حوار مع الدكتور يوسف سنغاري
فئة : حوارات
حوار مع الدكتور يوسف سنغاري
الدراسات القرآنية وإعادة التفكير في القرآن اليوم
حاوره: صابر أحمد
*- الدكتور يوسف سنغاري كاتب وباحث مالي مقيم في فرنسا متخصص في الدراسات الإسلامية والعربية؛ أستاذ محاضر بجامعة كلارمون أوفارن (Université de Clermont-Auvergne) بفرنسا؛ صدر له باللغة الفرنسية كتاب "ختم النبوة" وكتاب "إعادة التفكير في القرآن وفي الفكر الإسلامي: مدخل لفكر فضل الرحمن" فضلا على العديد من المقالات والبحوث العلمية.
********
صابر أحمد: الدكتور يوسف سنغاري؛ مرحبا بك وشكرا لك على قبول الدعوة لإجراء هذا الحوار معك؛ من بين مؤلفاتكم كتاب "ختم النبوة" وقد ألفته باللغة الفرنسية؛ في انتظار ترجمته إلى اللغة العربية؛ نريد منكم تقريب القارئ من موضوع هذا الكتاب وأهميته، وما هي الإضافة التي سيضيفها هذا الكتاب خاصة إلى المعرفة الدينية؟ وما هي الآفاق الفكرية والمنهجية التي سيفتحها كتابكم أمام العقل المسلم في التعاطي مع موضوع النبوة والرسالة وخاتمتها من لدن الرسول محمد كما يسلّم بذلك عموم المسلمين؟
يوسف سنغاري: في البداية، أود أن أشكركم على هذه الفرصة وعلى الدعوة. كما ذكرت، يتناول هذا الكتاب موضوع ختم النبوة في الفكر الإسلامي. هذا مفهوم معقد؛ لأنه مبني على آية قرآنية واحدة، التي وردت في سورة الأحزاب (33، 40)، حيث نجد عبارة "خاتم النبيين". أصبح هذا التعبير عند المتكلمين والمفسرين في صدر الإسلام ما سمّاه ريجيس بلاشير (Régis Blachère) "بعقيدة لاهوتية أساسية"، والتي تعني أن "لا نبي بعد محمد". ففي كتابنا المذكور آنفا، نقوم بتحليل النقاشات والخلافات حول هذه العقيدة، منذ القرون الأولى للإسلام حتى يومنا هذا؛ إذ توجد العديد من الدراسات الأكاديمية حول مفهوم وعقيدة "ختم النبوة"، لكنها، بشكل عام، تظل غير كافية في رأينا لسببيْن؛ الأول أنها تقتصر على تحليل بعض الخلافات التي دارت حول هذا المفهوم في القرون الأولى للإسلام، ولكن دون أن تفحص كل المصادر المتعلقة بهذا الموضوع.
لذلك انتقلنا، على سبيل المثال، إلى جمع الأحاديث النبوية ذات الصلة بهذا الموضوع، وفحص أقوال المفسرين في تفسير آية 33 من سورة الأحزاب.
السبب الثاني هو عدم اهتمام الباحثين بالفكر الإسلامي الحديث والمعاصر، وكأنه لم يعد هناك جدل أو تفكير لاهوتي حول هذا الموضوع عند المسلمين في العصر الحديث والمعاصر. ومع ذلك، منذ محمد عبده، تحتل عقيدة ختم النبوة مكانة بارزة في كتابات العديد من مفكري الإسلام والعلماء المسلمين. لذلك، كان من الضروري بالنسبة إلينا تحليل هذه الكتابات لفهم نشأة وتطور هذه العقيدة اللاهوتية الأساسية في الفكر الإسلامي.
فمثلا في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر يتجلى، من خلال هذه العقيدة، التناقض العميق بين موقفيْن تجاه التراث الديني: هناك موقف من يدافع عن أقوال المفسرين القدامى، أبو الأعلى المودودي يمثّل هذا الموقف في كتابه "ختم النبوة"، حيث ينتقد بشدة القراءات الهرطقية. على عكس هذا النهج، هناك من يحاولون إعادة قراءة معاني هذه العقيدة، وهؤلاء، الذين يسمونهم بمفكري الإسلام أو بالمفكرين الجدد، يركزون على التحدي الذي يمثله على البشرية توقف الوحي بمحمد. فمثلا عند المفكر الباكستاني محمد إقبال يعني هذا التوقف بداية عصر العقل والمسؤولية العقلانية (responsabilité rationnelle)، العقل البشري هو الذي يرث دورة النبوة.
صابر أحمد: ما هو المتبقي من القرآن اليوم؛ فواقعنا غير الواقع الذي نزل فيه؟ القرآن يؤكد هذا المعطى المنهجي؛ فالكثير مما لا يبصر بالأمس سار يبصر اليوم قال تعالى: "فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)" (الحاقة)
يوسف سنغاري: المتبقي من القرآن هو أولاً نص: النص القرآني، ثانيا تفاسيره المتعددة عبر العصور. يواصل المسلمون منذ القرن الأول الهجري، وحتى يومنا هذا تفسير الخطاب القرآني. هذا دليل على أن هذا الخطاب مفتوح لتفسيرات مختلفة، وفي كثير من الأحيان تكون هذه التفاسير متناقضة (وأيضا وهذا دليل على التعددية الداخلية للإسلام). ولكن، كما يقول المفكّر الباكستاني فضل الرحمن، لا ينبغي لأي تفسير للقرآن أن يجهل سياقه التاريخي والاجتماعي؛ لأن القرآن مرتبط بهذا السياق.
صابر أحمد: سنستعير من الراحل فضل الرحمن تقييمه للدراسات القرآنية في الغرب؛ فهو يرى أن الدراسات الغربية للقرآن تنقسم إلى: "1ـ أعمال تسعى إلى تتبع تأثير الأفكار اليهودية والمسيحية في القرآن. 2ـ أعمال تحاول إعادة الترتيب الكرونولوجي للقرآن. 3ـ أعمال تهدف إلى وصف محتوى القرآن، إما ككل وإما بعض من جوانبه. وعلى الرغم من أن الصنف الأخير من الأعمال يستحق الاهتمام، إلا أنه الأقل من الناحية الكمية"[1]؛ ما هو تقييمكم للدراسات القرآنية في الغرب اليوم من حيث الشكل والمضمون؟ وما هي الاتجاهات التي ترى أنها تفيد المسلمين وتجيب على الكثير من أسئلتهم؟
يوسف سنغاري: ما قاله فضل الرحمن لا يزال صحيحًا حتى اليوم. لا يزال الهوس بأصول الإسلام يهيمن على العديد مما يسمى بالدراسات القرآنية. على وجه الخصوص، النهج الذي يهدف إلى إظهار وإثبات أن الإسلام ليس سوى نسخة مشوهة من اليهودية والمسيحية، ويستند جزء من تلك الدراسات القرآنية على هذا النهج الأيديولوجي. إلا أن الدراسات القرآنية غير القائمة على هذا النهج الأيديولوجي، والتي لا تنطلق من الافتراض المسبق (كما نجده في بعض الدراسات) بأن كل ما كتبه المسلمون ليس له قيمة، فهذه الدراسات يمكن أن تلقي الضوء على جوانب متعددة من القرآن وسياقه التاريخي واللغوي والديني والاجتماعي.
صابر أحمد: سؤال إمكانية إعادة التفكير في القرآن؛ يأخذنا إلى مطلب محوري يخص الثقافة الإسلامية بشكل عام في الوقت الراهن؛ وهو سؤال الإصلاح والتجديد الديني الذي دشن بشكل محتشم منذ أواخر القرن التاسع عشر مع جمال الدين الأفغاني ورفاعة الطهطاوي وأحمد خان ومن تلاهم؛ وبالرغم من جهود كل المصلحين والمجددين لازالت الأصولية الدينية باسم الإسلام حاضرة بقوة؛ في نظرك كيف نتجاوز هذه المعضلة؟ وما هي الأسباب التي تجعل الأصولية باسم الإسلام تظهر بين الحين والآخر؟
يوسف سنغاري: ليست الأصولية باسم الإسلام ظاهرة جديدة؛ ففي الواقع هي تعود إلى القرون الأولى للإسلام. تزدهر الأصولية كلما حدث خلط بين الدين (النصوص التأسيسية) والفكر الديني، وتزدهر أيضًا عندما تسعى جماعة ما إلى فرض قراءتها النصوص التأسيسية بالقوة أو بممارسة التكفير. كيف نتجاوز هذه المعضلة؟ بإنهاء الاستهلاك الأيديولوجي للقرآن، كما قاله محمد أركون، وبالخروج من الجهل المقدس الذي يشكّل تدينًا دون وعي تاريخي ويفرط في تبسيط قراءة المصادر الدينية.
صابر أحمد: يرى الكثير من المثقفين فرقا كبيرا بين إسلام القرآن وبين إسلام الحديث الذي غطى على روح القرآن ما هو رأيك في هذا الطرح؟
يوسف سنغاري: سوف أنشر قريبا مقالا يتناول هذا الموضوع بعنوان »الاجتهاد كفريضة إلهية: آية الله السيد كمال الحيدري وتحدي التجديد الفكر الديني«؛ فكمال الحيدري صاحب مشروع تجديدي قائم على الدعوة إلى العودة إلى ما يسمى بإسلام القرآن الذي يتعارض في نظره مع إسلام الحديث. يرى الحيدري أن الثقافة الإسلامية هي، في الواقع، »ثقافة الحديث« وليست »ثقافة القرآن«، فالقول مثلا: »الراكز في ذهن الأمّة وفي ثقافة الأمّة هي ثقافة الحديث. عندما يتكلّم لإثبات شيءٍ يستند إلى الحديث، وعندما يتكلّم لنفي شيءٍ يستند إلى الحديث، عندما يريد أن يُقصي الآخر يستند إلى الحديث، عندما يريد أن يكفّر الآخر يستند إلى الحديث، عندما يريد أن يَسُبّ ويلعن الآخر يستند إلى الحديث«. وتتميز هذه الثقافة بالتكفير والإقصاء، لذلك يدعو الحيدري إلى »ثقافة القرآن« التي يراها كثقافة الاختلاف واحترام آراء الآخر.
صابر أحمد: كلمة أخيرة
يوسف سنغاري: في الكلمة الأخيرة، أشكركم على هذه الأسئلة الحساسة ولكن بالغة الأهمية.
[1] فضل الرحمن مالك؛ المسائل الكبرى في القرآن؛ ترجمة؛ محمد أعفيف؛ جداول؛ بيروت؛ لبنان؛ ط. 1؛ 2013 ص. 10
