تقرير عن اللقاء الحواري حول كتاب "المصحف وقراءاته"

فئة :  حوارات

تقرير عن اللقاء الحواري حول كتاب "المصحف وقراءاته"

 تقرير اللقاء الحواري حول كتاب "المصحف وقراءاته"

نظمت مؤسسة مؤمنون بلا حدود لقاءً ثقافياً يوم الجمعة الموافق 25 أكتوبر 2024 في بيت الحكمة بتونس الخضراء، وقد عبرت دة. ميادة عن سعادتها بتواجدها في هذا الصرح الأكاديمي العريق يومين على التوالي، وهي تلتقي بنخبة من الأساتذة التونسيين الذين ساهموا في إنجاح مسيرة مؤسسة مؤمنون بلا حدود. كان اللقاء رفقة د. حسام الدين درويش مع الأستاذ عبد المجيد الشرفي، والدكتور نادر الحمامي؛ وذلك لإجراء حوار عن كتاب "المصحف وقراءاته"، والذي يعدّ من الأعمال الأولى لمؤسسة مؤمنون بلا حدود، حيث حصل في بيروت على جائزة أفضل إخراج للكتاب، ثم انطلقت العديد من الدراسات عن هذا المشروع، وقد آن الأوان لإعادة الإضاءة عليه. بعد ذلك، أعطت دة. ميادة كيالي الكلمة للدكتور حسام الدين درويش الذي شكر ضيفيه على قبول الدعوة، وباشر حواره معهما، وهو يذكّر أن الكتاب صدر بعد ثمانية أعوام، متسائلاً عن الإضافة التي يمكن أن تقدمها الدراسات الإسلامية أو العربية غير ما قدمه المستشرقون، وما الغاية من هذا العمل؟ كما ذكر أن مقدمة المشروع تقدم مادة خام، وتتضمن بعض الأحكام المعرفية، وهي تتعامل مع نوعين من المصادر التراثية والاستشراقية، كما تضمنت رؤى تستحق النقاش، وهي تتضمن قطبين متطرفين. من جهة أخرى، تساءل المحاور عن أسباب النقص في ما يسمى بالدراسات التاريخية النقدية، وهل الكتاب يوفر الأساس المعرفي الذي كان ناقصاً، وهل التواتر حجة؟ ثم أضاف متسائلاً عن الانطباعات التي تلقاها الضيفان عن هذا الكتاب الذي بدأ باحثون مختصون يستفيدون منه، وغيرها من الأسئلة الأخرى التي تعلقت بدور الجماعية والمؤسساتية والرقابة الذاتية وما إلى ذلك.

في ردّه، ذكر د. عبد المجيد الشرفي أن الاهتمام بالدراسات القرآنية لم ينقطع عبر التاريخ، لذلك وجب تجاوز الدراسات التقليدية التي تكتفي بالتكرار الذي لا يفيد الفهم، وأن تكون الدراسات القرآنية اليوم دراسات بالمعنى الحديث للكلمة. وإذا كان المستشرقون يبحثون عن أصول القرآن في الكتب الدينية السابقة، وفي التراث الديني الموجود زمن الوحي، فإننا، يقول د. عبد المجيد، لا نبحث عما أخذه القرآن من المصادر الأخرى، عملنا يندرج في اهتمام آخر أعمق؛ فالمؤسسات التقليدية هي دراسات في العادة انتقائية، ونحن قاومنا هذه الانتقائية. ومقاومة هذه النزعة الانتقائية، ومحاولة النظرة الموضوعية بأقصى ما يمكن من الموضوعية، هي توجه علمي معرفي بالأساس. وأضاف إنه لا يريد وفريقه الوقوع في الانتقاء الذي قد يقع فيه بعض الباحثين. لذلك، تم عرض المواقف المختلفة بأقصى ما يمكن من التجرد، دون أن يتأثر أي باحث، وهو يبحث في هذا الكتاب بموقف دوغمائي واحد، يقول: "إننا أردنا أن نكون أمناء مع القراء؛ وذلك لاكتشاف الحقيقة التاريخية بأنفسهم". من جهة أخرى، ذكر أنه وفريقه عنونوا الكتاب بـــــ"المصحف وقراءاته" وليس القرآن؛ وذلك تجنّباً للمماهاة بين النص الشفوي، الرسالة المحمدية الشفوية، وبين ما دوّن من هذه الرسالة، والغرض من ذلك ليس أن يكون التدوين أميناً أم لا، وإنما الغرض هو التأكيد أن هذا النص مدوّن، وكانت فيه اختلافات أقرّها القدماء أنفسهم. وفي ردّه عن التواتر الشفاهي، أكد د. الشرفي أن التواتر ليس حجة، ولم يحصل بالنسبة إلى عامة المسلمين. وأضاف قائلاً:" بصفتنا فريقاً عمل حوالي ثلاث عشرة سنة، بذلنا ما نستطيع من جهد، ونحن متأكدون أن هذا العمل في حاجة إلى أن يصحح ما فيه من أخطاء، وأن يكمل ما فيه من نقص، بالإضافة إلى كل ما يتوفر من معطيات بغض النظر عن أنها في المخطوطات أو في المطبوعات، بعد ذلك فمرحباً بأيّ نقد يوجه".

وذكر د. نادر الحمامي في ردوده، أن الاشتغال على هذا المشروع، كان بالنسبة إليه فرصة مهمة جدّاً، وقال: "كلمة قالها لي الأستاذ عبد المجيد سنة 2001 حين دعاني إلى المشروع. إنه مشروع لأولي العزم، وكنا طيلة سنوات نتردد على مكتبه في كلية منوبة في ذلك الوقت، كنا شباباً نبحث في أطروحات، وتأخذنا مشاغل الحياة وصعوباتها في تلك الفترة؛ لأننا كنا طلبة في النهاية، ولكن كان معنا دائماً، وكنا فعلاً فريقاً، لكن ينبغي أن يكون لهم أستاذ مشرف مثل الأستاذ عبد المجيد، وهم لهم ذلك الاستعداد الذاتي للعمل بجدّ". وأشار إلى أنه تمكن من الاطلاع على العديد من المصادر الكبرى بشكل مباشر، مع العلم أن فكرة الاشتغال على "المصحف وقراءاته" منذ البداية، لم تكن واضحة الملامح من حيث الأهداف، ولكن مع تطور البحث تحقق ما لم يكن متوقعاً. وبخصوص أن الكتاب يقدم مادة خام، ولا يقوم بدارسة نقدية أو تاريخية، أجاب د. نادر الحمامي قائلاً: "وعلى الرغم من ذلك، فإنه في بعض الأوساط القليلة نقول لهم هذا ما قاله الطبري، ما قاله الفراء، ورغم ذلك، فإنه غير مقبول في بعض الأوساط، على الرغم من أننا لم نقم بأي تعليق إضافي سوى ترتيب المادة الموجودة في التراث، ولكن هذه المادة لا يراد لها أحياناً أن تظهر للعموم على أنها قد تثير نوعاً من الاختلافات حول ذلك النص؛ يعني هنالك نوع من إنكار ما هو موجود حتى في كتب التفسير والقراءات... هذه هي الإضافة الحقيقية بالنسبة إلى "المصحف وقراءاته" قبل أن يكون مادة للبحث العلمي حول القراءات أو تاريخ المصحف...". وفي إطار الحديث عن الانقسام بين الرؤية الاستشراقية والرؤية الإسلامية، ذكر د. نادر الحمامي أن الاشتغال على "المصحف وقراءاته" يعيد الاعتبار لتلك المصادر الإسلامية مهما كانت الانتقائية لدى الاستشراق الكلاسيكي؛ لأن هذا الاستشراق يرجح أمام الكثير من الروايات، وعليه أن يختار وفق استراتيجيات معينة، لكن في "المصحف وقراءاته"، ثمة إعادة الاعتبار لتلك المصادر الإسلامية، مهما كانت الانتقائية لدى الاستشراق الكلاسيكي. ومن حيث التراكم، قال د. نادر الحمامي: "هنالك بحوث سبقت "المصحف وقراءاته"، يعني أكدها "المصحف وقراءاته" بالأمثلة الدقيقة، مثل ما أشار إليه الأستاذ عبد المجيد الشرفي، يعني بحث د. بسام الجمل "أسباب النزول" ... وفي الحقيقة، جاءت الأمثلة العديدة جدّاً، التي أكدت ما ذهبت إليه أطروحته من قبل، وهنالك أيضاً حلقات بحث الآن .... وهناك باحثون آخرون يريدون البناء حول تطور القراءات مثلاً، كما أشار الأستاذ عبد المجيد في البداية إلى كتب التفسير بالخصوص التي نرى أن الكثير منها في حاجة إلى إعادة تحقيق أصلاً...". كما نبّه إلى أن "المصحف وقراءاته" أصبح معروفاً جدّاً في الكثير من الجامعات الألمانية وفي كثير من الدوائر في الغرب.

في نهاية الحوار، توجه كل من د. حسام الدين درويش الذي نوّه بأهمية العمل ورصانته، ودة. ميادة كيالي بالشكر للضيفين الكريمين؛ الدكتور عبد المجيد الشرفي والدكتور نادر الحمامي.