حوار مع حُسن عبود: "نبوة مريم"؛ في النِسْوية الإسلامية التأويلية
فئة : حوارات
حوار مع حُسن عبّود:
"نبوّة مريم": في النِسْوية الإسلامية التأويلية
اختارت الباحثة اللبنانية حُسن عبود مسلكاً في البحث في قضايا المرأة يجمع بين التفكيك والتأصيل؛ فهو من جهة تفكيك للخطاب العربي الذي يصدر عن بينية ذكورية تختزن قيم التراتبية الجنسية في انطلاقه بوعي أو بغير وعي من مبدأ أفضلية الذكر على الأنثى كموجه "ما قبلي" للمعرفة التي تصدر عن العقل الديني العربي.
وهو من جهة ثانية خطاب تأصيلي تروم به الباحثة تأصيل لما يمكن اعتباره خطاباً جديداً لإنسية منفتحة تشكلت قاعدتُه الأساسية في محاورة النصوص الدينية، وتسليط الضوء على المنسي منها، يبرز ذلك في بحثها الأساسي حول نبوّة مريم عليها السلام.
مساهمة منا في التنوير الفكري في المجال العربي يأتي هذا الحوار مع حُسْن عبود لتسليط الضوء على القضية النِسْوية بشيء من التفصيل وأكثر جدة.
عبد الله إدالكوس: في بداية هذا الحوار، نود أن تقدم الدكتورة حُسن عبود نفسها للقارئ العربي.
الدكتورة حُسن عبود: كاتبة وباحثة في الفكر الإسلامي وقضايا المرأة العربية المعاصرة.
اجتهدت في رسالة الدكتوراة في علوم القرآن حول "السيّدة مريم في القرآن الكريم" على فهم تكوين القرآن الكريم كعملية تواصليّة بين صاحب البلاغ والمجتمع المتلقي، وفهم تطوّر الخطاب حول السيدة مريم بين "سورة مريم" المكية الشعائرية و"سورة آل عِمران" المدنية الحِجاجية. وقمت بتفكيك المُسْتويات اللغوية والبلاغية والروائية لهذه النصوص إلى جانب نقد التفاسير الكلاسيكية والمعاصرة في مسألة عقدية لأجل إعادة قراءتها وتأويلها. هذه النصوص حول شخصية نسائيّة مقدّسة في الديانة المسيحية احتفى بها في المرحلة المبكرة من الدعوة إلى الإسلام، وقد أسماها علماء القرآن الكريم بفترة "الرحمن". علمت فيما بعد ان القرآن الكريم كمجموعة نصوص، تعكس عملية التواصل بين صاحب البلاغ وبين المتلقين من المسلمين الأوائل وتطور خطاب الدعوة إلى الدين الجديد، قد يتخطّى فترة الرحمن - أي الفترة التي استدعت فيها المواضيع المسيحية ومفتاحها الرحمن كاسم لله - إن نحن لم نصرّ عليها. فهل نترك فترة الرحمن أو ننسخها علماً أن الفاتحة "بسم لله الرحمن الرحيم" هي شهادة المؤمن للإسلام. هذا على المستوى الموقف من اسم الله "الرحمن"، والذي يعكس قيمة كقيمة الرحمة الإلهية المتناهية؛ فماذا عن الموقف تجاه المرأة الوحيدة في القرآن الكريم التي تملك قوّة الإسم والتسمية وتعبّر عن الرمز الأمومي بامتياز؟ فقد وجدت وهذا ما لم أذكره في الكتاب أن مريم توارت من حياة المسلمين والمسلمات.
ان فتح النصّ المقدّس على الفهم هو العتبة الأولى للدخول إلى عالم النص وفهم موقفه من أيّ مسألة. والقيام بإعادة القراءة لعملية تأويلية طويلة لفهم النصوص مع ما يتلاءم من تطوّر العلوم الدينية والنظريات الأدبية النقدية ونظرية استقبال النص في عصرنا هذا هو ضرورة حيوية للنهوض بالفكر الإسلامي المتأزّم، وهذا هدفي من البداية.
ترجمتُ عملي إلى اللغة العربية، ونشرته عن دار الساقي عام 2010. ومن ثم عدت إلى النسخة الإنكليزية الأصلية لإعدادها للنشر وصَدَرَت عن دار راتليدج، إنكلترا عام 2014، عن سلسلة عنوانها الدراسات الأدبية للقرآن الكريم. وكان يرأس تحريرَها أندرو ريبن واليوم كما علمت يرأس تحريرَها أستاذُ الدراسات القرآنية في جامعة تورنتو وليد صالح. تابعت البحث في الدراسات القرآنية لتوسيع رقعة الحفر التي قمت بها، ولبرهنة بعض الفرضيات التي كانت تجلّت لي ولم أقدّم لها حججاً عِلمية كافية لتثبيتها. ونُشرت هذه الدراسات بمجلاّت تعود إلى أعمال مؤتمرات في جامعة لايبزغ وجامعة غوتنغن الألمانيتين. وستُجمع بكتاب في المستقبل القريب. كما أني أعمل على إصدار كتاب عن السيدة مريم في القرآن الكريم يكون أبسط في طرحه وأقرب للقارئ العام (المسيحي والمسلم) الذي سمعته مراراً يتمنى لو أضع مؤلفاً أبسط ويتناول القضايا اللاهوتية مباشرةً.
"محاضِرة دون حدود" إلى جانب التعليم في جامعة الهايكزيان في بيروت، بشكل غير منتظم، أحاضر للمجتمع الأهلي والمراكز الثقافية في مختلف المناطق اللبنانية، خاصة المجتمعات المسيحية أو تلك المؤسسات التي تهتمّ بالحوار بين المسيحيين والمسلمين. وللأسف لم تلتفت إلى عملي الهيئات الإسلامية التعليمية ربما لعدم إيمانهم بفكرة إدماج رمز أمومي مسيحي في دائرة الدراسات الإسلامية، ليعزز منطلق دراسات المرأة في التدريس الأزهري أو المقاصدي الأكاديمي. ولدي كثير من القصص على كيفية استقبال موضوع السيدة مريم في الداخل اللبناني والبلاد العربية. حاضرت في البلاد العربية في "منتدى الفكر العربي" في عمّان و"كلية الآداب" في جامعة القيروان و"مكتبة الإسكندرية" في مِصر و"المعهد الفرنسي" في دمشق و"كنيسة السريان" في حلب و"النادي الثقافي" في سلطنة عُمان وآخرها "النادي الأدبي" في الرياض. ولا أزال أقوم بهذه الرحلة في طلب العلم والحوار والتعريف بالمنطلق المعرفي الذي أعمل عليه وعلى تطويره لتقريب النصوص والنفوس إلى الفهم التأويلي لها. ومنطلقي الفكري لكونه علمي لا يهادن العقائد التي تعمل على الحطّ من النفس البشرية ولا يهادن الفكر السلبي أو الانهزامي، وعلى المستوى نفسه يحترم جداً الإيمان ببعده الروحي الكبير ويعجب بالجانب الصوفي للإسلام، ولي دراسة مهمّة عن "لقاء علم التصوّف بعلم النفس في مجموعة الرموز في سورة الكهف" قدمت في مؤتمر القيروان حول "الرمز الديني والنصوص" (فبراير، 2014).
وشاركت في مؤتمرات عربية منها مؤتمر التأويلية للجمعية النقدية الأدبية في مصر (ديسمبر، 2010)، حيث قدمت ورقة في محور التأويل والدراسات القرآنية بعنوان: قصة مريم والتناص بين القرآن والإنجيل. وآخرها مؤتمر "النِسْوية والمنظور الإسلامي: آفاق للمعرفة والإصلاح"، حيث عرضت "بيبلوغرافيا اتجاهات عامة وأساسية "لنِسْوية إسلامية" عربية المنشأ" (17-18 مارس 2012). كل هذه الأبحاث منشورة في كتاب، أو مجلات عائدة إلى المؤتمرات.
وشاركت في مؤتمرات في جامعات ألمانية منها: المؤتمر العالمي بالمشاركة بين جامعة غوتنغن وجامعة الأزهر حول، "المعرفة والتعليم من صدر الإسلام إلى نهاية العصر العبّاسي: أسسها التاريخية وأثرها في الحياة المعاصرة،" المنعقد في جامعة غوتنغن الألمانية (1-5 أكتوبر، 2011)، حيث قدمت بحثاً بعنوان "الجملة الاعتراضية "وليس الذكر كالأنثى" وثقافة المفسّر وزمانه".
ناشِطة في تجمّع الباحثات اللبنانيات، وهو تجمّع داعم للدراسات التي تقوم بها الباحثات في لبنان والبلاد العربية، ويقوم بنشاطات عدّة من أهمها إصدار الكتاب السنوي حول موضوع معين. وقد قمت بالمشاركة مع د. أمل حبيب ود. رضوان السيّد ود. آمال قرامي بإعداد وتحرير الكتاب الأخير (2013-2014) حول "اللاعبون في الثورات العربية: تعبيرات وأشكال مبتكرة" (دار جداول، 2014) وعقدت ندوة حول الكتاب في معرض الكتاب العربي الأخير (58) في بيروت يوم 8 ديسمبر، 2014.
وساهمت بعدة دراسات في الكتاب السنوي لتجمع الباحثات، أذكر منها دراسة نقدية للداعية الإسلامية زينب الغزالي: "السجن للنساء أيضاً: زينب الغزالي وأيّام من حياتي." في حفريّات وتحريّات: حيوات نساء عربيّات. كتاب باحثات 10(2005-2006). ودراسة حول "الخطابات المتباينة "للنِسويّة والإسلام" والخوف من الازدواجية في المعايير،" في النساء في الخطاب العربي المعاصر، كتاب باحثات 9 (2003-2004).
ناشِطة في حركة درب مريم الداعمة للسلم الأهلي في لبنان، حيث شاركت بتأسيس حركة "درب مريم" مع زميلات مسيحيات ومسلمات لنشر ثقافة الودّ والسلام بين اللبنانيين. تعتمد هذه الحركة بشكل رئيسي على السياحة الدينية الداخلية، حيث تستدعي هذه الحركة مفهوم الزيارة وتفعيلها في المناطق التي عاشت الاقتتال الطائفي خلال الحرب الأهلية (انتهت عام 1992) ولم يتح لها فرصة اللقاء مع الفريق الآخر والحوار معه. وجدنا نحن اللبنانيات واللبنانيين- بسبب الفرز المناطقي والطوائفي - اننا بتنا لا نعرف بعضنا بعضاً. هذه الرحلات الموسمية، تعرّف وتشجّع التزاور للبدء بعملية المصارحة والمصالحة والاعتراف بمواطنيتنا الواحدة لإعادة صفة التعايش المشترك بين اللبنانيين الذي اشتهر به هذا الوطن الصغير.
منسّقة نادي "كلّنا قرّاء" في مركز "وايك" الثقافي. وعملية التنسيق تقوم على اختيار "كتاب" واختيار قارئة أو قارئ لمراجعة "الكتاب" أمام أعضاء النادي. واختيار القراءات سواء كان "الكتاب" كلاسيكيّاً كرواية "حي بن يقظان" لابن طفيل أم معاصراً كـ "أرق الروح" للناقدة الأدبية يمنى العيد، يشجع على اللقاءات الفكرية والتنويرية. وحين ينخرط المجتمع في عملية القراءة، ويجتمع حول القراءة للجميع، نساهم في بناء "مواطنين ومواطنات جدد".
عبد الله إدالكوس: كتاب "السيدة مريم في القرآن الكريم" هو أشهر أعمالك، تناولت من خلاله "نبوّة السيدة مريم" (عليها السلام)، ما الذي يمكن أن يشكل الجديد في المسألة ولماذا السيدة مريم بالضبط؟
الدكتورة حُسن عبود: تناولت نبوّة مريم (عليها السلام)، لأنها تشكل مسألة عقائدية على أعلى مستوى وقد أثار هذه المسألة العقائدية الفقيه الظاهري ابن حزم الأندلسي والمفسّر القرطبي الأندلسي صاحب التفسير الكبير، ودافعا عنها. فقمت بقراءة استجابتهما لمسألة نبوّة مريم و"تلقّي النساء الوحي من الله" بواسطة الملائكة. وقد اعتمد المفسّرون الأندلسيون والمشارقة في نقاشاتهم على حججٍ مستمدّة من داخل النصّ (القرآن) وخارجه (أدبيّات الحديث والسيرة). وقدمت إضافة علميّة تعكس، لأوّل مرّة في تاريخ علوم القرآن وتفاسيره، اهتمامات العصر بقضايا المرأة و"النوع" (الجندر) والنقد الأدبي النِسوي من حيث أبديتُ شجاعة في حوار هؤلاء المفسرين، فكَشَفَتْ هذه القراءة النقديّة حضور الخطاب القرآني بالنسبة لأكثر النساء هيبة في القرآن الكريم وحدود قراءات المفسّرين التي تجاوزت علامات "نبوّة مريم،" التي كما بَدَت لي رؤية لا تنفصل عن رؤية المساواة بين الرجل والمرأة في القدرات على المجاهدات الروحيّة والأخلاقية في الخطاب القرآني.
لقد قام كلّ من ابن حزم والقرطبي بتقديم الشواهد النصيّة على "تلقّي مريم الوحي من الله عزّ وجلّ بالتكليف والإخبار والبشارة،" لذلك ارتبط ذلك الوحي بمفهوم النبوّة. ومشاركتي لهذه المسألة كانت في إبراز، حسب الشاهد القرآني، دور مريم الجينيولوجي المهم في ربط سلالة الأنبياء- من ذريّة آدم إلى ذريّة إبراهيم – بعضها من ببعض (قرآن 3:32). وقد ساعد هذا الاجتهاد على طرح فرضيّة نبوّة مريم التي ترتكز، بالدرجة الأولى، على نَسَبْ عيسى لأمه التي سمّي باسمها "عيسى ابن مريم". فقد اقتضى بسبب غياب الأب، والحاجة إلى إبراز طبيعة عيسى البشريّة، وتجنّب أي إيعاز لأبوّة لله تعالى له، نسبة عيسى إلى أمه مريم. لذلك، إذا افترضنا صحّة هذا النسب الأمومي، والإرث النبوي كما يبدو في سورة آل عمران هو سلالة من الأم الكبرى (امرأة عمران) إلى الأم (مريم)، فيصبح عيسى نبيّاً باصطفاء الله لآل عِمران "ذريةً بعضها من بعض." وهناك دليل منطقي آخر على سِمة نبوّة مريم المتضمّنة في الإحالة القرآنيّة لـ "أخت هارون" لأسباب "نموذجيّة" حين نوديت مريم ب"يا أخت هارون". وهارون هو أخو موسى ومريام، و"مِيريام" في سفر الخروج لقبت ب "النبيّة الأولى أخت هارون" (سفر الخروج 15: 20-21).
وعالجت مسألة الصلة المباشرة بين حالة محمّد المعنويّة والنفسيّة، في بدايات دعوته إلى التوحيد والتكليف السماوي له، وبين دراما قصّة مريم. ووجدت تشابهاً بين حالة مريم وحالة النبي محمد؛ فمريم مثلُ محمد تتلقّى الرسالة التي تصلها شخصيّا عن طريق مثول الملك لها. ومثلُ محمد تشعر مريم بالعزلة واتّهام القوم لها بسبب اصطفاء الله لها لتضع ما ستحمل به. ومثلُ محمّد وأتباعه تشعر مريم بالخوف والجوع والعطش وعدم الأمان. لكن الله يقف بجانبها دفاعاً عنها ضد الذين يتّهمونها بهتانا. وهذا بالنهاية ما يتمنّاه محمّد لنفسه ولقومه من الخلاص وتدخّل الله لإنقاذه مع قومه في شدّتهم ومحنتهم. وهذا مغزى قصص الأنبياء بجملتها، وهذا ليس بالجديد على قراءتنا للقصص القرآنيّة، وإنما الجديد والجدير بالذكر في هذا الاستدعاء هو التماثل بين حال النبي ودراما قصّة مريم الذي عرّفها المقراني في دراسته تأمّلات مريميّة بالتجربة الحياتية على الصعيد الشخصي:
- لقد كانت مريم يتيمة كفّلها زكريا، وكذلك كان محمد يتيماً كفّله جدّه عبد المطّلب. وهناك تعاطف شديد مع اليتم في القرآن الكريم: "الم يجدك يتيماً فآوى" (الضحى: 93،6).
- يقابل تعبّد مريم في المحراب تحنّث محمد في غار حراء، وكلاهما تحضير روحي لتلقّي البشارة بالكلمة وحملها وتحمّلها.
- هناك تجانُس بين عذرية مريم وأميّة محمّد: فمريم حملت بكلمة من الله بالغلام (يسمّى عيسى) ولم يمسَسْها بشر (قرآن 3: 45-47)، ومحمد حمل كلام الله وتلقى البشارة (بالقرآن) دون معرفة بالكتابة (قرآن 7: 157). وعذرية مريم أمر محسوم لسببين: الأول أن الروح لا يمكن أن تلقّح غير امرأة عذراء، وثانيّاً أن الاتّصال بالألوهيّة لا يمكن أن يكون إلا عن طريق عذري أو وعاءٍ طاهر. وتتّصل أُميّة محمّد بالدرجة الأولى بعدم معرفته بالكتب المقدّسة فقومه من "الأميين".
- إن المبشِّر بالكلمة في كلتا الحالتين هو روح القدس، الملك جبريل، الذي يظهر بشكل رجل. إن سؤال مريم المندهش للرسول: "قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أكُ بغيّاً؟" يقاربه الاستنكار التعجّبي الذي جعل محمّداً يردّد في كل مرّة يطلب منه الملك القراءة فيجيب "ما أنا بقارئ!"
- يقابل مشاقّ محمد في حمل "القرآن" مخاض مريم في حمل "الكلمة" وتوصيلها أمام النخلة؛ وان كان الفرق شاسعاً بين مشاقَ طويل الأمد (دام ثلاثاً وعشرين سنة) ومخاض قصير الأمد (قد لا يتعدّى الدقائق)، فالعبرة هنا بالتجربة والاستعداد. والقياس بين مفهوم الوحي المتواصل من أم الكتاب ومفهوم التوالد المتّصل بعضه ببعض في جينيولوجيا الأنبياء قد برز في الصورة البيانيّة الخلاّقة التي رأت في تنزيل "القرآن" من "أم الكتاب" واحد مع ولادة "الطفل" من مريم في سورة آل عمران[1].
إذن، يتماثل صراع النبي محمد مع قومه بصراع مريم مع قومها، مما يجعل مريم مثالاً للرسول مثلها مثل باقي الأنبياء. والعجيب في تماثل الرسول هذا (التماثل) مع مريم ليس لأنه يتماثل بأنثى، بل لأنّه يتماثل بمريم لا بعيسى، حيث كما سبق وأكّدنا، لا تظهر لعيسى قصّة في كلّ السور المكّيّة. مما يعني أن محمّداً تماثل بشخصيّة نسائيّة مسيحيّة (كما تزوّج زوجته خديجة الأولى من بيئة مقرّبة من النصرانية) لا بشخص المسيح عيسى ابن مريم الذي لقّب برسول الله وكلمته (قرآن 3:45). وبما أن مريم حملت بالكلمة[2] وحمل محمّد القرآن، وبما أن الكلمة هي عيسى[3] الموحى بها إلى مريم، كذلك القرآن هو كلمة الله إلى محمد الموحى به، ألا يقاس عندئذ عيسى بالقرآن وتقاسُ مريم بالرسول محمّد (صلى الله عليه وسلّم)؟ [4] وعندها لا مجال للتعجّب في تماثل الرسول بشخصيّة نسائيّة "نبيّة" سبقت محمّداً في تلقّي الوحي من الله.
نحن اليوم لسنا في عصر النبوّة والأنبياء، بل في عصر غوغل والويب والتواصل الإلكتروني السريع. ولسنا هنا في صدد التعويض للنساء المسلمات بحجة أنه كان لديهن نبية تلقّت الوحي من الله تعالى وتماثل بتجربتها نبي الله ورسوله (صلّى الله عليه وسلّم) في حمله القرآن لكن هذا الاجتهاد يعني الكثير لنا خاصة النساء المسلمات المقصيات من دوائر المعرفة الرسمية الدينية، والنساء المسيحيات والمسلمات اللواتي يعرفن جيداً أن ما يتفق عليه المسيحيون والمسلمون ضد المرأة يشبه بعضه البعض، وفي دور اللقاء الكبير بين المسيحية والإسلام الذي تتصدره مريم إلى اليوم بكل تواضع وثقة.
عبد الله إدالكوس: هل تهدفين من خلال مناقشتك لهذه القضية إلى تأصيل تأنيث القيادة الدينية والسياسية؟
الدكتورة حُسن عبود: هناك التذكير والتأنيث في اللغة العربية القرآنية، واللغة القرآنية حريصة على التوازن بين الآيات والإيقاع الموسيقي بينها. كذلك عرّفت في دراستي منظور المساواة الجندرية بعد أن قدّمته في طقس الحجّ على المستوى الرمزي، حيث يتبادل الحجّاج الرجال والنساء أدوارهما بين الطواف حول البيت الذي يعد رمزاً أبوياً بامتياز والسعي بين الصفا والمروى الذي يعد رمزاً أموميّاً بامتياز، فالجنسان، بشكل متساو، يتبادلان الأدوار في هذا الطقس الذي يقومان به معاً. وهذا ما أحاول أن أستدعيه من تقافتنا الدينية، أي أن نعود إلى روح المساواة في التعاون بيننا رجالاً ونساءً وإلا نعيش حيواتنا في انفصال حاد بين العام والخاص. ولمَ حينها لا نشارك في القيادتين الدينية والسياسية، وقد أثنى القرآن الكريم على حكم ملكة سبأ التي لم تأخذ قراراً دون استشارة الأعيان، وكانت حكيمة في حماية شعبها من تهديد سليمان لهم فلم تأخذهم إلى التهلكة كما رأينا من الحكام العرب في العصر الحالي.
عبد الله إدالكوس: المتابع لأعمالك ونشاطاتك العلمية، يجدك كباحثة في الفلسفة الإسلامية مسكونة برغبة شديدة بإزالة الستار عن المنسي في هذه الثقافة، أقصد بالضبط حين يكون الخطاب بتاء التأنيث، فلماذا هذا التوجه في الكتابة؟
الدكتورة حُسن عبود: لا أكتب من منطلق تاء التأنيث ولا أعرف ماذا تقصد هنا. لكن التركيز على قضايا المرأة في الإسلام ينبع ربما من الحاجة إلى الاعتراف بنا، نحن النساء العربيات، ونحن النساء العربيات لسنا بطبقة أو فئة ما، نحن نصف المجتمع. والثقافة العربية التقليدية تمارس بشكل مستمر ثقافة ذكورية متسلطة ومهيمنة وإقصائية، والأسوء من ذلك تنشر معرفة مجزّأة وثقافة شريرة، لأنها جاهلة. فالجهل هو الشر نفسه والمعرفة هي الخير نفسها. هنا لا أقصد أن الجهل صيغته على التذكير أو المعرفة صيغتها على التأنيث. فللمقدس سلطة عالية وخطاب يحمل قوّة، كما يقول الناقد الأدبي الكندي نورثرب فراي في عمله على الكتاب المقدس والكلمات الحاملات القوّة. فباسم المقدّس تُقترف اليوم الكثير من الجرائم، وما أسهل أن يتكلم الجهلة باسم المقدّس.
عبد الله إدالكوس: صنف فهمي جدعان النسوية الإسلامية إلى قسمين: نسوية إسلامية رافضة تنظر لخطابها من منظور علماني حداثي، وتتعرض بالسوء للمقدسات الدينية (الله القرآن النبي)، وهن تسليمة نسرين ونجلاء كيليك وايان حرسي علي ونسوية إسلامية تأويلية راهنت على استخدام منهجية تأويلية مشتقة من القرآن وهنا أدلى بنماذج من قبيل أمينة داود وأسماء برلانس، ورفعت حسن وفاطمة المرنيسي وأسماء المرابط. فما رأي الدكتورة حُسن في هذا التصنيف للنسوية الإسلامية؟
الدكتورة حُسن عبود: أود وضع ما قسّمه فهمي جدعان في دراسته "خارج السرب: بحث في النِسويّة الإسلامية الرافضة وإغراءات الحريّة" (بيروت، 2010) في السياق الصحيح:
يعرّف فهمي جدعان "النِسْويّة الإسلاميّة" من جهة ما هي منهج في إعادة قراءة التاريخ الإسلامي والنصوص الدينيّة وتأويلها، وتأسيس حقوق النساء والمساواة، فضلاً عن تحديد معالم "رؤية تحرّريّة نِسويّة" للقرآن" لا تُخرج أصحابها أو صاحباتها من حدود الدين والإيمان[5].
ويرى محور هذه النِسويّة ممتدّاً على ثلاثة أشكال: إلى يمين هذا المحور تقع نِسويّة أطلق عليها اسم "النِسويّة الإصلاحيّة"، وإلى يسار هذا المحور تقع نسويّة أسماها "النِسوية الرافضة" وعند وسط المحور اختار تسمية "النِسوية التأويلية". أما المنظور "السلفي" الاتّباعي، فهو يقع خارج الأشكال التي تحمل مفهوم النِسويّة[6].
وقام جدعان بالتعريف بوجوه تيار "النسِويّة الإسلامية" المتباينة بين الإصلاحيّة والتأويليّة والرافضة، حيث أخذت "الإسلاميّة الرافضة" جلّ اهتمامه بـ "البحث العلمي المحلّل، وبالنظر المدقّق وبالمساءلة النقديّة". ولقد اختار المؤلّف التيار المعاكس للمسلَّمات الدينية الإسلامية، ليس لتسويق الآراء المتطرّفة، كما أبدتها هذه الثلّة من نسوة "مدينة الإسلام الكونيّة"، تّجاه الدين ونبيّه وكتابه والمؤمنين به، لكن ربّما لإحداث نوع من الصدمة الداخليّة لدينا بسبب اللغة الوقحة والنقد اللاذع واللغة العنيفة التي لم يترددن في استخدامها. وغاية اختياره لهؤلاء النِسويات الرافضات، هي للاعتراف دون مواربة بوجه من وجوه الإسلام المعولم، ووجه من وجوه فهم الإسلام وتمثّله، أسماه جدعان "الوجه الارتدادي أو الارتكاسي" عن الصيغة الأكثر شيوعاً ورسوخاً له في الحياة المعاصرة.
وللاستفادة من هذا الخطاب، استحضر المؤلّف لعمله الأساس القاعدي الذي يقوم عليه منطق النِسوة الرافضة، فأسماه بدقّة، "النظرة الإسلامية الاتّباعية التقليديّة"، وفق ما نطقت به النصوص الدينية المركزية على وجه التحديد في القرآن والسنّة والأخبار. وبكلامه، ذلك لأنّ "تمثّل" وضع المرأة وتشكيل "الصورة" التي يحيل إليها الجميع في "مشكل المرأة" في العصر الحديث، يرتدان كلاهما إلى النظرة المشتقّة من هذا، الذي يسميه بفطنة لغوية، "المجموع الفقهي النسائي" الذي تنطوي عليه هذه "النصوص". يعني يريد جدعان ألا ندفن رؤوسنا في الرمل أو كما نقول في العامية ألا نختبئ وراء أصابعنا.
فيبدأ بعرض الآيات والإشارة إليها كـ "نصوص" للتأكيد على قابليتها للتأويل، مع إدراج الرابط بينها وبين الإشكالية التي سببته للنساء الفاقدات حقوقهن الإنسانية، فدفعن ثمن هذا الخلل التاريخي الظالم الذي ارتكب بحقّ عيشهن الكريم في الأسرة والمجتمع والحياة: مثلاً يعرض "آية "القوامة" (سورة النساء: الآية 34) [7]ويربطها بأحاديث "الطاعة،" التي يستند إليها "العقل الاتّباعي" في إنكار مبدأ المساواة بين الجنسين، وفي تقديم مبدأ طاعة المرأة للرجل، وفي "تسويغ "ضرب المرأة" والحقّ في "تأديبها". ثم آية "النساء حرث للرجال" التي كما يبدو يتأرجح المفسّرون تّجاه تأويلها التأويل الصحيح (البقرة: 249).[8]
ثمّ الآيات التي أعطت الرجل حقّ الطلاق (البقرة: 236 و239)، وتهديده للمرأة كنتيجة لهذا الحقّ وتعسّفه. وآية وعد الرجال "أصحاب اليمين" في الجنة بـ"الحور العين"[9]، مما يجعلنا نحن معشر النساء جواري وإماء في جنّة الرجال ونعيمهم - إن أوّلت الآية في سياق نهائي للتنزيل، لأن الآية نزلت في الحقبة المكّية المبكّرة (الرأي لكاتبة المقال)، وفيما بعد لم نسمع بأيّة إشارة إلى وعودٍ تخلّ بالمساواة في الجزاء والعقاب وفي الرؤية القرآنية التوحيدية الشاملة (هوليستك)[10] على فرضية المساواة الأخلاقية والاستخلافية على الأرض بين الرجال والنساء.
ثم الحديث النبوي "لا يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة" الذي استُغل تاريخياً لإقصاء المرأة من السياسي، والذي نقدت رواتِه الرجال السوسيولوجية فاطمة المرنيسي، على طريقة "علم الرجال" أو "علم الجرح والتعديل"، والذي رأينا أن المرنيسي ساهمت في استخدامه لأوّل مرّة لصالح النساء المسلمات[11]. وثمّ آية "شهادة" المرأة في المسائل الماليّة (البقرة: 282) التي تساوي نصف شهادة الرجل، مع أن تطوّر التعليم ودخول المرأة ميدان الأعمال والمال،[12] يفرض نسخه من المجموع الفقهي. وآية "الحجاب" التي وردت في المصطلح القرآني بلغة الخمار "خُمُرهن" (النور: 31) والجلابيب "جلابيبهن" (الأحزاب: 59). ويُلاحظ اليوم في عودة "الحِجاب" بأشكاله المتنوّعة في "المدينة الكونية"، حيث يعيش المسلمون مع كمية من الاختلاف كبيرة، أنه دخل العالم وأثار اللغط والسجال حوله خاصة في دول علمانية متشددة كفرنسا، حتى نوقش من قبل السلطة ومنع الحجاب على أشكاله المتعددة من دخول القطاع التعليمي، وكأن الأمر فعلاً يخصّ الأمن القومي.
ما عن النِسوية الإصلاحية:
لم ينس جدعان في حدود الفضاءات العربيّة أن يذكر روّاد ورائدات "قضيّة المرأة" في تجلياتها الأولى من ابن الخوجة الجزائري ورفاعة الطهطاوي المصري، إلى الإصلاحيتين ملك حفني ناصف (باحثة البادية) المصرية وزينب فوّاز الكاتبة اللبنانية الأصل (بدايات القرن العشرين)، حيث أخذت "قضية المرأة" معهما في الكتابات التي أصدرنها، وفي النشاطات التي قمن بها عن طريق التشبيك بين النساء، السِمة المطالبيّة. إلى أن وصلت المرأة العربية إلى مستوى من النضوج في طرح مطالبها، فبرزت وجوه "النِسويّة المعرفية" مع عالمة الاجتماع المغربيّة فاطمة المرنيسي، والطبيبة والروائيّة نوال السعداوي، وغيرهن كثيرات من تخوم ما نلقي عليه اليوم بـ "النِسويّة العربيّة"[13]وهنا أضيف إلى عمل جدعان ثلة من النساء العربيات المغربيات والتونسيات والمصريات: أذكر على سبيل المثال لا الحصر الحوار الحضاري الدائر بين النساء العربيات حول المستجدّات في المفاهيم والنظريّات الحديثة في دراسات المرأة و"الجندر" بين أميمة أبو بكر وشيرين شكري حول المرأة والجندر.[14] بين أميمة أبو بكر وهدى السعدي في الأوراق البحثية الثلاث التي ترصد مشاركة المرأة المسلمة وفاعليّـتها في النشاط الاقتصادي والحياة الدينية والامتهان الطبي في حاضرة المدن العربية - الإسلامية الكلاسيكية[15].
وهناك مختارات من النصوص المقدّسة المرسّخة للحقوق الإنسانيّة للمرأة في الإسلام إعداد فريدة بناني وزينب معادي.[16] هذه النصوص المختارة من المصادر الأصلية الإسلامية (القرآن الكريم والسنّة النبويّة الصحيحة) المرسّخة للحقوق الإنسانيّة للمرأة في الإسلام توفّر توعية للعلاقة بين مكانة النساء في المجتمع الآني، مدى تمتعهن بالحقوق الأساسيّة التي تتضمّنها المواثيق الدوليّة، وبين الشريعة الإسلاميّة.
وهناك ثبت ببلويغرافي كبير إعداد الأستاذات المِصريات أماني صالح وزينب أبو المجد وهند مصطفى، حول المرأة العربية والمجتمع في قرن: تحليل وببلويغرافيا الخطاب العربي حول المرأة في القرن العشرين.[17] ومقالة هدى السعدي حول "النِسويّة الإسلاميّة في مصر بين القبول والرفض."[18]
وهناك دراسات تتناول شخصيات تاريخية لعبت دوراً في حياة النبي ومن ثمّ اختفى تاريخُها من النصوص والوجدان منها دراسة السيدة خديجة بنت خويلد، زوج النبي الأولى وأول من آمن به.[19] ونجد لدى النساء شعوراً ووعياً بالتواطؤ التاريخي الإسلامي من جانب الرجال لإخفاء الشخصيّات النسائيّة القريبة من النبيّ، والتي شاركت في نصرة الإسلام في المرحلة المكّيّة المبكّرة. وحاجتنا لاستدعاء هذه الشخصيات المهمة في تاريخ الإسلام هي حاجتنا للنموذجي، فالنموذجي اختفى من حياة النساء المسلمات باستثناء المتصوّفات (كرابعة العدوية). وأهمية النموذجي أنه يُستدعى لأهمية التجربة في حياة البشر وارتكاز المعرفة عليها، فقد حصل فعلاً أن نموذج السيدة خديجة بنت خويلد، سيدة التجارة في الحجاز استدعيت لدعم سيدات الأعمال السعوديات (مركز خديجة بنت خويلد لسيّدات الأعمال في المملكة العربية السعودية)، ولكسب الشرعية لأعمالهن الحرّة والتجارية من الرجال. ان دراستي حول السيدة مريم في القرآن الكريم تصب في هذا الاتجاه. وقد اجتهدت بها في عملية تأويلية طويلة للوصول إلى الفهم، فأعتبر نفسي من المسلمات التأويليات بحسب تقسيم فهمي جدعان.
نجد في تونس مجموعة كبيرة من الباحثات في الإسلاميات كالأستاذة آمال قرامي في دراستها المعمّقة حول الجندر في الثقافة العربية الإسلامية،[20] وألفة يوسف في إصداراتها حول المسائل الحقوقية السجالية في الإسلام،[21] وهناك أسماء أسعى إلى التعرّف على أعمالهن كناديا سليني، ولطيفة الأخضر وغيرهن. وتعتبر نساء المغرب وتونس ومِصر رائدات في الدراسات التأويلية وفي الحراك النسائية المطالبي، ولا حاجة لإعطاء أمثلة على عمق التجربة والنضال السياسي الطويل للحفاظ على حقوقهن ومكتسباتهن، فالدور الذي لعبنه في الربيع العربي أكبر دليل على هذه الريادة التي تعتبر جزءاً لا يتجزّأ من النضال حول التغيير الديمقراطي في البلاد العربية. [22]
إن مقولة ارتباط تجليّات "النِسويّة العربية" تاريخيّاً بـ "الإصلاحيّة الإسلاميّة" وبالاستقلال الوطني عن الاستعمار الأوروبي - كما تجلى ذلك في الحركة النسائيّة المِصرية - هي صحيحة. ونستطيع قراءة هذه التجليات بالتفصيل في كتاب المؤرّخة للحركة النسائيّة المِصرية مارغو بدران. [23] هذه النِسوية العربية، كما يقول جدعان، "لم تحاول أن تخرق النصوص أو تتجاوزها أو تعقلنها أو تستبدل بها غيرها على سبيل الرفض والهجر أو تعديل الفهم." (جدعان، ص 35). بينما بدأ "التيار التأويلي" للتاريخ والنصوص، في محيط "النِسويّة الإسلامية" الجديدة بإعادة قراءة هذه النصوص لتأويلها من جديد كما فعلت آمنة ودود وأسمى بارلس ورفعت حسن.
وهنا أناقش فهمي جدعان، وأقول له إننا بحاجة إلى دراسة هذه المجموعة من النِسويّات العربيات الإصلاحيات والنِسويات التأويليات اللواتي ذكرتهن لنناقشهن فنضيف إلى آمنة ودود وأسمى بارلس ورفعت حسن أسماء أخرى، أسماء نِسويات عربيات مقيمات في بلادهن ولسن من المهاجرات إلى الغرب الأوروبي او الأمريكي. وهذا ما حاولت توضيحه في مقالتي في مؤتمر "النِسْويّة والمنظور الإسلامي: آفاق جديدة للمعرفة والإصلاح"، والذي عقد في القاهرة إبان حكم الإخوان المسلمين والخوف من جانب النساء على مكتسباتهن وتاريخ نضالهن لحقوقهن من الضياع (عقد بين 17-18 مارس، 2012).
عبد الله إدالكوس: هل يمكن الحديث عن نظرية جندرية قرآنية انطلاقا من القراءات النسائية للقرآن وبالضبط للآيات والسور التي تتحدث عن المرأة؟
الدكتورة حُسن عبود: جميع الآيات في القرآن الكريم تظهر معرفة جندرية وحساسية بسبب التوازن والإيقاع الموسيقي الداخلي بين الآيات، وبسبب اللغة الحريصة على المساواة بين التذكير والتأنيث. ولو لم يكن كذلك لما آمنت النساء بخطاب القرآن الكريم الموجه إلى الذكور كما الإناث. هناك اقتناع تامّ لدى النساء المسلمات بأن الله يخاطب الرجال والنساء معاً، ولا يمكن أن يتلقى النبي الآيات الكريمة بإشارة من جبريل بأن هذه الآيات "خاصة بالرجال."
وقد تطرّق الخطاب القرآني منذ البداية إلى مسألة التحيّز أو الحياد للذكورة في الثقافة العربية السائدة في الحجاز، وهناك حجاج صارخ مع الذين يختارون الذكور لأنفسهم وينسبون إلى الله الإناث. فالآيات الكريمة من "سورة النجم"، "أفرأيتم اللّات والعُزّى ومَناة الثالثة الأُخرى ألكُم الذكر وله الأُنثى تلكَ إذاً قِسمةٌ ضيزى"، واضحة وهذا النقد موجّه إلى ثقافة قريش التي تقسّم بين الذكورة والأنوثة بشكل غير عادل (تلك إذاً قسمة ضيزى)، فتتمنى لنفسها الذكر وتنسب لله الإناث. وهؤلاء الإناث الثلاثة كانت تُعبد في الجاهلية كوسيطات بين الإنسان والله. هذا النقد لهذه الثقافة لا يعني أن محمداً (صلى) يكره الإناث، بل لأن التوحيد يرفض أي ارتباط مع الله كان ذكراً أم أنثى. وهذا المثل قدمته لنرى أن الوعي بالقِسْمات غير العادلة بين الذكور والإناث هي في وعي صاحب البلاغ والمجتمع المتلقي من الذين آمنوا بمحمد أم لم يؤمنوا به موجود.
الى جانب هذا الوعي المبكر بالتحيز الثقافي ضد الإناث يمكن الإنطلاق من المبادئ الإسلامية التي تؤكّدها الآيات القرآنية من العدل والمساواة "فاستجاب لهم ربَهم أني لا أضيع عمل عاملِ منكم من ذكرِ أو أنثى بعضكم من بعض"، والإنصاف وتكريم الإنسان رجلاً كان أو امرأة "يا أيّها الناس اتّقوا ربّكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ"، ثم نعود الى التحيز الذكوري لنزع الغلاف العنصري عن صورة المرأة في الشريعة الإسلامية او المنظومة الفقهية التقليدية والاتباعية ليشع منها الجانب المطموس الذي حذّر من سوء استقبال ولادة الأنثى "من سوء ما بُشّر به" ومن وأدها "بأيّ ذنبٍ قُتِلت" ومن تجاوز حدود الله بعدم احترام حقوقها "ولا تمسّوهن ضراراً لتعتدوا عليهن". هنا تكشف الازدواجية في المعايير في هذه المنظومة الذكورية المتسلطة التي تجزّأ الحقوق والواجبات والقواعد الأساسية التي تنبني عليها العلاقة بين الرجل والمرأة.
عبد الله إدالكوس: المتابع للكتابات النِسْوية في العالم العربي والإسلامي يلمُس بوضوح فقر نظري مع بعض الاستثناءات، فغالباً ما تكون هذه الكتابات مسكونة بهاجس التحرّر من البنية الفقهية الذكورية دون الارتقاء إلى مستوى الإبداع؟ فما تقييمكم لهذه الكتابات؟
الدكتورة حُسن عبود: نعم، كان هناك قصور على المستوى التنظيري وسببه تأخر دخول النساء الجامعات للتعليم العالي في شتى الميادين. الرجال كانوا أكثرَ تنظيراً من النساء في هذا الميدان العلمي وأعطي دائماً مثالاً على ذلك القاضي قاسم أمين صاحب كتابي "تحرير المرأة" (1899) و"المرأة الجديدة" (1900)، الذي أصبح رمزاً لقضيّة المرأة. ذلك أنه فلسف قضية المرأة وأثر المرأة السيئ على الأمّة لو بقيت على حالها من الأمية والجهل والبعد عن المشاركة في الوظيفتين العائلية والاجتماعية. وقد حظي قاسم أمين باهتمام من قبل الإصلاحي الكبير الشيخ محمد عبده ومن قبل الأميرة نازلي التي كانت ترعى اللقاءات والحوارات بين الشيخ محمد عبده وقاسم أمين وغيرهم، مما حفّز بالطبع قاسم أمين على خوض بالكتابة في قضايا المرأة من بابها المعرفي والعلمي الواسع.
ولنقارن بينه وبين ملك حفني ناصف (باحثة البادية) رائدة التعليم الابتدائي للبنات في مصر والكاتبة والأديبة والخطيبة البليغة لجمهور عريض من النساء وصاحبة عامود في صحيفة "الجريدة" لصاحبها أحمد لطفي السيّد. توفيت في عمر الشباب (1886-1918) بعد أن أصيبت بخيبة أمل من جراء زواج يعتبر خدعة. لو أتاح لملك حفني ناصف فرصة التعليم العالي والمتابعة في حمل قضية المرأة لتركت لنا عملاً لا يقلّ أهمية في التنظير عن كتاب "تحرير المرأة" لقاسم أمين. ولقدمت مشروعاً إصلاحياً ونظريات في قضايا المرأة والجندر لا يقل أهمية عن مشروع قاسم أمين الإصلاحي، كونه يأتي من صاحبة الحق في بت القول في هذه القضية. سأقدم مثالاً على نقدها للرجال الذين رفعوا راية السفور وظنوا كلّ التأخّر عائد إلى النقاب:
"يعزون تأخر مصر المادي والأدبي إلى النقاب. أترى لو كنا سافرات يوم ضرب الإسكندرية بالقنابل أكان يرتدّ على أعقابهم المحتلون؟ وهل كان ينفع إشراق وجوهنا في تبرئة مظلومي دنشواي؟ قد يكون حجابُنا مؤخّراً لنا بعض الشيء ولكن لا يصحّ نسبة كلّ تأخّر له." وتقول في نقدها لمقولة أن المرأة لم تلعب دوراً بارزاً في الأحداث التاريخية المهمة: "لو كنت ركبت المركب مع خريستوف كولمب لما تعذّر عليّ أنا أيضاً أن أكتشف أمريكا".
أشرت إلى طريقة تفكير ملك حفني ناصف (الموجودة في كتابها النسائيات ط. 1910) ليس للبكاء على الماضي الحزين لكن للتأكيد على اختلاف الأمر اليوم عن زمن قاسم أمين وملك حفني ناصف. فقد خرقت النساء المسلمات المقيمات في الأوطان العربية فعلاً أسوار المعرفة الدينية، وإن بشكل محدود في ميداني علم الكلام الإسلامي والفلسفة الإسلامية. وقد تأخّرن بداية عن اليهوديات والمسيحيات الأكاديميات النِسويّات والمنظّرات للنِسْوية بعقدين من الزمن خاصةً في فضاء الأكاديمية الأمريكية. هناك الآن عدد لا بأس به من الأكاديميات النسويات والمنظّرات لحقوق المرأة في الإسلام يكتبن باللغة العربية. وقد ذكرت بعض الأسماء من المغرب العربي إلى تونس ومصر وكثيرات باتت أعمالهن معروفة، مما يؤكّد اختلاف الزمن الحالي عن الماضي.
سأعرض في عجالة النظريات الأدبية النقدية التي استخدمتها في عملي التأويلي حول الآيات القرآنية في قصة مريم بين سورتها المكية، سميت باسمها "سورة مريم"، وسورتها المدنية التي سميت باسم عائلة مريم "سورة آل عمران". وهذه النظريات لم تنزل من السماء، بل هي معروفة جداً في دوائر الدراسات النقدية الأدبية: نظرية فلاديمير بروب في القصة الخرافية التي تكلم بها عن الحافز الأدبي: فحين ندرس قصة انتقلت من مصادر شفاهية يتطلب منا دراسة الموتيفات (الحوافز الأدبية). وهذا المنطلق طبق في دراسة القصة الأدبية في سورة مريم (من موتيف "بشارة الملاك إلى مريم"، موتيف "الدفاع عن العذراء ضد متهميها"، "الرحلة إلى الصحراء" إلخ...) فكشف عن علاقة قوية على مستوى النصّ بين سورة مريم وبين الإنجيل بحسب لوقا وبينها وبين الإنجيل بحسب متّى المنحول؛ وعلى مستوى باطن النصّ بين بُنيَة سردية سورة مريم الثلاثية وبنية قصيدة المديح الجاهلية الثلاثية. وهذا اعتبره من الإبداع الأدبي التنظيري.
بالنسبة إلى نظرية "الجندر" أدخلتها إلى دراسة الآيات، حيث وجدت أن النصّ متأزم بسبب موقف ما، فقدّمتها بطريقة إيجابية حين تكلمت عن تبادل الأدوار بين الرجال والنساء في طقس الحجّ بين الطواف والسعي لأدخل معيار "الجندر" للتحليل بطريقة إيجابية للقارئ العربي. طبعاً، معيار "الجندر" للتحليل يتكلم عن الأدوار الاجتماعية لكن على المستوى الرمزي لهذا الطقس يفهم الجندر بطريقة أسهل. وبالطبع استعنت لفهم نظرية "النظم" بالعلماء المسلمين الكلاسيكيين كعبد القاهر الجرجاني، وطبقت نظرية "الأسلوبية" الحديثة على سورتي مريم وآل عمران لأفهم الشعرية الدينية أو هذا الإيقاع الموسيقي الداخلي للآيات والتوازن بينها. واستعنت بنظريات "السرد" من المنظرين الأوروبيين لتفكيك أدواتها في قصة مريم وكذلك نظرية "الخطاب" لأفهم الخطاب بين السرد والحِجاج في سورة مريم.
وفي نقدي للمفسرين الكلاسيكيين المشارقة الذي رفضوا "نبوّة مريم" بناءً على الشاهد القرآني في الآية "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى" فشككت بفهمهم للآية، وعدت إلى سياق الآية، وأسباب نزولها فوجدت أن الآية لم تذكر في سياق الرجال مقابل النساء، بل في سياق الرجال مقابل الملائكة. وهذا هو النقد النِسْوي أو هيرمونيتيكا الشكّ بتعبير بول ريكور. ثم سبق وسمعت استخدامي لـ "استجابة المفسرين وتلقيهم للنص" وهذه نظرية القارئ - الاستجابة التي تتيح مساحة من الحرية في فهم تلقي كل جيل من الأجيال للنصّ بحسب المناخ الثقافي والعلمي السائد. ولا يجعل هؤلاء المفسرين بأي شكل من الأشكال مقدسين فلكل زمن رجال ولزمننا رجال ونساء.
لقد قدمت بعض النظريات مما استعنت بها في دراستي التطبيقية حول "السيدة مريم في القرآن الكريم" حيث لا يمكن القيام بفهم النصّ دون الاستعانة بالنظريات النقدية الأدبية والنِسْوية. وهذا مما اجتهدت عليه في حقل يعتبر من علوم القرآن، وعلوم القرآن ناشطة في الغرب الأمريكي والأوروبي أكثر منه في المشرق العربي. وهناك بالطبع بعض الأكاديميات اللواتي اشتغلن في التنظير وفلسفة المفاهيم في هذا الحقل من المعرفة الدينية التي تقدمها النساء. يبقى أن تنشط هذه الدراسات في الدوائر الجامعية بشكل تتقاطع مع الدراسات الإسلامية أو القرآنية لتدمج في البرامج التعليمية وتساق إلى الفهم الجديد للعقول الجديدة. قد بدأت النساء العربيات فعلاً ولوج عالم الفكر وفلسفته ونظرياته لأجل نِسوية إسلامية عربية في المدينة المحلية على غرار مدينة فهمي جدعان الكونية.
[1] انظر، عدنان المقراني، تأمّلات مريمية، (جامعة البلمند: مركز الدراسات المسيحيّة الاسلاميّة، 2001) ص ص48-49
[2] جاء لقب "كلمة" على عيسى من أصولها المسيحيّة لكن إلقاء اسم عيسى ابن مريم، فهذا مما أتى به القرآن الكريم فقط.
[3] See Donald F. Winslow, “Logos”, in The Encyclopedia of Early Christianity, edited by Everett (New York & London, 1997), 1(688). Winslow says: “No wonder that the early Christians would think of scripture itself as the ‘word of God’; and no wonder they would think of Christ, ‘the Word,’ as the divinely planned fulfillment of God’s creative and redemptive plan, to which the whole of Hebrew scripture, they believed, bore ample testimony.”
[4] لنظرية التلقّي وقياس عيسى بالقرآن انظر: محمّد أركون، القرآن من التفسير إلى الموروث إلى تحليل النصّ الديني، ترجمة هاشم صالح، (بيروت، 2001) 23
[5] فهمي جدعان، خارج السرب: بحث في النسوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحريّة، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2010، ص. 42
[6] فهمي جدعان، خارج السرب: بحث في النِسويّة الإسلاميّة الرافضة وإغراءات الحريّة، (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2010) ص. 35
[7] "الرّجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، والتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهنّ في المضاجع واضربوهن فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً انّ اله كان عليّاً كبيراً."
[8] "نِساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم وقدّموا لأنفسكم واتّقوا الله واعلموا انّكم ملاقوه وبشّر المؤمنين"
[9] وتعني "الحور العين" العذراوات البيضاوات ذوات عيون واسعة سوداء وبيضاء.
[10] انظر الترجمة العربية لدراسة آمنة ودود، القرآن والمرأة: إعادة قراءة النصّ القرآني من منظور نسائي،" ترجمة سامية عدنان (مكتبة مدبولي، 2006).
[11] انظر فاطمة المرنيسي في:
Fatima Mernisi, The Veil and the Male Elite: A Feminist Interpretation of Women’s Rights in Islam. Translated by Mary Jo Lakeland. US; Addison-Wesley Publishing Company, 1991.
[12] في كتاب باحثات: المرأة والمال. 13 (2008-2009) انظر، عائشة التايب، "المرأة العربية سيّدة الأعمال: قراءة سوسيولوجية،"
انظر في نفس العدد، حُسن عبّود، "سيّدات الأعمال السعوديّات والاستثمار المالي" باحثات: المرأة والمال 13(2008-2009).
[13] عقدت مؤتمر في بيروت العام الماضي تحت عنوان "النسوية العربية" وشاركت في تنظيمه ثلاث منطّمات هي:
[14] أميمة أبو بكر وشيرين شكري، المرأة والجندر: إلغاء التمييز الثقافي والاجتماعي بين الجنسين (بيروت، دار الفكر المعاصر، 2002)
[15] أميمة أبو بكر وهدى السعدي. النشاط الاقتصادي الحضري للنساء في مصر الإسلاميّة. القاهرة: مؤسسة المرأة والذاكرة، 2007
أميمة أبو بكر وهدى السعدي. المرأة والحياة الدينية في العصور الوسطى بين الإسلام والغرب. القاهرة: مؤسسة المرأة والذاكرة، 2001
---------------------------. النساء ومهنة الطبّ في المجتمعات الإسلاميّة (ق7م- ق17م). القاهرة: ملتقى المرأة والذاكرة، 1999
[16] فريدة معادي وزينب بناني، مختارات من النصوص المقدّسة المرسّخة للحقوق الإنسانيّة للمرأة في الإسلام. وثيقة عمل أولية لورش كتابة من تنشيط فاطمة المرنيسي. (الرباط، مؤسسة فريدريش إيبرا، 1995)
[17] يعدّ جزءاً من مشروع فكري أكبر نذرت له جمعية دراسات المرأة والحضارة ضمن جماعة كرسي زهيرة عابدين للدراسات النسويّة بجامعة العلوم الإسلاميّة والاجتماعية (الولايات المتّحدة) منذ عام 1998
[18] هدى السعدي حول "النِسويّة الإسلاميّة في مصر بين القبول والرفض." باحثات النِسويّة العربية: رؤية نقديّة. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2012.
[19] سلوى العايب بالحاج صالح. "دثّريني... يا خديجة": دراسة تحليليّة لشخصيّة خديجة بنت خويلد. بيروت: دار الطليعة، 1999
[20] آمال قرامي، الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية: دراسة جندرية، (دار المدار الإسلامي، 2007)
[21] ألفة يوسف، وليس الذكر كالأنى (في الهيوة الجنسية)، (تونس، 2014) وناقصات عقل ودين...فصول في حديث الرسول (تونس، دار سحر للنشر، ط4 2010) حيرة مسلمة في الميراث والزواج والمثلية (تونس دار سحر، 1 طبعة، 2008 وسابع ط. 2013)
[22] انظر دراسة ليليا العبيدي "الدور السياسي للنساء التونسيات في الربيع العربي" ودراسة آمال قرامي، "التونسيات والمسار الانتقالي: تطلّعات وتحدّيات ونضالات،" ودراسة عمرو صلاح الدين من مصر عن "الفاعلات النسويات "هدى الصدّة وميرفت والتلّاوي ومنى ذو الفقار" قوّة ضاغطة داخل لجنة الخمسين"، التي عملت على فلسفة الدستور المصري المعدّل الأخير في مصر (2014) في اللاعبون في الثورات العربية: تعبيرات وأشكال مبتكرة كتاب باحثات 16، تحرير حُسن عبود وآمال حبيب ود. رضوان السيد وآمال قرامي، (بيروت، جداول، 2014).
[23] انظر: مارغو بدران
Margot Badran, feminists, Islam and Nation: Gender and the Making of Modern Egypt. (Princeton: Princeton University Press, 1995).