بلال أشمل: الفلسفة واللاهوت في الفكر الإسباني المعاصر
فئة : حوارات
بلال أشمل: الفلسفة واللاهوت في الفكر الإسباني المعاصر
محمد بلال أشمل أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي، وأحد مؤسسي «الجمعية الفلسفية التطوانية» صدر له مؤخرًا كتاب عن صورة النبي في الفكر الإسباني المعاصر، والكتاب على أهميته ليس وحده ما يعبر عن فكر وجهود كاتبه، إذ يعتبر هذا الكتاب بمثابة لبنة من لبنات البيت الذي يحاول الأستاذ بجهوده المستمرة أن يتم بنائه، فتقديم الفكر الإسباني المتقاطع مع العلوم الإسلامية اليوم همّ من همومنا كاتبنا، يكشف الحوار عن ما قدّمه الباحث مساهمًا في تعريف العرب بهذه الجهود بالترجمة والتأليف والتحقيق، وسيعرفنا محمد بلال أشمل بجهوده العلمية التي قدمها في هذا السياق، آملين من الباحثين والمهتمين أن يتابعوا الدرس والاهتمام بهذا اللون من الدراسات.
الحوار كاملا:
خالد محمد عبده: إسبانيا بغير عمدٍ، والإسهام الإسلامي في التجديد الفلسفي، وصورة الرسول محمد في الفكر الإسباني، عناوين مؤلفات تلفت انتباه القارئ وتحرّضه على اكتشاف معارف غائبة عنه، فهل يمكن أن تعرّفنا في بداية هذا الحوار بجملة إنتاجك الذي نراه موزّعًا بين التأليف والترجمة والعناية بالتراث الفلسفي الإسلامي؟
بلال أشمل: إنتاجي الفكري أغلبه مخطوط، وما نُشر منه، في المغرب أو خارجه، باللسان العربي أو القشتالي، فيه محض حُدوس لما يشغلني على الأصالة من قضايا الفكر والثقافة. جشع الناشر يمنعني أحيانا من وضعه بين أيدي القراء، ونشره على حسابي الشخصي عبث لا أستسيغُه الساعة. إضافة إلى ما تفضلت بذكره من أعمال، نشرتُ كتابي الأول "تطاون العامرة أفقا للتفكير" (تطاون، 2002)، سعيتُ فيه إلى تأسيس "نظر مدائني في المغرب المعمور"، بناء على مبدأ المواطنة الاختيارية لا الاضطرارية، والاتفاق على صيانة المكان المشترك ضد كل عبث مادي أو رمزي. ثمنشرت كتاب "الجيل والقضية" (الرباط، 2003) قصدتُ منه قراءة نقدية لصلة "الجيل" بـ "القضية" من منطلق فكري وسياسي. وكان يجب أن تمر خمس سنوات حتى أنشر "مناسبات أورتيغانية" (تطاون، 2008)، وهي "مقالات في الفكر الإسباني المعاصر" استوحيتُ عنوانها من عبارة الفيلسوف الإسباني "خوسي أورتيغا إي غاسيت" (1883-1955)، الواردة في كتابه "تأملات كيخوطية": "أنا عين مناسبتي؛ فإن لم أخلصها لم أخلص نفسي"، سعيتُ فيها إلى النظر في بعض القضايا الفلسفية والثقافية التي تطارحها الفكر الفلسفي الإسباني المعاصر، تعديدا لمصادر التلاقح الثقافي، وتكثيرا لأسباب الحوار الحضاري. كما نشرت "نبيّ أورفليس المسلح" (2011) حول "لاهوت التحرير في التجربتين المسيحية والإسلامية"، وقدم له أستاذي في آداب فاس د. حسن حنفي، قصدتُ من إذاعته التفكير في الدين من منطلق ثوري وتحرري خاصة وأن الإنسان ضائع في الشيئيات، والأرض مغصوبة، والكرامة مهضومة. هذا بالإضافة إلى مقالات في صحف سيارة وطنية وعربية، وأبحاث ودراسات باللغتين العربية والإسبانية نشرت في مجلات محكمة أو تضمنتها أعمال المؤتمرات أو ضمتها كتب جماعية حول الفلسفة والفكر والثقافة والاجتماع. والواقف على جميعها أو بعضها، يلاحظ إلى أي حد استفرغتُ الجهد في تأمل الكلي انطلاقا من الجزئي؛ تطاون العامرة كقطعة من الأنطولوجيا الوطنية للمغرب المعمور، والمواطنة الاضطرارية في مقابل المواطنة الاختيارية، والمكان المشترك في مقابل المكان المسيّج بإيديولوجيا الأصل، والمدينة في مقابل القبيلة، والتعدد اللغوي في مقابل الواحدية اللغوية، والدين كعامل للتحرر والثورة، والثقافة الإسبانية كصيغة لنقد الغرب النصراني والعلماني، والحفر في طبقات مغرب الحماية لفهم صيرورة المغرب المعاصر... إلى غيرها من القضايا والإشكالات التي عنيت بها عناية الناظر المتأمل، واشتغال الفاحص المدقق في تواضع وشغف.
خالد محمد عبده: اعتنيت بدراسة "خواكين لومبا فوينتيس" حول الإسهام الإسلامي في التجديد الفلسفي للقرن الثاني عشر الميلادي، وقمت بنقلها إلى العربية، وهي دراسة تشيد بفضل العرب المسلمين في التجديد الثقافي الأوروبي في فترة سابقة، هل يتنزل هذا الجهد في إطار الدفاع عن دور المسلمين الحضاري؟ وهل ساهم الأستاذ الإسباني في تصحيح معارف الغربيين وبصورة خاصة الفرنسيين عن الإسلام وأثره في أوروبا؟
بلال أشمل: عرفت الأستاذ "خواكين لومبا فوينتيس" (سرقسطة 1932-) بوساطة أعماله وترجماته عن ابن باجة وابن حزم، ثم تعرفت عليه شخصيا في تطاون بمناسبة الاحتفال بالذكرى الدولية لابن رشد سنة 1998، والتقيته بعد ذلك في عاصمة أراغون بمناسبة مؤتمر عالمي شاركت فيه هناك حول "جون بول سارتر"، وزرته هناك بعد ذلك في مناسبات علمية مختلفة كان آخرها غداة مشاركتي في مؤتمر حول "الفقه الإسلامي والتداخل الثقافي". وكنت كلما التقيت الرجل إلا ووجدت فيه العالم المتمكن من مادة تخصصه، وهي الفلسفة الوسيطية في سهل "إبرة"، ولمست فيه العالم المنصف لحركة التاريخ ووقائعه وفق ما تحصل لديه من نصوص ووثائق حول الحياة العقلية والدينية في الغرب الإسلامي. ومن هنا دأبه على نقد الطوبيقات الكبرى في تاريخ الفلسفة الإسلامية أو الأغاليط العظمى في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، ولاسيما ما اتصل منها بالغرب الإسلامي التي أثمرتها الأهواء والنزعات العرقية والطائفية والدينية. ولعل دراسته عن "الإسهام الإسلامي في التجديد الفلسفي للقرن الثاني عشر الأوروبي" خير دليل على هذا الاختيار العلمي السليم المعافى من كل شائبة عرقية أو دينية؛ فالرجل صاحب النقد الشهير للمركزية الأوروبية، قلب المعادلة التي كان يعتقد بمقتضاها أن النهضة الأوروبية بدأت في القرن السادس عشر الميلادي، وتوجت بعصر الأنوار في القرن الثامن عشر الميلادي، وبعصر الصناعة في القرن الذي يليه، وليس لها أصل في الإسهام العربي الإسلامي منذ القرن الثاني عشر الميلادي في مختلف مظاهر الحياة الإنسانية، والتي صارت بعد ذلك تراثا إنسانيا عاما بفضل التلاقح الثقافي والحضاري بين الغرب الإسلامي والغرب الأوروبي بفضل الوساطة الأندلسية التي اختمرت فيها البذور الأولى لهذه النهضة الحضارية الغربية. ونظرا لأهمية هذه الدراسة والنظرة الجديدة التي قدمتها، ارتأيت نقلها إلى اللسان العربي لتقديم نموذج طيب من الدراسات الموضوعية حول تاريخ التطور الحضاري الغربي الذي يجعل التراث العربي الإسلامي حلقة أساسية من حلقاته المترابطة، واستأذنت صاحبها، فأذن، ونشرتها سنة في الرياض عام 2012، وكنت أسندتها بدراسة تمهيدية عن مكانة الرجل في الاستعراب الإسباني المعاصر، وعن الأعمال التي نشرها، والمشاريع العلمية التي هو بصدد العمل عليها مع حوار عام معه حول قضايا تتصل بالاستعراب الإسباني وبالفلسفة الإسلامية. ومن غريب أحوال تداولنا الثقافي أن أعمال الرجل عن ابن باجة، وترجمته لـ "تدبير المتوحد"، ودراساته عن أسرار الجمال لدى ابن حزم، وابن رشد، وابن جبرول، وابن ميمون، وابن باكودة، وعن "الفلسفة الإسلامية في الثغر الأعلى"، و"مثال الحكيم في أدب الثغر الأعلى"، و"رسالة الثغر الأعلى في نقل الفكر الإسلامي إلى أوروبا"، و"الفلسفة الأخلاقية في سرقسطة الإسلامية"، و"مقاربة الجماليات الإسلامية" إلى غيرها من الأعمال والترجمات والمؤلفات؛ التي دافع بها عن أصالة الفلسفة الإسلامية، وحظ المسلمين في الأندلس في الإسهام في التجديد الفلسفي في أوروبا، لم تلق لها القارئ النبيه، ولا الناقد المتيقظ، نظرا لعدة أسباب من سائرها مثلا هيمنة الواحدية اللغوية على الثقافة المغربية خصوصا التي تعتبر الوارث الموضوعي لتراث الغرب الإسلامي الحضاري، وغياب الرافد الفكري الإسباني من التداول الفكري العربي عموما الذي تعتبر الأندلس الإسلامية جوهرة ثمينة في وجدانه الجماعي.
خالد محمد عبده: إذا ذكرت إسبانيا والتصوف نتذكر على الفور ابن مسرّة الأندلسي وابن العريف وابن عربي، وابن سبعين. ونذكر مع هؤلاء آسين بلاسيوس بسبب نقل جزء من كتاباته إلى العربية، لكننا لا نعرف إلى أي مدى تطور الدرس الاستشراقي للتصوف في أسبانيا، فهل يمكن أن تعرف القارئ بإسهام الأسبان في هذا الجانب؟
بلال أشمل: مبدئيا ينبغي التمييز في التداول الثقافي الإسباني بين نمطيين معرفيين ومنهجيين في التعامل مع التراث الإسلامي، هما الاستشراق والاستعراب؛ فأما الاستشراق فقد عني بما له صلة بالشرق العربي الإسلامي، ومن هنا الدراسات التي أنجزها في ميدان الفكر والفلسفة الإسلاميين مثلا كبار الدارسين الإسبان كما صنع الأب "ميغيل آسين بالاسيوس" (ت. 1944) مع "تصوف الغزالي" (1914)، و"مانويل ألونسو ألونسو" (ت. 1965) مع "مسائل مختلفة لأبي نصر الفارابي" (1963)، و"مقاصد الفلاسفة" للغزالي (1965)، و"الصدفة والعرضي والعدد" لدى ابن سينا (1963)، و"رامون غيريرو" مع "تصور الإنسان لدى الفارابي" (1974)، و"كروث إيرنانديث" مع "بعض عناصر وجود الله في فلسفة ابن سينا" (1947) وغيرهم كثير. وأما الاستعراب، فقد عني بما له صلة بالعرب والمسلمين في شبه الجزيرة الإبيرية التي كانت تعرف خلال الحكم الإسلامي بـ "الأندلس". ومنا هنا الدراسات التي أنجزت حول أعلام قضايا الفلسفة الإسلامية فيما لو استدللنا بهذا الميدان على عموم الاشتغال العلمي الاستعرابي. ومن ثمار بحث بيبليوغرافي حول الرشديات الإسبانية المعاصرة، تحصل لدي إلى حد الساعة ست مئة وتسعين عملا ما بين نشرة وترجمة ودراسة ومقالة خاصة أو ضمن كتاب أو أعمال ندوات ومحاضرات خالصة لابن رشد القرطبي وحده لا ينازعه فيها غيره منذ 1905 إلى 2015، وهذا الرقم بسبيله إلى الزيادة مع ما سيمكن الوقوف عليه من أعمال أخرى بعضها يرقى إلى القرن التاسع عشر، والبعض الآخر يغوص في عمق القرن العشرين دون احتساب ما يمكن أن تكشفه عملية البحث والتنقير عن أعمال أخرى دفينة أو مغمورة حول صاحب "بداية المجتهد"؛ فماذا يكون حال غيره من الفلاسفة والمفكرين والأدباء والفقهاء والعلماء والمتكلمين والزهاد والمتصوفة، ممن كانوا نجوما وهاجة في سماء الأندلس الإسلامية؟
وفي نظري، إن الاستعراب أخص بإسبانيا من الاستشراق؛ فالدارسون الذين عنوا بأعلام الفلسفة في المشرق لم يعنوا بهم في الأعم الأغلب إلا لصلتهم بفلاسفة الغرب الإسلامي، فهؤلاء كانوا الأصل، وأولئك الفرع. هكذا يظهر لي القصد من أعمال دارس مجيد مثل "داريو كابانياس رودريغيث" مع الغزالي حين تتبع حضوره في الأندلس (1952)، ونشر رسالة له غير معروفة حول "الحدوس العقلية" (1956)، وأرخ لألفية ابن سينا (1956). وقل نفس الشيء لدى غيره من الدارسين الذين ساروا على منواله؛ إذ لم يكن عملهم بالقصد الأول إلا تتبع المصادر التي ارتوى منها مفكرو وعلماء الأندلس، والآثار التي تلقوها من الأصول المشرقية.
لكن النظر العلمي والمنهجي يقتضي اعتبار كلا النمطين في التعامل مع العالم العربي والإسلامي من لدن الإسبان مندمجين فيما أسميه بـ "الإسلاميات الإسبانية"؛ والتي تضم العلوم الإسلامية جميعها من زاوية النظر الإسباني، وهاهنا يمكن الحديث عن الدراسات التي اتخذت التصوف والصوفية موضوعا لها. لقد تعرف الناس على ابن عربي لدى "آسين بالاسيوس" بوساطة الترجمة التي قام بها المرحوم عبد الرحمان بدوي، ونشرت في طبعتين (القاهرة 1965 والكويت 1980)، ولكن هناك العديد من الأعمال الجزئية أو الكلية التي لم تنل حظها من الظهور. ويحضرني هاهنا ما كتبه عنه "خوليان ريبيرا" (ت. 1934) سنة 1899 حين حديثه عن "أصول فلسفة رامون ليولا"، بل و"آسين بالاسيوس" في نفس السنة حين حرر عنه ورقات بهية تحت عنوان "محيي الدين" وصنعا كلاهما ذلك بمناسبة تكريم "مننديث بيلايو" (ت. 1912)، علاّمة عصره يومئذ، ثم نشر عنه دراسة بعنوان "علم النفس حسب ابن عربي" نشرها في باريس عام 1906، وأتبعها بنظراته الثاقبة حول "أفكار الحياة الأخرى لدى ابن عربي" نشرها ضمن كتابه الرائد عن "أفكار الحياة الأخرى الإسلامية في الكوميديا الإلهية" (1916)، وكتب "ماريو ميندث بيخارانو" (ت. 1931) كلاما مركزا حول الشيخ الأكبر حينما كان يؤرخ لأثر المسلمين في الثقافة الإسبانية ضمن كتابه عن تاريخ الفلسفة في إسبانيا إلى القرن العشرين (1927)، ثم توالت الدراسات والأبحاث حول ابن عربي إلى أن استوت بنيانا عظيما من العلم والمعرفة والتأويل، مثلما صنع باحث في منزلة الأب "سالفادور غومث نوغاليس" (ت. 1987) في "خلود الروح لدى ابن عربي" (1968)، أو باحث مدقق مثل "غونثالو دياث" ضمن كتابه "أعلام ووثائق الفلسفة الإسبانية" (1991)، أو باحث مقتدر مثل "بابلو بينيتو" في بحوثه الممتازة مثل "مذهب الحب لدى ابن عربي" (2001)، و"أسماء الله الحسنى في عمل ابن عربي" (2001)، و"لغة الإشارات: الحب والجمال في تصوف ابن عربي" (2005)، أو دارس ممتاز مثل "فيرناندو مورا" في كتابه "سيرة وتعاليم الصوفي الأندلسي الكبير ابن عربي" (2011)، دون الإشارة إلى الصفحات الرائعة حول منحناه الجمالي التي خصه بها عالم متمكن من أدوات صنعته هو الأستاذ "بويرطا فيليش"، ولا سيما أثناء تحليله لأسماء الله الحسنى ضمن كتابه "تاريخ الفكر الجمالي العربي" (1997). وإذا كان هذا حال المتن الإسباني فيما يتصل بابن عربي، فانظر كيف يكون حال غيره من الصوفية، ولاسيما الأندلسيون منهم ممن تناولتهم "الإسلاميات الإسبانية" بالدرس والتحليل منذ كتاب "آسين بالاسيوس" حول "ابن مسرة ومدرسته" (1914) أو "أبو العباس ابن العريف وكتابه محاسن المجالس" (1931) إلى آخر الأعمال التي نشرتها الأستاذة "مانويلا مرين" عن الزهاد والصوفية في الأندلس. ولعل كثيرا من الكبريت الأحمر تدفق في شرايين "الإسلاميات الإسبانية" منذ أن رسم الأب "فيليكس مارية باريخا" (ت. 1983) الصورة العامة للروحانيات الإسلامية (1954)؛ فلم تعد الدراسات والأبحاث تعنى بهذا الصوفي أو ذاك، بل صارت تسعى إلى عقد دراسة مقارنة بين الصوفية المسلمين والنصارى، تسعى إلى التماس أوجه التشابه أو الاختلاف كما أوجه الأثر والتأثير بينهم فتناثرت دررا، غير أن منها الواصل إلى غاياته من الحق والموضوعية والإنصاف، ومنها الذي أعمته دواع عقدية وثقافية من تبين الحق من الباطل في أفكار الصوفية وتعاليمهم، فصار يلتمس لها سندا تارة في الروحانيات اليهودية أو النصرانية، وتارة أخرى في الروحانيات الهندوسية والبوذية....ولكنها الأفكار تتداول بين الناس ولا يُعوّل فيها إلا على الباحثين من المسلمين ممن يخرج للناس ثمارها الصالحة أو الفاسدة بعد نقلها إلى اللسان العربي، ومدارستها بما يقتضيه المقام من تبصر معرفي وحذر منهجي.... وهاهنا التحدي العلمي الحقيقي الذي ينبغي أن ينهض به الباحثون الوطنيون في عموم العالم العربي والإسلامي تجاه متن "الإسلاميات الإسبانية" بجميع شعابه وأحراشه.
خالد محمد عبده: نقرأ في الدراسات الصوفية المقارنة عن تأثر ابن باقودا بالغزالي وتأثر ابن ميمون بفكر اللاهوت الإسلامي، وعن أثر المسلمين في علم الكلام اليهودي إلى أي مدى كان هذا التأثير؟ وهل نستفيد بالفعل من هذه المعارف كما يستفيد الدارسون من اليهود؟
بلال أشمل: عيب نظرية "التأثير والتأثر" لدى الدراسات الاستشراقية التي أظهر شناعتها أستاذنا الدكتور حنفي، إفراغها العمل العلمي من أية أصالة أو ذاتية؛ حين ترجعه إلى أصل مزعوم أو سلف معلوم. هكذا هي أغلب الدراسات التي ترجع هذا إلى ذاك، ذاهلة عن أن سياقات تاريخية معينة هي التي تحدد المنابع المشتركة التي يعود إليها جميع الناس. ولقد دأب المؤرخون والدارسون لفكر العصر الوسيط على الوقوف عند تأثر ابن باكودة بالغزالي، فقد أكد "بونيا سان مارتين" مثلا في كتابه "تاريخ الفلسفة الإسبانية" تأثر ابن باكودة (ت. حوالي 1100) بالغزالي، وكذلك صنع "غيرمو فرايلي" في "تاريخ الفلسفة" (1966) ولكن التتبع الكرونولوجي الذي أجراه "كوكوفزطوف" أظهر أن مثل هذا التأثر لا يقوم على أساس صلب، بل ويمكن التأكيد مع "جورج فاجدا" في كتابه "اللاهوت الزهدي لابن باكودة" (1950) أن الرجل كتب ما كتب قبل تأليف الغزالي لمؤلفاته. ومع ذلك، فآثار النسق المعرفي والعلمي للتصوف الإسلامي لديه ظاهرة ولاسيما لو قارناه بكتاب "قوت القلوب" لابن طالب المكي (ت. 990)، وهذا ليس إلا لسيادة نسق ثقافي مشترك اقتدر الإسلام على رفده باللسان العربي، وإسناده بالمقولات العقدية التوحيدية. وقل نفس الأمر فيما يتصل بابن ميمون؛ فـ "تأثر" ابن ميمون باللاهوت الإسلامي أمر معلوم أكدته مؤخرا مضامين الاحتفال الدولي بذكرى وفاته المئوية الثامنة في فنزويلا (2006)، كما أكده منسقو أعمال "الموحدون: إشكاليات ووجهات نظر" (2006)، وهم "ماريبيل فييرو"، و"باتريس سيريسيي"، و"لويس مولينا"، وأكده قبلهم دارس مثل "حاييم زعفراني" في كتابه "يهود الغرب الإسلامي: الأندلس والمغرب" (1994).ويظهر لي، أن ذلك يعود، فيما يعود، إلى اشتراك المسلمين واليهود معا في ثقافة واحدة هي الثقافة الإسلامية في بعدها الحضاري، لاسيما وأن أعمال المفكرين اليهود ومنهم ابن باكودة، وابن ميمون وغيرهما وضعت بالعربية، ولم تنقل إلى العبرية إلا في وقت لاحق. إن الواحد منهم، تناول ما لديه من قضايا حسب الضرورات المعرفية والسياقات التاريخية والعقدية التي شهدها، وعبر عنها بأطره الفكرية، وصيغه التعبيرية، وإني لأستشكل حقا كيف يمكن رد هذا المفكر إلى هذا وهما على الأقل على حالين مختلفين من الاعتقاد وإن كانا على مكانيين متشابهين من التعبير. وبهذا المعنى، أفهم عنوان مقالة كان نشرها "دافيد غونثالو مايزو" عن "العرب أساتذة اليهود في إسبانيا الوسيطية" في مجلة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد (1963-1964) وأعاد نشرها أستاذنا "مارتينيث لوركا" في "أبحاث حول الفلسفة في الأندلس" (1990).
قد يكون لرجال "الإسلاميات الإسبانية" عذرهم فيما مضوا إليه من مقارنات تنتهي، إما إلى جعل هذا الصوفي هو الأصل إذا كان من أرومة أندلسية مثلما هو الحال مع ابن مسرة، انتصارا لميولات عرقية وطنية ودينية؛ إذ من اليسير رده إلى الأصل النصراني، مثلما رد "آسين بالاسيوس" كل الروحانيات الغزالية إلى مصدرها الإنجيلي، أو رده إلى مصدره اليهودي، إذا كان من أصل موسوي، إشباعا لنزعة دينية تسعى إلى تجاوز الشتات الجغرافي إلى الالتئام الفكري والروحي، مثلما صنع "فيديركو دي كاسترو" مع أبي أيوب سليمان بن يحيى بن جبيرول حين ترجم وحقق وقدم كتابه "نبع الحياة" (مدريد، دون تاريخ) أو "مونك" (ت. 1867) في مقتطفاته وتحقيقه لفقرات منها في كتابه "أمشاج الفلسفة اليهودية والعربية" (باريس، 1859). ولكن الباحثين الوطنيين من العرب والمسلمين لا عذر لهم إلا ابتغاء الحقيقة الموضوعية، والنظر العلمي المسنود بالحجة والبرهان، وليس بالأهواء الوطنية أو الدينية. ولعل الخطوة الأولى هي تهيئة الأسباب لكل ذلك، وهو نقل متن الإسلاميات الإسبانية وغيرها من الإسلاميات الغربية بطبيعة الحال، إلى اللسان العربي قصد الاشتغال الابتدائي على ذلك المتن، واصطناع أحدث المناهج العلمية في دراسته وتحليله وتقويمه.
خالد محمد عبده: هناك شخصية إسبانية تذكر دومًا عن الحديث عن الحوار مع العالم الإسلامي، وهي شخصية رامون لول، فمرة يذكر في الحوار والجدل الإسلامي المسيحي، ومرة يذكر في التجارب الروحية المشتركة، ومرة يذكر على أنه خصم لدود للإسلام، ومرة يذكر على أنه العاشق الصوفي الذي استفاد من دروس الغزّالي وابن عربي وغيرهم من متصوفة الإسلام، ومرة يعتبر جهده الكتابي مجرد تحوير لإنتاج المسلمين بلغة مسيحية، نريد أن نتعرف منكم على هذه الشخصية التي أثارت اهتمامكم أيضًا في كتاب صورة الرسول محمد في الفكر الإسباني المعاصر.
بلال أشمل: يعد "رامون ليّولا" (ت. 1316) من أبرز وجوه الحياة العقلية والدينية الكطلانية في القرن الرابع عشر الميلادي، وحالته في الحياة العقلية الإسبانية حالة فريدة؛ فهو إذا جاز لنا القول "حمّال أوجه"، من حيث كثرة المعاني التي ينطوي عليها فكره، والتأويلات التي يمكن أن تتخذها أفكاره، كما من حيث تنوع الأعمال التي قام بها من منطلق عقدي وعلمي في آن.
فلا نعجب إذا ألفينا أن الرجل كان موضوع نزاع تاريخي بين "الكطالانيين" و"الإسبان"، فهؤلاء يسلكونه ضمن رجالهم الأقحاح الذين يعبرون عن فكرهم وثقافتهم، ونزوعاتهم إلى التحرر الفكري والسياسي، وأولئك يسلكونه ضمن أمشاج الأمة الإسبانية التي تغتني تاريخيا بشعوبها وبلغاتها من في جليقية وقشتالة وأراغون والأندلس وأشتورياس وفاسكونيا...
كان الرجل قويّ الارتباط بالروح الفرانسيسكاني الذي نعرف عنه التفاني في التحصيل العلمي في مختلف شعاب المعرفة؛ فقد أحسن اللسان العربي، وبه كتب بعضا من مؤلفاته، ووهب حياته لمقارعة الرشديين الحجة بالحجة، بل وحرّض على حرب صليبية ضدهم.
وكما وهب حياته للحروب الصليبية ضد الرشديين، وهبها أيضا لمحاربة الإسلام ونبيّه عليه السلام، كما سائر من اعتقد فيهما من المسلمين، بل ودعا البابا "بونيفاسيو الثامن"(من 1294 إلى 1303) إلى العمل على هدي الكافرين، واستخلاص الأراضي المقدسة من يد المسلمين في كتاب له شهير بعنوان "توسلات من أجل هدي الكافرين واستعادة الأراضي المقدسة"Petitio pro conversione infidelium et recuperatione Terrae Sanctaeطبعه في روما عام 1295
وعلى الرغم من انشغاله الشديد بالإسلام ونبيّه الكريم، إلا أنه لم يصنف كتابا خاصا شنّع فيه على المسلمين عقائدهم، ولا وضع مصنفا "ضد المسلمين" Tractatus contra Saracenosعلى دأب غيره من المنافحين عن المسيحية في خصوص إسبانيا، وعموم أوروبا اللاتينية، بل جلّ ما صنعه هو أنه ضمّن أعماله كثيرا من العناصر التي بمقتضاها صار يرفض الدين الإسلامي كعقيدة، ونبيه عليه السلام كرسول، كما صنع في "كتاب التثليث والتجسد" Liber de Trinitate et Incarnatione الذي نشره في برشلونة عام 1308، ودحض فيه براهين المسلمين واليهود المخالفة لعقيدة التثليث.
بيد أن ذلك كان كافيا من جهة أخرى، لكي يظهر أن كليهما كانا على ضلالة حسب اعتقاده المفهوم في سياق السجال الفكري مع المسلمين، والقتال العسكري معهم في الحروب الصليبية، بالمشرق أو في الأندلس.
وهكذا كان الرجل حالة خاصة ضمن معمار الفكر الإسباني الوسيطي، ولا يمكن إدراك أبعاده الحقيقية إلا بإدراك بنية التفكير الوسيطي، والسياقات العقدية والتاريخية والسياسية التي حكمته. كان "ليولا" مفكر متعدد الواجهات، ولكن بشخصية واحدة، تسمح بقراءات مختلفة، قد تكون أحيانا متناقضة، ولكن تناقضها سرعان ما يذوب في طبيعة العالم الذي كان يمثله الرجل قبل أن يصبح رجل المعرفة في أوروبا هو "المثقف" أستاذ الجامعة، وليس "رجل الدين"، من أية طائفة نصرانية كانت. وأقدر أن قراءة "ليولا" مفيدة في معرفة تطور المعرفة الغربية بالإسلام وبالمسلمين، في صورتها الإسبانية الوسيطية، لأنها من ناحية، أمدت حركة الأفكار المعادية للدين الإسلامي بما تحتاجه من ذخيرة، ومن ناحية أخرى، كشفت بنية التفكير الغربي الذي سيعطي أفكار الحرية والتقدم، ولكن سيمنعها عن الشعوب العربية والإسلامية التي اتصل بها في واقعة الاستعمار، وأثمر فيها كثيرا من التشوهات والعاهات على مستوى الهوية والانتماء.
خالد محمد عبده: يعرف أهل المشرق بعض الأسماء البارزة في الدراسات الإسبانية نظرًا لما ألّفوه وترجموه من دراسات أندلسية وما حققوه من تراث إسلامي، ورغم سهولة التواصل في عصرنا إلاّ أن كثيرًا من المساهمين في الدراسات الأندلسية لا يعرف جهدهم وما قدّموه من إنتاج، هل لك أن توجّه عناية القارئ إلى بعض الأسماء المعاصرة التي يحسن بالقارئ أن يتابع إنتاجها؟
بلال أشمل: لعل الحكم القاسي الذي أصدره المرحوم عبد الرحمان بدوي حول "الاستشراق" الإسباني بما يفيد ضعفه مقارنة مع نظيره الفرنسي أو الإنجليزي أو الألماني، حمل الدارسين عن الانصراف عنه، عدا "آسين بالاسيوس" الذي عده صاحب "الزمان الوجودي" استثناء في ذلك. من الراجح أن الرجل كان له عذره فيما حكم، ولكن لا يعذر الواحد منا اليوم، وقد تطورت الإسلاميات الإسبانية تطورا عظيما، في الانصراف عن ذخائرها الغثة منها والسمينة؛ فالمعرفة الإسبانية بالعالم الإسلامي، وخاصة الغربي منه، تحتاج إلى تقصي متونها، ورصد مضامينها، ثم بعد ذلك الحكم عليها أو لها. وعلى سبيل المثال، ليس يجوز اليوم إغفال متن عظيم في كميته، ثمين في كيفيته، كتب من لدن الإسبان قبل الحماية بفترة قليلة على الشمال المغربي، وخلالها بفترة طويلة (1912-1956) حول العلوم الفقهية والعقدية والمذهب المالكي، والأحباس، ونظم الحكم في الإسلام، والإمامة، والتصوف، والتدين المغربي، إلى غير ذلك من مظاهر الحياة الدينية المغربية، بتعلة أن هذا المتن كتب بدواع استعمارية، وبما أن دواعيه استنفذت أغراضها، فلا حاجة لنا بالوقوف عليها، وأولى منه استفراغ الجهد فيما ينفع الناس من العلم النافع لدى الدارسين الإسبان أو الفرنسيين ممن كتبوا حول الحياة الدينية والروحية المغربية بمقاصد غير مقاصد أسلافهم من "المستعربين" أو من "المستفرقين". وبغض النظر عن فساد هذا الاعتقاد، وحاجته إلى التصحيح العاجل لرؤيته لطبيعة المعرفة في صيرورتها التاريخية، ليس صحيحا أن متن "الإسلاميات الإسبانية" قد تمت معرفته، ومن ثم مدارسته بما يقتضي المقام من عدة معرفية ومنهجية؛ إذ هناك العديد من الأعمال حول الحياة الدينية المغربية مجهولة، وهناك حاجة ملحة للتعرف عليها، والتعريف بها. أما ما يعتقد من "الدواعي الاستعمارية" أو من المقاصد "التبشيرية"، فليست في نظرنا إلا فرضية عمل تحتاج إلى مزيد تمحيص وتدقيق، وإلا هي الطوبيقات العظمى نحملها على جزر مجهولة تحصلت لدينا من معرفتنا بالجزر المعلومة. هناك كثير من العمل ينتظر الدارسين في إحصاء، وتبويب، هذا المتن، والمُضيّ إلى ترجمته، ودراسته، واستخلاص ما يمكن استخلاصه منه من حقائق أو أباطيل تخص الحياة الدينية في المغرب قبل الحماية، وخلالها، فلعلها تفسر لنا من جهة الكثير من مظاهر تلك الحياة وقد استمرت في مغرب الاستقلال، ومن جهة أخرى تطور الإسلاميات الإسبانية وقد تجاوزت فترة الاستعمار، وتخلصت من ضغطه السياسي، وخطاباته الإيديولوجية. ومن هذا المنطلق، لا بد من الإشارة إلى الأعمال التي نشرت حول الفقه الإسلامي والمذهب المالكي من لدن رجال أمثال "كونسطنطي ميكيليز إي بيسينا"، و"كارلوس كيروز"، و"مانويل أولايرود"، و"رفاييل أريفالو"، و"مانويل ديل نيدو إي طوريس"، و"فيرمين دي فييايطا"، و"لوبث اورتيث" وغيرهم كثير. هل يعرف التداول العلمي والمعرفي الذي يتنادى إلى المعرفة الاستعرابية أو الاستشراقية بالعالم العربي والإسلامي في مختلف مظاهره وتجلياته هؤلاء الرجال وغيرهم على ما قدموه لنا من خدمات علمية في معرفة بنية التفكير الغربي، ومكوناته العقدية والسياسية حين أقبلوا على دراسة الفقه الإسلامي، وتتبعوا آثار المذهب المالكي على وجه الخصوص، والحياة الدينية على وجه العموم؟
هذا فيما يتصل بالأقدمين من رجال "الإسلاميات الإسبانية" الذين عاشوا فترة من حياتهم العلمية في شمال المغرب، أو في شبه الجزيرة الإيبيرية، خلال فترة الحماية الإسبانية أو بعدها. أما فيما يتصل بالمحدثين منهم، فأقدر أن التداول المعرفي العربي والإسلامي لم يتجاوز بعد أعمال "فرانسيسكو كوديرا" أو "آسين بالاسيوس"، وقليلا ما أعمال "مانويل ألونسو"، و"لوبث أورتيث"، والموسوعات العربية المخصصة للاستعراب الإسباني فيها نقص كبير، وما وجد منها متعلقا بأحدهم أو بجميعهم، يحتاج إلى تصحيح وتنقيح. ولو أردنا ذكر طائفة من المشتغلين بالإسلاميات الإسبانية في عصرنا، فلعلنا نقسمهم إلى طوائف علمية منفتحة الواحدة منها على الأخرى؛ ففيما يتصل مثلا بالرشديات، حسبي أن أذكر اسم أستاذي وصديقي البروفيسور "أندريس مارتينيث لوركا" الذي فضلا عن اشتغاله بنشر دراسات، وإشرافه على أطروحات تتصل بالفكر الرشدي، هو مدير سلسلة "الأندلس" التي نشرت أمهات أعمال أبي الوليد مثل "الكليات في الطب"، ودراسات عنه بالقشتالية، وكذلك ترجمات لما صدر بالعربية عن فيلسوف قرطبة وفقيهها كنشره كتاب "نحن والتراث" للمرحوم الأستاذ محمد عابد الجابري (ت. 2010). وبالإضافة إلى أبي أوليس اللورقي، هناك دارسون كبار ارتحلوا عن عالمنا أمثال الأب "موراطا" (ت. 1960)، و"مانويل ألونسو" (ت. 1965)، و"كارلوس كيروز" (ت. 1960)، و"سالفادور غومث نوغاليس" (ت. 1987) ...وغيرهم كثير.
أما الأحياء منهم، وهم كثر، فحسبي الإشارة إلى "كروث إيرناندث"، و"رامون غيريرو"، و"خوسيب بويغ مونطادا"، و"مارية فاسكيث دي بينيطو"، و"خوسي مارية بيستييرو"، و"كارلوس ألفاريز دي موراليس"، و"إيميليو طورنيرو"، و"كارلوس شقوبية"، و"مايثا أوزكويدي"...
أما فيما يخص الفقهيات، فحسبي الإشارة إلى "كانو فيلا"، و"خيسوس روميرو إي غرسية"، و"بيدرو شالميطا"، و"ديلفينا سيرانو"، و"ماربيل فييرو"، و"خوان مارطوس كيسادا"، و"مارية أركاس كامبوي"، و"مارية خوسي سيرفيرا"، و"أغوادي سابادا" وأسماء أخرى عديدة اجتهدت في الاشتغال على المسائل الفقهية في الغرب الإسلامي من حيث الدراسة أو تحقيق النصوص أو ترجمتها.
هذا دون ذكر أسماء ممتازة في تاريخ الأندلسيات الاجتماعي والسياسي، أمثال "فياغروسا"، و"فيرناندو دي لاغرانخا"، و"مانويلا مارين"، و"ألفونسو قرمونة"، و"فيليبي مايا سالغادو"، و"سالفادور بينيا مرتين"....وغيرهم كثير ممن يشتغلون في المجلس الأعلى للبحث العلمي، أو يدرّسون في جامعات غرناطة ومدريد ومالقة.
والحق أن هناك أسماء عديدة كلها تنير سماء الإسلاميات الإسبانية ببهي الأعمال العلمية، وجميل العطاءات المعرفية، وليس على التداول العلمي العربي والإسلامي إلا تكسير هذه الواحدية الثقافية التي صرنا بمقتضاها لا نتعامل مع المعرفة الغربية بالعالم العربي والإسلامي إلا حين تصدر عن الإنجليز أو الفرنسيين أو الإيطاليين دون الالتفات إلى الإسبان الذين شكلوا في وقت حضاري سابق، شركاءنا في الحياة الثقافية تحت سماء في الأندلس، وفوق صعيدها.