ديناميتها وحركيتها، للتعبير عن تلك الفاعلية الجسدية، وتتماهى مستويات الصورة فيما بينها وتتداخل لاعتماد الروائي على آليات الإزاحة والتكثيف من استعارة وتشبيه؛ مما تقترب اللغة بذلك من مستويات اللغة الشعرية. هذا فضلاً عن أن إدوار الخراط يلجأ إلى تقنيات النص الشعري الطباعية في تشكيل خطابه الروائي كما هي الحال في نصوص (اختراقات الهوى والتهلكة) و(حريق الأخيلة) و(أمواج الليالي).
وثمة ظاهرة أخرى، تثير اهتمام القارئ في لغة الخراط الروائية، وهي ظاهرة (الإصاتة) التي تقوم على تكرار حرف بعينه في مساحات نصية، تنبثق فجأة دون مقدمات خلل الخطاب الروائي، وتظهر هذه اللوحات الصوتية مدى التناص Intertextuality والتقاطع مع نصوص الخطاب الصوفي، حيث تغيب الذات، لتتكلم اللغة، ولتبدأ سطوة الغموض:
«وعلى الرغم من دغلة الغضب المتوغلة في مغاوري، وعلى الرغم من غابة الغيلان المراوغة، فإن غُنَّة غوايتك مغمغمةً بأغنيات غامضة المغزى، غوائل الغلة قد غدت أضغاث لغو عابر، وغاشية غبش الغمر قد غابت في غضون غرارة لها نغمات الملاغاة، بغي طغمة مغانيك يغللني، غرامي فيك غلواء وطغيان غريم ليس غريباً ولا يغيب عني بل موغل في أغواري. أصغو إلى غنج أغاريدك الغزلة وإلى دغدغة الغيد في غلالتك، أفغم ثغرك الرغد، وفي مناغاتك غفران لكل النزعات والمغامز، بزغ الغراس المغرورق في غيطاني، غاصت الغيامات وغار الغي وتغضن الغضا، في غمضي، غدائرك المغدودنة على غيطتك الغناء غضوناً، غضرة سابغة على غضوضة الروغة الغمقة ألغ فيها، وأوغل في غسق الغلمة، الغدق يغمرني فأغض برغرغة الغطاس في الغدير الغمرات، وها أنذا غائب في المثول، وماثل في الغياب»([31]).
يسوِّغ الكاتب لجوءه إلى هذه التقانة في تكثيف الأصوات، وخلق بؤر نغمية منها من حيث هي تعبير عن انفعالات داخلية وتناص مع نصوص المتصوفة، وكما يتراءى للمتلقي، فإن الكاتب يفكك العلامات اللغوية من الدلالات المتعارف عليها ويزجّها في سياقات غير مألوفة، مما يحدث قطيعة في عملية التواصل الدلالي، والوصول باللغة إلى حدود الإعتام والغموض، يقول الخراط: «إن هناك ضرورة انفعالية وتعبيرية، في ما آمل، لكن هنا سبباً آخر، ربما يتصل بتراثنا الصوفي. فالحرف عند الصوفي ليس مجرد اللفظ بصوت ما، ولكن له دلالات شققوها لأنفسهم، [و] هناك أيضاً الوجد باللغة، لا بما أنها لفظية فقط كما قلت، بل تتضمنه من بنية موسيقية ومن نسيج سحري موسيقي، محاولة الغوص إلى طبقة جيولوجية بدائية في الحس، إذا صح هذا التعبير، حيث يكون التواصل عبر جرس اللغة مما يكاد تواصلاً مباشراً، أصلياً، أولياً»([32]). ويفسر سامي علي هذه الظاهرة الأسلوبية بنزوع الكاتب إلى خلق الوحدة: «حيث تمتزج الأشياء وتشتبك، أي تتخلق باعتبارها جسداً موحداً، وذلك باستخدام كلمات الجناس، وكلمات يتكرر فيها حرف بعينه، (...) مما يخلق صورة كاملة حيث نجد أن الكلمات المختلفة تعيد إنتاج هذه الرؤية التي تنفذ الأشياء فيها من بعضها إلى بعض وحيث الأشياء، فيما وراء التنوع والاختلاف، تهدف إلى شيء ما موجود باستمرار وغائب باستمرار»([33]).
وأياً كانت تبريرات النقاد والخراط بخصوص هذه اللوحات الصوتية، فإنها حالة لغوية/صوتية تتجاوز حالات الانزياح والانحراف المعروفة، وهي في الواقع تشكل خطورة عارمة، لأنه مهما لاذت اللغة بالعتمة في مستوياتها الشعرية، فإنها قابلة للتأويل والتفسير. بيد أنها في هذه الحالة، حيث اللعب على الحرف يبلغ أقصاه، فإن الكاتب يطيح بعلاقة العلامة نهائياً مع المرجع، بل إن المرجع يتقوّض، ولا يبقى سوى هسيس الصوت يعربد في فضاء البياض. إنه لعب جميل ولكنه خطير. ولكن تمكن الإشارة إلى أن هذه الإصاتة في الثلاثية: (رامة والتنين، الزمن الآخر، يقين العطش) تفرز نوعاً من الإيقاع، يضمن الوحدة البنيوية من بين وسائل كثيرة يلجأ إليها الخراط في تأمين التماسك البنائي لنصه الروائي؟
ثالثاً: التناص وشهوة التكرار المختلف
إلى جانب خاصيتي الكتابة الاختراقية عبر النوعية، واللغة كقوة نصية مهيمنة في النص الخراطي، ينهض التناص Intertextuality بمستوييه الخارجي والداخلي، لإضفاء الاختلاف والتغاير على كتابة إدوار الخراط. والتناص في صيغته العامة، يعني فتح النص في طور التَّبَنْيُن على النصوص الأخرى، ويقتضي مفهوماً متطرفاً في صناعة النص الأدبي، من حيث كون الأدب عموماً لا يخرج عن محاولة استدعاء للنصوص السابقة والمعاصرة، وإعادة تنظيم هذا الركام المستدعَى في شبكة النص اللاحق أو برسم الإنجاز، وهكذا: «فكل نص هو بالضرورة مركز تقاطع وتداخل علاقات ونصوص لا يمكن حصرها (لا يمكن حصرها: ليس لأن ثمة إمكانية لحصرها لو أننا انقطعنا في تتبعها ونصبنا في حصرها، بل لأن الأثر نفسه [أصداء المعنى ـ القراءة] هو احتمالية التكرار والمضاعفة في احتمالية الحصر). ومن هذه الحقيقة تبرز قضية التناص أو تداخل النصوص وبنيتها في نسيج لا بداية لها ولا نهاية لها»([34]). واستناداً إلى ما سبق، تنفتح نصوص الخراط في علاقتها الخارجية على ركام كثيف من النصوص والاقتباسات والاستجلابات النصية مستدعاة من أطر ومصادر ثقافية متنوعة/متعددة: التراث الفرعوني، اليوناني، العربي/الإسلامي...إلخ. ويزخر النص الخراطي بأصداء المنظومات المذكورة، بيد أن استدعاء «الأثر» يترافق مع قانون التحويل Transference الذي يتولى تفتيت الأثر في سياق النص، ليبدو جزءاً ومكوناً من مكوناته. وعلى سبيل المثال، يمكن تقديم هذا التقاطع التناصي مع الخطاب القرآني والعهد القديم:
«أينما توليت، في الغمض وفي الصحوة، وكلك مشتهاة، فثم هذا الوجه أمامي، وجهك. ماثلاً مستضيئاً في حرقة الشمس، ساطع الجمال، وسمرته أسيلة. عيناك لهفة الوجود، زمردتان قاطعتان في القلب. صفحة هذا الوجه الرخيم هي النعمة، مفقودة وقائمة أبداً.
فرس جموح، تشقين السحاب، وساحة روحي هي بريتك الفسيحة المتموجة السفوح.
دوائر فخذيك ذهب خمري مسبوك، ملساء باردة تحت خدي، لامعة وقاطعة بين يديّ.
ثدياك عناقيد كرْم، ومازال سيفي على فخذي مسلولاً أمام هول الليل في يمّ عشقي.
وفمك حلوٌ، ما زلت أنهل خمري الصهباء الصافية لا تفيض أبداً، من عناقيد نهديك، ومن كأس سرتك المدوّرة. سكرت من سرف سلافتك التي لا تسعها بحور السماوات والأرضين، ومازال لساني جافاً مقطوعاً على سنّ سكّينتك، أنيني ويقيني: هل من مزيد؟
وعلى يديك ينطف دمي والعسل والخلّ، واللبن والنبيذ، معاً»([35]).
وإذا كان المجال هنا لا يتسع لاستقصاء التحويلات التي أجريت على الأثر المتناص معه؛ لأن اختلاف الدلالة ما بين الأثر السابق واللاحق، لا تحتاج إلى تعليق، وعلى هذه الوتيرة نفسها تجري في نصوص الخراط تناصات مع نصوص من (ألف ليلة وليلة)، إن على مستوى المادة النصية أو البنية الهيكلية([36]).
على أن ما يستأثر باهتمام القراءة، للتأكيد على خاصية الاختلاف، الوقوف إزاء التناص الداخلي/الذاتي؛ أي تلك العلاقة التناصية التي يشيّدها نصُّ الخراط مع النُّصوص الأخرى على مستويات البنية والتيماتThemes والزمكان ومجموعة من العلامات اللغوية التي لا تنفك أن تتكرر في الأشرطة اللغوية للنصوص. ويتراءى للمتلقي، كما لو أن الخراط يعيد كتابة النص ذاته في كل محاولة كتابة، يقول: «إن كل كتاباتي هي كتابة واحدة، ليست متكررة.. ليست مكرورة، وليست نسخاً متطابقة إحداها مع الأخرى على الأقل هذا ما أرجوه. ولكنها فيما أقصد، تعني بالهموم نفسها وبالقضايا نفسها، وبالمسعى نفسه. هنا القول الشائع في العمل النقدي بأن كل كاتب، إنما يقضي حياته ليكتب كتاباً واحداً. وأنا أقول: إنه يقضي حياته لكي لا يتم كتابة هذا الكتاب الواحد. لا يكمله ولا ينتهي من كتابة هذا الكتاب الواحد المتعدد في الوقت نفسه»([37]). يدفع الخراط بمفهوم التناص إلى أقصاه، ويخرجه بذلك عن المفاهيم الشائعة له في الكتب النقدية. وفي حقيقة الأمر، إن ما ينتجه الخراط من نصوص يندرج ضمن مفهوم جيل دولوز عن التكرار المختلف([38])؛ أي أن الشيء(النص) المتكرر، إنما يمارس التكرار؛ ليختلف مع ذاته لا ليتماثل ويتشاكل، لأنه في كل مرة يتكرر يكون مدفوعاً بشهوة الاختلاف والتمايز. وفي تفسيره لهذه الظاهرة (ظاهرة التكرار المختلف)، فإن الكاتب يعود بنا إلى: «نوع من استلهام التكرار الذي يلهم الحضارة العربية والمصرية القديمة، والبناء التفريعي في فن «الأرابيسك» العربي، [ويضيف] أقصد السعي نحو تحقيق أو الوصول إلى ما هو لانهائي ولا محدود، ولا يمكن الإمساك به أو اقتناصه، عن طريق التكرار بالضبط؛ أي المضي في دائرة أو في مثمِّن الأضلاع، وهو أقرب الأشكال إلى الدائرة»([39]).
إن هذا الوعي بالتناص، جعل النص يختلف مع نفسه، لأنه إذ ينكتب، إنما يحتشد بخبرة فنية جديدة، من جراء زجِّ العلامات في سياقات تختلف عن سياقاتها السابقة، فتُحَمَّل بأصداء دلالية إضافية، لينفتح النص وفق ذلك في انكتابه الجديد، على عوالم متعددة ومختلفة من المعنى والأشكال الأدبية. وبذلك يكون نصُّ الخراط برسم التكرار المؤجَّل، ومهيأً للانكتاب مرة أخرى وأخرى.
رابعاً- زحزحة السرد:
سبق وأن أشارت الدراسة إلى تمرد «الرواية الجديدة» على طرائق الرواية التقليدية وأساليبها في الكتابة، نظراً لتغيّر الرؤية الفنية وتحولها تجاه العالم، فاستتبع ذلك إعادة نظر كاملة في استراتيجيات القص والزمكان واللغة، ... ويمكن عدّ كتابة الخراط نموذجاً حياً على عملية تفكيك الرؤية التقليدية، بدءاً من مجموعته القصصية الأولى (حيطان عالية ـ 1958) وانتهاءً بروايـة (يقين العطش ـ 1996)، مروراً بـ(رامة والتنين، الزمن الآخر، ترابها زعفران، يا بنات إسكندرية....)، وهذا الكاتب لا ينفك ولا يملُّ من مغامرات التجريب، والتحديث التي يجريها على فعل القص والكتابة مازجاً ما بين استراتيجيات القص لدى الآخر، وما يتوفر منها في التراث العربي ـ الإسلامي والمصري، لكنه لا يبقى رهين الصوت الخارجي، إذ إنه لا يلبث أن يُدَخْلِن الخارج ويُخَرْجِن الداخل، فيكون الاختلاف على مستوى النص المنتوج، الذي تبدّى خلل الكتابة عبر النوعية وتفعيل المستويات اللغوية في جسدنة النص، وتكريس الاختلاف عبر التكرار التناصي، ونسف مواقع السرد التقليدية، وطرح البديل القائم على التجريب والتغيير.
وتُلمس في السياق النصي لكتابة إدوار الخراط انكسارات حادة في حركية السرد، واشتغال المكونات السردية: فعلى مستوى الزمن، تفتت النسق الزمني التقليدي (الماضي، الحاضر، المستقبل)، واتجه النص لتشكيل زمنه الخاص القائم على تداخل هذه الأزمنة فيما بينها، فلم يعد ثمة مبرر للمطابقة مع الزمن الخارجي/الفيزيائي، مادام النص يتجه إلى تثبيت اللحظة الهاربة والعمل ضد الزمنية، يقول الكاتب: «أطمح في ما أكتبه إلى إسقاط المقولة الزمنية»([40])، وهذا يعني التماهي بين المستويات الزمنية الثلاثة: «حيث يتداخل وينصهر الماضي والمستقبل والحاضر وتضيع الحدود بينهما، وتنتقل الخبرة إلى مستوى لا يعود فيها لهذا التقسيم المصطلح عليه والمفيد في الحياة اليومية معنى ما»([41]). وبناء على ذلك، لا يجد الزمن التقليدي الذي استبد بالرواية التقليدية، أي مهرب سوى التلاشي على بوابات النص الجديد، لينهض من خلاله وقد اكتسب خاصية التماهي على مسار الشريط النصي. وبهذا المعنى يفقد الزمن منطقه الفيزيائي/الموضوعي، ولا غرو في ذلك مادام التفكيك يطال بنية اللغة، ويتأسس النص وفق منولوجات داخلية، تحدُّ من حركة الزمن التقليدي وسطوته، ليندغم الماضي بالحاضر والحاضر بالماضي، فلا يبقى مجال للتمفصل بين أزمنة النص.
إن الزمن الروائي لدى الخراط هو الزمن المتداخل: «إنهم هناك جميعاً في وقت واحد معاً»([42]). ومن هنا يمكن تفسير الحضور العنيف للمكان لدى إدوار الخراط. وفي هذا السياق، يمكن الاستشهاد برواية (ترابها زعفران) كمثال على نسف الزمن التقليدي بغية بناء الزمن النصي الذي يتجسد في هذه الرواية بتداخل الأزمنة:
«أرى الولد، صغير الجسم، ساقاه رفيعتان في «الشورت» الأبيض الواسع وقميصه مفتوح. عيناه كأنما فيهما نظرة متأملة، مبكرة كثيراً عن سنه، وهو يقف في أول الصبح على حافة البحر الموحش، عند «المندرة»
(...)
أحس، عبر السنين الطويلة، بالنداوة اللينة تحت قدميك الحافيتين والهواء المبلول على وجهه»([43]).
وهذا التماهي بين زمني الحاضر والماضي في المقبوس يجعل الماضي مستمراً في الحاضر، كما لو أن ليس ثمة ماضٍ على الإطلاق، من خلال انصهار الزمنين، لأن الكائن الإنساني لا يحيا أزمنة متمفصلة عن بعضها، بقدر ما تصنعه تواريخ مشتركة وأزمنة متقاطعة، متجاورة، تتناص فيما بينها، وتردد أصداء بعضها البعض، دون انقطاعات. ويقوض الروائي من تتابعية السرد حسب الزمن التقليدي، بفتح فجوات وثغرات ينفتح بموجبها زمن النص على زمن الحلم والأسطورة والحكاية الخرافية كما هي الحال مع الشاهد الآتي الذي يستحضر عالم ألف ليلة وليلة:
«ذهبت فجأةً إلى قديم الزمان وسالف العصر والأوان، ودخلت قصر شهريار ملك ساسان وأخيه شاه زمان ملك سمرقند والعجم، ورأيت امرأته تواقع العبد مسعود مع جواريها العشرين اللاتي يواقعن العبيد العشرين وما يصاحب ذلك من بوس وتقبيل وما تلاه من تنكيل وتقتيل، والأميرة شهرزاد تنزل من «أتومبيل باكار» مقدمته مربعة الشكل ولامعة، أمام سينما محمد علي في شارع فؤاد، وينحسر الفستان الحرير عن فخذيها السمراوين تنفرجان، عندما تهبط فأرى العتمة الغامضة بينهما»([44]).
وبهذا الشكل من الخلخلة في النسق الزمني، فإن إدوار الخراط يمنح للنص ديناميته عبر انتشاله من تلك التراتبية الزمنية البطيئة في الرواية التقليدية. وقد ترتب على هذه الخلخلة أيضاً نسف الترابط المنطقي/السببي الذي يربط بين السابق واللاحق من أحداث النص، وبات القارئ إزاء أحداث منفصلة ومختلفة، بل متناقضة، وأضحى السياق العام للنص مع الراوي المعوّل عليه في توفير وحدة النص وتأمينها. تقول اعتدال عثمان عن بنية الحدث الروائي في (رامة والتنين، والزمن الآخر): «وينحو الكاتب إلى تقطيع الحدث إلى وحدات مكتملة وقائمة بذاتها، لكنها متصلة عبر السياق، يربطها راوٍ واحد، ليس عليماً بكل شيء، ولا مهيمناً، إنه الراوي متعدد المواقع الذي يبحث عن الحقيقة والعدل في الحاضر والتاريخ والمستقبل على السواء، وتتداخل وحدات الحدث مستقطبة إلى النص الروائي عشرات النصوص التراثية والتاريخية والتسجيلية»([45]). وإذا كانت القراءة توافق الناقدة كلامها بشأن الحدث بتناثره على أشرطة النص، بعد تقويض مركزية الحدث الرئيس وتشظيته، فإنها تتحفظ على رأيها بشأن الراوي عند إدوار الخراط. وفي الحقيقة مازال الراوي يحتفظ بأصداء الراوي التقليدي نسبياً، الراوي العليم بكل شيء، الذي لا يترك شاردة وواردة، رغم أنه يفسح المجال لبعض الأصوات الأخرى في سياق النص. غير أن سطوة الراوي في تملُّك الخطاب الروائي لا غبار عليها لدى الخراط. وغالباً ما يتولى (ميخائيل قلدس ـ الشخصية الرئيسة في الثلاثية) قيادة السرد، ومن الصعوبة بمكان تمييزه عن الراوي المفارق له، فالتماهي يصل إلى حد التطابق في كثير من الأحيان.
أما على مستوى الشخصية النصية التي تلقت خلخلة قوية وشديدة في الرواية الجديدة بتقويض سطوتها وهيمنتها في فضاء السرد، فإنها في مساحات الخطاب الروائي لدى إدوار الخراط فقدت امتيازاتها السابقة، واتسمت بالحضور المؤقت في ساحة الخطاب، وهذا لا يعني انتفاء الشخصية النمطية عند الكاتب؛ إذ يصدف المتلقي هذا النموذج، كما هي الحال بالنسبة إلى شخصية (فرح العرباوي، الجد ساويرس ــ حجارة بوبيلو)، وكقانون عام يمكن القول إن الشخصية ذابت في اللغة؛ لتختلس الأخيرة البطولة من الشخصيات، ولتصبح هي القوة المهيمنة في الخطاب، بتعدديتها ومستوياتها المتنوعة، كما امتاز الخطاب الروائي عند الخراط بتوجهه نحو الشرائح الهامشية من المجتمع، بتقديم كتل بشرية (الصعايدة)، والاحتفاء بالشخصيات الإشكالية (خضرة، حميدة البرصة، رامة) وتلبيس شخصية بأبعاد أسطورية، مما أخرجها عن تلك الاعتيادية المألوفة في الرواية التقليدية، فضلاً عن زجّ كائنات حيوانية ونباتية (القرد، الأشجار، الحمام...) في الخطاب لتفعيل السرد الروائي.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الوصف عند الخراط يستحوذ على أهمية فائقة في الخطاب الروائي، لما له من أهمية في تشكيل الصورة المكانية. وحسب القراءة في هذه الدراسة الآن أن تذكر بأن الوصف يسهم في خلق واقع نصيٍّ؛ ليعمق من فاعلية الوظيفة المرجعية، ويشد القارئ إلى العالم. وفي الواقع يحتاز الوصف على قيمة «الحدث» الروائي ذاته، ويغادر بذلك الموقع الطارئ له في الرواية التقليدية، ليصبح قوة نصية، تتوقف على حركته ونشاطه طبيعة الدلالة، يقول إدوار الخراط: «الوصف في عملي يسبق السرد، (...) إن الوصف (...) حدثٌ في ذاته وحده، واقعة تامة. وانسياب سحابة في سماء مستعرة على سبيل المثال، ليس مجرد رمز ولا مجرد علامة، بل يمكن أن يكون درامياً، بمجرد الوصف، بقوة اللغة، بما في الكلمات من طاقة، من تراسل صوتي أو تضاد نغمي»([46]).
ومن حيث موضوعات/ثيماتThemes النص، بدأ الخطاب الروائي عند إدوار الخراط يرتاد تلك المناطق المجهولة، والموضوعات المسورة بصبغة القداسة، ومحاولة تفكيك ما ترسخ من الأسوار حول الوجود، والمطلق والدين، والجنس، والسياسة، ووضع الواقع موضع السؤال، والشك بمستوياته، يقول الكاتب: «ليس هناك عندي رقابة ذاتية أو هذا ما أحس وما أعرف. طبعاً بالعكس هناك حس للثورة والتمرد، حس مستمر رغم هذه السن المتأخرة، ومحاولة لاقتحام المحظورات باستمرار»([47]). ويوضح المستوى التيمي لنصوص الخراط اندماج الذاتي بالموضوعي، وهو ما يمكن أن يتلمسه القارئ في روايات (حجارة بوبيلو، ترابها زعفران، يا بنات إسكندرية...) وغيرها من روايات الكاتب.
وفي نهاية المطاف، تعد كتابة الخراط بإجماع النقاد من أغنى التجارب الروائية في العالم العربي. إنها مغامرة محفوفة باللذة ومهاجمة المستحيل، واختراق المجهول، والقبض على ما لا يمكن الإمساك به من مساحات الخبرة الإنسانية المتوارية عن الرؤية، وتجديد العلاقة بين القارئ والعالم، وهي بمعنى ما وثبة وشهوة تتقدم في خرائط الذات والواقع وتشكل تمرداً وإرهاباً، عصياناً على استبدادية السائد من قمع وشرّ. إنها كتابة تنهض ضد الموت لتنفتح على فضاءات الحرية.
[1] - ذوات العدد41
([2]) - إدوار الخراط في حواره مع صبري حافظ: مجلة عيون المقالات، ع(1)، الدار البيضاء، 1986، ص 129
([3]) - جاك دريدا: الكتابة والاختلاف، ت: كاظم جهاد، الدار البيضاء: دار توبقال، ط 1، 1988، ص71
([4]) - محمد برادة: الأدب وبوطيقيا المجهول، مجلة الكرمل، ع (51)، رام الله، ربيع 1997، ص 294
([5]) ـ إدوار الخراط: أنشودة الكثافة، القاهرة: دار المستقبل العربي، ط1، 1995، ص43، ولا يخفى على القارئ هنا أصداء آراء رولان بارت في خطاب إدوار الخراط بخصوص شبقية الكتابة.
([6]) - إدوار الخراط: الحساسية الجديدة، مرجع مذكور، ص14
([8]) - أحمد خريّس: ثنائيات إدوار الخراط النصية، عمّان: دار أزمنة للنشر والتوزيع، ط1، 1998، ص19
([9]) - المرجع السابق، ص ص 19-20
([10]) - تشمل المتوازيات النصية حسب جيرار جنيت Genette العناوين الرئيسية والثانوية الخارجية منها والداخلية، وكذلك المقدمات والملحقات، وغير ذلك من الإشارات التي تحيط بالنص مساعدة على الدخول إلى عوالمه وأسراره. للتفصيل في ذلك، ينظر: السيموطيقيا والعنونة: جميل حمداوي، مجلة عالم الفكر، مج (25)، ع(3)، الكويت، يناير-مارس 1997
([11]) - إدوار الخراط: السؤال والمعرفة (حوار عائدة بامية)، مجلة مواقف، ع (69)، بيروت، خريف 1992، ص42
([14]) - إدوار الخراط: الكتابة عبر النوعية (مقالات في ظاهرة القصة- القصيدة)، القاهرة: دار شرقيات للنشر والتوزيع، ط1، 1994، ص13
([16]) - ينظر: مشكلة التجنيس الأدبي: فخري صالح، مجلة الآداب، ع(5-6)، بيروت، أيار-حزيران 1997
([17]) - ينظر: من الأثر الأدبي إلى النص: رولان بارت، ت: عبدالسلام بنعبد العالي، مجلة الفكر العربي المعاصر، ع(38)، بيروت، آذار 1986، ص (113- 114-115-116)، والأفكار الواردة في متن الدراسة مستخلصة منها بتصرف.
([18]) - منصف عبدالحق: زمن الكتابة، زمن الإنصات، مجلة الكرمل، ع (46)، قبرص، 1992، ص 53
([19]) - ميجان الرويلي: قضايا نقدية ما بعد بنيوية، الرياض: النادي الأدبي، ط1، 1996، ص35
([20]) ـ جاك دريدا: الكتابة والاختلاف، مرجع مذكور، ص 104
([21]) - بخصوص ذلك ينظر: رولان بارت والأدب: فإنسان جوف، ت: محمد سويرتي، افريقيا الشرق، ط1، 1994، الفصل الثاني- فقرة اشتغال الدال.
([22]) - حسن حسني: يقين الكتابة، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ط1، 1996، ص203
([23]) ـ إدوار الخراط: أنشودة الكثافة، مرجع مذكور، ص 92
([26]) - إدوار الخراط: ترابها زعفران، بيروت: دار الآداب، ط2، 1991، ص194
([27]) - محمد بدوي: الرواية الجديدة في مصر، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، 1993 ص 85
([28]) ـ إدوار الخراط: يا بنات اسكندرية، بيروت: دار الآداب، ط1، 1990، ص75
([29]) - ينظر بهذا الشأن مقالة: الرواية الشعرية-نموذجاً لأصالة الحداثة: فريال جبوري غزول، قضايا وشهادات (كتاب ثقافي دوري)، ع(2)، دمشق: مؤسسة عيبال للدراسات والنشر، 1990. تقول الناقدة بخصوص رواية الزمن الآخر لإدوار الخراط: «نلمس في الزمن الآخر مهارة لغوية واستغراقاً بيانياً وانغماساً في متعة الكلمة المصوتة...الخ». ص240
([30]) - إدوار الخراط: رامة والتنين، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1980، ص82
([31]) - إدوار الخراط: الزمن الآخر، بيروت: دار الآداب، د. ط. ت، ص465
([32]) - إدوار الخراط: ألم الآن بقايا نهار العمر، مرجع مذكور، ص284
([33]) - سامي علي: ملاحظات على أعمال إدوار الخراط، مجلة فصول، مج (15)، ع(2)، القاهرة، صيف 1996، ص369
([34]) - ميجان الرويلي: قضايا نقدية ما بعد بنيوية، مرجع مذكور، ص ص118-119
([35]) - إدوار الخراط: ترابها زعفران، مصدر مذكور، ص 150
([36]) - لقد أشار إدوار الخراط في أمكنة مختلفة من كتبه وحواراته على الحضور الكثيف للتراث المصري والعربي/الإسلامي، ومن ذلك ما جاء في كتابه (أنشودة الكثافة بقوله: «وعلى صعيد تجربتي الخاصة أرى بدءاً من رواية (رامة والتنين) ثم رواية (الزمن الآخر) وانهاء بشكل خاص بـ (مخلوقات الأشواق) و(أمواج الليال)ي سلسلة من حضور كثيف لتراثنا، سواء كان التراث المصري أو التراث العربي، وسواء أكان التراث اللغوي أو المضموني معاً، هنا، تراثاً شعبياً (مثل ألف ليلة وليلة) وسير الملاحم الشعبية أو الحواديت، أو كان تراثاً كلاسيكياً.... الخ» ص140
([37]) - إدوار الخراط: الحياد والكتابة، مجلة العربي، ع(468) الكويت، نوفمبر 1997، ص 148
([38]) - ينظر بخصوص ذلك: جيل دولوز «الاختلاف والتكرار»: فيليب مانغ، مجلة كتابات معاصرة، مج (9) ع(34)، بيروت، تموز- آب1998
([39]) - إدوار الخراط: ألم الآن بقايا نهار العمر، مرجع مذكور، ص 287
([40]) - إدوار الخراط في حواره مع سعيد الكفراوي: مجلة العربي، ع(432)، الكويت، نوفمبر 1994، ص74
([41]) ـ إدوار الخراط: أنشودة الكثافة، مرجع مذكور، ص ص29-30
([42]) ـ إدوار الخراط: ألم الآن بقايا نهار العمر، مرجع مذكور، ص291
([43]) ـ إدوار الخراط: ترابها زعفران، مصدر مذكور، ص41
([45]) - اعتدال عثمان: الذاكرة الثقافية بين التفكيك والتركيب (قراءة في الروايات المصرية الحديثة)، مجلة علامات في النقد، مج(1)، ج(1)، جدة، مايو 1991، ص 128
([46]) - إدوار الخراط: ألم الآن بقايا نهار العمر، مرجع مذكور، ص293
([47]) - إدوار الخراط: ال والمعرفة، مرجع مذكور، ص46