اَلاِسْتِعَارَةُ
فئة : ترجمات
اَلاِسْتِعَارَةُ
"جَمِيلَتِي الْعَذْراء، الاِسْتِعاراتُ ليْسَتْ اسْتِدلاَلاَت"[1]
(مغامرات نيجل، الكتاب الثاني، الفصل الثاني)
أنْ تُلفت الانتباهَ إلى اسْتعاراتِ الفيلسوفِ هو أنْ تَستخف به وتُقلِّل من شأنه - وكأنَّك تَمدحُ المَنْطقيّ على خَطِ يَدِه الجَميلِ. إنَّ التَّعوُد على استعمال الاستعارات من قِبَل الفيلسوف يمكن أن يكون محظورا على أساس مبدأٍ أنَّه إذا أمْكنَ لأحدٍ ألاَّ يتكلمَ إلاَّ اسْتعارةً، فيجبُ عليه ألاَّ يتكلمَ على الإِطلاقِ. ومع ذلك، فطبيعة الإساءة غير واضحة. ولهذا، أود أن أفعل شيئا ما لكشف الغموض الَّذي يلُف الموضوع؛ لكنْ بما أنَّ الفلاسفة (نظرا لاهتمامهم السيئ باللغة) قد أهملوا هذا الموضوع، فإنَّني يجبُ أنْ أَحصُلَ على المُساعدة قدر ما أستطيعُ من نُقاد الأدب، فهُم على الأقل لم يقبلوا الوصية الَّتي تقول: "لا يجوزُ أنْ تقترفَ استعارة"، أو لم يكن بإمكانهم أنْ يفترضوا أنَّ الاستعارة لا تتلاءم مع التَّفكير الجاد.
تتعلق الأسئلةُ الَّتي أودُ أنْ أجيب عنها ب "النَّحو المنطقي" للاستعارة وبالألفاظ المتعلقة بالمعاني. وسأكون راضيا بالأجوبة المُقنعة عنها، وهي: "كيف نُدرك حالة الاستعارة؟"، "هل هناك أيَّة معايير لكشف الاستعارة؟"، "هل يُمكن أنْ تُنقل الاستعارات إلى تعابير حرفية؟"، "هل يُنظر إلى الاستعارة صراحة كأنَّها بديعُ بالمعنى البسيط؟"، "ما العلاقات بين الاستعارة والتَّشبيه؟"، "بأي معنى، إنْ وُجد، تكون الاستعارة إبداعية؟"، "ما الفائدة من اسْتعمال الاستعارة؟". (أو بمجمل القول "ما ذا نعني بالاستعارة؟". فهذه الأسئلة تُعبِّر عن محاولات لتوضيح بعض استعمالات لفظ "استعارة" – أو، إذا ما فضل أحد ما الضرب المادي، فذلك من أجل تحليل مفهوم الاستعارة.)
إنَّ القائمة ليست مُرتبة، والعديد من الأسئلة مُتداخلة بطرق واضحة إلى حد ما. وأتمنى أن تُوضِح بشكل كافٍ نوع البحث المقصود.
سيكون من المفيد أنْ نبدأ من قائمة متفق عليها من "الحالات الواضحة" للاستعارة، نظرا لأنَّ لفظ "استعارة" له بعض الاستعمالات المعقولة، ومهما كانت غامضة أو متذبذبة، فمن الممكن إنشاء هذه القائمة. من المفترض أنْ يكون من السهل الموافقة على ما إذا كان يجب أنْ تتضمن أي لفظة مُعطاة بدلا من الموافقة على أي تحليل مُقترح لمفهوم الاستعارة.
رُبما تكون القائمة الآتية من الأمثلة المُختارة بعناية مُفيدة:
1. "مضَى الرئيسُ قُدُما في النِّقاش."
2. "حاجبُ دُخانٍ من الشُّهود."
3. "لَحْنُ استدلالي."
4. "أصواتُ ورقِ النَّشاف" (هنري جيمس).
5. "الفقراءُ زنوجُ أروبا" (بودلير).
6. "ما الضوءُ إلاَّ ظلُ الله" (سير توماس براون).
7. "يا أيُّها الأطفالُ البيضُ الأعزاء، إنكم غير مُبالين كالطيور.
تلعبُون وسطَ اللُّغاتِ المُدمرة" (أودين).
أودُ أنْ يتم قَبول كل هذه الأمثلة من الاستعارة وكأنَّها لا لَبس فيها، بغض النَّظر عن الأحكام الَّتي قد تصدُر في النهاية حول معنى "الاستعارة". إنَّ الأمثلة المُقدمة كحالات واضحة من الاستعارة، ولكن، مع استثناء مُحتمل للأولى، لنْ تكون مُناسبة باعتبارها نماذج. فإذا أردنا تعليم طفل معنى "الاستعارة"، فيجب أنْ نحتاج إلى أمثلة أبسط مثل "الغيوم تبكي" أو "الأغصان تقاتل بعضها بعضا" (فهل من المهم أنْ يضرب المرءُ أمثلة استعارية على سبيل التَّشخيص؟) لكنَّني حاولت أنْ أحصُر بعض التذكيرات المتعلقة ببعض التعقيدات المُمكنة الَّتي تُولدُها الاستعارات الصريحة.
تأمل المثال الأول- "مضى الرئيسُ قُدُما في النقاش". النقطة الواضحة الَّتي يجب البدء بها هي الاختلاف بين لفظ "مضى قُدُما" والألفاظ المتبقية المصحوبة بها. يتم التعبير بشكل عام بالقول إنَّ لفظ "مضى قُدُما" له معنى استعاري، في حين أنَّ الألفاظ الأخرى لها معاني حرفية، وعلى الرغم من أنَّنا نُشير إلى الجملة بأكملها كمثال ("حالة واضحة") للاستعارة، فإنَّ انتباهنا ينصرف بسرعة إلى كلمة واحدة يكون وجودُها سببا مباشراً للإسناد. ويمكن إبداءُ ملاحظات مُماثلة حول الأمثلة الأربعة الآتية في القائمة، والألفاظ الحاسمة هي، على التوالي، "دُخان الشاشة" و"استدلالي" و"ورق نشاف" و"زنوج".
(لكن الحالة أكثر تعقيدا في المثالين الأخيرين من القائمة. فيما يتعلق باقتباس السير توماس براون، يجب أنْ يُفترض في لفظ "الضوء" أنْ يكون له معنى رمزيا. وبالتأكيد يعنى أكثر مما قد يعنيه في سياق مؤلف حول علم البصريات. هنا، المعنى الاستعاري لتعبير "ظل الله" يتضمن معنى أكثر ثراء من المُعتاد حول موضوع الجملة. يمكن إدراك نتائج مُماثلة في مقطع أودن (ضع في اعتبارك على سبيل المثال معنى "البيض" في السطر الأول). سأضطر إلى إهمال مثل هذه التعقيدات في هذه الورقة.
وعلى العموم، لمَّا نتحدث عن استعارة بسيطة نسبيا، فإنَّنا نشير إلى جملة أو تعبير آخر، حيث
تستعمل بعض الكلمات على سبيل الاستعارة، بينما يُستعمل الباقي على سبيل غير استعاري. تُؤدي محاولة بناء جملة كاملة من الكلمات المستعملة استعاريا إلى ضرب مثل أو إلى قصة رمزية، أو إلى لغز. لن يغطي أي تحليل أولي للاستعارة بشكل مُرض حتَّى مثل هذه الأمثلة المبتذلة نحو "كل الأبقار تكون سوداء في الليل". كما أنَّ حالاتٍ من الرمزية (بمعنى أنَّ قلعة كافكا هي "رمز") تحتاج إلى معالجة مُنفصلة.
لمَّا نُسمي هذه الجملة "مضى الرئيس قُدما في النقاش" بحالة الاستعارة، فإنَّنا نُشير إلى أنَّه يتم استعمال لفظ واحد على الأقل استعاريا في الجملة (لفظ "مضى قُدُما")، وأنَّ واحدة على الأقل من الألفاظ المُتبقية يتم استعمالها حرفيا. لنسمي لفظ "مضى قُدما" مِحْوَرُ الاستعارة، ونسمي بقية الجملة الَّتي يرد فيها هذا اللفظ الإِطَار. (هل نستعمل الآن الاستعارات، والاستعارات المختلطة كذلك؟ هل هذا مهم؟) إنَّ أحد المفاهيم الَّتي يجب توضيحها هي فكرة "الاستعمال الاستعاري" لمحور الاستعارة. فمن بين الأمور أخرى، سيكون من الجيد أنْ نفهم كيف أنَّ وجود إطار واحد يمكن أنْ يُؤدي إلى استعمال مجازي للفظ الإضافي، في حين أنَّ وجود إطار مُختلف للفظ نفسه يفشل في إنتاج استعارة.
إذا تُرجمت الجملةُ المتعلقة بسلوك الرئيس لفظا بلفظ إلى أي لسان أجنبي يكون ذلك مُمكنا، فنريد بالطبع أنْ نقول إنَّ الجملة المُترجمة هي حالة من الاستعارة نفسها، لذا، فإنَّ تسمية جُملة ما حالة من استعارة تعني قول شيء ما عن معناها، وليس عن تهجئتها، أو عن نمطها الصوتي، أو عن صُورتها النحوية.[2] (فلكي تستعمل تمييزا معلوما، يجب أنْ تُصنف "الاستعارة" كصيغة تنتمي إلى "علم الدلالة" وليس إلى "التركيب"، أو إلى أيِّ بحث مادي حول اللغة).
لنفترض أنَّ أحدهم يقول: "أحبُّ أنْ أمضي قُدُما في ذكرياتي بانتظام" أ نقولُ إنَّه يستعمل نفس الاستعارة كما في الحالة الَّتي سبقت مُناقشتها أم لا؟ ستعتمد إجابتنا على درجة المماثلة الَّتي نحن على استعداد للتأكيد عليها عند مقارنة "الإطارين" (لأنَّ لدينا نفس "المحور" في الحالتين). تنتج الاختلافات في الإطارين بعض الاختلافات في التفاعل[3] بين المحور والإطار في الحالتين. وسواء اعتبرنا الاختلافات لافتة للنظر بما يكفي لتبرير تسمية الجملتين استعاريتين، فهذا أمر يتطلب قرارا اعتباطيا. فالاستعارة لفظ فضفاض في أحسن الأحوال، ويجب أنْ نحذر من أنْ نَنْسِب إليها قواعد استعمال أكثر صرامة مما هو موجود بالفعل في المُمارسة.
حتى الآن كنتُ أتعامل مع "الاستعارة" كمحمول قابل للتطبيق بشكل صريح على بعض التعابير دون الانتباه إلى أي مقامات تُستعمل فيها التعبيرات أو الافكار، والأفعال، والمشاعر، ونوايا المتحدثين في مثل هذه المَقامات. وهذا بالتأكيد صحيحٌ بالنسبة إلى بعض التعابير. إنَّنا نُدرك أنَّ تسمية الرجل "بالوعة" هو استعمال استعاري، لا يُحتاج فيه لمعرفة من يستعمل التعبير، أو المقامات الَّتي قيل فيها، أو القصد منها. إنَّ قواعد لُغتنا تُحدد أنَّ بعض التعبيرات يجب اعتبارها استعارات، ولا يمكن للمتحدث تغيير هذا أكثر مما يستطيع أنْ يسُن أنَّ "البقرة" تعني نفس المعنى الَّذي يُؤديه "الخروف". لكن يجب علينا أيضا أنْ نُدرك أنَّ قواعد اللغة المتداولة تترك مجالا واسعا للتنوع الفردي والمبادرة والخلق. هناك العديد من السياقات إلى أبعد مدى (بما في ذلك جميع السياقات الشيقة على وجه التقريب) حيث يجب إعادة بناء معنى التعبير الاستعاري من مقاصد المتحدث (وغيرها من القرائن) لأنَّ القواعد العامة للاستعمال المُطرد تكون عامة جداً لتوفير المعلومات المطلوبة. لمَّا أطلق تشرشل في عبارة مشهورة على موسوليني "ذلك الإناء"، فقد ساعدتْ نبرةُ الصوت والإطارُ اللفظي والمرجعية التَّاريخية على توضيح ما الاستعارة المستعملة. (ومع ذلك، حتى هنا، كيف يمكن تطبيق عبارة "ذلك الإناء" على رجل سوى كإهانة. هنا، كما هو الحال في أي مكان آخر، تعمل القواعد العامة للاستعمال كقيود على حرية المتحدث في أنْ يقصد ما يحلو له) هذا مثال، على الرغم من أنَّه لا يزال بسيطا، فإنَّ كيفية التعرف على الاستعارة وتفسيرها قد يتطلب الانتباه إلى المقامات الخاصة بالتلفظ بها.
وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى أنَّه لا تُوجد بشكل عام قواعد معيارية لدرجة من الثقل أو التوكيد الَّتي يجب ربطها باستعمال معين للتعبير. لمعرفة ما يعنيه مُستعمل الاستعارة نحتاج إلى معرفة مدى "جدية" تعامله مع المحور الاستعاري. (أ سيكون مجرد مضمون ليكون له مرادف تقريبي، أم أنَّ هذا اللفظ يُؤدي المعنى وحده فقط؟ أ علينا أنْ نتعامل مع اللفظ باستخفاف، مع الاهتمام فقط بمضامينه الأكثر وضوحا- أم يجب أنْ نُركز على ارتباطاته الأقل حضورا؟) في الكلام يمكننا استعمال التوكيد والصياغة كدليل, لكن في الخطاب المكتوب أو المطبوع، فحتَّى هذه الدعامات الأولية غائبة. ومع ذلك، فإنَّ هذا "الترجيح" المراوغ إلى حد ما للاستعارة (المضنون بها أو المكتشفة[4]) له أهمية عملية بالغة في التأويل.
لنأخذ مثالا فلسفيا، حول ما إذا كان يجب التعامل مع عبارة "الصورة المنطقية" في إطار عملي على أنَّها تحتوي على معنى استعاري، سيعتمد على مدى إدراك مستعملها لبعض التمثيل المفترض بين الاستدلالات والأشياء الأخرى من قبيل (المزهريات، والغيوم، والمعارك، والنكات) الَّتي يُقال عنها أيضا أنَّ لها "صورة". والأكثر من ذلك أنَّها ستعتمد على ما إذا كان الكاتب يرغب في أنْ يكون التمثيل فعالا في أذهان قرائه، ومقدار ما يعتمد عليه تفكيره ويتغذى من التمثيل المفترض. يجب ألاَّ نتوقع أنْ تكون "قواعد اللغة" ذات فائدة كبيرة في مثل هذه الأبحاث (وبناء على ذلك، هناك معنى ل"لاستعارة" يتعلق ب"التداول" وليس ب "الدلالة"- وقد يكون هذا المعنى هو الَّذي يستحق الاهتمام أكثر).
دعونا نجرب أبسط تصور مُمكن لمعنى "مضى الرئيس قُدُما في النقاش" لنرى إلى أي مدى سيأخذنا. قد يكون التعليق المعقول (بالنسبة لأولئك الذين لديهم عقلية حرفية للغاية لفهم المعنى الأصلي) إلى حد ما على النحو الآتي:
"يُؤخذ المتحدث الَّذي يستعمل الجملة المعنية ليقول شيئا ما عن الرئيس وعن سلوكه في اجتماع ما، فبدلا من القول بشكل واضح أو مباشر، إنَّ الرئيس تعامل بإيجاز مع الاعتراضات، أو قمع بلا رحمة عدم الصلة بالموضوع أو أي شيء من هذا القبيل، اختار المتحدث استعمال لفظ ("مضى قُدُما") والَّتي تعني بالمعنى الدقيق للكلمة شيئا آخر. لكنَّ المُستمع يُمكنه بسهولة تخمين ما يدور في ذهن المُتحدث."[5]
هذا التصور يتعامل مع التعبير الاستعاري (دعنا نسميه "إس" كاختصار للتعبير الاستعاري) كبديل لبعض التعابير الحرفية ("حر" كاختصار للتعبير الحرفي) والَّتي كان من الممكن أنْ تُعبر عن نفس المعنى لو تم استعمالها بدلا من ذلك. من وجهة النظر هذه، فإنَّ معنى إس في حُدوثه الاستعاري هو مجرد المعنى الحرفي، يتألف الاستعمال الاستعاري من وجهة النظر هذه، من استعمال التعبير في غير معناه الصحيح أو الطبيعي، وفي بعض السياق الَّذي يسمح باكتشاف المعنى غير المناسب أو غير الطبيعي وتحويله بشكل مناسب. (ستتم مناقشة الأسباب المُدلى بها على هذه الطريقة الملفتة للنظر لاحقا.)
أي وجهة نظر ترى أنَّ تعبيرا استعاريا يُستعمل بدلا من تعبير حرفي مكافئ، سأطلق عليها الرأي الاستبدالي للاستعارة. (أود أنْ أُعطي هذه التسمية لأي تحليل يرى الجملة بأكملها هي موضع الاستعارة على أنَّها تحل محل مجموعة من الجمل الحرفية.) حتى وقت قريب، تم قَبول بصورة أو بأخرى الرأي الاستبدالي من قبل بعض الكتاب (وهم في الغالب من نقاد الأدب أو من مؤلفي كتب البلاغة) الَّذين لديهم أي شيء ليقولوه عن الاستعارة.
لأخذ بعض الأمثلة، يُعرِّف واتلي الاستعارة على أنَّها "لفظ يحل محل لفظ آخر بسبب المشابهة أو التمثيل بين دلالتهما".[6] ولا نجد أنَّ الولوج إلى قاموس أكسفورد (من أجل القفز إلى العصور الحديثة) يختلف كثيرا في معناه عن هذا باعتباره "الاستعارة: ضرب من المجاز الَّذي يتم فيه نقل اسم أو حد وصفي إلى موضوع ما بصورة مختلفة، ولكنه مُشابه لذلك الَّذي هو عليه، منطبقا عليه بشكل صحيح، ومثالا له، وتعبيرا استعاريا له."[7] إنَّ وجهة النظر الَّتي تُعبر عنها هذه التعريفات راسخة بقوة إلى حد أنَّ كاتبا حديث العهد يُدافع صراحة عن وجهة نظر مُختلفة وأكثر تعقيدا للاستعارة، ومع ذلك ينزلق نحو الأسلوب القديم من خلال تعريف الاستعارة على أنَّها "قول شيء ما والمعنى شيء آخر."[8]
وفقا للرأي الاستبدالي يتم استعمال محور الاستعارة أو الكلمة أو التعبير الَّذي له استعمال استعاري مُميز داخل إطار حرفي لإيصال معنى ربما تم التعبير عنه حرفيا. الكاتب يستبدل إس (استعاري) ب حر (حرفي)، وتتمثل مهمة القارئ في عكس الاستبدال باستعمال المعنى الحرفي ل إس (استعاري) كدليل للمعنى الحرفي المقصود حر (حرفي). إنَّ فهم الاستعارة يشبه فك شفرة أو حل لغز.
إذا سألنا الآن، لِم بناء على وجهة النظر هذه يجب على الكاتب أنْ يُكلف قارئه بمهمة حلِ اللُّغز، فإنَّنا سنقدم إجابتين: الأولى أنَّه قد لا يكون هناك في الواقع مُعادل حرفي حر متاحا في اللغة المعنية، فقد تحدث علماء الرياضيات عن "ساق" الزاوية لأنَّه لم يكن هناك تعبير حرفي مُختصر عن الخط المحيط. نقول "شفاه الكرز"؛ لأنَّه لا تُوجد ألفاظ نصف ملائمة للتعبير بسرعة عن شكل الشفاه. الاستعارة تسُد الفجوات في المُفردات الحرفية. (أو على الأقل تُوفر الحاجة إلى اختصارات مُناسبة). إذا نظرنا إلى ذلك، فإنَّ الاستعارة هي نوع من أنواع الاستعمال الخاطئ للألفاظ، والَّتي سأعرفها على أنَّها استعمال لفظ بمعنى جديد من أجل معالجة فجوة في المفردات. الاستعمال الخاطئ للمفردات هو وضع معاني جديدة في ألفاظ قديمة.[9] ولكن إذا كان الاستعمال الخاطئ للألفاظ يُقدم حاجة حقيقية، فإنَّ المعنى الجديد الَّذي تم تقديمه سيصبح سريعا جزء من المعنى الحرفي. رُبما ينطبق "البرتقالي" في الأصل على اللون عن طريق الاستعمال الخاطئ للألفاظ، ولكنَّ اللفظ الآن ينطبق على اللون مثلما ينطبق على الفاكهة (بشكل غير استعاري). إنَّ المُنحنيات "المتذبذبة" لا تقبل اللمس لفترة طويلة، وسرعان ما تعود إلى اتصال رياضي أكثر واقعية، وبالمثل في حالات أخرى. إنَّ مصير الاستعمال الخاطئ للألفاظ هو الاختفاء عندما ينجح.
ومع ذلك، هناك العديد من الاستعارات، حيث لا يُمكن أنْ تنطبق الفضائل المنسوبة إلى الاستعمال الخاطئ للألفاظ، لأنَّه يُوجد أو من المفترض أنْ تكون هناك بعض الألفاظ المفردات الحرفية المتوفرة بسهولة وبنفس القدر. وهكذا في المثال المؤسف إلى حد ما[10] "ريتشارد أسد"، والَّذي ناقشه الكتاب المُعاصرون بإصرار مُمل، ثم أخذ المعنى الحرفي ليكون هو نفسه المعنى الحرفي للجملة "ريتشارد شجاع"[11] هنا ليس من المفترض أنْ يُغني القاموس.
عندما لا يُمكن استدعاء الاستعمال الخاطئ للألفاظ، فإنَّ أسباب استبدال التعبير الاستعاري غير المباشر تعتبر أسلوبية. لقد قيل لنا إنَّ التعبير الاستعاري قد يشير (في استعماله الحرفي) إلى موضوع ملموس أكثر من معادله الحرفي، وهذا من المفترض أنْ يُسعد القارئ (متعة تحويل أفكار المرء من ريتشارد إلى الأسد الذي لا صلة له به). ومن جديد، يتم أخذ القارئ للاستمتاع بحل المشكل- أو الاستمتاع بمهارة المؤلف في إخفاء نصفي وكشف نصفي عن معناه. أو تشكل الاستعارات صدمة من "مفاجئة مقبولة"- وما إلى ذلك، إذ يبدو أنَّ المبدأ الكامن وراء هذه "التفسيرات" هو: لمَّا يكون لديك شك في بعض خصوصية اللغة، فأعزو وجودها إلى المُتعة الَّتي تمنحها للقارئ. إنَّه المبدأ الَّذي له أحقية العمل بشكل جيد في حال عدم وجود أي دليل.[12]
مهما كانت مزايا مثل هذه التكهنات حول استجابة القارئ، فإنَّهم يتفقون على جعل الاستعارة بديعا، باستثناء الحالات الَّتي تكون فيها الاستعارة عبارة عن تجزئة تعالج بعض النقص المُؤقت في اللغة الحرفية، فإنَّ الغرض من الاستعارة هو الترفيه والتحويل. من وجهة النظر هذه، يُشكل استعمالُها دائما انحرافا عن "الأسلوب البسيط والملائم تماما" (واتلي).[13] لذلك، إذا كان لدى الفلاسفة شيء أكثر أهمية من إسعاد قُرائهم، فإنَّ الاستعارة لا يمكن أنْ يكون لها مكان جاد في النقاش الفلسفي.
إنَّ الرأي القائل إنَّ التعبير الاستعاري له معنى يمثل تحويلا في معناه الحرفي الطبيعي هو حالة خاصة لوجهة نظر أكثر عمومية حول اللغة "المجازية". فهذا يُشير إلى أنَّ أيَّ شكل من أشكال الكلام المجازي يتضمن تغييرا دلاليا (وليس مجرد تغيير نحوي، مثل انعكاس ترتيب اللفظ العادي) يشتمل على تحويل في المعنى الحرفي. يُقدم الكاتب ليس المعنى المقصود m، ولكنَّه يُقدم الدالة التي يرمز لها ب ، وتتمثل مُهمة القارئ في تطبيق الدالة العكسية الَّتي يُرمز لها ب ، وذلك من أجل الحصول على المعنى الَّذي يُرمز له ب ، أي أنَّ m هو المعنى الأصلي. لمَّا تُستعمل الدوال المختلفة، ينتج عن ذلك مجازات مختلفة، وهكذا، في السُّخرية يقول المؤلف ضد ما يقصده، وفي المُبالغة يتعدى معناه الحقيقي، وهكذا دواليك.
ما هي إذن، دالة التحويل المُميزة المُتضمنة في الاستعارة؟ وقد تم الجواب على هذا: إمَّا في التمثيل أو التشابه. ف إس (أستعاري) إمَّا مُشابه أو مُماثل في المعنى لمُكافئه الحرفي حر (حرفي). بمُجرد أنْ يكتشف القارئ أساس التمثيل المقصود أو التشبيه (بمساعدة الإطار أو القرائن المستمدة من السياق الأوسع) يُمكنه إعادة تتبع مسار المؤلف حتَّى يصل إلى المعنى الحرفي الأصلي (المعنى "حر").
إذا كان الكاتب يرى أنَّ الاستعارة تشتمل على حضور التَّمثيل أو التشابه الأساسيين، فإنَّه سيحدد ما سأسميه الرأي التشبيهي للاستعارة. عندما أطلق شوبنهاور على البُرهان الهندسي مَصْيَّدة الفئران، كان وفقا لوجهة النظر هذه يقول (وإن لم يكن صريحا) "البُرهان الهندسي مثل مَصْيَّدة الفئران؛ لأنَّ كلا منهما يُقدم مُكافئة وهمية، ويُغري ضحاياه بالتدرج، ويُؤدي إلى مفاجئة غير مرضية، إلخ". هذه الاستعارة باعتبارها تشبيها موجزا، سيُلاحظ أنَّ الرأي التشبيهي "هو حالة خاصة من "رأي التبادل" لأنَّه يرى أنَّ العبارة الاستعارية يُمكن استبدالها بتشبيه حرفي مُتكافئ.
يقول واتلي: "يُمكن اعتبار التشبيه أو المُقارنة مُختلفين في الصورة فقط عن الاستعارة، والتشابه في هذه الحالة حاصل، وهو مُتضمن في الاستعارة."[14] يقول باين إنَّ: "الاستعارة هي تشبيه مُتضمن في الاستعمال المُجرد للمُصطلح"، ويُضيف: "في ظرف نكون محصورين في لفظ، أو على الأكثر في جملة، علينا أنْ نبحث عن خصائص الاستعارة- عن مزاياها من جهة، وعن أخطارها وانتهاكاتها من جهة أخرى".[15] لقد حظي هذا الرأي المُتعلق بالاستعارة باعتبارها تشبيها أو مقارنة مُختصرين بشهرة كبيرة.
يُمكن توضيح الاختلاف الأساس بين الرأي التبادلي (من النوع الَّذي تم اعتباره سابقا) والصورة الخاصة الَّتي سمَّيُتها الرأي التشبيهي من خلال المثال "ريتشارد أسد"، من وجهة النظر الأولى تعني الجملة نفس المعنى "ريتشارد شجاع"؛ ومن وجهة النظر الثانية، تعني على وجه التقريب "ريتشارد مثل الأسد" (في كونه شجاعا)، يتم ذكر الألفاظ المضافة بين قوسين، ولكن لم يتم ذكرها بشكل صريح. في الترجمة الثانية، كما في الأولى، تُعتبر العبارة الاستعارية كمكافئ يحل محل المعنى الحرفي. لكنَّ الرأي التشبيهي يُوفر إعادة صياغة أكثر تفصيلا، بقدر ما يتم تأويل العبارة الأصلية على أنَّها تتعلق بالأسود كما تتعلق بريتشارد.[16]
إنَّ الاعتراض الرئيس ضد وجهة النظر التشبيهية هو أنَّها تُعاني من الغموض الَّذي يقترب من الفراغ. فمن المُفترض أنْ نكون في حيرة من أمرنا كيف أنَّ بعض التعابير (إس) المستخدمة استعاريا يُمكن أنْ تعمل بديلا عن بعض التعبيرات الحرفية (حر) الَّتي تُعتبر مرادفا تقريبيا لها، والإجابة المقدمة هي أنَّ ما يرمز إليه (إس) (في الاستعمال الحرفي) مُشابها لما يرمز إليه (حر). لكن ما مدى إفادة هذا؟ هناك بعض الإغراء للتفكير في التشابهات على أنَّها "مُعطاة بشكل موضوعي"، حيث يكون السؤال على الصورة الآتية "هل A مثل B فيما يتعلق ب P؟" لديه إجابة محددة أو محددة سلفا. إذا كان الأمر كذلك، فقد تكون التشبيهات محكومة بقواعد صارمة مثل تلك الَّتي تتحكم في عبارات الفيزياء. لكنَّ التشبيه دائما ما يسمح بالدرجات، لذا فإنَّ السؤال "الموضوعي" حقا يحتاج إلى أنْ يتخذ صورة مثل "هل A أكثر شبها ب B من C فيما يتعلق ب P؟"- أو ربما "A أقرب إلى B من إلى C على سلم الدرجات كذا وكذا من P." ومع ذلك، في التناسب كاقترابنا من مثل هذه الصورة، تفقد العبارات الاستعارية فعاليتها وفائدتها. نحتاج إلى الاستعارات فقط في الحالات الَّتي لا يمكن أنْ يكون فيها حتى الآن شك في دقة العبارة العلمية. العبارة الاستعارية ليست بديلا عن المقارنة الصورية أو أي نوع آخر من العبارات الحرفية، ولكن لها قدراتها وإنجازاتها الخاصة. غالبا ما نقول "X هي إس"، مما يستدعي بعض الارتباط المنسوب إلى (إس) و(حر) (أو بالأحرى إلى نسق غير محدد، حر1، حر2، حر3، ...) هي الحالات الَّتي كانت قبل بناء الاستعارة. كُنا سنواجه صُعوبة في العتور على أي تشابه حرفي بين إس وحر. قد يكون من المُفيد في بعض الحالات أنْ نقول إنَّ الاستعارة تخلق التشابه بديلا عن القول إنَّها تصوغ التشابه الموجود مسبقا.[17]
أنتقل الآن للنظر في نوع التحليل الَّذي سأسميه الرأي التفاعلي للاستعارة. يبدو لي أنَّ هذا الرأي خال من العيوب الرئيسة الموجودة في وجهتي نظر الاستبدال والمقارنة ويُقدم بعض الأفكار المُهمة حول استعمالات الاستعارة وحُدودها.[18]
لنبدأ بالعبارة الآتية: "في أبسط صياغة، لمَّا نستعمل الاستعارة لدينا فكرتان عن شيئين مُختلفين متفاعلين معا ويدعمهما لفظ واحد أو جملة واحدة، يكون معناها نتيجة تفاعلهما."[19]
قد نكتشف ما هو المقصود هنا من خلال تطبيق مُلاحظة ريتشاردز على المثال السابق "الفقراء زنوج أوروبا". تُخبرنا وجهة نظر التبادل، في وضعها الصريح، أنَّ هناك شيئا يُقال بشكل غير مباشر عن فقراء أروبا. (لكن ما يقال؟ هل أنَّهم طبقة مضطهدة، وهل هذا يدل على غياب دائم للقيم الرسمية للمجتمع على اعتبار أنَّ الفقر موروث ولا يمحي؟) يدعي الرأي التشبيهي أنَّ القول المأثور يقدم تشبيها بين الفقراء والزنوج، في مقابل كليهما، يقول ريتشاردز إنَّ "فكرتينا" المتعلقتان بالفقراء الأوربيين والزنوج (الأمريكيين) متفاعلتان معا، و"تتفاعلان" لإنتاج معنى ناتج عن هذا التفاعل.
أعتقد أنَّ هذا يعني أنَّه في السياق المُحدَد يكتسب اللفظ المحوري "الزنوج" معنى جديدا، وهو ليس معناه تماما في الاستعمالات الحرفية، ولا المعنى الَّذي يحمله في بديل حرفي. السياق الجديد ("إطار" الاستعارة، حسب اللفظ الَّذي استحدثه) يعني ضمنيا توسيع المعنى على اللفظ المحوري. وأعتقد أنَّ ريتشاردز يقول إنَّه لكي تعمل الاستعارة يجب على القارئ أنْ يظل مُدركا لاتساع المعنى- يجب أنْ يلتفت إلى المعنى القديم والجديد معا.[20]
ولكن كيف يحدث هذا التوسع أو التغير في المعنى؟ في مرحلة ما تحدث ريتشادز عن "الخصائص المشتركة" للفظين (الفقراء والزنوج) باعتبارهما "أساس الاستعارة" (نقلا عنه، ص. 117)، حيث يجب أنْ يُشير لفظ أو تعبير في استعماله الاستعاري فقط إلى مجموعة مُختارة من الخصائص المُشار إليها في استعمالاتها الحرفية. هذا، ومع ذلك، يبدو خطأ ناذرا في التحليل الأقدم والأقل تعقيدا الَّذي يُحاول أنْ يحل محله.[21] إنه على حق لمَّا يقول إنَّ القارئ مجبر على "ربط" الفكرتين (ص. 125). "في هذا "الارتباط" يكمن سرُ وغموض الاستعارة. إنَّ الحديث عن "تفاعل" فكرتين "متفاعلتين معا"(أو مرة أخرى عن "الإضاءة البينية أو التعاون") هو استعمال استعارة تُؤكد على الجوانب الدينامية لاستجابة القارئ الجيد لاستعارة غير مُبتذلة. ليس لدي خلاف مع استعمال الاستعارات (إذا كانت جيدة) في الحديث عنها، ولكن قد يكون من الأفضل أيضا استعمال العديد منها لكي لا يتم تضليلنا من خلال السحر العرضي للاستعارات المفضلات لنا.
دعونا على سبيل المثال نُفكر في الاستعارة على أنَّها مرشحة. تأمل عبارة "الرجلُ ذئبٌ" هنا يمكن أنْ نقول لدينا موضوعان- الموضوع الرئيس الرجل (أو: الرجال) والموضوع الإضافي الذئب (أو: الذئاب). الآنَّ الجملة الاستعارية المَعنية لن تنقل معناها المقصود لقارئ جاهل بما فيه الكفاية للذئاب. ما نحتاجه ليس أنْ يعرف القارئ المعنى الاستعاري للفظ "الذئب" – أو أنْ يكون قادرا على استعمال هذا اللفظ بالمعنى الحرفي-لأنَّه ينبغي عليه أنْ يعرف ما أسميه نسق القواسم المشتركة المترابطة. تخيل شخصا عاديا مطلوب منه أنْ يقول دون التفكير بشكل خاص تلك الأشياء الَّتي تعتقد أنَّها صحيحة عن الذئاب، مجموعة العبارات الناتجة تقارب ما أسميه هنا نسق القواسم المشتركة المترابطة بلفظ "الذئاب". أفترض أنَّه في أي ثقافة معينة، تتوافق الإجابات الَّتي قدمها أشخاص مُختلفون للاختبار بشكل وثيق إلى حد ما، وأنَّه حتى الخبير بالمقام، الَّذي قد يكون لديه معرفة غير عادية بالموضوع لا يزال يعرف "ما يفكر فيه رجل الشارع حول المسألة". من وجهة نظر الخبير، قد يتضمن نسق القواسم المشتركة أنصاف الحقائق أو أخطاء صريحة (كما هو الحال عندما يتم تصنيف الحُوت ضمن السمك). لكنَّ الشيء المُهم لتفاعلية الاستعارة ليس أنَّ القواسم المشتركة يجب أنْ تكون صحيحة، ولكن ينبغي استحضارها بسهولة وبحرية؛ لأنَّ هذا صحيح، قد تبدو الاستعارة الَّتي تعمل في مجتمع ما غير معقولة في مجتمع آخر. فالناس الَّذين يتخذون الذئاب على أنَّها تُناسخ الأموات من الناس سيعطون العبارة "الرجل ذئب" تأويلا مُختلفا عن ذلك الَّذي كُنت قد افترضته.)
لطرح المسألة بطريقة أخرى: الاستعمالات الحرفية لكلمة "ذئب" تحكمها القواعد التركيبية الدلالية، الَّتي يُؤدي انتهاكها إلى الهراء أو التناقض الذاتي. بالإضافة إلى ذلك، أقترح أنَّ الاستعمالات الحرفية للفظ تُلزم المُتحدث عادة بقبول مجموعة من المُعتقدات المعيارية حول الذئاب (التمثلات المُتداولة) الَّتي هي ملكية مشتركة لأعضاء الجماعة المتكلمة. فإنكار أي جزء من هذا القبيل من الأمور الشائعة المقبولة (على سبيل المثال، القول إنَّ الذئاب نباتية أو أليفة) هو إنتاج تأثير المفارقة وإثارة طلب التبرير. عادة ما يُنظر إلى المتحدث الَّذي يقول "ذئب" على أنَّه يُشير بمعنى ما إلى ذلك اللفظ، إنَّه يُشير إلى شيء شرس، آكل للحوم، غادر وما إلى ذلك. إنَّ فكرة الذئب هي جزء من نسق من الأفكار، ليست محددة بدقة، ومع ذلك فهي مُحددة بما يكفي لقبول التعداد التفصيلي.
إنَّ تأثير تسمية الرجل (استعاريا) هو استحضار نسق الذئب للقواسم المشتركة المرتبطة به. إذا كان الرجل ذئبا، فهو يفترس الحيوانات الأخرى، ويكون شرسا، وجائعا، ومنخرطا في صراع مستمر، وقمَّاما وما إلى ذلك. كل هذه التأكيدات الضمنية تم إجراؤها الآن لتناسب الموضوع الرئيس (الرجل) سواء في المعنى الطبيعي أو غير الطبيعي. إذا كانت الاستعارة مُناسبة على الإطلاق، فيمكن القيام بذلك إلى حد ما على الأقل. سيقود نسق الذئب لمضامين المُستمع المُناسب لبناء نسق من المضامين المتعلقة بالموضوع الرئيس. لكن المضامين لن تكون تلك الموجودة في القواسم المشتركة التي عادة ما تكون متضمنة في الاستعمالات الحرفية للفظ "الرجل". يجب تحديد المضامين الجديدة من خلال نمط المضامين المرتبطة بالاستعمالات الحرفية للفظ "ذئب". أي سمات بشرية يمكن الحديث عنها بدون إجهاد لا داعي له في "لغة الذئب" الَّتي ستبرز، وأي سمات يمكن دفعها إلى المرجعية. إنَّ استعارة الذئب تحجب بعض التفاصيل، وتُؤكد على الأخرى- باختصار تنظم نظرتنا للرجل.
لنفترض أنَّني نظرت إلى السماء ليلا من خلال قطعة من الزجاج مُضببة بالدخان بشدة، وتركت عليها خطوطا معينة واضحة، ثم سأرى فقط النجوم الَّتي يمكن جعلها مُستلقية على الخطوط المُعدة مُسبقا على الشاشة، والنجوم الَّتي أراها ستنظر إليها على أنَّها مُنظمة حسب بنية الشاشة. يُمكننا التفكير في الاستعارة على أنَّها شاشة، ونسق "القواسم المُشتركة المُترابطة" للفظ المحوري على أنَّها شبكة من الخطوط على الشاشة. يُمكننا أنْ نقول إنَّ الموضوع الرئيس هو "أنظر من خلال" التعبير الاستعاري- أو إذا فضلنا، إنَّ الموضوع الرئيس يُسقَط على "مجال الموضوع الإضافي" (في التمثيل الأخير، يجب أن يُؤخذ النسق المتعلق بالمضمون للتعبير المحوري بعين الاعتبار لتحديد "قانون الإسقاط").
أو خُذ مثالا آخر. لنفترض أنَّني مُكلف بمهمة وصف معركة بكلمات مُستمدة إلى حد كبير قدر الإمكان من مُفردات الشطرنج. تُحدد هذه الاصطلاحات الأخيرة نسقا من المضامين الَّتي ستواصل التحكم في وصفي للمعركة. سيؤدي الاختيار الإجباري لمفردات الشطرنج إلى التأكيد على بعض جوانب المعركة وإهمال بعضها الآخر وتنظيمها بطريقة من شأنها أنْ تُسبب المزيد من الضغط في أنماط الوصف الأخرى. يتم ترشيح مفردات الشطرنج وتحويلها: فهي لا تختار فقط، بل تعرض جوانب المعركة الَّتي قد لا يمكن رؤيتها على الإطلاق من خلال وسيلة أخرى. (كما هو حال النجوم الَّتي لا يمكن رؤيتها على الإطلاق إلاَّ من خلال التلسكوبات).
ولا يجب أنْ نتجاهل التحولات في المواقف الَّتي تَنتج بانتظام عن استعمال اللغة الاستعارية. الذئب (من حيث الاصطلاح) كائن بغيض ومُثير للقلق، لذلك، فإنَّ تسمية الرجل بالذئب يعني أيضا أنَّه بغيض ومثير للقلق (وبالتالي يدعم ويعزز المواقف غير المنطقية). مرة أخرى، فإنَّ لمفردات الشطرنج استعمالاتها الأساسية في بيئة اصطناعية للغاية، حيث يتم استبعاد كل أشكال التعبير عن المشاعر رسميا، إنَّ وصف معركة كما لو كانت لُعبة الشطرنج يعني بالتالي الاستبعاد، باختيار اللغة كل الجوانب الأكثر إثارة للقلق عاطفيا للحرب. (المنتجات الثانوية المُماثلة ليست نادرة في الاستعمالات الفلسفية للاستعارة.)
هناك اعتراض واضح إلى حد ما على الرسم التخطيطي السابق ل "الرأي التفاعلي" هو أنَّه يجب أنْ يعتقد أن بعض "القواسم المشتركة المترابطة" نفسها تُعاني من تغيير استعاري في المعنى في عملية النقل من الموضوع الإضافي إلى الموضوع الرئيس. وهذه التغييرات، إذا حدثت بالكاد يُمكن تفسيرها بالتصور المُقدم. يُمكن القول إنَّ الاستعارة الأولية قد تم تحليلها في مجموعة من الاستعارات الثانوية. وبالتالي، فإنَّ التصور المُقدم إما دائري أو يؤدي إلى ارتداد لانهائي.
يُمكن تحقيق ذلك من خلال إنكار أنَّ كل التغييرات في المعنى في "القواسم المشتركة المترابطة" يجب أنْ تُحسب على أنَّها تحولات استعارية. من الأفضل وصف العديد منها على أنَّها توسيعات للمعنى؛ لأنَّها لا تنطوي على ارتباطات مفهومة بين نسقين من المفاهيم. لم أتعهد بشرح كيفية حدوث مثل هذه التوسيعات أو التحولات بشكل عام. ولا أعتقد أنَّ أي تصور بسيط يناسب جميع الحالات. (فمن السهل أنْ تُتَمِم "التمثيل". لكنَّ الفحص الدقيق سرعان ما يُظهر جميع أنواع "الأسس" لتحولات في المعنى مع السياق- وحتى لا يوجد أساس على الإطلاق، في بعض الأحيان).
ثانيا، لن أُنكر أنَّ الاستعارة قد تتضمن عددا من الاستعارات الثانوية ضمن مضامينها، لكنَّ هذه الاستعارات الثانوية، كما أعتقد، يُقصد بها عادة أنْ تُؤخذ بشكل أقل "تأكيدا" أي مع تركيز أقل على مضامينها. (إنَّ المضامين المُترتبة على الاستعارة مثل نغمات الوتر الموسيقي، لإلحاق قدر كبير من "الوزن" بها مثل محاولة جعل النغمات تبدو بصوت عال مثل النغمات الرئيسة بلا معنى.) على أي حال، فإنَّ الاستعارات الأولية والثانوية ستنتمى عادة إلى نفس مجال الخطاب، بحيث يُعزز كل منها الأخرى في نفس نسق المضامين. وعلى العكس من ذلك، لمَّا تظهر الاستعارات الجديدة بشكل جوهري على أنَّها استعارات أولية غير مكشوفة، فهناك خطر جسيم من الخلط في الفكر (راجع الخطر العرفي على "الاستعارات المختلطة").
لكن التصور السابق للاستعارة يحتاج إلى تصحيح، إذا أريد له أنْ يكون كافيا بشكل معقول. ستلائم الإشارة إلى "القواسم المشتركة المترابطة" الحالات الأكثر شيوعا، حيث يلعب الكاتب ببساطة على مخزون المعرفة المشتركة (والمعلومات الخاطئة الشائعة) الَّتي يفترض أنْ يُشاركها القارئ ويُشاركها نفسه. لكن في قصيدة أو قطعة من النثر المسترسل، يمكن للكاتب أن يُؤسس نمطا جديدا من المضامين المترتبة على الاستعمالات الحرفية للتعبير الرئيس، قبل استعمالها كعوامل لاستعاراته. يمكن للكاتب [على سبيل المثال] أنْ يفعل الكثير لاستبعاد المضامين غير المرغوب فيها للفظ "عقد" من خلال مناقشة صريحة لمعناه المقصود قبل الشروع في تطوير نظرية تعاقدية للسيادة، أو يخبرنا عالم الطبيعة الَّذي يعرف حقا الذئاب بالكثير عنها أنَّ وصفه للإنسان أنَّه ذئب يختلف بشكل ملحوظ عن استعمالات المخزون في هذه الصورة.) يمكن أن تكون الاستعارات مدعومة بأنساق مدروسة خصيصا للمضامين، فبالإضافة إلى المواطن المشتركة المقبولة التي يمكن أنْ يتم قيامها ولا يلزم الوصول إليها.
إنَّه لمن البساطة الحديث مرة أخرى كما لو أنَّ نسق المضمون للتعبير الاستعاري لم يتغير من خلال العبارة الاستعارية. تُساعد طبيعة التطبيق المقصود في تحديد النسق الَّذي سيتم تطبيقه (كما لو أنَّ النجوم يمكن أنْ تُحدد جزئيا طبيعة شاشة المراقبة الَّتي نظرنا إليها من خلالها). إذا وصفنا رجلا بأنَّه ذئب، فإنَّ هذا يعني أنْ نُسلط عليه ضوء خاصا، ويجب أنْ لا ننسى أنَّ الاستعارة تجعل الذئب يبدو أكثر إنسانية مما كان سيفعله بخلافها.
آود أنْ يتم استيعاب مثل هذه التعقيدات في إطار "الرأي التفاعلي" الَّذي حاولت تقديمه.
نظرا لأنَّني كُنت أستعمل كثيرا من الأمثلة والتوضيحات، فقد يكون من المُفيد أيضا توضيح (على سبيل الإيجاز) بعض الجوانب الرئيسة الَّتي يختلف فيها رأي "التفاعل" المُؤيد عن رأيي "التبادل" أو "التشبيه".
في الصورة الَّتي شرحتها به، يلتزم "رأي التفاعل" بالادعاءات السبعة الآتية:
1) تشتمل العبارة الاستعارية موضوعين متمايزين – موضوع "رئيس" وموضوع "إضافي".[22]
2) غالبا ما يُنظر في أحسن الأحوال إلى هذين الموضوعين على أنَّهما "نسقين لشيئين" بدلا من كونهما شيئين.
3) تعمل الاستعارة من خلال تطبيق نسق من "المضامين المرتبطة" المميزة للموضوع الإضافي على الموضوع الرئيس.
4) تتكون هذه المضامين عادة من "قواسم مشتركة" حول الموضوع الإضافي، ولكن قد تتكون، في حالات مُتناسبة، من مضامين مُنحرفة موضوعة بشكل مخصوص من طرف الكاتب.
5) تقوم الاستعارة بانتقاء وتأكيد ومنع وتنظيم سمات الموضوع الرئيس من خلال تضمين عبارات فيه والَّتي تنطبق عادة على الموضوع الإضافي.
6) يتضمن هذا تحولات في معنى الألفاظ الَّتي تنتمي إلى نفس العائلة أو إلى نفس النسق مثل التعبير الاستعاري، وبعض هذه التحولات، وإنْ لم تكن كلها قد تكون تحولات استعارية. (ومع ذلك، يجب قراءة الاستعارات الإضافية بدرجة أقل "تأكيدا").
7) بشكل عام، لا يُوجد "أساس" بسيط للتحولات الضرورية في المعنى – لا يوجد سبب شامل لعمل بعض الاستعارات وفشل الأخرى.
سأجد بناء على اعتبار أنَّ النقطة (1) غير متوافقة مع وجهة نظر "التبادل"، والنقطة (7) غير مُتوافقة مع "وجهة نظر التشبيه"، بينما النقاط المُتبقية أسباب اعتبار "وجهات نظر التشبيه" غير كافية.
لكن من السهل المُبالغة في تقدير التضارب بين هذه الآراء الثلاثة، إذا أردنا الإصرار على أن الأمثلة الَّتي تُرضي جميع الادعاءات السبعة المذكورة أعلاه فقط هي الَّتي ينبغي اعتبارها استعارات "حقيقية"، يجب أنْ تُحصر الاستعمالات للفظ "استعارة" في عدد قليل جدا من الحالات. قد يكون هذا للدفاع عن تعريف مُقنع "للاستعارة" من شأنه أنْ يجعل كل الاستعارات مُعقدة بشكل مثير للاهتمام.[23] ومثل هذا الانحراف عن الاستعمالات المتداولة للفظ "الاستعارة" سيتركنا بدون تسمية مناسبة للحالات الأقل أهمية. الآن في مثل هذه الحالات التافهة، تبدو وجهتي نظر "التبادل" و"التشبيه" أحيانا أقرب للعلامة من وجهات نظر "التفاعل". يمكن تلبية هذه النقطة من خلال تصنيف الاستعارات على أنَّها حالات تبادل أو مقارنة أو تفاعل. والنوع الأخير فقط هو الَّذي له أهمية في الفلسفة.
بالنسبة للاستعارات التبادلية والاستعارات التشبيهية يمكن إحلالها محل النقل الحرفي (مع استثناء محتمل لحالة سوء استعمال الألفاظ)- بالتضحية ببعض من سحر النص الأصلي أو حيوية ذكائه، ولكن ليس بأقل من المحتوى المعرفي. لكنَّ الاستعارات التفاعلية ليست مستهلكة- يتطلب أسلوب عملها من القارئ استعمال نسق المضامين (نسق "القواسم المشتركة"، أو نسق خاص يتم إنشاؤه لغرض) في العلاقات في مجال مختلف. هذا الاستعمال "موضوع ثانوي" لتعزيز نظرة ثاقبة في "الموضوع الرئيس" هو عملية فكرية مميزة (على الرغم من واحدة مألوفة بما فيه كفاية من خلال تجاربنا في تعلم أي شيء مهما كان). وتُطالب الوعي في وقت واحد من كلا الموضوعين ولكن لا يمكن ردها إلى أيِّ تشبيه بين الاثنين.
لنفترض أنَّنا نُحاول ذكر المحتوى المعرفي لاستعارة تفاعلية "بلغة واضحة" إلى حد ما، قد ننجح في تحديد عدد من العلاقات ذات الصلة بين موضوعين (على الرغم من أنَّه نظرا لاتساع المعنى المُصاحب للتحول في نسق الموضوعات الإضافية، يجب ألاَّ نتوقع الكثير من إعادة الصياغة الحرفية). لكن مجموع العبارات الحرفية الَّتي تم الحصول عليها على هذا النحو لن تكون لها نفس القوة للإعلام والتنوير مثل الأصل. لسبب واحد، فإنَّ المضامين الَّتي تُركت سابقا للقارئ المُناسب ليعلمها مع شعور لطيف بأولويتها النسبية ودرجات الأهمية. تُعرض الآن صراحة كما لو كانت لها وزن مساو. إنَّ إعادة الصياغة الحرفية تقول لا محالة أكثر من اللازم وبتأكيد خاطئ. ومن النقاط الَّتي أود التأكيد عليها بشكل أكثر هي أنَّ الخسارة في مثل هذه الحالات هي فقدان المحتوى المعرفي. لا يتمثل الضعف الملحوظ في إعادة الصياغة الحرفية في أنَّها قد تكون مُتعِبة بشكل مُمل أو صريحة بشكل مُمل- أو قاصرة في صفات الأسلوب، وفاشلة في أنْ تكون نقلا لأنَّها فشلت في إعطاء التبصر الَّذي فعلته الاستعارة.
لكنَّ "التفسير"، أو تفصيل أسس الاستعارة، إذا لم يُعتبر بديلا معرفيا مناسبا للأصل، فقد يكون ذا قيمة كبيرة. لن تتضرر الاستعارة القوية بمثل هذا البحث أكثر من التُّحفة المُوسيقية بتحليل بنيتها النغمية واللحنية. ولا شك في أنَّ الاستعارات خطرة- وربما بشكل خاص في الفلسفة. لكنَّ منع استعمالها سيكون قيدا مُتعمدا وضارا على قوانا في البحث.[24]
[1]- اقتبس ماكس بلاك هذه العبارة من الرواية التاريخية للكاتب الاسكتلندي سير واتر سكوت Sir Walter Scott "مغامرات نيجل":
Scott. W., The Fortunes of Nigel,
[2]- أي جزء من الكلام يمكن أن يُستعمل استعاريا (رغم النتائج الهزيلة وغير المهمة في حال الارتباطات)، وأي صورة من التعبير الشفهي يمكن أن تتضمن محور استعاري.
[3]- استعملت هنا لغة تقترب من "الرأي التفاعلي" للاستعارة الَّذي سيُناقش فيما بعد في هذه المقالة.
[4]- هنا، أود أن تُقرأ هذه الألفاظ بأقل قدر ممكن من "الترجيح".
[5]- لاحظ كيف ينقل هذا الصنف من إعادة الصياغة الطبيعية تضمينا للنقص من جانب مؤلف الاستعارة. هناك اقتراح قوي يجب أن يتخذ قراره بشأن ما يريد حقا أن يقوله، إذ يتم تصوير الاستعارة على أنَّها طريقة للتستر على اللَّبس والغموض.
[6]- Richard Whately. Elements of Rhetoric (7th revised ed., London, 1846), p. 280
[7]- تحت "المجاز" نجد أي "صورة" مختلفة التعبير، تنحرف عن الترتيب أو الاستعمال العادي للألفاظ، والتي يتم تبنيها من أجل إعطاء الجمال أو التنوع أو القوة للتركيب، فعلى سبيل المثال، المواراة، والمبالغة، والاستعارة إلخ، إذا أخذنا هذا الأمر بصرامة، فقد يقودنا إلى القول إن نقل لفظ لم يتم تبنيه من أجل إدخال "الجمال، أو التنوع، أو القوة" يجب أن يفشل بالضرورة في أن يكون حالة استعارة. أو هل سيغطي "التنوع" تلقائيا كل نقل؟ سيلاحظ أن تعريف معجم أوكسفورد ليس بأحسن من تعريف واتلي. فحيثما يتحدث عن "لفظ" يتم استبداله، فإن معجم أوكسفورد يفضل "الاسم أو الاصطلاح الوصفي". إذا كان المقصود من هذا قصر الاستعارة على الأسماء (أو الصفات؟) فمن الواضح أنه خطأ. لكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فما الذي يفترض أن يعنيه "الاصطلاح الوصفي"؟، ولم تم حذف إشارة واتلي إلى "التشابه والتمثيل" والاقتصار على الإشارة إلى التمثيل فقط؟
[8]- Owen Barfield, « Poetic Diction and Legal Fiction » in Essays Presented in Charles Williams (Oxford, 1947), pp. 106-127
يوجد التعريف في الصفحة 111، حيث عولجت الاستعارة باعتبارها حالة خاصة لما يسميه بارفيلد "فقدان البريق". هذا المقال يستحق أن يقرأ كله.
[9]- يعرف معجم أوكسفورد سوء استعمال الألفاظ باعتباره "الاستعمال غير السليم للألفاظ، وانطباق اصطلاح على شيء لا يشير إليه بشكل صحيح، والإساء أو التحايل على مجاز أو استعارة." أود استبعاد الاقتراحات التحقيرية، لا يوجد شيء منحرف أو مسيئ في توسيع الألفاظ القديمة لتناسب وضعيات الألفاظ الجديدة، فسوء استعمال الألفاظ هو مجرد حالة ملفتة للنظر في نقل المعنى الَّذي يحدث باستمرار في أي لسان حيّ.
[10]- هل يمكننا أن نتخيل أي شخص يقول هذا في الوقت الحاضر ويعني بجدية أي شيء من المعنى؟ أجد صعوبة في القيام بذلك، ولكن في حال عدم وجود سياق أصيل للاستعمال، فإن أي تحليل قد يكون ضعيفا وواضحا وغير مجدي.
[11]- سيتم العتور على نقاش لهذا المثال كاملا مع الرسوم البيانية في كتاب:
Gustaf Stern. Meaning and Change of Meaning (CÖteborgs HÖgskolas Arsskrift, vol. 38, 1932, part 1), pp. 300 ff.
يحاول تصور ستيرن أن يوضح للقارئ أن السياق يقود القارئ ليختار في دلالة "الأسد" سمة "الشجاعة" الَّتي تناسب ريتشارد الرجل. أعتبر تحديده مجرد صورة من وجهة نظر التبادل.
[12]- ينسب أرسطو استعمال الاستعارة للبهجة في التعلم، ويتتبع شيشرون البهجة في الاستعارة للاستمتاع ببراعة الكاتب في تجاوز العرض الفوري أو التقديمي الحي للموضوع الرئيس. للإشارة إلى هذه الآراء وغيرها انظر :
E. M. Cope, An Introduction to Aristotle’s Rhetoric (London, 1867), “Appendix B to Book 3, Ch. 2: On Metaphor”.
[13]- وهكذا يقول ستيرن (في المرجع السابق) عن جميع أساليب المجاز في الكلام "إنها تهدف إلى خدمة الوظائف التعبيرية والمفيدة للكلام بشكل أفضل من "البيان الصريح" (ص. 296) فالاستعارة تنتج "جمالا" (steigerung) للموضوع، ولكن العوامل التي تؤدي إلى استعمالها" تتضمن الوظائف التعبيرية والفعالة (المفيدة) للكلام، وليس الوظائف الرمزية التواصلية" (ص. 290). وهذا يراد منه أن الاستعارات قد تظهر المشاعر أو تهيئ الآخرين إلى أن يتصرفوا ويحسوا بطرق شتى-لكنهم في العادة لا يقولون أي شيء.
[14]- يشرع واتلي (في استشهاده) في التمييز بين "التشابه، الَّذي سُمي بدقة، أي التشابه المباشر بين الأشياء المعنية نفسها، (كما هو الحال لما نتحدث عن "المائدة"، أو تشبيه الموجات العظيمة بالجبال") و"التمثيل الَّذي هو تشابه في النسب-تشابه في العلاقات الَّتي تحملها على أشياء أخرى معينة، كما هو الحال لما نتحدث عن "نور العقل"، أو "الوحي"، أو تشبيه المحارب الأسير والجريح بالسفينة الَّتي تقطعت بها السُّبل".
[15]- Alexander Bain. English Composition and Rhetoric (Enlarged edition, London, 1887), p. 159
[16]- من المحتمل أن تكون أراء التشبيه مستمدة من عبارة أرسطو المختصرة في كتاب الشعر: "الاستعارة تتمثل في إعطاء الشيء اسما يرتبط بشيء آخر، ويكون النقل إما من الجنس إلى النوع أو من النوع إلى الجنس أو من النوع إلى النوع أو على أساس التمثيل." (1457b). ليس لدي متسع لإعطاء نقاش حول أرسطو بفحص تفصيلي يستحقه. والدفاع عن وجهة نظر التبادل عند أرسطو تجده في كتاب:
S.J. Brown. The World of Imagery, (London, 1927, especially pp.67ff).
[17]- تستدعي حاجة بشكل مُلح إلى قول المزيد فيما يتعلق بالفحص الشامل لوجهة نظر التشبيهية. سيكون من الواضح، على سبيل المثال النظر في الأنواع المتناقضة من الحالات الَّتي تفضل فيها التشبيه الصوري على الاستعارة. فغالبا ما يكون التشبيه مقدمة لبيان صريح قائم على التشابه، بينما لا نتوقع استعارة تفسر نفسها. (راجع الفرق بين تشبيه وجه الرجل بقناع الذئب من خلال البحث عن نقاط التشابه- ورؤية الوجه البشري على أنه ماكر) ولكن لا شك أن الخط الفاصل بين بعض الاستعارات وبعض التشبيهات ليس حادا.
[18]- أحسن المصادر في هذا الباب نجد: كتاب "فلسفة الخطابة" لآيفور ارمسترونغ ريتشاردز، وبالخصوص في الفصل الخامس ("الاستعارة")، وفي الفصل السادس ("هيمنة الاستعارة"). وفي الفصلين السابع والثامن من كتابه "التـأويلات في التدريس" (London, 1938) فهو يغطي بشكل أكبر نفس الأساس. وفي كتاب و. بيدل ستانفورد "الاستعارة اليونانية" (Oxford, 1936) حيث يدافع هذا الأخير عما سماه "نظرية الإدماج" (انظر بالخصوص الصفحة 101 وما يليها) بمهارة وتلقين جيدين. ولسوء الحظ، فكلا الكاتبان لهما اضطراب كبير في توضيح طبيعة المواقف الَّتي يدافعان عنها. وكذلك الفصل الثامن من كتاب "بنية العوالم المعقدة" ل و. إمبسون (London, 1951) ففيه نقاش مفيد لوجهات نظر ريتشاردز للاستعارة.
[19]- يقول ريتشاردز أيضا في كتاب "فلسفة الخطابة"، ص. 93. إن الاستعارة هي "في الأساس إعارة وتبادل بين الأفكار، وتفاعل بين السياقات" (ص. 94). ويقول إن الاستعارة تتطلب فكرتين "تتعاونان فيما بينهما بمعنى شامل" (ص. 119).
[20]- ربما يكون هذا هو ما دفع ريتشاردز إلى القول "بالحديث عن التطابق أو الاندماج أن الاستعارة دائما مضللة وخبيثة" (المرجع السابق، ص. 127).
[21]- عادة ما يحاول ريتشاردز إظهار أن التشابه بين الحدين في أفضل الأحوال جزء من الأساس لتفاعل المعنى في الاستعارة.
[22]- كثيرا ما أثيرت هذه النقطة، على سبيل المثال- "بالنسبة للتعبير الاستعاري، فهذا امتياز كبير في الأسلوب، عندما يتم استعماله بشكل سليم، لأنه يمنحك فكرتين من أجل واحدة" (هذا اقتباس من صموئيل جونسون قام به ريشاردز، المرجع السابق، ص. 93.) فاختيار تسميات "الموضوعات" أمر مزعج. أنظر "ملاحظة حول المصطلحات" المرفقة بهذه الورقة.
[23]- يمكنني أن أتعاطف مع ادعاء إمبسون Empson بأن "مصطلح ["استعارة"] يتوافق بشكل أفضل مع ما يشعر به المتحدثون أنفسهم ليكون استعمالا غنيا وإيحائيا أو مقنعا للفظ بدلا من تضمين استعمالات مثل "ساق منضدة" انظر: (The Structure of Complex Words, p. 333). ولكن هناك خطر معاكس أيضا في جعل الاستعارات مهمة جدا بواسطة التعريف، وبالتالي تضييق نظرتنا إلى الذات بشكل مفرط.
[24]- (ملاحظة حول المصطلحات): بالنسبة للاستعارات الَّتي تُناسب وجهتي نظر التبادل أو التشبيه، فإنَّ العوامل التي تحتاج إلى تمييز هي: أولا، كلمة أو تعبير نرمز له بالحرف E، ثانيا، أن هذه الكلمة تقع في "إطار" لفظي نرمز له بالحرف F، ثالثا، بحيث أن F(E) هي العبارة الاستعارية المعنية، رابعا أي أن المعنى m•(E) الَّذي يحمله E في F(E)، خامسا، هو نفس المعنى الحرفي m(X) لبعض المرادفات الحرفية X. والمفردات التقنية الكافية ستكون كالآتي: "تعبيرا استعاريا" (ل E)، و"عبارة استعارية" (بالنسبة ل F(E))، و"المعنى الاستعاري" (بالنسبة ل m•)، و"المعنى الحرفي" (بالنسبة ل m).
لما يكون تصور التفاعل مناسبا، يكون الوضع أكثر تعقيدا. سادسا، قد نحتاج أيضا الرجوع إلى الموضوع الرئيس ل F(E)، سابعا، ولنقل P (تقريبا، ماهي العبارة "حقا") إلى الموضوع الثانوي S (ماهو F(E) إذا تم قراءته حرفيا)؛ ثامنا ونحتاج نسق المضامين ذا الصلة ب I والمرتبط ب S، تاسعا، ونحتاج نسق الإسناد الناتح A، المحمول على P. يجب أن نقبل على الأقل الكثير من التعقيد إذا اتفقنا على أن معنى E في وضعه يعتمد على F في تحويل I إلى A باستعمال اللغة المطبقة عادة على S من أجل أن تطبق على P بدلا منها.
لقد اقترح ريتشارذز استعمال لفظي "المحتوى" و"الحاوي" للفكرتين" الَّتين في رأيه "متفاعلتين معا" (من أجل "الفكرتين الَّتين تعطينا الاستعارة في أبسط صورها" (المرجع السابق، ص. 96) ويحث على احتفاظ "لفظ 'استعارة' بالوحدة المزدوجة بأكملها" (المرجع السابق). لكن هذه الصورة لفكرتين تتفاعلان بعضهما مع بعض هي خيال غير مريح. ومن المهم أنَّ ريتشاردز نفسه سرعان ما ينقض إلى الحديث عن "المحتوى" و"الحاوي" على أنهما "أشياء" (على سبيل المثال في ص. 118). يتأرجح "الحاوي" عند ريتشاردز في الإشارة بين التعبير الاستعاري (E) والموضوع الثانوي (S) ونسق المضمون المتصل (I). من غير الواضح ما الذي يعنيه "المحتوى" في بعض الأحيان، إذ يشير إلى الموضوع الرئيس (P)، وأحيانا يشير إلى المضامين المرتبطة بهذا الموضوع (الَّتي لم أرمز لها أعلاه)، وأحيانا، على الرغم من مقاصد ريتشاردز الخاصة، فالمعنى الناتج (أو كما يمكن أنْ نقول "الاستيراد الكامل") ل E في سياقه F(E).
ربما لا يوجد أمل في الحصول على مصطلحات مقبولة طالما أنَّ الكتاب حول هذا الموضوع لا يزالون على اختلاف كبير مع بعضهم بعض.