العدم والوجود الأصيل عند مارتن هايدغر

فئة :  مقالات

العدم والوجود الأصيل عند مارتن هايدغر

العدم والوجود الأصيل عند مارتن هايدغر

«الزمان يهب نفسه لأول مرة بوصفه سلسلة غير منقطعة من الآنات»

مارتن هايدغر، من كتاب الكينونة والزمان، ص720

الكينونة الأصيلة قلق وحركة باتجاه الموت

إنّ المكانة الكبيرة للفيلسوف الألماني مارتن هايدغر تكمن في تلك اليقظة المفاجئة والانعطافة الكبيرة التي أحدثها في تاريخ الفلسفة، من خلال قلب المشروع التأسيسي للفلسفات السابقة، التي ابتعدت عن مهمّتها الرئيسة بحجب السؤال عن الوجود الحقيقي. هذا السؤال أغفلته جميع الفلسفات قبل هايدغر وظلت تدور في دائرة مفرغة من المعاني، عندما توجهت إلى الحقائق الموضوعية أو الذاتية الخالصة، وحاولت تسليط الضوء على مفاهيم مثل الجوهر، والفكر، والمادة؛ متناسية أهم سؤال يربطنا بالعالم المتغير، وهو سؤال الوجود الإنساني. فليس للعالم معنى بلا إنسان، وليس للإنسان معنى بلا هذا العالم. وهنا تكمن أهمية الطرح الهايدغيري، عندما أعاد بناء الفلسفة على أنقاض متهاوية، لتبدأ مهمة الفلسفة الصريحة في البحث عما يهمنا شخصياً، وما يؤثر فينا بالصميم تأثيراً يمس ماهيتنا.

في المحاضرة التي ألقاها هايدغر في مقاطعة النورماندي في فرنسا عام 1955، أكد على الطريقة التي يجب أن نطرح فيها سؤالنا الخاص في الفلسفة، وهذا يتطلب منّا البحث في ماهية الفلسفة، والطريقة التي تكون بها معياراً للتساؤل.

إنّ الفلسفة تبحث عمّا هو موجود، فالوجود يجمع الموجود من حيث هو موجود، ليصبح السؤال كالتالي: ما الموجود من حيث هو موجود؟ عندئذ يغدو التفكير فلسفة، وتصبح الفلسفة هي الاستجابة لنداء ذلك الموجود، ونحن لا نصبح عارفين بالفلسفة، إلا عندما نتعلم كيف وبأي طريقة تكون هذه الاستجابة المتناغمة مع نداء الموجود[1].

إنّ ما يحويه العالم الخارجي من أشياء وموضوعات، ما هي إلا تمظهرات للوجود، ولا يكون الوجود وجوداً إلا بتفاعل الإنسان مع العالم بذاته الواعية وأحواله الشعورية المختلفة، حيث يكون هذا العالم مجالاً للاهتمام الإنساني وإمكانياته المتاحة. لذلك لا يمكننا أن نقترب من تصور حقيقي للوجود إلا بتلك الوحدة الأساسية بين التجربة الذاتية والعالم الموضوعي على أنهما كيان واحد. بهذا فقط صحح هيدغر مسار الفلسفة، وحسم صراعها التاريخي بشأن أهم جدلية شغلت الكثيرين؛ ألا وهي جدلية الذات والموضوع.

الكينونة.. والزمان

نشر هايدغر كتاب «الكينونة والزمان» عام 1927 وأهداه إلى أستاذه هوسرل الذي تأثر بمنهجه الفينومينولجي، وفي هذا الكتاب أسس هايدغر علماً أنطولوجياً، وجودية الموجود مضمونه، والفينومينولوجيا منهجها لتوضيح معنى الوجود.

في كتاب «الكينونة والزمان» يحلل مارتن هايدغر الموجود الإنساني، وهذا التحليل بمثابة الطريق المؤدي إلى فهم الوجود ذاته. وقد استخدم في تحليله للكائن الإنساني الفينومينولوجيا، الذي يعود إلى الأشياء ذاتها وإلى المعطيات المباشرة للخبرة، وأن يصف الإنسان هذه المعطيات كما تظهر نفسها في تكشفها الأولي؛ فالإنسان ليس بالذات العارفة أو المنعزلة التي تدرك وجوداً ما أو لا تدركه، بل إنّ الإنسان يدرك العالم إدراكاً أولياً في خبراته واهتماماته المباشرة، كذلك إنّ تجربتنا ليست منطقية أو علمية بالكامل، لذا فإنّ إحساسنا أيضاً يلعب دوراً كبيراً في تفسير العالم.

يولد الإنسان في عالم من الاهتمامات العابرة، والمخلوق الإنساني مخلوق مهتم. إنّ الاهتمام هو العامل المحدد للوجود الإنساني، ويكون الاهتمام على نوعين في العالم؛ اهتمام عملي من خلال استخدام الأدوات أو الوسائل في العالم البيئي، واهتمام شخصي من خلال علاقته بالمجتمع والعالم الجماعي[2].

إذن فالإنسان ملقى في حقيقة الوجود، لذلك ففي وجوده الخارجي لا بد أن يكون حارساً للوجود، ولا بد للأشياء الموجودة أن تتبدى له في ماهيتها. فالموجود هو الشيء المحدد الذي له طبيعة ثابتة كالجماد والنبات والحيوان، أمّا الوجود، فهو صفة للموجودات الواعية وتحديداً الإنسان، وهو المدرك لوجوده وهذا الوجود يتسم بالحركة والصيرورة والوعي. إنّ الإنسان يتساوى وجوده مع ماهيته، ولذلك فهو الوحيد الذي يكون وجوده ماهوياً، فالأشياء الأخرى موجودة كالصخرة أو الشجرة أو الحيوان، لكنها لا توجد وجوداً ماهوياً، تعي فيه كينونتها، وهذا الوجود الماهوي للإنسان معناه أنّ الإنسان يتميز بالوقوف المنفتح في اكتشاف الوجود. إنّ عملية فهم الوجود تبدأ من فهم الموجود الإنساني ضمن تمرحله الزمني، وهذا ما سيكشف عن طبيعة الوجود أو الكينونة بوصفها أنطولوجيا للإنسان[3].

يقول هايدغر: «إن كل أنطولوجيا، وإن توفرت على نسق من المقولات مهما كان ثرياً وثابت الترابط، إنما تبقى في أساسها عمياء وتبقى انحرافاً عن مقصدها الأخص، إن هي لم توضح قبلاً معنى الكينونة كفاية، ولم تتصور هذا الإيضاح بوصفه مهمتها الأساسية»[4]في كتابه «الكينونة والزمان» ينحت هايدغر مفهوماً أساسياً هو الدازاين «Dasein»[5]، وهو عبارة عن مصطلح ألماني مركب من كلمتين؛ يعني/الكائن هناك /أو الموجود هناك/ وهذا يدل على أنّ الكينونة عند هايدغر عبارة عن صيرورة تشير إلى الوجود الإنساني في العالم. يولد الإنسان ناضجاً للموت، ويكون متجهاً نحوه منذ لحظته الأولى في الحياة، وكما أنّ لكل شيء زمنه الخاص، فالإنسان أيضاً له زمنه في الكينونة، وهذه الكينونة تكون محددة كحضور من قبل الزمن، وهي حركة دائمة باتجاه الموت.

الدازاين هو كائن يفهم كينونة ذاته بوصفها كينونة انتقالية ومتغيرة، تحاول أن تجد ذاتها الحقيقية، وأن تحقق وجودها الحر والعميق داخل هذا الزمن، لكن هذه الذات تكشف لنا عن طبيعة قلقة باستمرار، عندما تدرك تناهيها في الزمان الذي يكشف أمامها العدم أو الموت. يعي الدازاين ذاته متفردة، ويدخل فهم الوجود في صميم وجوده الخاص، ويضع نفسه في موضع التساؤل الدائم. والدازاين ليس وجوداً ثابتاً، وإنما هو دائماً مشروع وجود مستمر يتفاعل مع العالم، لكن ليس العالم الموضوعي أو المادي أو المثالي، وإنما العالم الذي يقصده هايدغر هو تفاعل الذات مع الزمان والمكان والأشياء، إنه العالم الذي ينكشف له ويتجلى في عالمه الخاص كتفاعل واهتمام، ويكون المجال الذي تدور فيه حياة الإنسان من وعي وإدراك وعاطفة وخبرات متراكمة. لذلك فالكينونة هي الزمان، والزمان هو حضور الوجود بوصفه حقيقة لا بد أن تختبر وتعاش.

الوجود الأصيل والوجود الزائف

إنّ الدازاين هو الذي يسعى دائماً إلى وجوده الأصيل والمتفرد في العالم، فهو منفصلٌ عن القطيع في الأحكام والآراء السائدة، وتشغله أسئلة كونية ومصيرية. فهذا الإنسان يسمو فوق تفاهة الحياة وضحالتها، ويستشعر ألمه الدائم من خلال معاناة الآخرين. يحيا الدازاين كينونة متأصلة وفريدة في هذا الوجود، عندما يكون على وعي حقيقي بالموت؛ فالموت يشعره بفردانيته إلى الحد الأعلى من الشعور؛ إذ يشعر من يموت أنه يموت وحده ولا يشاركه في موته أحد.

والقلق من الموت هو الذي يؤكد تلك الفردية التي تميزه عن الآخرين إلى أقصى درجة[6]. لذا، فالدازاين عندما يقلق، فهو وحده من يتحمل عبء هذا القلق، ويعمل على ترسيخ وجوده الأصيل في زمانه المتناهي. فلا يسقط في السائد، ويرفض أن يكون نسخة مكررة من الآخرين عندما يدرك تفرده بوصفه مشروعاً وإمكانية، فالإنسان ليس ما كانه، بل ما سيكونه أيضاً، والإنسان هنا حرية ومسؤولية له قدرة على فهم العالم وتغييره، والوجود الماهوي للإنسان يُفهم على أنه إمكانية في المستقبل، ومثلما تضرب جذوره في الماضي، فإنّ وجوده الماهوي من الناحية الزمانية كامنة في المستقبل.

ينشأ الاغتراب عند هايدغر من الوجود الزائف عند الإنسان الذي يسقط في مشاريع الآخرين، ويكون مجرد رقم في جماعة وهذه أيضاً إمكانية في الوجود، لكنها إمكانية تجعل من الإنسان يسقط في هاوية التشيؤ، وهو مجرد حاضر فاقد لذاته الشرعية الأصلية التي تشمل ماضيه ومستقبله على حد سواء. أما الاغتراب فهو احتجاب إمكانات الوجود الفعّال، ومن ضمنها تجنب التفكير بالموت الذي يبقي الإنسان في نطاق الوجود المزيف، لذلك فالإنسان الذي يفكر كما يفكر الآخرون ويتكلم كما يتكلمون، عادة ما يكون خامل الذهن ومحدود الأفق والرؤية يهرب دائماً من القلق الوجودي بالثرثرة، والسخرية من الآخرين، ويبقى في دوامة من التفاهة والابتذال المستمر حتى على صعيد اللغة التي تفقد قيمتها ووظيفتها، ليصبح وجوده مجرد عرض أو ليس وجودا حسب تعبير هايدغر. إن إمكانات الوجود الحقيقي هي جدار صلب يسند الحياة الهشة وينتشلها من الوقوع في الضحالة، وأحد دعائم هذا الجدار هو التفكير بالموت وفي احتمال وقوعه في أي وقت. بهذا يتميز الوجود الأصيل عن الزائف بأنّ العدم يتخلل نسيج الوجود كاملاً ولا يكون مكشوفاً إلا في عاطفة القلق الذي من الممكن أن يستيقظ في أي لحظة.

العدم والقلق

يكشف القلق عن العدم، والقلق هنا هو ليس القلق المرضي، أو الخوف من شيء محدد. فالإنسان الخائف دائماً ما يكون مقيداً إزاء الشيء الذي يخاف منه، فيفتقر إلى الأمن في علاقته مع الآخر، وبالتالي تنعدم الحرية. إنّ القلق هنا هو ليس إزاء شيء محدد، ولا من أجل شيء. فالقلق هنا وجود ذاتي وحرية تسعى إلى نفسها. ومثلما يكشف القلق عن العدم ويعريه، فالعدم يكشف عن نفسه في القلق، ويتبدّى هذا عند الفرد ويكشف عن تلك الذات الحرة في مواجهة مصيرها، وهي تحمل على ظهرها أعباء المسؤولية وتعدد الخيارات، فتقلق عند حجب الإمكانات المتاحة لتحقيق ذاتها في واقعية الموجود الإنساني التي تفرض عليها مواقف وظروفاً تحد من وجودها. إنّ العدم عند هايدغر داخل في نسيج الوجود ومتغلغل فيه، لذا لا يمكننا أن نصل إلى حل مشكلة الوجود إلا عن طريق مواجهة العدم. لكن العدم عند هايدغر ليس العدم المجرد، إنما عدم الإمكانية التي تواجه الفرد، فالعدم أحياناً هو ذلك الوجود الذي ينفلت من الإنسان، فالألم هو غياب اللذة، والظلام هو عدم النور، وكل الأشياء التي لا وجود لها في الآنية * هي عدم[7].

من خلال حالات القلق التي يعانيها ويكابدها الإنسان، ومن خلال ذلك القلق الجوهري الذي يشعرنا بتناهي وجودنا أمام الموت المتربص بنا، والداخل ضمن نطاق تفكيرنا، نقتنع بعدم جدوى الحياة، وبأنّ حياتنا عدم. إنّ الذات الأصيلة تكون في مواجهة العدم عن طريق هذا القلق، لذلك تسعى دائماً إلى تحقيق تلك الآنية المتناهية في الزمان، وتحقيق هذا الوجود عند هايدغر يتسم بالأصالة، ولا يقبل التأجيل تحت أي ظرف، بل لا بد أن يبدأ دائما وفي كل مرة من (هنا.. والآن).

إذن، فالعدم يكشف عن نفسه في الموجود عندما يصبح هذا الموجود متخلخلاً لينزلق من كينونة الإنسان[8]. يتبدّى القلق في أوضح صوره عندما يضيء ليل العدم حياة الإنسان الملقى وحيداً في صدفة جاءت به إلى هذا العالم، فتدرك الذات أنها فانية، وأنها حقيقة واقعة كغيرها من الحقائق وأنها جزء من اهتمام زائل.

إنّ هذه الذات المسكونة بالوحشة والغربة عندما تنفلت منها جميع الكينونات تستحوذ عليها نزعة عدمية تجعلها تعلو وتتجاوز كل موجود من الموجودات، وهذا التجاوز أو العلو هو الميتافيزيقيا عند هايدغر، لكن ليس الميتافيزيقيا التي يفترضها اللاهوت ولا الميدان المغلق للشطحات الخيالية، إنها الميتافيزيقيا التي تؤلف طبيعة الإنسان بوصفها فكراً وتاريخاً من الكينونات. عندها فقط تبدأ الذات بطرح أهم وأعمق سؤال يتعلق بمعنى الكينونة.

«لماذا كان ثمة وجود، ولم يكن عدماً؟»[9]

الوجود الأصيل في عالم التكنولوجيا

إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يفكر، وهو في علاقة استجابة لنداء الكينونة؛ فالكينونة هي ذلك الحضور الذي يطلب من الإنسان الاهتمام بالنداء الذي توجهه إليه حسب هايدغر. يطلق هايدغر مفهوم الإطار على نسق العالم وتشكلاته التي تقطن الكينونة البشرية وتكون سابقة على وجودها، لذلك يرى هايدغر أن العالم التكنولوجي هو الإطار الذي يحدد طريقة الكينونة البشرية في هذا العالم. هذه التكنولوجيا ليست من فعل الإنسان ولا تخضع لسيطرة كينونته، لذلك فعلى الكائن البشري ولكي يتفادى مخاطر التكنولوجيا التي تؤثر في طريقة وجوده في العالم وتشكل طبيعته هي أن يغير من طريقة فهمه للكينونة، ويتم ذلك عن طريق حدث التملك كما يسميه هايدغر، وحدث التملك يعني أن تعي الكينونة وجودها الخاص بما في ذلك الوجود الذي يكشف دائماً عن حدث أصيل ومتميز. وتنشأ الإمكانات الأصيلة التي من الممكن أن تقوض هيمنة الإطار في العالم التكنولوجي عند اختبار الاتحاد الذي يتم بين الكينونة والكائن ضمن الإطار المحدد لكينونتنا ومن الخطة التي يخطط لها الإنسان بوصفه مشروع وجود، الخطة التي ستجبر الإنسان على تقرير ما إذا سيصبح خادماً للتكنولوجيا أو سيداً لها.

الشعر والوجود الماهوي

إذا كان الوجود الإنساني هو وجود من أجل الموت، فهل توصل هايدغر لمعنى حقيقي للكينونة الأصيلة، وأين يمكننا أن نجد هذا المعنى ودوائر العدم تحيط بالإنسان وتضغط على عالمه؟

لم يتوصل هايدغر إلى معنى واضح وملموس للوجود الإنساني، لكن نلاحظ نزعته الصوفية في بعض كتاباته عندما يطلب من الإنسان أن يكون في علاقة استجابة لنداء الكينونة، وهذه الاستجابة تتطلب من الإنسان أن يكون متيقظاً للمقدس والأسطوري في أعماقه ليتخلص من العقبات والأزمات التي تواجه حياته القائمة على التفاهة والابتذال؛ إذ يصبح العالم مشحوناً برؤى شعرية تستمد وجودها من الحياة البدائية للإنسان ولغتها التي تتوسل الآلهة. لهذا، كان هايدغر مشدوداً إلى قصائد هولدرلين ولغته الضاربة في عمق الأساطير. إن الشعر قادر على التعبير عمّا في روح الإنسان من شعور باطني عميق، وهو شعور تاريخي لا يمكن غير الشعر أن يعبر عنه.

ويرى هايدغر أن الشعر هو تأسيس للوجود عن طريق الكلام، وفي الشعر يتمركز الإنسان حول آنيته، فيصل فيه إلى الهدوء، لكن ليس الهدوء الوهمي الناشئ عن انعدام نشاط الذهن، بل هو الهدوء اللانهائي الذي تنشط فيه كل الطاقات وكل العلاقات؛ فالشعر يبعث على ظهور ما هو خيالي، وما هو حلم في مواجهة الواقع الصاخب الملموس الذي نعتقد أنه منزلنا الأليف. الشعر هو الذي يبدأ، فيجعل اللغة ممكنة، ونحن نستطيع أن نفهم ماهية اللغة ابتداء من ماهية الشعر[10]. واللغة الأولية عند أسلافنا الأوائل هي الشعر بوصفه انبثاقاً لمعنى الوجود وتأسيساً للكينونة البشرية على هذه الأرض، لذلك فالشعراء هم وحدهم من يمسكون بالزمن ويحدثون فرقاً في أثر الماضي العائد إلينا والكائن في المستقبل.

[1] - مارتن هايدغر، ما الفلسفة؟ ما الميتافيزيقيا؟... هولدرلين وماهية الشعر، ترجمة فؤاد كامل ومحمود رجب، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، ط2، 1974، ص58-60-61-72 (بتصرف).

[2] - مارتن هايدغر، ما الفلسفة؟ ما الميتافيزيقيا؟... هولدرلين وماهية الشعر، مصدر سابق، ص 25 -26-27-28 (بتصرف)

[3] - المصدر نفسه، ص38-86-87 (بتصرف)

[4] - ينظر مارتن هيدغر، الكينونة والزمان، ترجمة وتقديم وتعليق فتحي المسكيني، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1، بيروت، 2012، ص62، (المعطيات نفسها).

[5] - علينا منذ الآن أن نفرق بين Dasein (كينونة الهناك) وExistenz (الوجود)، فالدازاين هو كائن يتميز بطريقة كينونة تجعله يسأل عن معنى الكينونة. هو كائن من شأنه أن يكون على طريقة في الوجود؛ أي بعبارة أخرى هي المحاولة الدائمة لتحقيق أصالة الوجود الفردي الخاص المنفصل عن الجموع، عندما يكون الكائن على تماس دائم مع الموت وفكرته من خلال القلق الأصيل. فيفهم الدازاين وجوده على أنه مشروع وإمكانية تتجه نحو المستقبل دائماً، ومن هنا فالوجود عند هايدغر هو الزمان. يفهم الدازاين ذاته على الدوام انطلاقاً من وجوده، من إمكان ذاته، أن يكون ذاته أو لا يكون. ويرى هايدغر أن الدازاين أو الآنية معناها أن يجد الإنسان نفسه داخل العدم. إن العدم هنا هو عدم الوجود، انعدام الإمكانية أو النقص الدائم الذي يعتري الوجود الإنساني أمام التناهي الزماني للكينونة وتلاشيها بالموت. ينبثق العدم كفجوة في كثافة الوجود تمنع الإنسان من أن يحقق وجوده في المستقبل بوصفه مشروعاً وإمكانية، وبحضور فكرة الموت واستباقها في وعي الإنسان تدرك الكينونة ذاتها كعدم تغيب فيه كل أشكال الكينونة؛ لأن الموت هو إمكان المستحيل، وقلق الكينونة وحده الذي يكشف لنا عن العدم ويعريه. وبواسطة الكشف الأصيل عن العدم يحقق الدازاين وجوده الذاتي وحريته. ويرى هايدغر أن كل آنية في مبدأ ماهيتها لا تعلو إلا إذا كانت واقعة داخل العدم، فتستطيع أن تتجه صوب الموجود وأن تنفذ فيه، وبناء عليه فالعدم هو الشرط الأساسي للوجود وللحرية. ينظر المصدر نفسه، ص64. ينظر أيضاً مارتن هايدغر، ما الفلسفة؟ ما الميتافيزيقيا؟، هولدرلين وماهية الشعر، ص115.H

[6] - سليم عكيش الشمري، الوجودية الجديدة عند كولن ولسون، شبكة المعارف، ط1، بيروت، 2010، ص 178 ھ  

[7] - مارتن هايدغر، ما الفلسفة؟ ما الميتافيزيقيا؟ هولدرلين وماهية الشعر، مصدر سابق، ص31- 35

[8] - المصدر السابق نفسه، ص31-32-113-115 (بتصرف).

[9] - المصدر نفسه، ص124

[10] - المصدر نفسه، ص 152-154 ھ ا

التحق سارتر بالحرب العالمية الثانية عام 1940 ووقع أسيراً في المعتقلات الألمانية النازية حتى عام 1941. التحق بعدها بصفوف المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي لباريس وتبنى فكرياً وسياسياً النهج الماركسي وأعجب به، وقد ربطته صداقات وصلات مع اعضاء الحزب الشيوعي الفرنسي قبل أن ينقلب عليهم نتيجة لغزو الاتحاد السوفياتي للمجر عام 1956 كان سارتر مع حركات تحرر الشعوب ومع الثورات العالمية التي اندلعت ضد الاستعمار والأنظمة القمعية، وما يؤخذ عليه سياسياً هو أن آراءه ومتبنياته الفكرية ظلت متناقضة ومثار جدل فيما يخص منطقتنا العربية وتحديداً قضية فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي.