الدّيمُقراطيّة: بدايةُ التاريخ ونهايَتُه
فئة : مقالات
الدّيمُقراطيّة: بدايةُ التاريخ ونهايَتُه؛
قراءةٌ في المقالة الليبراليّة المُعاصرة
إنشاء الله مصطفى
باحث مغربي
يُقدّم هذا المقال عرضًا موجزًا عن السّرديّة اللّيبراليّة المعاصرةِ لنشأةِ الديمقراطيّة، كما نُسِجَت واجتُرَّت بحسبانها الرّواية الوحيدةَ الصحيحةَ لتاريخ هذا المفهوم. وفي معرض هذا العرضِ نُسائِلُ، بدايةً، البداياتِ الإغريقيّة لفكرة الدّيمقراطيّة في تاريخيّتها؛ ثمّ نحفرُ في التّربةِ الثّقافويّة (Culturaliste) الدينيّة المُخصّبةِ للتصوّرِ الليبراليّ المعاصرِ لها، حيثُ المسيحيّة منبعُ الحداثةِ والرّحم التي مِنها خرجت كلّ فكرة حديثة؛ ونبحثُ، تاليًا، في موقع الدِّيمُقرَاطِيّة في الخطاب الليبراليّ المعاصر كما عبّر عنه مارسيل غوشّيه (Marcel Gauchet) في الفلسفة السياسيّة، وفرنسيس فوكوياما (Fukuyama Francis) في عِلم السّياسية، بحسبانهما عيّنتينِ ممثِّلتين للنّزعة الغربويّ (Occidentaliste) للديمقراطيّة في المتن السياسيّ المعاصر. تُتيحُ هذه الإطلالة السريعة على السرديّة الغربويّة لقصّة الدِّيمُقرَاطِيّة كشفَ منسوب المركزيّة الغربيّة في السرديّة تلك وتحديد مميزاتها. لذلك، تمّ تقسيم هذه الورقة إلى مفاصل أربعة: يطرح الأوّل: "الديمقراطيّة في بداية التاريخ" سرديّة البدايات الإغريقية لفكرة الدِّيمُقرَاطِيّة بغرض وضْعها ضمن حدودها التاريخية، وكشْفِ المغيَّبِ منها عن الرواية المعياريّة الذائعة. أمّا المفصل الثاني: "نهاية التاريخ والعبقريّة المسيحيّة"، فيعرض لمحةً موجزةً عن الواجهة الثقافويّة للخطاب الليبراليّ المعاصر ممثَّلةً سردية الاستثناء المسيحيّ، الذي منه خرت "ديمقراطيّتنا" الحديثة. ويراجع المفصل الثالث: "الديمقراطيّة والخروج من الدّين" نموذجَ هذا الخطاب في الفلسفة السياسيّة لمارسيل غوشيه، بينما يقدّم المحور الأخير: "الدِّيمُقرَاطِيّة في نهاية التاريخ" نموذجَه (=الخطاب) في العلوم السياسيّة مع فوكوياما، لنصل، في ختام هذه الورقة، إلى استخلاص العناصر المشتركةِ الناظمة لسرديَّة الديمقراطيّة في المقالة الليبرالية المعاصرة.
أولًا: الديمقراطيّة في بداية التاريخ
في البدءِ كان الإغريق، هُم من اكتشفوا فضيلة السّياسة؛ وعلَّموا البشريّةَ فنّ التداوُل على السّلطة وأساليبَ الحُكم التشاوريِّ؛ وإليهم ــ حصرًا ــ يرجعُ الفضلُ في ميلاد أنجعِ نظامٍ لسياسة الاجتماع البشري هو النظامُ الديمقراطيُّ، حيث يَتداولُ المواطنون، "بكلّ حرّيّةٍ"، في شؤون السّياسة والدّولة و"يُقرِّرُون" مصيرهم بأنفُسِهم. على هذا النّحو، تنسِبُ السّرديّةُ الغربويّةُ، المُهيمنةُ في تاريخ الأفكار السياسيّة، جُذورَ الديمقراطيّة إلى التراث السياسيِّ اليُونانيِّ الكلاسيكيِّ، وتُضيف إليهِ التقاليدَ السياسيّةَ لمجتمعاتِ الحقبةِ الرومانيّةِ، وما أنتجتهُ الحداثةُ في أُوروبّا، قبل أنْ "ينتهيَ التاريخُ"، في أزمنتنا المُعاصرة، بانتصار النموذجِ الغربيّ (=الليبرالي) للديمقراطيّة. وعلى هذا النّحو، أيضًا، سار المتخصّصون في علوم السياسيّة والمؤرّخون في حقل تاريخ الأفكار، حين اعتمدوا على مَصادرَ مألوفةٍ، وافتراضاتٍ مسبقةٍ شائعةٍ حول ماهيّةِ الديمقراطيّة وأُصولها، بدلًا من مواجهة حقائق جديدة، وإنارةِ الأركانِ المعتمةِ في بنيان هذه الرواية الرائجة. لقد اكتفى هؤلاء بإعادة تدوير القصّة المُرضية والمريحة التي ألفناها جميعًا[1]، حتى أصبح الانتشارُ العالميُّ التدريجيُّ للتاريخ المعياريّ للديمقراطيّة خبرًا شائعًا منذ بداية الحرب الباردة، وفَشَت هذه القصص وارْتَقَت إلى مثابةِ الحكمةِ الصّحيحة والمقبولة، تَتَردّد إلى ما لا نهاية، بين السّياسيّين والأكاديميين ووسائل الإعلام وفي الفصول المدرسيّة، في أنحاءٍ شتّى من العالم، من دون نقدٍ ولا مُساءلةٍ[2].
لِنعد إلى أثينا لِفَحْصِ قصّة البدايات الإغريقيّة للديمقراطيّة، في ضوء تاريخها وتاريخيّتها، من طريق طرق الأسئلة التالية: كيف كانت صِلة فلاسفة أثينا بالديمقراطيّة حينئذ؟ وإلى أيّ حدٍّ مثّلت هذه المدينة "معجزةً" في التنظيم السياسيّ والاجتماعيّ؟ هل شهدت أثينا ــ حقًّا ــ على نظامٍ ديمقراطيٍّ؟
ما موقفُ الفلسفة السياسيّة الأثينيّة من الدِّيمُقرَاطِيّة؟ يُجيبُ المأثور من اليونان القديم أنّ أغلب ــ إنْ لم يكن جميعَ ــ فلاسفةِ السياسةِ والمشرّعين الإغريق ــ من الذين توفّرت أعمالهم ــ كانوا، بدرجاتٍ متفاوتةٍ، مؤيّدين لحُكمِ القلّة المُحتكرةِ للسّلطة أو لنظام الفرد المستبدّ، ولم يُبدوا إلاّ السّخط والنّقمة تجاه أيّ نظامٍ مساواتيّ يُوسِّعُ المشاركةَ السّياسيّةَ في الوظائف العامّة. أرسطو، وأفلاطون، وثيوسيديديس (Thucydide)، وزينوفون (Xénophon) نماذج من هؤلاء، الذين نظروا إلى الديمقراطيّة بحسبانها أسوأَ نُظُمِ الحكمِ، حيث يُغتصَبُ الموقعُ الطبيعيُّ للنخبةِ (الثرِيّة والمتعلمة) من قبلَ الإرادةِ "الوحشيّة والبهيميّة" للجماهير. لم تكتفِ هذه النخبة بكيل الشتائم لهذا النظام "الفاسد"، بل اجتهد بعضهم من أجل صناعة بدائل طوباويّة عن "ديمقراطية الدهماء" بالتنظير لنظامِ القلّة الفاضلة أو المَلكيّة الحكيمة، فيما ناصَر آخرون الحكم الأوليغارشيّ.
كيف كانت، إذن، علاقة أثينا بخبها، وهي ــ كما وُسِمَت لقرون ــ واحة الفكر والفلسفة؟ على الرّغم من الصّورة المُؤَسْطَرَةِ التي جعلت منها رحمًا أنجبت الفكرَ والحرّيّةَ والتّفلسفَ، كانت صلةُ أثينا بالفلسفة والفلاسفة "تراجيديّةً" و"دراميّةً"، وليسَ كما تُدووِلت على أنها علاقةُ أمٍّ بابنتها. لقد أعدمت أثينا أبا الفلسفة سقراط؛ وطردت قبلهُ أنكساغوراس، الذي جلب تُراث الفلسفة الأيّونيّةِ لكلٍّ من طاليس وأنكسماندريس وأنكسيمان إلى المدينة؛ واضطرّت أفلاطون ــ في أحيان كثيرة ــ إلى استعارةِ لسانِ سقراط لتمرير آرائه؛ وأَجبرت أرسطو على الفرار منها...إلخ. إنّ المدينة "المعجزة"، التي قُدّمت كواحةِ التفكير والإبداع هي ذاتها التي اضطهدت الفكر وحاربت الإبداع؛ والشّعبَ "الاستثنائيّ" المحبَّ للحكمة هو عينه من هاجم الفلاسفة وفضّل السّفسطة على العقل.
يبدو مما سبق أنّ مواجهة شعب أثينا للآراء المنتقدةِ لنظامه "الديمقراطيّ" بأشدّ العقوبات (=الإعدام) تومِئ بأنّه شعبٌ ديمقراطيّ. فهل شَهِدت أثينا حُكمًا ديمقراطيًّا حقًّا؟ بالعودة إلى تاريخ أثينا نكتشف أنّ الديمقراطيّة، التي أدانها الفلاسفة، لا تعني غير قلّة حرة من جماعة واسعة؛ إذ على الرّغم من استخدامِ الإغريقِ لكلمة الديمقراطيّة بمعنى حُكم الشّعب، فإنّ الشّعبَ كان ــ حصرًا ــ مجموع المواطنين الأحرار، الذين لا يحقّ إلاّ للرجال الراشدين منهم الترشح والتصويت(*) في الجمعيّة العموميّة، ونسبتُهم ساعتئذ كانت ما بين %6,5 و%11 من مجموع سكان أثينا. هكذا لم يكنِ النظام هذا الموسومُ بالديمقراطيّ والمنبوذُ من فلاسفة أثينا، سوى نظامِ قلّةٍ (حرّةٍ) متحكِّمةٍ في أكثريّةٍ واسعةٍ (مُستعبَدة) من ضمنها النساءُ ومَنْ هم دون الثلاثين من البالغين والعبيد، بل إنّ هذه المعطيات التاريخية تجعلنا نُرجّح بقوةٍ بأنّ أثينا ما عرفت نظامَ الحُكم الديمقراطيّ في تاريخها بالمعنى الذي منحته هي للنظام ذاك؛ أي بما هو نظامُ حُكمٍ مساواتيّ يضمّ الجميع.
ثانيًا: العبقريّة المسيحيّة وفكرة نهاية التاريخ
وُلدت، إذن، أسطورةُ الديمقراطيّة في كنف "المعجزة" الأثينيّة، لتمنح أوروبّا جيناتِ تفوّقها وفرادتها، قبل أنْ تحمل "العبقريّة" المسيحيّة الوعيَ السياسيّ الأوروبيّ، إلى الحداثة ــ وفق السرديّة المعياريّة الغربيّة ــ وتخرجَ الديمقراطيّة من الدّين لتَصِلَ، في حُلّتها الليبراليّة، بالتّاريخ إلى "نهايته". ليس تمّة انفصالٌ "ولا انقطاعٌ بين القرون الوُسطى وعصرِ النّهضة، ولا ثورة فلسفيّة البتّة، إنّما هيَ [كما يقول هانز بلومونبيرغ (Hans Blumenberg)] ديناميّةٌ تزخرُ بها المسيحيّة الأوروبيّة نفسها، وهي التي تضع أُسُسَ الدنيوِيّة (Sécularisation)".[3] هذه هي الفكرةُ عينها التي طوّرها مارسيل غوشيه (Marcel Gauchet) في كتابه زوال الأوهام عن العالم (Le désenchantement du monde)؛ حيث شرعَ في تعميقِ الميثولوجيا التي وضعها كلّ من هيغل وماكس فيبر، مشدّدًا على مركزيّةِ المسيحيّةِ الأوروبيّةِ في وعي الغرب[4] التي سمحت للديمقراطيّة بالانبثاق من جديدٍ.
هكذا، وعلى الرغم من أنّ الحداثة ما قامت إلّا على التمييز بين الدينيّ والدنيويّ، فإنَّ فلسفةً للتاريخِ غربويّةً أصرَّت على إعادة تعريف هذه الحداثة على أُسُسٍ ثقافويّةٍ وضعتِ المسيحيّة في قلب عوامل نهضةِ أوروبّا، زاعمةً أنّ القيم والأخلاقيّات المسيحيّة هي ما حمل أوروبّا على الليبراليّة والرأسماليّة والديمقراطيّة. بدأت هذه المركزيةُ الثقافويّةُ في أوروبّا مع شاتوبريان (François-René Chateaubriand)، من خلال كتابه العبقريّة المسيحيّة، وتعزّزت، نهاية القرن الثامن عشر بداية القرن التاسع عشر، برومنسيّة مثاليّة أفصحَ عنها فيشته (Johann Gottlieb Fichte)، وطوّرها هيغل، وفشت فُشُوًّا كبيرًا (هذه الثقافويّة) مع رينان وماكس فيبر وتوكفيل وغيرهم. وما تزال الصّلةُ وثيقةً، إلى اليوم الناس هذا، بين التيّار الثقافويّ الغربويّ والمسيحيّة؛ وما تزال هي مَعينًا رئيسًا للحداثةِ، وعلامةً مُميِّزةً لفرادة "الغرب"، وعلّة تقدّمه وتخلف غيره ("الشرق")؛ وما يزال الدين يُستدعى اليوم، في العالم الحديثِ، ليُؤصّل للديمقراطيّة ويُفسّرَ الاقتصادَ ويرسمَ السياسة ويحدّد وجهة التاريخ !
ثالثًا: الديمقراطية والخروج من الدين
مارسيل غوشيه كانَ واحدًا من أبرزِ فلاسفةِ السياسةِ المعاصرين المسْتمسِكين بـالدين كعاملٍ مفسِّرٍ لنشأةِ وتطوّرِ الديمقراطيّة. يقعُ سؤال الديمقراطيّة في متن فلسفتهِ السياسيّة وفي قلب سؤال صِلة السياسةِ بالدّين. مسارُ إفصاحِ الدِّيمُقرَاطِيّة عن ذاتها هو، عنده، عينهُ مسارُ العَلمَنَةِ التي عليها شهدت المجتمعات في الغرب؛ والسّبيلُ إلى الحداثة هو ذاتُه سبيلُ الخروج من الدين[5]. من طريق هذه الطريق انتقلت أوروبا من مجتمعاتٍ قابعةٍ في غياهب الظّلامِ رازحةٍ تحتَ نَيْرِ سُلطةٍ برّانيّةٍ متعاليةٍ عليها، إلى مجتمعاتٍ مدنيّةٍ في عالمٍ مستقلٍّ تقبضُ على مصيرها وتصنعه بفاعليّة وحريّة. وفي خِضمّ هذا المسارِ (مسار الخروج من الدين) تتكشَّفُ الديمقراطيّة وتفصح عن ذاتها.
استلزم خُروج الديمقراطيّة من الدّين، عند غوشيه، ثلاثَ محطّاتٍ رئيسة: مثّلَتِ المحطّة الأولى خروجها من الدين المتعالي الماورائيّ، وهي اللّحظة التي دشّنها لوثر لمّا قاد حركة الإصلاح الدينيّ. والعمليّة هذه (الخروج من الدين) هي، بالنسبة إلى غوشيه، صنيعٌ أوروبيٌّ مسيحيٌّ حصريٌّ، لم تكن لتتحقّقَ في غير دين المسيحيّة بفضلِ ــ ما يراه ــ ميزاتٍ مايَزَتِ المسيحيّة عن غيرها من الدّيانات، ومنها إمكانيّة الفصل بين الديني والدنيويّ.
أمّا اللّحظةُ الثانيةُ لنشأةِ الديمقراطيّة، فتمثّلت في أزمةِ التوتاليتاريّة النّاجمة، في نظرِ غوشيه، من أزمةِ الديمقراطيّة، حين فشلَ النظام التمثيليُّ في تمثيل الشعب، فطَفَا خطابٌ قوميٌّ محافظٌ ضدّ الديمقراطيّة، في صيغتها الليبراليَّة البرجوازيَّة، يَعدُ بإحلالِ أنظمةٍ ديمقراطيّةٍ "حقيقيّةٍ" تُمثّل الشّعبَ "حقّ" تمثيلٍ وتستردّ سيادته "المصادَرة". وعلى هذا النحوِ ردّدتِ الأنظِمةُ الشّيوعيّةُ، بالموازاة مع هذه النّزعة المُحافظةِ المتطرّفة، خطابًا شبيهًا يُبشِّرُ بتحقيق ديمقراطيّةٍ شعبيّةٍ تقودُها البروليتاريا. هكذا تخلّقتِ من بيضة أزمةِ الديمقراطيّةِ، وكردّ فعلٍ عليها، توتاليتاريّاتٌ محافظةٌ وأخرى ثوريّةٌ جعلت الدِّيمُقرَاطِيّة تحت أقدامها.
مثلت هزيمةُ هذه الأنظمةِ الكلّيانيّة الشموليّة الخُروجَ الثاني للديمقراطية من الدين. لكن الدين، هذه المرة، لم يكن متعاليًا إنما هو دينٌ مُحايثٌ من صناعة الإنسان الحديث أو، قل، هو "دينٌ علمانيٌّ" كما جسّدته الأيديولوجيّات الشّموليّة، التي فشت مطلعَ القرن العشرين[6]. أمّا اليوم، فإننا نحيا، بحسب غوشيه، في اللّحظة الثالثةِ من سيرورةِ خروجِ الديمقراطيّة من الدّين إلى "العالم المستقل"، وهذا خروجُها الأخير. دُشّنت اللحظة هذه في سبعينيّات القرن الماضي، توازيًا مع الانعطافِ النيوليبراليّ، الذي عليه شهد العالمُ بُعيْد الأزمةِ الاقتصاديّةِ، التي بلغت ذروتها مع صدمة النفط الأولى وما تلاها من انقلابٍ على السياسات الكِنْزِيَّة ومكتسباتِ دولة الرّفاه. هنا، يحتفل غوشيه بالنتائجِ السياسيّة والاجتماعيّة والنفسيّة للنيوليبراليّة، حين يحتفل بهذا "العالم المستقل" الناجم من ما وصفها بأزمة السّبعينيّات، على الرغم ممّا يُظهر من نقدٍ لها وتحذيرٍ من عواقبها[7]. على هذا النّحو، إذن، انبثقتِ الدّيمقراطيّة من الدين، عند غوشيه، في مراحلها الثلاث. وعلى تصور غوشيه لتاريخ الديمقراطيّة هذا، ملاحظاتٌ نقديّة نجملها في ثلاث:
أولًا، يرتفعُ منسوبُ الإيديولوجيّ على الفلسفيّ، في خطابِ غوشيه، حين يُصنِّف الإيديولوجيات بـ"الديانات الدنيويّة" مستثنيًا منها الليبراليّة، التي ترتقي ــ عنده ــ إلى حتميّةٍ تاريخيةٍ حقّقت نصرًا مظفّرًا نهائيًّا على كلّ النزْعاتِ الإيديولوجيّة الأخرى ما عاد بعده للإنسانيّة أملًا في غيرها (الليبرالية).
ثانيًا، يُفصحُ غوشيه عن خلفيّة ثقافويّة بيّنةٍ ــ رغم براعته في تغليفها بحجابٍ فلسفيٍّ بديعٍ ــ عندما يختصر مسار الحداثة في عمليّة الخروج من الدين، معتبرًا الحداثة فَرَادَةً مسيحيّةً أوروبيّة.
ثالثًا، يقدّم غوشيه صورةً طوباويّةً عن العالم الجديد الناجم من الليبراليّة، والحال إنّ هذا الذي يَسِمُه بـ"العالم المستقل"، بقدر ما يُظهر من حرّيّة واستقلاليّة الأفراد، في المجتمعات المعاصرة، فإنه يُضمرُ ــ أيضًا وأساساَ ــ تبعيّةً لسلطان رأس المال وخضوع لقانون السّوق. لم تخرج المُجتمعاتُ الحديثةُ من الدّين إلّا لكي تعود إليه من جديد؛ دينٌ كان مفارقًا ماورائيًّا، فبات اليوم محايتًا يحكم سلوك الفرد والمجتمع بشريعة السّوق.
ثالثًا، سعى غوشّيه إلى وَضْعِ مسافةٍ بينه وبين نتائج النيوليبرالية، من طريق تشديده على ضرورة التمييز بين النّزعةِ الليبراليّة والسياساتِ النيوليبراليّة، والتنبيه إلى مخاطرِ هيمنةِ الاقتصادِ على المُجتمعاتِ المعاصرةِ وما يحمل ذلك من تهديدٍ لـ"العالم المستقل". لكن تمّةَ مفارقة تعتور محاولته هذه؛ حيث النزعة النيوليبراليّة الرأسماليّة هي نفسُها منبعُ هذا "العالم الجديد" ومصدرُ تهديده في الآن نفسه! وأنّ سبيل خلاصِ المجتمعات المعاصرةِ من هذه الهيمنة، الذي يقترحه غوشيه، هو الديمقراطية التمثيليةٌ، وهذه أداةٌ مُثلى بيد الأوليغارشيّة لإعادة إنتاج نفسها. وقد سبق لغوشيه نفسه أن رأى فيها سببًا لأزمةٍ ديمقراطيّةٍ قادت إلى إنتاج نُظمٍ توتاليتاريّةٍ كلّانية. فكيف يقترحُ وصفةً أقرّ هو بقصورها!؟
رابعًا: الديمُقرَاطيّة في نهاية التاريخ
لئن كانت رواية تاريخ الدِّيمُقرَاطِيّة موسومةً، عند غوشيه، بثقافويّة مواربةٍ مُضمرةٍ، فإنّ حُلّتها في مقالة (=خطاب) نهاية التاريخ، مع فوكوياما، جاءت صريحةً واضحةً لا تُوارِي نزعتها المركزيّة الغربوية؛ ثقافوية نَهَلَت، هي الأخرى، من الدين (=المسيحيّة) ليرتقيَ إلى مثابةِ علّةٍ أولى تفسّر التاريخ. هكذا انبعثَ هيغل، إلى جانب ماكس فيبر، ليُفسر كيف خرجتِ الحداثةُ ــ وبنتها الدِّيمُقرَاطِيّة الليبراليّة ــ من المسيحيّة، وكيف "انتصر" إيديولوجيا الغرب" (=الليبرالية) على كلّ إيديولوجياتِ الشرق!
وإذا كان أطروحة غوشيه تحتفل بالمسيحيّة عمومها في صناعة هذا "الإنجاز"، فإنّ ثقافويّة فوكوياما ستختصُّ مسيحيّة بعينها؛ هي البروتستانتيّة بهذا الفضل دون غيرها، تحديدًا منها المسيحيةُ البروتستانتيّةُ الكالفينيّةُ الطهرانيّةُ. هذه، بالنّسبة إلى فوكوياما، "هي من أنبتتِ الجُذورَ الأولى لفكرةِ المساواةِ بين البشر؛ ووضعت مصيرًا مشتركًا لكلّ شعوب الأرض. والفضل إليها يعود في الإيمان بأنّ للتاريخ نهايةٌ. تاريخٌ يبدأ بخلق الله للإنسان وينتهي بخلاصه النهائيّ".[8] والتجسيد السّياسِيّ للخلاص النهائيّ هذا ليس غير الدِّيمُقرَاطِيّة. احتلت الديمُقرَاطيّةُ موقعَ القلب في هذا الخطاب بحُسبانها ــ إلى جانب الرّأسماليّة ــ مِدماكًا يتأسّسُ به تصوّر فوكوياما لنهاية التاريخ؛ وهو، عنده، تصوّرٌ ليس في منأًى عن الصّراع من أجلِ الاعتراف والاقتصاد اللّيبراليّ الرّأسماليّ والتقدم العلميّ والتكنولوجيّ. لكن ما شكلُ الديمُقرَاطيّة التي يُعلنها فوكوياما خاتمةً للتاريخ؟
يحدّد فوكوياما ما يعنيه بالديمُقرَاطيّة، فيقول: هي "الحقّ المُعترفُ به من لّدن الجميع في أنْ يكون لكلّ المواطنين حظٌّ في السياسة؛ أي حقّهم في الاقتراع والمُشاركة السياسيّة"[9]. وفي تعريفٍ آخرــ يُؤكّد اختزاليّة تمثّله للديمُقرَاطيّة في شَكْليَّتِها وإجْرائيَّتِها ــ يقول: "لكي نحكمَ على دولةٍ ما بأنّها ديمُقرَاطيّةٌ أو لا، سنعتمد تعريفًا شكليًّا صارمًا لها؛ فالدولة تكون ديمُقرَاطيّةً، إنْ هي أعطت شَعبها حقَّ اختيارِ حُكومته في انتخاباتٍ دوريّةٍ مُتعدّدةِ الأحزابِ سرّيّةِ الاِقتراعِ"[10]. هكذا تتحقّق استقلاليّة الفرد وتكتملُ مواطنته، حين ينتخبُ من ينوبُ عنه في تقرير مصيره، مرّةً كلّ خمسِ سنوات ــ أو أَقَلّ من ذلك أو أكثر ــ. هكذا أمسى، مع فوكوياما، أيُّ نظامٍ يعتمد انتخاباتٍ دوريّةٍ نظامًا ديمُقرَاطيًّا[11] !
من خلال هذا النمط التمثيليِّ من الديمقراطيّة يتحقّقُ ما يسمّيه فوكوياما إشباعُ الرّغبَة في الاعتراف. فقد وصل تاريخُ الصّراع بين العبدِ والسيد إلى نهايته، بفضل ما أتاحته الديمقراطيّة، في المجتمعات "المتحضرة"، للعبد من إشباعٍ لرغبته في الاعترافِ بصيرورتها وسيلةَ الصّراع في هذه المجتمعات. لقد عاد فوكوياما، مستعينًا بكوجيف (Alexandre Kojève)، إلى الأدواتِ المفاهيميّة نفسها التي أنتجها هيغل من أجل البرهنة على النتيجة الهيغيليّة عينها هي: أنّ التاريخ وصلَ بالفعل إلى نهايتهِ، في رحاب الدولة الليبراليّة، حين تحقّقَ الاعترافُ للعبد بالسيادة، بعد مسارٍ طويلٍ من الصّراع على حرّيّةٍ ما كان لها أنْ تَتَكَشَّفَ ــ بحسب هذا الخطاب ــ خارج الثقافة المسيحية الغربيّة.
لكنّ الزّعمَ الفوكويامي بأنّ الديمُقرَاطيّة الليبرالية أشبعت الرّغْبات "الثّيموسيَّة" في الاعتراف وألغتِ التّمييزَ الطّبقيّ بين السّادة والعَبيد وأنّها خلوٌ من التّناقضِ[12]...إلخ، زعمٌ يُكذّبُه الواقع والحركاتُ الاحتجاجيّة(*) التي ما تفتأ تخفُتُ في بلدٍ "غربيّ ليبرالي" حتّى تنفجر في آخر. فهل أنجبتِ الديمقراطياتُ، جرّاء اتصالها بالمشروع الليبرالي الجديد، غير عبيدٍ وسادةٍ جُدد؟
إنّ الوصلَ بين الليبراليّة والديمقراطيّة هو، في حسبان الخطاب الغربويّ الثقافويّ، ما يميّز "الديمقراطيّة الخلاصيّة" أو "ديمُقرَاطِيّة نهاية التاريخ"؛ لأنّها تطوّرت في بيئاتٍ ليبراليّةٍ محض، حتى باتا (الديمقراطية والليبرالية) صنوان لا انفصال بينهما. لا تتصل الديمقراطيّة، عند الغربويين، بالليبرالية والرأسمالية فحسب، إنما روابطها بالعلم والتقدّم التكنولوجيّ وشيجة جدًا، لأنّها ما "ازدهرت" إلّا في مجتمعات المعرفة والعلم. لكن وَصْلَ الديمقراطيّة بالليبراليّة وبالعلم يوُقع أصحاب هذا الادعاء في تناقضٍ، لأنّ المركزية الغربية ــ ثقافويةً مثالية كانت أم عقلانيةً أنواريّة ــ تجزمُ بأنّ أصول الديمُقرَاطيّة تعود إلى اليُونان القديمة، إلى قرونٍ قبل الميلاد وقبل الثورة العلمية الحديثة، فكيف تَنجُمُ من العِلم الحديث (ق. السادس عشر) ديمُقرَاطيّةٌ عريقةٌ يعود ميلادها إلى عهد بيريكليس (Périclès) (ق. الخامس ق.م)؟! وهذا الاستفهامُ ينسحب، أيضًا، على صِلَةِ الديمُقرَاطيّة بالليبرالية؛ حيث مسافةُ الزمن بين العصر الحديثِ والعصر الكلاسيكيّ هي عينها المَسافةُ بين نشأة الليبراليّة وميلاد الديمُقرَاطيّة. وإذا فرضنا أنّ خطاب نهاية التاريخ يقصد بالديمقراطية شكلها الحديث؛ أي نمطها التمثيليّ، فإنّ الوصل بينها وبين التقدم العلم وفشوّ الليبراليّة لا يصمد أمام أمثلةٍ عديدة عن بلدانٍ ما عرفت الدِّيمُقرَاطِيّة ولا الليبرالية رغم تقدمها العلمي والتكنولوجي.
لذلك، فعلى الرغم ممّا يبدو لقارئ كتاب نهاية التاريخ لفوكوياما من احتفاءٍ ظاهرٍ بالديمُقرَاطيّة والليبراليّة، فإنّ تمحيص الحُجج التي ساقها يقودنا إلى خُلاصة مفادها أنّه ــ وفي انتشاء بسقوط المعسكر الشيوعيّ ــ وظّف الديمُقرَاطيّة توظيفًا أداتيًّا للتّبشير بالرأسماليّة. ولم تُفلح رومنسيّته الجديدة، التي لم تقطع مع رومنسية القرن التاسع عشر، في ترميم الآثار العميقة لتاريخ الرأسمالية.
خامسًا، على سبيل الختم: بعض ملامح سرديّة الديمقراطيّة في المقالة الليبراليّة المعاصرة
تبدأ الديمقراطيّةُ غربيةً مع أثينا، فيبدأُ معها الفكرُ والسياسةُ والتاريخُ، قبل أنْ تحمل هذا التاريخ على نهايته بِعَدّها "أهمّ ظاهرةٍ سياسيّةٍ في الأربعة قرون الأخيرة"، لا قِبل للإنسان الأخير في إبداع بدائلَ عنها. على هذا النّحو، تطوي المقالةُ الليبراليّةُ المعاصرةُ تاريخ الديمقراطيّة. وعلى الرّغم ممّا قد يبدو عليها من تنوعٍ، بين صيغتها التجريّديةِ المُواربَةِ في الفلسفة السياسيّة، كما عبّر عنها مارسيل غوشيه، وصيغتها التصريحيّة الواضحةِ كما مثّلها فرنسيس فوكوياما، إلّا أن الصّيغتين منسجمتانِ ولم تَعدَمَا حظّهما من الملامح المشتركة، التي نحددها في:
أولًا، الانطلاق من سلفٍ واحدٍ هو ماكس فيبير، الذي علّمهم الثقافويّة. هذا "الجدّ" المشترك خلعَ على سرديّة الديمقراطيّة المعاصرة لبوسًا لاهوتيًّا؛ فعلى غرار الصيغة الفيبيريّة التي خرجت بمُوجِبها الرّأسماليّة من عباءةِ البروتستنتيّة، خرجتِ الدّيمقراطية، بدورها، من الدين في النّسخة الثقافويّة المُعاصرة.
ثانيًا، التسليمُ بالنّصر النهائيّ لليبراليّة على كلّ الإيديولوجيّات المنافسة، والاعتقاد بصلاحيّتها الكونيّة لكلّ مجتمعٍ يسعى إلى التقدم، في تناقضٍ مع المنطلقات الثقافويّة لهذا الخِطاب؛ فهي بنت خصوصية أوروبية و، في الوقت عينه، كونيّة ونهائيّة!
ثالثًا، يقع الدين، عند دعاة الليبراليّة المعاصرة (فوكوياما، هنتينغتون، غوشيه...)، على رأس العوامل المفسّرة لتطوّر الديمقراطيّة، وترتقي المسيحيّة إلى مثابة الشرط التاريخيّ للحداثة، فيما يُطوَّحُ بعوامل التاريخ الموضوعيّة.
رابعًا، لبس هذا الخطاب حلّةً مركزيّةً غربيّةٍ، ولم يرى للديمقراطيّة تاريخًا غير تاريخ أوروبا، ولم يعثُر لها على مكانٍ خارجَ التراب الأوربيّ؛ فأمست نهاية التاريخ ديمقراطيّةً ليبراليّةً غربيّةً بعد أن كانت بدايتُه ديمقراطيّةً إغريقيّةً، والحال أنّ الأبحاث والدراسات، خاصّة في الأنثروبولوجيا السّياسِيّة[13]، كشفت عن تاريخ هامٍّ منسيّ ومُتجاهل لممارساتٍ ديمقراطيةٍ مساواتيّة، منها ما يسبق بقرونٍ تجربة أثينا، ومنها من يلحق عليها. لكن هذا التاريخ الخارج عن زمن أوروبا وجغرافيتها، ظل خارج مدوناتها للفكر السياسيّ أيضًا.
خامسًا، التوظيفُ الأداتيُّ للديمقراطيّة من أجل الاستدلال على حتميّة الليبراليّة؛ إذ رغم كلّ الاحتفال الظاهر بالديمقراطية في الأدبيات الليبراليّة، إلّا أنّها هي الفرع الذي بزغ من ذلك الأصل الليبراليّ. الليبرالية أولًا والدِّيمُقرَاطِيّة تاليًا، وإن تعارضتا فالترجيح لصالح الليبرالية ولا شرعية لأي نظام يخدش مبادئها، وإنِ استند إلى إرادة عامة ديمقراطيّة.
وختامًا نقول: رغم تنامي خطاب النهايات، خاصةً في النصف الثاني من القرن الماضي (نهاية العقل مع نيتشه، نهاية الأيديولوجيا مع دانيل بيل (Daniel Bell)، ونهاية السرديّات الكبرى مع فرونسوا ليوتار (Jean-François Lyotard)، ونهاية الميتافيزيقا والفلسفة مع هيدغر (Martin Heidegger)، وصولًا إلى نهاية التاريخ مع فرنسيس فوكوياما) إلّا أنّ التاريخ قد يكون كشف عن نهايةٍ بعينها: نهاية هذه النهايات.
المصادر والمراجع بالعربية
بنجامين عيسى خان وستيفن ستوكويل، التاريخ السري للديمقراطية، ترجمة معين الإمام (الدوحة: منتدى العلاقات العربية والدولية)، 2011، ص. 21.
مارسيل غوشيه، الدين في الديمقراطية: مسار العلمنة، ترجمة شفيق محسن (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية)، 2007، ص ص. 27-28
المصادر والمراجع بلغة أجنبية
BABEAU Albert, la ville sous l’ancien régime, vol 1 (Paris : Librairie Académique/ Didier et cie, 1884).
BLUMENBERG Hans, La légitimité des temps modernes, (Paris : Gallimard, 1999).
CORM Georges, L'Europe et le mythe de l'Occident : La construction d'une histoire (Paris : La Découverte, 2012).
DETIENNE Marcel, « des comparables sur les balcons du politique », in: Marcel Detienne, Les grecques et nous (Paris : Perrin, 2005).
____. Les grecques et nous (Paris : Perrin, 2005).
Francis DUPUIS-DERI, Démocratie: Histoire politique d’un mot (Québec: Lux Editeur, 2013).
FUKUYAMA Francis, The End Of History and the Last Man, (New York: the Free Press 1992).
GAUCHET Marcel, L'avènement de la démocratie, III : À l'épreuve des totalitarismes, Bibliothèque des sciences humaines (Paris : Gallimard, 2010).
____. L'avènement de la démocratie, IV : Le nouveau monde, Bibliothèque des sciences humaines (Paris : Gallimard , 2017).
GOODY Jack, The Theft of history, (Cambridge: Cambridge University Press, 2007).
GRAEBER David, « la démocratie des interstices : que reste-t-il de l’idéal démocratique », Revus du MAUSS, N° 26, 2005. available at: <https://www.cairn.info/revue-du-mauss-2005-2-page-41.htm>, (Accessed 4 March 2021).
KEANE John, The Life and Death of Democracy (London: Simon & Schuster, 2009).
MUHLBERGER Steven and PAINE Phil « Democracy's Place in World History », Journal of World History, Vol. 4, No. 1 (Spring, 1993), p. 27. (emphasis mine), available at: <https://www.jstor.org/institutionSearch?redirectUri=%2fstable%2f20078545>, (Accessed 4 March 2021).
SEN Amartya, « Democracy And Its Global Roots: Why Democratization Is Not The Same As Westernization», in : Christine M. Koggel and others, Moral Issues in Global Perspective,: Moral and Political Theory, Vol 1 (Mississauga : broadview press, 2006).
_____. « Democracy as a Universal Value », Journal of Democracy, 3-17 No. 10 (March, 1999), pp. 3-7, available at: <https://www.unicef.org/socialpolicy/files/Democracy_as_a_Universal_Value.pdf>, (Accessed 15 March 2021).
[1] انظر: بنجامين عيسى خان وستيفن ستوكويل، التاريخ السري للديمقراطية، ترجمة معين الإمام (الدوحة: منتدى العلاقات العربية والدولية، 2011)، ص. 2.
[2] المصدر نفسه، ص. 7
(*) ستضيق أعداد الأثينيّين الأحرار أكثر، حسب ما أورد أرسطو في كتاب نظام الأثينيّين، بعد طرح بريكليس لقانون يقْصُر بمقتضاه بحق المواطنة على من كان من أبٍ وأمٍّ أثينيّين فقط، بعد ملاحظته التزايد المطّرد في سكّان المدينة.
[3] Hans Blumenberg, La légitimité des temps modernes, (Paris : Gallimard), 1999 ; in : Georges CORM, L'Europe et le mythe de l'Occident : La construction d'une histoire (Paris : La Découverte), 2012, p, P. 75
[4] Ibid.
[5] مارسيل غوشيه، الدين في الديمقراطية: مسار العلمنة، ترجمة شفيق محسن (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2007)، ص ص. 27-28
[6] Cf : Marcel Gauchet, L'avènement de la démocratie, III : À l'épreuve des totalitarismes, Bibliothèque des sciences humaines (Paris : Gallimard), 2010
[7] Cf : Marcel Gauchet, L'avènement de la démocratie, IV : Le nouveau monde, Bibliothèque des sciences humaines (Paris : Gallimard), 2017
[8] Francis Fukuyama, The End Of History and the Last Man, (New York: the Free Press 1992), p. 56
[9] Ibid, p. 43. (emphasis mine).
[10] Ibid, p. 43. (emphasis mine).
[11] الهندوراس، مثلًا، ــ وهي إحدى أبرز "جمهوريّات الموز" ــ دولةٌ ديمُقرَاطيّةٌ لأنَّها تعتمدُ انتخاباتٍ دوريةً؛ وجُلّ الدّول العربيّة والإفريقيّة هي كذلك ديمُقرَاطيّةٌ لأنّ فيها انتخابات؛ والنظام الإيرانيّ ديمُقرَاطيّ وإن لم يكن ليبراليًا. Ibid, p. 44.
[12] Ibid, p. 260
(*) لقد أكّدت أحداثٌ من قبيل حراك "احتلوا ولستريت"* واعتصام الآلاف من الإسبان في ميدان "بويرتا ديل سول"، الذي انبثقت منه حركة "ديمُقرَاطيّة حقيقيّة الآن"، واحتجاجات "السترات الصفراء" (Gilets jaunes) في فرنسا، التي اندلعت في مايو عام 2018... إلخ، على أنّه لا يكفي الذّهاب مرّة كلّ بضع سنوات إلى صناديق الاقتراع من أجل شحن "بطاريّة" الرغبة في الاعتراف عند كافّة المواطنين، وأنّ "عملية الشحن" تلك لا تضمن تعبئةً كافية لتغطية الحاجة من الاعتراف إلى حين اقتراعٍ جديدٍ؛ كما كشفت أنّنا أمام اختزالٍ آخرَ أفدح للديمُقرَاطيّة ــ بعد حصرها في عملية اقتراعٍ شّكليّةٍ ــ حين ضاقت وظيفتها، في النظام السياسي الحديث، لتقتصر على سدّ حاجةٍ سيكولوجية من الاعتراف؛ وأعادت (هذه الأحداث) التأكيد على أنّ سؤال التفاوتات الاقتصاديّة والاِجتماعيّة ما يزال المعضلة الكبرى في الدولة الليبراليّة.
[13] Cf: Keane John, The Life and Death of Democracy (London: Simon & Schuster, 2009) ;Francis Dupuis-Déri, Démocratie: Histoire politique d’un mot (Québec: Lux Editeur, 2013) ; Jack Goody, The Theft of history, (Cambridge: Cambridge University Press, 2007) ; David Graeber, « la démocratie des interstices: que reste-t-il de l’idéal démocratique », Revus du MAUSS, N° 26, 2005, pp. 41-89, available at: <https://www.cairn.info/revue-du-mauss-2005-2-page-41.htm>, (Accessed 4 March 2021) ; Marcel Detienne, « des comparables sur les balcons du politique », in: Marcel Detienne, Les grecques et nous (Paris : Perrin, 2005) ; Steven Muhlberger and Phil Paine "Democracy's Place in World History", Journal of= =World History, Vol. 4, No. 1 Spring, 1993, pp.23-45, available at: <https://www.jstor.org/institutionSearch?redirectUri=%2fstable%2f20078545>, (Accessed 4 March 2021) ; Amartya Sen, "Democracy And Its Global Roots: Why Democratization Is Not The Same As Westernization", in: Christine M. Koggel and others, Moral Issues in Global Perspective, Moral and Political Theory, vol 1, (Mississauga: broadview press, 2006).