تجاوز السّؤال الإبستمولوجي عن طريق البحث في التأويل الفينومينولوجي
فئة : مقالات
عرفت التأويلية على مرّ تاريخ تطورها تغيرات عدة؛ فمن اهتمامها بتأويل النصوص الدينية، ثم تركيزها فيما بعد على النصوص الأدبية، لتنتقل في القرن الثامن عشر صوب مهمة أخرى خاصة مع "شلايرماخر" الذي جعل منها فنًّا لتأويل أي نص كيفما كان وفهمه، إلا أن هذا الفهم لن يتحقق، بالنسبة إلى شلايماخر، دون استحضار سيكولوجية المُؤلف ومعيشاته النفسية المتحكمة في كتابة النص، كل ذلك بغية تجنب الوقوع في سوء الفهم، حتى يتسنى لنا فهم النص أكثر مما فهمه صاحبه، بمعنى أن تأويل النصوص عملية معرضة دوما لسوء الفهم. لهذا السبب، ينبغي الاستعانة بالتأويلية، باعتبارها مجموعة من القواعد، من شأن الالتزام بها أن يجنبنا الوقوع في الخطأ، ومن دونها يستحيل حصول الفهم، وعليه يغدو التأويل مع "شلايرماخر" تأويلا لغويا يعتمد -إلى جانب اللغة- على التأويل النفسي، لتتم إعادة تأسيس المقاصد الأولية لاستخراج المعنى الأصلي المتواري خلف النص. لكن مع بدايات القرن التاسع عشر، أضحت التأويلية مع "دلتاي" منهجا من شأنه أن يخدم علوم الروح ويضفي عليها طابع الموضوعية الذي تفتقر إليه وتتمتع به علوم الطبيعة، معتبرا إياها -التأويلية- نظرية تاريخية تستند إلى فهم تجارب الحياة الإنسانية. هكذا عمل تلامذته خاصة "جورج ميشه" على جعلها نوعا من التأويلية المنطقية، لتتم بذلك البرهنة على أن المقولات الأساسية للمنطق وللعلوم تجد جذورها في عمق فهم الحياة من خلال الحياة ذاتها.
مع مطلع القرن العشرين شهدت التأويلية تحوّلات كبرى، لا من حيث الأسس التي كانت تقوم عليها، ولا من حيث الأهداف التي حُددت لها، حيث عَمل "هايدغر" على تحويل التأويلية إلى نظرية فلسفية متجذرة في الحياة الواقعانية للدازين، وبذلك تغير -مع هايدغر- موضوع التأويلية، وطبيعتها ووجهتها، إذ لم تعد تأويلا للنصوص أو وسيلة تقنية معيارية بمقدورها أن تحقق نوعا من الموضوعية داخل علوم الروح، وإنما أصبحت تأويلاً وفهما للكون ذاته، تأويلا وفهما من شأنهما أن يميطا اللثام عن الفروض المسبقة التي قامت عليها الأنطولوجيا التقليدية، ويكونا بذلك وسيلة لكشف الكون وإظهاره في أقصى تجلياته الواقعانية. بهذا الشكل، أصبحنا نتحدث عما ينعت بـ "المنعطف الوجوداني للتأويلية"[1].
تدفعنا هاته الأرضية التي انطلق منها هذا المقال إلى طرح جملة من التساؤلات حول طبيعة الأساس الفلسفي الذي أقام عليه "هايدغر" تأويليته الواقعانية وأبرز سماته؛ أي ما هو الدور الذي أعطاه فيلسوف الغابة السوداء لكل من الفهم والتأويل داخل هذا الأساس الفلسفي للتأويلية؟ وهل للتأويل والفهم عند "هايدغر" الدلالة نفسها التي كانا يحملانها عند كل من" شلايرماخر" و"دلتاي"؟ أيّهما يتمتع بالأسبقية الوجودية على الآخر؟ ما هي أهم مميزات التأويلية التي بسطها[2] "هايدغر" من خلال مؤلفاته قبل وبعد المنعطف؟
استهل "جون غروندان" الفصل الخامس من كتابه "كونية التأويلية"[3] بمقولة شهيرة "لدلتاي" مفادها: أن كل ما يُعاش داخليا لا يمكن رده إلى مفاهيم تتطور عن طريق العالم الخارجي لتضفي عليها معنى، نفهم من هذا أنه بالنسبة إلى "دلتاي" هناك انفصال بين ما هو خارجي، وبين ما هو داخلي، بين الذات والموضوع، وبين الأنا، وبين العالم، لكن السؤال المطروح هنا هو ما المغزى من إيراد "غروندان" هاته المقولة في مقدمة الفصل المتعلق بالتأويلية عند "هايدغر"؟ ما هي الدلالة المضافة من قبل هذه المقولة على ما سيأتي لاحقا؟
لقد احتفظت التأويلية في القرن التاسع عشر بمعنى خاص يعبر عن حدوس انعكاسية بالأساس؛ فجل ممثلي الاتجاه التأويلي في مرحلته الكلاسيكية، "بلوخ، شيلر، شلايرماخر، دورسن ودلتاي"، فشلوا في تطوير نظرية تأويلية موحدة وممنهجة، نظرا لأنّ جل أعمالهم وأبحاثهم لم تنشر إلاّ من طرف تلامذتهم على شكل مخطوطات أو ملخصات لبعض المحاضرات. أما مع "هايدغر"، فقد عرفت التأويلية تحوّلا كبيرا، سواء من حيث الأسس، أو من حيث الأهداف؛ كل هذا إثر انتقاده للتقليد التأويلي الذي كان سائدا مع كل من شلايرماخر، ودورسن ودلتاي، جاعلا -هايدغر- من التأويلية مركزا لكل التأملات الفلسفية، إلا أنّه ما يثير انتباه كلّ متتبع لانشغال "هايدغر" بالتأويلية، هو أنّ هذا المجهود البارز الذي بذله "هايدغر" ظل مغيبا إلى حدود مطلع منتصف العشرينيات، حيث عمل في هاته الفترة على تأصيل جذري لمفهوم التأويلية، وذلك من خلال دروسه في مؤلف يعود إلى اهتماماته الأولى بالتأويلية الفينومينولوجية، والمعنون بـ "تأويلية الحياة الواقعانية"[4]، وعليه، لا يمكننا أن نتحدث عن التأويلية مع "مارتن هايدغر" قبل نشر أعماله الكاملة، خاصة مؤلفه: "الكينونة والزمان"، الذي بالرغم من اهتمامه بالإشكالات الأساسية المنصبة حول مسألتي الكينونة والزمان، إلا أننا نجده قد وظّف فيه الفينومينولوجيا التأويلية كـ"منهج" لمعالجة أبرز الإشكالات الأنطولوجية التقليدية قصد تفكيكها وتجاوزها. كل ما سبق، دفعنا إلى القول مع "غروندان" بأنه بعدما نُعت بـ "المنعطف" اختفى اهتمام "هايدغر" نوعا ما بالإشكالات التأويلية والفينومينولوجية. لكن هذا لا يحول دون تفطن المهتم بالمسار الفلسفي لهايدغر بأنّ مشروع البحث في التأويلية الهايديغرية يستلزم الحفر والتنقيب في محاضرته الأولى -السابقة عن مشروع "الكون والزمان"- التي كان لها بالغ الأثر على المهتمين بالتأويلية فيما بعد خاصة مع "غادامير" و"ريكور". ومن ثم، فالهدف من هذا المقال هو الكشف بالأساس عن علاقة الفهم الفلسفي بالإشكال التأويلي الفينومينولوجي للحياة عينها، والذي يحضر بكثرة في متن مؤلف "الكينونة والزمان". فما السبيل لاستخراج الإشكالات التأويلية الكامنة في عمق القضايا الأنطولوجية التي عُني بها "هايدغر" منذ كتاباته الأولى إلى حدود مؤلف "الكينونة والزمان"؟ وأين تتجلى قوة "غروندان" -بوصفه قارئا مختصّا- في ملامسته لإشكال الفهم واللغة لدى "هايدغر"؟ كيف انتقلنا من ورطة الإشكال الإبستمولوجي إلى التأويل الفينومينولوجي مع "هايدغر"؟
الحركة المسبقة للفهم بقيادة الهم[5].
إن الوقوف عند هاته النقطة بالذات ليس اختيارا اعتباطيا، وإنما هو راجع إلى أنّ البنية المسبقة للفهم عند "هايدغر" تعد الركيزة المتينة التي قام عليها المتن الهايدغري فيما بعد. وهذا ما جعل الثيولوجي "رودولف بولتمان" ينوه بمفهوم "الفهم المسبق"[6] لدى "هايدغر" ودلالته العميقة في تاريخ الفلسفة.
جعل هايدغر من الفهم المسبق حالة وجودية-أصيلة سابقة عن أي تأويل فلسفي، إلاّ أنّ "غروندان" يدعو القارئ إلى الوقوف على الدلالة التي يحملها هذا القبلي الذي يتخلل البنية الاستباقية للفهم الذي يتجاوز كل أفق، فكيف سيسعفنا هذا التداخل بين القبل والبعد في الإفصاح عما يعنيه "هايدغر" بالتأويلية الواقعانية؟ ما هذا القبلي الذي يكشف عن الفهم المسبق الكامن داخل كل عملية تأويلية؟ هل بإمكاننا أن نعثر على شكل محدّد له؟
بمجرد الاطلاع على الفقرات الممتدة ما بين 31 إلى 33 من مشروع "الكينونة والزمان" بوصفها من أكثر الفقرات التي أفصحت عن حضور قوي للتأويلية داخل متن المؤلف السالف الذكر، خاصة الفقرة المعنونة بـ "العبارة كنمط ثانوي للتأويل"، يتضح لنا بجلاء أنّ الفهم المسبق هو في حد ذاته سابق عن أية عبارة، ومن ثم فهاته البنية المسبقة للفهم تفيد بأنّ الوجود الإنساني يختصّ بتأويلانية معينة. وبما أنّ الوجود يمتاز بحركة تأويلية وجودية يقودها نوع من الهم، فهذا يسمح بالقول إنّه بالإمكان البرهنة على أنّ تأويلية "هايدغر" للحياة الواقعانية سابقة عن أية حجج تعبيرية ومستقلة عنها، وبالتالي فهي تأويل لبنية هم الوجود الإنساني. يُلاحظ أنّ "هايدغر" قد جرد الفهم من أية سمة معرفية أو منهجية يمكنها أن تكون قد لحقته مع دورسن أو دلتاي، فبالنسبة إلـى "هايدغر" هذا الطابع المعرفي للفهم ليس إلا نمطا ثانويا؛ فالفهم سابق على أية معرفة. إن هدف "هايدغر" من كل ما تقدم، يتمثل في محاولة وضع التأويلية على أساس كوني، هكذا وجد "هايدغر" في العالم المعيش عند "هوسرل" الأساس الصلب الذي يمكن أن تقوم عليه نظريته[7].
إنّ الفهم عند "هايدغر" بوصفه مكونا أساسيا للعملية التأويلية، مرتبط بقدرات ذاتية قبلية من شأنها أن تجعل الكائن يفهم الكلية الوظيفية التي تكون في متناول يده في أي استعمال. لهذا، فأسبقية الفهم عند "هايدغر" تفيد أنّه؛ أي الفهم ليس شيئا نمتلكه، وإنما هو شيء نكونه نحن أنفسنا في كل مرة. إنّه شكل من أشكال همّ الدازين[8] في-العالم، لتبسيط وفهم هذا المركب نستدعي مثالا للاعب موهوب في كرة القدم، فمهارته غير مرتبطة بتلقينه لمعرفة معينة، وإنما هي مهارة يتمتع بها كونه هو، مما يؤكد أنّ الفهم سابق عن أي طابع معرفي، وهذا ما يجعل الفهم يتمتع بخاصية وجودانية وعملية يومية في الوقت نفسه لدى "هايدغر". نخلص من خلال ما تقدم، إلى أنّ الفهم في هاته الحالة يكون فهما ضمنيا وغير مصرح به، فالكائن يفهم من تلقاء ذاته أنّ هذا الشيء مثلا يصلح لكذا ولا يصلح لكذا... من دون أن يصرح بتأويلات عن فهمه لوظيفة تلك الأشياء، فهي الأخرى مؤولة من تلقاء ذاتها. إنها دائما صالحة كشيء لكذا، وهذا التعبير "كشيء" يفيد أنّه دائما يكون لدينا تأويل غير مصرح به للأشياء من حولنا، حيث يكون لنا فهم ضمني بأنّها تصلح لشيء معين يكون محور انشغالنا بشكل يومي على عكس صيغ المنطق الصارمة. مثلا الباب عندما نقف أمامه فنحن نفهم ضمنيا بأنه وسيلة تمكننا من ولوج فضاء معين أو الخروج منه، لكن ليس من الضروري أن نصرح بفهمنا هذا، لأننا ننجزه في كل مرة. وهذا يدل بدوره على كون التأويل هو قبل كل شيء تأويل للهم والقلق المتضمنين في البنية المسبقة للفهم، لذلك يعتبر "هايدغر" أنّ الفهم المتبصر للكائن في العالم يجد جذوره الوجودانية في ما ينعته بالانشغال بالآخر الذي يقوده دائما فهم قلق، أضف إلى ذلك أنّ الفهم يتميز أيضا -لدى هايدغر- بخاصية أخرى تتمثل في كونه دائما يشتغل داخل كلية وظيفية مُؤولة من تلقاء ذاتها، وهذا ما يجعل الفهم مرتبطا دائما بحلقة تأويلية، إلا أنّ هاته الأخيرة مرتبطة عينها بالوجود الإنساني الملقى به في-العالم، والذي يستلزم أن نخصه بتأويل خاص لحياته في واقعانيتها.
تفسير الفهم داخل التأويلية الصريحة
بعدما بينّا في الفقرات السابقة، أنّ للفهم عند "هايدغر" بعدا أنطولوجيا يمتاز به، كون الدازين في العالم ويعمل على ممارسته ضمنيا في انشغاله اليومي، سنقف في هاته الفقرة على علاقة الفهم بالتأويل الصريح، مستهلين هاته الزاوية من البحث بقول مفاده: إن غياب الكلمات لا يقتضي بالضرورة أن نختزله إلى غياب التأويل. إنّ اختيار هاته القولة ليس على سبيل الصدفة، وإنما هو اختيار يصب في صلب القضية التي سنعالجها من خلال هذا المحور، والمتمثلة في أنّ "هايدغر" تنبه إلى أهمية قلب تلك العلاقة الثيولوجية القائمة بين الفهم، وبين التأويل داخل التقليد التأويلي. لقد أكد "هايدغر" منذ البداية على أسبقية الفهم على التأويل، وما هذا الأخير -حسب هايدغر- إلاّ شرح وبسط يلحق عملية الفهم، إنّ أسبقية الفهم هاته راجعة لكون هذا الفهم هو في الحقيقة نتيجة للقلق الوجودي. ومن ثم، فهو يمتلك إمكانية تطوير ذاته بذاته وفهمها على نحو صريح.[9]
بهذا الشكل، يمتلك "الفهم بوصفه نتيجة للقلق الوجودي إمكانية تطوير نفسه من تلقاء ذاته، بمعنى فهمها بكيفية صريحة."[10]
وعليه، فمهمة التأويل تقتصر فقط -كما سبقت الإشارة- على كشف ما تم فهمه ضمنيا داخل مركب من الإحالات والدلالات التي يعثر عليها الدازين خلال ملاقاته للعالم المحيط به.
إنّ مواصلتنا لتتبع مسار "هايدغر" مع محاولة ربطه بأعماله التي تلت نص "الكون والزمان" تفصح لنا أنّ التأويل عند "هايدغر" عملية تأتي بعد الفهم، إنّ التأويل يكشف عما يقود الفهم من افتراضات وأحكام مسبقة تحدد طريقة سلوكنا ومعرفتنا القلقة. لهذا السبب، فالمهمة الأولى للتأويل تتجسد في الكشف عن المسبقات التي تسكن الفهم، وهاته العلاقة بين الفهم وبين التأويل لا تنطبق فقط على تأويلنا للحياة الواقعانية، وإنما تنطبق كذلك على النصوص التي لا يمكن الحديث عن تأويلها في غياب للأحكام المسبقة التي نلج بها لتصفح ما جاء في تلك النصوص. هناك دائما حلقة بين الفهم والتأويل، إلا أنّ السؤال المطروح هنا متمثل في كيفية إمكانية الحديث مع "هايدغر" في بداياته الأولى عن تواجد حلقة بين الفهم وبين التأويل، في الوقت الذي نعلم فيه أنّ التأويل ذاته متضمن في الفهم المسبق؟ يقدم "غروندان" في مرات عدة جوابا يعد من وجهة نظرنا جوابا يستند على المنطق، لكنه لا يلتزم بالغاية المنطقية منه. ندرج الجواب التبريري كالآتي: "إنّ "هايدغر" حتى وإن استعمل هذا المفهوم المستوحى من المنطق، فذلك بغية الرد على من لا يعتقد في تاريخانية الفهم، وبغض النظر عن هاته الافتراضات، فالتأويل دائما هو تصريح وتفسير لما نفهمه".
فكرة التأويلية الفلسفية عن الحياة الواقعانية
يدفعنا الحديث عن تأصيل فلسفي للتأويلية -مع هايدغر- باعتبارها عملا تأويليا يسكن الفهم، لاستحضار التصور الذي ظل طاغيا منذ "شلايرماخر"، واستمر حتى مع دلتاي، ومفاده أنّ التأويلية ما هي إلاّ تقنية منهجية للفهم بمقدورها أن تؤسس توجها معرفيا للاشتغال داخل حقل العلوم الإنسانية، وهذا طبعا ما يرفضه "هايدغر" معتبرا إياها تأويلية فلسفية متجذرة في الحياة الواقعانية للدازين. إنّها تأويل مستقل للواقعانية، يجعل كون الكائن على وعي بوضعه داخل الكون. فالتأويلية الفلسفية بالنسبة إلى "هايدغر" هي ما يسمح للدازين بإدراك المعنى الأصلي لكونه وبنياته الأساسية، فهي تأويل صريح للدازين المنشغل بالحياة وبالعالم المحيط به؛ ومنه يتجلى المشروع الفلسفي لدى "هايدغر" بوضوح تام من خلال الدروس التي ألقاها في صيف 1923 حول التأويلية الواقعانية، فالتأويلية -حسب هايدغر- هي النمط أو الشكل الوحيد لمقاربة التساؤلات والتفسيرات الواقعانية. يُفهم مما سلف، أنّ الفلسفة ليس لديها نموذج محدد تعمل على تطبيقه لفهم الكون. إنّها تترك للدازين إمكانياته واستقلاليته التامة، لهذا السبب لن تكون التأويلية الواقعانية نظرية تُضم إلى الكم الهائل من النظريات المعرفية، بقدر ما هي مشروع يسلك فيه الدازين طريقه في استقلال وجوداني تام داخل تأويل صريح يغدو خلاله الكون بدوره مفهوما من تلقاء ذاته. فالدازين يتمتع بتأويلانية صريحة، لكونه يتمتع داخلها بأقصى إمكانات للحرية واتخاذ القرار. هذا ما دفع بـ "هايدغر" إلى ربط التأويلية في جل نصوصه بالقضايا الفلسفية المهتمة بالكون المصرح به على نحو تعبيري؛ فالفلسفة دائما في انشغال بهذا الكون، ساعية إلى فهمه، لكن هذا الفهم لن يتحقق بمعزل عن قضايا تعبيرية. فما هي إذن طبيعة العبارة عند "هايدغر"؟
لا يفهم "هايدغر" العبارة كما تُقدم في صيغتها المنطقية داخل نسق منطقي محدد، بل هي عبارة تقوم بالأساس على عمليتي الفهم والتأويل، وهذا ما يجعل لها معنى، هناك مثال شهير لـ "هايدغر" في العبارة: "المطرقة ثقيلة"، إذ يتضح منذ البداية أنّ هاته العبارة قد شيدت وفق حدود منطقية على الشكل التالي: س وب، لكن تأويل الكون لا يقتضي بالضرورة هاته العبارات المنطقية، بل على العكس من ذلك، مثل هذه العبارات تكون مختفية؛ فمثلا العامل يفهم مسبقا لماذا تصلح المطرقة، وفي حالة ما تعذر عليه استعمالها قد يتركها جانبا. إنّ عمله هذا يعد تأويلا، لكنه ليس عبارة، فالمطرقة في الأصل هي أداة في متناول اليد، صالحة ضمنيا لشيء ما، ففي حياتنا اليومية لا ننشغل بالمطرقة كموضوع له خاصية الثقل مثلا أو اللون أو غير ذلك، بل ننشغل بها كأداة تكتسي عن طريقها المطرقة معناها الوجودي من جهة أولى، وقد تثير انتباهنا عندما تتعطل وظيفتها من جهة ثانية. تبعا لما تقدم، يدعونا "هايدغر" للتمسك باللحظة التأويلية للعبارة، التي هي في حقيقة الأمر مشتقة من التأويل ومتجذرة في كون الكائن المنشغل بها، على هذا النحو تبرز مكانة "هايدغر" في قدرته على تجاوز ذلك القصور الذي تعرفه علوم اللغة، فهي تبقى حبيسة مستوى العبارات المنطقية النسقية، لكن اللغة بدورها قبل كل شيء هي أداة في متناول اليد، ينشغل بها الدازين، ويوظفها في فهم كونه والتعبير عنه، سواء بشكل ضمني أو صريح.
خلصنا للتو إلى أن اللغة بدأت تأخذ مكانتها على نحو تدريجي داخل فلسفة "هايدغر"، لكن تصوره للغة ليس هو نفسه التصور الجاري به داخل علوم اللغة، بل هو تصور يضفي عليها طابعا وجوديا: "اللغة هي مسكن الوجود"، لكن مكانة اللغة داخل النص الهايدغري ستعرف بعد ذلك تحولا يُعرف بـ: المنعطف التأويلي[11].
بعد الندوة التي ألقاها "هايدغر" سنة 1962، بدأت الأمور تسير في اتجاه مغاير. إنّ فلسفة "هايدغر" بعد "المنعطف" تنبهت لما يمكن أن تقدمه اللغة للتأويلية، صحيح أنّه من الصّعب الاعتقاد في كون العبارات المنطقية من شأنها أن تعبر عن القلق الإنساني، قلق يفهم ضمنيا أنّه ملقى به في هذا الكون الفسيح، وأنّ للدازين حتما نهايته الأنطولوجية. كل هذا دفع بهايدغر إلى معارضته للسبرنيطيقا وللتقنية فيما بعد، وقد كان لهاته المعارضة أثر كبير على تلميذه "غادامير". هنا يصل بنا التحليل إلى إشكال آخر: إذا كانت التأويلية اللغوية غير منفصلة عن التفكير في الفينومينولوجيا التأويلية بعد "المنعطف"، فهذا ينطبق أيضا على المهمة النقدية للتأويل الصريح، فهو تأويل يعتمد اللغة قصد الكشف عن البنية المسبقة للفهم، أضف إلى ذلك أن هذا التأويل من شأنه أن يخدم الأنطولوجيا التي شرع "هايدغر" في التأسيس لها منذ 1923، أنطولوجيا وفية لمقولة "اعرف نفسك بنفسك" أنطولوجيا تهتم هاته المرة بالدازين بدل الكون.
عموما، فقد شكل الفهم بمقتضى الحياة عند كل من "دلتاي" و"هوسرل" نقطة انطلاق مشروع "هايدغر"، لكن هذا الأخير لم يوظف مفهوم الحياة لحل قضايا إبستمولوجية كما فعل سابقوه، بل على العكس من ذلك، تعرض هذا الموضوع الإبستمولوجي لنقد شديد من لدن "هايدغر"، من خلال بلورته لمفهوم "التأويلية الواقعانية". هكذا كان "هايدغر" معارضا للفينومينولوجيا الماهوية الهوسرلية التي تقيم نوعا من المفارقة بين الحدث والماهية.[12]
بهذا استطاع "هايدغر" "بفضل ما نعته بالتأويلية الواقعانية، الكشف عن التناقض الذي تتخبط فيه الفينومينولوجيا الماهوية مع "هوسرل" والتمييز الحاصل بين كل من الحدث وبين الماهية."[13]
إن واقعانية الدازين لا تقبل أن تكون لها طبيعة اشتقاقية، فهي -وليس الكوجيطو المحض- أساس كل أنطولوجيا فينومينولوجية ممكنة، لكن ضمن كتاب "الحقيقة والمنهج" لا يترك "غادامر" الفرصة تفوته، ليشير إلى: "أن هذا النقد الذي وجهه "هايدغر" ليس بالشيء الجديد، وإنما كان بارزا عند الهيغليين الشباب في نقدهم للمثالية، ومن ثم هناك نوع من الاستنشاق الهغيلي والتأثر بكيركغاد يطبع فكر "هايدغر" في نقده للإشكال الترنسدنتالي، مستبدلا إياه بأنطولوجيا واقعانية".
هاته الأنطولوجيا الواقعانية ذاتها قابلها "هوسرل" بنقد شديد، واعتبرها بدورها تعبيرا ماهويا. ومن ثم، يلمس القارئ أنّ هناك نوعا من التقابل بين ما قدمه "هوسرل" في كتابه "أزمة العلوم الأوروبية"[14] وبين البدايات الأولى لتفكير "هايدغر". طبعا، لا ننفي تلك المفارقات التي سقط فيها "هوسرل" عند تأسيسه للأنا الواحدية الترنسدنتالية، كل هذا يجعل من مهمة تحديد بدايات نقد "هايدغر" لفنومينولوجيا "هوسرل" أمرا صعبا، لأن حتى مشروع "هايدغر" في "الكينونة والزمان" -حسب غادامر- لا يخلو من إشكال التأمل الترنسدنتالي، خاصة فيما يتعلق بتأسيسه لأنطولوجيا قائمة على الدازين، حيث تقودنا حتما إلى معاودة طرح سؤال الكون طرحا صريحا.[15]
انطلاقا مما تقدم، يتبين لنا كون "هوسرل" كان بوسعه هو الآخر أن يبلغ ما وصل إليه "هايدغر" من خلال زمانية وتاريخية الدازين، هكذا كان بمقدوره الرد على "هايدغر"، لأنه في نظره لم يفهم جذرية الرد الفينومينولوجي الذي دشنه.
لتجنب هذا التداخل الذي يبدو بارزا بين فلسفة "هوسرل" وبين فلسفة "هايدغر"، سعينا إلى البحث في نقط الاختلاف القائمة بينهما، لنبرز أن مشروع "هايدغر" كان مخالفا تماما لأهداف "هوسرل" التي كانت فقط نقدا للنزعة الموضوعية، على خلاف "هايدغر" الذي أراد تجاوز إشكالات الفلسفة الحديثة، عائدا بذلك إلى الفلسفة الإغريقية قصد حل الإشكالات الأنطولوجية واقتلاعها من جذورها، مع محاولة ربطها بالإشكالات الفلسفية المعاصرة. فعودته إلى الوراء هي في الوقت نفسه تقدم كبير في اتجاه جديد، تنبه فيه "هايدغر" إلى أن كل الإشكالات التي نتخبط فيها الآن، كان السبب فيها نسيان طرح سؤال الكون. كما أن مشروعه في تأسيس أنطولوجيا واقعانية جعله يدرك أنّ هاته الواقعانية تتمركز في صلب مشكل التاريخانية؛ بهذا الشكل سعى "هايدغر" إلى ربط الإشكالات التاريخانية بمشروعه في تأسيس تأويلية واقعانية، تأخذ بعين الاعتبار زمانية الدازين، لا زمانية الوعي أو الأنا الترنسدنتالي.
إن الشيء الجديد الذي أتى به "هايدغر" لتجاوز الفينومينولوجيا الترنسدنتالية، تمثل في معاودة طرحه لسؤال الكون، وتتبعه في تاريخانيته، وزمانيته؛ فالكون -بالنسبة إلى هايدغر- كون زماني، عاملا بذلك على تجاوز كل نزعة ذاتية قامت عليها الفلسفة الحديثة. إن معاودة طرح "هايدغر" لسؤال الكون وتركيزه على مسألة فهم كل ما هو كائن، دفعت بـ "غادامر" إلى القول: إنّ هاته الجرأة التي لـ "هايدغر" لا تنم عن تأثره لا بدلتاي، ولا بهوسرل، وإنما بنتشه، إذ إنّ هناك نوعا من التشابه الحاضر بقوة بين نقد "هايدغر" للميتافيزيقا الغربية، وبين النقد الجذري الذي وجهه "نتشه" للأفلاطونية.[16]
صحيح أنّ "هايدغر" -حسب غادامر- لم يتمكن من تجاوز المفاهيم الترنسدنتالية عند "هوسرل"، لسبب بسيط تجسد في كون طرحه لسؤال الكون، انبنى في الأصل على فينومينولوجية ترنسدنتالية.
ومع كل التأويلات المقدمة لفلسفة الأنطولوجيا الواقعانية، يبقى هدف "هايدغر" من الفينومينولوجيا التأويلية وتحليله لتاريخانية الدازين متمثلا في القيام بإعادة جذرية لطرح سؤال الكون، لا بلورة نظرية لعلوم الروح أو تجاوز مفارقات النزعة التاريخية. فكل هاته المشاكل من منظور "هايدغر" ما هي إلاّ نتائج ترتبت عن عدم محاولة القيام بتجديد جذري ومعاودة أصيلة لسؤال الكون.
هكذا يتضح أنّ محاولة "دلتاي" لفهم علوم الروح من خلال الحياة، وأخذ التجربة المعيشية كنقطة انطلاق، لم تسعفه في تحقيق نموذج الموضوعية داخل هاته العلوم، وجعلها متساوية في الحقوق مع علوم الطبيعة، على العكس من ذلك -حسب غادامر- استطاع "هايدغر" أن يضفي على مشروعه شرعنة مختلفة تماما عن مشروع كل من "دلتاي" و"هوسرل". فقد أدرك بدوره أهمية "هوسرل" في عدم ضرورة إحداث تمييز بين الكون التاريخي والكون الطبيعي، كما كان سائدا مع دلتاي، لكنه عمل على تجاوزهما معا عن طريق تخليص الفهم من الطابع الإبستمولوجي، ليضفي عليه بذلك بعدًا أنطولوجيا. فـ "الفهم هو الشكل الأصلي لتحقق كون الدازين، بوصفه كونا في-العالم."[17] وعليه، بإمكاننا -معية "هايدغر"- اعتبار الفهم سمة أنطولوجية أصيلة لصيقة بالحياة الإنسانية للدازين ذاته، وليس مجرد منهج لدراسة علوم الروح كما هو الشأن بالنسبة إلى دروسين، ودلتاي، ومتشه. وللبرهنة على تصور "هايدغر" يفصل "غادامر" الحديث في المعنى الذي يضمه مفهوم الفهم. ففهم شيء ما يفيد القدرة على معرفة ذلك الشيء وطريقة استخدامه وما وراءه من إمكانيات تكفل استخدامه بكيفيات متعددة، مثلا فهم نص ما يعني القدرة على تأويله وفهم ما هو متواري خلف ذلك النص. وبهذا الشكل، يتضح تجاوز "هايدغر" لكل من "دلتاي" و"هوسرل" من خلال تأكيده على الأساس الأنطولوجي لبنية الفهم التاريخي.[18]
إن الحديث عن المعرفة التاريخية عند "هايدغر"، يجعلها تبرز على أنّها مثلها مثل أية معرفة تستمد شرعيتها من البنية الاستباقية لفهم الدازين. فالمعرفة التاريخية عند "هايدغر"، كما هي عند "يورك"، لا تقوم خارج بنية كون الدازين. فنحن ندرس التاريخ، ونتشبث بالماضي لكوننا كائنات تاريخية. فهذا الانتماء الذي للدازين مع تاريخه هو في حد ذاته شرط اهتمامه بالمعرفة التاريخية، لكن هل تمكن "هايدغر" من خلال تأسيسه لأنطولوجيا جذرية من بلورة تأويلية تاريخية؟
بعد القيام بتحليل وجودي لبنية الدازين، تبين لـ "غادامر" عدم وجود شيء يمكن استخدامه لنقد التأويلية التاريخية لدى "هايدغر"؛ فلا ينبغي الاستجابة لما يقال حول بنية الهم الزمانية، باعتبارها نموذجا لوجود محدد، نظرا لأن نمط هذا الكون ليس هو نفسه ذلك الوجود الذي يضم كل الأشياء (الحيوانات والأطفال...)، بل بالعكس إنه كون يتميز بخصوصية كونه، كونا للدازين. وهذا ما بسطه "هايدغر" بتفصيل في رسالته حول "النزعة الإنسانية"، التي أظهر من خلالها الفرق بين الإنسان، وبين الحيوان. من هنا تتجلى أصالة مشروع "هايدغر" في قدرته على إعادة طرح سؤال الكون. كل هذا دفع بـ "غادامر" إلى محاولة تتبع مشروع "هايدغر" حول الفهم الأنطولوجي، على اعتبار أنها محاولة من شأنها أن تفتح للتأويلية مهمة جديدة للبحث، لكنه بحث لا يتعالى عن واقعانية الدازين.
على هذا النحو، نهجت الفلسفة التأويلية فيما بعد -خاصة مع غادامر- مسارا مغايرا للتصورات الهايدغيرية، إذ أصبحت التأويلية مع "غادامر" متصلة مرة أخرى بعلوم الروح، إلا أنّ هذا الاتصال لم يعد قائما على مدّ هاته العلوم بمنهج يكفل تحقيق الموضوعية داخلها، بقدر ما هو محاولة لفهم هاته العلوم في تجلياتها وفي علاقتها مع تجربتنا اليومية أولا، وما يربطها بتراثنا ثانيا. المشروع التأويلي لدى "غادامر" كان نابعا إذن من هاجس التغلب على التصور الذي ظل سائدا منذ الفلسفة الحديثة، والقائل بأن هناك نقطة أرشيميدية تقوم عليها المعرفة، وبالتالي فالمنهج هو السبيل الوحيد لبلوغ الحقيقة. إنّ هذا الإشكال القائم بين الحقيقة وبين المنهج، شكل الأطروحة الأساسية التي بنى عليها "غادامر" فلسفته في كتابه "الحقيقة والمنهج"، والتي تغيا من خلالها تقويض الفكرة السائدة آنذاك، والقائلة بأنّ النجاح والتقدم الذي حصلته العلوم الطبيعية كان نتاج اتباعها لمنهج صارم. لهذا السبب، يجب على علوم الروح -إن هي أرادت السير قدما- أن تختار لنفسها منهجا خاصا بها، هكذا وجد "دلتاي" في التأويلية منهجا لدراسة علوم الروح. طبعا "غادامر" رفض ربط الحقيقة بالمنهج، فالحقيقة من وجهة نظره، تتجاوز كل ما هو منهجي علمي، لتتجلى بشكل ملموس في تجارب الحياة من خلال: الفن، والخطابة، والفلسفة والتراث.
حاصل الكلام، إن فلسفة "هايدغر" أعطت اهتماما بالغا للتأويلية الواقعانية، نظرا لكونها الوحيدة الكفيلة بتأويل الدازين الملقى به، لتتخذ هاته التأويلية الواقعانية فيما بعد طابعا عمليا يتمثل في قدرة الدازين على تأويل ذاته بذاته. في هذا الصدد، قد يفطن المتتبع للمسار الفينومينولوجي التأويلي إلى أنّ "هايدغر" ربما سقط في تلك الذاتية التي كرستها الحداثة، لكننا نستدرك ذلك بالقول: إنّ جل مؤلفات "هايدغر" تكرس نوعا من الاهتمام المتزايد من لدنه باللغة، خاصة عندما ربطها بشكل مباشر بالتأويلية، فمن دون الأولى يستحيل الحديث عن الكلام ومن ثم، عن التأويل، وبالتالي فالتساؤل عن التأويلية يتأسس أصلا على السؤال عن الحوار، وهذا الأخير بدوره ما هو إلا تواصل يستدعي استماعا مفهوما.
[1]محاولة لترجمة العبارة الفرنسية «Un tournant existential de l’herméneutique» الواردة في سلسلة "que sais-je" الفصل الثالث المخصص للتأويل ص: 29، طبعة: 2011
[2] نفضل استعمال مفهوم البسط بدل التفسير لكونه الأقرب من الدلالة التي تقدم من خلاله ضمن النص الألماني.
[3] Jean Grondin. L’universalité de L’herméneutique, Presses Universitaires, 1er édition, juin 1993
[4] Martin Heidegger, Ontologie, Herméneutique de la factivité, traduit par Alain Boutot, Ed. Gallimard 2012
هذا الكتاب هو في الأصل عبارة عن محاضرة ألقاها هايدغر خلال دورة الصيف 1923 بجامعة فرايبورغ، ولم يتم نشرها إلا سنة 1988 في إطار الأعمال الكاملة لهايدغر، لم تتم ترجمته إلى اللغة الفرنسية إلا في سنة2012، نشير كذلك إلى وجود ترجمة عربية لهاته المحاضرة تحت عنوان "الأنطولوجيا، هرمينوطيقا الواقعانية"، ترجمة عمارة الناصر، منشورات دار الجمل 2015. نشير إلى أننا فضلنا الاعتماد على الترجمة الفرنسية لنبقى مرتبطين أكثر بمعاني النص الأصلي وأيضا لأن هذه الترجمة العربية لم تعتمد على النص الألماني، بل اعتمدت فقط على الترجمة الفرنسية.
[5] Le mouvement d’anticipation de la compréhension sous la gouverne du souci.
[6] Précompréhension.
[7] بحث هوسرل في مفهوم القصدية كان بمثابة منفذ لنقد جذري لـ "النزعة الموضوعية القائلة بأن معطيات العلم مستقلة عن الوعي" في الفلسفة التقليدية، بما في ذلك فلسفة دلتاي. هذا النقد تجسد في قدرة الفينومينولوجية القصدية على إقحام هذا العقل ذاته في حقل التجربة والعلوم الممنهجة وقلب مهمة المعرفة بشكل كلي.
[8] اخترنا تعريب مفهوم الدازين والاحتفاظ به كما ورد في النص الألماني الأصلي، بدل ترجمته بلفظ الكينونة لتجنب الوقوع في خلط مفاهيمي.
[9] Jean Grondin. L’universalité de L’herméneutique, Presses Universitaires, 1er édition, juin 1993,P: 138
[10] «La compréhension, en tant que résultante du souci de l’existence, jouit de la possibilité de se développer pour elle-même, c’est à dire de se comprendre de manière expresse.»
[11] الحديث عن تواجد منعطف أو لا داخل النسق الهايدغري يعرف نقاشا كبيرا من لدن المهتمين بفلسفة هايدغر والقارئ لكتابنا "الفينومينولوجيا والأنطولوجيا، بحث في المسار الفلسفي لهايدغر" سيلمح عن كثب عدم تبني الطرح القائل بوجود منعطف في فلسفة هايدغر.
[12] Gadamer Hans-Georg: les chemins de Heidegger, traduction, présentation et notes par: Jean Grondin, Librairie philosophique Vrin. P: 275
[13] «Sous le mot d’ordre d’une herméneutique de la facticité, Heidegger opposait une exigence paradoxale à la phénoménologie eidétique de Husserl et à la distinction du fait et de l’essence».
[14] Husserl Edmund, La crise des sciences européennes et la phénoménologie transcendantale, Traduit de l’allemand et préfacé par Gérard Granel, Gallimard 1976
[15] Hans-Georg Gadamer, vérité et méthode, les grandes lignes d’une herméneutique philosophique, traduit par Jean Grondin, éditions du Seuil, 1996, p: 275
[16] Hans-Georg Gadamer, vérité et méthode, p: 278
[17] Hans-Georg Gadamer, vérité et méthode, p: 280
[18] Ibd, p: 282