الرَّعية والمُواطنَة: اختلافٌ في التوصيف أم تَضادٌّ في المحتوى؟
فئة : أبحاث محكمة
الرَّعية والمُواطنَة:
اختلافٌ في التوصيف أم تَضادٌّ في المحتوى؟
ملخص الدراسة:
في هذه الدراسة نتناول مفهوم المواطنة في علاقته بما يُصطلح عليه بـ "الرعية"، في محاولة لاستجلاء أهم الفوارق بين هاتين التيمتين، وتقديم قراءة نقدية لـ"دولة الرّعايا". وذلك استشرافا لدولة المواطنة التي عَرَفتها التجربة الغربية من خلال منعطف الحداثة والديمقراطية، حيث أضحت المواطنة واحدة من أهم القيم التي يتأسّس عليها البناء الديمقراطي، وتغيّرت النظرة الأبوية للإنسان بصفته فردًا يعيش ضمن بابوية أو مملكة أو إمبراطورية، نحو رؤية أكثر حداثة ترى في الفرد مواطنًا إنسانًا يرتبط بأقرانه ومجاله الترابي برابطة المواطنة، حيث ظل حنين البشر إلى إقامة دولة تنعدم فيها الفوارق المبنية على الجنس أو الدين أو اللغة أو العرق، وهو الحنين الذي ترجمه الإنسان في إلحاحه على طلب دولة أبدية على الأرض بمعزل عن معتقدات البشر. وكان هذا أهم عوامل بناء الدولة المحايدة القائمة على المساواة والمواطنة المنفلتة من الطائفية والعِرقية، وهذا ما عبّرت عنه مطالب الثورة الفرنسية مثلاً، حيث تصالح الشعب (الذي حرمته الملكية من المكانة التي يستحقّها) مع الوطن (المتحرر من انقساماته الإقطاعية)، وفَتَحت الطريق في الوقت نفسه أمام التحرر العام.
وفي المقابل، فإنّ مفهوم المواطنة ظل مهجورا في المجال الاسلامي إلى وقت قريب، ولم يشتبك به العرب والمسلمون إلاّ في وقت متأخر من القرن التاسع عشر. وإن كان هذا الاشتباك لم يوازه الاندماج المُفترَض، من أجل التحوُّل السائد في العصور السابقة، إذ يتدحرج الفرد من مرتبة الإنسانية صوب الحياة البهائمية، حيث سيادة مفهوم الرّاعي والرّعية، والنظر إلى الإنسان على أنّه فاقدٌ للإرادة والقدرة على تدبير شؤونه الحياتية، لأنّ الفقه الاسلامي عندما يَنظُر للشأن السياسي، لا يفعل ذلك إلاّ واهتمامه مركّز على الحُكّام، وإن حضر الإنسان (الرعية) فهو من أجل خدمة الحَاكم وطاعته. والقول بالطاعة يُبطِن في الغالب استبعاد الحرية السياسية، حيث تُمسي الطاعة هي المسلك الوحيد الذي يمكن لـ«الرعية» سلكه لإرضاء الحاكم والتعاقد معه. لكنّها طاعة من طرف واحد، ومن غير شروط تفصيلية من شأن الحيْدة عنها التحلّل من العهد بالنسبة إلى "الرعية"، فضلا عن البنود العامة التي يتضمنها "العقد" غير المكتوب الذي تتم بموجبه البيعة.
ففي الوقت الذي تشير فيه المواطنة إلى قدر من الحرية يتمتع به المواطن- بالإضافة إلى ما يلازم تلك الحرية من مسؤوليات تقع على عاتق المواطن تجاه الدولة، وتعطي المواطنة بشكل عام للمواطن حقوقًا سياسيةً من قبيل حق المشاركة في الانتخابات وحق الوصول إلى المناصب العامة؛ أي انبناء المواطنة الديمقراطية على القانون، في مقابل المفهوم القومي أو العرقي للمواطنة؛ أي التماهي مع أمة قومية تجمعها قيم جماعية مشتركة- فإنّ تعبير "الرعية" ينتعش في غياب المفهوم الحديث للدولة، لا الدولة بما هي تداول وصراع وعدم استقرار كما درج العرب والمسلمون على وَسْمها، وإنّما "الدولة" (L’état) بما هي كيان سياسي رمزي، من مقوماته حدود جغرافية مرسّمة، وسيادة سياسية وإقليمية، وشعب مخالف لمسألة "الرعية" المحايثة لفكرة الخلافة أو السلطنة، وسلطة منتخبة وفق إجراءات مفصّلة تضمن الحرية السياسيّة وحق الاعتراض، بما في ذلك الحق في تنحية الحاكم الذي يخلّ بالتعاقد الدستوري المكتوب، وكل ذلك خارج مبدأ "الطاعة" الذي يعتبر أهم متعلّقات "الرعية".
لقد هَدَفْنا من خلال هذا البحث الوجيز إلى محاولة تلمس الإجابة على الأسئلة التالية: لماذا رفض الفقه الإسلامي مفهوم المواطنة، وفضّل عليه تعبير "الرعية"؟ ولماذا استطاعت الحداثة الغربية إدماج المواطنة في بيئتها، رغم العراقيل التي وضعتها الكنيسة أمام تحقيق هذا الهدف؟ وهل للأمر علاقة بتمايز في الجذر الميتافيزيقي للأديان أم هو من مكتسبات المؤمنين؟ وهل استطاع الفكر والتجربة السياسيّان المعاصران تجاوز نقائص القدامى بخصوص المواطنة والرعية؟
استدعت الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، تناول الموضوع من خلال ثلاثة محاور على النحو التالي:
أولا: المواطنة في الفضاء التداولي الغربي؛
ثانيا: المواطنة بين الرفض ومحاولات التَبيِئة في المجال الإسلامي؛
ثالثا: الطاعة بما هي العنصر المكرّس لدولة "الرعايا".
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا