بين الإعجاز الديني والإعجاز الأدبي: في الفصل بين العقيدة والأدب
فئة : مقالات
بين الإعجاز الديني والإعجاز الأدبي
في الفصل بين العقيدة والأدب*
جدلية المناهج الأدبية في فهم النص الديني من المواضيع المهمة التي تستأثر باهتمام كبير في زمننا الراهن. وأول ما يُطرح علينا في هذا الصّدد هو سؤال التأويل، لأن العلاقة بين النص الديني والنص الأدبي علاقة يحكمها التأويل، وللتأويل آفاقه، وحدوده، واستراتيجيته، وفلسفته، وفنّيته... فهو من المواضيع التي شغلت بال المهتمّين أدباء ومفكرين وفلاسفة وغيرهم. ونجد في ثقافتنا العربية أن مفهوم التأويل أكثر المفاهيم إثارة للجدل. فلفظ التأويل، كما ورد في لسان العرب، أكثر دلالة من مفهوم الدلالة الفرنسية Interprétation ؛ والتأويل رصد للمعاني العميقة، لذلك فهو تجاوز للفهم والتفسير الذي هو تأويل لظاهر النص. ويمكن أن نقول إن العقل البشري يعيش التأويل باستمرار، لأن الحقيقة المطلقة لا توجد على خلاف ما يزعمه كثير من الناس.
إن تأويل النص الديني الذي يمتلك حضوراً في المخيلة الجمعية وفي ثقافة المتلقي غالباً ما يخضع لضوابط التفسير والتأويل التي أرساها علماء الإسلام في تفسيرهم للنص القرآني الذي لا يعلم تأويله إلا الله مخافة التحريف، بينما النص الأدبي مجال خصب للقراءة والتأويل، لأنه نصّ تخييلي متعالٍ، وهو ما يعطيه صبغة "الأدبية"، لأنه نصّ فوق اللغة. لذلك ينفتح النص الأدبي على تعدّد المعاني والتأويلات في علاقته بالتاريخ والفلسفة والدين والفكر والفن.. فتناصّ النص الأدبي والنص الديني ناتج عمّا يحمله النص الديني من بناء أسطوري مميّز لما يمتلكه من طاقة دلالية وتأويلية واسعة، وهو ما يضفي على النص الأدبي نوعاً من الدهشة وقوة الخيال. لكن هذه العلاقة في الحقيقة لم تعرف سوى التنافر والصراع. والسبب راجع إلى الكيفية التي يؤوِّل بها النص الأدبي دون أن نضع في الاعتبار خصوصيته. وهذا يطرح مشاكل تأويلية عديدة على مستوى التلقي، تمس العقيدة بالدرجة الأولى. لكن القراءة مستويات، كما أن القراء أنفسهم مستويات مختلفة باختلاف معارفهم وثقافاتهم. إن الأدب محاولة فهم للحياة والوجود والإنسان، وهو عقيدة إنسانية بخلاف النص الديني الذي هو عقيدة دينية. فالدين يُلزم صاحبه لكن الأدب والإبداع للجميع. لذلك، لا ننتظر من الأدب أن يشرح لنا شعائر دين معيّن؛ لأنه لا يحتمل الأحكام الدينية ولا يخضع لأي منظور أخلاقي. فالشعر مثلاً تواصل روحي منبعه هذه الرؤية الإنسانية الكونية الإلهية للإنسان الآخر.
ولكن النص الأدبي والديني يلتقيان في مجموعة من الأهداف والغايات؛ فإذا كانت الشرائع السماوية رسالة من الله إلى الإنسان غايتها تحقيق السعادة للإنسان. فكل الأعمال الأدبية الكبيرة تسعى إلى المحبّة والسعادة والجمال، وإلى تجسيد لهذه الرؤيا الإنسانية في الحياة والوجود. وهذه القيم تنطلق من المصادر الدينية، ولذلك نجد أن هناك ارتباطاً كبيراً بين معتقد الإنسان ومنظومة القيم. والمصادر الأدبية منبع هذه القيم. فأجمل ما يقدّمه النص الأدبي هو هذا الحس الإنساني المشترك. فالإنسان إنسان في أي مكان من العالم مهما اختلفت معتقداته؛ فالأديان متعدّدة والإنسان واحد. لذلك، ساهمت في فهمها وانتشارها، شرط ألا يضعف الإبداع أمام سلطة الدين والسياسة، فيصبح ابتداعاً، لأن الإبداع لا دين له ولا وطن.
وسـأشير في مداخلتي إلى عملين كبيرين ينتميان إلى التراث الإنساني، وفيهما تتحقّق معجزة النص الأدبي، وهما رسالة الغفران للمعري والكوميديا الإلهية لدانتي. وكم نحن في أشد الحاجة في زمننا الراهن إلى دراسة هذه الأعمال الأدبية الكبيرة التي ظلّت مُبعَدة عن البرامج الدراسية وعن برامج الدراسات الأدبية في مقرّراتنا. وبالرغم من اختلاف المعري ودانتي في العقيدة والفلسفة والأهداف والغايات، لكن كلاّ منهما أنجز عملاً عظيماً يستغفر فيه الله. وفي العملين معاً صورة خيالية أدبية راقية مستوحاة من العقيدة الإسلامية عند المعرّي الذي اتّخذ آل بيت الرسول سنداً للاستغفار، ومستوحاة من العقيدة الدينية الكاثوليكية عند دانتي الذي يلتقي بأصحاب المسيح عليه السلام. ولا يمكن لنا قراءة هذه النصوص الإبداعية دون الفصل بين العقيدة والأدب للابتعاد عن آراء المفسرين الذين كرّسوا للمعنى الواحد؛ فالنصوص الأدبية مفتوحة وقابلة لأكثر من قراءة وأكثر من تأويل.
في الفصل بين العقيدة والإبداع الأدبي
للنظر في مسألة العقيدة والإبداع الأدبي، تُطرح علينا مجموعة من الأسئلة من قبيل: كيف يمكن الفصل بين الأدب والعقيدة؟ وكيف يساهم الأدب في فهم النص الديني؟ ولماذا تصادر المؤسسات الدينية الأدب والإبداع؟ وهل يمكن إخضاع النص الأدبي لثوابت الدين والأخلاق؟ وهل يجوز أن نحاكم الأدب والفن بالواقع؟ وهل تمثّل دلالات النص الديني في النص الأدبي إرادة المشرّع أم إرادة المبدع؟ وهل يوجد نصّ أدبي كافر مقابل نصّ أدبي مؤمن؟
إن محاولة تحرير العقل العربي والفصل بين العقيدة والأدب في العصر الحديث هو مشروع بدأه طه حسين في كتابه "في الأدب الجاهلي"، حينما أشار إلى ضرورة اهتمام الأدب العربي بالآداب الأجنبية، وضرورة الفصل بين العقيدة والشعر، يقول: "لم يتقدم درس الأدب في مدارس الحكومة، وانحط درس الأدب في الأزهر. وكانت نتيجة هذا كله أنك تستطيع أن تنظر إلى ألوان العلم التي تدرس في مدارسنا على اختلافها، فإذا كلها قد ارتقى وتقدم تقدماً يختلف قوة وضعفاً، وإذا المصريون قد أخذوا منها بحظوظ لا بأس بها، إلا لوناً واحداً من ألوان العلم لم يتقدم إصبعاً، بل لست أشك في أنه تأخر تأخراً منكراً، وهو الأدب العربي. فليس بين الأستاذ الذي يدرس الأدب في هذه السنة والأستاذ الذي كان يدرسه من خمس عشرة سنة فرق ما. وليس بين التلميذ الذي ظفر بالشهادة الثانوية الآن، والذي كان يظفر بها منذ خمس عشرة سنة فرق ما. وليس أدل على هذا كله من أننا حين أردنا أن ندرس الأدب في الجامعة لحملة الشهادة الثانوية، اضطررنا إلى أن نبدأ الدرس من أوله، فنعلمهم أوليات النحو والصرف والبلاغة والتاريخ، فضلا عن أوليات الأدب."[1]
نستشفّ من كلام طه حسين ثورة على مناهج التدريس وبنيات المجتمع التقليدي ككل. لذلك وضع شروطاً لتقدّم درس الأدب العربي أولها هو تعلّم اللغات الأجنبية كسبيل للتقدم ووضع منهج علمي لدراسة هذا الأدب. وهذا المنهج كما نلاحظ منهج ضد ثقافة التقليد والمتداول وإعادة الإنتاج والتفكير لإنتاج فكر عربي نقدي متحرّر من ثقافة الماضي من أجل أن يلج الأدب العربي فضاء الحداثة ومسايرة أسئلة الراهن الثقافي التي لا تتحقق في المجتمع العربي إن لم نفصل بين العقيدة والإبداع والشعر والفن عموماً. وسوء فهم الخطاب الأدبي كان السبب في اغتيال العديد من الفلاسفة والأدباء والشعراء والروائيين.
فليس من واجب الأدب الارتباط بالعقيدة، ولهذا لا أفضّل استعمال مصطلح الأدب الإسلامي المرتبط بالعقيدة الدينية الإسلامية. الذي يجعل الأدب رهين العقيدة والتصورات الإسلامية. فليس هناك أدب إسلامي وأدب كافر، وإنما هناك أدب إنساني الذي هو أدب وجودي وأدب كوني. مع أننا لا نجد أي إطار مرجعي لما يسمّى بنظرية الأدب الإسلامي. كل ما نجده هو توجهات عقائدية إيديولوجية تخدم مرحلة زمنية معينة، بينما مصطلح الأدب العربي مصطلح يحيلنا على كل الأعمال الأدبية المكتوبة باللغة العربية من شعر ونثر في مختلف الأزمنة والعصور.
ولا نلزم الأديب بالكتابة عن المقدّسات، لأن النص الأدبي ليس نصاًّ مقدّساً، رغم أنه يتمتّع بنوع من التقديس لكنه تقديس أساسه هذه الرؤية الجمالية الإبداعية وليس العقدية. في نماذجه التي تكتسي صبغة الأدبية؛ فلا يمكن أن ينشأ أدب حقيقي عن أية عقيدة بما فيها عقيدة الإسلام.
النص الديني والحاجة الأدبية
إن نشأة التأويل الأولى تعود إلى النصوص الدينية التي حظيت بممارسة تأويلية واسعة بداية عند الرّبّانيين من أحبار اليهود في محاولة تأويل نصوص من التّلمود - وفي كتاب "دلالة الحائرين" لموسى بن ميمون القرطبي الأندلسي تأويل لكثير من الاستعارات الواردة باللغة العبرية في الكتب والأسفار اليهودية- كما ساهمت النصوص الدينية المسيحية في نشأة الاتجاه التأويلي. وحسب نصر حامد أبو زيد، فمعضلة تفسير الكتاب المقدّس كان لها دور كبير في نشأة التأويل هذه النشأة الدينية.
وفي ثقافتنا الإسلامية، شكّل علم الكلام مجالاً خصباً لتنامي النص القرآني. ونجد أن لمصطلح التأويل في علم القرآن معاني متعدّدة في الحديث عن المحكم والمتشابه. ففي الإتقان عند السيوطي نجد فصولاً في تحديد مفهوم التأويل في سياق حديثه عن الآيات المتشابهات والمحكمات عند فقهاء الحديث وعلماء الكلام.
إن صعوبة تأويل النص الصوفي تكمن في أنه يكتسب شرعيته التأويلية من النص القرآني والسنة النبوية في لغة إشارية واصطلاحية مبنية على الذوق والإشراق الصوفي بعيدة عن معاني ودلالات لغة الأدب. فالمعنى التجريدي مثلاً لنصوص ابن عربي في لغتها المتعالية ما زالت مجالاً خصباً للتأويل. وكلما استمدّت النصوص الأدبية شرعيتها التأويلية من النص القرآني كلما كان التأويل مستعصياً. لذلك، نجد أن رفض الخطاب الصوفي ناتج عن كونه يمتلك إيماناً دينياً خارج مؤسّسة الدّين. فأُلحِقت بالمتصوّفة اتّهامات كثيرة، وخاصّة حملات التّكفير التي تعرّض لها الشعراء المتصوّفة من طرف الفقهاء. مع العلم أن الكتابة عند هؤلاء الشعراء أقرب الدّلالات إلى التّقرّب إلى الله بلغة روحانية تليق بالعمق الجوهري للخطاب الإلهي في محادثة الكون.
وقد وضع القدماء قواعد وقوانين تحكم عملية التأويل حينما يتعلّق الأمر بالنصوص التشريعية الفقهية التي تستمد مرجعيتها من القرآن ومن الحديث النبوي. فالقرآن الكريم ذروة البيان والبلاغة في التعبير المجازي والاستعاري لما فيه من بلاغة الإقناع بالقصة والحكاية والمثل والمناظرة بأسلوب معجز لم يعرفه تاريخ الأدب العربي. ومع ذلك ظل الشعر العربي رافداً أساسياً لتفسير كتاب الله وخدمة معانيه المتعددة. وعن عبد الله بن عباس "الشعر ديوان العرب، فإذا خفي عليهم الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغتهم، رجعوا إلى ديوانهم".[2] ما يعني أن النص الأدبي يساهم مساهمة فعّالة في فهم القرآن ويتمتّع بحدود قصوى للتأويل، وهو ما لا يتأتى في النص الديني.
وقد كانت البلاغة تخدم النص الديني وفهم الشريعة الإلهية في تحديد وتأويل معاني النصوص القرآنية وخدمة التصورات المذهبية. الأدب عند ابن قتيبة والجاحظ مرتبط بفهم القرآن والسنة. ويتمثل هذا في أدب الكاتب الذي كان له شأن كبير في الأدب العربي.
وقد وظّف الجرجاني البلاغة في خدمة النص الديني. وكان يرى أن التخييل معارض للاستعارة. وقد خصّ الاستعارة بالقرآن والتخييل بالشعر. يقول: الاستعارة "سبيلها سبيل الكلام المحذوف في أنك إذا رجعت إلى أصله وجدت قائله، وهو يثبت أمراً عقلياً صحيحاً، ويدعي دعوى لها نسخ في العقل" وأما التخييل "يثبت فيه الشاعر أمراً هو غير ثابت أصلاً ويدعي دعوة لا طريق إلى تحصيلها، ويقول قولاً يخدع فيه نقسه ويريها ما لا ترى".[3]
المناهج الأدبية وفهم النص الديني
وفي العصر الحديث مع ظهور المناهج النقدية المعاصرة التي عرفها النقد العربي نتيجة الانفتاح على الثقافة الأوروبية كالمنهج النفسي والمنهج الاجتماعي ونظريات تحليل الخطاب التي تستند إلى اللسانيات والفلسفة والعلوم الإنسانية بكل فروعها وتشعّباتها كالبنيوية والتداولية والتفكيكية. هذه المناهج المعاصرة التي أتاحت للقارئ فرصة لممارسة السلطة التأويلية المنفتحة على تعدّدية المعنى الدلالي في إنتاج المعنى حسب المعطيات الفكرية والثقافية للقارئ، والتي لا تحتكم لأصول ومرجعيات التفسير، كما نجدها في كتب تفسير القدماء.
وقد كان لنظرية التلقي أهمية كبيرة في إعادة الاعتبار للقارئ كمستقبل للنص، والذي يساهم في إعادة إنتاجه، إذ كان لجمالية التلقي الألمانية تأثير كبير في النقد العربي خاصة بعد أن رأى العديد من النقاد بأن المقاربات البنيوية الصّارمة لا توافق النص الأدبي. وقد استند محمد مفتاح في كتابه التلقي والتأويل إلى استقراء مفهوم شامل للتأويل متأثّراً بنظرية التلقي. فوضع مبادئ للتأويل المعتمدة على آليات منطقية وطبيعية. كما حاول الكشف عن قوانين التأويل المستقاة من قوانين التأويل العربي والعلائق الرياضية وقياس الشمول. كما تناول أسس استراتيجية التمثيل ومقاصدها. وقد أوضح محمد مفتاح جهود العلماء والمفكرين العرب في مجال التأويل وقوانينه. وكان دافعهم الأساسي هو وضع حدّ لفوضى التأويل التي أدّت إلى كثير من الفتن والنزاعات.
إن مأساة الإبداع الأدبي هو هذا التفسير الخاطئ للدين والتأويل الضّيّق للتناص الديني في النص الأدبي. إن الأدب والإبداع عموماً ليس درساً في الدين وليس درساً في الأخلاق. لكنه تعبير عن الجمال والسامي في لحظة انفعال، وغياب عن الوعي في لحظة الكتابة. ويمتاز السيميائي والروائي أمبرتو إيكو بكونه أهم من فتح مجالاً واسعاً لتأويل النص في أعماله النقدية والروائية ضمن مشروعه السيميائي. فهو يجمع في مؤلّفاته الموسوعية بين علم الفلسفة والتاريخ والإعلام والترجمة وعلم الجمال والإبداع الروائي، سواء في كتابه "العمل المفتوح" و"حدود التأويل" أو في أعماله التأويلية التي ترجمها سعيد بنكراد "العلامة تحليل المفهوم وتاريخه" و"ست نزهات في غابة السرد". وخاصة كتاب "التأويل بين السيميائيات والتفكيكية"، وهو مجموع محاضرات كان قد ألقاها إيكو بجامعة يال الأمريكية، والتي اهتمّ فيها بالتأويل والتأويل المضاعف للنصوص وعلاقة المؤلّف بالنص، حيث يتمتّع أمبرتو إيكو بطاقة تأويلية مدهشة في قدرته على تحويل العمل الإبداعي إلى مجال واسع وخصب للأفكار والنقد وفلسفة الرمز. فروايته الشهيرة "اسم الوردة"، التي قضى في كتابتها خمسة عشر سنة عمل مفتوح مليء بالألغاز والأسرار.
انطلقت الرواية من فكرة دينية لتقدّم لنا رؤية في تاريخ الحركات المسيحية القديمة وتاريخ الرهبان والأديرة في القرن الرابع عشر؛ فقد جاءت فكرة كتابة الرواية من تسميم راهب، لتصوير الصراع القائم بين السلطة السياسية والسلطة الدينية، بين الملك والبابا؛ وهو في هذه الرواية لا يكتب سيرة حياته ولكن يكتب أيضاً سيرته الكتابية، ويتضح هذا في كتابه "اعترافات روائي ناشئ". فالكتاب ليس تأويلاً لمكوّنات النص السردي وتوليداته الدلالية، وإنما هو اعتراف وبوح جميل ينقل لنا حياة المؤلّف باعتراف منه إلى عوالم من الخيال كان من الممكن أن تظل دائماً أسيرة عالمه التخيلي. وسيشرح إيكو في عمله "حاشية على اسم الوردة-آليات الكتابة" إضاءة لهذه الرواية.
وقد حظي مفهوم التناص بأهمية كبيرة منذ أن دخل حقل الدراسات الأدبية مع جماعة (تل كل) الفرنسية ومع جوليا كريستيفا، التي كانت واحدة من أعضائها، وهي أول من استعملت مصطلح التناص، وقد عدّته وظيفة تناصية تتقاطع فيها العديد من النصوص، لأنه فسيفساء من الاقتباسات. وتولّدت عن هذا المفهوم مصطلحات متعددة كالتفاعل النصي والمتعاليات النصية والميتانص وغيرها. ووظّف جرار جنيت مصطلح "التعالي النصي"، وهو كل ما يجعل نصا يتعالق مع نصوص أخرى. وقد أثرى رولان بارت هذا المصطلح في كتابه "لذّة النص". وفكرته حول موت المؤلّف وولادة القارئ. ويرى إيكو أنه حينما يريد الناقد تأويل نص ما فمن المستحسن مساءلة المؤلّف إلى أي حدّ كان واعياً بمجمل التأويلات التي تُمنح لنصّه من أجل توضيح الاختلافات بين قصد المؤلّف وقصد النص، بينما التفكيكية ترفض هذا التصوّر لتدافع عن التأويل المضاعف للنصوص.
وفي عالم النص الأدبي، نجد أن التناص مجال خصب للتأويل في علاقة النصوص ببعضها البعض وفي علاقتها بالمؤلِّف والقارئ. إن التناص كموضوع ليس جديداً في دراساتنا النقدية. فهو يلتقي بمصطلحات كانت متداولة في الخطاب النقدي العربي القديم كالتضمين والاقتباس والمعارضات وغيرها. اهتمّ العديد من الباحثين العرب المعاصرين بمفهوم التناص وموضوعه. ولمحمد مفتاح كتابات عديدة في هذا المجال أخصّ بالذكر مؤلّفاته "تحليل الخطاب الشعري إستراتيجية التناص"، و"دينامية النص"، و"المفاهيم معالم". في كتابه الأول فكلمة تناص تعني عنده "تعالق" أي الدخول في علاقة. وتناص تعني "الحوارية" في كتابه الثاني. أما في كتابه الأخير فيحدّد ست درجات للتناص، وهي التطابق والتفاعل والتداخل والتحاذي والتباعد والتقاصي. وفيه يعرّف التناص "باعتباره نصوصا جديدة تنفي مضامين النصوص السابقة، وتؤسس مضامين جديدة خاصة بها يستخلصها مؤول بقراءة إبداعية مستكشفة وغير قائمة على استقراء أو استنباط."[4]، وهو ما يدلّ على هذا المفهوم الواسع والشّامل لمصطلح التناص.
سلطة التناص الديني في النص الأدبي
يكتسب التناص الديني سلطة في النص الأدبي؛ فكل ما يخرج عن النص القرآني خارج عن الدين. مع العلم أن دلالات ومفاهيم النص الديني لا تمثل في النص الأدبي إرادة المشرّع، بل إرادة المبدع مع مراعاة قداسة النص الديني البعيد كل البعد عن التوجّهات المذهبية والإيديولوجية والعقدية.
الشعر العربي رهين ثوابت الدين وهيمنة المقدّس، وهو ما أدى إلى إدانة الجمال والخلق والابتكار الذي يصنع الأعمال العظيمة التي ترقى إلى درجة الإعجاز. وكان ابن الأثير صاحب كتاب المثل السائر يقول عن الشاهنامة أنها "قرآن القوم" أي أنها أرفع من الأدب وتمتلك صفة إعجاز القرآن. وهذا الإعجاز لا يوجد في اللغة العربية وحدها بل في كل لغات الأعمال الإنسانية الكبرى القديمة والحديثة.
ويذهب شلي Shelly إلى أن الشعر هو حقا شيء إلهي. وقديماً كانت تعني كلمة فاتيس vates النبي والشاعر معاً. وكانت النّبوّة من صفات الشاعر في مرحلة النهضة الأوروبية، فالشاعر هو النّبي الذي يتلقّى الوحي، أي الإلهام الشعري الذي يضعه في مصاف الأنبياء. وقد سادت هذه الفكرة أيضاً عند شعراء الرومانسية العربية. فعمد العديد من الشعراء إلى محاكاة ربات الشعر التي تجود عليهم بنفحات الشعر. يقول الشابي:
يا ربة الشعـر والأحلام، غنيني فقد سئمت وجوم الكون من حين
ويقول الأخطل الصغير:
والشعــر روح الله في شاعره ذلك يوحيـــه وهــــذا ينشــر
والنصوص الدينية تحظى بحضور قوي في الأدب العربي وغير العربي. فالجنة والفردوس والجحيم والجزاء والعقاب مفردات تتكرّر باستمرار عند شعراء الحداثة، وهي مفردات مقتبسة من النص الديني. ووظيفتها في النص الأدب إبداعية جمالية عند كل من السياب ومحمود درويش وأدونيس وغيرهم. ألم يكن أدب جبران خليل جبران المسيحي المتأثّر بالقرآن صورة للإنسان المسيحي ولمبادئ وقيَم الدين المسيحي. فكان جبران نبياً وكان ابن الفارض شاعراً ربّانياً كما وصفه جبران في كتاب البدائع والطرائف. وكان السياب يرى أن صورة الشاعر الحديث تتمثّل في ذهنه في صورة القديس يوحنا. وأغلب الشعراء العظام حسب السياب كانوا أنماطاً من القديس يوحنا من دانتي إلى شكسبير إلى غوته إلى ت.س.إيليوت وإيديث ستويل.
في الفصل بين الإعجاز الأدبي والإعجاز الديني
كان المعري يسمي ديوان أبي الطيب المتنبي "معجز أحمد" للتمييز بينه وبين معجز محمد. لِما أثاره المتنبي من حركة نقدية واسعة لسموّ فكره وموهبته الشعرية الكبيرة. وروعة شعره لا زالت أصداؤها سارية في النقد المعاصر لتفرّده وأصالته. وقد أُلّفت العديد من الكتب في تفسير شعره. وكل من المتنبي والمعري أثار جدلاً كبيراً في أوساط المهتمّين. كما أن كلاًّ منهما سبق عصره بمئات السنين. وكان المعري معجباً بالمتنبي ويفضّله على العديد من الشعراء كأبي نواس وأبي تمّام، كما دافع عنه فيما نُسب إليه من دعوى النبوءة. ونجد أن طه حسين أهم المفكرين الذين اهتموا بأبي العلاء في أطروحته "تجديد ذكرى أبي العلاء". وكذلك في كتابه "مع أبي العلاء في سجنه"، و"صوت أبي العلاء". إذ شبّه طه حسين أبا العلاء بباسكال الفرنسي في الفكر والأدب والإبداع. وكان معجباً بقوة خياله في رسالة الغفران، واعتبرها نفحة من نفحات الوحي الشعري. وردّ على العقاد الذي كان لا يرى في رسالة أبي العلاء بدعة فنّية فهي لا تخرج عن كونها كتاباً أدبياً علمياً تاريخياً، فأشاد طه حسين بخيال أبي العلاء الخصب الذي أهّله للخلود، ورأى أن دانتي حضي بإعجاب الناس على مرّ العصور والأجيال لوجه الشبه الكبير بين رسالته ورسالة الغفران.
ووجد العديد من الباحثين أن هناك أيضاً شبهاً كبيراً بين طه حسين والمعري في سعة ثقافتهما في الفكر والأدب والفلسفة. وكان الجواهري يرى بأن طه حسين هو معرّي زماننا. أما عائشة بنت الشاطئ المفكّرة والعالمة الجليلة في شؤون الإسلام والفكر والنقد الأدبي، فقد دافعت عن أبي العلاء المعري في أطروحتها التي كان عنوانها "أبو العلاء المعري ورسالة الغفران"، حيث قامت بتحقيق رسالة الغفران وكشفت جوانب عديدة من فلسفة أبي العلاء وتصوّراته العقلية التي هي عنده أصل المعرفة العقلانية، فبرّأته مما نُسب إليه. ونظرت إلى رسالة الغفران كنصّ مسرحي بطله المعري من ثلاثة فصول تغري بالقراءة والتحليل.
إن التنويه الكبير الذي حظيت به رسالة الغفران من طرف هؤلاء المفكرين التنويريين يدل على أن سوء فهم شاعرية المعري كان سبباً في التشكيك في عقيدته وإهمال رسالته. في حين اهتمّ الأوروبيون بنبوغه وفلسفته وأدبه، وتُرجمت مؤلّفاته إلى العديد من اللغات وخاصّة اللزوميات ورسالة الغفران.
ما يعني أن قَطْع رأس تمثال أبي العلاء في سوريا إبّان ثورات الربيع العربي، (2013)، وهو شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء العرب ومن علماء الفكر التنويري العقلاني العربي، لنوعٌ من التعبير عن موقف فكري سياسي وديني متطرّف ورجوع إلى المجتمع القبلي. وهو ما يمكن أن نقوله عن اختفاء رأس تمثال عميد الأدب العربي طه حسين بمدينة المنيا بمصر. دون أن يعلم هؤلاء الذين يتصدّون للعقل والفكر أن سرقة وإبادة التراث لا تلغي الفكر التنويري، ولا تلغي التراث الإبداعي الفلسفي والشعري من خزانة الأدب العربي.
الإعجاز الأدبي في رسالة الغفران
رسالة الغفران من الأعمال الإنسانية الكبرى التي تكتسي صفة الإعجاز. وقد شهد للمعري بالتميّز والإبداع أكبر الأدباء العرب وغير العرب حتى الذين رموه بالكفر والإلحاد. وقد كتب رسالة الغفران حوالي سنة 424ه. والمعري من الشعراء الكبار كهوميروس وفيرجيل ودانتي، وهو أيضاً فيلسوف كبير يبحث عن الحقيقة فيجدها عند فلاسفة الإسلام واليونان والهند والفرس، ليأتي بفلسفته المختلفة في رسالة الغفران واللزوميات وسقط الزند وغيرها.
لكن لماذا لم يهتم القدماء برسالة الغفران التي تعدّ الآن من أكبر الآداب الإنسانية؟ ولماذا اتّهم فقهاء الإسلام أبا العلاء بالكفر والإلحاد، وهو أعظم شعراء العربية في التاريخ؟
كتب أبو العلاء رسالته، وهو رهين المحبسين لخمسين سنة، ردا على رسالة ابن القارح بطل هذه الرحلة الخيالية في العالم الآخر، وهي من أجود كتب التراث العربي النقدي. وتتكوّن من مقدّمة وقسمين. يتعلّق القسم الأول بقصّة الغفران والقسم الثاني بالرد على ابن القارح.
وأظن أن التشكيك في عقيدة المعري في رسالة الغفران كانت السبب في هذا الإهمال. لا أرى ما يضير أن يجمع المعري في جنته المتخيَّلة كل ما حُرم منه في دنياه، وأن يجعل فيها كل ما تشتهيه نفسه من ملذّات. والغريب أن شخصيات أبي العلاء تنتمي كلها إلى عالم الشعراء والأدباء الذين يحضون عنده بأهمية دون غيرهم من الناس. ولعل الهدف الأساسي من رسالة أبي العلاء هو النقد الأدبي مرفوق بالنقد الاجتماعي ومواجهة الفكر المتشدّد وبأن الله يعلم ما لا نعلم من خبايا الأمور وهم الغفور الرحيم بالعباد. ونقرأ هذا المقطع من رسالة أبي العلاء الذي يوحي ببلاغة أبي العلاء وفكره الثّاقب في وصف جنّة الشعراء في تداخل جميل بين الرّؤية الدينية والدّنيوية، بالإضافة إلى رؤية شعرية وفلسفية غاية في الإبداع. يقول المعري في نهاية رحلته إلى العالم الآخر وهو بصدد سرد القصّة "ويتكئ على مفرشٍ من السندس، ويأمر الحور العين أن يحملن ذلك المفرش، فيضعنه على سرير من سرر أهل الجنة، وإنما هو زبرجد وعسجد، ويكوّن الباري حلقاً من ذهب وتناديه الثمرات من كل أدبٍ وهو مستلقٍ على الظهر فإذا أراد عنقوداً من العنب أو غيره انقضب من الشجرة بمشيئة الله وحملته القدرة التي فيه". أوليس في هذا المقطع من عبقرية السرد وجمالية الحكي.
وما يميّز الرسالة هو هذا الخيال الخصب لأبي العلاء وهو رجلٌ كفيف. فرسالته تمتاز بطابع روائي حيث يلتقي ابن القارح، الذي هو بطل هذه الرحلة صوب الجنة والجحيم، بالعديد من الشعراء واللغويين. فيحاور العديد من الشعراء الكبار في الجنة الذين غفر الله لهم بسبب أبيات شعرية كزهير بن أبي سلمى والنابغة والأعشى وعبيد بن الأبرص وحسان بن ثابت والنابغة الجعدي ولبيد بن أبي ربيعة. ويمرّ وهو في طريقه إلى الجحيم بشعراء الجن حيث يلتقي شعراء من أهل النار، فيسألهم عن شعرهم كامرئ القيس وعنترة بن شداد عمرو بن كلثوم وطرفة بن العبد والمهلهل والمرقش الأكبر والمرقش الأصغر والشنفرى وتأبط شراً وغيرهم. ثم يعود من جديد للجنة ونعيمها.
وتمتاز رسالة الغفران بلغة أدبية رصينة. ومن داخل هذه اللغة الأدبية عبّر المعري عن الحياة الدنيوية والأخروية. ووَلَج عالم الغيبيات، وهو الذي عاش حياته منزوياً بعيداً عن كل ملذّات الحياة. وفي رحلته الغفرانية سخط على كل أعدائه الذين ووضعهُم في الجحيم، وانتقد المجتمع الذي مزّقته السياسة مع العلم أن الرحلات إلى العالم الآخر عرضتها كل الأديان وسبقت المعري ودانتي من خلال العديد من الأساطير والحكايات والملاحم الشعرية كالإلياذة والأوديسا، وكذلك قصة القديس يوحنا في رؤياه وقصة الإسراء والمعراج وغيرها.
دون أن ننسى أن دانتي تلقّى تعاليمه الكاثوليكية في دير الفرنسيسكان. وملحمة دانتي عبارة عن رحلة إلى الجحيم والمطهّر والفردوس في ثلاثة أجزاء. فملأ دانتي الجحيم بكل معاديه، ولعلهم من الأشخاص الذين كانوا سبباً في نفيه وتشرّده من خصومه السياسيين. وجعل المطهّر مرتعاً للتوبة والغفران وأدخل الفردوس كل أحبّته.
الإعجاز الأدبي في الكوميديا الإلهية
حضور الدين في كوميديا دانتي بطريقة فنّية أدبية رفيعة جسّدها حبّ روحي بطلته بياتريشي التي رافقته في رحلته مع أستاذه الشاعر فيرجيل برحلة في الجحيم والمطهّر، والتي قال فيها دانتي أجمل قصائده، لأنها هي التي أوصلته بحبها الطاهر إلى السماوات السبع، حيث ينشغل عن حبّها بحبّ الله. وفي الكوميديا الإلهية أيضاً مزجٌ كبيرٌ بين الأسطورة والواقع والخيال والتاريخ. والكوميديا الإلهية هي تجسيدٌ للمشاعر الإنسانية من خلال الكون والوجود في فُسحَة دينية تتّسع للأسطورة والخيال والواقع والفكر والفلسفة. ودون أن ننسى كذلك بأن أبا العلاء لم يتأثر بالقرآن والأحاديث النبوية وقصة المعراج فحسب، بل تأثر أيضاً بالأساطير العربية وحكايات الجن وبالشعر الجاهلي وشعر صدر الإسلام ورسائل الجاحظ وقصص كليلة ودمنة وغيرها.
ويجمع العديد من الدارسين أنه لولا كوميديا دانتي لما اهتم أحد برسالة الغفران التي هي منبع ورافد أساسي للكوميديا الإلهية، وذلك بعد أن أكّد "أسين بلاثيوس" أثر رسالة الغفران في الكوميديا الإلهية، والتي بموجبها قال محمد كرد علي" أعمى المعرة كان معلماً لنابغة إيطالية في الشعر والخيال". وقد كتب دانتي الكوميديا الإلهية بعد ثلاثة قرون من رسالة الغفران، وحظيت بما لم تحظ به رسالة أبي العلاء في الأوساط الأدبية والفنّية. وحظيت رائعة الشاعر الإيطالي دانتي "الكوميديا الإلهية" بحفاوة أهل الفن كأعظم عمل أدبي أنتجته أوروبا في القرون الوسطى. فقد استقبلته السينما الإيطالية والأمريكية والسويدية وحظي بأفلام عالمية. بالإضافة إلى العديد من اللوحات التشكيلية لكبار الرّسّامين في العالم أهمّها لوحة رافيل سانزيو الموجودة بقصر الفاتيكان للبابا يوليوس الثاني ولوحة الفنان دومينيكو دي ميشيلينو ولوحة الفنان ساندرو بوتيتشيلي ولوحة دانتي وبياتريسللفنان هنري هوليداي وكذلك لوحة الفنان الفينزويلي كريستوبال روخاس.
إن النص الأدبي فضاء رحب لكل المعارف الإنسانية. ولتحليل النص الأدبي الغني بالتناص الديني يمكن أن نستند إلى كل العلوم المعرفية، لأنه نصّ معرفي بالدرجة الأولى؛ فهو يتضمّن العديد من المعارف الفكرية والفلسفية والنفسية والتاريخية وغيرها من المعارف الإنسانية مع التركيز على دراسة الظّواهر العقلية كالذّاكرة والوعي والإدراك وغير ذلك لمعرفة الانفعالات النفسية، وكل ما يربط بين العاطفي والعقلاني. شرط أن نميّز بين مضمون النص الديني وبين الفكر الديني الذي تحتضنه المؤسسة الدينية لتأويل نصوص أدبية باذخة أدهشت القرّاء ببنائها ولغتها وجمالية صورها عند قرّائها الأوائل والمعاصرين.
* نص المداخلة الذي تم تقديمه بالندوة المصغرة التي نظمتها مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث حول موضوع: "المناهج الأدبية وفهم النص الديني" بصالون جدل التابع للمؤسسة بالرباط، المغرب، بتاريخ: 20 فبراير 2016
[1] طه حسين، في الأدب الجاهلي، ط 10، دار المعارف، مصر، 1969، ص 11
[2]الزركشي، البرهان في علوم القرآن 1/294
[3]عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تحقيق محمد الفاضلي، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ط 3، 2001، ص 205
[4]مفتاح، محمد، المفاهيم معالم: نحو تأويل واقعي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء- بيروت، 1999، ص 41