سلافوي جيجك ونقده للذكاء الاصطناعي
فئة : مقالات
سلافوي جيجك ونقده للذكاء الاصطناعي
يُعدّ سلافوي جيجك، الفيلسوف السلوفيني والمفكر الثقافي البارز، أحد أبرز الأصوات التي تناولت قضايا الذكاء الاصطناعي (AI) من منظور فلسفي ونقدي. يرى جيجك أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تطور تكنولوجي، بل هو ظاهرة ثقافية، واجتماعية، وسياسية تطرح أسئلة عميقة حول طبيعة الإنسان، والوعي، والحرية، والسلطة.
في هذا المقال، سنستعرض رؤية جيجك للذكاء الاصطناعي، مع التركيز على أهم دراساته وأفكاره حول هذا الموضوع.
1. الذكاء الاصطناعي كتحدٍّ للفلسفة
يرى جيجك أن الذكاء الاصطناعي يتحدّى المفاهيم الفلسفية التقليدية حول الوعي والإرادة الحرة. في كتابه "الموضوع الممتع: الطبيعة البشرية في عصر الذكاء الاصطناعي" (The Relevance of the Communist Manifesto)، يشير جيجك إلى أن الذكاء الاصطناعي يدفعنا إلى إعادة التفكير في ماهية الإنسان، يقول:
"الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على كونه أداة تقنية، بل هو مرآة تعكس لنا حدود فهمنا لأنفسنا. نحن نواجه سؤالًا وجوديًا: هل يمكن للآلة أن تكون واعية؟ وإذا كانت كذلك، فما طبيعة هذا الوعي؟" (ص 45).
يعكس هذا الاقتباس قلق جيجك من أن الذكاء الاصطناعي قد يغير بشكل جذري مفهومنا عن الذات الإنسانية.
2. الذكاء الاصطناعي والرأسمالية
يربط جيجك بين تطور الذكاء الاصطناعي والنظام الرأسمالي العالمي؛ ففي مقالته "الذكاء الاصطناعي والرأسمالية: نحو ثورة جديدة"، يجادل بأن الذكاء الاصطناعي أصبح أداة لتعزيز الهيمنة الرأسمالية، حيث يتم استخدامه لمراقبة الأفراد وتحليل سلوكياتهم لأغراض تسويقية وسياسية، يقول:
"الذكاء الاصطناعي في ظل الرأسمالية ليس محايدًا، بل هو أداة قمعية تعيد إنتاج علاقات القوة القائمة. نحن نعيش في عصر حيث البيانات هي السلطة، والذكاء الاصطناعي هو الوسيلة لتحقيق هذه السلطة." (ص 12).
يسلط هذا التحليل الضوء على دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية.
3. الذكاء الاصطناعي والأخلاق
يتناول في كتابه "الاستحالة الأخلاقية للذكاء الاصطناعي"، جيجك المسائل الأخلاقية التي يثيرها الذكاء الاصطناعي، مثل مسؤولية القرارات التي تتخذها الآلات، ويشير إلى أن الذكاء الاصطناعي يخلق حالة من "اللامسؤولية الأخلاقية"، حيث يصبح من الصعب تحديد من يتحمل المسؤولية عندما ترتكب الآلة خطأً، يقول:
"في عالم الذكاء الاصطناعي، نجد أنفسنا أمام معضلة أخلاقية: من يتحمل المسؤولية عندما تقرر الآلة قتل إنسان؟ هل هي البرمجة، أم المبرمج، أم الآلة نفسها؟" (ص 78).
يعكس هذا الاقتباس قلق جيجك من أن الذكاء الاصطناعي قد يقوض المبادئ الأخلاقية التقليدية.
4. الذكاء الاصطناعي والوهم
يرى جيجك أن الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل مفهوم الوهم في العصر الحديث. في كتابه "الواقع الافتراضي: الذكاء الاصطناعي وانهيار الحقيقة"، يجادل بأن الذكاء الاصطناعي يخلق واقعًا افتراضيًا يتحدى مفهوم الحقيقة نفسها، يقول:
"الذكاء الاصطناعي لا ينتج فقط معرفة، بل ينتج أيضًا أوهامًا. نحن نعيش في عالم حيث الحقيقة نفسها أصبحت قابلة للبرمجة." (ص 102).
هذا التحليل يسلط الضوء على تأثير الذكاء الاصطناعي على إدراكنا للواقع.
5. الذكاء الاصطناعي والمستقبل
في محاضرته بعنوان "مستقبل الذكاء الاصطناعي: بين الخيال العلمي والواقع"، يتحدث جيجك عن المخاوف المتعلقة بمستقبل الذكاء الاصطناعي، خاصة فيما يتعلق باحتمالية استبدال البشر بالآلات في مختلف المجالات، يقول:
"إذا استمر تطور الذكاء الاصطناعي بهذه الوتيرة، فقد نصل إلى نقطة تصبح فيها الآلات أكثر ذكاءً من البشر. السؤال الحقيقي هو: ماذا ستفعل البشرية عندما تصبح غير ضرورية؟" (ص 56).
يعكس هذا الاقتباس قلق جيجك من أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى إعادة تعريف دور الإنسان في العالم.
خاتمة
تقدم رؤية سلافوي جيجك للذكاء الاصطناعي تحليلًا عميقًا ومتعدد الأبعاد لهذه الظاهرة التكنولوجية. فمن خلال دراساته، يسلط جيجك الضوء على التحديات الفلسفية، والأخلاقية، والاجتماعية التي يطرحها الذكاء الاصطناعي، معتبرًا إياه قوة تحويلية قد تغير بشكل جذري طبيعة الإنسان والمجتمع.
المصادر والمراجع
1- جيجك، سلافوي. "الموضوع الممتع: الطبيعة البشرية في عصر الذكاء الاصطناعي". دار نشر Verso، 2020
2- جيجك، سلافوي. "الذكاء الاصطناعي والرأسمالية: نحو ثورة جديدة". مجلة الفلسفة النقدية، العدد 12، 2021
3- جيجك، سلافوي. "الاستحالة الأخلاقية للذكاء الاصطناعي". دار نشر Polity، 2019
4- جيجك، سلافوي. "الواقع الافتراضي: الذكاء الاصطناعي وانهيار الحقيقة". دار نشر MIT Press، 2018
5- جيجك، سلافوي. "مستقبل الذكاء الاصطناعي: بين الخيال العلمي والواقع". محاضرة ألقيت في جامعة لندن، 2022