الوضعيـة القانونيـة بوصفهـا نظريـة للقواعـد عند هاربرت هارت
فئة : مقالات
الوضعيـة القانونيـة بوصفهـا نظريـة للقواعـد عند هاربرت هارت
ملخص البحث:
كان للروح العلمية التي سيطرت على القرن التاسع عشر تأثير شاسع على مختلف الحقول الفكرية بما فيها تلك التي تنتمي إلى مجال العلوم الإنسانية، حيث استطاعت هذه النزعة العلمية أن تنفذ بسلاسة إلى عدة فروع من مجال العلوم الاجتماعية وتؤثر فيها، وهو الأمر الذي يتضح بشكل بارز مع وضعية «أوجست كونت (1857-1798) August Comte» ومحاولته تأسيس علم الاجتماع على أسس علمية، لتشتد صلابة هذا الحلم العلمي ويضحى أكبر مما سبق، وينتقل إلى فروع علمية أخرى. ويعد القانون من بين هذه الفروع التي سعى رجالها نحو التأسيس لنظريات قانونية تقوم على مرتكزات علمية، محاولةً أن تجعل من نفسها علما ذا منهج وموضوع مستقلين، ويشكل المذهب الوضعي أو الوضعية القانونية النموذج الذي يعترف لنفسه بهذا التوجه العلمي في القانون. عرف هذا المذهب انتشارا واسعا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ولا زال تأثيره مستمرا حتى اليوم وبشكل بارز في العالم الأنجلوسكسوني، إذ يمكننا القول إن الوضعية القانونية تشكل براديغم جديد للتفكير في موضوع القانون إلى جانب نظريات أخرى أهمها نظرية القانون الطبيعي.
في هذا الصدد، يلزمنا التنبيه إلى أنه يجب ألا نفهم من هذا أن هذا المذهب هو وليد تلك اللحظة بالذات، وبالتالي معزول عن تاريخ تطور التفكير في القانون، وإنما هو وليد مخاض طويل وممتد في الفكر الفلسفي، حيث يمكن إرجاع أصوله الفلسفية الى الفكر اليوناني وتحديدا مع الحركة السفسطائية ودفاع بعض رواضها عن فكرة القانون الوضعي في مقابل القانون الطبيعي. وعليه، تشكل الوضعية القانونية تتويجا لمسار طويل من النقاش العميق حول ماهية القانون ومصادره. سنعمل في هذا المقال على محاولة رصد المقصود بالوضعية القانونية وفهم أهم الركائز التي تقوم عليها، من خلال أحد أبرز فقهائها في المعاصرين «هاربرت هارت (1992-1907)Harbert. L. A. Hart « وبناء عليه، ما المقصود بالوضعية القانونية عند هاربرت هارت؟ وما الأسس التي قامت عليها؟
تقديم:
لَاقت الوضعية القانونية انتشارًا واسعا، وذاع صيتها في مختلف الأوساط الفكرية وخصوصًا في المجال الأكاديمي المهتم بالفقه القانوني، حيث أضحت تشكل براديغمًا معرفيا جديدًا للتفكير في القانون وما يتعلق به من قضايا شائكة من قَبيل طبيعة الأحكام القضائية وما تثيره من نقاش في فضاءات المحاكم وداخل النظريات القانونية. وكامتداد لهاته الشُّهرة الكبيرة، وكاستمرارية في التطوير والتنقيح للعمود الفقري لهذه النظرية، تُشكّل الصيغة التي وضعها رائد الفقه الإنجليزي هربرت هارت أبرز نموذج للوضعية القانونية في القرن العشرين وأوضح مثال لها كما يرى الفيلسوف الأمريكي المعاصر «رونالد دوركين (1931-2013)«Ronald Dowrkin لكن، قَبل الخوض في عرض المعالم الكبرى للصيغة التي وضعها هربرت هارت والتي وسِمناها بـ "نظرية القواعد"، يَلزمنا التطرق بشكل سريع ومقتضب للتصور الذي لا تُعد نظرية هارت في واقع الأمر سوى تطوير وتعديل له، ونقصد هنا نظرية القانون الوضعي للفيلسوف البريطاني الشهير «جون أوستين (1970-1859) «John Austin التي نجد لها تسميات مختلفة، فتارة يُطلق عليها اسم المذهب الوضعي التحليلي Analytical Jurisprudence، وتارةً أخرى النظرية الآمرة أو نظرية الأمر Command Theory، والذي تشكل أعماله في هذا الصدد المصدر الرئيسي للفقه الوضعي في القانون[1].
نظـرية الأمـر بين مطمح العلمية وإهمـال فكـرة القواعـد
اهتم جون أوستين، وهو أحد جهابذة الفقه القانوني ببناء نظرية عامة للقانونGeneral Jurisprudence بروح علمية، ترتكز أساسا على دراسة القانون كما هو؛ أي القانون الموجود لا كما ينبغي أن يكون، وتحاول منح تفسير علمي للقانون ولما يتعلق به من أفكار ومفاهيم وكل ما يشكّـل الهيكل التفصيلي للنظام القانوني، وهكذا ”تطور علم قانون أوستين وفق قواعد تحليل المفاهيم القانونية“[2]. نظرية تدخل ضمن نطاق البدايات الأولى لانبثاق نمط التفكير الوضعي في القانون. ويرتكز أساس تسمية هذه النظرية بالتحليلية على ايلائها أهمية قصوى للتحليل التصوري للمفاهيم المركزية في القانون (الجزاء، الجريمة، الالتزام ...إلخ)؛ وذلك لأن إدراكنا للظاهر مرتبط بوَعينا الحاد بالكلمات أو المفاهيم التي ندرك بها هذه الظواهر[3]. وهناك من يعترض على تسمية نظريته هذه "بالفقه التحليلي"، ويرون أنها اختراع الحقوقيين البريطانيين في القرن التاسع عشر[4]. فيما يرتبط الاسم الثاني بطبيعة تعريفها لماهية القانون.
يبدأ جون أوستين مسيرته بمحاولة وضع تحديد لمجال نظريته الفقهية، مما دفعه إلى إقامة تمييز بين القانون الإلهي Law God والقوانين الإنسانية Humman Laws، يعرف الأول باعتباره كل القوانين التي وضعها الله للبشر، جاعلا من القانون الطبيعي قانون الله، رافضا تسميته بقانون الطبيعة لما يعتري هذه التسمية حسب وجهة نظره من غموض وتضليل. فيما يقصد بالقوانين الإنسانية أو القوانين الوضعية تلك القوانين التي يضعها الرجال للرجال[5]. لكن ما يهمه هنا هو القانون الإنساني؛ لأنه القانون الذي ستهتم نظريته القانونية العامة بتحليل مفاهيمه واستقصاء تفاصيله. لكن أكثر ما يهمنا في نظرية أوستين هو تحديدها لماهية القانون، تحديد سيثير نقاشا واسعا بين رجال القانون، وسينتج عنه ردود فعل غالبيتها ترفضه، ويعد نقد هربرت هارت واحدًا من بين انتقادات عدّة.
يقول أوستين: ”يبدو أنه يمكن تعريف القانون بالطريقة التالية: القانون أمر ملزم لفرد أو لمجموعة من الأفراد، لكنه إذا ما قُورن أو قُوبل بأمر عرضي أو خاص، فإنه أمر ملزم لفرد أو لمجموعة من الأفراد للقيام بأعمال أو الإمساك عن أخرى على نحو عام. والقانون في الاصطلاح العام الأقل دقة وتمييزا هو أمر ملزم لفرد أو لمجموعة من الأفراد باتباع نهج سلوكي معين“[6]. بناء على هذا التعريف، نستخلص أن أوستين ينظر للقانون باعتباره نظاما من الأوامر Commandsتطبق على الأفراد وتلزمهم بضرورة الخضوع لها، أوامر يكون مصدرها صاحب السيادة the sovereign وصاحب السيادة هنا ليس بالضرورة أن يكون شخصا واحدا، بل يمكن أن يكون مجموعة من أفراد تشغل منصب السيادة، لكن ما يهم هنا هو أن يخضع الناس له، وتشكل الأوامر التي يصدرها القواعد العامة التي تحكمهم وتسير شؤون حياتهم[7]، وهكذا تضحى كل القواعد أو القوانين حسب أوستين هي أوامر. لكن ليست كل الأوامر قوانين، وهنا يميز أوستين بين شكلين من الأوامر، ويعتبر أنه إذا أمر الملك رعاياه بأن يكون الأسود هو لباسهم، فإن أمره سيكون بمثابة قانون. أما إذا أمرهم بارتدائه في مناسبة معنية، فإن الأمر لن يبلغ درجة القانون، وإنما يكون خاصا فقط. وعليه، يعتبر أوستين كل قانون أو قاعدة هي أمر، أو بشكل أدق هي نوع من الأمر، وليس كل أمر قانون[8]. وهكذا، يصبح صاحب السيادة حسب أوستين هو مصدر كل القوانين النافذة في المجتمع الذي يسود فيه. والقانون الصادر عنه سواء أكان فردا أو جماعة هو أمر موجه الى أشخاص خاضعين لسلطته؛ أي المنتمين إلى نظامه السياسي أو القانوني، وبالتالي فهم ملزمون بطاعته.
وعليه، يتمتع القانون حسب النظرية العامة لأوستين بمقومات عدة يُجملها هو في أربعة مقومات: أول هذه المقومات نجد الأمر، فوجود القانون يرجع إلى وجود صاحب السيادة؛ أي وجود نظام سياسي تتوفر فيه طبقة تصدر القانون، باعتباره أوامر. ثانيا نجد الجزاء، فما دام القانون أمرا يُصدره صاحب السيادة إلى الجماعة الخاضعة لأوامره، فالأمر هنا لابد أن يقترن بجزاء يكفل الخضوع له. ثالث هذه المقومات نجد السيادة، فمن خلال القول إن القانون مصدره صاحب السيادة، يصبح هذا الأخير معترف له بحق السيادة في النظام الذي ينتمي له. فيما يتعلق المقوم الرابع بالواجب، وهو مرتبط بالأشخاص الخاضعين للأوامر، على اعتبار أن صدور أمر الحاكم يفرض على المحكومين واجب الطاعة[9]. نستخلص إذن أن القانون حسب أوستين هو نظام أو نسق من الأوامر نابعة عن صاحب السيادة (فرد أو مجموعة من الأفراد)، يملك سلطة عليا في التشريع، والجماعة التي تدخل ضمن سيادته ملزمة بأن تخضع لأوامره. لكن السؤال المطروح هنا: هل بإمكان أوامر صاحب السيادة أن تغطي كل مجالات الحياة؟ وما درجة الوضوح التي تتمتع بها هذه الأوامر كي يكون تنفيذها سلسا، ولن تحتاج لمن يرفع عنها الغموض؟ يعترف أوستين بأنه لا يمكن لصاحب السيادة أن يتوفر على قدرات كهذه، وبالتالي لن تكون أوامره كافية وشاملة لكل مناحي الحياة ولجل القضايا التي يمكن أن تحصل، كما أن قوانينه من العسير جدا أن تَتّسم بالوضوح التام، لا بد أن يشوب بعضها أو أغلبها نوع من الغموض والضبابية. ولحل هذا النقص الذي يعتري نظريته القانونية، يذهب إلى خلق سلطة أخرى تكون خاضعة لصاحب السيادة، يمدها ببعض من الصلاحيات التي تخوِّل لها القدرة على حل هذا النقص أو الغموض الذي يعترض تنفيذ الأوامر الصادرة عن صاحب السيادة. تتمثل هذه السلطة في اللجوء عند الحاجة إلى السلطة التقديرية Descretion التي يمنحها صاحب السيادة للقضاة الذين يتقلدون مهمة تطبيق القانون، سواء بتشريع قوانين جديدة تتماشى مع القضايا الجديدة التي لم تشملها أوامر صاحب السيادة أو لتوضيح وتبسيط الأوامر الغامضة حتى تضحى واضحة ونافذة بما يكفي. بَيْد أنها ليست بسلطة مطلقة، وإنما مشروطة بضوابط محددة يتوجب على القضاة مراعاتها أثناء ممارسة سلطتهم التقديرية، وتتلخص هذه الشروط في ثلاث نقط أساسية، وهي: أولا، تعد السلطة التقديرية الممنوحة للقضاة سلطة محددة للغاية، ثانيا، لا يمكن للقاضي أن يستمد هذه السلطة من تلقاء ذاته، وإنما يستمدها من صاحب السيادة بما هو السلطة العليا، ثالثا، يلزم القاضي عندما يخوّل له ممارسة سلطته التقديرية أن يراعي ويأخذ في الحسبان القصد الأكبر لصاحب السيادة، وألا يشرع ضده أو يخالف نيته العامة[10].
تعرضت المعالجة المفهومية التصورية لعدة انتقادات، أهمها تلك التي استهدفت تحديدها لماهية القانون، اعتبرت نظرية أوستين القانون نسقًا من الأوامر. تحديد من هذا الشكل يلحقه نوع من الخلط بين ما يمكن اعتباره قانونا صحيحا وما يدخل ضمن الأوامر غير الشرعية مثل تلك الأوامر التي يصدرها قاطع الطريق، بالإضافة إلى خلطها بين القوة والقانون من خلال منح سلطة مطلقة لصاحب السيادة، وهو مما يمكن أن ينعكس سلبا على المرامي المراد تحقيقها من وراء القانون، فعوض تحقيق العدالة والخير العام، يضحى أداة في خدمة السلطة المستبدة. كما أن فكرته حول وجود صاحب السيادة لا تطابق واقع المجتمعات الحديثة التي تتسم بالتعقيد والتركيب، إذ السلطة تكون في بعضها في يد عموم الشعب وهو ما لا يحقق ذلك الشرط الذي يرسمه أوستين لصاحب السيادة[11].
شكلت إذن هذه النظرية الأرضية التي انطلق منها هربرت هارت فقيه القانون الإنجليزي وممثل الوضعية القانونية في القرن العشرين، ناقدا لأسسها في بعض الجوانب وخصوصا في تحديدها لمفهوم القانون، رافضا بذلك تفسيره للقانون باعتباره نظام من الأوامر يستوجب طاعة دائمة. ويُرجع هارت السبب الجذري لفشل نظرية أوستين وعدم بلوغها الرصانة الكافية إلى افتقار فكرة الأوامر التي يقيم عليها نظريته العامة في القانون لفكرة القواعد القانونية، بما هي أساس فهم القانون، في غيابها لا أمل في توضيح حتى أبسط أشكال القانون[12].
وعليه، ينطلق هارت في بناء نظريته من نقد مفهوم القانون كأوامر قسرية Coercive Orders لصاحب السيادة، والتي تشكل حسب أوستين مفتاح علم القانون. يذهب هارت في البداية إلى إبراز تهافت هذا التحديد العام والغامض الذي لا يفصل بين أوامر قانونية وبين تلك الأوامر المدعومة بالتهديدات OrdersBecked By Threats التي يصدرها مثلا المسلح[13]، وهو المعنى الذي يرفضه هارت رفضا قطعيا، وخصوصا توظيفه في تفسير القانون[14]. وهكذا يجمل هارت نقده لهذا الأمر في أربع نقاط وهي: أولا، تأمر جميع القوانين بما فيهم القانون الجنائي بعقوبة محددة بحسب طبيعة الجُرم المُرتكب، وبالرغم من أن معظمها قد يكون مدعوما بتهديدات من جهة معينة، إلا أنها أوامر تشمل الكل، ويخضع لها الجميع، ويدخل ضمن هذا الكل من له سلطة التشريع. ثانيا، توجد أنواع أخرى من القوانين لا يمكن اعتبارها أوامر مدعومة بسلطة صاحب السيادة، ويعطي نموذج القوانين التي تعطي صلاحيات قانونية للفصل في قضايا معينة، سواء تفسيرا أو تشريعا أو تعديلا لقواعد قانونية موجودة من قبل. ثالثا، هناك قواعد قانونية تختلف في طريقة نشأتها عن الأنظمة القانونية، فهي لا تخضع للصفات التي تحدد طريقة إنشاء القوانين. رابعا وأخيرا، إن مفهوم القانون كأمر قسري لا يتماشى مع طبيعة الدولة الحديثة، ولا يمكن تحديد صاحب السيادة سواء أكان شخصا أو مجموعة أشخاص في ظل جمهور الناخبين أو وجود هيئة تشريعية مستقلة[15].
ما دامت الأوامر غير كافية لتفسير القانون وفهمه، نظرا لافتقارها لفكرة القواعد بما هي مفتاح فهم القانون وتوضيح أشكاله حسب هارت، وبالتالي عدم نجاعة النظرية القانونية لأوستين في خلق فقه قانوني ذي روح علمية، قادرة على الاهتمام بالقانون الوضعي كما ينبغي. فالهوّة التي تتضمنها هذه النظرية وما تحويه من عراقيل دفعت هارت إلى ضرورة تطوير صيغة من الوضعية تكون أكثر ملاءمةً لمجريات الواقع وأكثر فاعلية في فهم القانون وتفسيره. وبما أن عيب النظرية الأوستينية يتجلى في إهمالها لفكرة القواعد بما هي عنصر أساسي لفهم القانون، ف هارت سيجعل من هذا العنصر العنوان البارز لنظريته القانونية، من خلال منح بداية جديدة لفكرة القواعد وجعلها العمود الفقري لنظريته. وعليه، سنحاول باختصار شديد أن نبرز أهمية القواعد في نظرية هارت من خلال رصد التجديد الذي أضافه للتقليد الوضعي والمتمثل في التمييز بين صنفين من القواعد: قواعد أولية Primary Rules وقواعد ثانوية Secondary Rules. وبعدها سنتطرق لما يطلق عليه بقاعدة التعرف The Rule Of Recognition التي يعتبرها رونالد دوركين إحدى أهم الإضافات التي قدمها البروفيسور هارت للوضعية القانونية، وبعدها سنحاول أن نعرج على تصور هارت للعلاقة بين الأخلاق والقانون بما هي أبرز القضايا التي لا تزال تحتفظ لنفسها بالطراوة المعرفية والعمق والاختلاف الفكري الشديد وخصوصا في فلسفة القانون.
رفض صاحب نظرية القواعد تعريف أوستين للقاعدة باعتبارها أمر، وذهب في مسار بناء صيغة للوضعية أشد تعقيدا، صيغة تجعل من القواعد أساسا لها. يبدأ هارت اشتغاله على القواعد من خلال التمييز بين نوعين مختلفين من القواعد، وإن كانا مترابطين من وجهة نظره، وهما القواعد الأولية والقواعد الثانوية، حيث يشكل التمييز الذي وضعه هارت وتحليله لطبيعة كل واحد منهما جوهر نظريته العامة في القانون، إذ يعتبر أن فهم التفاعل بين هذه القواعد مهم جدا لتوضيح المفاهيم التي تشكل إطار الفكر القانوني، وذلك لقوتها التفسيرية. ونظرا لأهمية هذا التمييز الذي وضعه هارت يلزم علينا أن نعرج على أهم ما جاء فيه.
فيما يتعلق بداية بالقواعد الأولية، فيقصد بها تلك القواعد التي تفرض واجبات وتحدد التزامات على الأشخاص المنتمين لمجال سيادتها. فهي تحدد فعل شيء أو الامتناع عن أفعال معينة، ومثال ذلك القواعد التي تقيّد استخدام العنف، أو السرقة أو القتل. أما القواعد الثانوية فتمنح صلاحيات أو سلط، وتتمظهر عبر سماحها في إدخال قواعد جديدة من النوع الأولي أو تعديل القواعد القديمة. وتَدخل قواعد صنع الوصايا وإنفاذها وإبرام العقود ونقل الملكية ضمن ما تنص عليه. ومنه، تكون هذه القواعد بمثابة إطار عام مفتوح يحدد الكيفية التي يجب اتباعها في وضع قواعد حول الالتزامات القانونية الخاصة[16].
وبناء على فكرة الالتزام يأخذ هارت مَهمة توضيح الاختلاف في هذا الجانب بين اعتبار القواعد صيغة من الأوامر، والقواعد القانونية ومكنونها حول الالتزام القانوني. يميز هارت في هذا الصدد بين معنى الإجبار القائم على التهديد والمرتبط بضرر أو شر ما، وبين فكرة الالتزام المقيدة بقانون. فالمسلح الذي يأمر موظف البنك بتسليم المال وتهديده بالرد على رفضه بالقتل، ورضوخ الموظف لأوامر المسلح لا يمكن البناء عليه والقول إن الموظف لديه التزام بتسليم المال؛ لأن الالتزام هنا مرتبط باحتمالية المعاناة من العقاب المتجلي شرّا في حالة عصيان الأمر. وعليه، ينفي هارت أيّة إمكانية للعثور على الالتزام القانوني في هذه الحالة[17]، فالالتزام القانوني يكون بموجب قاعدة وليس في مفهوم الأوامر المدعومة بالتهديدات.
وهكذا، ينتقل هارت إلى مرحلة جديدة للحديث عن الالتزام القانوني، وهي مرحلة القواعد الاجتماعية، قواعد تجعل من سلوك الأفراد سلوكا معياريا ومقياسا يلتزم به أفراد الجماعة دون الاستناد إلى فكرة القوة والتهديد، وهي قواعد ناشئة بفعل الاتفاق بين الجماعة، ولا توجد إلا في المجتمعات البدائية، غير أنها ليس بمقدورها أن تشكل نظاما قانونيا، إذ لا تتعدى أن تكون مجموعة من المعايير المنفصلة لا تتوفر على نص مكتوب وموثوق يمكن الاسناد له أو مسؤول يمكن اعتبار تشريعاته نقطة موثوقة، الأمر الذي يحصل معه وجود ثلاثة عيوب للقواعد الأولية، وهي: أولى هذه العيوب نجد عدم اليقين الناتج عن غياب القدرة عل التمييز بين القواعد القانونية والقواعد الاجتماعية، العيب الثاني يَكمُن في الطابع الثابت لهذه القواعد، فيما يتجلى العيب الثالث في عدم كفاية الضغط الاجتماعي الذي بإمكانه أن يدفع الأفراد كي يمتثلوا للقانون، ضغط ناتج عن التساوي في الإمكانات والقوة بين أعضاء الجماعة[18]. الشيء الذي جعل هارت يقترح الصنف الثاني من القواعد، أي القواعد الثانوية، وهي بمثابة استكمال للقواعد الأولية، ويعتبر وجودها في المنظومة القانونية بمثابة خطوة من عالم ما قبل القانون إلى عالم القانون. فإذا كانت القواعد الأولية معنية بما يجب على الأفراد فعله وما يلزمهم اجتنابه، فالقواعد الثانوية معنية بالقواعد الأولية عن طريق تحديدها لقواعد قانونية جديدة أو تعديل القديمة أو إزالتها[19]، وهي القواعد التي كانت تفتقر لها المجتمعات البدائية، وهي قواعد تتميز بعدة خصائص تمنح للقاعدة القانونية المنشأة بموجبها نوع خاص من الالتزام، ”فالقواعد الملزمة هي ملزمة لأنها وُضعت وفق صيغة مخصوصة من خلال قاعدة ثانوية تعتبر صحيحة“[20]. تتمثل هذه الصيغة المخصوص في وجهة نظر دوركين في القوة التي يمنحها النص القانوني لها بعد الاتفاق عليها، ويختصرها في مصطلح "الصحّة Validity".
تتكون هذه القواعد الثانوية كما قلنا من عدة خصائص تأتي على صيغة ثلاث قواعد: قاعدة التعرّف Rule Of Recgnition وقاعدة التغيير Rule Of Change وقاعدة إصدار الحكم[21]Rule Of Adjudication، وتعد قاعدة التعرّف القاعدة الأساسية للقواعد الثانوية وأبرز هذه القواعد، وتشكل معيار البتّ في صلاحية القواعد القانونية، فهي قاعدة تهتم بتحديد القواعد الصحيحة للقانون، إذ ”يقدمها لنا هارت بوصفها قاعدة رئيسة تكون مستقرة على نحو معقول وتمكّن من رصد سمة أو بعض سمات يكون في توفرها في قاعدة موضع إحالة دليل قاطع ونهائي على أن الأمر يتعلق فعلا بقاعدة“[22]. تتأتى لها هذه الأهمية من خلال قدرتها على توضيح الصلاحية القانونية، وهي قاعدة تحضر في النظام القانوني بشكل غير معلن عليه، إذ لا يتم ذكرها، لكن وجودها يظهر بجلاء من خلال الطريقة التي يتم وفقا لها تحديد قاعدة قانونية معينة من الجهات المخوّل لها مهمة القيام بذلك[23]. قاعدة تختلف درجة تعقيدها حسب طبيعة النظام القانوني، وتبلغ أقصى درجات التعقيد مع الأنظمة القانونية الحديثة التي تتميز بدورها بالتعقيد، وكذا حسب طبيعة الاشتغال، هل من داخل النظام القانوني؛ أي ما يتعلق بالتوافق والمصادقة على القاعدة القانونية من الداخل، أم من حيث النظام الخارجي المرتبط بمدى فاعلية النظام القانوني بشكل عام. وتعد هذه القاعدة حسب هارت القاعدة النهائية للنظام القانوني[24]، فبالرغم من عدم الإدلاء بها بشكل علني إلا أن وجودها يعد حقيقة واقعية، وما يجعل منها كذلك، هو طبيعتها العملية وشكلها التوافقي مع طبيعة المحاكم والمسؤولين في عملية تحديدهم للقانون بناء على معايير معينة، وبالتالي فهي قاعدة تحضر كممارسة في النظام القانوني وليس فقط كمفهوم مجرد، إذ إنها تنكبّ على توفير المعايير اللازمة لتقييم صلاحية القواعد القانونية[25]. وعليه، تكون قاعدة التعرّف في النظرية القانونية لـهارت بمثابة اختبار حاسم تخضع له القواعد القانونية لمعرفة صلاحية القانون، لكن ما يعاب عليها وتحديدا من وجهة نظر الأطروحة التي تنادي بضرورة حضور المبادئ في صياغة القوانين، هو اقتصارها على اعتماد هذا الاختبار فقط في حالة القواعد القانونية، والأمر يزداد تعقيدا حينما نميز بين طبيعة القواعد القانونية التي تشكل سلسة هرمية مترابطة فيما بينها، والمبادئ الأخلاقية التي تستند لبعضها البعض. بالإضافة إلى هذا، لا يمكننا الحديث كما سنرى في الفصل القادم (المحور الثاني: الوضعية القانونية ووَهْم كفاية منوال القواعد) عن صحة المبادئ من عدمه، كما هو الشأن في مع القواعد. وعلى هذا الأساس يدحض دوركين أطروحة هارت التي تقول أنّ كل نسق قانوني يتضمن اختبارا حاسما للقانون في شكل قاعدة تعرّف، ومن أهم الأسباب التي تدفع لعدم القبول بهذه الصيغة، هو أنها لا تملك القدرة على مدنا باختبار حاسم لمعرفة صحة المبادئ[26].
القواعـد القانونية: النسيج المفتوح والحاجـة للسلطة التقديريـة للقاضي
تأخذ القواعد القانونية مكانة عالية في النظرية القانونية لهربرت هارت، يرفع من شأنها ويرى فيها الحل لكل الصعوبات التي تواجه الفقه القانوني بمختلف توجهاته؛ وذلك من خلال قدرتها على توفير الآليات التي تمكننا من فهم القانون وتفسيره في ظل واقع قانوني معقد. كما أنها تمتاز بالفاعلية والإجرائية، حيث تتم صياغة قواعد قانونية ذات طبيعة الزامية تحدد ما يجوز فعليه وما يجب اجتنابه، وهذا يدخل ضمن اهتمامات القواعد الأولية، ثم قدرتها على فتح المجال أمام تعديل هذه القواعد الأولية وتغييرها بما يتوافق مع الحاجة الخاصة لها، من خلال منحها لسلطة التغيير والتعديل لمن هو أهل لذلك، وهذا ما تقوم به القواعد الثانوية.
تحتاج عملية صياغة هذه القواعد وإنشائها لغة عامة بها يتم التعبير عن هدف هذه القاعدة، الشيء الذي يحصل معه تارة وضوح تام في بعض القواعد، ويكون تطبيقها سهلا ولا يحتاج لجهد في الفهم والتأويل، وتارة أخرى تكون المفاهيم المستخدمة عامة ومجردة وتحيل على معاني عدة، الشيء الذي يطرح صعوبة على مستوى تنفيذ هذه القواعد وتطبيقها على حالات معينة، وبالتالي صعوبة في تحديد الشيء الصحيح الذي يجب القيام به، وهذا ما يجعل منها قواعد قانونية غير محددة؛ أي إنها ذات نسيج مفتوح كما يسميها هارت، الأمر الذي يترك مجالا مفتوحا لتطوير هذه القواعد بحسب طبيعة الحالة الخاضعة لها[27]. هذه نقطة أولى، من جهة أخرى يرى هارت أنه من سمات المأزق الإنساني أننا مجرد بشر ولسنا بآلهة، وبالتالي يستحيل علينا الإحاطة أو التنبؤ بكل أحداث المستقبل وحتى الحاضر وتغيراته، وعملنا القانوني في ظل هذا الوضع يبقى محدودا بعائقين، عائق مرتبط بجهلنا النسبي بالحقيقة؛ أي إن معرفتنا تظل محدودة، وهو ما يؤدي إلى العائق الثاني، فعندما تكون معرفتنا بالأهداف معرفة عامة وغير دقيقة، وبالتالي لا نملك القدرة على تحديد الأهداف بشكل مضبوط، فتكون الأهداف نسبية[28]. وما دام الأمر كذلك، فلا بد أن من البحث عن حل لتجاوز معضلة عدم التحديد هاته التي تحدث جراء جهلنا بالمستقبل، فلا مشكلة في حالة قضايا معروفة ولها قاعدة قانونية واضحة أو لها سابقة قضائية تتلاءم معها، لكن في حالة ما اعترضت القضاة قضايا جديدة لم يتم التفطن لها أو لم تحضر في بال واضعي القواعد القانونية ولم يسبق لها أن حدثت، وتسمى هذه الحالات في الفكر القانوني بالحالات الصعبة Hards Cases ما السبيل لحل مثل هذه القضايا؟
يكمن الحل من وجهة نظر هارت في هكذا حالات في منح القضاة سلطة تقديرية تتيح لهم سلطة الفصل في القضايا الصعبة، وما دام أنها حالات جديدة ولا قواعد قانونية نافذة لها، ولا سابقة قضائية يمكن الاستناد لها، فالحل يكون بتشريع قوانين جديدة وتطبيقها على هذه القضايا، وهكذا يتم فض النزاع في هكذا قضايا.
بعد عرض بعض القضايا المشكلة لهيكل نظرية هارت القانونية وبشكل مختصر، يلزمنا أن نتطرق لرأيه حول مسألة العلاقة بين الأخلاق والقانون، بما هي علاقة شغلت الفكر الإنساني ككل، والفكر القانوني بشكل أكبر، حيث نكاد نقول إنه لا يمكن أن نجد نظرية في الفقه القانوني تخلو من جدل فكري حول القانون والأخلاق، فهي إشكالية تفرض نفسها بالقوة على رجال القانون. وعليه، كيف ينظر هارت في وضعيته لهذه العلاقة؟ وما دام هارت فقيه ينتمي للوضعية القانونية وأبرز ممثليها في القرن العشرين، ونحن نعلم موقف الوضعية القانونية بشكل عام من الأخلاق، فما موقفه تحديدا من حضور الأخلاق في القانون؟
يدخل هارت ضمن الوضعيين الذي لا ينادون بأطروحة الفصل التام بين القانون (القانون كما هو) والأخلاق (القانون كما ينبغي أن يكون)، ولا يعتبرون الاتصال بينهما ضروري ولابد منه، فلا هو بمرفوض ولا هو بضروري. يسلم بأن مسار تطور القانون تأثر في واقع الأمر وبشكل عميق بالأخلاق والمثل الاجتماعية التقليدية لفئات مجتمعية معينة، وكذلك بمختلف أشكال النقد الأخلاقي المستنير التي ترمي إلى توجيه القانون نحو مرامي أخلاقية، غير أنه يأخذ هذه المسلمة على أنها حقيقة غير قانونية، وإنما كمبرر لقضية أخرى، وتتجلى في ضرورة أن يتضمن النظام القانون نوع من التوافق مع الأخلاق، أي أن يجعل من تحقيق العدالة هدفه الموّجه، وأن يساهم هذا التوافق في إرساء فكرة الالتزام الأخلاقي بطاعة القانون بين مختلف أفراد المجتمع[29].
إن ما يرفضه هارت في مسألة العلاقة بين القانون والأخلاق هو تلك القناعة المترسخة عند المتشبثين بنظريات القانون الطبيعي المدافعة عن فكرة فحواها أن الطبيعة تتضمن مبادئ معينة للسلوك البشري تنتظر من العقل البشري اكتشافها، وهو ما يفرض على القانون الوضعي ضرورة معها، أي مع قوانين الطبيعة وأن يكون تابعا لها، وهو ما يعتبره سوء تقدير في استيعاب المقصود من المفهوم العام للطبيعة، ويرى أن في هذا الكلام إصرار على التفاهات السطحية وتجاهل الحقائق العميقة. إن المشكل العويص هنا والذي يجب أن تنبه له هذه النظريات هو ضرورة الفصل بين ما يحدث في الواقع وبين ما يجب أن يحدث، وهو ما تتغاضى عنه وتقلل من قيمته النظرية الغائية للطبيعة، الشيء الذي ينعكس سلبا على وجهة نظرها لهذه المسألة، ويجعلها تعتبر الأخلاق مرجعية أساسية في صياغة القانون، لا تقف عند هذا الحد بل تتعداه لتعتمد القيم الأخلاق كمعيار للبث في الصلاحية القانونية، وهو الأمر الذي يرفضه هارت رفضا قطعيا، على اعتبار القانون قانون ولا يمكن الاستناد إلى الأخلاق التي تعد الذاتية والنسبية من سماتها البارزة، إذ لا يوجد اتفاق عام حول مقياس أخلاقي مشترك بين مختلف أفراد المجتمع يمكن اعتماده للحكم في صلاحية القواعد القانونية الوضعية التي تأتي كنتاج للتوافق. وهكذا يأتي رفض هارت للعلاقة بين الأخلاق والقانون في الحالة التي يتم فيها تقييم القوانين والحكم على صلاحيتها بالاستناد إلى الأخلاق والتي هي أخلاق ذاتية من وجهة نظره، وذات طبيعة نسبية.
عمل إذن هربرت هارت على التأسيس لنظرية قانونية تجعل من الوضعانية القانونية مرجعية لها، تبني على أسسها وتدافع عن تصورها للقانون. افتتح مسار اشتغاله بمحاولة تجاوز الهفوات التي سقطت فيها الوضعية القانونية مع المؤسسين الأوائل وتقويض بعض قضاياها، وهو ما يتضح من خلال النقاش العميق الذي فتحه هارت مع من أحد جهابذة الفقه القانوني ومؤسسي المذهب الوضعي وهو جون أوستين. لينتقل بعدها نحو صياغة نظرية جديدة أكثر قوة تبني على ما سبق وتستفيد منه، وتؤسس لتصور قانوني يتجاوب مع الواقع المجتمعي الحالي ولرهاناته. جعل من القواعد القانونية الركيزة الأساسية للهيكل الفكري لنظريته، معتبر بذلك القانون عبارة عن نظام من القواعد، والتي تتوزع حسب وجهة نظره على صنفين: قواعد أولية تنكب على تحديد الواجبات وبيان الالتزامات التي يجب الانصياع لها، وهي قواعد سادت في المجتمعات البدائية تحديدا. وقواعد ثانوية تمنح الصلاحية والسلطة للتعديل والتغيير في القواعد الثانوية وتحديدها للكيفية التي يتم بها هذا العمل وحددها في قواعد ثلاث: قاعدة التغيير، قاعدة إصدار الأحكام وقاعدة التعرف، وتعد هذه الأخير القاعدة الأساسية للقواعد الثانوية، إذ تشكل معيار تحديد صلاحية القوانين، رافضا بذلك أي تدخل للأخلاق في الحكم على القوانين وتقييم صلاحيتها، بحجة أن الأخلاق نسبية والتقييم يكون على أساس ذاتي وبالتالي لا يمكن إخضاع القواعد القانونية لتقييم من هذا الشكل.
شكّـل هذا التصور الأرضية (الخصبة فكريا، الملآى بالتعقيد) التي سينطلق منها الفيلسوف الأمريكي وأحد أبرز فلاسفة القانون المعاصرين رونالد دوركين في التأسيس لنظريته القانونية التي تدافع عن المبادئ الأخلاقية، وتعتبرها إلى جانب القواعد عنصرا ضروريا في صياغة القوانين، وحلا ناجعا يلزم الأخذ به لحظة البتّ في القضايا التي تعرض على المحاكم وخصوصا تلك التي تكون جديدة، رافضا بذلك بعض الأسس التي تعتبرها الوضعية بشكل عام وفي الصيغة التي وضعها هارت ركائزها المتينة، كاشفا على تهافتها وضعفها في مواجهة بعض القضايا الصعبة، محاولا الانتقال من نظريــة القـواعــد (وضعية هارت) إلى نظريــة تقوم على المبـادئ الأخلاقية.
المصادر والمراجع:
- المصادر باللغة العربية:
- دوركين رونالد، أخذ الحقوق على محمل الجد، ترجمة وتقديم منير الكشو، مراجعة طاهر اللبّاسي، المركز الوطني للترجمة، دار سيناترا، تونس، 2015
- كلسن هانس، النظرية المحضة في القانون، ترجمة أكرم الوتري، منشورات مركز البحوث القانونية (11)، بغداد، 1986
- لويد دينيس، فكـرة القـانون، ترجمة سليم الصويص، مراجعة سليم بسيسو، عالم المعرفة، العدد 47، الكويت، 1981
المراجع باللغة العربية:
- مرقس سليمان، فلسفة القانون (دراسة مقارنة)، المنشورات الحقوقية، المكتبة المركزية، بيروت، 1999
المقالات:
أبو العلا محمد عبده، جدل القانون والأخلاق في النظرية القانونية الأنجلوأمريكية هارت ودوركين نموذجا، عالم الفكر، العدد 170، 2016
- باللغة الأجنبية:
- Austin John, The Province of Jurisprudence Detemined, Edited by WILFRID E. RUMBLE, Cambridge universitypress, New York, 1995
- Hart Harbert, The Concept Of Law, Oxford UniversityPress, 2 nded, 1994
[1] إن الاشتغال على النظرية القانونية للفقيه القانوني جون أوستين وبيان الأسس التي تقوم عليها بالتفصيل أمر عسير، يتطلب بحثا منفصلا، وهذا ما يتضح لنا من خلال حجم الكتاب الأصلي الذي يتضمن أطروحته "The Province Of Jurisprudence Determined"، والذي جاء على شكل محاضرات موجهة للجمهور وهو ما يزيد من صعوبة الأمر. إن محاولتنا في استحضار تصوره في الفقه القانون يأتي لغاية منهجية بالأساس، وهي وضع مدخل وأرضية للنظرية القانونية لهربرت هارت بما هي نظرية تقوم في أساسها على نقد هذه النظرية ومحاولة تجاوز الهفوات التي سقطت فيها. وعليه، إن عملنا هنا لا يتعدى أن يكون محاولة لوضع فكرة عامة ومختصرة حول نظرية القانون الأوستينية.
[2] دينيس لويد، فكرة القانون، ترجمة سليم الصويص، مراجعة سليم بسيسو، عالم المعرفة، العدد 47، الكويت، 1981، ص 101
[3] Harbert Hart, The Concept Of Law, Oxford UniversityPress, 2 nded, 1994, p 3
[4] John Austin, The Province of Jurisprudence Detemined, Edited by WILFRID E. RUMBLE, Cambridge universitypress, New York, 1995, p 9
[5] Ipid, p 19
[6] Ipid, p 29
[7] رونالد دوركين، أخذ الحقوق على محمل الجد، ترجمة وتقديم منير الكشو، مراجعة طاهر اللبّاسي، المركز الوطني للترجمة، دار سيناترا، تونس، 2015، ص 68
[8] John Austin, The Province of Jurisprudence Detemined, Ipid , p 28
[9] سليمان مرقس، فلسفة القانون (دراسة مقارنة)، مرجع سابق، ص 227
[10] محمد عبده أبو العلا، جدل القانون والأخلاق في النظرية القانونية الأنجلو أمريكية «هارت» و«دوركين» نموذجا، عالم الفكر، العدد 170 (أكتوبر-ديسمبر)، الكويت، 2016، ص ص214.2013
[11] رونالد دوركين، أخذ الحقوق على محمل الجد، مصدر سابق، ص 69
[12] Harbert Hart, The Concept Of Law, Ipid, p 82
[13] يستحضر هنا هربرت هارت مثال السارق المسلح الذي يدخل للبنك رافعا سلاحه ويأمر موظف البنك قائلا: "سلم المال وإلا سأطلق النار". معتبرا إيّاه أمرا قسريًّا مدعوما بتهديد، وبالتالي فهو أمر واجب الطاعة والامتثال، وهنا لا يمكن أن حسب هارت نفرق بين مثل هذا الأمر بما هو نداء للخوف، وبين الأمر الرامي إلى إقرار احترام السلطة والنظام القانوني السائد. (Ipid, p 20.)
[14] Ipid, p 23
[15] Ipid, p 79
[16] Ipd, pp 80-81
[17] Ipid, p 85
[18] Ipid, pp 91-92-93
[19] Ipid, p94
[20] رونالد دوركين، أخذ الحقوق على محمل الجد، مصدر سابق، ص 71
[21] Harbert Hart, The Concept Of Law, Ipid, p 98
[22] رونالد دوركين، أخذ الحقوق على محمل الجد، مصدر سابق، ص 98
[23] Harbert Hart, The Concept Of Law, Ipid, pp 101-102
[24] يحيل هذا القول على المعيار الأولي أو الأساسي الذي يعتمده كلسن كأساس يُشكل وحدة القانون، ومعيار يحدد صلاحية النظام القانوني، والمصدر الأعلى لكل القواعد القانوني، بيد أن الاختلاف بينهما يكمن في أن المعيار الكلسيني معيار مفترض وغير مبرهن عليه، وهذا ما يجعل منه معيارا ضعيفا وباب ضعيف في النظرية الخالصة تدخل عبره أشرس الانتقادات. فيما قاعدة التعرّف يستدل هارت على مصدرها ويلزمها بالقواعد الثانوية ويبرهن على مدى أهميتها في فهم القانون وتحديد صلاحية القواعد القانونية وبالتالي إقرار الالزام القانوني، وهو ما يمنحها القوة ويجعل منها أهم الإضافات التي جاءت بها صيغته من الوضعية.
[25] Ipid, 109-110
[26] رونالد دوركين، أخذ الحقوق على محمل الجد، ص 102
[27] Harbert Hart, The Concept Of Law, Ipid, p 128
[28] يستحضر هارت في هذا الصدد مثالا توضيحيا، فعندما نضع قاعدة عامة للسلوك تفرض أنه لا يجوز اصطحاب أي سيارة للمنتزه. فاللغة المستخدمة في هذا الصدد تحدد الشروط الضرورية التي يجب أن تحدد تنفيذ هذه القاعدة وتحفظ السلام والهدوء في المنتزه، والسيارة هنا يفهم منها كأمثلة واضحة (السيارة، الحافلة، الدراجة النارية)، لكن هناك نماذج أخرى قد لا نتصورها مثل لعبة سيارة أو سيارة تعمل بالكهرباء، وبالتالي يطرح مشكل تحديد الهدف.
[29] Ipid, p 185