البشر في المستقبل: مستقبل البشرية في عشرة أرقام بول مورلاند، ترجمة أحمد سمير درويش، مراجعة محمد حامد درويش

فئة :  قراءات في كتب

البشر في المستقبل: مستقبل البشرية في عشرة أرقام  بول مورلاند، ترجمة أحمد سمير درويش، مراجعة محمد حامد درويش

البشر في المستقبل: مستقبل البشرية في عشرة أرقام

بول مورلاند، ترجمة أحمد سمير درويش، مراجعة محمد حامد درويش

حالة النمو الديمغرافي الذي عليه العالم اليوم، لا أحد يتوقعها كما هي الآن؛ ففي الوقت الذي عملت الصين على فرض ضريبة على الطفل الثاني والثالث، سعياً منها للحد من مستوى الكثافة السكانية التي عليها، نجد دولا أخرى تعرف تراجع قاعدة الشباب والولادات، واتساع قاعدة الشيوخ، وهي مسألة مزعجة بالنسبة إلى هذه المجتمعات، الأوروبية خاصة. وفي الوقت ذاته، نجد الكثير من الدول الإفريقية تعرف اتساع قاعدة الشباب واليافعين بشكل كبير مقابل قاعدة الشيوخ، وهي مسألة محددة في الاقتصاد القومي لتلك المجتمعات، هذا الاختلاف في النمو الديمغرافي ما بين مختلف القارات عبر العالم، يكمن من ورائه جزء كبير من مستقبل العالم، ومستقبل الكثير من الدول ودورها الفعال. فمعرفة مستقبل العالم، ترتبط بمعرفة طبيعة النمو الديمغرافي.

ووفقا للمعطيات التي صرحت بها الأمم المتحدة، فقد ارتفع عدد سكان العالم بأكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بما كان عليه في منتصف القرن العشرين؛ إذ بلغ 8.0 مليار نسمة في منتصف نوفمبر 2022 بعد ما كان يقدر بنحو 2.5 مليار شخص في عام 1950، وازداد بمليار فرد منذ عام 2010 وبمليارين منذ عام 1998. ومن المتوقع أن يواصل على هذا المنوال ليرتفع بنحو ملياري فرد خلال السنوات الثلاثين المقبلة، ليصل إلى 9.7 مليار بحلول عام 2050. كما أنه من المرجح أن يبلغ ذروته بما يقرب من 10.4 مليار في منتصف العقد الثامن من هذا القرن. ويُتوقع أن يزيد عدد سكان العالم بما يقرب ملياري فرد في الـ30 عاما المقبلة، وهذا يعني زيادة سكان العالم من 8 مليارات في الوقت الراهن إلى 9.7 مليار مع حلول عام 2050، وأن يصل العدد إلى 10.4 مليارا في منتصف العقد الثامن من هذا القرن.

والعامل في هذا النمو الكبير هو زيادة عدد الأفراد الذين يبلغون سن الإنجاب، والارتفاع التدريجي في عمر الإنسان، وزيادة التحضر وتسارع الهجرة. كما رافق هذا النمو تغيرات كبيرة في معدل الخصوبة. ولهذه الاتجاهات آثار بعيدة المدى على الأجيال المقبلة. ولا شك أن عامل النمو الديمغرافي سيكون له أثر كبير في طبيعة مستقبل البشر على الأرض.

فكرة الكتاب

الفكرة الأساسية التي تدور حولها مواضيع هذا الكتاب، تتعلق بمستقبل البشر الديموغرافي، فالنمو الديمغرافي منذ القدم حاضر بشكل مباشر أو غير مباشر، في صعود دول وزوال أخرى، وبالأخص عندما تصحب النمو الديمغرافي سياسات واضحة تستثمره في اتجاهات الصعود، وإلا فإنه سيأتي بنتيجة عكسية. يركز الكتاب على عرض مختلف التغيرات التي تطرأ على أهم العوامل السكانية، مثل معدلات الخصوبة، والوَفَيات، والشيخوخة، والهجرة. فهذه الأخيرة على ممر التاريخ لها دور أساسي ومهم في طبيعة اتساع الكثافة السكانية في اتجاه البلدان التي عرفت هجرات متعددة، وفي الوقت ذاته يكون لها أثر في تقلص الكثافة السكانية في المناطق التي هاجر الناس منها نتيجة حروب مدمرة أو نتيجة كوارث طبيعية...

المسألة اليوم في نظر الكاتب تخطت مختلف المعضلات والعوائق التي تقف في وجه النمو الديموغرافي، لكن دخلت في دائرة إشكالات معاصرة؛ منها ما يهدد بانقراض البشر. ففي "الوقت الذي يتَّجه فيه الوضع الديموغرافي في العالم المتقدم إلى مرحلة ما بعد الحداثة، ينشأ خيار يمكن وصفه ﺑ «المعضلة الثلاثية»؛ لأنه مُفاضلة بين ثلاثة خيارات لا اثنين فقط. وهذه الخيارات الثلاثة هي: الاقتصاد؛ أي النمو الاقتصادي المزدهر الذي نعتبره «طبيعيًّا»؛ والعِرق، أي استمرار هيمنة مجموعة عِرقية معينة داخل الأرض التي تعتبرها وطنها؛ والأنانية، بمعنى تفضيل الأهداف الشخصية على تكوين الأسرة. وكلمة «الأنانية» اختصارًا لشيءٍ أكثر تعقيدًا. فالسبب الذي يجعل البعض يؤجلون إنجاب الأطفال، وينتهي بهم المطاف إلى إنجاب عدد قليل أو عدم الإنجاب على الإطلاق - باستثناء الحالات التي يكونون فيها عاجزين عن الإنجاب بالطبع - غالبًا ما يكون هو التأثُّر بالضغوط المحيطة بالعمل، والقيود المالية، ومُتطلبات رعاية الوالدَين المسنَّين، وجميع أنواع الضغوط الاجتماعية والرغبات الشخصية"[1]

أهم مواضيع الكتاب

العمل على وجود حل لوفيات الأطفال، يعد من أبرز العوامل التي تكون من وراء ارتفاع النمو الديموغرافي في أي بلد مكن البلدان؛ إذ "تشهد المجتمعات تغيُّرات عميقة عند حدوث انخفاض كبير في معدَّل وفياتها من الرضع. ولذا، اقتضت الحاجة بناء مزيد من المدارس، والاستعانة بمزيد من الأشخاص في المِهَن الموجهة إلى الأطفال كالتدريس مثلًا، وتوجَّب على الاقتصاد أن يستوعب قوةً عاملةً مُتزايدةً تضم مزيدًا من الشباب. وهذه المتطلبات، مثلها مثل التحديات الكامنة في ضرورة توفير الرعاية لعدد مُتزايد باستمرار من كبار السن، تنشأ من التغيرات الديموغرافية الإيجابية المصاحِبة لمقاومة الموت"[2] فهذه المسألة التي تجمع ما بين الانخفاض في معدل الوفيات وارتفاع الثقافة السكانية، انتظمت حولها مجمل مواضيع الكتاب نذكر منها:

وفيات الرضع. النمو السكاني. التحضر. الخصوبة. شيخوخة السكان. الهِرَم. انخفاض عدد السكان. التغير العرقي. التعليم. الغذاء.

النمو الديمغرافي بين الماضي والحاضر

لا وجه للمقارنة بين ما عليه الحضارة الحديثة بدءا من النصف الأخير من القرن العشرين، في العناية بالولادة والحمل وما يحيط به من إجراءات ومتابعات في العناية والتطبيب، والعناية في الوقت ذاته بالمولود منذ اليوم الأول له في الحياة حتة يصير طفلا، وهو أمر جلب معه ارتفاع كبير في نجاة الحوامل ونجاة أولادهن من عثرة من عثرات الحمل أو الولادة "في الماضي، كانت محطة الحياة تشهد تدفقَ فيضٍ لا ينتهي من أناس جدد، لكن قطار الموت كان يحملهم بعيدًا بنفسِ السرعة التي كانوا يصلون بها تقريبًا. أما الآن، فما زال الناس يتوافَدُون إلى محطة الحياة بأعدادٍ ضخمة، لكنَّ رحيلهم منها تضاءل بشدة. لذا صارت أرصفة المحطة مكتظة. وقد بدأ هذا الاتجاه في بريطانيا في القرن التاسع عشر، ثم انتشر إلى مختلف أنحاء العالم في القرن العشرين، ويحدُث الآن في أفريقيا، التي تعدُّ الحد الأخير للتحول الديموغرافي."[3]

لكن رغم كل التطورات العلمية التي ساهمت بشكل كبير في الحد من معضلة موت الحوامل أو موت موالدهن بشكل سريع، فذلك لا يعني التخلص من شبح موت كل من الحامل والمولود، فهناك إلى حد الساعة، رغم التقدم العلمي في مختلف جواب الطب، الكثير من المخاطر والمعيقات التي تواجه الحوامل وموالدهن، نتيجة مختلف الجوانب السلبية التي تخلفها الأطعمة المصنعة أو التدخين أو مختلف الضغوطات النفسية... والتي تكون سببا في أن يأتي المولود يعاني من مشكلات خِلقية منذ الولادة، ترتبط بالجسم أو الذهن، وهي حالات كثيرة ومتعددة عبر العالم، الكثير منها لها حلول والبعض منها يستعصي على الحل. لقد أتى على النساء حينٌ من الدهر كانت فيه الولادة تُشَكِّل خطرًا شديدًا على حياتهن. فإلى جانب وفيات الرضع، كانت وفيات الأمهات هي العائق الرئيسي أمام النمو السكاني في عصر ما قبل الحداثة. فأغلب الفتيات آنذاك، كُنَّ إذا نَجوَن من الموت في عامهنَّ الأول، ثم وصلنَ إلى سن الإنجاب، يُتوفَّين في أثناء حملهن الأول أو الثاني أو في أثناء الولادة. ومن ثَم كان دور زوجة الأب حينئذٍ في الحياة اليومية أهم بكثير من دورها اليوم. فالكثيرون من الرجال كانوا يَجدُون أنفسهم وحدهم مع أطفال مُلزَمين بتربيتهم من دون زوجة، ولذا كانوا بحاجة إلى العثور على بديل.[4]

ومن الأخطار المحتملة التي تتعرَّض لها الحوامل أن ارتفاع ضغط الدم يشيع في أثناء الحمل وأنهنَّ غالبًا ما يُصَبن بنزيف وعدوى في أثناء الولادة. وفوق ذلك، تحدُث أغلب وفيات الأمهات خلال عمليات الإجهاض، خصوصًا عندما تُجرَى تلك العمليات بلا رقابة ولا ضابط قانوني. والأرجح أن كل هذه الحالات تكون أكثر شيوعًا حينما تكون الأم الحُبلى مُحاطة بفقر مُدقع، ويكون مستواها التعليمي منخفضًا وتكون المرافق الأساسية بعيدة أو غير متاحة. ومثل وفاة الرضَّع، ما زالت وفاة الأمهات في أثناء الولادة شائعة في أجزاء من العالم، لكن هذه المناطق تتقلَّص فضلًا عن أنَّ معدَّل حدوث تلك الوفيات انخفض بأكثر من ثلث قيمته في الفترة من عام 2000 إلى 2017 وحدها[5].

والحقيقة أن حتمية الموت تُطاردنا "منذ أول لحظة صِرنا واعين فيها. فتخيُّل صور الأنهار القاتمة تحت الأرض ونيران الجحيم المتوهِّجة كان يُرعِب أسلافنا، وما زال يُرعِب الكثيرين منَّا. وقد شكَّل الموت دياناتنا وأساطيرنا وفنوننا. وفوق ذلك، تُضَخ مواردُ هائلة في الطب والرعاية الصحية لتأخيره. فما الذي تفعله الخدمة الصحية الوطنية في مختلف البلدان عبر العالم، سوى بَذل جهد جماعي دؤوب لتأجيل الموت؟ والغريب أنَّنا نعيش دائمًا ونحن نُدرك أن أفراد عائلاتنا وأصدقائنا سيختفون يومًا ما إلى الأبد، وأنَّ مصيرنا نحن أيضًا سيكون هكذا. ويَعدّ دارسو الديموغرافيا الموتَ، أو «معدل الوفاة» الذي يُمثل الاحتمالية الإحصائية للموت، واحدًا من المعطيات الأساسية في هذا التخصص".[6]

[1] بول مورلاند، البشر في المستقبل: مستقبل البشرية في عشرة أرقام، ترجمة أحمد سمير درويش، مراجعة محمد حامد درويش، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، ط.1، 2024م، ص.244

[2] نفسه، ص.42

[3] نفسه، ص.46

[4] نفسه، ص.37

[5] نفسه، ص.37

[6] نفسه، ص.28