تقرير حول اللقاء الحواري الثاني حوار ذ. أوس حسن في كتابه: "الكينونة والمعنى مقاربات وإضاءات تحت مجهر الفلسفة الوجودية"

فئة :  حوارات

تقرير حول اللقاء الحواري الثاني حوار   ذ. أوس حسن في كتابه: "الكينونة والمعنى مقاربات وإضاءات تحت مجهر الفلسفة الوجودية"

تقرير حول اللقاء الحواري الثاني

حوار ذ. أوس حسن في كتابه:

"الكينونة والمعنى مقاربات وإضاءات تحت مجهر الفلسفة الوجودية"

واصلت مؤسسة مؤمنون بلا حدود نشاطها الثقافي، باستضافة الأستاذ أوس حسن، ومناقشة كتابه الموسوم ب: "الكينونة والمعنى مقاربات وإضاءات تحت مجهر الفلسفة الوجودية"، والذي صدر عن مؤسسة مؤمنون بلاحدود للنشر والتوزيع. أعربت الدكتورة ميادة كيالي في كلمتها عن سرورها وسعادتها بهذا النشاط الثقافي الذي يميز مؤسسة مؤمنون بلاحدود، لما فيه من تنوع فكري في حقول معرفية عديدة، والاهتمام الذي توجهه لجيل الشباب الباحثين، كما رحبت بمتابعي هذا اللقاء، لمعرفة ما ورد في الكتاب المذكور أعلاه، بوصفه كتابا يمسّ في فصوله محطات عميقة تمسّ الوجود، وتأملات في الحرية وفي مصير الإنسان...وتؤكد أن أزمة الفلسفة الحقيقية هي أزمة الوجود الإنساني على هذه الأرض، فغياب الإنسان يعني غياب العالم.

استلم د. حسام درويش الكلمة، ورحّب بضيفه الأستاذ أوس حسن، وبمتابعي اللقاء، ثم أبحر بأسئلته في الفلسفة الوجودية وأعلامها، والوقوف عند مفاهيم الألم والحزن والاغتراب والغياب والفقدان، كحالات وجودية ثابتة في النفس البشرية، رافقت الإنسان ومازالت ترافقه ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا. وقد استهل أسئلته كالعادة بالحديث عن قصة الكتاب وفكرته والأفكار الرئيسة التي تضمنها، ولماذا الوجودية وما الجانب الإيجابي غير السوداوي فيها؛ فهايدغر يجمع في فلسفته بين جانب وجودي وجانب مضاد للوجودية، وما يميز الوجودية عن الفلسفة الوجودية وسماتها؟ كيف يمكن التمييز بين الكينونة والوجود؟ وهل الفلسفة الوجودية هي فلسفة مضادة للنسقية؟

لقد كانت أسئلة د. حسام درويش أسئلة عميقة، مست كل ما تضمنه الكتاب مع الوقوف عند الفلاسفة الذين تناولهم المؤلف بالدرس، وكذلك المفاهيم الأساسية ذات معنى فلسفي، ومن ذلك الوجودية، والفلسفة الوجودية، الكينونة، الوجود، العدم، اللاجدوى، وكيف تناولها الفلاسفة مثل نيتشه وهايدغر وألبير كامو، وغيرهم، بالدرس.

استهل الضيف ردّه على الأسئلة، بالحديث عن قصة كتابه، قائلا:" لقد رأيت العالم، وهو يتسم بانعدام المعنى وتخلخل اليقين، كلّ شيء في العالم يتلاشى. نحن نعيش في عصر لا متوقع. وما أراه أمامي هو العذابات البشرية والصرخات والألم الإنساني. فما الذي يمكن أن يمسك بهذا العالم؟ هل هناك بنية معرفية أو نظرية علمية بإمكانها أن تمسك بجوهر الوجود؟ المعاناة البشرية كانت أصدق تعبيرًا من أيّ حقيقة علمية أو معرفية؛ فالألم منذ أن وجد الإنسان، إنسان الحضارات حتى وقتنا الحالي، هو ألم واحد، وما يرسخ وجودنا في هذا العالم هو الألم البشري ومعاناة الكائن الإنساني. لكن عندما أتحدث عن الألم، فأنا لا أقصد الألم في حمولاته السلبية، وإنما ذلك الذي يكون طريقًا إلى الوعي والحرية".

وأضاف الأستاذ حسن أن انطباعا خاطئا ترسخ عن الوجودية، بوصفها فلسفة تشاؤم وإحباط وسوداوية، بل إن هدف الوجودية هو تحقيق التوازن للإنسان عبر المعاناة؛ لأنها ستقود الإنسان إلى نور الوعي الذي بإمكانه أن يرى الحياة من جانبها المضيء. وأكد لمحاوره أن الوجودية تختلف عن الفلسفة الوجودية؛ فالأولى موجودة في الأدب والفن والتأملات الدينية، بينما الثانية ظهرت مع كيركيغورد، وتمت صياغة مفاهيمها ومقولاتها في القرن العشرين مع سارتر وهايدغر فيلسوف الكينونة، وهو مصطلح إلى الوجود الإنساني وصيرورته الزمانية في هذا العالم، إلى طريقة الوجود المتجسدة في نواحي الحياة المختلفة، كالشعور، والتفكير، والعمل، والاختيار؛ فالكينونة تجسد نواحي مختلفة للإنسان، حيث تشمل كل الرؤى والتصورات التي تحتويها الأنا أو الذات وكل العناصر التي تؤسس طريقتنا في التفكير، وكل ما يمكن أن يؤمن به الإنسان من قيم ومعتقدات. وتختلف الفلسفة الوجودية عن الفلسفات الأخرى؛ لأن فيها شيئا من الصدق والواقعية.

من جهة أخرى، ذكر الأستاذ أوس حسن أن الوجودية تصلح أن تكون علما للنفس البشري، مادامت تتكلم عن كثير من الانفعالات الباطنية والروحية؛ ففي بعض روايات دوستويفسكي، توجد بعض العبارات التي تستفزّ أشياء مضمرة في اللاوعي، وعندما تخرج هذه الأفكار المضمرة إلى سطح الوعي، فهنا تكون قد نظفت اللاوعي، حيث يبدأ الاستفزاز والتفكير المقترن بالتجربة والقراءة. أما التفكير الوجودي، فهو الأقرب إلى نيتشه، حيث تظهر في كتاباته الروح الصوفية والوجودية في "هكذا تكلم زرادشت" وفي نصوصه وشذراته، وحتى في أشعاره. فنيتشه لم يكن فقط فيلسوفًا وجوديًا يحمل مفاهيم عن الألم والقلق، وإنما تعداها إلى الإنسان المتفوق أو الإنسان الخالق والعود الأبدي، حيث يصبح الإنسان المتفوق وجوديًا ساحرًا. أما اللا جدوى، فيرى ألبير كامو، أنها تنشأ من الحاجة البشرية الملحة إلى الوضوح والمنطق مقابل صمت العالم اللامعقول. فاللا جدوى، يضيف الكاتب أوس حسن، ليست في الإنسان ولا في العالم، وإنما من التحامهما ومن صراعهما الأزلي. واللا جدوى هي أشد الانفعالات انزعاجًا، عندما تداهم الإنسان في لحظات التوقف، فيسأل ما جدوى هذا العمل الذي أقوم به الآن؟

ومع سارتر، ذكر المؤلف، أن الحرية هي واقع مجبور على الإنسان، وعندما أكتشف حريتي، فأنا أكتشف حرية الآخرين من حولي؛ لأنني عندما أشكل صورتي وأختار، فإنني لا أختار لنفسي، وإنما أختار الآخرين من حولي، وأشكل وجودي ووجود الآخرين والزمن الذي أعيش فيه.

وبالنسبة إلى خاتمة الكتاب، صرح الضيف أن العصر الذي نعيشه يسوده المجهول واللامتوقع بدرجة كبيرة ومرعبة، كما أن عصرنا هو عصر النسيان واللامبالاة والموت.

شكر د. حسام درويش ضيفه على مرافقته هذه الرحلة الماتعة والغنية، موضحا أن الكتاب تضمن تسعة فلاسفة، حاول قدر المستطاع إلقاء الضوء عليها.

حضر اللقاء حشد كبير من المتابعين والمهتمين، ساهم البعض منهم بإثراء النقاش بإضافات تمس موضوع الكتاب أو ملاحظات وأسئلة، ومنهم: دة. ريم – د. أنس الطريقي – د. عبد السلام شرماط – د. صابر مولاي أحمد، وآخرون وعددهم كثير.

انتهى اللقاء بشكر الجميع، وأعلنت الدكتورة ميادة عن اللقاء الحواري الثالث، المزمع عقده يوم الجمعة الموافق 12-07-2024 عند الساعة الخامسة مساء بتوقيت المغرب، حيث ستتم استضافة الدكتور أشرف منصور لمناقشة كتابه: "دليل كيمبردج في تاريخ الفلسفة العربية" الصادر عن مؤسسة مؤمنون بلاحدود للنشر والتوزيع.