الحركة النسائية الإسلامية، هل هي حركة أصيلة؟
فئة : مقالات
سأبين في هذا المقال فكرة رئيسية هي: أن الحركة النسائية "الإسلامية" لا تنفصل عن أشكال استيعاب وتحويل الحداثة الغربية التي تطبع المجتمع العربي والإسلامي المعاصر. وهذا ما يتبين من خلال ما أضحينا نسمعه عن بنك إسلامي ولبــــاس إسلامي وحزب إسلامي وحداثة إسلامية...الخ. ويبدو أن الحركة النسائية الإسلامية لا تنفصل عن هذا المنطق. وأقصد بالحركة النسائية الإسلامية، ما يعرفه المجتمع العربي الإسلامي المعاصر من دينامية، على مستوى إنشاء هيئات نسائيه ومطالبات "بإنصاف" المــرأة وولوجها إلى الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية أسوة بالرجل. وسيتعين بالتالي أن نتساءل: هل تشكل التنظيمات النسائية الإسلامية حركة "أصيلة" أم ارتداد ومقاومة لمد الحداثة والعولمة؟
الحالة المغربية:
في مقالة تحت عنوان " الحركة النسائية الإسلامية" تناقش الباحثة جيلي بروزان[1] في الحركة النسائية الإسلامية المغربية في دراسة قامت بها هذه الأخيرة على شخصيات قيادية هي: عزيزة البقالي (رئيس منظمة تجديد الوعي النسائي)، وبثينة القروري ( رئيس منتدى الزهراء)، وبسيمة الحقاوي (عضو الأمانة العامة لحــــــــــزب العدالة والتنمية). وفي ما يلي ملخص الرد:
أشارت عزيزة البقالي أن الباحثة جيلي بروزان خلصت إلى أن "منظمة تجديد الوعي النسائي" عارضت خطة إدماج المرأة في التنمية بسبب مناقضتها للإسلام وللعادات المغربية، والصواب أن المنظمة لم ترفض الخطة كاملة، وإنما تعارض كونها إملاءً خارجيًا، وترفض مرجعيتها التي تقول بسمو المعاهدات الدولية عن المرجعية الوطنية، وهذا ما تختلف معه المنظمة اختلافًا جذريًا، حسب تعبير عزيزة البقالي. وترفض، من جهة أخرى، عزيزة البقالي "الوصف التي سحبته الدراسة على نساء حركة التوحيد والإصلاح إذ أطلقت عليهم صفة النزعة المحافظة، دون تحديد مدلولها ومضمونها وهو ما قد يثير إشكالات والتباسات، لاسيما عند المتلقي الغربي الذي ترسبت لديه مفاهيم سلبية عن مفهوم المحافظة". كما اعتبرت أن المنظمة النسائية التي تترأسها تضم بعضًا من النساء غير المحجبات، تدليلاً على الانفتاح ، وعلى أن تنظيمهن لا يدين التحديث والتجديد. في حين ردت بثينة القروري على الدراسة، مؤكدة على ضعف إلمام صاحبتها بطبيعة الأنشطة التي يباشرها منتدى الزهراء، موضحة أن المنتدى يضطلع بأنشطة ذات طابع حقوقي تتعلق بقضايا المرأة، ولا يحصر اهتماماته بالجانب الاجتماعي فقط، كما ورد ذلك في الدراسة. وتضيف أن الانطباع الذي يمكن أن نلمسه من خلال الدراسة ، والذي يمكن أن يصور تجربة المنتدى كتجربة انغلاقية ومحافظة، هو انطباع خاطئ، مؤكدة على انفتاح المركز على جميع التجارب النسائية العالمية، وتضيف أن المنتدى يدافع عن الحقوق الأساسية للمرأة المتمثلة في الحرية والمساواة والتعليم ورفع التمثيلية في المؤسسات المنتخبة. أما بسيمة الحقاوي (عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية) فانتقدت "المرجعية اللبيرالية والعلمانية" للدراسة، معتبرة أن التغيير يجب أن يتم من منطلق خصوصية المجتمع المغربي، وأن دور المرأة الناشطة في حزبها الإسلامي فاعل وليس رمزيًا، مؤكدة على أن حزب العدالة والتنمية، الذي تنتمي، يشتغل وفق قواعد الممارسة السياسية الجاري العمل بها في كل الأحزاب المغربية، وأن ليس هناك أي إقصاء لحضور المرأة. ويمكن لنا ان نلاحظ، بوضوح، كيف أن القياديات الثلاثة تقاطعن في ثلاث نقاط رئيسة، وهي:
أولاً؛ في أن الدراسة جانبت الموضوعية والدقة في التحري، والسقــوط في أحكام مسبقة وصور نمطية عن التنظيمات الإسلامية؛ وخاصة عندما خلصت الباحثة في دراستها، إلى أن الحركة النسائية الإسلامية ذات طابع محافظ.
ثانيًا؛ في رفض اعتبار الحركة النسائية الإسلامية حركة محافظة، مع إظهار حساسية خاصة نحو هذه الصفة.
ثالثاً؛ وفي مقابل ذلك، التأكيد على خاصية " الانفتاح": انفتاح على العصر وعلى التجارب النسائية العالمية، والإقرار بالدور الريادي للنساء في التنـــــظيمات الإسلامية، وعلى قدرة هذه التنظيمات على الفعل والتجديد والاستقلالية.
نجد في هذه التصريحات حرصًا شديدًا على التأكيد على أن الحركة النسائية أصيلة، في فكرها، وفي منهجها، وفي وسائل عملها. كما تسعى هذه الردود، أيضًا، إلى إبراز قدرة الحركة على التجديد ومواكبتها لـ "روح العصر". والحال أن التنظيمات الإسلامـــــية، والنسائية على الخصوص، تتعامل بانتقائية كبيرة مع مقومات الحداثة، دون أن تنتبه إلى أن منطق الحداثة، من حيث خلفيته الفلسفية، هو منطق شمولي غير قابل للاجتزاء. وتتمثل هذه الانتقائية في الدعوة إلى إعادة قراءة الثراث الديني من جديد، لكي يستوعب التحولات التي لحقت بنية الأسرة وبنية العمل، جراء التمدن و"تمدرس" المرأة، وما ترتب عليه من تغيير في الأدوار الاجتماعية لكل من الرجل والمرأة، ولكن، مع تسقيف مسبق، مما يفرغها من معناها ويحول دون إدراك غاياتها، بل لا تعمل سوى على إعادة الانتاج. خاصة عندما يتعلق ذلك "الاجتهاد" بوضع الأسرة والمرأة وبالجنسانية. ألا يشكل ذلك التفافًا مؤقتًا على مسار الحداثة؟ ألا يشي ذلك بأن التقليد الديني يستشعر ضعفه أمام الطابع الاكتساحي للحداثة؟
الحداثة و طابعها الاكتساحي:
يشرح بيرمان مارشال في كتابه "حداثة التخلف" قول ماركس الشهير " كل ما هو صلب يتحول إلى أثير" قائلاً: " أن نكون من أبناء الحداثة أو التحديث يعني لن نجد أنفسنا في بيئة تعدنا بالمغامرة والقوة والمتعة والنمو وبالقدرة على تحويل انفســــــــــنا والعالم، كم أنه وفي نفس الوقت، يحمل تهديدًا بتدمير كل ما لدينا، كل ما نعرفه، وكل ما نكونه. إن البيئات و التجارب الحداثية تخترق جميع حدود الجغرافيا والأمم، جميع حدود الطبقات والدول، وجميع حدود الأديان الأيديولوجيات...فأن تكون حداثيًا يعني، أن تكون جزءًا من عالم " كل ما هو صلب فيه يتبدد و يغدو أثيرًا."[2] لقد شكلت الحداثة، بالمعنى الذي يتحدث به عنها بيرمان مارشال، تحديًا حقيقيًا بالنسبة للمجتمعات العربية الإسلامية؛ أولاً، عندما داهمها الاستعمار في بداية القرن العــــشرين، وثانيًا، بسبب العولمة، وما وفرته من إمكانات هائلة على الانفتاح على العوالم الأخرى، بفضل التقنية. لاشك أن ذلك يولد ردود فعل سلبية لدى مجتمع لا يتعرف إلى ذاته إلا من خلال الدين، كالعالم العربي الإسلامي، ولعل هذا ما يفسر "الارتداد إلى دفئ الرموز التقليدية ".[3] سيكون من المفيد أن نتساءل عما إذا كانت حركة الإسلام السياسي في العالم العربي الإسلامي، بتنظيماته السياسية والمدنية، تندرج ضمن حركة " الارتداد" و"مقاومة " الإغراء الذي تمارسه الحداثة، والعمل على إضفاء "الطابع الإسلامي" عليها. لهذا الارتداد ما يزكيه، خاصة مع " تخلي " الحداثة عن وعودها بالتقدم والازدهار للبشرية جمعاء، والتي أطلقها فلاسفة عصر الأنوار. وقد سبق أن أشار جيل كيبل إلى أن "حركات العودة إلى الدين" تقدم نفسها بديلاً عن الأديولوجيات العلمانية التي هيمنت في العالم العربي، أي اللبيرالية والشيوعية والقومية.
الحركة النسائية الإسلامية تقليد أم "تقلدة "؟
نتصور أن الحركة النسائية الإسلامية لا تخرج عن هذا المنطق؛ أي منطق التحــــويل والاستيعاب الذي يلجأ إليه التقليد إزاء مظاهر الحداثة. لعل هذا ما كان يقصده عبد الله العروي في كتابه " أزمة المثقفين العرب"، عندما أكد على قصور التحليلات السوسيولوجية الغربية لمفهوم التقليد : فماكس فيبر يعرف الفعل التقليدي بأنه الفعل الذي يحصل من تلقاء نفسه ، وهو أيضًا الفعل الموجه إلى توقعات ترتكز على عادات قائمــة لا تصدر، لذلك، عن حساب عقلاني. و قد عرف كارل منهايم التقليدانية بأنها شكل من الفعل العفوي، غير المدروس، والمتطابق مع تقاليد وعادات معينة، فيما رأى ريزمان أن المجتمع التقليدي هو الذي يتطابق فيه الفعل والفكر والأحكام ليس مع القناعات الداخلية أو ما يشابهها أو مع الرأي العام، و لكن الذي يتطابق فيه مع قيم ونماذج سلوك منقولة بواسطة التقليد.[4] يكشف العروي عن قصور هذا التحليل، معتبرًا أن هذا النوع من التحليل يخلط بين التقليد كواقعة اجتماعية وبين التقليد كقيمة، بحجة أن هذا هو ما يميز المجتمعات التقليدية . وينتج عن هذا الخلط – حسب العروي – أن تحديد التقليد يكون "سلبيًا": عندما نحدد التقليد بالبداوة واللاتاريخانية، فإننا لا نعمل سوى على الترجمة السلبية لخاصيات المجتمع الحديث، أي مجتمع ما بعد القرن الثامن عشر[5]. إن تحديد التقليد بمجرد الوفاء للماضي يبقى ناقصًا، لأن التقليد لا يوجد إلا عندما نقبل الجدة تحت حجاب الوفاء للماضي. يسمح لنا هذا التحليل بالقول أن الحركات النسائية الإسلامية – بما هي تعبير عن تقليد واع بذاته - تشكل حركة تقلدة traditionalisation)) وليس تقليدانية ((traditionalisme، إنها العملية التي تقوم بها نخبة معينة تجد نفسها في وضعية الدفاع الذاتي ضد من يهدد مصالحها. و بذلك نفهم لماذا يظهر التقليد كقوة لا تقاوم ، ذلك أنها تعضد المجتمع ضد أي تدخل أجنبي. وفي نفس الوقت تظهر هذه القوة قدرة كبيرة على التغيير، متى بدا انفتاح ملموس للنخبة المشكلة والداعمة لها.[6] إن الحركة النسائية الإسلامية تعبير عن تقليد نشط ودينامي يترسخ ويستمر، وتعود مهمة استمراره إلى النخبة السياسية والثقافية. يتمثل ذلك في استيعابها لآليات العمل السياسي الحديث وإدراكها لأهميته. إن الانخراط في الدينامية التي يعرفها المجال السياسي، والاشتغال من داخل المؤسسات والتكتيك المباشر في العمل الجمعوي، يكشف عن وعي حداثي متقدم، أو بالأحرى إنه التلقيد يلبس رداء الحداثة، إنه يفعل ذلك ليقاوم ويستمر.
الحركة النسائية و مطلب اصلاح الشريعة:
يمكن للملاحظ أن يميز بين شكلين للتنظيمات النسائية داخل المجتمع العربي:
1.تنظيمات نسائية علمانية ذات توجه حداثي، تتميز بـ "جرأتها" في اقتراح الإصلاحات التشريعية التي تخص وضع المرأة، وهي في الغالب تعد سليلة تنظيمات سياسية لبرالية أو يسارية.
2.تنظيمات نسائية إسلامية أصولية، ما يميزها هو أنها تجعل من الدين المصــــــــدر والأفق للممارسة النسائية، وتؤطر الاجتهادات بإسلام أصولي ماهوي يلتقي في نهاية المطاف مع أهداف الإسلاميين.
يمكن للملاحظ أن يتبين نساءً محجبات فاعلات في الميدان، وفي بناء مجتمع "عادل"، كما تعد النزعة الإسلامية. ومع ذلك ما يطبع سلوك هذه الحركات هو التحفظ الكبير إزاء إصلاح التشريعات التي تخص المرأة، ويمكن في هذا السياق أن نستحضر حالة الحركات النسائية الإسلامية المغربية، التي تحفظت على بعض مواد ما سمي "بالخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية". إذا كانت الحداثة من خلال آليات التصنيع والتمدين والعقلنة، تساهم في "حسر" العوالم الدينية، وتمثل نزعًا للطابع السحري عن العالم، فإن الحركات الأصولية، بشكل عام، تستمد مبدأ وجودها من مقاومة اكتساح الحداثة الغربية، ومن مواجهة القيم التي تستند إليها؛ إنها تلتوي على تلك السيرورة بتوليفات منها ما يسمى بالحركة النسائية الإسلامية.
نشر المقال بجريدة التجديد بتاريخ 04/01/2011[1]
[2] بيرمان مارشال، حداثة التخلف : تجربة الحداثة ، ترجمة فاضل جكتر، دار كنعان للدراسات و النشر ، دمشق، ط 1 ، 1993، ص.8
[3] سبيلا محمد ، مدارات الحداثة، منشورات عكاظ، الرباط، 1988، ص.110
[4] De clerq b.j Religion, ideologie et politique. Traduit du néerlandais par Emmannuel Brutsaert, CASTERMAN, 1968, p.87
[5]Laroui, A. La crise des intellectuels arabes, MASPERO, paris, 1974,p.45
[6] ibid