إنشاء جامعات رائدة في شبه الجزيرة العربيَّة
فئة : ترجمات
إنشاء جامعات رائدة في شبه الجزيرة العربيَّة
ديل أيكلمان[1]
ترجمة: اضريوي بوزكري
عُرِفَ التَّعليم العالي في شبه الجزيرة العربيَّة منذ عشرات القرون، ومنذ زمن بعيد؛ كانت هناك مراكز للتَّعليم الإسلاميِّ في مكَّة، وفي تريم بحضرموت، وعلى مشارف شبه الجزيرة؛ في جزيرة فَشْم قبالة جنوب إيران. أمَّا معظم المؤسَّسات ذات الطَّابع الغربيِّ في شبة الجزيرة العربيَّة؛ فلا يتجاوز عمرها نصف قرن. كانت كلِّيَّة العربيَّة السُّعوديَّة للبترول والمعادن - حاليَّاً جامعة الملك فهد للبترول والمعادن-، تضمُّ مائة طالب حينَ افتُتِحَت سنة 1963، وتلتها جامعة الكويت سنة 1966، ثمَّ الإمارات العربيَّة المتَّحدة سنة 1976، وجامعة السُّلطان قابوس بسلطة عُمَان سنة 1986، وهذه كلُّها جامعات حكوميَّة على سبيل المثال لا الحصر، وأمَّا المؤسَّسات الخاصَّة للتَّعليم العالي؛ فلم يتمُّ التَّرخيص لها إلَّا في الخمس عشرة سنة الأخيرة، حيث كانت الانطلاقَة بالإمارات العربيَّة المتَّحدة وسلطنة عُمَان في 1995، ثمَّ أعقبتها أغلب البلدان الأُخرى في القرن الحاليِّ. في الكويت، مثلاً، يعود تاريخ المرسوم المرخَّص للتَّعليم العالي الخاصِّ لسنة 2000 فقط، وأوَّل جامعة خاصَّة فتحَت أبوابها سنة 2003.
تمتدُّ جملة النَّماذج التَّعليميَّة، المعتمدة بالجامعات الخاصَّة من مؤسَّسات قائمة بذاتها إلى فروع جامعات أجنبيَّة تُقدِّم دراسات في موادَّ محدَّدة فقط. كلُّ الجامعات الخاصَّة مُلزمة بالقوانين الوطنيَّة لإقامة شراكة مع مؤسَّسات أجنبيَّة، وهذه تشمل الجامعات القائمة؛ سواءٌ العربيَّة، والأمريكيَّة، والبريطانيَّة والهولنديَّة، والأستراليَّة، والهنديَّة والألمانيَّة. تضمُّ بعض الأماكن، كالمدينة التَّربويَّة بقطر، فروعاً من الحرم الجامعيِّ لمؤسَّسات أجنبيَّة أصليَّة، إلى جانب جامعة قطر؛ أي: المؤسَّسة الحكوميَّة الَّتي استعملَت برنامج إصلاح جذريٍّ في سنة 2003، كما تقوم كذلك بتقديم تحليل أسهل لأنشطتها عبر الإنترنت مقارنةً مع أيَّة مؤسَّسة حكوميَّة في المنطقة (http://www.qu.edu.qu/pffices/popd/).
بالنِّسبة للعديد من دول المنطقة؛ تمنح وكالات الاعتماد الموجودة على مستوى وزارات التَّعليم العالي شهادة -الاعتماد للجامعات الخاصَّة، وتفرض أحيانا مقاييس مُعاينة- أكثر صراحة مِمَّا يمكن أن تقدِّمه هيئات الاعتماد الدُّوليَّة. اعتمدت اللَّجنة الإماراتيَّة الاعتماد الأكاديميَّ (www.xaa.ae) تسع وسبعين (79) مؤسَّسة أكاديميَّة اعتبارا من 2016، وهو أقلُّ عدداً لمؤسَّسات ما بعد الثَّانويِّ في المنطقة، أمَّا في عُمَان؛ فإنَّ «السُّلطة العمانيَّة للاعتماد الأكاديميِّ» (oaaa) تغير اسمها إلى «الجهاز الوطنيِّ للاعتماد الأكاديميِّ وضمان الجودة» (nbaq) 2010، ويضمُّ 48 مؤسَّسة للتَّعليم العالي، منها ثماني جامعات، ستٌّ منها خاصَّة. كما أنَّ السُّلطة العمانيَّة هي الوحيدة في شبة الجزيرة العربيَّة الَّتي تقدِّم تقارير التَّدقيق والمتابعة عن المؤسَّسات المراجعة والمعاينة عبر الإنترنت. أمَّا في الكويت؛ فإنَّ مجلس الجامعات الخاصَّة الكويتيَّة (puc) (www.puc.edu.kw)، والَّذي تأسَّس في سنة 2000، قام بالتَّرخيص لسبعة عشر معهداً للتَّعليم العالي ابتداءً من سنة 2016، ثمانية منها اعتُمدت اعتباراً من 2010، تمَّ إلحاق المجلس (puc) بالمكتب الوطنيِّ للاعتماد الأكاديميِّ وضمان الجودة (nbaq) (www.nbaq.kw)، بالرَّغم من أنَّ المجلس واصل مزاولة جميع وظائف الاعتماد منذ 2016
إنَّ كلَّ أجهزة الاعتماد مزدوجة اللُّغة؛ أي: العربيَّة والإنجليزيَّة؛ لأنَّ المؤسَّسات الخاصَّة تشتغل في المقام الأوَّل بالإنجليزيَّة، واختيار اللُّغة يبقى مسألة أساسيَّة، وتقوم كلٌّ من الجامعات الخاصَّة والحكوميَّة في منطقة مجلس التَّعاون الخليجيِّ وفي جهات أُخرى، كأجهزة الاعتماد الجهويِّ، بتبادل المعلومات حول «ضمان الجودة» و«أفضل الخبرات».
إنَّ زخمَ التَّوسُّع السَّريع للتَّعليم العالي العامِّ، والتَّعليم العالي الخاصِّ على وجه التَّحديد في شبة الجزيرة العربيَّة؛ لا يقتصر على هذه المنطقة فحسب، فذلك النُّموُّ الأسي أو الارتفاع الهائل لأعداد الطَّلبة المتخرِّجين من المدارس الثَّانوية؛ هو ما أحدث وزاد من الطَّلَب على التَّعليم العالي؛ والَّذي يفوق بكثير الطَّاقة الاستيعابيَّة للمؤسَّسات الحكوميَّة الموجودة. لذا وكتدبير مؤقَّت في عُمَان سنة 1999 مثلاً: أمر مجلس الوزراء بشكل مفاجئ الجامعة الحكوميَّة بمضاعفة استيعاب الطَّلبة للموسم الجامعيِّ 1999-2000، وبحلول 2001 لمَّا أعلنت عُمَان إنشاء مجلس الاعتماد التَّابع للدَّولة؛ صرَّحَت وزارة التَّعليم العالي بأنَّ المؤسَّسات العُمَانيَّة لا يمكنها استيعاب إلَّا 32% من خرِّيجي التَّعليم الثَّانويِّ الَّذين يُقدَّر عددُهم بحوالي 2700 سنويَّاً، وهكذا ومع الدُّخول الجامعيِّ لموسم 2007-2008؛ كان لعُمان 66301 مُتخرِّج من القانون، من بينهم 75% أو 49856 طالباً تقدَّموا للتَّسجيل في معاهد عُمَان المختلفة للتَّعليم العالي، إلَّا أنَّه لم يتمَّ استيعاب إلَّا 19815 أو 40% فقط من هؤلاء المرشَّحين. وأمَّا في العربيَّة السُّعوديَّة؛ فقد ارتفع عدد الجامعات الحكوميَّة من 8 إلى 20 ما بين 2003 و2009، ثمَّ واصلت جامعات جديدة افتتاح أبوابها خلال 2015، وأعلن وزير التَّعليم العالي السُّعوديُّ خالد العنقري أنَّ هدف مؤسَّسات التَّعليم العالي هو استيعاب ما لا يقلُّ عن 86% مِن خرِّيجي المدرسة الثَّانويَّة، «في معظم البلدان»، يقول الوزير: «فإنَّ الحدَّ الأقصى هو 50% فقط مِمَّن يلج الجامعات من خرِّيجي المدارس الثَّانويَّة». إنَّ هذا التَّطلُّع لتوسيع التَّعليم ما بعد الثَّانويِّ ليستوعب الأغلبيَّة المتزايدة من خرِّيجي التَّعليم الثانويِّ؛ يُعَدُّ تحوُّلاً ضخماً منذ النِّصف الأخير من القرن العشرين، ولْنأخذْ عُمَان فقط على سبيل المثال: بين 1973-1976 لم يكن مُسجَّلاً إلَّا ما مجموعه 22 طالباً فقط في التَّعليم الثَّانويِّ داخل البلد، لكن مع حلول 2005؛ بلغ العدد 293000 طالب، وعُمَان ليست إلَّا مثالاً واحدا فقط من بين العديد من البلدان الأُخرى.
تشير تعليقات الوزير السُّعوديِّ إلى التَّحوُّل الهائل في قطاع التَّعليم العالي العامِّ في كلِّ ربوع شبه الجزيرة العربيَّة، وهذه ظاهرة أساسيَّة لإعادة تشكيل مفاهيم الذَّات والمجتمع. إنَّنا نعرف الكثير عن الإحصائيَّات الأساسيَّة: عدد التَّلاميذ والأساتذة، والقضاء التَّامُّ تقريبا على الفجوة العدديَّة بين الجنسين في التَّعليم العالي خلال السَّنوات الأخيرة، ولكنَّنا لا نعرفُ سوى القليل عن كيفيَّة تأثير هذا الانتقال إلى التَّعليم العالي العامِّ والشَّامل على نمط تفكير النَّاس إزاءَ أنفسهم ومجتمعاتهم؛ فَقَبْلَ الخمسينيات كان مجرَّد تخرُّج الفرد من المدرسة الثَّانويَّة يُخوِّل له أن يصبحَ فرداً من النُّخبة في كثير من بلدان المنطقة، لكن لَمَّا ارتفعت نسبة الحاصلين على شهادات عليا؛ عرفت جودة التَّعليم الجامعيِّ وسياقه الاجتماعيِّ تحوُّلاً مثيراً، فَمِنَ الجانب الإيجابيِّ؛ يخوِّل التَّعليم العالي الجماهيريُّ لأعداد كثيرة القدرةَ على المشاركة في نقاشات مسائل عامَّة ومتعدِّدة، إضافة إلى إبراز اهتمامات تفوق مجرَّد كسبهم عيشاً ملائماً. في كانون الثاني/يناير 2008؛ صرَّحَ حاكم إمارة دُبَي محمَّد بن راشد آل مكتوم بأنَّ التَّعليم والمقاولاتيَّة أو ريادة الأعمال يُعدَّان الرَّكيزتين الأساسيَّتين لبناء عالَمٍ أكثر أماناً، وهي الأفكار الَّتي امتدَّ صداها عبر سائر بلدان الخليج وغيرها، وأمَّا من النَّاحية السَّلبيَّة؛ فهناك أيضاً اعتراف مِن طرف الشَّيخ محمَّد بن راشد، كان له كذلك وقع وصدى في عدَّة تقارير مختلفة حول التَّعليم العالي، وهو أنَّ التَّوسُّع الجماهيريَّ في التَّعليم العالي أدَّى أيضاً إلى عجز في الجودة؛ بحيث إنَّ البحث والسَّعي وراء وثائق الاعتماد والوظائف الحكوميَّة العاطلة (أي: تلك المناصب الَّتي لا تتطلَّب سوى القليل من العمل، لكنَّها توفِّر مكانة مرموقة وامتيازات ماليَّة مهمَّة) كلُّ ذلك يساهم في ما يُسمِّيه عالِم الاجتماع رونالد دور: «مَرَض الدِّبلومات». وهذا «الدَّاء» يبدو جليَّاً؛ خاصَّةً في دول مجلس التَّعاون الخليجيِّ؛ حيث يُفضِّل العديد من الخرِّيجين، وخاصَّةً الذُّكور، وظائف بالقطاع الحكوميِّ بدل القطاع الخاصِّ.
إنَّ القيادة في جميع بلدان مجلس التَّعاون الخليجيِّ ملتزمة بمجتمع قائم على المعرفة. والمسألة إذن تكمن في كيفيَّة ترجمة هذا الالتزام والطُّموح إلى إنشاء مؤسَّسات التَّعليم العالي، ولعلَّ قطر كانت البلدَ الأكثرَ استعداداً في تحديد العجز الحاصل في الجودة بالنِّسبة لجميع المستويات التَّربويَّة، وفي 1996؛ باشرت الاستعدادات للقيام بإصلاحٍ تربويٍّ شامل. وخلال 2001-2002؛ أجرَت مؤسَّسة رانْد القطريَّة المفوَّضة دراسة ميدانيَّة أكثر شمولاً وتعميماً من أيَّة مؤسَّسة في جميع دول مجلس التَّعاون الخليجيِّ؛ ذلك أنَّه على المستوى الدِّراسيِّ وحتَّى حدود الثَّانوية العامَّة (k-12) كان التَّعليم يعاني من «غياب رؤية وأهداف محدَّدة»، كما كان يشكو من «مناهج دراسيَّة جامدة ومُبسَّطة وصارمة عفا عنها الزَّمن»، لذا كان لزاماً وضع خطَّة وبنية متكاملة لدعم جودة التَّعليم؛ لأنَّ المناهج حسب التَّقييم كانت غير مُبرَّرَة ومُفرطة في التَّنظيم، وأمَّا النِّظام كَكلٍّ؛ فكان يفتقر إلى مؤشِّرات الفعاليَّة وحسن الأداء، إضافة إلى ندرة الأساتذة المؤهَّلين، كما أنَّ البنية الَّتي سبقت إصلاح ما بعد المرحلة الثَّانويَّة كانت هزيلة كذلك. ولكنَّ تقريراً لاحقاً في سنة 2015 عن الدِّراسة بمستوى الثَّانويَّة العامَّة في قطر؛ كان تقريراً ثاقباً، وأدَّى من حيث التَّقييم إلى تحديد أساليب ملموسة تُمكِّن من رفعِ جودة التَّدريس بهذا المستوى، وعلى الرَّغم من وجود دفاتر شيكَّات مفتوحة نسبيَّاً؛ فإنَّ فروعاً مختلفة بالجامعات، سواءٌ بقطر أو بالإمارات العربيَّة المتَّحدة، لاقت صعوبات كبيرة لجلب أعداد كافية من الطَّلَبة المؤهَّلين، ولذا ساهمت جامعة نيويورك في الحرم الجامعيِّ بأبو ظبي بــــ 320 طالباً راغباً في التَّسجيل من جميع أنحاء العالم في نيسان/أبريل 2010، ولكن خلال التَّسجيل الأوَّليِّ؛ لم يحضر سوى أربعة طلبة محلِّيِّين فقط، وهكذا كان فصلاً لا يضمُّ إلَّا 120 طالباً.
وأمَّا جامعات أُخرى بدول مجلس التَّعاون؛ فتركِّز على الطَّلَبة المحلِّيِّين وتوظِّف استثماراً هائلاً في الدَّورات التَّحضيريَّة لِمَا قبل الالتحاق بالجامعة لإعداد هؤلاء الطَّلبة المحتملين للدُّخول الجامعيِّ.
تعلُّم التَّفكير محلِّيَّاً وعالميَّاً
إنَّ الدَّافع لتحسين وتطوير التَّعليم العالي أصبح أمراً عالميَّاً، فمنذ عدَّة عقود؛ صار قادة الأعمال التِّجاريَّة وإداريُّو الجامعات وصُنَّاع القرار التَّربويُّون يركِّزون على أنجع الوسائل الَّتي تُمكِّن التَّعليم العالي من إنتاج أفضل لأجيال جديدة من الخرِّيجين؛ ليصبحوا موظَّفين وعُمَّالاً يمتازون بقاعدة معرفيَّة واسعة واستعداد للتَّفكير وحسٍّ نقديٍّ يخوِّل لهم التَّفوُّق والتَّألُّق في هذا النَّوع من الاقتصاد؛ الَّذي يزداد إلحاحاً أكثر فأكثر. في الولايات المتَّحدة هناك توتُّر ديناميكيٌّ غدا مُزمِناً بين تدبير الجماعات لتحقيق تعليمٍ نفعيٍّ يهدف إلى «الكفاءة في بعض المِهَن المُدرَّة للرِّبح» وبين السَّعي وراء الحصول على «تعليمٍ عالٍ» حسب استعمال مصطلحات عالِم الاجتماع تورستن فيبلن (1857-1929). إنَّ المشكلة لا تكمن فقط في التَّكيُّف مع التِّكنولوجيَّات المتغيِّرة، ولا في توقُّع اتِّجاه هذه التِّكنولوجيا، بل إنَّ المسألة الأساسيَّة تتحدَّد في تدريب الشَّباب من أجل التَّفوُّق في عالَم؛ حيث سيواجهون تغيُّرات غير متوقَّعة في مجالات التِّكنولوجيا والتَّنظيم معاً. ولذلك؛ فإنَّ الحلَّ الأمثل لهذا التَّحدِّي هو استيعاب معرفة مُتجذِّرة في إيجاد الحلول النَّاجعة للمشاكل، والقدرة على التَّفكير والحسِّ النَّقديِّ. ولقد وصف جميل سالمي؛ مُنسِّق المجموعة الموضوعاتيَّة للتَّعليم العالي بالبنك الدُّوليِّ، هذا التَّحدِّي على النَّحو التَّالي:
تقتضي عمليَّة التَّعلُّم والتَّكوين في الوقت الرَّاهن الاعتماد أكثر فأكثر على القدرة لإيجاد المعرفة المطلوبة والوصول إليها، ثمَّ تطبيقها لحلِّ المشاكل. وفي هذا النَّموذج الجديد، حيث إنَّ تعلُّم كيفيَّة التَّعلُّم، وتعلُّم كيفيَّة تحويل المعرفة الجديدة إلى تطبيقات، كلُّها تعتبر أساساً أكثر أهمِّيَّة من حفظ معلومات معيَّنة عن ظهر قلب؛ لأنَّ الأولويَّة تتَّجه إلى البحث عن المعلومة والتَّحليل؛ ثمَّ القدرة على التَّمييز وإيجاد الحلول المناسبة.
إنَّ مفهوم «اقتصاد المعرفة» يُعيد صياغة وضبط حدود مفهوم كيفيَّة حدوث عمليَّة التَّعلُّم. ومن الواضح أيضاً أنَّ إنتاج وتوليد المعرفة -ما كان ولن يكون قَطُّ- ظاهرة محلِّيَّة تماماً. والجدل الدَّائر حول التَّفوُّق في اقتصاد المعرفة يتوقَّف على العديد من النُّقاط المترابطة، والآن وبفضل تقنيات الاتِّصالات الحديثة والجديدة، وسهولة السَّفر والتَّنقُّل؛ أضحت المعرفة تنتقل بسرعة أكبر وعلى نطاق أوسع من أيِّ وقتٍ مضى، ومع ذلك؛ فإنَّ أولئك الَّذين كانوا سبَّاقين في نشأة المعرفة الجديدة يتمتَّعون بميزة جيِّدة؛ لكونهم هم الأوائل، وهم مَن أنتجوا بنية تحتيَّة تعليميَّة قادرة على توليد هذه المعرفة القيِّمة. وبهذا المعنى وبغضِّ النَّظر عن حقيقة العولَمة؛ فإنَّ القدرة على توليد المعرفة تمنح بالفعل ميزة محلِّيَّة، وهذا بدوره يرفع من شأن وقيمة القدرة على بناء المعرفة في جميع الأماكن المرتبطة بالاقتصاد والمعرفة.
لقد أعلنت بعض دول مجلس التَّعاون الخليجيِّ سعياً وراء تطلُّعاتها العالية عن استثمارات ضخمة في التَّعليم العالي وفي مؤسَّسات تنشد الرِّيادة في التَّعليم والبحث العلميِّ، وفي مجال البحث؛ فإنَّ هذه المؤسَّسات تضمُّ جامعة الملك عبد الله للعلوم والتِّكنولوجيا (www.kaust.edu.sa)، والَّتي توظِّف بكثافة أعضاء جُدُد في هيأة التَّدريس المختصَّة في مجالات العِلم (www.kayst-aea.cam.ac.uk) وأمَّا بالنِّسبة للفنون اللِّيبراليَّة؛ فإنَّ جامعة نيويورك أبو ظبي (nyuad) تَدَّعي أنَّها «جامعة البحث العلميِّ؛ مع احتواء كلِّيَّة متكاملة للعلومِ والفنون اللِّيبراليَّة». وهي الجامعة الَّتي يتمُّ تمويلها بشكل كامل من طرف أبو ظبي، ولديها بكلِّ تأكيد هيأة طلَّابيَّة متنوِّعة، حيث إنَّ الفوج الدِّراسيَّ لسنة 2019 يضمُّ 299 طالباً من 85 جنسيَّة مختلفة، منهم مَن هُم مُزدَوجو الجنسيَّة، أمَّا الطُّلَّاب الإماراتيُّون؛ فلا يُشكِّلون إلَّا 14 بالمائة أو 43 فرداً من هذا الفوج.
إنَّ المصطلح الأمريكيَّ «الفنون اللِّيبراليَّة»، يشوبه لبس وغموض، وغير مفهوم على نطاق واسع بالمنطقة. وغالباً ما تحيل كلمة «ليبرالي» في اللُّغة العربيَّة إلى دلالات سلبيَّة؛ نظراً لارتباط معنى المفردة بأنظمة استبداديَّة وعلمانيَّة وعسكريَّة. بيد أنَّ مصطلح (critical thinking) أي: «الفكر النَّقديُّ أو الحسُّ النَّقديُّ» فغالباً ما يُستعمل ليشمل جميع المهارات المرتبطة بالفنون اللِّيبراليَّة، وعلى أيٍّ؛ فإنَّ المعرفة الثَّقافيَّة المحلِّيَّة والمهارات وحُسن التَّمييز وسداد الرَّأي والاعتزاز بالمجتمع، والقدرة على الامتنان والتَّعايش مع الآخَر، كلُّ هذه السِّمات كانت دائماً تشكِّل جزءاً لا يتجزَّأ من المجتمعات ذات الأغلبيَّة المسلمة، وهو ما يجعل من هذه المهارات، وبالأخصِّ ما يتعلَّق منها بالكتابة والتَّفكير النَّقديِّ العَلَنيِّ، إلى جانب توظيفها كذلك في التَّعليم في جميع مستوياته؛ أن تكون عاملاً فعَّالاً يؤدِّي إلى طفرة حقيقيَّة نحو المجتمعات القائمة على المعرفة.
بيئة تعليميَّة مُتغيِّرة
كانت الهند والصِّين إلى حدود العقدين الأخيرين تعانيان من اقتصاد مُنغلِق، وتتدحرجان في رُتَب جِدُّ متأخِّرة في مؤشِّرات التَّعليم العالي، لكنَّهما أضحتا الآن مرجعيَّة إرشاديَّة ناجعة عن الابتكار التَّعليميِّ والتَّجديد التَّربويِّ. لقد قامت هاتان الدَّولتان بإصلاح وتجديد أنظمتها التَّعليميَّة؛ إلى درجة أنَّها أصبحَت تُنتج أعداداً من العُمَّال المتخصِّصين في مجالات التِّكنولوجيا وغيرها من القطاعات الأخرى؛ أكثر بكثير مِمَّا تنتجه الولايات المتَّحدة ودول غريبَّة أُخرى، لكلٍّ من الهند والصِّين كثافة سكَّانيَّة كبيرة جدَّاً مقارنةً بالولايات المتَّحدة، لكن هذه حقيقة في حدِّ ذاتها تؤدِّي إلى نتيجة لا مفرَّ منها، إنَّ الأرقام تتجاوب مع الطَّلَب، لكنَّها لا تضمن تحويل الطَّلَبة إلى أفواج ودفعات فعَّالة ذات قيمة عُمَّاليَّة على المستوى العالميِّ.
من بين نتائج ديناميكيَّات العولمة؛ أنَّ الأولويَّة تُمنح الآن إلى العمَّال القادرين على إنتاج المعرفة والمساهمة التَّامَّة في ما يُسمَّى بــــ «نظام مُعَوْلَم للابتكار»، لذا يُلحُّ الطَّلَبة وأُسَرُهم على تلقِّي تعليم يتيح لهم منفذاً لولوج هذا النِّظام المعولَم، وهو مَطلَب بات يُحدِث تغييراً في هياكل وبنيات الجامعات الوطنيَّة، وإحدى علامات هذا الإلحاح؛ هو الاختيار السَّاحق للإنجليزيَّة كلغةٍ للتَّدريس. كان المؤلِّف حاضراً في الاجتماع الأوَّل في الجامعة الأمريكيَّة بالكويت مع آباء وأولياء أمور الطَّلَبة في كانون الأوَّل/ديسمبر 2004، وحينها افتتح الرَّئيسُ الأوَّلُ للجامعة هذا اللِّقاء باللُّغة العربيَّة، لكن سرعان ما دعاه عدد كبير من الآباء إلى التَّحدُّث باللُّغة الإنجليزيَّة، غير أنَّ العديد من الجيل الأكبر سنَّاً بدا عليهم عدم الارتياح للتَّحدُّث باللُّغة الإنجليزيَّة عن تعليم أبنائهم، لكنَّ اختيارهم لجامعة ناطقة بالإنجليزيَّة كان أمراً لا جدال فيه.
وفي جامعة نزوى بسلطنة عُمَان؛ وقعَ في سنة 2007 حدثٌ مُشابهٌ إلى حدٍّ كبير؛ حيث أوضح رئيس الجامعة الدُّكتور أحمد الرواحي للطَّلَبة الجُدُد مُتحدِّثاً باللُّغة العربيَّة، أنَّ «جامعة خاصَّة» لا تعني بالضَّرورة كياناً مُدِرَّاً للرِّبح للمساهمين، بل هي مؤسَّسة غير حكوميَّة؛ أي: جامعة عامَّة تشتغل في المجال العموميِّ، ومن أجل المصلحة العامَّة، وهذه بالضَّبط عبارة قوَّية الصَّدى في عالمٍ أغلبيَّتُه مُسلمة. وعلى أيٍّ؛ فإنَّ التَّدريس يتمُّ باللُّغة الإنجليزيَّة، لذلك نجد أنَّ معظم الطَّلَبة في نزوى وفي مدارس أُخرى بالمنطقة هم في أمسِّ الحاجة قبيل الالتحاق بالجامعة إلى دورات بالإنجليزيَّة تمكِّنهم فيما بعد من متابعة الدُّروس الجامعيَّة.
إنَّ اعتماد اللُّغة الإنجليزيَّة لغةَ التَّدريس يُعدُّ اختياراً مدروساً ومَوزوناً، في أيلول/سبتمبر 1980؛ كان المؤلِّف بصدد إجراء بحثٍ ميدانيٍّ أنثروبولوجيٍّ بسلطنة عُمَان حينَ قَبِلَ دعوة من المجلس الوزاريِّ العُمَانيِّ لبلورة وتوضيح الأسئلة الَّتي يجب على المجلس مناقشتها مبدئيَّاً عند تقرير ما إذا كان سيتمُّ الإقدام على إنشاء جامعة وطنيَّة، كانت إحدى البدائل المُقترَحة هي اعتماد اللُّغة العربيَّة لغةَ التَّدريس الأساسيَّة، وذلك باعتماد مدرِّسين مؤهَّلين يتمُّ جلبُهم وتعيينُهم من بلدان أُخرى، ويُسمَح لهم، كما هو الشَّأن في هولندا، بتعلُّم اللُّغة الوطنيَّة خلال سنوات مُحدَّدة، ومع ذلك، باستثناء الدِّراسات العربيَّة والإسلاميَّة، كانت اللُّغة المفضَّلة حينَ افتُتِحَت جامعة السُّلطان قابوس سنة 1986 هي بالطَّبع اللُّغة الإنجليزيَّة.
تتيح التَّطوُّرات الأخيرة في أندونيسيا نظرةً خارجيَّة لقياس الحاجة إلى المزيد من أعداد الطُّلَّاب من جهة، وإلى معرفة مدى تأثير التَّغيُّرات المتوقَّعة في التَّعليم في سائر البلدان من جهة أُخرى. وفي سنة 2004؛ لم يكن هناك سوى 80000 مقعد بالجامعات الأندونيسيَّة الحكوميَّة من الدَّرجة الأولى، مقابل 344000 طالب مُترشِّح لتلك المقاعد الجامعيَّة، وهذا ما يعني أنَّ أقلَّ مِن واحد من كلِّ أربعة أندونيسيِّين خرِّيجي التَّعليم الثَّانويِّ يمكنه الفوز بذلك المقعد. كما أنَّ بعض المؤسَّسات العُليا المُمَوَّلة من طرف الدَّولة؛ تساهم هي الأُخرى في التَّخفيف من الاكتظاظ بالجامعات، وعلى العموم؛ استفاد 900.000 طالبٍ أندونيسيٍّ تعليماً عالياً ضمن نظام الدَّولة، إلَّا أنَّ ثلاثة ملايين إندونيسيٍّ كانوا بالمستوى الدِّراسيِّ ما بعد الثَّانويِّ، وهو ما يشير إلى أنَّ أكثر من ثلثي التَّعليم العالي الأندونيسيِّ كان في يدِ جامعات خاصَّة متنوِّعة؛ مع اختلافات واسعة من حيث الجودة والأهداف والانتماءات الدِّينيَّة، لذا فإنَّ الحاجة إلى التَّعليم العالي بأندونيسيا غير مُرشَّحة للانخفاض، وهكذا بعد بضع سنوات، في 2007، وصل عدد المُسجِّلين إلى 3.755.000 طالبٍ جامعيٍّ، إلَّا أنَّ % 74 من هذا العدد كان من نصيب الجامعات الخاصَّة.
إنَّ هذا الارتفاع المَهول في عدد الطَّلَبة الجامعيِّين يبقى ظاهرة عالميَّة؛ فَفي الصِّين التحقَ سنةَ 2015 ما مجموعُه 26.2 مليون طالب بالجامعات عبر البلاد؛ أي: تقريباً ثمانية أضعاف عددهم سنة 1998، وفي سنة 2007؛ تقدَّم 10.1 ملايين من خرِّيجي الثَّانويَّة العامَّة إلى امتحان الالتحاق بالتَّعليم العالي، لكن لم ينجح بالفوز بالمقعد الجامعيِّ سوى 5.67 ملايين فقط؛ أي: 56 بالمائة؛ تاركين البقيَّة الأُخرى من المترشِّحين بدون فرصة لمواصلة دراستهم العليا.
إنَّ هذا الازدياد المُستطرَد في الحاجة إلى التَّعليم الجامعيِّ لا يشمل طلبة الثَّانويِّ المتخرِّجين حديثاً فقط، بل يضمُّ كذلك الأعداد المتزايدة من العمَّال الأكبر سِنَّاً مِمَّن يلتحقون بالتَّعليم العالي لتحسين فرصهم المهنيَّة. ففي الولايات المتَّحدة مثلاً؛ كان عدد الطَّلَبة بالتَّعليم العالي مِمَّن تتجاوز أعمارهم 22 سنة يصل إلى 45% في 1970، وهذه النِّسبة النَّوعيَّة -من مجموعة عريضة من الطَّلَبة- من المتوقَّع أن تصل إلى 57% بحلول 2010. يشير هذا الارتفاع إلى الرَّغبة والحاجة العمليَّة لفكرة الدَّرس والتَّعلُّم مدى الحياة، لكنَّ هذا النُّموَّ يطرح كذلك مسألة إمكانيَّة وكيفيَّة تدريس هذه الفئة من الطَّلَبة غير التَّقليديِّين، فالبعض منهم لديه رغبة مؤقَّتة تخصُّ التَّدريب أثناء مزاولة الخدمة. وفي هذا المضمار؛ نجدُ الدَّورات قصيرة المدى المعروضة من طرف العديد من المنظَّمات العسكريَّة، ومؤسَّسات الرِّعاية الصِّحِّيَّة، والقضائيَّة، والَّتي تتمُّ في بعض الأمكنة؛ كلَّها تُكمل الدَّورات الدِّراسيَّة الإشهاديَّة المألوفة.
في الولايات المتَّحدة؛ لم تنمُ المؤسَّسات العموميَّة العاديَّة بسرعة كافية لمسايرة الطَّلَب المتزايد على التَّعليم العالي. وأمَّا على الصَّعيد العالميِّ؛ فإنَّ جملة متنوِّعة من تحقيقات الخبراء تشير إلى ظاهرة مماثلة، وهذا يعني إقدام وطلب العمَّال كبار السِّنِّ فرصة الحصول على تعليمٍ عالٍ يتجاوز النِّطاق الضَّيِّق لإعادة التَّأهيل المهنيِّ. كما أنَّ بعض هذه الرَّغبات تُغذِّيها الحاجة الماسَّة إلى الفوز بشهادات غالباً ما ترتبط بزيادات في الرَّواتب أو ترقيات في العمل، إلَّا أنَّ هذا السَّعي في مُجمله وراء التَّعليم العالي يتجاوز حدودَ الجري وراء المؤهِّلات والشَّهادات أو المكانة الاجتماعيَّة والمهنيَّة فحسب.
إنَّ النُّموَّ العالميَّ الَّذي يعرفه التَّعليم العالي -بتجاوزه القدرات الأصليَّة للبنى والمؤسَّسات القائمة- أنتج مجموعة مُتنوِّعة من الاستجابات؛ بما فيها إنشاء أشكال جديدة من المؤسَّسات، وتأهيل القديمة. وبالفعل؛ لقد تمَّ توسيع مجال الأنظمة التَّعليميَّة الحكوميَّة، إلَّا أنَّ الطَّلَب فاقَ كلَّ هذا التَّوسُّع، وكما تكاثرت المؤسَّسات؛ فقد تكاثرت المؤسَّسات غير الهادفة للرِّبح أيضاً، لكن مرَّةً أُخرى لم تكن بدورها بالكمِّ الكافي لمواكبة الأعداد المتنامية للطَّلَبة. وهكذا؛ فإنَّ التَّعليم العالي الهادف للرِّبح أصبح يلعب دوراً مهمَّاً بشكل متزايد لتوفير فرص التَّعليم والدِّراسة مدى الحياة، وخاصَّةً لأولئك المنتمين سابقاً للقوى العاملة.
تعطي لمحة وجيزة عن الجامعة الأمريكيَّة الهادفة للرِّبح نكهة خاصَّة عَمَّن يستفيد من هذه التَّطوُّرات في مجال التَّعليم الخاصِّ. عرفَت جامعة فونيكس تطوُّراً ملحوظاً بارتكازها على التَّعليم عبر الإنترنت؛ حيث قفز عددُ الطُّلَّاب من 10.000 فرد في سنة 1999 إلى ما يعادل ما مجموعه 458.600 طالب بدوام كامل سنة 2010 بالرَّغم من أنَّ عددَهم انخفض إلى 213.000 طالب مع حلول 2014، وكان متوقَّعاً أن يعاود الهبوط إلى 200.000 سنةَ 2015. إنَّ المعدَّل العمريِّ للطَّلَبة يُمثِّل 34 سنة، وأمَّا رسومات الدِّراسة للمرحلة الأولى من البكالوريوس؛ فهي تفوق بالضَّبط 30.000 دولارٍ أمريكيٍّ. وبالنِّسبة لأكثر من نصف الحالات؛ يدفع أرباب العمل تعويضاً جزئيَّاً على الأقلِّ من تكاليف رسوم الدِّراسة بالنِّسبة لمستخدميهم. قد تكون الجامعة أمريكيَّة فعلاً، لكنَّ الهيئة الطُّلَّابيَّة ليست كذلك، حيث تضمُّ طلاباً من 91 بلداً.
وأمَّا من حيث الأهمِّيَّة بالنِّسبة للجزيرة العربيَّة؛ فيمكن تلخيص الخصائص العالميَّة على النَّحو التَّالي:
- حاجة أرباب العمل على المستوى العالميِّ إلى تعليم قائم على إيجاد حلول للمشاكل، وكما لاحظ أحدُ رجال الأعمال السُّعوديِّين؛ فإنَّ شركاته ليست بحاجة لخرِّيجين مُتدرِّبين في تخصُّصات محدودة تنتهي صلاحيَّتها بعد حين؛ بل إلى خرِّيجين قادرين على التَّفكير النَّقديِّ في مجموعة واسعة من المجالات، وباستطاعتهم إدراك واستيعاب مهارات جديدة بشكل سريع، وعلى أتمِّ الاستعداد إلى تجديد تعلُّمهم وكفاءاتهم بانتظام حسب المسائل الجديدة والطَّارئة.
- هذه الحاجة لها طابع عابر للحدود؛ إذ يتمُّ تقييم الطَّلَبة بشكل متزايد حسب مهاراتهم وليس أصولهم، حتَّى عندما تمنح قوانين العمل المحلِّيَّة امتيازات التَّوظيف للمواطنين.
- حاجة الطُّلَّاب اللَّازمة للحصول على تعليم يضمن لهم إدراك واكتساب هذه المهارات.
- تطوير مؤسَّسات جديدة، تضمُّ كذلك جامعات خاصَّة هادفة للرِّبح لتلبية هذه الحاجة.
هذا وبينما كان مطلب مقاربة التَّفكير النَّقديِّ في التَّعليم العالي يتَّخذ نطاقاً واسعاً؛ كانت التَّعديلات الفرديَّة للفكرة تُصاغ وفقاً للظُّروف المحلِّيَّة، كما كانت الرَّقابة تفرض في غالب الأحيان الكتب المتاحة للطُّلَّاب، وتُحدِّد كذلك كيفيَّة تدريس التَّاريخ الإقليميِّ. وهذه ليست مشكلة تقتصر على شبه الجزيرة العربيَّة أو الدُّول العربيَّة فحسب، بل هناك بعض الولايات في الولايات المتَّحدة تُصرُّ على تدريس نظريَّة الخَلْق إلى جانب نظريَّة التَّطوُّر البيولوجيِّ، كما أنَّ بعض المناطق تُحدِّد حتَّى نوعيَّة الكتب المسموح باستعمالها إلى جانب قيود أخرى تعكس مدى وفرة الموارد والأعراف الاجتماعيَّة.
انطلاقاً من التزام مُشترَك تجاه مقاربة التَّفكير النَّقديِّ كجزء لا يتجزَّأ من التَّعليم العالي؛ توصَّل التَّربويُّون إلى جملة مُتنوِّعة من النَّماذج لتطبيق هذه المقاربة، ويبقى أهمُّ عامل أو مُتغيِّر؛ هو العلاقة مع الشُّركاء الخارجيِّين للجامعة في التَّنمية المؤسَّساتيَّة، ففي كثير من الحالات تضمُّ الشَّراكةُ جامعاتٍ أمريكيَّة مع مؤسَّسات من إنجلترا وأُستراليا وكندا ولبنان؛ سعياً أيضا إلى المشاركة والمساهمة في تطوُّر ونمو التَّعليم بدول مجلس التَّعاون الخليجيِّ (م.ت.خ). وقد تختلف شروط الشَّراكات، لكن هناك عدَّة عوامل مشتركة تساهم في تطوير الجامعة بهذه المنطقة، ومن بين هذه العوامل:
1. الخبرة في تدريس اللُّغة الإنجليزيَّة؛ سواءٌ للنَّاطقين بها أو للطَّلَبة الدَّارسين الإنجليزيَّة كلغة ثانية، وهي تجربة ترتكز على تصوُّر أنَّ الإنجليزيَّة هي المدخل للكفاءة المُعَولَمَة. إنَّ التَّكوين في اللُّغة الإنجليزيَّة عبر ربوع شبه الجزيرة العربيَّة، وفي بلدان شمال إفريقيا النَّاطقة بالعربيَّة، هو في نفس الوقت شرط للتَّعليم العالي وغاية في حدِّ ذاته.
2. تقليد راسخ لِسعة أُفق تدريس التَّفكير النَّقديِّ؛ اعتماداً على تقاليد الفنون اللِّيبراليَّة بالجامعات الأمريكيَّة أو نظيراتها في أماكن أُخرى.
3. صنَّاع القرارات السِّياسيَّة التَّعليميَّة بدول مجلس التَّعاون الخليجيِّ يتمنَّون قيمة تعليمهم الأمريكيِّ (أو باللُّغة الإنجليزيَّة) ويرغبون في رؤية الطَّلَبة المحلِّيِّين ينهلون من مقاربات مماثلة.
4. إثبات العلاقة البيِّنة بين هذا الأسلوب من التَّعليم والاندماج النَّاجع في الاقتصاد المحلِّيِّ والعالميِّ على حدٍّ سواء.
5. أهداف وطموحات الطَّلَبة المحلِّيِّين، وبالأخصِّ الَّذين لا يتوفَّرون على الوسائل الماليَّة والاجتماعيَّة للدِّراسة بالخارج، لكنَّهم مع ذلك يتوقون لهذا الأسلوب من التَّعليم.
6. كلُّ هذه العناصر المشتركة تلوح بشكلٍ بارز عند تقديم وتعريف الجامعات نفسها للطَّلَبة المُحتملين.
إنَّ مجرَّد القيام بمهمَّة موقعٍ إلكترونيٍّ أو بيانات قيِّمة؛ يكشف تشابهاً صارخاً من حيث اللُّغة، وهذا الخطاب أضحى عاملاً مركزيَّاً للهويَّة المؤسَّساتيَّة للجامعات -جامعات الدَّولة ونظيراتها الخاصَّة على حدٍّ سواء- في شبه الجزيرة العربيَّة. تُعرِّف جامعة السُّلطان قابوس بعُمَان نفسَها بأنَّها: «مؤسَّسة تعتبر تعليم الطَّلَبة محور تركيزها»، وأمَّا جامعة الكويت؛ فتقدِّم «تعليماً يتحدَّى العقول، يحثُّ على التَّفكير النَّقديِّ، ويشجِّع على الإبداع والابتكار». أمَّا الجامعة الأمريكيَّة بالكويت؛ فهي تُقرُّ بأنَّها «متفانية في تزويد الطَّلَبة بالمعرفة والوعي الذَّاتيِّ وخبرات التَّنمية الذَّاتيَّة الَّتي تُعزِّز وتُنمِّي الفكرَ النَّقديَّ والتَّواصل الفعَّال واحترام الاختلاف والتَّنوُّع». وأمَّا جامعة زايد بالإمارات العربيَّة المتَّحدة؛ فهي «تسعى لإعداد الطَّلَبة الإماراتيِّين لحياة شخصيَّة ومهنيَّة هادفة ومُتفوِّقة في القرن الواحد والعشرين». وأمَّا الجامعة الأمريكيَّة بالشَّارقة؛ فتقوم «بإدماج الدِّراسات اللِّيبراليَّة والتَّعليم المهنيِّ وخبرات التَّعلُّم من خلال المناهج الدِّراسيَّة؛ سواءٌ الموازية أو الإضافيَّة لتزويد خرِّيجي الجامعة باتِّساع وعمق المعرفة».
وبناءً على هذا المفهوم الأساسيِّ؛ فإنَّ تطوير الجامعة سَلَكَ عدَّةَ مسارات، لكن لا يزال من غير المؤكَّد: أيٌّ مِن هذه المقاربات تفي بشكلٍ أفضلَ بالتَّعهُّد المحدَّد في بيانات المهامِّ الجامعيَّة؟.
المدينة التَّعليميَّة:
تحتضن المدينة التَّعليمية، بتنسيق من لدن مؤسَّسة قطر، مباني حرمٍ جامعيَّة رائدة، ستُّ جامعات أمريكيَّة تمنح كلُّ واحدة منها تخصُّصاً دراسيَّاً معيَّناً: مدرسة جامعة جورج تاون للشُّؤون الدُّوليَّة في قطر (العلاقات الدُّوليَّة)، جامعة نورث ويسترن في قطر (الصَّحافة والاتِّصالات)، جامعة كارنيجي ميلون في قطر (علوم الحاسوب)، جامعة فيرجينيا كومنولت في قطر (التَّصميم والفنون)، جامعة تكساس أيه أند أم في قطر (الهندسة)، وكلِّيَّة ويل كورنيل للطِّبِّ، بالإضافة إلى كلِّيَّة الدِّراسات التِّجاريَّة العليا إيتش إي سي (hec) باريس، الَّتي تُقدِّم تعليماً تنفيذيَّاً في إدارة الأعمال للمديرين التَّنفيذيِّين الكبار، ولِمَن هم في منتصف حياتهم الوظيفيَّة، وأمَّا كلِّيَّة جامعة لندن؛ فتوفِّر دروساً في علوم الآثار والبيئة والصِّيانة وعلوم الإعلام.
ركَّزَت معايير الانتقاء القطريَّة للشُّركاء الجامعيِّين على برامج من درجة بكالوريوس متخصِّصة وقويَّة تُمنَح من طرف أرقى المدارس الأمريكيَّة؛ مَا يعكس الأهداف القطريَّة المحدَّدة لإعطاء شهادات من تخصُّصات دراسيَّة ذات أهمِّيَّة قصوى للتَّنمية الوطنيَّة، إلَّا أنَّ هناك برنامجاً واحداً لا يضمُّ أيَّ شريك أجنبيٍّ؛ وهي كلِّيَّة قطر للدِّراسات الإسلاميَّة. إنَّ الجامعة الأُمَّ تُؤسس مبدئيَّاً ضمنَ كلِّ البرامج الدُّوليَّة الملحقة مقاييس أكاديميَّة مُرفقة بالخطوط العامَّة المعروضة بالحرم الجامعيِّ الأصليِّ، وهي إجراءات تتقاسم «برنامج جسرٍ أكاديميٍّ» يزوِّد خرِّيجي المدارس الثَّانويَّة الجِهَويَّة بدورات في اللُّغة الإنجليزيَّة والرِّياضيَّات، إلى جانب مهارات الدِّراسة الَّتي تنشد التَّفوُّق الجامعيَّ. إنَّ فروع الأحياء الجامعيَّة لا تضمُّ حاليَّاً أعداداً مهمَّة مِن الطَّلَبة المسجَّلين، كان هناك ما مجموعه 1124 طالباً مُسجَّلاً في 2007-2008، من بينهم 51% من المواطنين القطريِّين (www.qf.org.qa). لذا يقول أصحاب القرارات الرَّسميَّة أو المسؤولون القطريُّون إنَّهم يركِّزون عن قصد على انتقاء الطَّلَبة المتفوِّقين، وهذه الاستراتيجيَّة تهدف بالأساس إلى إنتاج أُطُر قطريَّة مُدرَّبة جيِّداً وبشهادات عالميَّة في تخصُّصات هامَّة، كما تسعى كذلك إلى إثبات أثر هذا التَّعليم النَّوعيِّ الجيِّد على المستوى المجتمعيِّ.
خلال نشأة المدينة التَّعليميَّة؛ قام صُنَّاع القرارات بوضع برنامج إصلاح شامل للجامعة القطريَّة، هذه المؤسَّسة العموميَّة الَّتي تحضن ما يزيد عن 7000 طالب، كي لا يترك التَّعليم العالي الشَّامل في الخلف جرَّاء تأسيس المدينة التَّعليميَّة، وفي نفس الوقت؛ انتقلت لغةُ التَّدريس بالجامعة القطريَّة من اللُّغة العربيَّة إلى الإنجليزيَّة، وأمَّا الإصلاحات الجامعيَّة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فهي ترتبط ارتباطاً متيناً إلى حدٍّ كبير بتحدٍّ أوسَع لإصلاح التَّعليم على المستوى الابتدائيِّ والثَّانويِّ، لكن رغم غياب إمكانيَّة وجود تطابقٍ تامٍّ بين الجهود المبذولة لإصلاح كلِّ هذه المقاييس المختلفة؛ فإنَّ كلتا المبادرتين تتَّسِم باهتمام يرمي إلى تحسين معايير التَّدريس والقبول، وتطوير هيئة التَّدريس، وتمكين الطَّلَبة من المعارف والأبحاث المتقدِّمة، إلى جانب استقلاليَّة المناهج التَّعليميَّة. في العلوم الاجتماعيَّة، بما فيها التَّاريخ؛ غالباً ما تواجه الفروع الدِّراسيّة بالجامعات في شمال أمريكا قيوداً محلِّيَّة تخصُّ محتوى الدُّروس، وهكذا تحُدُّ الكفاءات اللُّغويَّة والرَّقابة معاً مِن إمكانيَّة كلِّ ما تستطيع الفروع المحلِّيَّة القيام به، وذلك نظراً لأنَّ جدولة كتب المقرَّرات الدِّراسيَّة تقتضي عموماً موافقة المسؤولين الإداريِّين، وأمَّا في بعض البلدان الأُخرى؛ فيقتصر اقتناء الكُتُب على مدى ملاءمتها مع المجتمع المحلِّيِّ.
الجامعة الأمريكيَّة في الكويت (auk)
تأسَّست الجامعة الأمريكيَّة في الكويت بموجب مرسومٍ أميريٍّ سنة 2003، وهي مؤسَّسة كويتيَّة مهمَّتها «ترتكز على نموذج التَّعليم العالي الأمريكيِّ المُصمَّم لتهيئة الطَّلَبة للعالم المعاصر حيث التَّفكير النَّقديُّ، ومهارات التَّواصل، والتَّعلُّم مدى الحياة صارت كلُّها أمراً إلزاميَّا». من النَّاحية العمليَّة؛ طوَّرَت هذه الجامعة منهاجاً واسع النِّطاق يتيح تخصُّصات دراسيَّة نوعيَّة -كإدارة الأعمال- ولكنَّه يشترط كذلك أن يلتزم الطَّلَبة بالمبادئ التَّوجيهيَّة للتَّعليم العامِّ تشمل العلوم الإنسانيَّة ودراسة اللُّغة. وما دامت تُقدِّم تدريساً باللُّغة الإنجليزيَّة على غرار مجموعة من الجامعات الأُخرى الجديدة بالمنطقة؛ فإنَّ الجامعة الأمريكيَّة في الكويت تهتمُّ بشكلٍ خاصٍّ بالصِّلَة بين إتقان اللُّغة الإنجليزيَّة؛ وأهمِّيَّة ربط مختلف مجالات المعرفة.
تُعَدُّ الجامعة الأمريكيَّة في الكويت منذ انطلاقتها مؤسَّسة كويتيَّة في مُلكيَّة شركة قابضة محلِّيَّة، لكنَّها مع ذلك تحافظ على علاقة متينة مع جامعة دارتموث، وهي واحدة من جامعات «رابطة اللَّبلاب» الأمريكيَّة (ivy league)، لذلك فتطوير مبادرات كلٍّ من الإدارة وهيئة التَّدريس ومناهج التَّدريس؛ كلُّها تعكس أولويَّات كويتيَّة تشكَّلَت من خلال مشاورات مستمرَّة مع إدارة وهيئة التَّدريس بجامعة دارتموث. إنَّ التَّعليم بالجامعة الأمريكيَّة في الكويت ما هو إلَّا نتاج التَّبادل المستمرِّ بين القيادة المحلِّيَّة وشراكة الجامعة الأمريكيَّة، لكن مع التَّركيز على بناء الجامعة الأمريكيَّة في الكويت وتعزيز استقلاليَّتها. تستقبل هذه الجامعة ذكوراً وإناثاً كطَلَبة بدوام كامل، لكن منذ كانون الثاني/يناير 2008، وكبقيَّة الجامعات الكويتيَّة الأُخرى، صار إلزاميَّاً الحفاظ على الفصل التَّامِّ بين الجنسين في قاعات الدِّراسة؛ أي بالمعنى الحرفيِّ: «منع الاختلاط»، وهو أمرٌ لم يحصل من قبلُ في التَّعليم العالي بالكويت، إذ كانت العادة سابقاً منذ نشأة الجامعة الكويتيَّة سنة 1966 أن يتقاسم الرِّجال والنِّساء فضاء الصَّفِّ الدِّراسيِّ؛ شرطَ أن يجلس كلُّ جنس في جهة، لكنَّ مقتضيات عمليَّة أدَّت إلى إجراءات غير رسميَّة تستلزم «منع الاختلاط» فعليَّاً في سائر الجامعات العامَّة والخاصَّة في الكويت.
جامعة نِزْوى، سلطنة عُمَان
تقع جامعة نِزوى في شمال المنطقة الدَّاخليَّة من وسط عُمَان، وهي جامعة خاصَّة تُسجِّل حاليَّاً أكثر من 6500 طالب 95% منهم عُمَانيُّون، أُقيمت في أوَّل الأمر بمرافق مؤقَّتة -وهي عبارة عن مرافق مدرسة داخليَّة ثانويَّة للطَّلَبة من المناطق النَّائية في عُمان- ثمَّ أنشأت جامعة نِزوى حرماً جامعاً جديداً لاستيعاب 15000 طالب، افتَتَحت أبوابَها سنة 2001 في أعقاب دعوة السُّلطان قابوس لإنشاء جامعات خاصَّة في عُمَان سنة 1999 (مع منحة قدرها 17 مليون ريال عُمانيٍّ أو 44 مليون دولار أمريكيٍّ)، وهذه الجامعة تعتمد في منهاجها الدِّراسيِّ توجُّهاً تقنيَّاً يركِّز على إتقان مختلف مهارات علوم الحاسوب والتِّكنولوجيا، بالإضافة إلى التَّدريس المتخصِّص في التَّمريض والصَّيدلة، وعلوم الاقتصاد والإدارة، وأنظمة الإعلام والهندسة المعماريَّة، فضلاً عن الفنون والعلوم، لذا؛ فإنَّ الحصول على درجة عُليا من شهادة التِّكنولوجيا هو أحد شروط التَّخرُّج الأساسيَّة. إنَّ تركيز المقرَّرات التَّعليميَّة المطلوبة على اللُّغة الإنجليزيَّة ومهارات تقديم العروض والإلمام بتقنيات الحاسوب (إضافة إلى اللُّغة العربيَّة والحضارة الإسلاميَّة) كلُّها تشير إلى أنَّ إحدى الاهتمامات الرَّئيسة للجامعة تكمن في إنتاج خرِّيجين بوسعهم ولوجُ الاقتصاد العمانيِّ بكلِّ سلاسة، ولا سيَّما تلك القطاعات المتفاعلة مع الشُّركاء الدُّوليِّين. وبالطَّبع؛ فما كلُّ الجامعات في المنطقة تتفوَّق في تحقيق هذا التَّوازن.
تتمتَّع جامعة نزوى بعلاقات تعاونيَّة مع جامعات أمريكيَّة وغيرها من الجامعات الَّتي تُدرِّس باللُّغة الإنجليزيَّة، لكنَّها تفتقر إلى شريك أجنبيٍّ متميِّز لتطويرها. وتوصَف هذه الجامعة على أنَّها نموذج على غرار «النِّظام الشَّماليِّ الأمريكيِّ» الجامعيِّ. وهذا الأمر يستلزم جهداً تسويقيَّاً مُستمرَّاً مع الجمهور العمانيِّ، والَّذي كغيره من شعوب المنطقة لا يلوي على دراية واسعة بهذا النَّمط من التَّعليم. وعلى أيٍّ؛ بدأت الأُسَر العمانيَّة القيام بتسوُّق بدائل جامعيَّة جديدة، وزيارة الحرم الجامعيِّ لتقييم الادِّعاءات حول عروض الدَّورات الدِّراسيَّة، وتدريس اللُّغة، والمحيط الاجتماعيِّ، تُشكِّل الإناث 88% من الطَّلَب، والعديد منهنَّ يقطنَّ في الوحدات السَّكنيَّة داخل الحرم، حيث يُفضِّلْنَ جامعة نزوى على جامعات أُخرى في السَّلطنة.
آثار وتداعيات تباين المناهج في التَّعليم العالي
تختلف هذه الأمثلة الثَّلاثة إلى حدٍّ كبير من حيث خصوصيَّات وتفاصيل بنياتها ومقاربتها للتَّعليم العالي، ومن هنا؛ تطفو جملة من الأسئلة لمزيد من البحث والتَّحليل:
. كيف يمكن لعلاقة شراكة مع جامعة أمريكيَّة (أو أجنبيَّة) أن تُشكِّل جامعة بدول مجلس التَّعاون الخليجيِّ؟ ما هي العوامل الَّتي تُحدِّد كيفيَّة إنشاء الجامعات المحلِّيَّة لهذه العلاقات؟ هل هذه العلاقات موجَّهة نحو الفُرَص الاقتصاديَّة، أم مِن قِبَل النُّظراء الأجانب، أم مِن أجل البحث عن منافع وفوائد متبادلة؟
. ما مدى تحديد العوامل الاجتماعيَّة في انتقاء الطَّلَبة للجامعات؟ وكيف يؤثِّر الفصل بين الجنسين أو عدمه في هذه الاختيارات؟
. تُعدُّ عدَّة بلدان بالمنطقة دولاً مركزيَّة، لذا؛ كيف يؤثِّر ذلك في استقلاليَّة المجال التَّعليميِّ ويُعزِّز التَّبادل المنفتح وتطوير الأفكار والأبحاث؟
. كيف تتعامل الحملات التَّسويقيَّة للجامعات مع أسئلة النَّهج التَّعليميِّ والفصل بين الجنسين؟
. كيف تشرح مختلف الجامعات مهامَها وأهدافها لجماهيرها المحلِّيَّة؟
. كيف تصيغ الجامعات تقديم مناهجَ دراسيَّة قائمة على التَّفكير النَّقديِّ كعنصر أساسيٍّ للطُّلَّاب الَّذين يتطلَّعون إلى مراكز الرِّيادة الاجتماعية والاقتصاديَّة، ولكنَّهم يصبُون أيضا إلى الولوج الفوريِّ لسوق العمل؟
توضيح الاختيارات:
تؤكِّد العديد من الجامعات بالمنطقة على كيفيَّة اشتغالها كبوَّابة لأساليب تعليميَّة معيَّنة، وهكذا؛ يُفهم على نطاق واسع أنَّ التَّعليم على الطَّريقة الأمريكيَّة يتناسب تماماً مع متطلَّبات الاقتصاد العالميِّ، حيث تندمج إجادة اللُّغة الإنجليزيَّة، وإتقان التِّقنية والموضوع، وأسلوب تعليميٍّ تكوينيٍّ ينبني على التَّفكير النَّقديِّ ومرونة تُعزِّز استمراريَّة التَّعلُّم والتَّكوين مدى الحياة، لكنَّ هذه العناصر لا يسهل تحقيقها دوماً في شبه الجزيرة العربيَّة؛ نظراً لعدم وجود إصلاح تعليميٍّ متين على المستوى ما قبل الجامعيِّ. وبالفعل؛ لقد تمَّت تجربة عدَّة مقاربات مؤسَّساتيَّة، لكنَّ التَّعليم على «النَّمط الأمريكيِّ» يستبقي هذه العناصر الثَّلاثة الرَّئيسة معاً على الأقلِّ كعرضٍ أساسيٍّ وطَموح بالنِّسبة للطَّلَبة المُرتقبين، ومن هنا؛ تكمن أهمِّيَّة الشُّركاء المؤسَّساتيِّين.
على الرَّغم مِن أنَّ أعداد التَّأشيرات الدِّراسيَّة للطُّلَّاب الإقليميِّين في الولايات المتَّحدة عادَت تقريبا إلى مستوياتها ما قبل سنة 2001؛ فإنَّ هذا الانخفاض الكبير عبر السَّنوات الفاصلة أعطى دفعة قويَّة للمجهودات المحلِّيَّة لإنشاء جامعات جديدة، والسَّعي إلى فرص دراسيَّة في أماكن أُخرى، وهذه الجامعات المحلِّيَّة الَّتي تقدِّم تعليماً على الطِّراز الأمريكيِّ؛ غالباً ما تستهدف الطَّلَبة المُعرِضين عن الذَّهاب إلى الولايات المتَّحدة لأسباب ثقافيَّة أو أمنيَّة، والطَّلَبة غير القادرين على المنافسة لولوج الجامعات الأمريكيَّة المصنَّف مستواها عالياً، وكذلك الطَّلَبة الَّذين يرون قيمة في الحصول على تعليم أمريكيٍّ محلِّيَّاً وبرسوم دراسيَّة أقلَّ تكلفةً إلى حدٍّ كبير. لقد منحت الطَّبقة المتوسِّطة المتنامية بالمنطقة صوتاً للآباء والأولياء الَّذين يُفضِّلون أن يدرس أبناؤهم -خاصَّةً بناتهم- بالبلد؛ لكن بأساليب تُلبِّي اختيارات الجودة. لذا؛ فإنَّ جلسات اللِّقاءات مع مجموعات عينيَّة من الطَّلَبة المستهدَفين بكلٍّ من الإمارات العربيَّة المتَّحدة والكويت وعُمان؛ تؤكِّد أنَّ كلَّ هذه العوامل تؤثِّر بالفعل على اختياراتهم.
الاتِّجاهات النَّاشئة:
. نماذج متنافسة:
تتمسَّك الجامعات الجديدة في دول مجلس التَّعاون الخليجيِّ بقضايا منهاجيَّة دراسيَّة ومؤسَّساتيَّة تدرك ارتباطها المباشر بتوفير تعليم جيِّد: الخاصُّ مقابلَ العامِّ؛ الهادف مقابل غير الهادف للرِّبح؛ المستقلُّ مقابلَ التَّابع أو الفرع. وفي كثير من الحالات؛ فإنَّ الجامعات الحكوميَّة كانت تحظى بالأفضليَّة سابقاً؛ نظراً للرُّسوم المنخفضة أو المِنَح المجَّانيَّة لأولئك الَّذين نجحوا في ولوج الجامعة، إلَّا أنَّ هذه الجامعات أضحت تواجه منافسة متزايدة من جانب الجامعات الخاصَّة؛ ما يضطرُّها لتعديل عروضها وخدماتها المؤسَّساتيَّة. وتُقدِّم بعض الحكومات للطَّلبة مِنَحاً متحرِّكة تسمح لهم بالاختيار بين المؤسَّسات، كما أنَّها ترعى المنافسة حيث لم توجد من قبل.
على الرَّغم من إخفاقات السِّياسة الأمريكيَّة في الشَّرق الأوسط؛ لا يزال التَّعليم العالي الأمريكيُّ هو المعيار الذَّهبيُّ، وهو نموذج يستوجب محاكاته وتكييفه حسب الأهداف المحلِّيَّة، وهذا الأمر يعكس تأثير التَّعليم العالي في ازدهار اقتصاد أمريكا -على الرَّغم من الأزمة الاقتصاديَّة الحاليَّة- علاوةً على تأثير أجيال من الطُّلَّاب العرب مِمَّن درسوا بالولايات المتَّحدة. وعلى أيٍّ؛ فإنَّ تدويل التَّعليم العالي الأمريكيِّ ليس في مأمن من الانتكاسات الاقتصاديَّة. ففي عام 1989 إبَّان ذروة النُّموِّ الاقتصاديِّ اليابانيِّ؛ كان واحد وعشرون (21) «فرعاً» من الجامعات الأمريكيَّة يشتغل في اليابان، وأمَّا اليوم؛ فلم يبقَ إلا فرعٌ واحد فقط. وفي أيار/مايو 2009؛ أغلقت جامعة جورج مايسن فرعَها في رأس الخيمة بسبب قطع الدَّعم الماليِّ المحلِّيِّ، وفي تموز/يوليو 2010؛ أوقفت جامعة ولاية ميتشغن جُلَّ أنشطتها في دُبَي.
من غير الواضح على الإطلاق حتَّى اليوم ما إذا كانَ صُنَّاع السِّياسة الأمريكيَّة يدركون جاذبيَّة نموذج الجامعة الأمريكيَّة في الشَّرق الأوسط وأهمِّيَّته أو قوَّة تأثيره على تطلُّعات جيل جديد من الطَّلَبة العرب الرَّاغبين في الدِّراسة في مؤسَّسات التَّعليم العالي على النَّمط الأمريكيِّ ببلدانهم الأصليَّة. ومع مرور الوقت؛ فإنَّ الاهتمام أكثر بتطوير هذه الجامعات -من حيث بنياتها، منهاجها، واعتمادها، والقيم الَّتي تتبنَّاها- يمكن أن ينتج تيَّاراً قويَّاً يعاكس بشدَّة المشاعر المعادية لأمريكا في المنطقة من جهة؛ والمناهضة للمسلمين وللأحكام القَبَليَّة ضدَّ العرب في الولايات المتَّحدة من جهة أُخرى.
في الوقت الرَّاهن؛ تُقدِّم بعض البلدان بديلاً منافساً وناشئاً، كالتَّعليم الأستراليِّ مثلاً، لأنَّه أقلُّ تكلفةً بالنِّسبة للطَّبقة العُمَانيَّة المتوسِّطة والمُحبطة جرَّاء عناء الجري وراء نظام التَّأشيرة الأمريكيِّ، إضافة إلى التَّكاليف الباهظة للمؤسَّسات الأمريكيَّة.
. العلاقة بين الجنسين:
تتعرَّض الجامعات بشبه الجزيرة العربيَّة بدرجات متفاوتة إلى ضغوطات للحفاظ على الفصل بين الجنسين في الحرم الجامعيِّ، إلَّا أنَّ القيام بذلك يتطلَّب أحياناً تكاليف مهمَّة تتجلَّى في مضاعفة المجهودات والمرافق المناسبة، ويمكن كذلك أن يُقوِّضَ إعداد الطَّلَبة لسوق العمل العالميَّة؛ حيث الاختلاط بين الجنسين.
ومن المفارقات أنَّ الفصل بين الجنسين لا يسير في مصلحة الطَّلَبة الذُّكور؛ إذ تُشير دراسة ماكنزي سنة 2007 إلى أنَّ عزل الجنسين يُعيق الفرص التَّعليميَّة للطَّلبة الذُّكور أكثر من نظيراتهم الإناث على كافَّة المستويات الدِّراسيَّة. وعلى الأقلِّ في دولة واحدة بالمنطقة، ومن غير القانونيِّ أن يمنح المدِّرسون الطَّلَبة من الذُّكور والإناث درجات باعتماد نفس المقياس أو سلَّم التَّنقيط، وفي معظم البلدان؛ يجب أن تحصل الإناث على درجات أعلى مقارنةً بنظرائهنَّ الذُّكور للفوز بالتَّعليم المجَّانيِّ بالمؤسَّسات الحكوميَّة. واليوم؛ هناك العديد من الجامعات الخاصَّة الَّتي تستوعب أغلبيَّة ساحقة من الإناث (88% بجامعة نزوى؛ مقابل تساوٍ بين الجنسين تقريبا بالجامعة الأمريكيَّة في الكويت). لا يمكن تفسير الأداء العالي المتماسك في الدِّراسة من طرف النِّساء بدل الرِّجال إلَّا جزئيَّاً بتلك السُّهولة القصوى الَّتي تُخوِّل للرِّجال متابعة دراستهم خارج منطقة مجلس التَّعاون الخليجيِّ. يُثير الفصل بين الجنسين أيضاً قضيَّةً؛ مفادها: لماذا يبدو التَّعليم العالي أكثر أهمِّيَّة للمرأة العربيَّة في هذا الوقت عوض الرَّجل العربيِّ؟.
في بعض الأحيان تكتسي المقاربات المختلفة طابعاً محلِّيَّاً للغاية. إحدى هذه الاختلافات المهمَّة بين الحرم الجامعيِّ للمدينة التَّعليميَّة بقطر وجامعة قطر؛ هي أنَّ المدينة التَّعليميَّة تدمج كلا الجنسين في الفصل الدِّراسيِّ، أمَّا جامعة قطر فتفصلهم. ويختلف العزل بين الجنسين اختلافاً كبيراً في جميع أنحاء المنطقة. وأمَّا في الكويت؛ فكان إدراج الفصل بين الجنسين أوَّل مرَّة في كانون الثاني/يناير 2008 نتيجة رفع معدَّل حصص التَّدريس من 7.5 سنويَّاً لكلِّ أستاذ (مع إعطاء حصص زائدة) إلى 11.5 دورة، وهو عبء من التَّدريس لن يكون مُستداماً على المدى البعيد إن كانت هناك رغبة لجلب أعضاء جيِّدة من هيئة التَّدريس. في بلدان أُخرى؛ يدرس الرِّجال والنِّساء جنباً إلى جنب، كما أنَّ الاتَّجاه يسير نحو إلغاء الفصل بين الجنسين.
. التَّفكير النَّقديُّ:
يحظى هذا المفهوم بالاعتراف به كأساس هادف وطموح للتَّعليم العالي الأمريكيِّ، لكن لا يتمُّ استيعابه دائماً بشكل جيِّد، ويواجه أيضاً خطر اعتباره تهديداً وتخريباً للأعراف الرَّاسخة. إنَّ التَّعليم الإسلاميَّ يتضمَّن في حدِّ ذاته تقاليد التَّفكير النَّقديِّ، لذا؛ فالعديد من المستفيدين من التَّعليم الإسلاميِّ يلجؤون إلى تطبيق التَّفكير النَّقديِّ في مسائل الإيمان والميراث. وعلى سبيل المثال؛ كتب موظَّف حكوميٌّ كويتيٌّ سابقٌ حسب فهمه الخاصِّ معتمداً على الأحاديث النَّبويَّة، ليجادل بأنَّ التَّقاليد الإسلاميَّة المبكرة لم تحدَّ من حيِّز التَّفاعل بين الرِّجال والنِّساء أبداً، حتَّى ولو في المساجد في سبيل التَّعلُّم والدِّراسة، لهذا فإنَّ الفصل بين الجنسين كما يُتَّخذ حاليَّاً؛ ما هو إلَّا مجرَّد بدعة تتعارض مع الاستيعاب الصَّحيح للتَّقاليد الإسلاميَّة الأصيلة.
إنَّ قضايا الممارسات التَّعليميَّة بمنطقة مجلس التَّعاون الخليجيِّ لن يطرأ عليها أيُّ تغيير إلَّا من خلال مثل هذه المناقشات العامَّة المحلِّيَّة. حيثُ تمَّ في الإمارات العربيَّة المتَّحدة وضعُ منهاج جديد للدِّراسات الإسلاميَّة سنة 2009 بالمدارس الحكوميَّة في المستويين الابتدائيِّ والثَّانويِّ، وهذا المقرَّر الدِّراسيُّ يوازي التَّربية المدنيَّة في مناطق أُخرى، ويهدف كذلك إلى تعزيز روح البحث النَّقديِّ الفَّعال من خلال قراءة واستيعاب النُّصوص الدِّينيَّة وفهم الحياة العامَّة. تبقى هذه المبادرة محلِّيَّة تماماً، لكنَّها استطاعت إدماج أفضل ما في التَّساؤل النَّقديِّ من منظور يجمع بين المحلِّيِّ والعالميِّ.
إنَّ الجمع بين وجهات النَّظر المحلِّيَّة والعالميَّة يظلُّ هو التَّحدِّي الكبير الَّذي يواجه التَّعليم في الوقت الرَّاهن في شبه الجزيرة العربيَّة وعبر العالم. ولقد قال الرَّئيس الأمريكيُّ السَّابق «باراك أوباما»: إنَّ التَّعليم العالي يُشكِّل قضيَّة الحقوق المدنيَّة الكُبرى في هذا القرن. في الولايات المتَّحدة؛ تعني الحقوق المدنيَّة تقليديَّاً: توفير المساواة لولوج جميع مؤسَّسات المجتمع، وأمَّا في العالم الجديد للتَّعليم العالي الَّذي يواجهنا؛ فقد تعني: تزويد العالم بإمكانيَّة النَّفاذ إلى أفكار وتطلُّعات شبابنا. إنَّ الشَّباب المتعلِّم والمُتمرِّس على الحسِّ النَّقديِّ، يشكِّل كما نعلم جميعاً، أعظم موردٍ طبيعيٍّ لدينا.
notes
an earlier version of this conference was first presented (with clifford chanin, conference co-organizer) at the conference, «university development and critical thinking: education in the arabian peninsula for a global future,» american university of kuwait, march 10-12, 2009. we gratefully acknowledge conference funding from the american university of kuwait
- hollings center for international dialogue, «quality assurance in higher education: an international dialogue on progress and challenges,» july 10, 2010 (www.hollingscenter.org).
- rawya saud al busaidiyah, minister of higher education, «actively encouraging e-learning,» oman vistas 2008, available at http://www.omanvistas.com/omanvistas2008/ministryofhighereducation.html
- khalid al-`anqari, «saudi varsities to absorb 86% high school grads," arab news, june 27, 2008
- dale f. eickelman, «mass higher education and the religious imagination in contemporary arab societies," american ethnologist 19, no. 4 (november 1992): 643-55
- mohammed bin rashid al maktoum, «our ambitions for the middle east," wall street journal, january 12, 2008, a9
- ronald dore, the diploma disease: education, qualification, and development (berkeley: university of california press, 1976); united nations development programme/arab fund for economic and social development, arab human development report 2003: building a knowledge society (new york: united nations, 2003); michael barber, mona mourshed, and fenton whelan, «improving education in the gulf," mckinsey quarterly (special edition, march 2007: 39-47, online at http://www.mckinscyquarterly.com/improving education in the gulf 1946).
- see, for example. cathleen stasz, eric r. eide, and francisco martorell, post-secondary education in qatar (doha: rand qatar policy institute, 2007), 46
- the survey of the existing educational system was carried out in 2001-2002. dominic j. brewer, catherine h. augustine, gail l. zellman, et al., education for a new era: k-12 education reform in qatar (doha: rand-qatar policy institute, 2007), 37-42
- joy s. moini, tora k. bikson, richard c. neu et al., the reform of qatar university (doha: rand-qatar policy institute, 2009). the rand-qatar publications are available online at www.rand.org/qatar.
- asmaa alfadela, k-12 reform in the gulf corporation [sic] council (gcc) countries: challenges and policy recommendations (doha: wise, 1.d. [2015]).
- andrew mills, «nyu populates a liberal-arts outpost in the middle east,» chronicle of higher education, april 14, 2010
- thorsten veblen, the higher learning in america: a memorandum on the conduct of universities by business men (new york: huebsch, 1918).
- www. nyuad.nyu.edu.
- andrew mills, "nyu populates a liberal-arts outpost in the middle east,» chronicle of higher education, april 11, 2010; available online at http://chronicle.com/article/nyu-populates-a-liberal arts/65018/
- http://nyuad.nyu.edu/en/news/press-room/press-releases/nearly-300-students-representing-85 nationalities-join-nyu-abu-dhabi-this-year-as-class-of-2019.html
- ahmad khalfan al-rawahi, remarks at new student orientation, university of nizwa, february 18, 2007
- unesco institute for statistics, global educational digest 2009: comparing educational statistics across the world (montreal: unesco institute for statistics, 2009) (www.uis unesco.org).
- uwe brandenberg and jiani zhu, higher education in china in the light of massification and demographic change (gütersloh, germany: che centrum für hochschulentwicklung, 2007, 22 (available at www.che.de/downloads/higher education in china ap97.pdf); javier c. hern?ndez, «china tries to bring education to the poor, igniting class conflict," new york times, june 12, 2016, al.
- chronicle of higher education, almanac of higher education 2010-2011, august 27, 2010, 29; http://www.cbsnews.com/news/is-the-university-of-phoenix-flaming-out/.
- https://www.washingtonpost.com/local/education/in-qatars-education-city-lis-colleges-are-building-an academic-oasis/2015/12/06/6b538702-8e01-11c5-ac1f-af46b7df8483 story.html
- see moini, bikson, and neu, reform of qatar university. for example, a faculty member teaching early islamic history at qatar university was told that he would lose his job if he continued to mention the early struggles for leadership that immediately followed the death of the prophet muhammad in 632. interview with the faculty member, doha, february 24, 2008.
- http://www.auk.edu.kw/about_auk/about_auk_main.jsp, accessed september 3, 2010.
- www.unizwa.edu.om.
- tamar lewin, «university branches in dubai are struggling," new york times, december 29, 2009;
- melanie swan, «michigan state university shuts most of its dubai campus," the national (abu dhabi), july 6, 2010, available at www.thenational.ae.
- barber, mourshed, and whelen, "improving education in the gulf,» 43-44.
- imad alatiqi, "male-female encounters in early islamic society-examples and case study." paper presented at the conference, «university development and critical thinking," american university of kuwait, march 10-12, 2009
- for example, see the teacher's guide to the fourth grade, part 1, united arab emirates, ministry of education, dalil al-mu'allim ila kitab "al-tarbiyya al-islamiyya al-saff al-rabi'a al-jiz al-awwal.» abu dhabi: abu dhabi company for printing and distribution, 2006. (isbn 9948-09-137-x).
[1]- مقتطف من كتاب أنثربولوجيا المجتمعات الإسلامية- ديل إيكلمان –صدر عن مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع.