الإسماعيليون
فئة : ترجمات
الإسماعيليون[1]
بول ووكر*
ترجمة: أشرف منصور
كان موقف الإسماعيليين من الفلسفة والفلاسفة غامضاً؛ فقد حاولوا بإصرار، إنكار وجود أفضلية للفلاسفة على الأنبياء أصحاب الشرائع في تراثهم، خاصة فلاسفة اليونان القدماء. ففي نظر الإسماعيليين، لم يحقِّق الفلاسفة شيئاً يفوق ما حقَّقه الأنبياء، على الرغم من اعترافهم بإنجازاتهم في الرياضيات والفيزياء والطب، تلك الإنجازات التي اعتقدوا أنهم أخذوها من الأنبياء. ولم يشمل رفض الإسماعيليين للفلسفة كل مضمون الفلسفة، بل اقتصر على رفض إسهامات بعض الفلاسفة الفرادى. فالفلاسفة في نظر الإسماعيليين لم يكونوا قادرين إلا على تأمُّلات فردية أوصلتهم إلى مجرَّد آراء - وكانت في نظرهم في غاية التناقض مع بعضها البعض، وكل ما هو حق في الفلسفة ليس في نظرهم سوى نفس ما أوصله لنا الهدي النبوي؛ ومن دونه يفتقر إنتاج الفلاسفة إلى أي مصداقية أو قيمة، حتى ولو كان في غاية الإبداع والإتقان.
وعلى الرغم من كل ذلك؛ فلن نستطيع فهم الإنتاج الفكري للإسماعيليين في هذه المرحلة التكوينية دون خلفيتهم الفلسفية، خاصة الأفلاطونية المحدثة؛ التي تكمن تحت مذهب كل واحد من مشاهيرهم، إلى درجة يستحيل معها فهم هذا الإنتاج دون ربطه بخلفيَّة فلسفية يونانية كلاسيكية. ولم يقتصر إسهام هؤلاء المفكِّرين على استعارة وتوظيف عناصر مختلفة من الفلسفة على نحو عمومي غامض، بل استعاروا مصطلحات فنِّيَّة وأسلوباً احترافياً مُستقى بدرجة أو بأخرى من ترجمات النصوص القديمة. ورغم أن كتاباتهم التي عرضوا فيها مذهبهم الإسماعيلي لم تكن فلسفية على النحو الدقيق، فإن أجزاء كثيرة منها هي في حقيقتها أبحاث فلسفية صغيرة.
وبالإضافة إلى ذلك؛ حافظ الإسماعيليون على أولوية مطلقة للعقل في العالَم المخلوق، وهو موقف نادر في الإسلام خارج نطاق الفلاسفة. ففي نظر الإسماعيليين؛ كان العقل هو أول المخلوقات، وهو مجموع وماهيَّة كل الوجود التالي؛ وهو يُدبِّر ويحكم العالم. والوحي لا يتناقض مع هذا العقل الكوني ولا يمكنه أن يكون. ولا تشكِّل الشريعة الدينية مصدراً مستقلاً للحقيقة، بل هي بالأحرى تَجَلٍّ للعقل. والاثنان [الوحي والعقل] متماثلان. ويتمثَّل دور النبي أو المشرِّع في تقديم تجسد للعقل مناسب للعالم الدنيوي. والشريعة المقدسة هي العقل متجسداً. ويُحوِّل المشرِّع الحقيقة العقلية النظرية إلى وسيلة لتدبير وإصلاح المجتمع البشري، ويقوده نحو الخلاص الجمعي. وبالتالي يكون الكتاب السماوي دالَّاً على العقل ويندرج تحته.
والمؤكد أن هذا الفهم للعقل ولدوره ذو طبيعة فلسفية، ويكشف بوضوح عن تأثُّر بالفلسفة اليونانية. وبالتالي فإن الإسماعيليين الذين تتبَّعوا كل ما ينتج عن هذه الرؤية وبنوا عليها كل ما هو ممكن من نتائج؛ كانوا فلاسفة على الرغم من رفضهم لهذه التسمية لأنفسهم. وربما أصرُّوا على أن تعاليمهم مصدرها نبوي يرجع إلى زمن بعيد، إلا أن تفاصيل حججهم، وشكلها المنطقي ولغتها، يدين لتاريخ الفلسفة واستقبالها في العالم الإسلامي.
السياق التاريخي
الإسماعيليون هم فرع من الشيعة([2]). وقد بدأ وجودهم باعتبارهم فرقة مستقلة على نحو غامض في حوالي الثلث الأول من القرن الرابع الهجري، منتصف القرن التاسع الميلادي. والمصطلح الفني الذي يصف هذه الحركة هو «الدعوة»؛ أي: نداء باسم قضية معيَّنة أو من أجل نسب إمامي معيَّن. ولا نعرف مِن أسماء دعاة الحركة في أول نصف قرن من تاريخها إلا القليل. والداعي هو ذلك الذي يجلب المؤمنين والـمُرْسَل لنشر مذهبٍ ما. لكن مع أواخر القرن الرابع الهجري، بداية القرن العاشر الميلادي، صارت الأمور أوضح. لكن رغم ذلك؛ بقيت كل أفكارهم غامضة فيما عدا تلك الخاصة بالإمامة. وفي هذه الأثناء انقسمت الحركة إلى فصائل، ساند أحدها القائد الذي صار بعد قليل أوَّل خليفة فاطمي* (حكم الفاطميون من 297/ 909 إلى 567/ 1171)، وصارت الفصائل الأخرى منشقَّة ورفضت الاعتراف بالخلفاء الفاطميين. وعاشت تلك المجموعة من الفصائل في شرق العالم الإسلامي حصراً، وعُرِفوا باسم «القرامطة».
وهكذا، فإن الإسماعيليين مثلهم مثل باقي الشيعة؛ ينهلون من مَعين مذهبي واحد تمَّ تكوينه ونشره من قِبَل أجيال عديدة من علمائهم ومفكِّريهم، خاصة أئمَّتهم السابقين. ومن بين الشيعة لدينا مع الإسماعيليين خاصة، شواهد مبكرة على دراسة دعاتهم الأوائل للفلسفة، وهي تظهر في قطعة من مذكرات أبو عبد الله بن الهيثم([3]). كان بن الهيثم** كاتباً شيعياً من شمال أفريقيا قبل قدوم الفاطميين، وبمجرد انتصارهم انضم إليهم. وتكشف معالجته عن تفاصيل خلفيَّته، والتي شملت تعليماً كاملاً في الفلسفة اليونانية. ويقول إنه قرأ أعمال كل من أفلاطون وأرسطو([4]). وتُظهر نقاشاته مع الدعاة الفاطميين الذين تولَّوا شؤون الحكم الجديد عن أنه هو وواحد منهم على الأقل قاما بقراءة أعمال فلسفية عديدة، وأنهما كانا قادِرَين على مناقشة دقائق المنطق الأرسطي وبعض النظريات الأرسطية الأخرى([5]). وقد صار ابن الهيثم نفسه داعية، وكان مُحاوِرَه في الفلسفة داعية آخَر، وكان شقيق العقل المدبِّر لانتصار الفاطميين في شمال أفريقيا [عبيد الله بن الحسين المهدي]؛ وعمل ابن الهيثم في الدعوة الإسماعيلية لقرابة عشرين عاماً.
وفي الوقت نفسه أو بعد ذلك بقليل؛ بدأت مجموعة أخرى من الكُتَّاب في خراسان وشمال إيران الأوسط في شرح المذهب الإسماعيلي بطريقة فلسفية([6]). فقد حوَّلوا رؤية شيعية قديمة للكون إلى رؤية أفلاطونية محدثة. فعلى سبيل المثال: تحوَّلت شخصيات أسطورية في التراث الشيعي إلى العقل الكلي والنفس الكلية في الرؤية الفلسفية الجديدة. وكان الداعية الأساسي المسؤول عن هذا التحول هو محمد النسفي (ت 331هـ/ 943م) الذي عاش في خراسان.
ولسوء الحظ؛ فإن عمل النسفي الأساسي وهو «المحصول» مفقود؛ ما يعيق أيَّ محاولة لإعادة بناء بدايات الفلسفة الإسماعيلية. لكن تظهر بعض الفقرات منه في أعمال تالية. وقد صار الكتاب سريعاً محوراً للجدل بين أعضاء الدعوة في الشرق. وقد شعر أبو حاتم الرازي (ت 322هـ/ 934م)، الذي كان داعية معاصراً للنسفي وعاملاً في منطقة الرَّيِّ، بضرورة كتابة «تصحيح» له، وهو كتاب «الإصلاح»، وقد وصلنا جزء كبير منه([7]). وبذلك لدينا مادة كافية لبناء صورة عامة عن إسهامات النسفي، لكن دوماً باستخلاص ما يمكن أن تكون أفكاره من ردود خصومه.
لكن لم يكن النسفي هو الوحيد في خراسان، إذ كتب مَن سبقوه ومَن أتوا بعده أبحاثاً تحوي نظريات فلسفية. فقد صَّنف أحد تلاميذه وهو داعية أيضاً، لا نعرف من اسمه سوى «أبو تمَّام»، عملاً يسمَّى «كتاب الشجرة»، وقد وصلنا في نسخ عديدة. وكان النصف الثاني من الكتاب يُنسب لشخص آخر تحت عنوان «كتاب الإيضاح»([8]). وكان أبو يعقوب السجستاني* عضواً هاماً في نفس المدرسة بخراسان، والذي سيصير أهم مُدافِع عن التوجه الأفلاطوني المحدث للإسماعيليين.
وقد اشتهر أبو حاتم الرازي بكتاب آخر له وهو «أعلام النبوَّة»، وهو معالجته لجدل دار بينه وبين أبي بكر الرازي الطبيب**، وكان من أبناء بلدته([9]). وقد حاجج أبو بكر على نحو بالغ الجرأة بأن الأنبياء ليسوا أفضل من الفلاسفة، وأن ما يُسمَّى بالوحي الذي تلقَّوه مضطرب بصفة عامة وقيمته ضعيفة. وكان نصيراً للفلسفة حصراً، وبالتالي لم يكن مهتماً بالتوفيق بين النص المقدس والعقل. وقد غضب أبو حاتم مثله مثل غيره من الإسماعيليين من هذا الرجل وما يدافع عنه. إلا أن تسجيله لنزاعه معه هو المصدر الأساسي لمعرفتنا بفكر أبي بكر.
وهكذا استمرت فلسفة الإسماعيليين في التطوُّر، بتوترات وخلافات داخلية كثيرة ومستمرة. وعلاوة على ذلك فلم يكن هؤلاء الإيرانيون من مؤيدي الفاطميين، على الأقل في البداية. لكن تبنَّى الفاطميون فيما بعد توجُّهاً تقريبياً من الإسماعيليين الشرقيين، وبدأوا في النصف الثاني من القرن العاشر في قبول أعمالهم، وكانت غالباً في شكل مختصرات وتلخيصات. وأخيراً اعترف السجستاني بقيادة الفاطميين، وفي الغالب عمل على مراجعة كتاباته المبكرة بما يناسب الوضع [التوافقي] الجديد [مع الفاطميين]. ومع نهاية القرن العاشر؛ صار فلاسفة الإسماعيليين في الشرق جزءاً أصيلاً ومُبَجَّلاً من التراث الإسماعيلي، مثل النسفي والرازي وأبي تمَّام والسجستاني. وكانوا أعلاماً بارزين مُعترَف بسلطتهم المعرفية، خاصة السجستاني؛ إذ كانت صياغتهم للمذهب الإسماعيلي هي المعتمَدة.
ومن الأهمية بمكان أن نتعرَّف هنا على الطبيعة الحقيقية لمصادرهم الفلسفية. وبالنظر إلى تبعثر وتشتُّت الشَّواهد المبكرة على فكرهم، وإلى الحال بالغة السوء لمخطوطاتهم التي ترجع لهذه الفترة، يبقى البحث في هذه الفترة أوليِّاً([10]). لكن الواضح أن المؤلفين المذكورين كان في حوزتهم عدد من نصوص الأفلاطونية المحدثة بالإضافة إلى أعمال كلاسيكية يونانية أخرى([11]). وقد كانوا يعرفون أعمالاً مثل الكتاب المسمَّى «أثولوجيا أرسطوطاليس»، مع المادة المستقاة من تاسوعات أفلوطين. والغالب أن يكون قد وصلتهم إحدى الصيغ العربية لكتاب «العلل» [الإيضاح في الخير المحض] وكتابات أخرى لبروقلس([12]). وبالطبع، فإن الصِّلَة بين الفكر الإسماعيلي وهذه المصادر ليس واضحاً، بل يمكن استخلاصه من الاشتراك مع المصادر في المصطلحات والمفاهيم.
لكن تتَّضح الصلة مع المصادر القديمة في عملين آخرين منحولين على وجه الخصوص؛ أولهما هو المعروف حالياً بأمونيوس المنحول Pseudo-Ammonius، وهي مجموعة من الأقوال الأفلاطونية المحدثة في الأساس، يقال إنها ترجع إلى عديد من الفلاسفة اليونان حول موضوعات متفرِّقة، مثل الخلق من العدم والتوحيد بين الإله والوجود([13]). ولهذا العمل آثار تظهر في مناقشات الفلاسفة العرب لتاريخ الفكر اليوناني. وتظهر فقرات منه في أعمال النسفي وأبي تمَّام، والمؤكَّد أنه هو مصدر أبي حاتم الرازي في فصوله التي خصَّصها للبرهنة على فشل الفلاسفة في الوصول إلى الحقيقة اعتماداً على أنفسهم. إذ يذهب أبو حاتم إلى أن الفلاسفة، ولافتقادهم للهدي النبوي، فقد غرقوا في الضلالات، وصار يثبت الواحد منهم ما ينفيه الآخَر ولا شيء غير ذلك. وبالتالي فمن شبه المؤكد أن أبا حاتم قد استخدم هذا العمل، الذي شكَّل أساس معرفة الإسماعيليين بمذهب الأفلاطونية المحدثة. والمخطوطة الوحيدة المتاحة لنا الآن([14])، تبدأ بتقرير الفكرة السابقة. ومحتمل أن تكون هذه المخطوطة العربية من عمل الدعوة الإسماعيلية، وربما هي مجموعة من الملاحظات كتبها أحد الدعاة (مثل أبي حاتم أو النسفي)، من ترجمة عربية أو أكثر لمفكِّر قديم (ويمكن أن يكون أمونيوس المنحول المذكور في أول المخطوط). وكان هدف العمل بالنسبة إلى الإسماعيليين هو إبطال أفكار الفلاسفة، وبالتالي فهو لا يمثِّل مصدراً لفكرهم أكثر من كونه دليلاً على مصادر أخرى لهم.
ويتَّصف نَصٌّ آخَر بنفس الإشكاليات. ففي الصيغة الموسعة من كتاب «أثولوجيا أرسطوطاليس»، والتي تضم كل الصيغة الأصغر وتضم إليها فقرات كثيرة لا تظهر إلا فيها، تظهر مقاطع تتَّفق مع أجزاء من أعمال الإسماعيليين في لفظها وفكرها([15]). وقد صارت النظرية التي تحملها هذه المقاطع مميِّزة للفكر الإسماعيلي خاصة في العصر الفاطمي. لكن من المؤكد أنها ترجع إلى مصدر سابق وربما يوناني قديم، وأنها لم تكن نتاجاً لاهتمام إسماعيلي خاص بالفلسفة.
ولأن الكثير من أعمال السجستاني قد وصلنا، والذي لم يَمُتْ إلا بعد سنة 331/ 971، فهو يعدُّ أهم مصدر لفلسفة الإسماعيليين المبكرة. وحتى بداية القرن الحادي عشر؛ لم تظهر في الدعوة الإسماعلية شخصية أهمُّ منه، إلا إذا وضعنا في هذه الفترة «إخوان الصفا» واعتبرناهم إسماعيليين بطريقة ما؛ إذ تكشف رسائلهم عن قرابة واضحة مع المذهب الإسماعيلي الأفلاطوني المحدث، ويُفترض أن تكون جماعة إخوان الصفا السِّرِّيَّة متَّصلة بالحركة الإسماعيلية. لكن لدينا الكثير من الجدل حول تاريخ نشاطاتهم وحقيقة انتماءاتهم. وأقوى الشواهد تؤرخهم بهذه الفترة [السابقة على القرن الحادي عشر]، والكثير من أقوالهم في رسائلهم تتطابق مع عقائد الإسماعيليين. لكن ما قالوه عن الإمامة لا يتَّفق مع الإسماعيليين؛ ولا يمكن أن يكونوا بذلك داعمين للفاطميين. وبدلاً من ذلك، فإن موقفهم من الإمامة يقترب من موقف القرامطة([16]).
أما ثاني أهم مفكر إسماعيلي زمنياً في العصر الفاطمي؛ فهو حميد الدين الكرماني (352 - 412هـ/ 963 - 1021م)، وهو شخصية بارزة سيطرت أعماله في عصر الخليفة الحاكم بأمر الله (374 - 411/ 985 - 1021، حكم من 385 إلى 411/ 996 إلى 1021). ومثله مثل باقي دعاة الإسماعيلية، فلا نعرف الكثير عن الكرماني، سوى أنه عاش في العراق وزار القاهرة. وقد أهدى كل أعماله للحاكم، وكان آخرها سنة 411/ 1021 عندما اختفى الحاكم([17]).
انتمى الكرماني لتراث فلسفي مختلِف عن غيره [من الإسماعيليين]؛ فالتأثير الأكبر عليه لم يكن من الأفلاطونية المحدثة التي في كتاب «أثولوجيا أرسطوطاليس» وما شابهه من نصوص، بل من الفارابي؛ ولذلك كان فكر الكرماني أرسطياً على نحو أوضح. فعلى سبيل المثال: تبنَّى الكرماني رؤية للكون تقبل بتعدُّديَّة العقول التي يرتبط كل واحد منها بفلك سماوي، وهي رؤية فضَّلها كذلك معاصره ابن سينا، وهو يتحدث عن «العقل الفعَّال» وليس «العقل الكلي»؛ كما يغيب عن فكره مفهوم النفس الكلية. وغني عن القول إن آراءه حول الكثير من القضايا كانت متعارضة مع السجستاني وشخصيات إسماعيلية مبكِّرة أخرى. والحقيقة أنه كتب رسالة خصَّصها لتحليل وتكييف عقائد إسماعيلية سابقة كي تناسب مذهبه، هي «الرياض»([18])، وحاول فيها التوفيق بين آراء أبي حاتم الرازي في نقده للنسفي، والسجستاني الذي وقف بجانب النسفي. وكانت نقاط الخلاف بينهم فلسفية، مثل: هل كانت النفس الكلِّيَّة كاملة تامَّة منذ البداية أم إنها في حاجة للاستكمال عبر الزمان؟ ومن دون قصد منه؛ أمدَّنا الكرماني في معالجته برؤية انتقالية تُظهر لنا تطوُّر المذهب الفلسفي لدى الإسماعيلية.
وقد فشلت محاولة الكرماني في تعديل فكر الإسماعيلية [نحو اتجاه أرسطي] في المدى القريب. ورغم ذلك تشكِّل أعماله واحدة من أهم الإنجازات الفلسفية للإسماعيليين. وقد تجاهلته المراجع الفاطمية المتتالية وفضَّلَت عليه السجستاني، وأبرزها هو ناصر خسرو (ت 469هـ/ 1077م)، وكان داعية إسماعيلي كتب بالفارسية، لكن يبدو أنه كان يترجم فقرات من السجستاني، والمؤيد في الدين الشيرازي (ت 479هـ/ 1087م) الذي كان على رأس الدعوة من 449/ 1058 إلى 469/ 1077، الذي كتب كمَّاً هائلاً من المواعظ والدروس التي تنتظر دراسات تفصيلية.
ومع نهاية الحكم الفاطمي في 566هـ/ 1171م؛ انتقل مركز النشاط الإسماعيلي إما إلى مدينة أَلَموت في شمال إيران، أو اليمن. وقد حافظت الدعوة الطيبية* في اليمن عبر العصور الوسطى المتأخِّرة على تقليد في غاية النشاط من جمع ودراسة وكتابة الأعمال الفكرية. وقد وصلتنا أغلب أعمال الإسماعيليين المبكرة عن طريق الطيبية؛ واستمر علماؤها في إخراج العديد من الأعمال التي تستقي من العقائد الفلسفية المبكرة للإسماعيليين. وقد احتلت رسائل إخوان الصفا لديهم مكانة هامة، بالإضافة لأعمال الكرماني الذي فضَّله شيعة اليمن المتأخرون.
العقائد الفلسفية لعلماء الإسماعيلية الكبار
محمد النسفي
أولَى النسفي([19]) اهتماماً كبيراً بالدفاع عن علو الله [المبدِع بتعبيره] بطريقة جعلته يفارق مخلوقاته بالمطلق. وليقوم بذلك اعتمد النسفي على معجم فني خاص تشارك فيه مع غيره من معاصريه. فكلمة «مُبدِع» ترجع إلى الفعل «أبدع»، والمبدع هو الذي أوجد الشيء واللاشيء في الوقت نفسه، وهو الذي يبدع من اللاشيء؛ وهو ابتداءً موجود وليس شيئاً معه، لا معرفة ولا صورة. وكل معرفة وصورة مخلوقة منه؛ وهي لا يمكن إلا أن تكون موجودات مخلوقة؛ وهي ليست في هوية مع الله بأي معنى. واللاوجود أو العدم يتبع الوجود؛ وهو سلب للموجود.
إن «أمر» الله، الذي هو كلمته، هو الإحداث نفسه، وهو منشئ الموجود، الذي هو العقل. وبذلك يكون الأمر هو الوسيط بينه وبين الموجود الأول؛ أي: بين الله والعقل. لكن رغم أن فعل الفاعل هنا سابق أنطولوجياً على أثر هذا الفعل [أي: إن الأمر سابق على إيجاد العقل]، إلا أنه من وجهة الأثر، فالفعل هو الأثر نفسه؛ أي: إن الأمر هو نفسه العقل. ويبدو أن هذه الفكرة مستقاة من فقرة في كتاب أمونيوس المنحول، والتي تذهب إلى أن المؤثِّر يُنتج الأثر، الذي يصير الـمُؤثَّر. وبذلك يكون أمرُ الله هو نفسه أثر هذا الأمر ولا انفصال بينهما.
والموجود الـمُبدَع هو العقل. وقد منح الخالقُ الوجودَ للكون دفعة واحدة عندما أبدع العقل ووضع فيه كل معقولات العالم. والعقل أزلي مثل علَّته، وكل ما في العقل أزلي كذلك. وإذا لم يكن كذلك؛ لم تكن الأشياء لتصدر عن العقل، وإذا لم يكن العقل كاملاً وأزلياً؛ فسوف ينتهي النظام من العالم ويفنى العالم نفسه. ويفيض العقل بالصور العاقلة التي للأشياء الصادرة منه. وبذلك يكون العقل هو الوسيط بين علَّته [الإله] والعالم. وأثره المباشر هو النفس، والتي ليست كاملة مثل العقل. وتحتاج النفس لفيض العقل كي تصل إلى كمالها فيما بعد. وأحد كمالات النفس هو الزمان، وفي سعي النفس للكمال عبر الزمان؛ تنتج عنها الحركة، وعندما تُحقِّق الكمال؛ تتوقف الحركة. ويأتي التوجه المزدوج للنفس بين الحركة والسكون من علاقتها بالعقل؛ والحركة والسكون ينتجان المادة الأولى والصور الأولى*، التي يتشكل بامتزاجها العالم المادي.
والبشر هم أول ما ينشأ في النفس، وهم نتاج سعي النفس نحو [الكمال بالتشبُّه بالعقل؛ ذلك التشبُّه الذي يجعلها نفساً عاقلة تُميِّز البشر]. وكانت المعرفة كامنة في النفس الإنسانية العاقلة، التي هي جزء من النفس الكلِّيَّة، بنفس طريقة كمون الشجرة في البذرة. ومثلما لا يمكن للبذرة أن تنمو دون الماء؛ فإن المعرفة في الإنسان لا يمكنها أن تنمو دون ماء النبوَّة.
أبو حاتم الرازي
مثل معاصره النسفي، أولى الرازي أهمية كبيرة للمصطلحات التي أسَّسها على مفهوم الإبداع. فالله هو المبدِع، مُحدِث الكل. فهو يأتي بكل الموجودات إلى الوجود دفعة واحدة؛ ومجموع الموجودات هو كل ما يمكن أن يوجد عن الله. وإبداع الله للعالم عند الرازي كما عند النسفي هو فعل الأمر وكلمته. وبمجرَّد صدور الأمر تأتي الأشياء للوجود، وهذه الأشياء هي الأمر نفسه، وهي العقل نفسه. ولا يمكن وصف الموجد بأي شيء يوصف به الموجود، فلا اشتراك بين الخالق والمخلوق في شيء.
إلى هذا الحد؛ فإن مذهب أبي حاتم في الله والخلق مشابه لمذهب النسفي والسجستاني، كما للصيغة المطوَّلة من «أثولوجيا أرسطوطاليس». أما مفهومه عن الزمان فجديد. إن الزمان والعقل في مذهبه هما موجود واحد. فبما أنه لم يكن هناك زمان قبل الوجود، وبما أن العقل والوجود هما الشيء نفسه؛ فإن العقل والزمان هما الشيء نفسه. والنفس تنبعث عن العقل؛ والعقل يُضفي عليها الوجود. وتستقبل النفس كل الوجود بما فيه الزمان من العقل. ورغم أنها تحتاج للزمان كي تتحقق، إلا أنها كاملة. وطريقتها في التفكير الاستدلالي غير المباشر عند أبي حاتم ليست نقصاً فيها، كما أنها ليست أدنى من العقل. والاثنان في عالم روحي علوي خالص، بريء من أي اختلاط بالأفلاك السماوية أو العالم الأرضي. وهما متشابهان مثل الذكر والأنثى على الرغم من علوِّ أحدهما على الآخر. وهما في نفس المكانة العليا والشرف، وليس هناك شرف أعلى منهما. وهما أساس العالم الروحي الشريف، ومصدر كل كمال ونور ورحمة ومعرفة، وكل ما هو تام من كل جهة، وليس فيهما أي ظُلمة أو عتمة.
وأساس العالم الأرضي هو المادة الأولى والصورة الأولى، ولا يتصل زمانه بالزمان العُلوي، لكن هناك «أثر» من هذا العالم العُلوي يدبِّر العالم الأرضي، مثل أثر الصانع البشري على صنعته. وأنواع النفس هي النفس الغاذية والحيوانية والعاقلة، ونفس أخرى توجد في الإنسان وحده، وهي أثر للعالم العُلوي. وبذلك فإن النفس الإنسانية ليست جزءاً من النفس الكليَّة ولا تشاركها. ولا شيء في هذا العالم متَّصل مباشرة بعالم العقل والنفس، إلا أن البشر الذين يوجد هذا العالم الدنيوي من أجلهم؛ يقبلون أثر العالم العلوي. والإنسان هو ثمرة هذا العالم الدنيوي، وكل ما في هذا العالم مخلوق من أجله. ويصل العالم لكماله وتمامه عندما يصل الإنسان لكماله وتمامه. وعند هذه اللحظة سينتهي العالم عن الوجود.
وعلى الرغم من بعض الاختلافات بين النسفي وأبي حاتم؛ إلا أنهما قدَّما تأويلاً أفلاطونياً محدثاً واضحاً للمسائل السابقة. ولسوء الحظ، فلا نملك حالياً أي تفاصيل أخرى عن مذهبيهما دون هذا المختصر القصير. وكل ما نعرفه عن باقي أفكارهما يثير العطش لكن لا يروي.
أبو يعقوب السجستاني
في مقابل ضآلة المادة المتاحة لدينا عن النسفي والرازي، مما يُبقي أي معالجة لهما سطحية، تتوافر لدينا عن السجستاني([20]) مادة غزيرة([21]). صحيح أنه لم يضع عملاً كاملاً في الفلسفة، إلا أن أعماله تحوي فصولاً وفقرات تمثِّل في حد ذاتها دراسات فلسفية. وكثيراً ما كان يعالج موضوعاً فلسفياً في فصل، يتبعه فصل آخر يعرض فيه موضوعاً آخر لا يُصنَّف إلا على أنه عقيدة إسماعيلية([22]).
تمتد تعاليم السجستاني الفلسفية على مخطط تنازلي وتصاعدي - من البسيط والكلِّي إلى المركب والجزئي، ومن الواحد إلى الكثير، والعكس. ودراسة كيفية الخلق في نظره هي دراسة بناء الكون، [الذي هو] الثبات الدائم للعوالم العليا، والسيلان الدائم للعوالم السفلى. والنفس الإنسانية عالقة في العوالم السفلى؛ وخلاصها وخلودها في العوالم العليا. والخلق يبدأ من الله إلى أعلى المخلوقات وهو العقل، وهو أول من يحصل على الوجود وهو الأقرب إلى الله. وتليه النفس، تليها الطبيعة، وهي في حد ذاتها صورة دنيا من النفس. وبعد الطبيعة هناك انشقاق بين القدسي والروحي من جهة، والدنيوي والجسمي من جهة أخرى. وتُكوِّن الطبيعةُ العالمَ المادي؛ أي: المجال الأرضي الذي تعيش فيه النباتات والحيوانات، وأخيراً البشر. وتمثِّل العودة صعوداً للعالم العُلوي بالنسبة للسجستاتي وغيره من الإسماعيليين أهمية خاصة؛ إذ ينظرون إليها على أنها عملية تاريخية، وتحرُّر جمعي للبشرية. ويشكِّل سُلَّمٌ تراتبيٌّ آخر موازٍ للعقل والنفس والطبيعة؛ القانونَ والحقيقةَ اللذَينِ يقودان البشر بعيداً هذا العالم الدنيوي إلى العالم العُلوي، من العالم الفيزيائي الحسي إلى العالم القدسي الروحي، في عودة إلى العقل الخالص.
وتتصف أقوال السجستاني حول عملية [العودة للعالم القدسي] بأشياء تميِّزه عن غيره. فنظريته في الواحد تهدف إلى الحفاظ على علوِّ الله غير المشروط. فالله عنده ليس الأول بأي معنى من المعاني، وهو ليس الحد الأقصى النهائي. وهو ليس جوهراً، وليس عقلاً، ولا يدخل تحت الوجود، وليس سبباً؛ وليست له «إنِّيَّة». وكل هذه المحمولات لا تنطبق عليه. وقد خصص السجستاني العديد من الفصول في مؤلفاته لتفنيد حجج من يقول بهذه الأطروحات. ومن بين خصومه بعض الفلاسفة وأغلب المتكلمين. وهو يذهب إلى أن الفلاسفة تقول إن الله جوهر متصل بطريقة ما بشيء آخر. لكن في نظر السجستاني لا يمكننا أن نقول: إن الله شيء ليس كالأشياء. وقصد السجستاني أن نفي كل الصفات المادية عنه هو مجرَّد خطوة لتمييزه عن كل الموجودات. كما أن محاولة معرفة الله بالوسائل العقلية، حتى ولو كانت تقريبية وفي صورة نظرية مجردة، هو نوع من النزعة التشبيهية. فالعقل، سواء كان بشرياً أو غيره، لا يستطيع معرفة الله.
يفترض أغلب الأفلاطونيين المحدثين أن من أدوار العقل تأمُّل الواحد وتحقيق شيء من المعرفة به (أو محاولة شيء من الاتحاد معه)، لكن يصرُّ هؤلاء الفلاسفة الإسماعيليون على أن العقل لا يمكنه تحقيق هذا الهدف. ولتفصيل مذهبه في هذه النقطة؛ ينادي السجستاني باستخدام نفي مزدوج، وهو نوع من الوصول إلى المطلوب بالنفي [لا بالإثبات]. فيجب على المرء أن يقول: إن الله ليس شيئاً، وليس محدوداً، وليس موصوفاً، وليس في مكان، وليس في زمان، وهكذا؛ لكن يجب كذلك إضافة مجموعة ثانية لهذه السلوب. إذ يجب على المرء الإقرار بأن الله «ليس ليس شيئاً»، و«ليس ليس محدوداً»، و«ليس ليس موصوفا»، و«ليس ليس في مكان»، و«ليس ليس في زمان». يهدف السجستاني بذلك عزل الله عن أي إمكانية لتَعَقُّلِه؛ فالنفي البسيط فعل معرفي يؤدي إلى نتيجة عقلية، أما النفي المزدوج فليس كذلك.
ويؤكد السجستاني بعد ذلك وعلى نحو غريب على أن الخلق، أو بمعنى أدق الإبداع، يأتي استجابة لإرادة الله*. وبذلك يأمر اللهُ الوجودَ بأن يوجد. ويحرص السجستاني على تمييز فعل الله في إبداع العالم عن أي فعل آخر. فهو باعتماده الحصري على مصطلح «الإبداع» لوصف خلق الله لشيء من العدم؛ ينضم لكل سابقيه من فلاسفة الإسماعيليين، كما لآخرين [فضلوا المصطلح نفسه مثل] إسحق الإسرائيلي Isaac Israeli والكندي. وهو كذلك حريص على أن يصف أفعال الخلق الأخرى بمصطلحات أخرى. فالنفس «انبثقت» من العقل. فالفيض [الذي تعبِّر عنه كلمة «انبثق»] يختلف عن الإبداع. لكنه ينفرد [عن سابقيه] في وضعه لوسيط بين الله والعقل، وتشديده على أن هذا الوسيط يتصف بالإرادة والغائية. وهذا الوسيط هو الكلمة logos. وليس لهذه الكلمة وجود دائم، بل هي تختفي بمجرَّد ما أن تتحول إلى العقل. وبمجرَّد ما أن يأتي العالم للوجود؛ فإنَّ أفعال الإرادة والغاية والأمر بالكلمة تصير أجزاء من العقل. وعلاوة على ذلك فليس هناك ولن يكون هناك أمر آخَر؛ فالأمر الأول أزلي وخارج الزمان والتتابع. فإبداع الله اقتضى أن يكون هناك عالم، لا فوضى، فلما كان الله موجوداً، لن يتحول الكون أبداً إلى فوضى.
والموضوع الذي يقع عليه الأمر هو العقل؛ الذي هو مجموع الموجودات ومبدأها، وصورة كل الأشياء، الظاهرة والخفيَّة، وهو ينبوع كل النور الروحي والمادي. ويستخدم السجستاني المصطلح الإسماعيلي المميز «السابق» لوصف العقل، وليشير به إلى أسبقيَّته على كل الموجودات. وتدخل بعض جوانب العقل في كل الموجودات التالية. فالنفس تنبثق منه عندما ينعكس العقل على ذاته ويتأملها؛ ثم تأتي النفس بالطبيعة من داخلها. وفي حين أن العقل كامل؛ فإن النفس ليست كذلك، وهي بالأحرى تحتاج للعقل لتحقيق الكمال الممكن لها. والنفس في حركة، أما العقل ففي سكون. وبحركة النفس ينشأ الزمان. وطالما لا تعي النفس بمُدَبِّرها؛ فهي تغرق في العالم الطبيعي وتفتَتِن به بعد أن كان ناشئاً عنها. ويجب أن تُذَكَّر بأصلها؛ ونسيانها يتطلَّب وحياً يُصحِّح من اتجاهها، ويلفت انتباهها لأعلى مرة أخرى بعد أن كان لأسفل.
إن لأغلب جوانب مذهب السجستاني في العقل والنفس سوابقَ أفلاطونية محدثة، والذي له دلالة في هذا الشأن أنه يحافظ على عدم انقسام كل منهما [مثل الأفلاطونيين المحدثين أيضاً]. فليس في مذهبه عقول مفارقة متعددة كما نجد عند الفارابي وابن سينا. فالعقل عنده كلِّيٌّ، والعقل البشري يشارك فيه، وبالمثل فالنفس عنده كلِّيَّة ونفوسنا البشرية جزء منها.
وتُشكِّل النبوة إشكالية محورية في فكر السجستاني. النبوة عنده ليست فلسفة، والفلاسفة ليسوا أنبياء. وكل الأنبياء أصحاب الشرائع ينتمون لسلسال واحد. وهم يتمتعون بمَلَكة خاصة ينفردون بها عن كل البشر. وهم باطِّلاعهم على عالم العقل؛ مكلفون بتحويل العقل إلى لغة وتبليغها للناس. ويتطلب هذا الدور أن يكون للأنبياء اطلاع غير مقيَّد وغير محدود على العقل، وأن تكون نفوسهم البدنية غير متأثرة برغبات الدنيا أو بأدران البدن، بحيث يتمكَّنون حالما يريدون، من أخذ ما يَطَّلِعون عليه من عالم العقل ويأتون به إلى عالم الدنيا. وبذلك يشرعون الشرائع ويكتبون الوحي، والشرائع والوحي هما العقل مُتَجَسِّداً.
ولحكم عالم السَّيلان والتَّغيُّر الدائم؛ فإن الحق الثابت الأبدي يلهم على الدوام ممثلاً له. ومهمته هي إبعاد النفس عن عالم الدنيا، وتعلمها باعتبارها جزءاً من النفوس الإنسانية الكلية، كيف تعود للنفس الكلية العليا. والنبي محمد بالنسبة إلى الإسماعيليين هو آخر المشرعين؛ وهو الشريعة القصوى. وفي زمنٍ ما في المستقبل؛ سيأتي مسيح ليضع نهاية للتاريخ البشري. وإلى حين ذلك؛ فإن سلسالاً من الأئمة يبدأ بمحمَّد، يقدِّم الهداية للبشر، وهم يحافظون على أصل شريعته بوراثتهم الواحد تلو الآخر لمعرفة [سرِّيَّة] عن المعنى الحقيقي لكلامه. وكلهم قادرون على التوصل للمعنى الباطني المستور والمجرَّد من خلف المعنى الحرفي الظاهري المادي، الـمُـعَبِّر عن العقل الكلي الأزلي.
حميد الدين الكرماني
=
انضم الكرماني([23]) للدعوة الإسماعيلية بعد جيل كامل من موت السجستاني. وأقدم كتاباته يرجع إلى سنة 398هـ/ 1008م([24]). وكما ذكرنا سابقاً؛ استخدم الكرماني مخططاً فكرياً من الفارابي لأغراض إسماعيلية، وكان بذلك يأمل في إقناع الدعوة الإسماعيلية بأن تفعل المثل.
وعلى الرغم من ذلك؛ فإن الله عند الكرماني، على العكس من الفارابي، ليس هو الموجود الأول أو السبب الأول أو واجب الوجود؛ ذلك لأن بداية سلسلة الأسباب تنتمي لهذه السلسلة على الرغم من أنها الأولى منها. وهذه البداية عند الكرماني هي العقل -أي: العقل الأول- وليس الله. والله بالأحرى هو ما تعتمد عليه السلسلة السببيَّة [لا التي تبدأ منها]. إنه مبدأ الوجود ذاته لكنه ليس من بين الموجودات، كما أن الله ليس جوهراً، وليس جوهراً جسمياً ولا جوهراً بريئاً من المادة، وليس شيئاً بالقوة وليس شيئاً بالفعل؛ ولا يفتقر لشيء؛ ولا شيء مثله، وليس في علاقة مع أي شيء، وليس له ضد أو مُساوٍ، وليس في الزمان ولا يخضع له، وليس أزلاً ولا يخضع للأزل.
إن مقصود الكرماني أن الله لا معروف ولا يمكن أن يُعرَف. وكلما سعى العقل البشري لفهمه أو استيعابه؛ لا يستطيع. وإذا حاول فلن تُسفر محاولته إلا عن مزيد من الابتعاد عن الله. فالله لا يمكن معرفته بالعقل كما لا يمكن للعين المجردة أن تنظر إلى الشمس، وهو لا يمكن أن يُدرَك بطرق العقل، ولا يمكن للغة أن تصفه كما هو، فليس أمامها موضوع تصفه. فالله غير معروف، ولا يمكن للغة أن تصف اللامعروف، ولا يمكن للتجريد العقلي أن يعقل ما ليس بموضوع. ويتبع الكرماني السجستاني في طريقته في النفي المزدوج. فالإخلاص للتوحيد المطلق لا يسمح بأي تسويات، حتى مع أكثرها وجاهة عقلاً. والطريقة الأسلم بذلك هي رفض كل الصور المادية والعقلية التي تحاول معرفة الله؛ إذ لا يصلح أي منها. وما تفعله طريقة النفي هذه هو إبعاد الله عن كل تأمُّل أو تفكير أو تخيُّل بشري، لكن ماذا عن الخطاب الديني المعروف عن الله؟ يذهب الكرماني إلى أن البشر عندما يتكلمون عن الله؛ فهم لا يتحدثون عن الله ذاته، بل عن العقل في مرتبته العليا الأولى. وهو ليس الله ذاته، ولا يجب أن نخلطه بالخالق الحق، لكنه أقرب إلى البشر، وهو تقريب لله من فهم البشر، لكنه ليس هو.
والخلق عند الكرماني إبداع، وأول الـمُبْدَعات هو العقل؛ الذي هو أول الكون، وأول الموجودات والسبب الأول والمحرك الأول. وهو الواحد، وفي الوقت نفسه أول سبب وأول أثر، الـمُبدَع [لله] والـمُبدِع [للكون]، وهو الكمال والكامل، الأزلي والأزلية ذاتها، الموجود والوجود، كل في وقت واحد. ورغم أنه واحد؛ فإنه عقل وعاقل ومعقول. ولكونه العقل الأول والموجود الأول في سلسلة الوجود؛ فهو المحرك الثابت الأزلي. كان المحرك الأول الثابت في المذهب الأرسطي هو الله، سبب كل الأسباب. وبالتالي فإن إعلان الكرماني أن العقل هو الله الذي يفهمه البشر؛ يؤكد موقف الفلاسفة لكنه يُغيِّره تماماً. فإله الفلاسفة هو العقل الأول، لكنه ليس هو الله على الحقيقة، بل هو صورة ذهنية مختلفة تماماً عن الإله الحقيقي. لكن هذا العقل الأول الذي على صلة سببية بالعالم؛ مُتفرِّد تماماً عن العالم. إنه أول الأشياء، ومحرك كل حركة؛ وهو الفعل الدائم الذي يأتي بكل وجود ممكن إلى وجود بالفعل.
وهناك لدى الكرماني خمسة أنواع من العقل: العقل الأول، والثاني، وثلاثة أنواع في الإنسان: المستفاد، والممكن، والذي بالفعل. والعقل الأول سابق على الباقين. وهو واحد في جوهره، كثير في علاقاته بغيره، وبذلك يأتي بوجود مزدوج، وهو العقل الثاني الذي هو أكثر تركيباً من العقل الأول. وعملية الانتقال من العقل الأول إلى الثاني توسع من مجال الخلق بخلق كثرة من الموجودات.
وينبثق العقل الثاني من العقل الأول عندما يشعُّ الأول على نحو لاإرادي بالسعادة على الوجود، وهو فَرِحٌ ومنتشٍ بذاته إلى درجة تجعله في بريق، هذا البريق تصدر عنه صورة تصير عقلاً ثانياً، هو انعكاس للعقل الأول. وتسمى هذه العملية «انبعاث» أو «فيض». والعقل الثاني على العكس من الأول ليس له من أفضلية سوى أنه الثاني، ولذلك فهو ليس متفرداً؛ وهو انبعاثي وليس إبداعياً، على الرغم من حصوله على شيء من صفات الإبداع لكونه عقلاً؛ فهو خالص وبسيط [وهما من صفات الإبداع، وهو بالفعل وليس بالقوة، ويشمل في داخله ماهيَّته ويحتفظ بها مثل العقل الأول. لكن على العكس من العقل الأول؛ فهو يعقل غيره الذي هو العقل الأول بجانب عقله لذاته، منتِجاً بذلك من ذاته جانبين يمنحانه ثنائيَّته الأساسية؛ ففي تشبُّهه بالعقل الأول باعتباره فاعلاً؛ يكون نفساً كما يذهب الكرماني، وهي غير متصلة بالنفس الإنسانية ولا تشترك مع النفس الكليَّة لدى الأفلاطونية المحدثة سوى في الاسم. والجانب الثاني من العقل الثاني هو ارتباطه بالعقل الأول باعتباره أثراً [للواحد]. وهذا الجانب يُشكِّل في العقل الثاني إمكاناً غير متحقِّق بالفعل، وفي مقابل الجانب الأول [النفس] يتخذ الجانب الثاني صفة المادة الأولى، وهي إمكان محض يُكوِّن مع الصورة الوجود الجسمي. ويحافظ الجانب الإبداعي من العقل الثاني على جوهره باعتباره عقلاً، في حين أنه من حيث هو نشاط فاعل؛ يكون الصورة بالنسبة إلى هذا الوجود الجسمي. وهو بكلِّيَّته عبارة عن حياة بالقوة.
ومن هذين الجانبين من العقل الثاني تصدر سلسلة من العقول توازيها كيانات مادية. وسلسلة العقول هي الثمانية التي تكمل العقول العشرة في الأفلاطونية المحدثة، والكيانات المادية هي الأفلاك التي ترتبط بها العقول، ومنها تتولَّد الكائنات المحسوسة في العالم الأرضي. ويُلحِق الكرماني بعقول الأفلاك مهمَّة تدبير وتنظيم العالم الأرضي، وهي متصلة على نحو وثيق بتطوُّر الوحي الديني وتطور الشريعة. وكل واحد من هذه العقول -وهو يقول إن الفلاسفة تُسمِّيها العقول الثواني*- تُبجِّلُ اللهَ وتعبده عن طريق حركتها الدائرية الكاملة، مثل الحُجَّاج الذين يدورون حول الكعبة. هذا الكمال [الذي لحركة عقول الأفلاك] هو تشبُّه بالعقل الأول ورغبة في الاتحاد به. وتترتب عقول الأفلاك وفق مرتبتها في قربها أو بُعدها عن العقل الأول، بحيث يكون على كل عقل فلكي استيعاب العقول السابقة عليه؛ ما يلقي بالعبء على عقول الأفلاك التالية ويجعلها أقل كمالاً من سابقتها. وبتزايد عدد عقول الأفلاك؛ يُشكِّل هذا التعدُّد مزيداً من العبء على الأفلاك التالية؛ ما يجعلها أنقص ويلحقها بذلك الاحتياج والكلال. وبالنظر إلى الجنس البشري؛ فإن أقرب العقول له هو العقل العاشر، الذي يدخل مباشرة في تدبير العالم الأرضي.
وما يقوله الكرماني عن النفس البشرية يُبعدها هي والعقل البشري تماماً عن الموجودات السماوية. فليس للنفس البشرية وجود سابق على وجود البدن البشري الذي تنشأ فيه وتجد منه وجودها وقوامها. وليس لهذه النفس في أولها أيُّ صورة أو معرفة، رغم أنها في حد ذاتها الكمال الأول للجسم الطبيعي. والعقل في هذه الحالة الأولى هو قوة عاقلة للنفس؛ أي: جانب للنفس ووظيفة لها. وهذه النفس باعتبارها جوهراً بها إمكانية البقاء بعد موت بدنها. لكن في معرفتها بالعالم؛ فلا النفس ولا العقل المرتبط بها قادران على القيام بوظائفهما دون أعضاء الحس؛ أي: البدن. وهي تبدأ بإدراك غريزي بالعالم المحيط، وهي غريزة تشارك فيها الحيوانات الأخرى. لكن تحوز النفس على كمال ممكن ثانٍ، وهو وجود عقلي خالص تكون فيه قوَّتها العاقلة قادرة على الاستقلال عن البدن. لا تقدر النفوس البشرية على أن توجد في الوقت الحالي دون أبدانها، لكنها لن تظل مرتبطة بهذه الأبدان. فعن طريق ما تتحصَّل عليه من معرفة وأعمال صالحة؛ تصير النفس جوهراً حيَّاً قادراً على البقاء بعد فناء البدن.
ولهذه النفس البشرية جوانب ثلاثة: النمو والإحساس والتمييز العقلي. وهذا الجانب الثالث هو عقل بالقوة. وهو يتطور في سبع مراحل: الانبعاث، والنمو، والإحساس، والخيال، والاستدلال، والتعقل، وأخيراً المنبعث الثاني؛ الذي يمثِّل المرحلة الأخيرة التي تنتقل فيها النفس من وجودها البدني إلى وجودها الأزلي المفارق للبدن. وحتى عندما تكون النفس عاقلة باعتبارها قوة بدنية. فهي لا تعرف صالحها؛ إذ تخلو من المعرفة مثل الصفحة البيضاء، ثم تمرُّ بنمو متطوِّر تتَّخذ فيه صورة مختلفة. ومن منظور الموجودات الإبداعية والانبعاثية في البداية؛ تكون النفس مريضة، ولا يرجع مرضها لبدنها، بل بالأحرى لافتقارها للكمال. فهي لا تستطيع بذاتها تعلُّم أي شيء سوى ما تتلقَّاه من الحواس. لكن هناك من أصحاب القوة العقلية من يستطيع هداية تلك النفوس المريضة لسبيل اتصالها بالمعرفة العُلوية. فهذه النفوس في حاجة إلى معلِّم.
وتحوي النفوس البشرية مثلها مثل النفوس الفلكية خاصيَّتَي الوجود الإبداعي والانبعاثي؛ فهي من جهة ما، تُماثِل من بعيد عقل ونفس العالم العُلوي، وفي المقابل يهتم هذا العالم العُلوي بمصير نفوس العالم الدنيوي. وبذلك فلدى الكائنات العاقلة العليا نوع من المسؤولية عن النفوس البشرية الدنيا. وأكبر مسؤولية تقع على عاتق العقل العاشر الذي يمثِّل كل العقول الأعلى الأسبق منه. وهو يُحدِث ممثله العقلي في العالم الدنيوي؛ ذلك الممثِّل الذي يتلقى فيوضات كل الملائكة العليا؛ أي: العقول المفارقة. وهذا الممثِّل يجب أن يكون شخصاً بشرياً، لكن الكرماني يزيد ويُشدِّد على وجوب كونه بشرياً على الحقيقة، بمعنى أن يكون إنساناً وتغلب صفاته الإنسانية العاقلة على حيوانيته. وهذا الشخص وحده هو الذي يتشابه مع الملائكة في صفات الإبداع والانبعاث. وهؤلاء الأشخاص النادرون والمتميزون هم الأنبياء والرسل أصحاب الشرائع، ومنهم أيضاً سيكون مسيح المستقبل الذي سيعمل على التحقيق الكامل للعقل في عالم البشر في نهاية الزمان. أما الآن؛ فإن إمام كل زمان هو ممثِّل الكمال العقلي في هذا الزمان؛ وهو المعلِّم والمرشد الأعلى في عصره؛ لأنه يعلم الحق في تمامه. وكان الأنبياء في السابق هم عقول زمانهم؛ وكانوا الصور الأرضية للعقل الأول الحق؛ الذي يتصف بالقدسية طالما كان كياناً عاقلاً.
كان الأساس الفلسفي للمذهب الإسماعيلي، خاصة كما عرضَته الشخصيات التي تناولناها، واضحاً للغاية لدى خصومهم الإسلاميين؛ الذين ظلوا على الدوام يشيرون إلى هذا الأساس الفلسفي في معرض الهجوم عليهم. وقد حاولت الدعوة الإسماعيلية دون جدوى السيطرة على الكتابات الفلسفيَّة لهؤلاء الدُّعاة، لكن انتشرت رغم ذلك بين كبار رجالاتها. وقد تأثر الكثيرون بهذه الكتابات رغم إعلانهم الصريح عن رفضها، وتعلموا منها بدرجة لم يعترفوا بها. فقد اعترف ابن سينا على سبيل المثال (ت 1037) بأن أباه وأخاه كانا من الإسماعيلية، وأنه تعرَّف على تعاليمها من أُسرته نفسها([25]). أما الغزالي، عالم اللاهوت السنِّي الكبير (ت 1111)؛ فقد علَّق كثيراً على الجاذبية الفلسفية للإسماعيليين([26]). وقد ذكر عدوُّ الفلسفة ابن تيمية (ت 1328) أنه أقبل على كتبهم وقرأ من بينها كتاب السجستاني «المقاليد الملكوتية» وغيره([27]). وأخيراً يقرُّ المؤرخ المصري الشهير المقريزي (ت 1441) وبوضوح شديد أنه تعرَّف على أماكن تواجد كتب أصيلة لأعضاء الدعوة الإسماعيلية وأنه عرف مذهبهم منها، وأن الفلسفة أدت دوراً مهماً في فكرها([28]).
[1] - المقال المترجم مقتطف من كتاب "دليل كمبريدج"، ترجمة أشرف منصور، صدر عن دار مؤمنون بلاحدود للنشر والتوزيع.
* Paul E. Walker متخصِّص في التاريخ الإسلامي الوسيط، وركَّز في دراساته على مصر الفاطمية والدعوة الإسماعيلية ومفكري الإسماعيلية مثل حميد الدين الكرماني. عمل في جامعات مجيل McGill بكندا، وكولومبيا وميتشيجان وشيكاغو بالولايات المتحدة، وكان مديراً لمركز الأبحاث الأمريكي American Research Centre بالقاهرة. من أهم مؤلفاته:
Early Philosophical Shiism (1993), Hamid al-Din al-Kirmani (1999), Exploring an Islamic Empire: Fatimid History and Its Sources (2002)
كما قام بتحرير وترجمة كتاب الجويني «الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد»،
Guide to Conclusive Proofs for the Principles of Belief: Kitab Al-Irshad 'ila Qawati' al-Adilla fi Usul al-I'tiqadby al-Juwayni (2000)
وتُرْجِم له إلى العربية، الفكر الإسماعيلي في عصر الحاكم بأمر الله: حميد الدين الكرماني، ترجمة سيف الدين القصير، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، 1980.
([2]) تتمثل أفضل معالجة للإسماعيليين في [80] Daftary، لكن انظر أيضاً: W. Madelung, “Ismāʿīlīyya, ” in[16].
[الترجمة العربية: فرهاد دفتري، الإسماعيليون: تاريخهم وعقائدهم. ترجمة سيف الدين القصير. دار الساقي، بالاشتراك مع معهد الدراسات الإسماعيلية، بيروت/ لندن، الطبعة الثانية، 2014. المترجم].
* هو عبيد الله بن الحسين المهدي (297هـ/909م - 322هـ/934م).
([3]) W. Madelung and P. E. Walker, The Advent of the Fatimids: A Contemporary Shi'i Witness (London: 2000).
** ابن الهيثم، أبو عبد الله جعفر بن أحمد الأسود، ولد حوالي 273/ 886، داعية إسماعيلي وعالم من شمال أفريقيا. وضع مذكراته بعنوان «كتاب المناظرات» حوالي 334/ 945. انظر، فرهد دفتري، معجم التاريخ الإسماعيلي، ترجمة سيف الدين القصير، دار الساقي، بالاشتراك مع معهد الدراسات الإسماعيلية، بيروت، 2016، ص ص73 – 74
([6]) كان أول عمل يتناول بالتفصيل هؤلاء الدعاة الشيعة هو: S.M. Stern “The Early Ismā'īlī Missionaries in North-West Persia and in Khurāsān and Transoxania, ” BSOAS 23 (1960): 56–90, reprinted in Stern [83], 189–233. ومن بعد هذه الدراسة ظهرت معلومات جديدة أفادت منها الدراسات التالية: Walker [84], 1–24; and Daftary [80], 120–3, 164–8, and 234–42
([7]) Ed. H. Minucheher and M. Mohaghegh (Tehran: 1998).
([8]) أبو تمام، كتاب الإيضاح، تحقيق عارف تامر، بيروت، 1965. للكشف عن المؤلف الحقيقي المسمَّى بأبي تمام؛ انظر Walker, “Abū Tammām and His Kitāb al-Shajara: A New Ismaili Treatise from Tenth-Century Khurasan, ” in JAOS 114 (1994): 343–52.
* أبو يعقوب إسحاق بن أحمد السجزي، أو السجستاني (توفى بعد 360/ 970)، فيلسوف إسماعيلي من مؤسسي المذهب خاصة في الفلسفة.
** أبو بكر محمَّد بن يحيى بن زكريا الرازي (250هـ/864م - 311هـ/ 923م)، أحد أشهر علماء الطب في الحضارة العربية الإسلامية. من أهم أعماله «الحاوي في الطب»، «الشكوك على جالينوس»، «الطب الروحاني».
([9]) Ed.S. al-Sawy and G.-R. Aavani (Tehran: 1977).
[أبو حاتم الرازي، أعلام النبوة. الرد على الملحد أبي بكر الرازي، تحقيق جورج طرابيشي، دار الساقي، بيروت 2003. المترجم].
([10]) مع استثناءات بسيطة؛ تبقى أعمال الفلاسفة الإسماعيليين غير منشورة أو منشورة في نشرات غير علمية، ولا يمكن الاعتماد عليها؛ ما يجعل البحث فيها غير موثوق به والحكم عليها صعباً للغاية.
([11]) للتعرف على مصادر أخرى للفكر الإسماعيلي في هذا الشأن، انظر Walker [84], ch. 2.
([12]) حول هذه النصوص؛ انظر الفصل الثاني، بالإضافة إلى: D’Ancona [51], and Endress [53].
([13]) انظر النصوص المنشورة مع دراسة لها في: U. Rudolph, Die Doxographie des Pseudo-Ammonios: Ein Beitrag zur neuplatonischen Überlieferung im Islam (Stuttgart: 1989).
([14]) Istanbul, Aya Sofya 2450
([15]) اعتمدتُّ في تعليقاتي هنا على Walker [84] وعلى تحقيق أولي غير منشور للنص في حوزة Paul Fenton شاركه معي بصفة شخصية. ولوصف هذا التحقيق انظر دراسة فنتون “The Arabic and Hebrew Versions of the Theology of Aristotle, ” in Kraye, Ryan, and Schmitt [60], 241–64
([16]) هناك العديد من الدراسات حول إخوان الصفا، لكن انظر، Netton, I. R. Muslim Neoplatonists: An Introduction to the Thought of the Brethren of Purity, 2nd edn. (London: 2002). على الرغم من أن هذه الطبعة تكاد تكون متطابقة مع الأقدم، إلا أن نيتون قد أمدَّنا بنظرة على أحدث الدراسات في xii–xiii.
([17]) حول حياة وأعمال الكرماني، انظر [87]Walker.
([18]) نشرَه في طبعة غير موثوقة عارف تامر، الكرماني، حميد الدين بن أحمد بن عبد الله، كتاب الرياض، دار الثقافة، بيروت 1960.
[على الرغم مما يقوله المؤلِّف عن هذه النشرة أنها غير موثوقة؛ إلا أنها الوحيدة لدينا حتى الآن، كما أن المحقق كتب مقدمة طويلة وتفصيلية أحاطت بفكر الكرماني وقدمت تحليلاً مفصلاً لرسالته. المترجم].
* الدعوة الطيبيَّة نسبة إلى الطَّيِّب أبي القاسم، ابن منصور الآمر بأحكام الله. تعرض المنصور للاغتيال فاختلف الفاطميون حول من يخلفه، والذين بايعوا الطيب أبو القاسم عُرفوا بالطيبية، واعتقدوا في غيبة الطيب أبي القاسم وكان الإمام الأخير لديهم، ويعرفون حالياً بالبهرة.
([19]) اعتمدتُ في عرضي للعقائد الفلسفية التالية على عرض وتلخيص من Walker [84], ch. 3.
* الصور الأولى هي الصور الأولى للمادة الأولى؛ أي: صور الماء والهواء والأرض والنار.
([20]) اعتمدتُ في العرض التالي على Walker [84], part II (67–142). وللمزيد حول السجستاني انظر Walker [85] and Walker [86]..
([21]) تتمثل أهم أعمال السجستاني في: إثبات النبؤات، تحقيق عارف تامر، دار المشرق، بيروت 1982؛ كشف المحجوب، تحقيق هنري كوربان، طهران، 1949؛ الترجمة الفرنسية: H. Corbin: Le Dévoilement des choses cachées. Recherches de philosophie ismaélienne (Paris: 1988)؛ كتاب الافتخار، حققه وقدم له إسماعيل قربان حسين بوناوالا، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 2000؛ كتاب المقاليد، مخطوط بمكتبة حمداني؛ كتاب الينابيع، ترجمة فرنسية لجزء منه في Corbin, Trilogie ismaélienne (Tehran: 1961), English trans. in [85].؛ ترجمة إنجليزية للمحتويات في [86], Walkerappendix (104–18).
([22]) وخير مثال على ذلك «كتاب الينابيع»، انظر الهامش السابق.
* بمعنى أن السجستاني الذي قطع باستحالة معرفة الله وإلحاق أي صفة به، يلحق به صفة الإرادة!.
([23]) اعتمدت في التلخيص التالي لفكر الكرماني على Walker [87], ch. 5، ولتحليل موسع انظر de Smet [81]..
([24]) حول أعمال الكرماني، انظر Walker [87], ch. 2. ومن أعماله ذات الأهمية الفلسفية، كتاب الرياض، تحقيق عارف تامر، بيروت، 1960؛ راحة العقل، تحقيق وتقديم مصطفى غالب، دار الأندلس، بيروت، 1983؛ الأقوال الذهبية، تحقيق وتقديم مصطفى غالب، منشورات دار محيو، بيروت، 1977؛ الرسالة الوَضِيَّة في معالم الدين وأصوله، تحقيق ودراسة محمَّد عيسى الحريري، دار القلم، الكويت، 1987؛ بالإضافة إلى عدد من الأعمال القصيرة في مجموعة رسائل الكرماني، تحقيق مصطفى غالب، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1987
* هي عقول ثوانٍ عند الفلاسفة؛ لأن العقل الأول لديها هو الله نفسه، في حين أن العقل الأول عند الكرماني ليس الله، ويصدر عنه العقل الثاني، أما العقول الثمانية الأخرى، فهي «ثوالث» وليست ثواني كما عند الفلاسفة.
([25]) Gohlman, W. E. The Life of Ibn Sina: A Critical Edition and Annotated Translation (Albany, NY: 1974).
[هذه السيرة لابن سينا هي تجميع وتحرير لسيرة ابن سينا، المنقولة عن تلميذه الجوزجاني، والتي ذكرها ابن أبي أصيبعة في «عيون الأنباء في طبقات الأطباء»، وابن القفطي في «تاريخ الحكماء»، والبيهقي في «تتمة صوان الحكمة». المترجم].
([26]) انظر على سبيل المثال: الغزالي، فضائح الباطنية. تحقيق عبد الرحمن بدوي، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1964.
([27]) ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل. تحقيق محمد رشاد سالم، الطبعة الثانية، إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1411هـ/ 1991 م، المجلد الخامس، ص323. ولتحليل كلام ابن تيمية عن السجستاني وغيره من الإسماعيليين؛ انظر Y. J. Michot, “A Mamluk theologian’s commentary on Avicenna’s Risala Adhawiyya, Part I, ” Journal of Islamic Studies 14 (2003), 149– 203, at 178 and esp. app. II, 199–203.
([28]) المقريزي، كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، المعروف بالخطط المقريزية. بولاق، القاهرة، 1853، المجلد الأول، ص395، وأيضاً، P. E. Walker, “Al-Maqrizi and the Fatimids”, Mamluk Studies Review7 (2003), 95.