"استراتيجيات التأويل وأصول العنف في الفكر الإسلامي المعاصر"

فئة :  حوارات

"استراتيجيات التأويل وأصول العنف في الفكر الإسلامي المعاصر"

تقرير عن اللقاء الحواري الثامن حول كتاب:

"استراتيجيات التأويل وأصول العنف في الفكر الإسلامي المعاصر"

مع المؤلف أ. صبحي نايل وضيف الشرف د. سامح إسماعيل مبروك

   عقدت مؤسسة مؤمنون بلا حدود لقاءها الحواري الثامن عبر تقنية زوم يوم الجمعة 04-أكتوبر 2024عند الساعة الخامسة مساء بتوقيت المغرب؛ وذلك باستضافة الأستاذ صبحي نايل لمناقشة موضوع كتابه الموسوم ب"استراتيجيات التأويل وأصول العنف في الفكر الإسلامي المعاصر"، والذي صدر عن المؤسسة نفسها عام 2024، وقدم له المستشار عبد الجواد ياسين. حضر اللقاء دة. ميادة كيالي مقدمة للقاء، ود. حسام درويش مناقشا للكتاب، ود. سامح إسماعيل ضيف شرف، كما تابع اللقاء عدد من المهتمين من الأساتذة والباحثين.

في مفتتح اللقاء، قدمت دة. ميادة كلمة عرفت فيها بضيف اللقاء بصفته من الباحثين الشباب الجادين، كما عرفت بضيف الشرف د. سامح إسماعيل وبجهوده المتجلية في عدد من الإسهامات البحثية في عدد من المؤسسات البحثية. بعد ذلك، عرضت لبنية الكتاب موضوع النقاش، وذكرت أن صاحبه قسمه إلى بابين؛ كان الأول بعنوان: "القرآن وأصول العنف الديني"، وضمه ثلاثة فصول، هي التأويل بين الموضوعية والذاتية، و نقد العقل الإسلامي، في أصول العنف الديني ومحورية القرآن في الواقع الإسلامي. أما الباب الثاني الذي عنونه الباحث ب "القراءات المعاصرة للقرآن"، فتضمن أربعة فصول هي: استراتيجية محمد أركون التأويلية (الأنسنة)، استراتيجية نصر حامد أبو زيد التأويلية(من النص إلى الخطاب)، استراتيجية عبد الجواد ياسين التأويلية (اجتماعانية النص)، استراتيجية علي مبروك التأويلية (القرآن الحي).

وخلصت دة. ميادة كيالي إلى أن هذا الكتاب يطرح قضية معقدة وحديثة حول "تأويل العنف" في الفكر الإسلامي؛ لأنه يسلط الضوء على التوتر القائم بين النص القرآني والواقع المعاصر، وأن الكاتب وجد في التأويل ضرورة اجتماعية لاستيعاب التطورات التي تفرضها الحداثة.

وفي نهاية كلمتها التقديمية، شكرت دة. ميادة كل المتابعين وضيفي اللقاء، ثم سلمت الكلمة للدكتور حسام الدين درويش الذي شكرها بدوره، وشكر ضيفي اللقاء أ. صبحي نايل، ود. سامح إسماعيل وكل المتابعين، ثم أخذ دوره في الحديث بالتعبير عن راهنية الكتاب وخصوصيته بوصفه الكتاب الأول، وأن صاحبه المجدّ يشخص بجرأة، ويبحث عن حلّ ما، وهو التأويل، محاولا أن يستعرض الخطاطة العامة التي قام عليها الكتاب، ثم باشر في طرح مجموعة من الأسئلة كان منها، كيف ولد هذا الكتاب، وما الأطروحة التي انطلق منها؟ وما علاقة التأويل بالموضوعية والذاتية في الفكرين الغربي والعربي الإسلامي؟ ما علاقة العنف الديني بالتوظيف الإيديولوجي للدين؟ وكيف أنطقت السلطات السياسية النص بما ليس فيه، وأسقطت عليه رغباتها؟ ما محورية دور النص في العنف أو غيره، وهل من الضرورة إيجاد علاقة جديدة مع النص؟ ما هي استراتيجية محمد أركون لمفهوم الأنسنة؟ وعلى أيّ أساس قال نصر أبو زيد ببشرية القرآن وفهمه؟ وما رؤية عبد الجواد ياسين للنص القرآني؟ كيف نفاضل بين هذا الفهم وذاك؟ وكيف نفاضل بين التأويلات؟ هل الحديث عن التأويل هو حديث وصفي أم معياري؟ وهل التأويل هو الحلّ؟

تفاعل ضيف اللقاء الأستاذ صبحي نايل مع أسئلة د. حسام الدين درويش، واستهلها بشكره للدكتورة ميادة وللدكتور حسام ولمؤسسة مؤمنون بلاحدود، ثم صرح أنه قدم من خلفية ملتزمة، وبدأ احتكاكه بنصر أبو زيد، حيث قرأ مشروعه وهو طالب في مرحلة الإجازة، ثم قرأ مشروع محمد أركون، ولاحظ أن الاثنين ينطلقان من رؤية للواقع في علاقته بالقرآن. لهذا قرر الاشتغال في رسالة الماجستير على نصر أبو زيد ومحمد أركون، ما كوّن لديه خلفية جيدة عن مشاريعهما. بعد ذلك، اطلع على مشروعين آخرين؛ الأول لعلي المبروك، والثاني للمستشار عبد الجواد ياسين. وأضاف الباحث أنه كان منبهرًا بمشروعي أبوزيد وأركون، إلا أنهما اختصرا أزمة الواقع العربي في البعد الديني فقط، وأن الواقع كانت له احتياجات مختلفة، وأكد أن الموضوع لا ينحصر في هذا البعد فقط. كما قدم الباحث مقارنة بين التأويل في الفكر الغربي من خلال حديثه عن الهرمينوطيقا التي كانت تحاول الانفلات من العقل الديني، ومنح العقل سلطته، والتأويل في الفكر العربي الإسلامي بوصفه موضوعا أكثر ذاتية؛ وذلك عبر توظيف الدين الإيديولوجي. وفي حديثه عن التوظيف الإيديولوجي للدين، أشار إلى أن السلطة تفرض رأيها بوصفها السلطة، وأن آلية التوظيف الإيديولوجي للدين، بدأت مع رفع المصاحف على أسنة الرماح، وكيف أن معاوية أدرك أن للمصحف سلطة أقوى من السيف، وبدأ يستنطق القرآن بما يهوى، وبدأت السلطة تتبلور في صورة دينية، وأصبح الفقيه خاضعا لمنطق الدولة، وصارت مفاهيم الفقه ومفرداته بإرادة السلطة.

وأكد الباحث أن محورية النص في الواقع الإسلامي حاضر بقوة، بوصفه نصًّا دينيا، وبشكل سلطوي، وعزز رأيه بقول لناصر أبو زيد، "نحن حضارة نص"، وحتى الآن ما تزال السلطة السياسية تتحدث باسم القرآن وباسم الدين؛ فمحورية النص موجودة في الواقع، وأن العنف يحصر في النص الديني؛ فالجماعات الإرهابية حين تعلن نفسها تعلن أنها تنفذ الأوامر الإلهية وقادمة باسم الله وفرض رؤيتها ، وهي رؤية يتساءل الباحث من أين جاءت؟ فيجيب جاءت من الواقع الإسلامي المنهزم أمام الواقع الغربي. والفكرة الرئيسة لمحورية النص هي أن يتم سحبه من هذه الجماعات عبر استراتيجيات التأويل.

بخصوص مشروع محمد أركون، ذكر الباحث أن لأركون في مشروعه ثلاثة مفاهيم رئيسة هي: المستحيل التفكير فيه، واللامفكر فيه، والمفكر فيه؛ فاللامفكر فيه هو الأشياء الخارجة عن إطار المجتمع، وأن المستحيل التفكير فيه هي الأشياء التي يمكن التفكير فيها، ولكن لسلطة ما تحاول أن تحتفظ لنفسها بهذه السلطة، فتجعله من المستحيل التفكير فيه. ومن ثم زحزحة المستحيل التفكير فيه إلى إطار المفكر فيه، ومن ذلك الخطاب القرآني، حيث حاول أركون عرض التفسيرات بوصفها تفسيرات إنسانية؛ فالقرآن ليس كلام الله في ذاته، وإنما أحد تجلياته، وأن الخطاب القرآني مرهون بعقل المخاطب أكثر ما هو مرهون بالذي صاغ الخطاب. بهذا المعنى، يرى أركون أن القرآن جاء للقاطنين في شبه الجزيرة العربية لإقناعهم بهذا الدين بناء على شروطهم المعرفية.

أما نصر أبو زيد، فرأى أن القرآن لا مدخل له غير اللغة، وبدأ بعرض بمفهوم علمي للنص محاولا الخروج به من سجال الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه. لذلك انتقل من مفهوم النص إلى مفهوم الخطاب، حيث قال بالمفهوم الأركوني للخطاب، بالاعتماد على ثلاثية: كلام الله والوحي والمصحف؛ فكلام الله غير قابل للتأطير ولا يمكن معرفته. وأكد الباحث أن أركون وأبا زيد لم ينكرا البعد الإلهي في الخطاب القرآني، ولكن هذا القرآن خاضع للفهم البشري. وهذه المسألة عند عبد الجواد ياسين واضحة أكثر في مسألة الدين والتدين؛ إذ يرى أن الدين شيء مفارق للوجود الإنساني، ولكن حين يظهر في الاجتماع تظهر أنماط التدين، وهو ما سماه باجتماعانية النص؛ أي إن النص ذو بعد اجتماعي، والدين في نظره غير قابل للقبض عليه، فهو مطلق ولكن لا يمكن فهم تجلّيه إلا في بعده الاجتماعي. وخلص الباحث إلى أن لا تعارض بين استراتيجيات هؤلاء المفكرين الثلاثة؛ لأنهم أصروا جميعا بأن القرآن إلهي المصدر.

وفي مسألة المفاضلة بين القراءات، قال الباحث إن للتأويل بعدا ذاتيا، وأن هذه التأويلات في عرضها لها انحياز ذاتي، حيث تحاول فرض الحداثة على الخطاب القرآني، غير أن ميزتها تظهر في أنها تعرض نفسها كقراءات إنسانية، وتحاول أن تنفي القراءة الإلهية للنص. وهذا يظهر بشكل قوي عند علي مبروك الذي يقول بإطار كلي وإطار إجرائي؛ فالكلي هو المصلحة البشرية العامة التي يسعى إليها الإنسان من خلال البحث عن الحياة وعما هو أفضل. أما الإطار الإجرائي، فهو تمثل هذه المصلحة العامة التي يهدف إليها الدين في الإطار الاجتماعي المحدد. وأضاف أنه على الرغم من تعدد القراءات، فإن الواقع هو الحاكم لهذه القراءات، التي يمكن أن تتفاضل في ما بينها، ولكن لا يمكن أن تسود قراءة ما؛ لأن سيادة قراءة واحدة على كافة القراءات يعني انحصار البعد الديني في هذه القراءة.

وفي مسألة التأويل هو الحل، ذكر الأستاذ صبحي أن المشكل في الواقع العربي هو تعامله بالقراءة الوحيدة والحاسمة، والتأويل هو حلّ لزاوية ما من زاويا الفكر العربي، ولكنه غير كاف لأزمات الواقع العربي؛ فالتأويل هو حلّ ضمن حلول أخرى يمكن النظر إليها.

من جهة أخرى، أعطى د. حسام الدين درويش الكلمة لضيف الشرف د. سامح إسماعيل للمساهمة في مناقشة هذا الكتاب، ومما جاء في كلمته أنه توجه بالتحية للدكتورة ميادة وللدكتور حسام، وبتهنئة خاصة لضيف اللقاء الأستاذ صبحي نايل، وذكر أن الباحث كانت له جرأة في هذا الحقل التداولي المشتبك، ودخل في الحقل المركزي لإنتاج المعنى في الإسلام، وهو القرآن. فالكتاب مهم ينتقل ما بين فكرتين رئيستين؛ الأولى هي كيف قامت جماعات الإسلام السياسي بتوظيف النص من أجل خلق حالة سياسية ربانية مفارقة، يمكن من خلالها الوصول إلى السلطة والهيمنة بدعوى أنها تملك الفهم النهائي للقرآن بوصفه النص المركزي في عملية إنتاج المعنى في الإسلام. والجانب الآخر هو هؤلاء الذين حاولوا نزع اللغم وإعادة قراءة معنى النص من جديد، وإنتاج معاني جديدة ومغايرة وسحب الأدلجة من جماعات الإسلام السياسي.

بعد ذلك، تدخل عدد لا بأس به من المتابعين للتعليق على ما ورد في هذا اللقاء الشيق والمتميز، وكان من هؤلاء: د. صابر مولاي أحمد – د. صابر سويسي – دة. عفراء جلبي – د. أنس طريقي – وغيرهم كثير ممن أسهموا بآرائهم في هذا اللقاء.

وفي خاتمة اللقاء، تدخلت دة. ميادة بالقول: "‎لا يمكننا إلا أن نربط حديثنا اليوم حول التأويل وأصول وجذور العنف بما يعانيه العالم العربي اليوم نتيجة بعض التأويلات للنصوص الدينية. جزء من النقاش كان محوريا حول كيفية الخروج من تأصيل العنف عبر النصوص. وأودّ أن أضيف إلى ما غمز به الدكتور حسام، وأؤكد هنا أنني أتفق تمامًا مع المفكر عبد الجواد ياسين في أننا بحاجة إلى تحرير النص من كونه المصدر الحصري لكل الحلول لأوجاعنا وآلامنا. هذا التحرير لا يعني التخلي عن النصوص الدينية أو التقليل من قيمتها، بل على العكس، النص سيبقى في أعماق وجداننا بما يقدمه من قيم أخلاقية وإنسانية. لكن علينا أن نفهم أنه لا يمكن للنص وحده أن يقدم الإجابات لكل القضايا المعقدة التي نواجهها اليوم. علينا أن نتعلم من تجربة النص في تفاعله مع الاجتماع، وأن نبحث اليوم عن إجابات جديدة لقضايا حديثة. علينا أن نوجه أسئلتنا للقانون، ونسأل العلوم، ونسأل عن كل ما يمكن أن يقدم لنا حلولاً واقعية وعملية لمشكلاتنا. النص سيظل جزءًا من ثقافتنا وهويتنا، ولكنه ليس المصدر الوحيد الذي يجب أن نلجأ إليه في كل موقف.

‎في الحقيقة لا يمكنني إلا أن أشيد بهذه الحوارية التي وجدتها فعلا شيقة واستنزف فيها العزيز صبحي بشكل كبير. ولذا فعلا كم نحن بحاجة لجيل الشباب من الباحثين والذين يملكون هذه المرونة وهذا الحضور... فأنا أشكرك جدًّا. أشكر لكم حضوركم ومشاركتكم، ونتطلع إلى مزيد من الحوارات الفكرية التي تساعدنا في بناء مجتمعات أكثر تسامحًا وفهمًا للآخر".

‎وفي نهاية المداخلة، ذكرت السيدة ميادة كيالي بلقاء الجمعة القادمة الحادي عشر من أكتوبر، والذي سيدور حول كتاب القمع المقدس للدكتور حسن حماد.