سؤال التأويل في الثقافة الإسلاميّة بين التبنّي والتجنّي
فئة : أبحاث محكمة
سؤال التأويل في الثقافة الإسلاميّة بين التبنّي والتجنّي([1])
ملخّص:
وقف المؤلّف في هذا الفصل على منزلة التأويل في الثقافة الإسلاميّة. وما يقوم شاهداً على ذلك هو ضخامة الإنتاج التفسيري الدائر على نصّ القرآن. واختار صاحب الفصل الاشتغال على نماذج تأويليّة يغلب عليها التمذهب شاعت قبل عصر الشيخ الأكبر ابن عربي. وهذا الاختيار سيمكّنه من الانتقال من المذهبيّة إلى الأيقونيّة من خلال دراسة "نظام الصورة".
إنّ للتأويل أنصاره وأعداءه. فبخصوص الأنصار فإنّهم تعاملوا مع التأويل من باب تجاوز تمثّل الدلالات إلى رؤية الصور في النصّ الديني. ومن بين هؤلاء ذكر المؤلّف القاضي النعمان الشيعي في كتابه "أساس التأويل"، إذ أوّل قصص الأنبياء من منظور باطني على نحو ما تخبر به قصّة آدم أو قصّة يوسف (قميصه هو رمز الإمامة بما أنّ للنسيج رمزيّة فائقة في التأويل العرفاني). ومن أنصار التأويل أيضا السرّاج الطوسي السُنّي في كتابه "اللمع في التصوّف"، إذ شدّد على التمييز بين الظاهر والباطن دون الفصل بينهما فصلاً مطلقاً، وهو ما يقيم البرهان على نزعته التوفيفيّة بينهما. ولاحظ محمّد شوقي الزين أنّ الاستنباط عند الطوسي هو الذي يمكّن من إدراك درجة أعلى من الفهم (الاستنباط وسيلة للغوص في باطن الكلمات للقبض على أسرارها ومعانيها)، ومن ثمّ مثّل الاستنباط وجهاً آخر من وجوه الاستبطان.
أمّا أعداء التأويل، فإنّهم عوّلوا على مسوّغات نقليّة وعقليّة للاعتراض على النزعة الأيقونيّة في التعامل مع آيات المصحف. وهذا الاعتراض كرّس هيمنة "التقنين" على "الهيرمينوطيقا". ومن أشهر من مثّل هذا التوجّه ذكر المؤلّف، في مرحلة أولى، الغزالي وابن العربي. فقد أظهر الغزالي بعض التشدّد في ذمّ التأويل ضمن كتابه "قانون التأويل" حين ضارع دلاليّاً بين التفسير والتأويل. ولذلك قدّم ثلاث وصايا تشكّل قانون التأويل هي حسب صياغة صاحب الفصل: "التناهي المعرفي" و"التنامي العقلي" و"التسامي البرهاني". أمّا ابن العربي الإشبيلي، فقد صنّف كتاباً بعنوان "قانون التأويل" عيّن فيه القواعد الخاصّة بذاك القانون (منها مثلاً تحويل المحسوس إلى معقول). ومن أهمّ أسس القانون التأويلي قيامه على العلاقة الرابطة بين النفس والربّ (تأمّل الآيات البرّانيّة من خلال الكون، وتأمّل الآيات الجوانيّة من خلال النفس). وفي مرحلة ثانية، تكلّم محمّد شوقي الزين على ما سمّاه بـ "رُهاب التأويل" عند ابن قدامة في كتابه "ذمّ التأويل" وابن تيميّة في مصنّفه "الإكليل في المتشابه والتأويل". فعند كليهما كان التأويل موضع ريبة. وحتّى إن ثمّن ابن تيميّة مثلاً التأويل فهو من منظور الإله (المطلق) وليس من منظور البشر (النسبيّ)، فضلاً عن ربطه التأويل بالمجال الكلامي فقط.
إنّ كلّ ما سبق قوله يؤكّد دقّة عنوان الفصل الذي نحن بصدده، وهو "سؤال التأويل في الثقافة الإسلاميّة بين التبنّي والتجنّي". فمن العلماء القدامى من تبنّاه ودافع عن مزاياه في التعامل مع آيات المصحف، وهناك بالمقابل من تجنّى عليه، فبالغ في ذمّه واحترز منه أشدّ الاحتراز...
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
[1]ـ يمثّل هذا العمل الفصل الأوّل من الباب الأوّل من كتاب "الصورة واللغز: التأويل الصوفي للقرآن عند محيي الدين بن عربي" ـ تأليف: محمّد شوقي الزين ـ منشورات مؤسّسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، ط1، 2016، ص ص: 35 ـ 92.