شروط الحُكْم الرشيد
فئة : أبحاث محكمة
شروط الحُكْم الرشيد([1])
الملخّص:
تماماً كما يصرّح به عنوان الفصل، ينصبُّ اهتمام الباحث على شرح أفكار ابن رشد في شروط الحكم الرشيد، ويتوزَّع على خمسة محاور، حدَّدها الباحث على النحو التالي:
1) التربية على الفضائل، 2) الدستور أساس العمران، 3) الرئيس: حكيم المدينة وعقلها المدبّر،
4) العدالة: الميتافيزيقا في خدمة السياسة، 5) تحرير المرأة: بين مقتضيات الشريعة وأحكام السياسة.
مدار الاهتمام في المحور الأوَّل هو تفسير الترابط في التصوُّر الرشدي للمدينة الفاضلة بين التربية والسياسة، فحسب هذا التصوُّر يؤكّد ابن رشد تبعاً لأفلاطون أنَّ التأصيل الأخلاقيّ للفرد هو شرط ضروري سابق للانتماء التعاقدي الذي يفسد من دونه الوجود السياسيّ. وعلى هذا الأساس يصرُّ ابن رشد على تأهيل الفرد أخلاقيَّاً بواسطة نظام تربوي صارم يفرض على الناشئة منذ طفولتهم لتكوين الفضيلة فيهم.
وإذا كانت التربية هي العمل التمهيديّ الأوَّليّ للوجود التعاقديّ الفاضل، فإنَّ هذا الوجود لا يكون ولا يستمرّ إلا إذا وقع تعهّده بالقوانين. فإذا لم توجد القوانين، فلن تقوى الفضائل التي تكوَّنت في الفرد بفضل التربية على الصمود في وجه التهديد القارّ بالعودة إلى وضع الطبيعة، أي وضع حرب الكلّ ضدّ الكلّ. إنَّ هذا التركيز على القوانين، وفي مرتبة عليا منها الدساتير -وقد كان موضوع اهتمام المحور الثاني من هذا الفصل- مهَّد به الباحث للحديث عن المشرّع، أو حاكم المدينة الفيلسوف وعقلها المدبّر، من منظوره الأخلاقيّ السياسيّ الذي ينبني عليه تصوُّره للمدينة. فلئن كان ابن رشد يضع الفيلسوف في قمَّة هرم السلطة المدينيّ، أو يجعله محور العمليَّة السياسيَّة في كليَّتها، فإنَّ ذلك نابع من إيمانه الأنتروبولوجي بنظريَّة تفاضل البشر طبيعيَّاً، وفضل العقل من هذا المنظور أيضاً. وبناء على ذلك ينبني فضل الفلاسفة على سائر الطبقات الاجتماعيَّة الأخرى طبيعيَّاً، لأنَّ الطبيعة خلقتهم من معدن الذهب، بينما خلقت العبيد والحرَّاس من نحاس وفضَّة. ولكنَّ هذا الوضع البدئيّ الذي يختصُّ به أبناء الطبقة الأرستقراطيَّة يحتاج إلى تعهُّده بنظام التربية، لتنشأ فيهم ملكات الحكم ومهاراته العمليَّة التي يتوسَّع ابن رشد في شرحها على أثر معلّمه، في عمليَّة استعراض لمجمل المعارف الاقتصاديَّة والبشريَّة والحربيَّة التي يحتاج إليها الرئيس، لإدامة وجود المدينة وحفظ بقائها.
فأمَّا الغاية القصوى للمدينة التي على الفيلسوف تحقيقها، فهي العدالة. إنَّ هذه القيمة التي تمثّل أساس الوجود المدينيّ، تشرح في المحور الرَّابع من هذا الفصل استناداً إلى التصوُّر الرشديّ السياسي الأخلاقيّ للمدينة، بوصفها أخلاقاً موسّعة حادثة من توازن فرديّ نفسي بين القوى الفطريَّة الثلاث في الإنسان؛ أي القوَّة الغضبيَّة، والقوَّة الشهوانيَّة، والقوَّة الحكميَّة أو العقليَّة، تحت سيطرة العقل وبفضله. وتماماً كما تحدث العدالة بذلك التوازن الأخلاقيّ الفرديّ، فإنَّ توسيعه وقراءته في النموذج المكبَّر للفرد أي المدينة، يجعل العدالة فيها توازناً بين طبقاتها الثلاث تحت هيمنة طبقة الحكَّام الفلاسفة.
إنَّ منزلة العقل عند ابن رشد، وهي مناط الحريَّة التي يجب أن تتحقَّق في الوجود المدينيّ، هي التي تفسّر قبوله لهذه التراتبيَّة الأفلاطونيَّة في تصنيف البشر وملكاتهم. ولكنَّ قاعها الطبيعي الأنتروبولوجي يأخذه، خلافاً لأفلاطون وأرسطو، إلى موقف مختلف في شأن المرأة بصفتها فرداً من أفراد المدينة. فهنا يبدو موقف ابن رشد فريداً في الثقافة الإسلاميَّة، إذ يعتبر، استناداً إلى تصوُّره السابق للعدالة، أنَّ المرأة مساوية للرَّجل في وجودها المدينيّ، بل هي متجاوزة له في الكفاءة أحياناً. لهذا لا يحرمها ابن رشد حقَّ إدارة أعمال الدولة والحرب. بل يعتبر أنَّ الحكم بدونيَّتها هو من خصائص المدن الجاهلة قياساً إلى مدينته الفاضلة التي حلم بها على غرار أستاذه أفلاطون.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
[1]ـ عنوان الفصل الرابع من كتاب: مصطفى بن تمسّك، ابن رشد، السياسة والدين بين الفصل والوصل، ص ص77-104. منشورات مؤسّسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث.