القوامة في التراث الإسلامي قراءة بديلة

فئة :  قراءات في كتب

القوامة في التراث الإسلامي قراءة بديلة

القوامة في التراث الإسلامي قراءة بديلة

القوامة في التراث الإسلامي، قراءة بديلة. الكتاب من تحرير كل من: ريبا مير حسيني، ملكي الشرماني، جانا رامينجر. ترجمة، رندة أبو بكر. صدر الكتاب سنة 2016م

موضوع الكتاب

موضوع فقه المرأة بما فيه موضوع القوامة، من بين الموضوعات المهمة التي حظيت بنقاش واسع منذ أواخر القرن التاسع عشر وطيلة القرن العشرين وحتى هذه اللحظة، وقد شكل كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" الصادر عام 1899م حدثا بارزا في مجال الثقافة الإسلامية حينها، نظرا لما صاحبه من الجدل والنقاش والأخذ والرد. ترى الباحثة اللبنانية ريتا فرج، أن هناك كتابات سابقة عن قاسم أمين، وهي أكثر أهمية لم يكتب لها الانتشار[1]، وبالتالي لم تحظ بنقاش واسع من قبيل عائشة تيمور (ت 1902م) وكتابها "مرآة التأمل في الأمور" الصادر عام 1892م، الذي طرحت فيه اجتهادًا لمفهوم القوامة في الإسلام، ورأت أنها ليست مطلقة بل شرطية، تعتمد على قيام الرجال بواجباتهم الأسرية، ومنها إعالة زوجاتهم. كانت اللبنانية. زينب فواز (ت 1914م)، قد سبقت أمين في إطلاق حرية المرأة في كل المجالات، وعبرت عن مشروعها في كتابها "الرسائل الزينبية" الصادر عام 1893م، كما صدر لها كتاب "الدر المنثور في طبقات ربات الخدور" عام 1894م. لا شك بأن موضوع القوامة وما يحيط به من تصورات عرفية واجتماعية يعد مفتاح لطبيعة العلاقة بين الزوج وزوجته، فتغيير مفهوم القوامة سيلقي بظلاله على تغيير طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في مختلف الحياة الاجتماعية.

ورد الحديث عن القوامة في القرآن من خلال سورة النساء قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) النساء/34

يرى أبو جعفر الطبري "الرجال قوّامون على النساء"، الرجال أهل قيام على نسائهم، في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم =بما فضّل الله بعضهم على بعض، يعني: بما فضّل الله به الرجال على أزواجهم: من سَوْقهم إليهنّ مهورهن، وإنفاقهم عليهنّ أموالهم، وكفايتهم إياهن مُؤَنهنّ؛ وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهنّ، ولذلك صارُوا قوّامًا عليهن، نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن... دثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، حدثنا الحسن: أنّ رجلا لطمَ امرأته، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يُقِصّها منه، فأنزل الله... "الرجالُ قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"، فدعاه النبيّ صلى الله عليه وسلم فتلاها عليه، وقال: أردتُ أمرًا وأراد الله غيرَه.[2]

ويرى بن عطية الأندلسي المحاربي (-542هـ) "وقوله تعالى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ الآية، قوام فعال: بناء مبالغة، وهو من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد، فقيام الرجل على النساء هو على هذا الحد، وتعليل ذلك بالفضيلة والنفقة يقتضي أن للرجال عليهن استيلاء وملكا ما، قال ابن عباس: الرجال أمراء على النساء، وعلى هذا قال أهل التأويل و«ما» في قوله: بِما فَضَّلَ اللَّهُ مصدرية، ولذلك استغنت عن العائد، وكذلك بِما أَنْفَقُوا والفضيلة: هي الغزو وكمال الدين والعقل وما أشبهه، والإنفاق: هو المهر والنفقة المستمرة على الزوجات، وقيل: سبب هذه الآية أن سعد بن الربيع لطم زوجه حبيبة بنت زيد بن أبي زهير، فجاءت مع أبيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر أن تلطمه كما لطمها، فنزلت الآية مبيحة للرجال تأديب نسائهم"[3]

ويرى الزمخشري(-538هـ) "قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ يقومون عليهن آمرين ناهين، كما يقوم الولاة على الرعايا... وقد ذكروا في فضل الرجال: العقل، والحزم، والعزم، والقوّة، والكتابة- في الغالب، والفروسية، والرمي، وأنّ منهم الأنبياء والعلماء، وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى، والجهاد، والأذان، والخطبة..."[4]

"الرَّجُلُ قَيّم عَلَى الْمَرْأَةِ، أَيْ هُوَ رَئِيسُهَا وَكَبِيرُهَا وَالْحَاكِمُ عَلَيْهَا وَمُؤَدِّبُهَا إِذَا اعوجَّت {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أَيْ: لِأَنّ َالرِّجَالَ أَفْضَلُ مِنَ النِّسَاءِ، وَالرَّجُلُ خَيْرٌ مِنَ الْمَرْأَةِ؛ ولهذَا كَانَتِ النُّبُوَّةُ مُخْتَصَّةٌ بِالرِّجَالِ وَكَذَلِكَ المُلْك الْأَعْظَمُ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَنْ يُفلِح قومٌ وَلَّوا أمْرَهُم امْرَأَةً"[5]

أما محمد عبده (-1323هـ) فيرى في تفسير المنار قوله: "فَكَانَ التَّفَاوُتُ فِي التَّكَالِيفِ وَالْأَحْكَامِ أَثَرَ التَّفَاوُتِ فِي الْفِطْرَةِ وَالِاسْتِعْدَادِ...الْمُرَادُ بِالْقِيَامِ هُنَا هُوَ الرِّيَاسَةُ الَّتِي يَتَصَرَّفُ فِيهَا الْمَرْءُوسُ بِإِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهَا أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُوسُ مَقْهُورًا مَسْلُوبَ الْإِرَادَةِ لَا يَعْمَلُ عَمَلًا إِلَّا مَا يُوَجِّهُهُ إِلَيْهِ رَئِيسُهُ... وَالرَّجُلَ مِنَ الْمَرْأَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْضَاءِ مِنْ بَدَنِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ، فَالرَّجُلُ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ، وَالْمَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَنِ"[6].

هذه النصوص وغيرها كثير في مدونة التفسير الكبرى، تعكس حضور الأعراف الاجتماعية، ومختلف التصورات الثقافية، وطبيعة تصورها كل من الرجل والمرأة وطبيعة العلاقة التي تسود بينهما. وهي نصوص تؤكد بأنه لا مسواة بين الرجال والنساء في التراث الإسلامي، إن نظرنا إلى الموضوع من زاوية الواقع الذي نعيشه اليوم، في مفهومنا لكل من الرجل والمرأة، فمختلف هذه النصوص إن كانت تتوافق مع محيط زمانها، وربما كانت تستجيب وتنسجم مع مقتضيات فرضتها تحديات ثقافية واجتماعية واقتصادية حينها، فهي اليوم غير صالحة لزماننا؛ لأنها تكرس سلطة الرجال المطلقة على النساء. وهذه النصوص حول القوامة لا يعني أنها أحاطت بمجمل التصور القرآني، فبالإمكان تجاوزها الى تصورات أكثر عمقا، وأكثر قيمة في النظرة التكاملية يتساوى فيها الرجل والمرأة من جهة المسؤولية في الدنيا والاخرة.

القوامة قراءات بديلة

من البديهي أن موضوع القوامة لا ينبغي أن يبقى حبيس التصورات والأعراف الاجتماعية التي أسقطها المفسرون على فهم الآية 34 من سورة النساء وغيرها، فالموضوع في أمس الحاجة لقراءات بديلة من زواليا معرفية متعددة، منها ما يحفر في الخلفيات الاجتماعية والثقافية التي جعلت المفسرين يتكؤون على فهم القوامة في القرآن ليبرروا تسلط الرجال على النساء، ومنها الأبحاث التي تعمل على القراءة الكلية للموضوع من داخل السياق الكلي للقرآن الكريم. وأبحاث أخرى تبحث في الزوايا القانونية من جهة تشكل القانون بين الأمس واليوم...وغير ذلك من الأبحاث في مختلف التخصصات العلمية.

وبهدف المساهمة في القراءة البديلة لموضوع القوامة، أصدرت "مساواة" وهيّ حركة اجتماعية برزت على يدِ عددٍ من النسويات العربيات وأخريات من دول غربيّة وتقومُ على عدّة أسسٍ لعلّ أبرزها تحقيق المساواة والعدالة في الأسرة المسلمة، كتابا بعنوان: القوامة في التراث الإسلامي، قراءة بديلة. الكتاب من تحرير كل من: ريبا مير حسيني، ملكي الشرماني، جانا رمينجر. ترجمة، رندة أبو بكر. صدر الكتاب سنة 2016م (دون ذكر دار النشر)

يأتي الطرح الرئيس للكتاب متمثلا في مفهوم القوامة والولاية، الذي أسيء فهمهما فأصبحا، يشيران الى وضع النساء تحت سلطة الرجال، مما أدى الى جعل المفهومين حجر أساس بناء السلطة الأبوية في الفقه الإسلامي، وعلى كل من يسعى الى تأسيس صياغة مساواتية لحقوق الجنسين في المجتمعات الإسلامية أن يعيد فهم وصياغة هذين المفهومين والقراءات المتعددة للنصوص المقدسة في الإسلام التي بني عليها هذان المفهومان.[7]

وقد غطى الكتاب مجموعة من المواضيع بمشاركة سيدات متخصصات في حقول معرفية متنوعة، مختلف أبحاث الكتاب هي كالتالي: تراث الفقه الإسلامي وتحديات المساوات بين الجنسين. ريبا مير حسيني. التراث التفسيري لمفهوم القوامة بوصفه صياغة تأويلية. أمينة أبو بكر. قراءة مساواتية لمفاهيم الخلافة والولاية والقوامة. أسماء المرابط. صياغة فقه إسلامي يساوي بين الجنسين دراسة لمفهوم الولاية في السنة النبوية. عائشة اس شاودرى. الفقه الإسلامي والصوفية والجندر. سعدية شيخ. القوامة والولاية بوصفهما مبدأين أساسيين في قانون الأسرة المسلمة. لين ولشمان. صياغة جديد لمفهوم القوامة والولاية في قانون مدونة الأحوال الشخصية بمصر. مروة شرف الدين. الرجال قوامون على النساء ثلاثة فتاوى حول الحقوق والواجبات الزوجية. لينا لارسن. فهم القوامة والولاية من خلال حكايات النساء. ملكي الشرماني. قيم التوحيد فوق اعتبارات القوامة. آمنة ودود.

[1] انظر كتاب: الحوار قلق الحاضر وآفاق المستقبل، أسئلة حول الذات والآخر، (مجموعة حوارات) صدر عن منظمة الإيسيسكو 2024م.

[2] محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)، جامع البيان في تأويل القرآن المحقق: أحمد محمد شاكر الناشر: مؤسسة الرسالة الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م أبو جعفر الطبري، ج.8، ص.280 - 291

[3] أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي (المتوفى: 542هـ)، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، المحقق: عبد السلام عبد الشافي محمد الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة: الأولى - 1422 هـ، ج.2، ص. 47

[4] أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، الناشر: دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة: الثالثة - 1407 هـج.1، ص. 505

[5] أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، تفسير القرآن العظيم

المحقق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة: الثانية 1420هـ - 1999 م ج.2، ص.292

[6] محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: 1393هـ)، التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»، الدار التونسية للنشر – تونس سنة النشر: 1984 هـ، ج.5، ص.56

[7] القوامة في التراث الإسلامي، قراءة بديلة. تحرير كل من: ريبا مير حسيني، ملكي الشرماني، جانا رامينجر. ترجمة، رندة أبو بكر. صدر الكتاب سنة 2016م (دون ذكر دار النشر) ص.27