التاريخ والمثلية الجنسية + خطورة جنسانية الأطفال(١)


فئة :  ترجمات

التاريخ والمثلية الجنسية + خطورة جنسانية الأطفال(١)

التاريخ والمثلية الجنسية + خطورة جنسانية الأطفال(١)

ميشيل فوكو

ترجمة: حسام جاسم

١. التاريخ والمثلية الجنسية (٣):

س/ يقدم كتاب كينيث دوفر (K.J. Dover) "المثلية الجنسية اليونانية" توضيحًا جديدًا للمثلية الجنسية (Homosexuality) في اليونان القديمة (٤).

ميشيل فوكو: يبدو لي أن أهم شيء في هذا الكتاب، هو أن دوفر يوضح أن تقسيمنا للسلوك الجنسي بين المثلية الجنسية والمغايرة الجنسية (heterosexuality) ليس له صلة على الإطلاق باليونانيين والرومان. وهذا يعني أمرين: من ناحية، أنهم كانوا يفتقرون إلى فكرة أو مفهوم هذا التقسيم. ومن ناحية أخرى، لم تكن لديهم الخبرة والتجربة. فالشخص الذي يذهب للمضاجعة مع شخص آخر من نفس الجنس، لم يختبر نفسه بعد بأنه مثلي الجنس، وهذا يبدو لي جوهريًا.

عندما يمارس الرجل الجنس مع صبيّ، كانت القضية الأخلاقية تدور حول السؤال: هل كان هذا الرجل فاعلا (موجبًا) [top] أم مفعولا به (سالبًا) [buttom] (٥)، وهل مارس الجنس مع صبي بلا لحية - فمظهر اللحية هو الحد الفاصل؟ إن الجمع بين هذين النوعين من الانقسام يؤسس لمحة معقدة للغاية تحدد الأخلاق واللاأخلاق. ومن ثم، ليس من المنطقي القول إن اليونانيين كانوا متسامحين مع المثلية الجنسية، حيث يبرز دوفر مدى تعقيد هذه العلاقة المدونة بين الرجال والصبيان. كان الأمر يتعلق بالفرار والحماية للصبيان، والملاحقة والتودّد للرجال. وهكذا كانت هناك حضارة كاملة من الغلمانية (pederasty)، والجنس بين الرجل والصبي، الأمر الذي استلزم، كما يحدث دائمًا مع هذا النوع من التدوين، تثمين أو التقليل من قيمة أنواع معينة من السلوك.

وهذا ما أودّ استخلاصه من كتاب دوفر. ويستغني في التحليل التاريخي عن أمور كثيرة فيما يتعلق بالتابوهات الجنسية المشهورة، بضمنها مفهوم التابو ذاته. لذا، عليه أن يأخذ الأمور بشكل مختلف؛ أي أن يكتب تاريخ العائلة من التجارب، وطرائق مختلفة للحياة، وتاريخ الأنواع المختلفة من العلاقات بين الأشخاص من نفس الجنس، وفقًا للعمر، وما إلى ذلك. بعبارة أخرى، لا ينبغي أن تكون إدانة سدوم نموذجًا تاريخيًا.

أودّ أن أضيف شيئًا غير موجود في كتاب دوفر، وهي فكرة خطرت ببالي العام الماضي. هناك خطاب نظري كامل حول حب الصبيان في اليونان، من أفلاطون (Plato) إلى بلوتارخ (Plutarch) ولوقيان (Lucian)، وما إلى ذلك. وما لفت انتباهي في هذه السلسلة من النصوص النظرية هو أنه من الصعب جدًّا على اليوناني أو الروماني قبول فكرة أن الصبي الذي نشأ، بحكم حالته، كرجل حر مولود في عائلة نبيلة ليمارس المسؤوليات العائلية والاجتماعية، ويتولى السلطة على الآخرين كسيناتور روماني، ورجل سياسة، وخطيب يوناني ليقبل فكرة أن هذا الصبي كان سالبًا في علاقته مع الرجل. إنه شيء لا يمكن تصوره ضمن قيمهم الأخلاقية، وهو أمر لا يمكن استيعابه، بوصفه من التابوهات أيضًا.

من البديهي أن يلاحق الرجل صبيًا، وأن يكون هذا الصبي عبدًا؛ ففي روما على وجه الخصوص، ذلك أمر طبيعي. وكما يقول المثل: "ان تكون منكوحًا ضرورة للعبد، وعار للحر، ورد جميل للعبد المحرر". في المقابل، من غير الأخلاقي أن يتم مضاجعة شاب حر. وفي هذا السياق، يمكن للمرء أن يفهم القانون الذي يمنع البغايا من ممارسة أي وظيفة سياسية، حيث لا يُطلق على العاهر اسم عاهر الشارع (بائع الهوى)، بل على أنه شخص يتم دعمه ورعايته بشكل متتابع وعلني من قبل أشخاص مختلفين. ولكونه سالبًا، وموضوعًا للمتعة، يجعل من غير المقبول أن يمارس أي سلطة. وهذا ما تعارضه النصوص النظرية دائمًا، حيث بالنسبة إليهم، يتعلق الأمر بتثقيف الخطاب، الذي يتمثل في إثبات أن الحب الحقيقي الوحيد يجب أن يستبعد العلاقات الجنسية مع الصبي، ويلتزم بالعلاقات البيداغوجية (pedagogical) العاطفية، ذات الطبيعة شبه الأبوية. هذه، في الواقع، طريقة لجعل ممارسة الحب بين الرجال الأحرار والصبيان الأحرار مقبولة، مع إنكار ونقل ما يحدث بالفعل في الواقع. ولذلك، لا ينبغي تفسير وجود هذا الخطاب على أنه علامة على التسامح مع المثلية الجنسية، في الممارسة كما في الفكر، بل كعلامة على المنع والعرقلة.

يتحدث المرء عن ذلك لأن هناك مشكلة؛ لأنه يجب على المرء أن يحتفظ بالمبدأ التالي: ليس أن تحدث المرء عن شيء ما في المجتمع يجعله ذلك مقبولًا. فإذا قام المرء بتفسير خطاب ما، فلا ينبغي له أن يبحث في الواقع الذي سيكون هذا الخطاب انعكاسًا له، بل في حقيقة المشكلة التي تجبر الناس على التحدث عنها. وأن ما يجعل الحديث عن هذه العلاقات بين الرجل والصبيّ ضرورياً وحتميًا - في حين لا يتحدث المرء كثيرًا عن علاقات الزواج مع النساء - هو حقيقة أن هذه العلاقات كان من الصعب قبولها أخلاقياً.

س/ كان من الصعب قبولها أخلاقياً ومع ذلك، فقد تأسس المجتمع اليوناني بأكمله على العلاقات الغلمانية هذه، دعنا نقول البيداغوجية (pedagogical) بالمعنى الأوسع. أليس هنالك غموض؟

ميشيل فوكو: فعليًا، لقد بسّطت الأمور قليلاً. وما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في تحليل هذه الفينومينا (phenomena) هو وجود مجتمع أحادي الجنس (monosexual) (٦)؛ إذ كان هناك فصل واضح جدّاً بين الرجل والمرأة.

من المؤكد أنه كانت هناك علاقات وثيقة جدًّا بين النساء، لكنها ليست معروفة جيّدًا؛ لأنه لا يوجد عمليًا نص نظري يعكس ما كتبته النساء عن الحب والجنسانية القديمة. ولقد قمت بفصل نصوص العديد من الفيثاغوريين والفيثاغوريين الجدد المكتوبة بين القرنين الأول والثامن قبل الميلاد والشعر. وفي المقابل، لدينا كل أنواع الأدلة التي تشير إلى مجتمع ذكوري أحادي الجنس.

س/ كيف تفسر حقيقة أن هذه العلاقات أحادية الجنس اختفت نهاية المطاف مع روما، قبل المسيحية بوقت طويل؟

ميشيل فوكو: بصراحة، يبدو لي أنه لا يمكن للمرء إلا أن يلاحظ اختفاء المجتمعات أحادية الجنس على نطاق واسع في أوروبا في القرن الثامن عشر. وفي روما، نجد مجتمعاً كان للمرأة في الأسرة المتميزة دور مهمّ جدّاً على المستوى العائلي والاجتماعي والسياسي، لكن الأهمية المتزايدة لدور الزوجة ليست هي التي أدت إلى تفكك المجتمعات أحادية الجنس، بل كان إنشاء هياكل سياسية جديدة هو الذي منع الصداقة من الاستمرار في القيام بالوظائف السياسية والاجتماعية التي كانت تضطلع بها حتى تلك اللحظة؛ إذا شئت، فإن تطور مؤسسات الحياة السياسية جعل علاقات الصداقة غير ممكنة، كما كانت في المجتمع الأرستقراطي. لكن هذه مجرد فرضية..

س/ ما تقوله يدفعني إلى طرح سؤال حول أصل المثلية الجنسية، وهنا يجب أن أفصل بين المثلية الجنسية للرجال والنساء؛ الإشكالية كما يلي: في اليونان، لا يمكن للمثلية الجنسية الذكورية أن توجد إلا في مجتمع شديد التسلسل الهرمي، حيث تحتل النساء أدنى مستوى. ويبدو لي أنه من خلال تبني المثل اليونانية مرة أخرى، فإن المجتمع المثلي الذكوري في القرن العشرين يضفي الشرعية على كراهية النساء ورفضهن؟

ميشيل فوكو: في الواقع، أعتقد أن هذه الأسطورة اليونانية تلعب دورًا، لكنها تلعب فقط الدور الذي يريد المرء أن تلعبه: ليس لأن المرء يشير إليها، حيث يفترض سلوكًا معينًا، ولكن لأنه يفترض سلوكًا معينًا، فإنه سيشير إليه أثناء إعادة تشكيله.

أجد حقيقة مذهلة للغاية وهي أن المجتمع المثلي في أمريكا هو مجتمع أحادي الجنس له طرق حياة، ومنظمات على المستوى المهني، وعدد معين من الملذات التي لا تنتمي إلى النظام الجنسي. وهكذا، فإن وجود مثليين جنسياً يعيشون في جماعة أو مجتمع، في علاقة تبادل مستمر، يكشف تماماً عودة أحادية الجنس. ولقد عاشت النساء أيضًا في مجموعات أحادية الجنس، لكن من الواضح أنهن أُجبرن على ذلك في كثير من الحالات؛ لقد كانت استجابة، في كثير من الأحيان جديدة ومبتكرة، للمكانة التي فُرضت عليهن.

أفكر على وجه التحديد في كتاب مثير للاهتمام للغاية لكاتبة أمريكية بعنوان "تجاوز حب الرجال"، حيث تدرس المؤلفة ليليان فيدرمان (Lillian Faderman) (٧) صداقات النساء من القرن الثامن عشر إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر على الأساس التالي: "لن أطرح أبدًا السؤال عما إذا كانت هؤلاء النساء قد مارسن علاقات جنسية أم لا، سأفكر ببساطة، من ناحية، في شبكة هذه الصداقات أو في تاريخ الصداقة ذاته، وأرى كيف تتكشف، وكيف يعيشها المرتبطان، وما هي أنواع السلوك التي تنطوي عليها، وكيف ارتبطت النساء ببعضهن البعض؛ ومن ناحية أخرى، ما هي التجربة المعاشة، ونوع التأثير، والارتباط الموصول بذلك. وهكذا تظهر ثقافة كاملة من أحادية الجنس الأنثوية، لحياة رائعة بين النساء.

س/ مع ذلك، ما كنت تقوله في مجلة (Gai Pied) (٨) وما تقوله الآن يبدو لي إشكاليًا في هذا الصدد: دراسة المجموعات النسائية أحادية الجنس دون طرح مسألة حول حياتهن الجنسانية يبدو أنه استمرار للموقف الذي يحصر النساء في مجال الشعور، مع القوالب النمطية الأبدية: حريتهن في العلاقات، وعواطفهن الحرة، وصداقاتهن، وما إلى ذلك؟

ميشيل فوكو: ربما سأبدو متساهلاً جدًّا بالنسبة إليك، لكنني أعتقد أن الفينومينا التي يرغب المرء في دراستها معقدة جدا ومدونة مسبقًا بواسطة شبكات التحليل الموجودة بالفعل، حيث يجب على المرء قبول طرق معينة، غير مكتملة للتأكد، ولكنها تولد أفكار جديدة وتسمح بظهور فينومينا جديدة. مثل هذه الأساليب تسمح للمرء بتجاوز المصطلحات المبتذلة تماما، والتي كانت سائدة في السبعينيات: التابوهات، القانون، القمع. وكانت هذه المصطلحات فعالة للغاية من الناحية السياسية ومفيدة من الناحية المعرفية، ولكن يمكن للمرء أن يحاول تجديد أدوات التحليل. ومن وجهة النظر هذه، فإن حرية المسار تبدو لي أكبر بكثير في أمريكا منها في فرنسا. وهذا لا يعني أنه يجب على المرء أن يعتبرها مقدسة.

س/ ربما يمكنك التحدث عن كتاب جون بوسويل (John Boswell)، "المسيحية والتسامح الاجتماعي والمثلية الجنسية" (٩)؟

ميشيل فوكو: إنه كتاب مثير للاهتمام لأنه يعيد النظر في الأشياء المعروفة مسبقًا، ويسلط الضوء على أشياء جديدة. وأن الأشياء المعروفة مسبقًا تتطور: فإن ما يسمى بالأخلاق الجنسية المسيحية أو في الواقع اليهودية- المسيحية هي خرافة. ويكفي الرجوع إلى الوثائق: هذه الأخلاق الشهيرة التي توطّن العلاقات الجنسية في الزواج، والتي تدين الزنا وكل السلوكيات غير الإنجابية وغير الزوجية، كانت راسخة قبل المسيحية، حيث كل هذه الصيغ تجدها في نصوص الرواقيين والفيثاغوريين، وهذه الصيغ هي سابقة "المسيحية" لدرجة أن المسيحيين يأخذونها كما هي. وما يثير الدهشة هو أن هذه الأخلاق الفلسفية تأتي بمعنى ما بأثر رجعي، بعد حركة حقيقية في المجتمع لتثمين الزواج والقران والعلاقات العاطفية بين الزوجين...وقد عُثر في مصر على عقود زواج تعود إلى العصر الهلنستي، تطالب فيها النساء الزوج بالإخلاص الجنسي، وهو ما وعد به. ولم تكن هذه العقود صادرة عن العائلات النبيلة، بل عن بيئة حضرية وشعبية إلى حد ما.

وبما أن الوثائق نادرة، يمكن للمرء أن يفترض أن النصوص الرواقية حول هذه الأخلاق الزوجية الجديدة قد اختصرت في دوائر مثقفة ما كان يحدث بالفعل في الوسط الشعبي. وهذا يهزّ المشهد المألوف بالكامل للعالم اليوناني الروماني ذي الإباحة الجنسية الرائعة الذي دمرته المسيحية بضربة واحدة.

انطلاقًا من هذا المنظور، اندهش بوسويل للغاية عندما رأى إلى أي مدى ظلت المسيحية متوافقة مع ما كان قائمًا قبلها، خاصة فيما يتعلق بمسألة المثلية الجنسية. حتى القرن الرابع، تتبنى المسيحية نفس النوع من الأخلاق. إنه ببساطة يشدد الاغلاق. ومع ذلك، بدءًا من القرن الرابع على وجه التحديد، ستنشأ مشاكل جديدة مع تطور الرهبنة (monasticism)، ثم يظهر الاستقصاء على العذرية.

بدايةً، هناك إصرار في النصوص المسيحية النسكية على مشكلة الامتناع عن ممارسة الجنس، وعدم الإفراط في الأكل، وعدم التفكير كثيرًا في الأكل؛ ببطء، تتطور صور الرغبة الجنسية/اللبيدوية (libidinal)، صور الشهوة. ومن ثم يجد المرء نوعًا معينًا من الخبرة والمواجهة، للعلاقة بالرغبات والجنس، وهو أمر جديد نوعًا ما. أما بالنسبة إلى المثلية الجنسية، فحتى لو وجدت على سبيل المثال في أعمال باسيليوس القيصري (Basile de Cesaree) إدانة للصداقة والمحبة بين الشباب في حد ذاتها، فإن ذلك لا يتعارض مع المجتمع بأكمله. ويبدو لي من المؤكد أن الإدانة الكبرى للمثلية الجنسية بالمعنى الدقيق للكلمة تعود إلى العصور الوسطى، بين القرنين الثامن والثاني عشر. ويذكر بوسويل بوضوح أن هذا يرجع إلى القرن الثاني عشر، ولكن هذه الإدانة ظهرت بالفعل في عدد معين من نصوص التوبة في القرنين الثامن والتاسع.

على أي حال، من الضروري تفكيك صورة الأخلاق اليهودية- المسيحية وتفسير حقيقة أن هذه العناصر وُضعت في مكانها الصحيح في عصور مختلفة حول ممارسات ومؤسسات معينة تنتقل من أوساط معينة إلى أخرى.

س/ بالعودة إلى بوسويل، فإن ما يبدو مفاجئًا بالنسبة لي هو أنه يتحدث عن ثقافة فرعية للمثليين في القرن الثاني عشر وكان من بين أعضائها الراهب (أ. دي رييفو) (A. de Rievaulx

ميشيل فوكو: في الواقع، كانت هناك بالفعل في العصور القديمة ثقافة الغلمانية التي يبدو أنها تتضاءل مع انحسار العلاقة بين الرجل والصبي في الإمبراطورية الرومانية. ويشرح أحد حوارات بلوتارخ هذا التحول، حيث يتم وضع جميع القيم الحديثة في صف المرأة الأكبر سنّاً من الصبي؛ إن علاقتهما هي التي تحظى بالتقدير. وعندما يظهر عاشقان صبيان، يتم السخرية منهما قليلاً. من الواضح أنهما منبوذان في القصة، وعلاوة على ذلك يختفيان من نهاية الحوار. وبالتالي كانت ثقافة الغلمانية تتضاءل. ولكن بالمناسبة، لا ينبغي لنا أن ننسى أن الرهبنة المسيحية قدمت نفسها بوصفها استمرارًا للفلسفة. ومن ثم، فإننا نتعامل مع مجتمع أحادي الجنس. وبما أن المطالب النسكية الرفيعة المستوى التي كانت تفرضها الرهبنة الأولى قد تراجعت بسرعة، وإذا اعترفنا بأن الأديرة كانت وحدها هي التي تمثل الثقافة في بداية العصور الوسطى، فإننا نمتلك كل العناصر التي قد تفسر لماذا يمكننا أن نتحدث عن ثقافة فرعية للمثليين. وإذا أضفنا إلى ذلك عناصر التوجيه الروحي، ومن ثم الصداقة والعلاقة العاطفية المكثفة بين الرهبان الأكبر سنًا والصغار، الذين اعتبروا ذلك احتمالاً للخلاص، فسوف نجد أن هذه الثقافة قد نشأت في شكل من أشكال النمط الأفلاطوني الذي كان محدداً سلفاً في العصور القديمة. وإذا اعترفنا بأن الأفلاطونية (Platonism) كانت تشكل إلى حد كبير القاعدة الثقافية لهذه النخبة الرهبانية والكنسية حتى القرن الثاني عشر، فإنني أعتقد أن هذه الفينومينن (Phenomenon) قد أصبحت مفهومة.

س/ لقد فهمت أن بوسويل كان يفترض وجود مثلية جنسية واعية.

ميشيل فوكو: يبدأ بوسويل بفصل طويل يبرر فيه مساره، ولماذا يتخذ المثليين وثقافة المثليين كخيط توجيهي لتاريخه. وفي الوقت نفسه، فهو مقتنع تمامًا بأن المثلية الجنسية ليست ثابتة عبر التاريخ. وتتلخص فكرته في الآتي: إذا كان للرجال علاقات جنسية فيما بينهم، سواء بين شخص بالغ وصبي صغير في المدينة أو في الدير، فإن هذا ليس فقط بسبب تسامح الآخرين تجاه شكل معين من أشكال الفعل الجنسي، بل إنه يعني بالضرورة ثقافة؛ أي أساليب التعبير، والتقدير، وما إلى ذلك، وبالتالي اعتراف الأشخاص أنفسهم بالطبيعة المحددة لهذه العلاقات. يمكننا أن نتقبل هذه الفكرة ما دامت لا تعني فئة جنسية أو مجسدة ثابتة، بل ظاهرة ثقافية تتغير مع الوقت مع الحفاظ على نفسها في صياغتها العامة: علاقة بين أفراد من نفس الجنس تستلزم أسلوب حياة يكون فيه الوعي بالتفرد بين الآخرين حاضراً. إن هذا الأمر يتجاوز نقطة معينة، فهو أيضاً جانب من جوانب الأحادية الجنسية. ويمكننا أن نتخيل فرضية مماثلة، وهي ثقافة فرعية أنثوية حيث تفترض كون المرء امرأة أن لديها إمكانية إقامة علاقة مع نساء أخريات، وهو ما لا يُمنح لا للرجال ولا حتى للنساء الأخريات. ويبدو لي أن هذا الشكل من الثقافة الفرعية كان موجوداً حول صافو (Sappho) وأسطورة صافو.

س/ في الواقع، تتجه بعض الأبحاث النسوية الحديثة في هذا الاتجاه، وتتعلق بشكل خاص بالنساء التروبادور (troubadors) (١٠)، اللواتي تتوجه نصوصهن إلى نساء أخريات. ولكن التفسير صعب؛ لأننا لا نعرف ما إذا كن مجرد بوق لبعض النبلاء مثل تروبادور الرجال. ولكن هناك بعض النصوص التي تتحدث مثل كريستين دي بيزان (Christine de Pisan) عن "الجنس الأنثوي" وتثبت أنه كان هناك وعي معين بثقافة أنثوية مستقلة، معرضة للخطر أيضًا من قبل مجتمع الرجال. هل يجب أن نتحدث هنا عن ثقافة مثلية أنثوية؟ لا يبدو لي أن مصطلح "مثلي" فعال للغاية عند تطبيقه على النساء.

ميشيل فوكو: فعليًا، يحمل المصطلح معنى أكثر دقة وصرامة في فرنسا منه في أمريكا. على أي حال، يبدو لي أن بوسويل، عندما يفترض على الأقل ثقافة مثلية ذكورية، لا يتناقض مع نفسه فيما يتعلق بالأطروحة التي تقول إن المثلية الجنسية ليست مجسمًا ثابتًا يتم قمعها أحيانًا وقبولها أحيانًا أخرى.

س/ في كتابك "تاريخ الجنسانية" تحلل الخطاب حول الجنس، كما ينتشر في العصر الحديث، ولكن في هذا الخطاب حول الجنس يبدو أن المثلية الجنسية غائبة، على الأقل حتى حوالي عام 1850

ميشيل فوكو: أودّ أن أفهم كيف تتحول بعض السلوكيات الجنسية الى مشاكل في لحظة معينة، وتثير التحليلات، وتشكل موضوعات للمعرفة. نحاول فك رموز هذه السلوكيات وفهمها وتصنيفها. والأمر المثير للاهتمام ليس التاريخ الاجتماعي للسلوكيات الجنسية، أو علم النفس التاريخي للتوجهات فيما يتعلق بالجنسانية، بل تاريخ إشكالية هذه السلوكيات.

هناك عصران ذهبيان في إشكالية "المثلية الجنسية" أو "الأحادية الجنسية"؛ أي العلاقات بين الرجال والرجال، والرجال والصبيان؛ الأول هو عصر اليونان والفترة الهلنستية الذي انتهى تقريبًا خلال الإمبراطورية الرومانية. إن آخر الشهود العظماء على هذا العصر هم حوار بلوتارخ، وأطروحات ماكسيم دي تير، وحوار لوقيان. وفرضيتي هي أن هؤلاء الناس ـ على الرغم من كون هذه الممارسة شائعة ـ تحدثوا عنها كثيراً لأنها خلقت مشكلة.

وفي المجتمعات الأوروبية كانت الإشكالية أكثر مؤسسية من كونها لفظية: فقد اتخذت مجموعة من التدابير والملاحقات القضائية والإدانات فيما يتصل بأولئك الذين لم نكن نسميهم بعد بالمثليين، ولكن منذ القرن السابع عشر فصاعداً كانوا يطلقون عليهم لقب السدوميين (اللوطيين). إنها قصة معقدة للغاية، وأود أن أقول إنها تتألف من ثلاث مراحل.

منذ العصور الوسطى كان هناك قانون ضد اللواط يعاقب عليه بالإعدام، ولكن نادرا ما كان يتم تطبيقه. ولابد أن ندرس الاقتصاد الذي أحاط بهذه المشكلة، ووجود القانون، والإطار الذي طبق فيه، والأسباب التي جعلته لا يطبق إلا في بعض الحالات. أما الجانب الثاني، فهو ممارسات الشرطة فيما يتصل بالمثلية الجنسية، والتي كانت واضحة للغاية في فرنسا في منتصف القرن السابع عشر، وهي الحقبة التي كانت المدن موجودة فيها بالفعل، حيث كان هناك نوع معين من المراقبة الشرطية، وحيث نلاحظ على سبيل المثال اعتقالات جماعية نسبياً للمثليين جنسياً ـ في حديقة لوكسمبورغ، أو سان جيرمان دي بري، أو القصر الملكي. ونلاحظ عشرات الاعتقالات؛ حيث يتم تدوين الأسماء، ويتم اعتقال الأشخاص لعدة أيام أو إطلاق سراحهم ببساطة. ويظل البعض في زنازين الحبس الانفرادي دون محاكمة. ويتم إنشاء نظام كامل من المصائد والكمائن والتهديدات، من قبل الضباط وجواسيس الشرطة، ويتم إنشاء عالم خاص للتعقب في وقت مبكر للغاية، في القرنين السابع عشر والثامن عشر. إن الملفات الموجودة في مكتبة الأرسنال تتحدث بوضوح: العمال، والكهنة، والجنود، وكذلك أعضاء الطبقة الدنيا من النبلاء تم اعتقالهم. وكل هذا مسجل في إطار مراقبة وتنظيم عالم من العاهرات ـ النساء المحتجزات، والراقصات، والممثلات ـ الذي تطور بشكل كامل في القرن الثامن عشر. ولكن يبدو لي أن مراقبة المثلية الجنسية بدأت قبل ذلك بقليل.

وأخيراً، المرحلة الثالثة: من الواضح أنها الدخول الصاخب للمثلية الجنسية إلى مجال التفكير الطبي في منتصف القرن التاسع عشر. وقد حدث ذلك بشكل أكثر وضوحاً خلال القرن السابع عشر وبداية القرن التاسع عشر. إنها الفينومينن اجتماعية ذات نطاق واسع، وأكثر تعقيداً من مجرد اختراع بسيط من قبل الأطباء.

س/ هل تعتقد، على سبيل المثال، أن التصنيفات والأعمال الطبية التي قام بها هيرشفلد (Hirschfeld) في بداية القرن العشرين كانت سبباً في عزل المثليين جنسياً؟

ميشيل فوكو: صحيح أن هذه التصنيفات كانت تستخدم لإضفاء صفة المرض على المثلية الجنسية، ولكنها كانت في الوقت نفسه تصنيفات دفاعية، وباسمها يمكن المطالبة بالحقوق.

المشكلة لا تزال قائمة إلى حد كبير: بين التأكيد أن "أنا مثلي الجنس" ورفض التصريح بذلك، تكمن جدلية غامضة للغاية. إنه تأكيد ضروري لأنه تأكيد على حق، ولكنه في الوقت نفسه قفص وفخ. وفي يوم من الأيام سوف يصبح السؤال "هل أنت مثلي؟" طبيعياً مثل السؤال "هل أنت أعزب؟". ولكن لماذا يؤيد المرء هذا الالتزام بالاختيار؟ لا يستطيع المرء أن يثبت نفسه في موقف ما، بل يتعين عليه أن يحدد الاستخدام الذي يصنعه وفقاً للحظة.

س/ في مقابلة أجريتها مع مجلة "Gai Pied" تقول إن المرء لابد أن "يكون عازمًا على أن يصبح مثلي الجنس"، وفي الختام تتحدث عن علاقات متنوعة ومتعددة الأشكال. ألا يشكل هذا تناقضاً؟

ميشيل فوكو: القول "إن المرء لابد أن يكون عازمًا على أن يصبح مثلي الجنس"، يضع المرء في بُعد، حيث تكون الخيارات الجنسية التي يتخذها حاضرة ولها تأثيراتها على حياتنا بالكامل. كما أعني أن هذه الخيارات الجنسية، لابد وأن تكون في الوقت نفسه إبداعية في أساليب الحياة. فالمثلية الجنسية تعني أن هذه الخيارات تنتشر عبر الحياة بأكملها، وهي أيضاً طريقة معينة لرفض أنماط الحياة القائمة؛ وجعل الاختيار الجنسي عاملاً في تغيير الوجود. 

إن عدم كونك مثلي الجنس يعني أن تقول: "كيف يمكنني الحد من تأثيرات اختياري الجنسي بطريقة لا تتغير فيها حياتي بأي شكل من الأشكال؟" أود أن أقول إن المرء لابد وأن يستخدم الجنس لاكتشاف أو اختراع علاقات جديدة. فالمثلية الجنسية تعني أن تكون في حالة من النشوء. وللرد على سؤالك، أود أن أضيف أنه ليس من الضروري أن تكون مثليًا جنسيًا، ولكن من الضروري أن تكون مصمّمًا على أن تكون مثليًا.

س/ هل هذا هو السبب الذي يجعلك تؤكد أن المثلية الجنسية ليست شكلاً من أشكال الرغبة، بل شيء مرغوب فيه؟

ميشيل فوكو: نعم، وأعتقد أن هذه هي النقطة المحورية. إن التساؤل حول علاقتنا بالمثلية الجنسية لا يقتصر على مجرد الرغبة في إقامة علاقة جنسية مع شخص من نفس الجنس، حتى وإن كان ذلك مهماً؛ بل يتعلق بالرغبة في عالم، حيث تكون هذه العلاقات ممكنة.

2. خطورة جنسانية الأطفال (١١):

ميشيل فوكو: لقد وافقنا نحن الثلاثة على المشاركة في هذا البث (حيث تم الاتفاق عليه مبدئياً منذ عدة أشهر) للسبب التالي. لقد تطورت الأمور على جبهة واسعة النطاق، وبطريقة ساحقة وغير قابلة للعكس للوهلة الأولى، لدرجة أن العديد منا بدأوا يأملون في أن يتم تخفيف النظام القانوني المفروض على الممارسات الجنسية لدى معاصرينا وكسره في النهاية.

هذا النظام ليس قديماً إلى هذا الحد، حيث إن قانون العقوبات لعام 1810 (١٢) لم يقل سوى القليل عن الجنسانية، وكأن الجنسانية ليس من اختصاص القانون؛ ولم يصبح التشريع المتعلق بالجنسانية قمعياً بشكل متزايد إلا خلال القرن التاسع عشر وخاصة في القرن العشرين، في زمن بيتان (Petain) أو تعديل ميرغيت (Mirguet) (1960) (١٣). ولكن على مدى السنوات العشر الماضية أو نحو ذلك، كان من الواضح أن هناك حركة في الرأي العام والأخلاق الجنسية لصالح إعادة النظر في هذا النظام القانوني. ولقد تم تشكيل لجنة لإصلاح قانون العقوبات، وكانت مهمتها مراجعة عدد من المواد الأساسية في ذلك القانون. ولقد اقرت هذه اللجنة بالفعل، ولابد أن أقول بكل جدية، ليس فقط بإمكانية تغيير أغلب المواد في تشريعاتنا الحالية المتعلقة بالسلوك الجنسي، بل وأيضاً بالحاجة إلى ذلك. ولقد ناقشت هذه اللجنة، التي انعقدت منذ عدة أشهر، هذا الإصلاح المتعلق بالتشريعات الجنسية في أيار وحزيران الماضيين. وأعتقد أن المقترحات التي كانت تتوقع أن تطرحها كانت من النوع الذي يمكن أن نطلق عليه الليبرالية.

ولكن يبدو أن حركة في الاتجاه المعاكس بدأت تظهر منذ عدة أشهر. وهي حركة مثيرة للقلق ـ أولاً لأنها لا تقتصر على فرنسا. فلنأخذ على سبيل المثال ما يحدث في الولايات المتحدة، مع الحملة التي تشنها أنيتا براينت (Anita Bryant) ضد المثليين جنسياً، والتي وصلت إلى حد الدعوة إلى القتل. إنها فينومينن (phenomenon) يمكن ملاحظتها في فرنسا. ولكننا في فرنسا نراها من خلال عدد من الوقائع الخاصة المحددة، والتي سنتحدث عنها لاحقاً (من المؤكد أن جان دانيت (Jean Danet) وجاي هوكينغهيم (Guy Hocquenghem) سيقدمان لنا أمثلة)، ولكنها وقائع تبدو وكأنها تشير إلى أننا في كل من ممارسة الشرطة والقانون نعود إلى مواقف أكثر عنفًا وصرامة. ومن المؤسف أن هذه الحركة، التي يمكن ملاحظتها في ممارسات الشرطة والقانون، كثيراً ما تدعمها حملات صحفية، أو نظام إعلامي تنفذه الصحافة. وعلى هذا، فإننا نجري مناقشتنا هذا المساء في ظل وضع حركة شاملة تتجه نحو الليبرالية، والتي تتبعها فينومينن رد الفعل، والتباطؤ، وربما حتى بداية عملية معاكسة.

جاي هوكينغهيم (١٤): قبل ستة أشهر أطلقنا عريضة تطالب بإلغاء عدد من المواد في القانون، وخاصة تلك المتعلقة بالعلاقات بين البالغين والقاصرين دون سن الخامسة عشرة وإلغاء تجريم العلاقات بينهم. وقد وقع على العريضة كثير من الناس، وهم أشخاص ينتمون إلى مجموعة واسعة من المناصب السياسية، من الحزب الشيوعي إلى السيدة دولتو (Dolto) (١٥). لذا، فهي عريضة وقع عليها كثير من الناس الذين لا يشتبه في كونهم من البيدوفيليين (pedophiles) بشكل خاص أو حتى في تبنيهم لآراء سياسية متطرفة. ولقد شعرنا أن حراكًا معينًا بدأ في الظهور، وقد تأكد هذه الحراك من خلال الأدلة المقدمة إلى لجنة إصلاح قانون العقوبات. ما نستطيع أن نراه الآن، إذن، ليس فقط أن هذا النوع من الحراك هو نوع من الوهم الليبرالي، بل إنه في الواقع لا يرقى إلى مستوى التحول العميق في النظام القانوني، سواء في الطريقة التي يتم بها التحقيق في القضية أو في الطريقة التي يتم بها الحكم في المحكمة. وعلاوة على ذلك، على مستوى الرأي العام، وعلى مستوى وسائل الإعلام الجماهيرية، والصحف، والإذاعة، والتلفزيون...إلخ، بدأ العكس هو الذي يحدث، مع استخدام حجج جديدة. وتتعلق هذه الحجج الجديدة أساسًا بالطفولة؛ أي باستغلال المشاعر الشعبية ورعبها العفوي من أي شيء يربط بين الجنس والطفل. وهكذا يبدأ مقال في مجلة نوفيل أوبسرفاتور (Nouvel Observeateur) ببضعة ملاحظات مفادها أن "البورنوغرافيا (pornography) الإباحية التي تتضمن الأطفال هي الكابوس الأمريكي المطلق، ولا شك أنها الأكثر فظاعة في بلد خصب بالفضائح". عندما يقول شخص ما إن البورنوغرافيا التي تتضمن الأطفال هي الفضائح الأكثر فظاعة في الوقت الحاضر، فلا يسع المرء إلا أن يدهش من التفاوت بين هذه ـ البورنوغرافيا التي تتضمن الأطفال، والتي ليست حتى دعارة، وبين كل ما يحدث في العالم اليوم ـ وما يتعين على السكان السود أن يتحملوه في الولايات المتحدة على سبيل المثال.

إن هذه الحملة كلها حول البورنوغرافيا وحول الدعارة، وكل تلك الفينومينا (phenomena) الاجتماعية ـ التي تثير الجدل على أيّ حال ـ لا تؤدي إلا إلى فرضية أساسية واحدة: "إن الأمر يصبح أسوأ عندما يكون الأطفال راضين، وأسوأ من ذلك إذا لم يكن الأمر بورنوغرافياً أو مدفوع الأجر"، ...إلخ. وبعبارة أخرى، فإن السياق التجريمي برمته لا يخدم إلا في إبراز جوهر الاتهام: إنك تريد ممارسة الحب مع الأطفال بموافقتهم. وهذا لا يخدم إلا التشديد والتأكيد على الحظر التقليدي، والتشديد بطريقة جديدة، وبحجج جديدة، على الحظر التقليدي للعلاقات الجنسية التي قد تتم بين البالغين والقاصرين دون عنف، ودون مال، ودون أي شكل من أشكال الدعارة.

جان دانيت: نحن نعلم بالفعل أن بعض الأطباء النفسيين يرون أن العلاقات الجنسية بين الأطفال والبالغين تسبب لهم دائماً صدمة نفسية. وإذا لم يتذكر الطفل هذه العلاقات، فإن ذلك يرجع إلى بقائها في اللاوعي لديه، ولكن في كل الأحوال فإن الطفل يظل متأثراً بها إلى الأبد، وسوف يصاب باضطراب عاطفي. وعلى هذا، فإن ما يحدث مع تدخل الأطباء النفسيين في المحكمة هو التلاعب بموافقة الأطفال، والتلاعب بكلماتهم. ثم هناك استخدام آخر ـ وهو استخدام حديث إلى حد ما، على حد اعتقادي ـ للتشريعات القمعية، وهو استخدام لابد من الانتباه إليه؛ لأنه قد يستخدمه النظام القانوني كتكتيك مؤقت لسد الثغرات. في الواقع أن الممرضات والمعلمين وغيرهم في المؤسسات التأديبية التقليدية ـ السجون والمدارس والملاجئ ـ كانوا يتبعون نظاماً صارماً للغاية. وكان رؤساؤهم يراقبونهم عن كثب كما يراقبون نزلاء السجون. ومن ناحية أخرى، في الهيئات الجديدة للسيطرة الاجتماعية، أصبحت السيطرة من خلال التسلسل الهرمي أكثر صعوبة.

إننا قد نتساءل عما إذا كنا نشهد استخداماً للتشريعات التي تسنها القوانين العامة؛ فتحريض قاصر على ارتكاب فعل غير أخلاقي، على سبيل المثال، يمكن استخدامه ضد الأخصائيين الاجتماعيين والمعلمين. وأودّ أن أشير بشكل عابر إلى أن فيليروت كان مدرساً، وأن جاليان كان طبيباً حتى ولو لم تكن هذه الأفعال قد وقعت في وقت كان يمارس فيه مهنته؛ ففي عام 1976، تمت محاكمة المدرس في مدينة نانت بتهمة تحريض القاصرين على القيام بأفعال غير أخلاقية، في حين أن ما فعله في الواقع هو توفير وسائل منع الحمل للأولاد والبنات الذين كانوا تحت رعايته. وعلى هذا، فإن القانون العام يبدو أنه استُخدم هذه المرة لقمع المعلمين والأخصائيين الاجتماعيين الذين لم يقوموا بمهمتهم في السيطرة الاجتماعية على النحو الذي كانت ترغب فيه التراتبيات الهرمية وقياداتهم. ففي الفترة ما بين 1830 و1860، كانت هناك بالفعل قوانين موجهة على وجه التحديد إلى المعلمين: وقد نصت بعض الأحكام على هذا صراحة، حيث إن المادة 334 من قانون العقوبات ـ التي تنطبق على أشخاص معينين، مثل المعلمين، وتتعلق بتحريض القاصرين على ارتكاب أفعال منافية للأخلاق ـ استُخدِمَت في قضية لم تكن متعلقة بمعلم. لذلك يمكننا أن نرى إلى أي مدى يبحث هذا التشريع في نهاية المطاف عن أماكن قد ينزلق فيها «المنحرفون المحتمل أن يفسدوا الشباب». وكان القضاة مهووسين بهذا الأمر، فلم يتمكنوا من التوصل إلى تعريف للانحرافات. وكان من المفترض أن يقوم الطب والطب النفسي بذلك نيابة عنهم. وفي منتصف القرن التاسع عشر كان لديهم هاجس واحد: إذا كان المنحرف موجوداً في كل مكان، فلابد وأن يشرعوا في تعقبه في أخطر المؤسسات، والمؤسسات المعرضة للخطر، بين السكان المعرضين للخطر، رغم أن المصطلح لم يكن قد اخترع بعد. إن كان من الممكن أن نصدق لفترة من الوقت أن التشريعات سوف تنسحب، فلم يكن ذلك لأننا تصورنا أننا نعيش في فترة ليبرالية، بل لأننا كنا نعلم أن أشكالاً أكثر دقة من الرقابة الجنسية سوف تنشأ، وربما كانت الحرية الظاهرية التي تخفي هذه الضوابط الاجتماعية الأكثر دقة وانتشاراً سوف تمتد إلى ما هو أبعد من المجال القضائي والجنائي. ولكن هذا ليس بالضرورة هو الحال دائماً، ومن الممكن تماماً أن نصدق أن القوانين القمعية التقليدية سوف تعمل جنباً إلى جنب مع شكل أكثر دقة من أشكال الرقابة، وهو شكل غير معروف حتى الآن من أشكال علم الجنس والذي من شأنه أن يغزو كل المؤسسات، بما في ذلك المؤسسات التعليمية.

ميشيل فوكو: يبدو لي أننا وصلنا إلى نقطة مهمة. صحيح أننا نشهد تغييراً حقيقياً: ولكن من غير المحتمل أن يكون هذا التغيير مؤاتياً لأي تخفيف حقيقي للتشريع المتعلق بالجنسانية. وكما أظهر جان دانيت، فقد صدرت مجموعة كبيرة جدّاً من التشريعات تدريجياً، وإن لم يكن ذلك بلا صعوبة، طيلة القرن التاسع عشر. ولكن هذه التشريعات تميزت بحقيقة غريبة مفادها أنها لم تكن قادرة على تحديد العقوبة التي كانت تفرضها. فقد كانت التحرشات تعاقب، ولكن لم يكن هناك تعريف لها. وكانت الأفعال الفاحشة والشائنة تعاقب، ولم يكن أحد قد ذكر قط ما هو الشائن والفاحش. وكان القانون يهدف إلى الدفاع عن الحشمة؛ ولم يكن أحد يعرف قط ما هي الحشمة. وفي الممارسة العملية، كلما كان من الضروري تبرير تدخل تشريعي في مجال الجنس، كان القانون المتعلق بالحشمة يُستَخدَم دائماً. ويمكننا أن نقول إن كل التشريعات المتعلقة بالجنسانية التي تم إدخالها منذ القرن التاسع عشر في فرنسا كانت عبارة عن مجموعة من القوانين المتعلقة بالحشمة. من المؤكد أن هذا الجهاز التشريعي، الذي يستهدف هدفاً غير محدد، لم يستخدم قط إلا في الحالات التي اعتبر فيها مفيداً من الناحية التكتيكية. والواقع أن حملة كاملة شنت ضد المعلمين. وكانت هناك فترة استخدمت فيها ضد رجال الدين. واستخدم هذا التشريع لتنظيم فينومينن دعارة الأطفال، التي كانت بالغة الأهمية طيلة القرن التاسع عشر ما بين 1830 و1880. ونحن ندرك الآن أن هذه الوسيلة، التي كانت تتمتع بميزة المرونة؛ لأن هدفها لم يكن محدداً، لم تعد قادرة على البقاء عندما أصبحت هذه المفاهيم المتعلقة بالفحش والحشمة والتحرش ينظَر إليها بوصفها تنتمي إلى نظام معين من القيم والثقافة والخطاب؛ ففي ظل الانفجار البورنوغرافي والأرباح التي ينطوي عليها، وفي هذا الجو الجديد، لم يعد من الممكن استخدام هذه الكلمات وجعل القانون يعمل على هذا الأساس.

ولكن ما ينشأ الآن ـ وهو السبب الذي يجعلني أعتقد أن الحديث عن مشكلة الأطفال كان أمراً بالغ الأهمية ـ هو نظام جزائي جديد، ونظام تشريعي جديد، لا تقتصر وظيفته على معاقبة الجرائم التي تخالف هذه القوانين العامة المتعلقة بالآداب العامة، بل حماية مجموعات وأجزاء من المجموعات التي تعدّ عرضة للخطر بشكل خاص. وبعبارة أخرى، فإن المشرع لن يبرر الإجراءات التي يقترحها بقوله: يجب الدفاع عن الآداب الكلية للبشرية، بل سيقول: إن هناك أشخاصاً قد تصبح جنسانيتهم خطراً دائماً عليهم. ويندرج تحت هذه الفئة بالطبع الأطفال، الذين قد يجدون أنفسهم تحت رحمة جنسانية البالغين الغريبة عنهم، والتي قد تكون ضارة بهم. ومن هنا جاء مشروع قانون يستند إلى فكرة المجموعات المستضعفة، أو "المجموعات المعرضة للخطر"، كما يقولون، وإلى مجموعة كاملة من المعرفة النفسية والطب النفسي المستمدة من التحليل النفسي ــ ولا يهم حقاً ما إذا كان التحليل النفسي جيداً أم سيئاً ــ وهذا من شأنه أن يعطي الأطباء النفسيين الحق في التدخل بشكل مضاعف.

بدايةً، وبعبارات عامة، نقول: نعم، بالطبع، يتمتع الأطفال بجنسانية، ولا يمكننا أن نعود إلى تلك المفاهيم القديمة حول كون الأطفال طاهرين ولا يعرفون ما هي الجنسانية. ولكننا نحن علماء النفس أو المحللين النفسيين أو الأطباء النفسيين أو المعلمين، نعلم تمام العلم أن جنسانية الأطفال جنسانية محددة، لها أشكالها الخاصة، وفترات نضجها الخاصة، وذروتها الخاصة، ودوافعها الخاصة، وفترات كمونها الخاصة أيضاً. إن جنسانية الطفل هذه تشكل إقليماً له جغرافيته الخاصة التي لا يجوز للبالغين دخولها. إنها إقليم عذراء، إقليم جنسي، بطبيعة الحال، ولكنها إقليم لابد وأن يحافظ على عذريته. لذلك، سيتدخل البالغ الراشد كضامن لتلك الخصوصية الجنسانية للأطفال من أجل حمايتها. ومن ناحية أخرى، في كل حالة على حدة، سيقولون: هذه حالة لشخص بالغ يجلب جنسانيته الخاصة إلى جنسانية الطفل. وقد يكون الطفل، بجنسانيته الخاصة، قد رغب في ذلك البالغ، وربما وافق، وربما قام بالخطوات الأولى. قد نتفق حتى على أنه هو الذي أغوى البالغ؛ لكننا نحن المتخصصين بالمعرفة النفسية نعلم تمام العلم أن حتى الطفل الذي يغوي يتعرض، في كل حالة، لخطر الضرر والصدمة بسبب حقيقة أنه خاض علاقات جنسية مع شخص بالغ. وبالتالي، يجب "حماية الطفل من رغباته الخاصة"، حتى عندما تتجه رغباته نحو شخص بالغ، حيث الطبيب النفسي هو الشخص الذي سيكون قادرًا على القول: يمكنني التنبؤ بحدوث صدمة بهذا القدر من الأهمية نتيجة لهذا النوع أو ذاك من العلاقات الجنسية. وبناء على ذلك، فإن الإطار التشريعي الجديد ــ الذي يهدف أساساً إلى حماية بعض الفئات الضعيفة من المجاميع من خلال إنشاء سلطة طبية جديدة ــ سوف يرتكز عليه مفهوم الجنسانية، وفوق كل شيء العلاقات بين جنسانية الأطفال وجنسانية البالغين؛ هو مفهوم مثير للشكوك إلى حد كبير.

جاي هوكينغهيم: إن هناك خليطاً كاملاً من المفاهيم التي تجعل من الممكن اختلاق هذا المفهوم للجريمة أو الاعتداء على الحشمة، وهو خليط شديد التعقيد، ولا يتسع الوقت هنا لمناقشته بالتفصيل، ولكنه يشمل كلاً من المحظورات الدينية المتعلقة باللواط والمفاهيم الجديدة تماماً، التي أشار إليها ميشيل فوكو للتو، حول ما يعتقد الناس أنهم يعرفونه عن الفارق الكامل بين عالم الطفل وعالم البالغ.

ولكن الاتجاه العام اليوم لا يتجه بلا شك إلى اختلاق نوع من الجريمة بتلخيص العلاقة الإيروتيكية أو الحسية بين طفل ورجل راشد فحسب، بل وأيضاً، بما أنه يمكن عزل هذه العلاقة في شكل جريمة، إلى خلق فئة معينة من الفئات يتم تحديدها بحقيقة أنها تميل إلى الانغماس في هذه الملذات. وهناك إذن فئة معينة من المنحرفين، بالمعنى الدقيق للكلمة، من الوحوش الذين يهدفون في الحياة إلى ممارسة الجنس مع الأطفال. إن هؤلاء المجرمين يتحولون إلى وحوش منحرفة لا تطاق؛ لأن الجريمة بحد ذاتها أصبحت معروفة ومعترف بها، وتعززت الآن بفضل الترسانة التحليلية النفسية والاجتماعية. إن ما نقوم به هو بناء نوع جديد تماماً من المجرمين، مجرم فظيع إلى حد لا يمكن تصوره، حتى أن جريمته تتجاوز أي تفسير، وأي ضحية. إنه يشبه إلى حد كبير ذلك النوع من الوحوش القانونية، مصطلح "اعتداء بلا عنف": هجوم بلا عنف لا يمكن إثباته في أي حال من الأحوال ولا يترك أي أثر؛ لأن حتى المنظار الشرجي غير قادر على العثور على أدنى إصابة قد تبرر بطريقة أو بأخرى فكرة العنف. وهكذا، فإن الغضب العام على الحشمة يحقق هذا أيضًا إلى حد ما، ما دامت الجريمة المعنية لا تتطلب فعلًا علنيًا لارتكابها. وفي حالة "الاعتداء بلا عنف"، وهي الجريمة التي لم تتمكن الشرطة من العثور على أي شيء فيها، لا شيء على الإطلاق، في هذه الحالة يكون المجرم مجرماً ببساطة لأنه مجرم، ولأنه يتمتع بهذه الميول. وهذا ما كان يسمى في الماضي بجريمة الرأي.

ولنتأمل هنا قضية باراجانوف (Parajanov)، فحين وصل وفد إلى باريس لمقابلة ممثل السفارة السوفييتية لتقديم احتجاج، رد عليه الممثل السوفييتي قائلاً: إنكم في واقع الأمر لا تعرفون حقاً سبب إدانته؛ وقد أدين لاغتصابه طفلاً. وقرأ هذا الممثل الصحف: وكان يعلم تمام العلم أن هذا المصطلح كان يثير الخوف أكثر من أي مصطلح آخر. إن صفة هذا النوع من المجرمين، وبنية هذا الفرد المنحرف إلى الحد الذي جعله يرتكب عملاً كان من المعتاد أن يرتكبه أحد حتى ذلك الوقت دون أن يخطر ببال أحد أن يتدخل في أمره، تشكل خطوة بالغة الخطورة من الناحية السياسية. وحتى لو لم تبلغ هذه الخطوة نفس الأبعاد التي بلغتها الحملات ضد الإرهابيين، فإن هناك مع ذلك مئات القضايا التي تنظرها المحاكم كل عام.

وتشير هذه الحملة إلى أنه يجب اعتبار جزء معين من السكان من الآن فصاعدا مجرمين، ويجب ملاحقتهم في عمليات من نوع "مساعدة الشرطة"، وهذا ما حدث في قضية فيليروت. وقد أشار تقرير الشرطة باهتمام إلى أن السكان شاركوا في عمليات البحث، وأن الناس استخدموا سياراتهم للبحث عن المنحرف. إن الحركة تتغذى على نفسها بطريقة ما. فالجريمة تتلاشى، ولا أحد يهتم بعد الآن بمعرفة ما إذا كانت الجريمة قد ارتُكبت بالفعل أم لا، وما إذا كان شخص ما قد تعرض للأذى أم لا. ولا أحد يهتم حتى بما إذا كان هناك ضحية بالفعل. إن الجريمة تتغذى على نفسها بالكامل من خلال مطاردة الرجل، وتحديد وعزل فئة الأفراد الذين يُنظر إليهم على أنهم من البيدوفيليين. وتبلغ ذروتها في ذلك النوع من الدعوة إلى الإعدام بدون محاكمة التي تبثها الصحافة القذرة في الوقت الحاضر.

جان دانيت: صحيح أن المحامين الذين يدافعون عن هذه القضايا يواجهون الكثير من المشاكل. ولكنني أود أن أذكر شيئاً محدداً عن هذه المشاكل؛ ففي قضايا مثل قضية كرويسانت (Croissant)، اعتُبِر محامو الإرهابيين على الفور شركاء خطرين للإرهابيين (١٦). وأصبح كل من كان على اتصال بالقضية متورطاً فيها. وعلى نحو مماثل، يواجه الدفاع عن شخص أدين بارتكاب فعل فاضح مع قاصر، وخاصة في المقاطعات، مشاكل بالغة الخطورة؛ لأن العديد من المحامين لا يستطيعون ببساطة تحمل مثل هذا الدفاع، ويتجنبون القيام بذلك، ويفضلون أن يتم تعيينهم من قبل المحكمة؛ ذلك أن أي شخص يدافع عن بيدوفيلي قد يُشتبه في تعاطفه مع هذه القضية. وحتى القضاة يفكرون في أنفسهم: إذا دافعوا عنهم، فذلك لأنه لا يعارضها بنفسه. إنها مسألة خطيرة، وإن كانت مضحكة إلى حد كبير، وهي حقيقة يعرفها كل من اضطر إلى التعامل مع مثل هذه القضايا سواء في الأقاليم أو في باريس: فمن الصعب للغاية على المحامي أن يدافع عن مثل هذه القضية، وحتى في بعض الأحيان من الصعب العثور على محام على استعداد للقيام بذلك.

إن المحامي سيكون سعيداً بالدفاع عن شخص متهم بعشر سيدات عجائز. وهذا لا يزعجه على الإطلاق. ولكن الدفاع عن شخص لمس قضيب طفل/طفلة ولو لثانية واحدة، يمثل مشكلة حقيقية. وهذا جزء من النظام الكامل الذي يحيط بهذا النوع الجديد من المجرمين؛ أي البالغين الذين يقيمون علاقات إيروتيكية مع الأطفال.

إنني أعتذر عن الإشارة إلى التاريخ مرة أخرى، ولكنني أعتقد أنه من المفيد في هذا الشأن أن نشير إلى ما حدث في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. فعندما نُشرت رسالة مفتوحة إلى لجنة إصلاح قانون العقوبات، وتم وضع التوقيعات أسفل هذه الرسالة، لوحظ أن عدداً من علماء النفس وعلماء الجنس والأطباء النفسيين قد وقعوا عليها. وكان ما طالبوا به إذن هو إلغاء تجريم الأفعال غير الأخلاقية التي ترتكب مع القاصرين الذين تزيد أعمارهم عن خمسة عشر عاماً، وهو نظام مختلف للأفعال غير الأخلاقية مع القاصرين الذين تتراوح أعمارهم ما بين خمسة عشر وثمانية عشر عاماً، وإلغاء جريمة الفحش العام وما إلى ذلك. وحقيقة أن الأطباء النفسيين وعلماء النفس طالبوا بتحديث القانون في هذه النقطة لا تعني أنهم كانوا في صف أولئك الذين تعرضوا لمثل هذا القمع. ما أعنيه هو أنه لمجرد أن المرء منخرط في صراع ضد سلطة ما، في هذه الحالة، السلطات القانونية، فهذا لا يعني أنه في صف أولئك الذين يخضعون لها. إن هذا ما أثبتته ألمانيا، حيث اعترضت حركة كاملة منذ القرن التاسع عشر فصاعداً، منذ عام 1870، على قانون كان يستهدف المثليين جنسياً، وهو القانون الذي ينص على المادة 175 من قانون العقوبات الألماني. ولم يكن الأمر حتى جريمة معتادة، ولم تكن هناك حاجة إلى الاعتراف بمثلي الجنس؛ بل كان يكفي فعل مثلي جنسي واحد، مهما كان. وعلى هذا فقد نشأت حركة كاملة، تتألف من المثليين جنسياً، ولكن أيضاً من الأطباء والأطباء النفسيين، للمطالبة بإلغاء هذا القانون. ولكن إذا قرأنا الأدبيات التي نشرها هؤلاء الأطباء والأطباء النفسيون، فسوف يتضح لنا تماماً أنهم كانوا يتوقعون شيئاً واحداً فقط من إلغاء هذا القانون، ألا وهو أن يتمكنوا من السيطرة على المنحرفين بأنفسهم ومعالجتهم بكل المعرفة التي زعموا أنهم اكتسبوها منذ حوالي عام 1860.

وإن ما توصلنا إليه في "رسالة موريل عن الانحطاط" هو إنشاء تصنيف كامل للانحرافات؛ وكان هؤلاء الأطباء النفسيون يطالبون في واقع الأمر بتسليم المنحرفين إليهم، وبأن يتخلى القانون عن أي تعاملات قد تكون له مع الجنسانية، الذي يتحدث عنها بشكل سيئ للغاية وغير علمي، وبأن يكون بوسعهم معالجة الحالات بطريقة ربما تكون أقل عدوانية وأقل تصنيفية وأقل حجبًا من القانون؛ فهم وحدهم القادرون على تحديد من هو المذنب ومن هو المريض في كل حالة، واتخاذ القرار بهدوء بشأن التدابير التي يتعين اتخاذها (١٧). لست أقول إن هذا الأمر قد تم إنتاجه بنفس الطريقة، ولكن من المثير للاهتمام أن نرى كيف يمكن للسلطتين أن تتنافسا على الاستيلاء على "مجموعة المنحرفين" تلك.

ميشيل فوكو: لا أستطيع بكل تأكيد أن ألخص كل ما قيل؛ أعتقد أن هوكينغهيم أظهر بوضوح شديد ما كان يتطور فيما يتصل بشرائح المجموعات التي كان لابد من "حمايتها". ومن ناحية أخرى، هناك الطفولة، التي بطبيعتها معرضة للخطر ولابد من حمايتها من كل خطر محتمل، ومن ثم من أي فعل أو اعتداء محتمل. ومن ناحية أخرى، هناك أفراد خطرون، وهم في العموم بالغون بطبيعة الحال، حيث تتخذ الجنسانية، في النظام الجديد الذي يجري إنشاؤه، مظهراً مختلفاً تماماً عن المظهر الذي كانت عليه من قبل. في الماضي، كانت القوانين تحظر عدداً من الأفعال، بل إن عدداً كبيراً منها لم يكن من الممكن أبداً تحديد ماهيتها، ولكن القانون كان يهتم بالأفعال. وكان يدين بعض أشكال السلوك. والآن، ما نحدده، وبالتالي ما سيجده تدخل القانون والقاضي والطبيب، هو الأفراد الخطرون. إننا سوف نشهد مجتمعاً من المخاطر، حيث يوجد من جهة أولئك المعرضين للخطر، ومن جهة أخرى أولئك الذين يشكلون خطراً. ولن تعود الحياة الجنسية مجرد سلوك محاط بمحظورات محددة، بل ستصبح نوعاً من الخطر المتجول، أو شبحاً موجوداً في كل مكان، شبحاً يتجسد بين الرجال والنساء، والأطفال والبالغين، وربما بين البالغين أنفسهم، إلخ. وسوف تصبح الجنسانية تهديداً في كل العلاقات الاجتماعية، وفي كل العلاقات بين أفراد الفئات العمرية المختلفة، وفي كل العلاقات بين الأفراد. وعلى هذا الخفاء، وهذا الشبح، وهذا الخوف سوف تحاول السلطات السيطرة عليه من خلال تشريعات سخية على ما يبدو، وعامة على الأقل، من خلال سلسلة من التدخلات الخاصة التي ربما تقوم بها المؤسسات القانونية، بدعم من المؤسسات الطبية. وما سيكون لدينا هو نظام جديد للمراقبة على الجنسانية؛ وقد يتم إلغاء تجريمها في النصف الثاني من القرن العشرين، ولكن هذا لن يظهر إلا في شكل خطر، خطر عالمي، وهذا يمثل تغييراً كبيراً. وأود أن أقول إن الخطر يكمن هناك.

المناقشة:

بيير هان (PIERRE HAHN) (١٨): أودّ أن أشير ببساطة إلى عمل ظهر منذ نحو عشر سنوات، ولكن يبدو لي أنه مهم إلى حد ما في السياق الحالي. إنه عمل يتناول شخصية الاستعرائيين (exhibitionists) (١٩). من ناحية، إذن، هناك هذا التصنيف الذي يؤدي إلى استبعاد نوع معين من الاستعرائيين مما أسميه نظام إعادة التأهيل النفسي التحليلي، ومن ناحية أخرى، يتلخص هذا التصنيف في العودة، ولكن بطرائق مختلفة إلى حد ما، إلى فكرة مجرم بالفطرة. أودّ فقط أن أقتبس هذه الجملة من الكتاب؛ لأنها تبدو لي ذات مغزى، ثم سأشرح لماذا: "الانحراف الاستعرائي هو فئة من المنحرفين الاستعرائيين، حيث يتوافق هنا مع ظاهرة البتر الجذري لجزء من الغرائز، ويحدث هذا البتر في مرحلة ليست تناسلية ولا غير تناسلية في التطور الجنسي، ولكن في تلك المنطقة الغامضة حيث يبدو لي أن الشخصية والغريزة تشكلان إمكانات".

نعم، لقد عدنا إلى فكرة لومبروزو (Lombroso) عن مجرم الفطرة، والتي استشهد بها المؤلف نفسه للتو (٢٠). إنه شيء موجود بالفعل قبل الولادة، شيء يبدو أنه موجود في الجنين؛ وإذا ذكرت الجنين فذلك لأننا نشهد في الوقت الحاضر عودة قوية للأساليب القديمة، وإن كانت ربما ملفوفة في أشكال جديدة: أساليب مثل الجراحة النفسية، والتي قد يتم من خلالها، على سبيل المثال، إجراء عمليات جراحية في المخ للمثليين جنسياً، والبيدوفيليين، والمغتصبين. ومن ناحية أخرى، يتم إجراء بعض التلاعبات الجينية: وقد حصلنا على دليل على ذلك مؤخرًا، وخاصة في ألمانيا الشرقية. كل هذا يبدو لي مقلق للغاية. بطبيعة الحال، إنه قمع محض. ولكن، من ناحية أخرى، فهو أيضًا دليل على استخدام معين لنقد التحليل النفسي الذي يتسم إلى حد ما بالرجعية، كما أود أن أقول، بين قوسين.

إن الخبير الذي أشرت إليه في النص الذي اقتبسته يُدعى جاك ستيفاني (Jacqes Stephani)، وهو طبيب نفسي في بوردو ساهم في دراسة الشخصية الاستعرائية. ويقول هذا الخبير فعليًا إن القاضي، لابد وأن يعمل كعنصر واحد في عملية إعادة التأهيل العلاجي، إلا في الحالات القصوى، حيث يُنظَر إلى الشخص بصفته خارج نطاق التأهيل. وهذا هو المجنون الأخلاقي، المجرم بالفطرة في نظر لومبروزو.

والواقع أن هذه الفكرة القائلة إن التشريع والنظام القانوني والنظام الجزائي، بل وحتى الطب لابد وأن يهتموا في الأساس بالمخاطر، وبالأفراد الخطرين وليس بالأفعال، تعود إلى لومبروزو إلى حد كبير، ولذا فليس من المستغرب على الإطلاق أن نجد أفكار لومبروزو تعود إلى الأساليب. فالمجتمع لابد وأن يدافع عن نفسه ضد الأفراد الخطرين. فهناك أفراد خطرون بطبيعتهم، أو بالوراثة، أو بالشفرة الجينية، إلخ.

س/ أود فقط أن أسأل جاي هوكينغهيم، الذي قدم لنا لمحة عامة عن بعض الأمثلة على القمع المرتبط اليوم بهذا النوع من الفعل، كيف يمكننا أن ننشئ تحالفات استراتيجية للكفاح في هذا الجانب؟ إن الحلفاء الطبيعيين لهذا النوع من الحركات ـ ولنقل الجماعات التقدمية ـ يترددون إلى حد ما في التورط في هذا النوع من الأعمال. وتركز الحركات مثل الحركة النسائية أنشطتها على مشاكل مثل الاغتصاب، وتنجح في زيادة العقوبات على مثل هذه الأفعال.

جاي هوكينغهيم: لقد كنا حذرين للغاية في نص الرسالة المفتوحة إلى قانون العقوبات. لقد حرصنا بشدة على التحدث حصريًا عن الفعل الفاضح الذي لا يتضمن العنف وتحريض قاصر على ارتكاب فعل فاضح. كما حرصنا على عدم التطرق بأي شكل من الأشكال إلى مشكلة الاغتصاب، التي تختلف تمام الاختلاف. والآن أتفق معك في أمر واحد، وهو أننا جميعاً شاهدنا البرنامج التلفزيوني عن الاغتصاب وصدمنا جميعاً بردود الفعل التي أثارها في فرنسا، والتي وصل بعضها إلى حد المكالمات الهاتفية التي طالبت بإخصاء المغتصبين كيميائياً. وهناك مشكلتان هنا: مشكلة الاغتصاب بالمعنى الدقيق للكلمة، والتي عبرت عنها الحركة النسائية والنساء بشكل عام بوضوح تام، ولكن هناك مشكلة أخرى تتعلق بردود الفعل على مستوى الرأي العام. ويؤدي أحد هذه المشاكل إلى تأثيرات ثانوية تتمثل في مطاردة الرجال، أو الإعدام بدون محاكمة، أو التعبئة الأخلاقية.

جان دانيت: أودّ أن أضيف شيئاً في الرد على نفس السؤال. عندما نقول إن مشكلة الموافقة تشكل محوراً مركزياً في المسائل المتعلقة بالبيدوفيليا، فإننا لا نقول بطبيعة الحال إن الموافقة موجودة دائماً. ولكن ـ وهنا يمكننا أن نفصل بين موقف القانون فيما يتصل بالاغتصاب والبيدوفيلياـ ففي حالة الاغتصاب، يرى القضاة أن هناك افتراضًا بالموافقة من جانب المرأة وأنه يجب إثبات العكس. أما في حالة البيدوفيليا، فإن العكس هو الصحيح؛ إذ يُعتَقَد أن هناك افتراضاً بعدم الموافقة، وافتراضاً بممارسة العنف، حتى في الحالات التي لم توجه فيها تهمة ارتكاب فعل فاضح مصحوب بعنف، وحتى في حالة توجيه تهمة ارتكاب فعل فاضح دون استخدام العنف؛ أي مع الموافقة بالمتعة - لأنه لابد وأن يقال إن هذا الفعل دون عنف هو الترجمة القانونية القمعية للموافقة بالمتعة. ومن الواضح تماماً كيف يتم التلاعب بنظام الإثبات بطرائق متناقضة في حالة اغتصاب النساء وفي حالة الاعتداء الفاضح على قاصر.

س/ تساءل الرأي العام، بما في ذلك الرأي المستنير مثل رأي أطباء معهد علم الجنس، عن السن الذي يمكن أن يقال فيه إن الموافقة محددة، إنها إشكالية كبيرة؟

ميشيل فوكو: نعم، من الصعب إنزال الحواجز. الموافقة هي أحد الأشياء؛ وهي شيء مختلف تمامًا عندما نتعامل مع احتمال تصديق طفل عندما يتحدث عن علاقاته الجنسية، أو عواطفه، أو مشاعره الرقيقة، أو مخالطاته (غالبًا ما تكون الصفة الجنسية محرجة هنا؛ لأنها لا تتوافق مع الواقع)، قدرة الطفل على شرح ماهية مشاعره، وما حدث بالفعل، وإلى أي مدى يُصدقه الآخرون، هذه أشياء مختلفة تمامًا. حاليًا، عندما يتعلق الأمر بالأطفال، من المفترض أن يكون لديهم جنسانية لا يمكن توجيهها أبدًا نحو شخص بالغ، وانتهى الأمر.

ثانياً، يُفترض أنهم غير قادرين على التحدث عن أنفسهم، أو أن يكونوا على وعي كافٍ بأنفسهم. إنهم غير قادرين على التعبير عن مشاعرهم بشأن الأمر برمته. وبالتالي، لا يُصدقهم أحد، حيث إن الأطفال يُنظَر إليهم باعتبارهم غير قادرين على ممارسة الجنسانية، ولا يستطيعون التحدث عنها. ولكن الاستماع إلى طفل، وسماعه يتحدث، وسماعه يشرح ما كانت عليه علاقاته الحقيقية مع شخص ما، سواء كان بالغًا أم لا، إذا استمع المرء بقدر كافٍ من التعاطف، من شأنه أن يسمح له بتحديد درجة العنف التي تم استخدامها، إن وجدت، أو درجة الموافقة التي أعطيت. والافتراض أن الطفل غير قادر على شرح ما حدث، وأنه كان غير قادر على إعطاء موافقته، يشكل إساءة لا يمكن التسامح معها، بل إنها غير مقبولة على الإطلاق.

س/ لو كنت مشرعاً، فلن تضع أي حد وتترك الأمر للقضاة ليقرروا ما إذا كان الفعل الفاضح قد ارتُكب بموافقة أو بدونها؟ هل هذا هو موقفك؟

ميشيل فوكو: على أي حال، فإن الحاجز العمري الذي يفرضه القانون لا معنى له. مرة أخرى، يمكن الوثوق بالطفل ليقول ما إذا كان قد تعرض للعنف أم لا.

أخبرني أحد قضاة التحقيق، وهو من الليبراليين، ذات مرة عندما كنا نناقش هذه المسألة: قبل كل شيء، هناك فتيات في الثامنة عشرة من العمر يُجبرن عمليًا على ممارسة الجنس مع آبائهن أو أزواج أمهاتهن؛ قد يكون عمرهن ثمانية عشر عامًا، لكن هذا نظام إكراه لا يطاق. علاوة على ذلك، يشعرن بأنه لا يطاق، إذا كان الناس على استعداد للاستماع إليهن ووضعهن في ظروف تمكنهن من التعبير عما يشعرن به.

جاي هوكينغهيم: من ناحية أخرى، لم نضع أي حد عمري في نصنا. في كل الأحوال، لا نعتبر أنفسنا مشرعين، بل مجرد حركة رأي تطالب بإلغاء بعض التشريعات. ولا يتمثل دورنا في صياغة تشريعات جديدة. وفيما يتصل بمسألة الموافقة، فإنني أفضل المصطلحات التي استخدمها ميشيل فوكو: استمع إلى ما يقوله الطفل وامنحه مصداقية معينة. إن مفهوم الموافقة هذا فخ في كل الأحوال. والواقع أن المؤكد هو أن الشكل القانوني للموافقة بين الجنسين عبثي. فلا أحد يوقع عقداً قبل ممارسة الجنس.

ميشيل فوكو: الموافقة مفهوم تعاقدي.

جاي هوكينغهيم: إنه مفهوم تعاقدي بحت. عندما نقول إن الأطفال "موافقون" في هذه الحالات، كل ما نقصد قوله هو هذا: في كل الأحوال، لم يكن هناك عنف، أو تلاعب منظم من أجل انتزاع علاقات عاطفية أو جنسية منهم. إنها نقطة مهمة، وأكثر أهمية بالنسبة إلى الأطفال؛ لأنها انتصار مبهم لأن جعل القاضي ينظم احتفالاً يأتي فيه الأطفال، ويقولون إنهم كانوا موافقين بالفعل هو انتصار مبهم. إن التأكيد العلني على الموافقة على مثل هذه الأفعال أمر بالغ الصعوبة، كما نعلم. فالجميع ـ القضاة والأطباء والمتهمون ـ يعلمون أن الطفل كان موافقاً ـ ولكن لا أحد يقول شيئاً؛ لأنه لا توجد وسيلة لإثبات ذلك، بصرف النظر عن أي شيء آخر. إن الأمر لا يتعلق ببساطة بتأثير الحظر القانوني: فمن المستحيل حقاً التعبير عن علاقة كاملة بين طفل وبالغ ـ علاقة تقدمية طويلة تمر بكل أنواع المراحل، التي ليست كلها جنسية بحتة، من خلال كل أنواع العلاقات العاطفية. والتعبير عن هذا من خلال الموافقة القانونية أمر عبثي. وفي كل الأحوال، إذا استمعنا إلى ما يقوله طفل وقال "لم أمانع"، فإن هذا لا يحمل القيمة القانونية لـ "أوافق". ولكنني أيضاً أشك كثيراً في هذا الاعتراف الرسمي بالموافقة من جانب القاصر، لأنني أعلم أنه لن يتم الحصول عليها أبداً ولا معنى لها في كل الأحوال.

 

هوامش المترجم:

١. المصدر الأصلي للترجمة:

أ. التاريخ والمثلية الجنسية:

)Michel Foucault. 1989. History and Homosexuality. In: Michel Foucault, Foucault Live (Interviews, 1961- 1984). United States of America. pp. 363- 370.(

ب. خطورة جنسانية الأطفال:

Michel Foucault. 1988. THE DANGER OF CHILD SEXUALITY.https://www.ipce.info/ipceweb/Library/danger.htm

٢. حسام جاسم/ كاتب مستقل من العراق.

٣. أجرى الحوار كل من (ج. ب. جويكر، وم. أويرد، وأ. سانزيو). نُشر لأول مرة في مجلة (Masques)، العدد 13، ربيع 1982 تحت عنوان "تاريخ المثلية الجنسية في العصور القديمة".

٤. راجع، Kenneth James Dover, Greek Homosexuality. (Cambridge, MA: Harvard University Press, 1978).

٥. التمييز يكون حول الدور الذي يلعبه الفرد داخل العملية الجنسية بين الأفراد المثليين، حيث يتم تهميش دور الذي يقع علية فعل الإدخال الجنسي بما يسمى (Bottom)، والذي يتم اعتباره درجة ثانية أو خاضعًا أو سالبًا، حيث يتخلى عن السيطرة أثناء ممارسة الجنس ويتبع القيادة من الشخص الذي يتصدره، بل الوصمة المجتمعية تكون عليه أقوى من الدور الذي يلعبه الشخص المسيطر أثناء العملية الجنسية (الذي قام بفعل الإدخال (الإيلاج) الجنسي) بما يسمى (Top)، يتم اعتباره نشطا وموجبًا ومسيطرًا، حيث يحب العطاء فقط أثناء ممارسة الجنس، وتكون وصمة المجتمع السائدة عليه أقل من شريكه الآخر بنفس العملية (Bottom). تم استخدام هذه المصطلحات (top & bottom) لوصف التفضيلات الجنسية لدى الرجال المثليين في السبعينيات من القرن العشرين. هذا التهميش يتبع بنية المجتمع الفكرية حول تمجيد الذكورة والتحيز الجنسي لنوع معين دون آخر بسبب عدة عوامل منها الاختلافات في التربية والأخلاق والدين والسياسة وغيرها من التداخلات المجتمعية التي تفرض نفسها دون مبرر عقلي أو علمي. وخصوصا في المجتمعات الطبقية الأبوية، حيث تكون ذات طابع ذكوري ويكون هو المسيطر سياسيًا واقتصاديًا، فيفرض تعاليمه اجتماعيا وكذلك على سرير العلاقات الجنسية بين الأفراد. أما العلاقة الجنسية السليمة، فهي علاقة تحاور جسدي لا مكان فيها (لأدنى أو أعلى) أو (سلبيًا أو إيجابيًا) بل الكل يكون متفاعلا ومستمتعا بالقدر الذي يراه مناسبا. وتتساوى فيها الأطراف الداخلة في العملية الجنسية لأجل الحب والاستمتاع.

٦. أحادي الجنس (monosexual)/ هو انجذاب رومانسي أو جنسي لأفراد من نفس الجنس أو الجندر فقط. في مناقشات التوجه الجنسي، يستخدم هذا المصطلح أساسا في مقابل ازدواجية الميول الجنسية أو الهويات الجامعة الجنسية والتعددية الجنسية.

٧. راجع، Lillian Faderman, Surpassing the Love of Men. (New York: William Morrow 1980).

٨. مجلة (Gai Pied)/ مجلة فرنسية شهرية ثم أسبوعية، أسسها جان لو بيتو. تم اقتراح اسم المجلة من قبل ميشيل فوكو، الذي كتب مقالاً للعدد الأول واستمر في المساهمة بالمواد للمجلة طوال وجودها. تم بيع العدد الأول من هذه المجلة في ألفي كشك في جميع أنحاء فرنسا في الأول من أبريل 1979. توقفت عن الصدور 1991.

٩. راجع، John Boswell, Christianity, Social Tolerance, and Homosexuality. (Chicago University of Chicago Press, 1980: .

١٠. التروبادور (troubadors)/ هو شاعر أو موسيقي عاش في القرون الوسطى، وكان يؤدي أدواراً منشداً أشعار ألفها عند الملوك والسلاطين في الجنوب الشرقي لفرنسا وسرقسطة في مملكة أراغون وضواحيها بالخصوص. أصل هذا النوع الموسيقي هو أندلسي، اسم الكلمة مشتق من طرب ودور. وكانوا يعزفون الموسيقى متنقلين بين القصور؛ أي كانوا يدورون من قصر إلى آخر. بدأت مدرسة أو تقليد التروبادور في أواخر القرن الحادي عشر في أوكسيتانيا، لكنها انتشرت لاحقًا إلى شبه الجزيرة الإيطالية والإيبيرية. تتناول نصوص أغاني التروبادور بشكل أساسي موضوعات الفروسية والحب الملكي. وكانت معظمها ميتافيزيقية وفكرية ونمطية. وكان العديد منها ساخرًا أو مبتذلًا.

١١. حوار ميشيل فوكو مع جاي هوكينغهيم وجان دانيت، أنتجه روجر بيلودين وبثته إذاعة فرنسا الثقافية في 4 أبريل 1978. تم نشره باسم «La Loi de la pudeur».

١٢. قانون العقوبات لعام 1810: جزء من قانون نابليون. تحدد هذه المجموعة المكونة من 485 مادة الجرائم والجرائم والجنح بالإضافة إلى العقوبات الناتجة عنها. صدر في 12 فبراير 1810

١٣. تعديل ميرغيت: صدر في 18 يوليو 1960 كتعديل للمادة 38 من الدستور الفرنسي لعام 1958 (4 أكتوبر 1958). وأعلنت ضرورة مكافحة جميع التهديدات التي تتعرض لها الصحة العامة، وعلى وجه التحديد السل والسرطان وإدمان الكحول والبغاء والمثلية الجنسية كأهداف للمكافحة، حيث يهدف إلى اتخاذ جميع التدابير المناسبة لمكافحة المثلية الجنسية، والمصنفة على أنها آفة اجتماعية وقد ضاعف هذا التعديل الحد الأدنى لعقوبة الفحش العام عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الجنسية المثلية. وقد أزيل في عام 1980 بناء على اقتراح حكومة ريمون باغ.

١٤. جاي هوكينغهيم/ (1946- 1988) كاتبًا وفيلسوفًا ومنظرًا للكوير فرنسيًا. من أعماله: الرغبة المثلية (1972)، رحلات المثليين: دليل ونظرة عامة على المدن الكبرى للمثليين (1980).

١٥. دولتو (Dolto)/ محللة نفسية سريرية فرنسية تركز أبحاثها على الأطفال، بشكل خاص على الجوانب النظرية لسوء التكيف المبكر.

١٦. كرويسانت (Croissant)/ محامي جماعة الجيش الأحمر. طلب اللجوء في فرنسا لكنه كان ضحية التسليم إلى ألمانيا عام 1978. تولى فوكو قضية كرويسانت وكتب العديد من المقالات نيابة عنه في مرصد نوفيل.

١٧. بينيديكت أوغستين موريل (1809-1873) / درس مؤسسة الأمراض النفسية في أوروبا وأعاد صياغة الإجراءات القسرية المستخدمة ضد المرضى العقليين.

١٨. بيير هان (١٩٣٦- ١٩٨١) / مؤرخ فرنسي ومن أوائل الناشطين في الدفاع عن المثلية الجنسية في فرنسا، ويعد أول من حصل على درجة الدكتوراه في تاريخ المثلية الجنسية في فرنسا. من مؤلفاته: كتاب حياة المثليين في ظل الإمبراطورية الثانية في فرنسا، ١٩٧٩. وكتاب الانحرافات الجنسية، ١٩٧٤. انتحر عام ١٩٨١

١٩. الاستعراء/ هو فعل كشف أجزاء حميمة من الجسم في سياق عام أو شبه عام - على سبيل المثال، الثديين أو الأعضاء التناسلية أو الأرداف، حيث ينطوي الاستِعراء على تعريض أو كشف الأعضاء التناسلية لإثارة الشهوة الجنسية، أو يكون لدى الشخص رغبةٌ قوية في أن يُلاحظَه أشخاصٌ آخرون في أثناء النشاط الجنسي. أمَّا الاضطرابُ الاستِعرائي، فينطوي على العمل على تحفيز الرغبات أو التخيُّلات الاستِعرائيَّة، أو المعاناة من الضيق أو عدم القدرة على العمل بسبب تلك الرغبات والتخيُّلات. تم استخدام المصطلح لأول مرة في عام 1877 من قبل الطبيب النفسي الفرنسي شارل لازيه. بالرغم من أن هناك مراجع طبية ذكرت الأمر قبله. يقوم المُصابون بالاستِعراء (الذكور عادة) بعَرض أعضائهم التناسلية، أمام الغرباء غير المُتوقَّعين عادة، ويُصبحون مُثارين جنسيًا عندَ القيام بذلك. وقد يكونون على بيِّنة من حاجتهم إلى المفاجأة أو الصدمة أو التأثير في المُراقب غير الراغِب. وتكون الضحيَّةُ هي امرأة أو طفل دائمًا تقريبًا. ولكن، لا يلجأ أبدًا إلى الاتصال الجنسي الفعلي، لذلك نادرًا ما يرتكب المُصابون بالاستِعراء جريمةَ الاغتصاب. يقوم الأطباءُ بتشخيص الاضطراب الاستِعرائي عندما يشعر الأشخاص بالضيق الشديد أو يصبحون أقلّ قدرة على العمل بشكل جيّد بسبب سلوكهم، أو عندما يتصرّفون بناءً على رغباتهم مع شخص لا يوافق على ذلك.

٢٠. سيزار لومبروزو (1836-1909) / إيطالي مؤسس لعلم الإجرام. افترض نظرية تميز الأفراد «العاديين» عن الأنواع الإجرامية.