تقرير الندوة العلمية الأولى / حول: "المشروع الفكري للمستشار عبد الجواد ياسين"


فئة :  حوارات

تقرير الندوة العلمية الأولى / حول: "المشروع الفكري للمستشار عبد الجواد ياسين"

تقرير الندوة العلمية الأولى / حول: "المشروع الفكري للمستشار عبد الجواد ياسين"

نظمت مؤسسة مؤمنون بلاحدود، ندوة علمية عبر تقنية زووم؛ وذلك يوم الجمعة الموافق 06- شتنبر 2024، احتفاء بالمستشار عبد الجواد ياسين، بمناسبة بلوغه العام السبعين من عمره، وملامسة مشروعه الفكري الذي تناوله أساتذة أجلّاء بالدرس؛ وهم د. صابر سويسي[1]، د. جمال عمر[2]، دة. ععفراء الجلبي[3]، ود. عبد الباسط هيكل[4].

قدمت لهذه الندوة دة. ميادة كيالي، ورحبت بالضيوف المتابعين لهذه الندوة، والتي تأتي استكمالاً لما تم الابتداء به في مؤسسة مؤمنون بلا حدود منذ مدة، كما رحبت بالضيف الكريم المحتفى به المستشار عبد الجواد ياسين الذي تكنّ له كل الاحترام، بصفته من أهم الشخصيات الفكرية التي أثرت في النقاش حول العلاقة بين الدين والسلطة والتاريخ في العالم الإسلامي؛ فمشروع عبدالجواد ياسين هو مشروع جريء يستكشف العلاقة بين الدين والسلطة، ليس فقط من خلال تحليل النصوص الدينية، بل أيضاً من خلال دراسة التاريخ الاجتماعي والسياسي الذي شكل تلك النصوص، وفهم الدين من خلال الثقافة التي تطورت حوله. ولم يفت الدكتورة ميادة التعريف بالأساتذة المتدخلين في هذه الندوة، حيث قدمت ورقة تعريفية عن كل واحد منهم. ويجدر التنبيه إلى أن الدكتورة ميادة عززت ورقتها التقديمية بمجموعة من الصور التي توثق مرافقتها للمستشار عبد الجواد ياسين في عدد من المحافل واللقاءات العلمية.

تسلّم الكلمة بعد ذلك، مدير الندوة د. حسام الدين درويش الذي رحب بدوره بالمتابعين والمهتمين وبضيوفه المتدخلين، ليعطي الكلمة مباشرة للمتدخل الأول د. صابر سويسي الذي شارك بورقة عنونها ﺑ"تاريخيّة المفاهيم في كتابات المستشار عبد الجواد ياسين". استهلّ د. صابر سويسي ورقته بالدعوة إلى ضبط المفاهيم؛ ذلك أن كتابات المفكرين العرب تعتمد ترجمات مختلفة لمفهوم واحد، والتي تعبر عن فهم قد لا يكون بالضرورة واحدًا، والذي قد يؤدي إلى إرباك في العملية التواصلية. أما المستشار عبد الجواد ياسين، يقول د. صابر، فقد عبّر في كتاباته المختلفة عن وعي بهذا الإشكال ترجمت عنه عناوين كتبه التي حملت جميعها مفاهيم حرص على تعريفها، وخاصّة المسألة الدّينيّة في صلتها بالاجتماع. فقد استحضر عددًا من المفاهيم التي كانت مدار اهتمامه وبحثه مثل السلطة والدين والتدين واللاهوت. وصرّح الباحث، أنه اشتغل على هذه المفاهيم في ورقته قصد فهم الخيط النّاظم بينها لتفكيك خصوصيّة فكر المستشار وتحليله، على اعتبار أن المقارنة تبدو نهجًا قارًّا في كتابات المستشار عبد الجواد ياسين، فهو يميّز جيّدًا بين زوايا النّظر الممكنة في تناول أهمّ الإشكاليّات التي يثيرها، ليستخلص المؤتلف والمختلف فيها. وبما أنّ المسألة الدّينيّة كانت مهيمنة في كتاباته، فإنّه لم يغيّب النّظرة إليها من داخل المنظومة الدّينيّة نفسها؛ إذ عمل على تفكيك طريقة اشتغالها في منطلقاتها الكبرى من حيث تعبيرها عن نسق في الاعتقاد والتّفكير له محدّداته وأدبيّاته ومناويله التي تحكم أصحابه وتميّزه عن سائر الأنساق المعرفيّة، وخاصّة منطق التّفكير الوضعي؛ فاختلاف الأنساق يحمّل المفاهيم بالضّرورة دلالات متنوّعة قابلة للتّعديل والتّطوّر بتنوّع الفرضيّات والأطروحات والمرجعيّات. وقد بدا المستشار عبد الجواد ياسين، يضيف د. صابر، واعيًا بدقّة ما تفرضه هذه الأنساق من إشكالات في الفهم، وما يمكن أن ينجرّ عنها من آثار في التعامل مع الظّواهر المدروسة وحساسيّتها خاصّة في تناول المسألة الدّينيّة.

وفي تناوله لسلطة التاريخ في ضبط المفاهيم، ذكر د. صابر أن المستشار عبد الجواد ياسين يؤكّد أنّ للتاريخ إكراهاته التي تفرض إدخال تحويرات في دلالة بعض المفاهيم والاصطلاحات، بتضييق دائرتها أو توسيعها، ويقدّم على ذلك مثالا، ثنائيّة الإلزام والإباحة بين النّصّ والأحكام الفقهيّة، ويختار إجرائيًّا قضيّة عزل الإمام لفسق أو ظلم أو فساد، وكيفيّة تفاعل المسلمين معها، ويستغرب من مواقف صدرت عن أعلام من الحنابلة والأشاعرة والماتريديّة، كما أن التاريخ يثبت حسب المستشار عبد الجواد ياسين قيمة تدخّل السّلطة السّياسيّة في المسألة الدّينيّة بتواطؤ مع العقل السّلفي، أو مع ما يسمّى بفقهاء السلطان أو البلاط الذين صاغوا أحكامهم الفقهيّة على نحو يلقى القبول والرضا عند حكّامهم، وهو ما يشكّل خطرًا على قضيّة التوحيد الإسلامي ذاته. يقول د. صابر: "من هنا كان لزاما التّمييز بين الدّين والتّديّن وإسلام النّصّ وإسلام التّاريخ...فالمتأمل في تاريخ التّديّن ينتهي إلى كونه أساء كثيرًا إلى الدّين الخالص في روحه وجوهره وإطلاقه، نتيجة تقييد الحرّيّة ومصادرة العقل وقهر الذّات الفرديّة، بالوقوع في فتنة العجيب والغريب، وتبرير الخرافة وتداولها، والخضوع إلى السلطة السياسيّة، على الرغم من جبروتها وقمعها وظلمها واحتكارها فهم الدّين، ومن ثمّ رفضها التعدّد والتّنوّع والاختلاف، وهو حق مشروع للذّات أن تكون لها تصوّراتها وتمثّلاتها الخاصة". وبهذا، يرى د. صابر سويسي أن المستشار عبد الجواد ياسين جعل مشروعه الفكري عبارة عن عمليّة مراجعة تصحيحيّة نقديّة لطرائق التّفكير ومنطلقاتها المنهجيّة وفي مقدّمتها المفاهيم الكبرى المعتمدة في مقاربة المسألة الدّينيّة وتفريعاتها.

وفي ورقتها الموسومة ﺑ"مفهوم "إعادة تأهيل التراث والسلطة" عند هانز جورج غادامير في قراءة مشروع المستشار عبد الجواد ياسين"، تناولت الدكتورة عفراء الجلبي بالحديث ضرورة قراءة التراث بأدوات نقدية على ضوء توجيهات ونصائح خالها المفكر السوري جودت سعيد. وقد وجدت كما تقول في مشروع المستشار عبد الجواد ياسين الأدوات النقدية المناسبة للتنقل في تضاريس التراث الإسلامي؛ فهو يعيد فتح باب الحوار مع الذات والتاريخ. وقد وجدت الباحثة رابطا بين ما طرحه المستشار عبد الجواد ياسين في مشروعه من مفاهيم، وما طرحه الفيلسوف الألماني هانز جورج غادمر حول مفهوم "إعادة تأهيل التراث والسلطة"؛ لأن ما يقدمه المستشار ياسين هو ليس قطيعة مع التراث ولا تقديسا له، وإنما هو حالة حوارية، تتضمن أبعادا نقدية وأخرى شفائية. كما أن المستشار ياسين، تضيف الباحثة، يقوم بقراءة نقدية للتراكم المعرفي الإسلامي وآليات تداخل الديني بالاجتماعي في تكون كل المصادر المعرفية. ولعل هذا ما جعلها تفكر في مشروع غادمير حين دعا إلى إعادة الحوار مع التراث والسلطة، والذي مثل نقلة نوعية في تاريخ التأويل، حيث تجاوز الوقوف عند محاولة فهم الظروف التاريخية للمصادر الدينية. وأكدت في جانب آخر من ورقتها، أن المستشار عبد الجواد ياسين تمسك بقدرة الدين على إدخال العناصر الخلاقة والأخلاقية في حياتنا حين نتفاعل مع لحظتنا التاريخية. كما وقفت عند ذكر بعض التضييقات الفقهية، وجاءت بأمثلة وقف عندها عبد الجواد ياسين، ومن ذلك آية السيف في سورة التوبة، وسورة المجادلة، تقول الباحثة: "كقارئة أعيش في هذا العصر ومع تأثير التراكم المعرفي النسوي عندي، عندما أقرأ بداية سورة المجادلة أجد اندماجا وانصهارا بين أفقي الذاتي وأفق النص بشكل يجعلني أرى تناسبا وتلاؤما لمشكلة غياب المرأة عن النقد والإنتاج الثقافي".

أما الورقة الثالثة الموسومة ﺑ "في نقد لاهوت الدين والتدين" لصاحبها د. جمال عمر، فشملت عنصرين مهمين؛ تضمّنا بنية خطاب عبد الجواد ياسين، ولاهوت الإسلام؛ ففي العنصر الأول وقف الباحث عند محاولة عبد الجواد ياسين للتمييز بين الدين والتدين، والسعي إلى التفرقة بين جوهر الدين، الذي هو مطلق وإلهي وقادم من خارج الاجتماع ومفارق وأزلي ومؤبد، وغير قابل للتعدد ولا إلى التطور، وحصره عبد الجواد ياسين في عنصرين؛ الأول "الإيمان بالله" - الذي هو مكوِّن فطري في الإنسان - والثاني "الأخلاق الكلية". وفي العنصر الثاني "لاهوت الإسلام"، حاول عبد الجواد ياسين، يقول د. جمال عمر، تفكيك المنظومة "الشافعية الأشعرية" التي سادت في التدين من داخلها. وكان قد تناول عملية التفكيك من خلال تفكيك "السلطة في الإسلام" التي تناول فيها العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ، وأضاف قائلا: "ورغم إدراك ياسين، بل وتصريحه، بأن اللاهوت في النهاية لا يمكن إدراكه إلا تصورا، وأن كل تصور هو فعل إنساني، "تقوم مادته على تصور الذات"، مهما كان مفارقا للعالم يظل مُحجما عن الخطو بأن اللاهوت مجرد تصورات إنسانية عن الغيب، فهو متحسب "لحساسيات العقل الديني التقليدية، التي لا يريد - عبد الجواد ياسين المؤمن - الدخول معها في مواجهة سجالية". وأنهى الباحث ورقته بالإشارة إلى أن خطاب ياسين هو خطاب يحتوي كل التناقضات بجوار بعضها، وقد أهمل الصراع السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

وفي ورقة "التجديد وحركة الاجتماع: لماذا لا يُعول عبدالجواد ياسين على دعوات تجديد الخطاب الديني؟" التي قدمها د. عبد الباسط هيكل، ذكر المتداخل أن عبد الجواد ياسين أحد أعلام حركة إصلاح الفكر الديني، والتي انطلق في دراساته من خارج النطاق التقليدي المزدوج، ومن ثم فهو لا يكترث بدعوة تجديد الخطاب الديني، والسبب هو أن مبادرات التجديد لن تحقق غايتها، وأن الفشل المتكرر، إنما يعود في المقدمة إلى ضعف التطور الاجتماعي. ومن ثم، لا أمل، يقول المتدخل، في تطوير التّدين/ الفكر الديني/ الممارسة الدينية إلا بتطوير وتغيير هياكل الاجتماع الكلّية، فما زلنا نعيش القبلية العشائرية اجتماعيا، رغم تحولنا إلى الدولة الحديثة، وما زالت المثالية اليونانية السابقة على المنهج التجريبي حاضرة في العقلية العربية على حساب العقلانية النقدية، وما زالت الهياكل الاقتصادية رعوية رعية، فدون تطور في الهياكل الاجتماعية لن يكون هناك تطور إصلاحي في الفكر الديني الذي يُواجه التغيّرات بإنتاج تطورات محدودة موظفا آليات الماضي المعرفية التي قد تُحدث حراكاً لكنه لا يُمثّل نقلة كبيرة، ولن يُجيب عن أسئلة الواقع المتسارعة، وأضاف أن ياسين يفند تحميل المؤسسات الدينية مسؤولية فشل التجديد واتهامها بأنّها العقبة الكؤود في مسار التجديد. فإشكالية إصلاح الفكري الديني من منظور ياسين، تكمن في العقل الديني نفسه العاجز عن مطالب الإصلاح.

بعد ذلك، عقب مدير الندوة د. حسام الدين درويش على كل المداخلات من باب إعادة عرض الخطوط العريضة والأفكار الرئيسة التي تناولتها كل ورقة مؤكدًا على أهمية التنوع الذي شملته هذه المداخلات، ثم أعطى الكلمة للمحتفى به المستشار عبد الجواد ياسين، قصد إثراء ما ورد في المداخلات المذكورة أعلاه. حيّا المحتفى به جميع المتابعين، وشكر مؤسسة مؤمنون بلا حدود، وصديقيه دة. ميادة ود. حسام، ثم عبر عن سعادته بهذا الاحتفاء، وباهتمام كثير من الباحثين بما يكتبه، وأبدى رغبته في التعقيب على بعض المداخلات، ومنها مداخلة د. عبد الباسط، والتي رآها تعبر بشكل دقيق عن المعنى. يقول المستشار معقبا: "أما دة. عفراء، فتحدثت عن غادامير الذي يرى أن التراث ليس كما تنظر إليه الحداثة على أنه تركة قمعية يجب التخلص منها، بل ينظر إلى التراث على أنه جزء لا يتجزأ من ثقافتنا الراهنة؛ بمعنى أننا لا نستطيع التخلص منه حتى لو أردنا، وبالتالي فهو يتحدث في الهرمينوطيقا على أن أفق النص وأفق المتلقي، هو الذي ينتج في النهاية المعنى، ومن ثم نحن لا نستطيع التخلي عن التراث بحثًا عن موضوعية متوهمة يمكن الوصول إليها؛ بمعنى لا نستطيع التخلص من الذاتية قصد الوصول إلى المعنى. وهذا في الحقيقة نقطة التقاء في غاية الأهمية. وللتعقيب على جمال وعلى رؤيته النقدية، أريد التذكير ببيتر بيرغر، والذي يحكي أن من محاسن كون المرء عالم اجتماع يستطيع إذا أراد أن يستمتع حين تثبت أخطاء أفكاره مثلما يستمتع حين تثبت صحة هذه الأفكار. وبالنسبة إلي، فأنا أعتبر نفسي في هذا المعنى، وليست لدي أي مشكلة أن يثبت خطأ فكرة قلتها؛ فمن الطبيعي أنك لا تفترض أنك تمتلك الحق المطلق؛ لأن المسألة في النهاية هي مسألة نسبية وأساسية. ومع ذلك، أنا مطالب بتوضيح بعض الأشياء، فجمال بتكوينه مولود معارض، مولود بحاسة نقدية عالية، وتمثل صلب تفكيره. من الملاحظات أن بوصلته اللاواعية التي توجه قراءته للأفكار التي أتحدث فيها؛ فكل واحد منا يقرأ بطريقته، وكل واحد يفهم بطريقته، وكل واحد موجه من خلال بوصلته الداخلية، ولا يستطيع التنصل منها أيضا؛ فهو يرى أن الحداثة، وهو يقرأها لحظة مجيئها إلى المنطقة خلال القرن19، كانت تمثل صدمة عدائية، ولذلك هو يطرحها قرينة بمصطلح الاستعمار المرفوض، وبالتالي يكون النظر إليها نظرة عدائية منذ البداية، بوصفها تيارًا معاديًا ومعاكسًا. فالنظرة التي أنطلق منها للحداثة، وعلاقتها بالنظام التراثي نظرة مختلفة تماما؛ فالحداثة بالنسبة إلي هي قانون التطور الطبيعي الاعتيادي؛ فالزمن يتغير ويتطور ويحدث تأثيرات، وهذا شيء طبيعي وأسميه أحد أهم قوانين الاجتماع؛ قانون التطور وقانون التعدد. وبالتالي الحداثة بالنسبة إلي ليست مرتبطة على الإطلاق لا بمفهوم الغرب ولا بمفهوم الاستعمار، ولا بكل هذه المصطلحات الاستهجانية التي قد تثير في الوعي العربي أو الوعي الإسلامي شيئًا من النفور الموروث من مرحلة المد القومي في الستينيات. بالنسبة إلي، الإشكالية التي واجهها النظام التراثي مع مجيء الحداثة هي إشكالية طبيعية اعتيادية. هذا النظام التراثي الذي واجهته الحداثة، كان نظامًا مهترئًا وفاشلًا، صادفت الحداثة اللحظة الأضعف فيه، فتوجهت إليه، واستطاعت أن تنفد إليه. وبالتالي، فمدخله غير مدخلي إلى الحداثة؛ فبالنسبة إلي أن النظام التراثي القائم الذي جاءت الحداثة في القرن 19لمواجهته، كان نظامًا عفا عليه الزمن؛ لأنه كان نظامًا تعطيليًا له مساوئه.

وفي رؤيته لمفهوم الدين والتدين، يأتي تحت عنوان الثابت والمتغير، بوصفه الطرح الذي قدمته المحاولات التجديدية، والحقيقة أن القضية عندي أوسع بكثير؛ إذ لا يمكن اختزال الرؤية التجديدية التي أنشأتها الحداثة، والتحدي الحقيقي الذي طرحته الحداثة. القضية عندي ببساطة، أني أطرح أن فكرة المطلق، التي أصبح العقل الإنساني الحديث يأخذ موقفًا منها، وبدأ يعيد النظر في فكرة المطلق. والقضية بالنسبة إلي أن النظام التراثي الذي تحمله المدونة والمنظومة التراثية السلفية الدينية هو تراث لا يمكن أبدًا الاعتماد عليه، كي يكون طريقًا للتطور؛ فهو إشكالية في حد ذاته، والحداثة كانت توجه إليه تحدّيًا حقيقيًّا، حيث تطرح وتعيد عليه أسئلة أساسية جوهرية لا تتعلق فقط بتفاصيل السردية الدينية الفقهية التفصيلية، ولكن تطرح عليه أسئلة أولية أساسية عن جوهر الفكرة الدينية، وهذا ما يتجاهله العقل الديني المحافظ التراثي التقليدي الذي لا يزال يناقش تفاصيل الفقه وفرعياته، ولا يدخل إلى جوهر المشكل الحقيقي الذي تطرحه الحداثة. فالحداثة الآن تطرح إشكالية أساسية هي جوهر التناقض بين الطرح الديني ككل، وبين التناقض مع قانون التطور، والتناقض مع قانون التعدد.

أكتفي بهذا التعقيب، وأشكركم كثيرًا، وأتمنى لكم التوفيق. مرة أخرى، شيء رائع أن أكون محظوظًا بقرّاء كبار من أمثالكم جميعًا بلا استثناء. شكرًا لكم".

شكر الدكتور حسام الدين درويش المحتفى به على كلمته الغنية والمفيدة، وأضاف قائلا إن المشروع في طور الإنجاز، متمنّيًا أن يستمر هذا الفيض، فيض المعرفة وفيض العلاقات الإنسانية، ثم فتح باب النقاش للمتابعين، والذي تميز بالتنوع في السؤال والرأي، ما أسهم في إثراء اللقاء معرفيًّا.

ساهم في النقاش د. أحمد محمد سالم، ود. أحمد صابر، ود. عبد السلام شرماط، ود. نجيب جورج عوض، ذ. يحيى أحمدو، وغيرهم من المهتمين.

في النهاية، تم اختتام الجلسة العلمية، وإعلان دة. ميادة كيالي عن اللقاء الحواري المقبل، والذي سينعقد يوم الجمعة الموافق 20-09-2024؛ وذلك لمناقشة كتاب "المتخيل الديني الشعبي: دراسة في الآليات والمضامين" للدكتور صلاح الدين العامري.

[1] - أستاذ مساعد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس، تونس. حصل على شهادة الأستاذية في اللغة والآداب العربية عام 1995، وشهادة الدراسات المعمقة عام 1998، والدكتوراه في اللغة والآداب العربية عام 2007. يتميز الدكتور سويسي بخبرته الأكاديمية في التصوف الإسلامي، حيث نشر العديد من الدراسات والكتب حول هذا الموضوع، من أبرزها كتاب "الفناء في التجربة الصوفية إلى نهاية القرن الخامس للهجرة" الصادر عن مؤمنون بلا حدود. إضافةً إلى مشاركته في تنظيم العديد من الندوات العلمية الدولية، وأيضاً في الندوات العديدة التي حفلت بها مسيرة مؤمنون بلا حدود. تتناول أبحاثه قضايا متعددة تتعلق بالتصوف، منها الرمزية في التصوف والجسد في المتخيل الصوفي، مما يجعله من الباحثين البارزين في مجاله. كان الدكتور السويسي ولا يزال مساهماً أساسياً في مؤسسة مؤمنون بلا حدود، ولم ينقطع عن تقديم وقته وجهده للمؤسسة حتى في الأوقات الصعبة..

[2] - كاتب وباحث مصري، تَخرَّج من كلية التربية بجامعة بنها، والْتَحق بعد ذلك بكلية الآداب لدراسة الفلسفة، وانتقل للعيش في الولايات المتحدة الأمريكية. عمل منذ عام 1991م على جمعِ فكرِ الكاتب الراحل "نصر حامد أبو زيد"، وقد تعاون معه في عدة أبحاث منذ عام 2007م، وأنشأ معه مُدوَّنة "رواق نصر أبو زيد" ومن خلال هذا التعاون استطاع تأسيسَ أرشيفٍ كبير جمَع فيه عددًا كبيراً من كتابات الرجل وتسجيلاته.

له العديد من المؤلفات نذكر منها: "مهاجر غير شرعي"، و"تغريبة"، و"مقدمة عن توتر القرآن"، و"مدرسة القاهرة في نقد التراث والأشعرية"، و"الخطاب العربي في متاهات التراث" بالإضافة إلى إعداد ودراسة لكتاب "الهداية والعرفان في تفسير القرآن بالقرآن" للكاتب "محمد أبو زيد الدمنهوري" بعد مصادرته لأكثر من قرن من الزمان.

[3] - كاتبة وأكاديمية كندية سورية، أستاذة مساعدة في قسم الثقافات والأديان في جامعة كونكورديا في مونتريال. مهتمة بقضايا اللاعنف والتأويل والإصلاح الديني والسياسي. حصلت على الدكتوراه من جامعة كونكورديا في الفلسفة والأديان المقارنة. أتمت بكالوريوس في العلوم السياسية والأنثروبولوجيا في جامعة مغيل في مونتريال، وأنهت ماجستير في الإعلام والصحافة في جامعة كارلتون في أوتاوا. وكان لها عموداً أسبوعياً في أكثر من جريدة ومجلة في العقدين الماضيين. ناقشت جلبي في كتاباتها دور الحوار واللغة في الإصلاح الاجتماعي والسياسي، وعملت في تطوير مناهج وبرامج في بناء السلام الاستراتيجي وحلّ النزاعات مع جامعة جورج ميسن الأمريكية. وقد اشتهرت بإمامة الصلاة وكانت صلاة التراويح.. وقدمت خطبة العيد في تورينتو بكندا، والسيدة عفراء هي ابنة المفكر الدكتور خالص جلبي وابنة أخت المفكر الإسلامي الراحل جودت سعيد..

[4] - باحث وأكاديمي مصري متخصص في تحليل بنية الخطاب الديني، يعمل أستاذاً لعلوم العربية وآدابها بجامعة الأزهر، شارك وأشرف على العديد من المشروعات العلمية والدراسات والأبحاث، ونشر عدداً من الكتب نذكر منها: "مفاهيم إشكالية تواجه العقل المستقيل"، "الحب والحقد المقدس حوار الجد والحفيد، عبدالوهاب عزام وأيمن الظواهري"، "المسكوت عنه من مقالات تجديد الخطاب الديني"، "إشكاليات نقدية" بالإضافة لمشاركاته الواسعة في عديد الندوات والمحاضرات وإشرافه على تحكيم أبحاث عديدة في مجال الدراسات النقدية والفكرية وفي مجال تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. وكانت له العديد من المشاركات في مؤسسة مؤمنون بلا حدود سواء من خلال مشاركته في أبحاث ضمن سلسلة كتب التطرف الديني التي أصدرنا منها سبعة عناوين، إضافة لجملة من المقالات المنشورة على موقع مؤمنون بلا حدود.