الإسماعيليون: تاريخهم وعقائدهم
فئة : قراءات في كتب
الإسماعيليون: تاريخهم وعقائدهم، تأليف: فرهارد دفتري، معهد الدراسات الإسماعيلية (لندن) ودار الساقي (بيروت ولندن)، الطبعة الأولى، 2012، 911 صفحة.
هذا الكتاب، كما يقول الناشر، هو أول تأليف شامل عن الإسماعيليين: تاريخهم وتطور عقائدهم منذ ظهورهم في الفترة التكوينية للإسلام حتى العصر الحاضر، ويعد الإسماعيليون ثاني أكبر جماعة شيعية في العالم الإسلامي بعد الاثني عشريين، وينتشرون اليوم في أكثر من 25 بلدًا في آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا، ...إلخ.
أقام الإسماعيليون دولتين مهمتين في التاريخ الإسلامي؛ الفاطمية والنزارية (آلموت)، ولكنهم لم يظفروا بأي ظهور سياسي منذ تدمير دولتهم وقلاعهم على يد المغول (1256)، ودخلوا في مرحلة طويلة من السرية والاضطهاد حتى منتصف القرن الثامن عشر، عندما ظهر أئمتهم إلى العلن، وشاركوا في أحداث سياسية مهمة في إيران والهند، واكتسبوا شهرة عالمية فيما بعد بلقبهم الوراثي الآغاخان.
أطوار التاريخ الإسماعيلي:
شهدت القرون الإسلامية الثلاثة الأولى بيئة فكرية مرنة ومحيط سهل، اتسم بتعددية أصحاب التفسير والمذاهب الفكرية والسياسية، مثل صفات الله وطبيعة السلطة، وتعريفات المؤمنين والآثمين، وخلال هذه الفترة بدأت المجموعات والحركات المختلفة بصياغة مواقفها العقائدية، واكتسبت تدريجيًا هوياتها وتسمياتها المميزة، وتعود الرواية المنشئة للشيعة حول أحقية علي بن أبي طالب بخلافة الرسول الكريم وحق أبنائه بالإمامة، وبدأت سلسلة من الأئمة تقود الشيعة سياسيًا ودينيًا، ولكنها لم تكن حركة موحدة، فقد تعددت واختلفت، وتعدد الأئمة أيضًا من العلويين والطوالب والهاشميين.
ولكن معظم الشيعة القائمة اليوم تؤمن بسلسلة من الأئمةتمتد من الحسين بن علي بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وإن كانت الفروع الأخرى من الشيعة كان لها أهمية وغلبة كبرى في بعض المراحل التاريخية، مثل الدولة العباسية التي كانت نتاج عمل سياسي دعوي، قادته سلسلة من أئمة الشيعة امتدت من محمد بن علي بن أبي طالب إلى ابنه إبراهيم أبو هاشم إلى أخيه من أمه محمد بن علي بن عبد الله بن عباس (أبو العباس السفاح) الخليفة العباسي الأول.
ركز علي زين العابدين بن الحسين على برنامج ديني علمي واعتزل السياسة، وتابع ابنه محمد الباقر التعليم والأفكار الدينية، وينسب إليه مبدأ التقية؛ أي إخفاء الشخص لمعتقده الحقيقي في ظل ظروف معادية، وخلف الباقر ابنه جعفر الصادق الذي أسس لفهم وتفسير مستقل للشريعة، وتعد أفكار الصادق والباقر في هذا المجال المميزات الأساسية للشيعة، وتضم مجموعة من الأحاديث النبوية التي رواها الباقر.
وبعد سلسلة من الأحداث والصراعات في ظل الدولة العباسية، أسس الإمام جعفر الصادق المذهب الشيعي، وقد كان مرجعية دينية مقبولة لدى السنة والشيعة معًا، وكان من تلامذته أبو حنيفة ومالك بن أنس. وينسب إليه، أي جعفر الصادق، مبادئ العقيدة الإمامية، ومنها أن الإمامة بالنص وهي حق خاص ينعم الله به على شخص مختار من آل البيت، وينقل هذا الشخص قبل وفاته وبهداية إلهية إلى خلفه بنص واضح جلي (150)، والإمامة تقوم على قاعدة من العلم والمعرفة الدينية الخالصة، ويصبح الإمام صاحب الحق في ضوء هذا العلم. (151)
ابتدأت الإسماعيلية مجموعة شيعية مستقلة بعد وفاة جعفر الصادق عام 756م، وهم المجموعة الذين يؤيدون إمامة اسماعيل بن جعفر الصادق، وتعد الفترة الممتدة من نشأة الإسماعيلية في منتصف القرن الثامن الميلادي/ الثاني الهجري، حتى تأسيس الدولة الفاطمية (297 هـ/ 909م) فترة غامضة مازالت المعلومات عنها قليلة. وكان الإمام جعفر الصادق قد نصل على الإمامة بعده إلى ابنه اسماعيل، ولكنه توفي قبل والده، حسب أغلب المصادر التاريخية، ولقي موسى الكاظم ابن جعفر الصادق تأييد أغلبية الشيعة، وقد سجنه الخليفة العباسي هارون الرشيد ومات في السجن.
ثم تشكلت مجموعة إسماعيلية أخرى بعد وفاة محمد بن اسماعيل إمامًا لها، سميت فيما بعد بـ"القرامطة"، وقد جمعت أنصارًا ومؤيدين، واتبعت سلسلة من الأئمة بعد محمد بن اسماعيل مختلفة عن سلسلة أئمة الإسماعيليين. وطبقًا للرواية الإسماعيلية، فإن الإمام بعد محمد بن اسماعيل هو ابنه عبد الله، وقد أمضى حياته متخفيًا عن العباسيين، ولم يكشف هويته ومكان إقامته إلا لعدد قليل من الموثوقين، وقد أقام فترة من الزمن في الإسماعيلية متظاهرًا بأنه تاجر، وتوفي فيها، وخلفه ابنه أحمد مؤلف "رسائل إخوان الصفا" ثم خلفه ابنه عبد الله المهدي مؤسس الدعوة والدولة الفاطمية المهدية.
وفي هذه الفترة، انتشرت الدعوة الإسماعيلية على يد الدعاة والعلماء والنشطاء الإسماعيليين في أنحاء واسعة من العالم الإسلامي، في خراسان وما وراء النهر خاصة، وحققت حضورًا مهمًا في بلاط الدولة السامانية في بخارى (أورزبكستان)، وكان المجتمع الإسلامي قد شهد تحولات كبرى، فاختفت الأرستقراطية العربية لتحل محلها طبقات من التجار والعلماء وقادة الجيش والدولة، وانتهى التمييز بين العرب وغيرهم، وفي هذه التحولات استندت الحركة الإسماعيلية إلى العمل الاجتماعي متضمنة في نشاطها الانحياز إلى الفقراء والمظلومين والاحتجاح ضد الهيمنة والاستغلال.
وقامت الدولة الفاطمية في المغرب عام 909م/ 297 هـ، وهي أهم مشروع سياسي للإسماعيليين، وكانت تتويجًا لنشاطات الإسماعيليين، وكانت أيامها هي الفترة الذهبية في تاريخهم؛ فقد أقاموا امبراطورية واسعة ممتدة مزدهرة، وعنيت بالفكر والعلم والعمارة والتجارة والزراعة.
وبعد وفاة الحاكم بأمر الله (م1020)، استقلت مجموعة كبيرة من الإسماعيليين في بلاد الشام بأنفسهم تحت قيادة كبير الدعاة لدى الحاكم؛ وهو حمزة الدرزي، وصاروا يسمون الدروز، وبعد وفاة المستنصر (1094م) انقسم الإسماعيليون إلى مجموعتين؛ النزارية أتباع نزار بن المستنصر والمستعلية أتباع المستعلي بن المستنصر. وقد لجأ النزاريون إلى قلعة آلموت، وأقاموا من هناك شبه دولة قوية منيعة تتخذ من القلاع محطات ومراكز للدفاع ونشر الدعوة، وظلت هذه الدولة قائمة حتى اجتاحها المغول، ولكن الإسماعيليين النزاريين تمكنوا من البقاء والاستمرار بعد الاجتياح المغولي للعالم الإسلامي (1256) ولكنهم دخلوا في مرحلة من السرية والتقية، وتعد فترة القرنين التاليين للغزو المغولي الأكثر غموضًا في التاريخ الإسماعيلي، فقد تطورت الجماعات الإسماعيلية مستقلة عن بعضها، ثم ظهر الأئمة النزاريون في منتصف القرن الخامس عشر في انجدان/ إيران وبدأت مرحلة من الإحياء (الانجداني) للدعوة الإسماعيلية، وفي القرن التاسع عشر لجأ إمام النزارية إلى الهند، وصار يعرف بالآغاخان، ومازالت إمامة الإسماعيليين قائمة علنًا في مومباي في الهند، وإمامهم الحالي هو الآغاخان الرابع كريم علي.
تبلور المذهب الإسماعيلي:
بدأت في ظل الدولة العثمانية عمليات بناء الأسس الفكرية والعلمية للمذهب الإسماعيلي، ويعد القاضي النعمان الفقيه الإسماعيلي الرئيس، وكتابه "دعائم" كان يعد التشريع الرسمي للدولة الفاطمية، والمصدر الأساسي للفقه الإسماعيلي، وينظم مسائل العبادات والمعاملات كما جرت العادة في المراجع الفقهية في جميع المذاهب الإسلامية.
وتعد أركان الإسلام في الإسماعيلية سبعة، هي بالإضافة إلى الأركان الخمسة لدى أهل السنة (الشهادتان، والصلاة، والصوم، والحج، والركاة): الولاية (تسمى لدى الشيعة الإمامة) والطهارة، ويدور الخلاف بين الإسماعيليين ومعهم الشعية وبين السنة حول الإمامة؛ فهي بالنسبة إلى الشيعة المرجع النهائي لتفسير الإسلام، والإمام عند الإسماعيليين هو المفسر الذي يؤول المعنى الباطني للقرآن والشريعة، وتعد آراء وتفسيرات الإمام هي المصدر الثالث للفقه بعد القرآن والسنة، ولم يقبلوا بالإجماع والقياس؛ وهما المصدران الثالث والرابع لدى أهل السنة.