المرأة السورية: فعّالة على أرض الواقع، غائبة عن تطوير المعرفة وصنع القرار

فئة :  مقالات

المرأة السورية: فعّالة على أرض الواقع، غائبة عن تطوير المعرفة وصنع القرار

المرأة السورية: فعّالة على أرض الواقع، غائبة عن تطوير المعرفة وصنع القرار[1]

أبدأ بتحية الأخوات السوريات اللواتي يقفن دائمًا رافعات رؤوسهن وأصواتهن للدفاع عن حقوقهن، وتأكيد مسؤولياتهن، كما أحيّي الزملاء والزميلات في سوريا، اللواتي شاركنني لسنوات في تدارس القرآن، والذين تعاونوا معي ولا يزالون يقومون على تطوير التعليم العالي والبحث العلمي واللغوي والفكري عامة.

عنوان كلمتي: المرأة السورية: فعّالة على أرض الواقع، غائبة عن تطوير المعرفة وصنع القرار

يمثل هذا العنوان تأكيدي المتكرر في أبحاثي وكتاباتي خلال ما يقارب الستين عامًا، أن المرأة بحاجة إلى تطوير هويتها الذاتية كخطوة أولى لفعالياتها؛ اذ إنها غيبّت لعقود طويلة عن تشكيل وتطوير الفكر الإسلامي. فرغم وجود بعض الكتابات التقدمية من باحثات وناشطات مسلمات، لا تزال المرأة المسلمة العربية غائبة عن تطوير المعرفة وصنع القرار.

أطروحتي هذه لا تزال صالحة اليوم، خاصة بالنسبة إلى المرأة السورية؛ فهي نادرًا ما تشارك في التفسيرات الدينية، ولم يكن لها دور في القرارات التي أدت إلى التغيرات الحالية في القيادة السياسية والعسكرية؛ ذلك وللأسف، على الرغم من أنها كانت ولا تزال تلعب دورًا أساسيًّا في تحقيق تغييرات سياسية واجتماعية وإنسانية على أرض الواقع.

بصفتي باحثةً في الدراسات التربوية الإنسانية والإسلامية المتعلقة بالمرأة المسلمة والعربية، ركزت خلال العامين الماضيين على نشاط المرأة السورية بالتحديد. من بين هذه النشاطات، مشاركتي في مناقشات عبر الحاسب، حول موضوع "التجديد الديني وعلاقته بالمرأة"، مع مجموعة من الرجال والنساء السوريات والعربيات والمسلمات. ولاحظت أن غالبية المشاركات كنّ قلقات بشأن كيفية التغلب على التفسيرات الأبوية للإسلام التي تستخدم "الشريعة الإسلامية" كحجة، وخصوصًا ما يُعرف منها بـ "قانون الأحوال الشخصية"، ولكن القليل منهن ربط هذه التفسيرات بالمشهد الاجتماعي والسياسي القائم، متغافلات عن أن الشريعة الإسلامية في جوهرها هي ما تقره الآية الثامنة عشرة من سورة الجاثية: "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَاۖ..."، والتي هي الطريق الموجه بالروح القرآنية لدى المؤمن والمؤمنة الواعية ضميرياً، وليست قوانين تُفرض من البشر.

ولكم استبشرت خيرًا من نقاش تم حول المشهد السياسي المتغير في سوريا، عندما كانت موجات الأثير على الحاسب مليئة بالأصوات التي تدعو للمشاركة في إعادة تشكيل مشهد سياسي واجتماعي عادل، والذي جعلني أكتب عن هذا الحدث اليوم هو السؤال الذي استمر يطرح نفسه: "كيف يمكننا القيام بذلك؟"

يبدو لي أن طول غياب هويتهن الذاتية وولايتهن وفعّاليتهن في صنع القرار، وتطوير المعارف قد أدى إلى عدم ملاحظتهن أن نشاطهن الاجتماعي لن يترجم مباشرة لتغيير في دورهن القيادي. ربما يرجع ذلك إلى عدم تركيزهن على كون التغييرات في الدور القيادي تتطلب أولا وبالضرورة إعادة بناء هيكل جديد بمبادئ جديدة وبتفكير جديد، سواء تعلق الأمر بالإسلام أو بأي إيديولوجية أخرى تؤثر أو سوف تؤثر في العقول والنفوس.

أكرر، ربما بسبب نضالهن الطويل خلال العقود القليلة الماضية في محاولة تغيير واقعهن على الارض، لم تدرك أكثر النساء الحاجة الأساسية لتغيير التصورات الأبوية التي تحكم البنية الاجتماعية والسياسية برمتها، سواء كانت هذه التصورات لها علاقة بالإسلام أو بغير ذلك؛ إذ عندما يواجه الانسان ظروفا معيشية قاسية، فغالباً ما تتشوش رؤيته عن أن الذي يحدث على الأرض مرتبطا بعملية صنع القرار، وأن ما يحدث ينعكس أيضاً على القيادة في تطوير المعرفة. فالمرأة السورية قد تكون بحاجة للوعي في أن غيابها الطويل قد يمنعها من إدراك العلاقة بين التصورات السلبية عن دورها الذي فرضه المجتمع، وطبيعة القرارات التي أدت إلى تغييبها ولتلك الظروف. هذه التصورات السلبية، التي غالباً ما أصبحت جزءًا من تفكيرها اليومي في تأمين حاجات عائلتها وفي خلق جو بناء وتعاوني، لن تساعدها في تحقيق أهدافها وآمالها الحالية، إلا إذا بدأت بتغيير نفسها؛ فأنا أرى العمل على ذلك بدءًا وأولًا!

جوهر أطروحتي هو أن المرأة المسلمة والعربية، بشكل عام، غائبة عن المشاركة الفعالة والمتساوية التي يقوم بها الرجال عادة. إضافة إلى ذلك، فهذا الحرمان من الأدوار القيادية في تلك المجتمعات جعلها غير قادرة على تطوير ولايتها ووصايتها الخاصة وهويتها الذاتية واستقلاليتها التي هي حق لكل إنسان، كما تذكرنا الآيات الأولى من سورة النساء: "يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٍ..." في أننا خلفاء لبعضنا بعض.

فدور المرأة كان مشروطاً وملزماً بلعب دور مكمل لأسرتها الذكورية عن غير قصد منها، ولذلك يتضاعف العبء عليها؛ لأنها لم تعط الفرص الكافية مثل الذكور. وبالنتيجة، فهي لن تتمكن من تغيير التصورات والسلوكيات الذكورية السائدة بالمجتمع حتى تستعيد أولا هويتها وولايتها الذاتية في صنع القرارات وفي تطوير المعارف. نعم، إنه واجب وعبء ثقيل، لكنه هذا هو الأمر الثاني الذي لا بد منه.

السؤال الأساسي الآن: كيف يمكن تحقيق ذلك؟

أرى أن الإجابة تكمن في تقييم النساء لقدراتهن الحالية بأنفسهن، فكما يذكّرنا المفكر والفيلسوف السوري جودت سعيد رحمه الله: "علينا أن نتحرّر من الفيروسات الفكرية حولنا أولاً".

وبصفتي إنسانة وهبني الله العقل والضمير للتفكر، اجتهدت في إعادة فهم معاني الإسلام، مستلهمة من سورة العلق (العلق:96: 1-3): "ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ...، الذي علّم بالقلم" باستعادة تفهّمي لمعنى "لا إله إلا الله".

سأشرككم ببعض ما قمت به كمثال فقط؛ الاجتهاد لا يكون فقط بالمعنى الديني أو التقليدي، وإنما هو ضروري في أي موضوع، طالما أننا لا نغفل عن النظر للوضع الحالي، وبصورة خاصة لوضع المرأة بموضوعية ومصداقية، وألا نفصله عن سعينا للعدل والقسط عامة.

لقد قررت تطبيق هذه المفاهيم في أبحاثي ونشاطاتي مركزة على الأفراد بعد خمسة وعشرين عامًا من العمل التطوعي مع منظمات العرب والمسلمين في أمريكا، ساعية لرفع مستوى فهمنا للأخلاق الإسلامية وتطبيقها كجزء من الدين. كانت غايتي من التركيز على الأفراد أن أحقق هويتي الذاتية بالإسلام كنظرة عالمية بداية، كما توجهنا سورة (الإسراء 14: 17) "اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا." وكذلك لمساعدة النساء اللواتي تعاونّ معي في تحقيق هوياتهن وولايتهن الذاتية؛ إذ لم نتوان عن استخدام أدوات البحث التربوي والاجتماعي والوعي النسوي كمنظور لإعادة قراءة التاريخ ولتطوير فهمنا للقرآن. وهذا ما مكننا من تطبيق المنهج القرآني لتحقيق مبدأ التقوى في العلاقات الإنسانية عامة عبر سعينا لإيصال الكلمة للجميع دون أن نبثّ الخوف من التغيير!

ختامًا، إنني أؤمن أن العمل على تطوير الهوية الذاتية هو الخطوة الأولى لتحقيق العدالة والمساواة والقسط. التغيير لن يأتي بسهولة، لكنه ممكن بالاجتهاد والعمل الفعّال، مع الحفاظ على الموضوعية والمصداقية في السعي نحوه.

وشكرًا لاستماعكم، والسلام عليكم.

[1] - كلمة قدمت خلال الندوة الحوارية الأولى "الإسلام السياسي وأوضاع المرأة في سوريا (والعالم العربي): الحاضر والمستقبل" في تاريخ 10 كانون الثاني 2025