صورة آل البيت في المُتخيّل الشعبي التونسي
فئة : أبحاث محكمة
صورة آل البيت في المُتخيّل الشعبي التونسي
«حين لا تعود الأنظمة التفسيريّة للأنظمة التقليديّة للتجربة البشريّة مقنعة انفعاليّاً وتحريضيّاً، وحين تكون الرّموز الموروثة صارت غير شفافة بدلا من أن تكون مقدّسة، وحين تبدو اللغة الدينيّة متحجّرة بدلا من أن تكون حديثا وحييّا، إذ ذاك يعود الإنسان إلى التجربة. وهنا يأمل أن يلقى الحقيقة بطريقة بدائيّة وملحّة. وعلى هذا النحو يعيد تبرير حياته»[1]
إنّ الحديث عن الأدب الشّعبي وعن البطولات الفرديّة والخوارق، وعن العجيب والغريب في السّير والمناقب، يمكن أن يُفهم منه حديث عن خرافات وشخصيات وهميّة غير تاريخيّة. ولا ينطبق هذا المعطى على الشخصيات التي نروم تفكيك صورتها ودراسة مقوّماتها ووظائفها ودلالاتها؛ فمحمد بن عبد الله وابنته فاطمة الزهراء وزوجها على بن أبي طالب وابناه الحسن والحسين شخصيات تاريخيّة موثّقة. وينحصر الخلاف في شخصيّة «المهدي»، وهو ما سنتطرّق إليه في الفصل القادم بتوسّع.
ففي حين تؤكّد الإماميّة الاثنا عشريّة وجود المهدي منذ القرن الثالث/التاسع، ينفي السنّة ذلك وينتظرون ظهوره. وأما عبارة «آل البيت»، فهي مصطلح اجتماعي شُحن بدلالات دينيّة، واختصّت به جماعة صغرى من المجتمع الإسلامي. وتنتمي هذه الجماعة دمويّاً إلى البيت الهاشمي حاضن النبوّة عند ظهورها. والمشهور في المصادر القديمة والحديثة، أنّ المعنى الأوّل لآل البيت هو خماسي الكساء، وهم النبي محمد وابنته فاطمة الزهراء وزوجها علي بن أبي طالب وابناهما الحسن والحسين[2].
من مبرّرات الحديث عن صورة آل البيت في المتخيّل الشّعبي التونسي، المعطى التاريخي؛ إذ الثّابت أنّ الأفراد الخمسة الذين شملهم حديث الكساء لم يحضروا إلى إفريقيّة، ولم يعرفهم أهلها إلا في شكل سرديات تخييليّة. فالحسين بن علي هو آخرهم، وقد توفّي سنة 61هــــ/681م، بينما لم يظهر الحديث في فضائل العلويين في إفريقيّة إلا مع سنة خمسٍ وأربعين ومائة[3]. والحديث عن صورة متخيّلة لشخصيّة أو زمان أو مكان ما، هو حديث عن تمثلات فرديّة أو جمعيّة (Représentations) لها، ثم تحويلها إلى رموز وفق مجموعة من الآليات. وقد صار البحث في التمثّلات الاجتماعيّة من المباحث الأساسيّة في مجال العلوم الإنسانيّة مع منتصف القرن العشرين[4]. ومن الأسماء التي تميّزت في هذا السياق الفرنسي ذي الأصول الرومانيّة، سيرج موسكوفيتشي (Serge Moscovici) (ت. 2014)، ويعرّف هذا الباحث التمثّلات باعتبارها شكلاً من أشكال المعرفة التي تُبنى على أمثلة ثقافيّة واجتماعيّة[5]، ويجد تعريفه صداه في صناعة النماذج الإسلاميّة بشكل جلي. ويكتسب التمثّل بُعده الاجتماعي الخاصّ بالجماعة المتمثِّلة عند فيشر Gustave-Nicolas Fischer، حين يكون مشتركاً اجتماعيّاً (socialement partagée) لدى جماعة محدّدة بشكل رسمي[6]. يميّز موسكوفيتشي بين أربعة أطوار في بناء التمثّلات الاجتماعية:
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
[1] - John Shea, «Human experiences and Religions symbolizations» The Ecumenist 9, 1971, p. 49, (pp 49-52)
[2] - قال ابن تيميّة: «وأما حديث الكساء فهو صحيح رواه أحمد والترمذي من حديث أم سلمة ورواه مسلم في صحيحه من حديث عائشة قالت خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (سورة الأحزاب)، وهذا الحديث قد شركه فيه فاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم»، منهاج السنّة النبوية، ط1، تحقيق محمد رشاد سالم، القاهرة، مؤسسة قرطبة للنشر، 1406هــــ/1985م، ج5، ص13 فاطمة علي الجعفر، الشفاء في حديث الكساء، ط1، 1431هــــ/2010م، الكويت، ص19
[3] - ذكر القاضي النعمان أنّ جعفر الصادق (ت. 148هــــ/765م) أرسل رجلين هما أبو سفيان والحلواني، وكلفهما بالحديث في فضائل العلويين بين أهل المغرب الإسلامي. افتتاح الدعوة، تحقيق فرحات الدشراوي، ط2، 1986م، الشركة التونسيّة للتوزيع- تونس- وديوان المطبوعات الجامعية - الجزائر- ص27. وعنه أخذ جلّ المؤرّخين كلّ حسب موقعه من الجماعة الشيعيّة. ينظر أيضاً: فرحات الدشراوي، الخلافة الفاطميّة بالمغرب 296- 365هــــ/ 909- 975م، التاريخ السياسي والمؤسسات، نقله إلى العربيّة حمّادي الساحلي، ط1، 1994م، بيروت، دار الغرب الإسلامي، ص78
[4] - ينظر:
- Serge Moscovici, }Des representations collectives aux representations sociales:lement pour une histoire{, in Denise Jodlet, Les reprإsentations sociales, PUF, Sociologie d'aujourd'hui, pp.79-103
[5] - Serge Moscovici, La psychanalyse; son image et son public, Paris, PUF, 1976, p47
[6] - Gustave-Nicolas Fischer, les concepts fondamentaux de la psychologie sociale, 5 e édition, Ed Dunod, 2015, p.18 وللتوسّع حول مبحث التمثّل الاجتماعي، يمكن العودة إلى العمل الجماعي: - Les représentations sociales, théories, méthodes et applications, coordonné par Grégory Lo Monaco, Sylvain Delouvée et Patrick Rateau, De Boeck Supérieur, Louvain-la-Neuve, 2016 وجاء في مقدّمة الكتاب: «L'idée de rassembler plusieurs chercheurs au sein d'un ouvrage de synthèse sur la théorie des représentations sociales est née fin 2011. Une première ébauche de sommaire a été imaginée durant l'été 2012 chez l'un d'entre nous lors d'un séminaire estival. Les auteurs ont été contactés pour la première fois en 2013 et l'ouvrage paraît en 2016», p.33