حريّة الضمير في الفكر العربي المعاصر: من الأنسنة إلى الدسترة
فئة : أبحاث محكمة
الملخّص:
اهتممنا في هذا البحث بقضيّة حريّة الضمير في الأنسنة العربيّة فقسناها بمثيلتها في الأنسنة الغربيّة ثمّ وقفنا على طريقة تشريحها في الفكر العربيّ المعاصر فتحدّثنا عن التنويه بها منذ عصر النهضة مع المعلّم بطرس البستاني تمّ فكّكنا طريقة تبنّيها عند المفكّر الجزائري محمد أركون انطلاقًا من مفهوم التسامح وحاجة الفكر العربيّ المعاصر إليه حاجة ملحّة وضروريّة وهو يختلف عن "التسامح التجميلي" الذي يدافع فيه رجال الدين وأهل السياسة عن الأرثذوكسيّة الدينيّة مُدّعين للدين تسامحًا وحريّةً ومنتخبين آيات وأحاديث للتدليل على صحّة ما يذكرون، بل هو تسامح يتطلّب جهدًا وتضحيةً وصبرًا جميلاً حتىّ نصل به إلى النتائج التي وصلها الغرب بعد طول نضال وحتىّ يكون الأفراد أحرارًا في ما تعتقد فيه ضمائرهم وذلك بعد أن يتوفّر لهم في مجتمعاتهم دولة قانون تضمن الحصانة المُتساوية لحريّة التعبير لكلّ المواقع الفكريّة والعقائديّة دون استثناء. إضافة إلى مجتمع مدني مُتماسك ومُتقدّم ومُتشبّع بالثقافة القانونيّة المُتسامحة وذلك كي يلعب الدور الأساسي للشريك الحرّ والمتشدّد مع الدولة حتّى لا تسقط في المحاباة أو التحيّز لطرف دون آخر.
ثمّ وقفنا على تعامل المفكّر التونسيّ عياض بن عاشور مع مسألة حريّة الضمير انطلاقًا من مقارنته بين منظومة حقوق الإنسان الحديثة وفلسفة الحقوق في الإسلام مُعتبرًا الأمر "معركة" ينبغي خوضُها لإفهام الناس أسباب تفوّق فلسفة حقوق الإنسان في المستوى البشري على جميع الفلسفات الأخرى والبرهنة على أنّ حريّة الضمير هي أفضل سبيل لطمأنة القلوب من عدم التسامح والجمود العقائديّ وأنّ الحريّة الدينيّة اللا مشروطة ليست مُتعارضة مع حقوق الله. لذلك على الدين الإسلامي أن يجتهد كما فعلت من قبله الكنيسة الكاثوليكيّة في قبول هذه الحريّة حتىّ وإن فقد بعضًا من قوّته السياسيّة لأنّه سيكتسب بالتأكيد قوّة الإقناع.
وقد أبانت لنا دراسة حريّة الضمير في الأنسنة العربيّة عن الهوّة الشاسعة بين رحلة حريّة الضمير في الأنسنة الغربيّة وما مرّت به من مراحل وتطوّرات منذ مرحلة الإصلاح الديني مع مارتن لوثر. وبين ما يعترض هذه الحرّية في الفكر العربيّ من عقبات وما يعتورها من إشكاليات وخلافات إيديولوجيّة ومناورات- ذكيّة وغبيّة- لتجاوز مأزقها السياسي التاريخي الديني. وقد عبّر عياض بن عاشور عن هذا المأزق مازحًا بقوله: "لنقل من باب المجاز والدعابة بأنّ مصيبة الإسلام هي تحديدًا في عدم امتلاكه كنيسة كاثوليكيّة."
وقد ازداد الوضع قتامة وإحراجًا عندما ولّينا وجهنا شطر تقنين هذه الحريّة في المجتمعات العربيّة ومحاولات دسترتها في بعض الدساتير العربيّة. فالأنموذجان المختاران تعثّرا في دسترة هذه الحريّة على الرغم ممّا رصدناه من إيجابيات كثيرة تكمن في تنوّع النقاشات والاختلافات وتعدّد المُسودّات إضافة إلى تضمين الحريّة المختلف حولها في النسخة الأخيرة من الدستور التونسيّ.
لقد عاش المشرّع التونسيّ ونظيره المغربيّ حيرة حقيقيّة في مجال تقنين حريّة الضمير ضمن بقيّة الحرّيات المرتبطة بحقوق الإنسان، وهي حيرة لها ظاهر وباطن. أمّا ظاهرها فدستوريّ -قانونيّ يتّصل بطبيعة تطبيق الدستور وفهم القوانين فيه. لذلك اضطرّ إلى التركيب والتقطيع (Collage) والحذف وخلط أيضًا بين المصطلحات سعيًا منه لاسترضاء الجميع. وأمّا باطنها فراجع إلى الخلط في الأذهان بين مفهوم الدولة باعتبارها سلطة سياسيّة لها منظومة من الأحكام والقوانين والتشريعات التي تصرّفها مؤسّسات كثيرة مثل المحاكم والبلديات والأمن والجامعات وبين مفهوم الأمّة أو الحضارة التي ترتبط عادة بالوعي الجمعي وبالقواسم المشتركة لا سيما الروابط الدينيّة. وعن هذه الحيرة نشأ الخلط وعن الخلط نشأ التلفيق ومحاولات الاسترضاء.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا