الجهاد ضدّ الوطن: اعتبار البلدان العربية دار حرب في إيديولوجيا الحركات الجهادية
فئة : أبحاث عامة
الجهاد ضدّ الوطن*
اعتبار البلدان العربية دار حرب في إيديولوجيا الحركات الجهادية
الملخّص:
تقدّم هذه الورقة قراءة في البنية الفكرية الإيديولوجية التي ترتكز عليها الحركات الجهادية الإسلامية المعاصرة، محاولة استكشاف الخلفيات التي تجعل أنصار هذه الحركات يعتقدون بأنّ البلدان العربية والإسلامية ومجتمعاتها المعاصرة دار حرب وأرض جهاد. وقد حاولت هذه القراءة أن تبيّن العلاقة الصميمية التي أسّس لها منظور الحاكمية بين الإسلام، أو التوحيد الإسلامي، باعتباره تحكيما للشرع الإلهي من جهة، والجهاد باعتباره فريضة من أجل تكريس هذا التوحيد/الحاكمية من جهة ثانية، ونقض الفكرة الوطنية الحديثة، بما في ذلك فكرة وجود وطن يجمع جزءا من المسلمين يشتركون في الدولة والأرض والسيادة من جهة ثالثة. وعلى هذا النحو تمثّل فكرة الحاكمية مفتاحا من مفاتيح فهم الظاهرة الجهادية الإسلامية الراهنة في البلدان العربية والإسلامية.
تعليقاً على اغتيال أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في مايو/أيار 2011، قال الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية التونسية: إنّ "الحديث عن بن لادن هو حديث عن منهاج القاعدة، هذا المنهاج لا يجد سنداً حقيقياً في الجهاد الإسلامي، إنّه استخدام سيّئ غير مشروع لمفهوم إسلامي صحيح هو مفهوم الجهاد". بهذا المعنى، فإنّ القاعدة، حسب تقدير الغنوشي، "قد انتهت قبل أن يموت بن لادن من خلال الثورة التونسية المباركة وما تلاها من ثورات فتحت أمام المسلمين الطريق أمام العصر"[1].
بيد أنّ التطوّرات السياسية والاجتماعية والأمنية التي عرفتها بعض البلدان العربية خلال السنوات الأخيرة جاءت بما يناقض تقديرات الشيخ الغنوشي واستشرافاته. ذلك أنّ الفكرة الجهادية أو المنهاج الجهادي القاعدي، نسبة إلى تنظيم القاعدة، أخذ نفساً جديداً خلال الفترة التي أعقبت اندلاع الحراكات الثورية العربية واغتيال أسامة بن لادن، وظهر ذلك خاصة في تنامي الحركات والجماعات التي تتبنّى هذه الفكرة الجهادية وفي استقطابها لعدد أكبر من الشباب العربي والمسلم، وفي بروز تنظيم داعش (دولة الإسلام في العراق والشام) باعتباره الجناح الأكثر راديكالية الذي تربّى في حضن القاعدة، قبل أن ينفصل عنها ويغدو، في ظرف فترة وجيزة، التنظيم الأبرز في اجتذاب الجهاديين والحركات الجهادية الإسلامية.
حوّلت هذه التطوّرات شطراً من البلدان العربية، وتحديداً البلدان التي اندلعت فيها ثورات، إلى "دار حرب"، لا على مستوى التنظير والتخيّل الإيديولوجيين فحسب، بل على المستوى العملي والواقعي، أي حوّلتها إلى مسارح لعمليات مسلّحة دامية، يسمّيها منفذّوها جهاداً في سبيل الله وحرباً على الطاغوت، ويسمّيها الآخرون إرهاباً وقتلاً وحشياً. واللافت للانتباه أنّ دار الحرب أصبحت واقعاً سوسيولوجياً، ليس في سوريا فحسب التي لم يسقط نظامها الاستبدادي ومصر التي أُجهض فيها مسار التحوّل الديمقراطي، بل كذلك في اليمن وليبيا اللتين انحدرتا إلى وضع الفوضى الشاملة والحرب الأهلية، وفي تونس التي مازال فيها مسار الانتقال الديمقراطي قائماً. لقد أصبحت جيوش المجاهدين وخلاياهم المتيقظة والنائمة لاعباً رئيساً في مسارات بلدان الثورات العربية، وإن بدرجات متفاوتة. هذا فضلاً عن العراق الذي ما فتئت الظاهرة الجهادية تتوسّع وتتغوّل فيه منذ احتلاله وإسقاط نظام حزب البعث سنة 2003، والجزائر التي مازلت تعالج بقايا البنية التنظيمية الجهادية التي تشكّلت في تسعينات القرن الماضي.
لقد بان بوضوح أنّ ما حدث في بعض البلدان العربية من زوال لأنظمة الاستبداد وإشاعة للحريات العامة والخاصة لم يؤدِ إلى أفول العمل الجهادي أو تقلّصه في هذه البلدان، بل أدّى إلى تطوره وتناميه فيها، وهذا واضح في حالات العراق وتونس وليبيا. وهو ما يدعونا إلى قراءة بنية الفكر الجهادي وتتبع الخلفيات التي تجعله يعتبر البلدان العربية والإسلامية ومجتمعاتها المعاصرة دار حرب وأرض جهاد.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
* هذه الدراسة جزء من الملف البحثي "الجهاد، الشهادة، الشهيد" الذي نشر في موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود بتاريخ 24 نوفمبر 2015
[1]- "ماذا بقي من القاعدة بعد الثورات؟ تصريح صحفي لراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة"، الفجر (أسبوعية تصدر عن حركة النهضة) 06/5/2011