علاقة الإخوان وأحزاب الإسلام السياسي بالسلطة في مصر بين 1928-2012
فئة : مقالات
مثل سقوط الإخوان المسلمين بمصر سنة 2012 بطريقة درامية مفاجأةً غير سارة بالنسبة إلى الكثيرين غير المطلعين على التاريخ الحديث والمعاصر لمصر، بينما الرجوع إلى التاريخ المقارن يبين أنّ ما وقع في 2013، مع السيد عبد الفتاح السيسي، يعتبر امتدادًا لما وقع لهم منذ عهد الملك فاروق الأول (1936-1952) إلى اليوم.
إنّ هذه الحركة السلفية التي نشأت سنة 1928 سرعان ما دخلت في مواجهات دموية مع كل الأنظمة المتعاقبة منذ 1948 إلى اليوم. وحسب ما يبدو فإنّ النهايات المتشابهة لحركة الإخوان مع أغلب الأنظمة مرتبط بعدة عوامل ومن بينها تناقض مشروعها السلفي مع المشروع الحداثي لقسم كبير من النخب المصرية، وهو الذي تعود جذوره إلى عهد محمد علي (1805-1849). وارتبط فشلها أيضًا باصطدامها مع مشروع المؤسسة العسكرية ومصالحها بمصر والتي تعتبر من أعرق المؤسسات بالوطن العربي، ومثلت قاطرة مشروع الإصلاح في أغلب فترات تاريخ مصر، وخصوصًا في فترات حكم محمد علي، سعد زغلول وجمال عبد الناصر(1952-1971) وصولاً إلى حكم عبد الفتاح السيسي، منذ 2013 إلى اليوم.
وفي هذا السياق، وانطلاقًا من بعض المصادر مثل كتاب خريف الغضب لمحمد حسنين هيكل وبعض المصادر الأخرى سأتناول الإشكاليات التالية:
* الإخوان المسلمون في عهد حكم الملك فاروق
* الإخوان المسلمون والسلطة بين 1952 و2013
أوّلاً: الإخوان المسلمون في فترة حكم الملك فاروق
1) تأسيس الحركة وتحوّلات مجالها الجغرافي
- التأسيس في الإسماعلية: بدأ سنة 1928 بمدينة الإسماعلية. ومما قاله حول هذه المسألة محمد حسنين هيكل "الإسماعيلية هي الموطن الأصلي للإخوان"[1]. وكان ذلك على يد حسن البنّا الذي تأثر كثيرًا ببعض أقطاب الفكر السلفي مثل رشيد رضا وكذلك ابن تيمية. أما فيما يخص أسباب هذه النشأة بهذه المنطقة بالذات، فقد ارتبط بعدة أسباب من بينها:
- هذه المدينة، كانت من أبرز مراكز الاستعمار البريطاني بمصر حيث كان يوجد بها المقر الرئيسي لشركة قناة السويس التي كانت أيضًا شبه أوروبية، وبالتالي كان ظهور الإخوان رد فعل على الاستعمار وتدهور أوضاع مصر.
شهدت هذه الحركة نموًّا سريعًا أثناء فترة الثلاثينات من القرن العشرين وكذلك فترة الأربعينات حيث توسعت بالقاهرة وكامل المدن المصرية، وهو ما أعلن عن بداية مرحلة جديدة من تاريخهم.
- مرحلة القاهرة: الانتشار بكامل مصر: كان ذلك أثناء فترة الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين حيث أصبحت القاهرة مركز الحركة الأساسي، وانتشرت أيضًا بالعديد من المدن الأخرى مثل الإسكندرية وبقية المدن المصرية.
- كراتشي مركز جديد للإخوان المسلمين
-لقد أكدت العديد من الدراسات ومن بينها شهادة محمد حسنين هيكل في كتابه "خريف الغضب" أنّ الضربات المتلاحقة للإخوان وخاصة في عهديْ الملك فاروق وجمال عبد الناصر جعلتهم ينشئون موطنًا جديدًا بكراتشي بباكستان. ومن العناصر الإخوانية التي قادت هذه المرحلة "أبو الأعلى المودودي" حيث كان يشرف بكراتشي على جريدة "ترجمان القرآن". وكانت لهذه المرحلة مضاعفات خطيرة على الفكر الإخواني للأسباب التالية:
- انطلاقًا من شهادة محمد حسنين هيكل فإنّ الفكر الإخواني عندما كان مركزه القاهرة كان متأثرًا بضرورات الطبيعة والتاريخ ولم يكن انسلاخيًّا لأنّ مصر كانت مركزًا لمحيط عربي. أما باكستان فقد نشأت تاريخيًّا بحركة انسلاخ عن البحر الهندوكي المحيط بها. وطبيعي أن يكون لفكر الإخوان الذي تبلور في هذا المجال الجغرافي طابع انسلاخي، وليس الطابع التوحيدي الذي ظهر في مصر. ففي باكستان كان تمايز الإسلام يتحقق بالفرقة والانعزال الديني والثقافي عما حوله من تأثير هندي. وعلى هذا الأساس نشأت وتواصلت باكستان دولةً وأمّةً. وهذا الواقع انعكس على فكر أبي الأعلى المودودي الذي بلور مسألة "الجهاد" عند الإخوان. وفرّق في كتاباته بين مرحلتين لنشاطهما. (مقارنة بمرحلتي مكة والمدينة):
- مرحلة الاستضعاف: تكون فيها الحركة غير قادرة على أن تتولى مسك زمام الأمور بنفسها، فتنسحب لتُعدّ نفسها لمرحلة الجهاد.
- مرحلة الجهاد: تبدأ عندما تكون الجماعة الإسلامية، أعدّت نفسها للمسك بزمام الحكم.
أ) تطوّر فكر الإخوان
تعددت المنابع السلفية لفكر الإخوان المسلمين بمصر فإضافة إلى فكر رشيد رضا وابن تيمية، فإنّ من أبرز منظريهم حسن البنا، والسيد قطب وأبا الأعلى المودودي الذي بلور الأفكار الأكثر تطرفًا وهي التالية:
- فكرة حاكمية الله مقابل حاكمية البشر. ولقد اعتبر محمد حسنين هيكل هذه الفكرة انقلابية لأنّها تعني تكفير النظام القائم والخروج عليه.
- أفتوا أيضًا بجواز السيطرة على أموال الدولة، وأنّ الخدمة في أجهزة الدولة الحديثة سلطاتها "جيشًا أو شرطة مكروه يجب تفاديه" لأنّه نوع من أنواع الكفر لأنّ الطاعة لا تكون واجبة إلا لإمام، ولا يجب أن تكون هناك طاعة لإمارة (الكفر والجاهلية). وقد كانت هذه الأسس الفكرية للإخوان من الأسباب الرئيسية لصراعهم التاريخي مع السلطة بمصر منذ نشأتها إلى حد هذه الفترة. وتميزت رؤية الإخوان المسلمين للدولة بالخاصيات التالية:
ـ الأولى: ليس لحزب أو لدولة أن يكون جزءًا من الحاكمية لأنّ الحاكم الحقيقي هو الله.
ـ الثانية أنّ أمر التشريع من اختصاص الله (وهذا يعني أنّ الدساتير والقوانين الوضعية هي قوانين كفر).
ـ الثالثة أنّ الدولة الإسلامية لا يقوم بناؤها إلا على القانون الإلهي الذي جاء به النبي من عند الله، مهما تغيرت الظروف والأحوال.
لقد أكدت عدة دراسات من بينها كتابات محمد حسنين هيكل أنّ أفكار المودودي كانت ذات طابع متزمت وانعزالية. ووصلت إلى السيد قطب وهو في السجن. وانطلاقاً منها صاغ العديد من أفكاره في كتابين "في ظلال القرآن" و"معالم الطريق". ومن أبرز الأفكار التي صاغها في هذين الكتابين:
- هناك تعارض شديد بين الإسلام والجاهلية، الإيمان والكفر، الحق والباطل، الحق والشر، حاكمية الله وحاكمية البشر، الله والطاغوت. وأنّه لا بقاء لطرف إلا بالقضاء على الطرف الآخر.
- إنّ نظام الحكم الذي لا يحكمه الشرع تكون فيه الحاكمية للطاغوت. وفي ظل هذه الظروف فإنّ إقامة الدولة الإسلامية مشروع ممكن، شرط أن تصبح الشهادة مطلبًا وأمنية.
- لا يحدث التغيير إلا عن طريق القضاء على أيمة الكفر ووضع أيمة الإيمان محلّهم.
- هذا التغيير تقوم به الصفوة المؤمنة التي من واجبها قيادة مجتمع الإيمان ضد مجتمع الكفر. وهذا يعني أنّ الأولوية للصفوة وليست للجماهير.
- القضاء على حكم الطاغوت وإقامة حكم الإيمان مفروضة فرض عين على كل مسلم ومسلمة.
- إنّ الأسس التكفيرية لفكر الإخوان تعتبر من أبرز العوامل الهيكلية لمواجهاتهم الدموية مع السلطة بمصر منذ الحرب العالمية الثانية إلى اليوم.
2) علاقة الحركة بالنظام الملكي: من المواجهة الدموية إلى التحالف
أما بالنسبة إلى علاقتها بالقصر أي بالملك فاروق وكذلك بحكومات حزب الوفد، فقد عرفت العديد من التطورات:
- مرحلة التعايش والتمكين: تواصلت بين 1928 و1948
- المواجهة الدموية: بدأت في أواخر فترة الأربعينات. وكان ذلك في عهد رئيس الوزراء "محمود فهمي النقراشي" الذي اعتبر أنّ حركة الإخوان المسلمين تمثل خطرًا على النظام. ولمواجهة ذلك اتخذ الإجراءات التالية:
- أصدر أمرًا بحلّ الحركة يوم 8 ديسمبر 1948.
ـ مصادرة كلّ أموالها وثرواتها.
لقد أدت هذه التطورات بمصر إلى صراع دموي، حيث اغتيل "النقراشي باشا" بعد ثلاثة أسابيع، بواسطة شاب من أعضاء النظام الخاص الذي تنكر في زي ضابط بوليس[2]. هل كان لحسن البنا دور في هذا الاغتيال؟
لقد أكد محمد حسنين هيكل ذلك بحذر "لقد أحلّ حسن البنا هذا الاغتيال"، لكنه تدارك الأمر وأصدر بيانًا مشهورًا أدان فيه هذه العملية. وكان عنوان بيانه "ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين". ويبين هيكل أنّ هذا البيان كان متأخرًا، لأنّ القصر ورئيس الوزراء الجديد إبراهيم عبد الهادي قررا اغتيال حسن البنا. وبالفعل اغتيل رميًا بالرصاص أثناء خروجه من مبنى الإخوان المسلمين على الساعة التاسعة من مساء يوم 12 فيفري 1949.[3] وأوقف بعد ذلك الآلاف، ويؤكد أنّ الإخوان عرفوا أصعب فترة منذ تأسيس تنظيمهم.
- المصالحة مع السلطة وعودة الإخوان إلى النشاط
لقد تزامنت عودة حزب الوفد إلى السلطة سنة 1950 بقيادة نحاس باشا، المعروف تاريخيًّا بعلاقاته غير الودية مع القصر. ولقد ربط هيكل هذا الانفراج بحاجة القصر إلى حليف لمواجهة الوفد.. ومن بين عوامل هذا التقارب ظهور قيادة جديدة تمثلت في حسن الهضيبي الذي كان يعتبر "محافظًا ومحترمًا"[4]. هكذا فإنّ علاقة الإخوان المسلمين مع نظام الحكم بداية من سنة 1952 توطّدت وأصبحت في شكل تحالف. ومما ذكره حسن الهضيبي بعد زيارته للملك فاروق "زيارة كريمة لملك كريم".
ثانيًا: الإخوان المسلمون والسلطة بمصر: 1954-2012
1) الإخوان والضباط الأحرار
أ) اتصالات مبكرة
لقد بدأت الاتصالات الأولى للإخوان المسلمين بتنظيم الضباط الأحرار، منذ سنة 1948. ومما يقوله أحد الشاهدين على العصر محمد حسنين هيكل حول هذه المسألة "أثناء حرب فلسطين حدثت اللقاءات الأولى. ولقد أعجب عدد من الضباط الأحرار ومن بينهم جمال الناصر بفكر الإخوان. واقتربوا منه وربما راودتهم فكرة الانضمام إليه، فلا غرابة في ظل هذه الظروف أن تقع معاملتهم معاملة خاصة من قبل ثورة 1952. وبرز ذلك من خلال ما يلي:
- حل كلّ الأحزاب السياسية.
- السماح فقط لتنظيم الإخوان بمواصلة نشاطه. ومما ورد في كتاب "خريف الغضب" لهيكل "هؤلاء الضباط الأحرار لم يستطيعوا نسيان صلاتهم القديمة بالإخوان، فكانت جماعتهم وحدها التنظيم الوحيد الذي واصل نشاطه"[5].
ب) المواجهة بين الإخوان وجمال عبد الناصر
بدأ توتر علاقة الإخوان بالثورة المصرية سنة 1954 وهو يُفسّر بالعوامل التالية:
- اعتقاد الإخوان أنّ الضباط الأحرار، يريدون استغلالهم. واعتبروا أيضًا أنّ مفاهيم الاشتراكية، المدنية والمساواة الاجتماعية والقوانين التي جسمتها تتنافى مع فكرة الحاكمية.
- عدم سيطرة "الهضيبي على الحركة" وعدم معرفته بالعديد من أسرارها مثل "الجهاز الخاص" وفي هذا السياق اصطدمت حركة الإخوان المسلمين مع الثورة المصرية. وبرز ذلك من خلال ما يلي:
* صدور قرار حلّ جماعة الإخوان المسلمين في يناير 1954 وبداية ملاحقتهم.
* قيام "الجهاز الخاص" للإخوان المسلمين يوم 26 أكتوبر 1954 بمحاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية لكنه نجا بأعجوبة.
لقد كان من نتائج هذه المحاولة محاكمة المئات من الإخوان بمصر. وأعدم العديد من قياداتهم من بينها "السيد قطب".
2) السادات من الهدنة إلى المواجهة
شهدت علاقة محمد أنور السادات (1971-1981) مع الإخوان وأحزاب الإسلام السياسي بصفة عامة العديد من التطورات، ففي البداية عمل النظام الجديد على مغازلتهم واحتوائهم، لكن هذه السياسة سرعان ما انهارت وانتهت بمواجهات دموية.
أ) سياسة الاحتواء والتحالف
عاشت مصر أثناء فترة السبعينات من القرن العشرين أزمة اجتماعية خطيرة برزت بالخصوص من خلال أحداث 1977. ولمواجهة هذا الوضع ولتهدئة الشارع عمل محمد أنور السادات على احتواء التيار الديني "ليكون حليفًا للنظام". وبرز ذلك من خلال العديد من القرارات، ومن بينها نذكر:
- تقوية محطة القرآن الكريم، التي أصبحت موادّها في خدمة النظام من خلال تركيزها على طاعة أولي الأمر بعدما كانت في خدمة الرقي الاجتماعي في عهد جمال عبد الناصر.
- أطلق السادات على نفسه لقب "الرئيس المؤمن". وقام بالعديد من الإجراءات الأخرى لكسب ودّ الإخوان.
- عمل نظام السادات أيضًا على تشجيع التيارات الإسلامية على اكتساح الجامعات، وذلك بمدّهم بالمال والسلاح [6]. ومن رجالات السادات الذين ساعدوا وموّلوا الإخوان رجل الأعمال الذي كان يملك ثروة ضخمة "عثمان أحمد عثمان". وكذلك "عثمان إسماعيل" محافظ أسيوط. ثمّ إنّ رجالات السادات عملوا كل ما في وسعهم على تشجيع الجماعات الإسلامية للتصدي للناصريين والشيوعيين. وذلك بمدهم بالأموال. وتزويدهم بالأزياء الدينية لتوزيعها على الطلاب، الحجاب بالنسبة إلى الفتيات و"الجلباب" بالنسبة إلى الشبان. وكان من نتائج هذه السياسة سيطرة الإخوان المسلمين وأنصارهم على الجامعات، فمثلاً سنة 1978 فازوا بأغلب مقاعد جامعة الإسكندرية ومن بينها كلية الطب التي فازوا فيها بكل المقاعد وكلية الحقوق ب47 مقعدًا من جملة 48 مقعدًا.وكانت لهذه السياسة نتائج خطيرة على الجامعات برزت من خلال الحملات العنيفة التي قادوها "لأسلمة الجامعة" والتي تجسمت من خلال ما يلي:
- منع الموسيقى.
- منع الطعام غير الإسلامي بالمطاعم الجامعية.
- الاحتفال بالأعياد بالساحات العامة، فمثلاً سنة 1980 تمت صلاة العيد بميدان عابدين بحضور حوالي 400 ألف مصلّ. وحسب محمد حسنين هيكل حول هذه المسألة فإنّ نظام السادات الذي كان يعادي الشيوعية، أراد أن يجعل من التدين تطبيقًا عمليًّا لمقولة ماركس المشهودة الدين أفيون الشعوب. كان مآل هذه السياسة، الفشل على غرار تجربتيْ الملك فاروق وكذلك الرئيس جمال عبد الناصر.
ب) مواجهة حكم السادات مع أحزاب الإسلام السياسي
بدأت مرحلتها الأولى في 3 سبتمبر 1981 من خلال حملات الاعتقالات الواسعة التي شملت كل المعارضين: إسلاميين، إخواناً ومن تنظيم الجهاد، قوميين وشيوعيين.. ولقد أدت هذه المواجهة إلى اغتيال محمد أنور السادات يوم 6 أكتوبر 1981 أثناء استعراض عسكري من قِبَل خالد الإسلامبولي، وعباس محمد. ومما ذكره خالد الإسلامبولي في اعترافاته حول أسباب الاغتيال نذكر:
ـ قوانين البلاد غير إسلامية.
- رفض سياسة الصلح مع اليهود.
- اعتقال علماء المسلمين واضطهادهم.
وهكذا فإنّ علاقة الإسلام السياسي بالسلطة بمصر شهدت بين أواخر الأربعينات وبداية الثمانينات العديد من التطورات المتشابهة، فمع كل سلطة جديدة يقع انفراج ومحاولة احتواء التنظيم، لكنها تفشل وهو ما يؤدي إلى المواجهات الدموية التي ذهبت بقيادات عديدة من السلطة والإخوان.
3) الإخوان وحسني مبارك (1981-2011)
وصل حسني مبارك إلى السلطة بعد اغتيال محمد أنور السادات عام 1981. وتواصل حكمه حوالي 30 سنة. وتميز بعدة خصوصيات على مستوى علاقته بالإخوان المسلمين. ومن بينها:
- المصالحة معهم ومع بقية القوى السياسية على غرار ما وقع مع بداية أي حكم جديد.
- وقوع العديد من المحاكمات للإخوان في سنوات 1995، 1998، 1999، 2001 وآخرها سنة 2008.
لقد اكتسح الإخوان أيضا في أواخر عهد حسني مبارك نقابات المحامين والمهندسين، فتمّ حلّها. ولكن دون القطيعة التامة معهم، حيث قاموا بإعادة بناء أنفسهم. وشاركوا أيضًا في عدة انتخابات في إطار قائمات مستقلة وحصلوا في ديسمبر 2005 على 88 مقعدًا. ومن أبرز خصوصيات حكم محمد حسني مبارك أنّها الأقل دموية بالنسبة إلى علاقة السلطة مع الإخوان حيث ترك لهم هامشًا كبيرًا من النشاط. وترشُّحهم في شكل قائمات مستقلة سنة 2005 أكبر دليل على ذلك.
4) الإخوان وعبد الفتاح السيسي (2012- 2013)
عبد الفتاح السيسي، سادس رئيس لجمهورية مصر منذ 8 يونيو 1952 إلى اليوم (2016). وفي هذا السياق من الضرورة بمكان التذكير بأنّ السيد محمد مرسي عندما كان رئيسًا، أصدر قرارًا بترقيته من رتبة لواء إلى رتبة فريق أوّل. وقام بتعيينه وزيرًا للدفاع وقائدًا عامًّا للقوات المسلحة، خلفًا للمشير محمد حسين طنطاوي. ولقد اعتبره الإخوان في تلك الفترة "وزير دفاع بنكهة الثورة"، لكنهم بعد الإطاحة بمرسي أصبحوا يعتبرونه زعيم الثورة المضادة، لكن الواقع مخالف لذلك، لأنّ السيد عبد الفتاح السيسي لو كان يبحث عن الجاه والمال والسلطة لحافظ على سلطتهم، لكن الخطر الذي كان يتهدد مصر جعله يطيح بحكم الإخوان في 3 يوليو 2013. وحسب ما يبدو فإنّ ذلك ارتبط بفشل الإخوان وسير مصر نحو حرب أهلية دامية. وبرز فشلهم من خلال ما يلي:
- مظاهرات مليونية ضد حكم الإخوان، من أبرزها مظاهرة 30 يونيو 2013 المطالبة برحيل مرسي.
- سياسة الإخوان المعادية للجيش المصري، برزت من خلال العديد من الأحداث مثل عفو الرئيس مرسي عن حوالي 572 سجينًا بعد فترة قصيرة من محاكمتهم وسجنهم من قبل محكمة عسكرية. وتزامنت هذه الأحداث مع تسرب معلومات أعلنت عن قرب تغيير عدة قيادات عليا بمؤسسة الجيش.
الخاتمة:
إنّ المتتبع لتاريخ مصر الحديث والمعاصر يلاحظ أنّ حركة الإخوان المسلمين بمصر اصطدمت بكل الأنظمة المتعاقبة منذ الأربعينات من القرن العشرين إلى اليوم. فهل كان ذلك صدفة؟
إنّ ما وقع حاليًّا للإخوان وقع في العصر الملكي وفي فترة حكم جمال عبد الناصر. وهو مرتبط بطبيعة هذه الحركة الإحيائية الرافضة لأي إصلاح يتماشى مع متطلبات العصر. وبرز ذلك من خلال مناهضة الإخوان للفكر الإصلاحي الحداثي الذي بدأ منذ عصر محمد علي باشا. وما يزال متواصلاً إلى اليوم، حيث برز العديد من أقطاب الإصلاح الديني، السياسي والثقافي مثل جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، طه حسين وجمال عبد الناصر الذي يعتبر من أبرز رموز الإصلاح السياسي والاجتماعي بمصر.
لقد ارتبط أيضًا التغيير والتحديث بمصر منذ عهد محمد على إلى اليوم بالمؤسسة العسكرية[7]. وكل تطور لا يراعي مصالح هذه المؤسسة يكون مصيره الفشل. ومصر تاريخيًّا كانت مركز التحديث والانفتاح على الغرب، في حين لم تتجاوز ساعة الإخوان، من خلال مبادئهم مثل الحاكمية والطاغوت والخلافة، القرن السابع ميلادي.
إنّ مسار الانتقال الديمقراطي بمصر لا يمكن أن ينجح إلاّ برعاية المؤسسة العسكرية. وكل محاولة لتهميشها وعدم تشريكها فإنّ نتيجتها تكون شبيهة بما وقع للإخوان في الفترة الأخيرة، لأنّ هذه المؤسسة مثلت في قسم كبير من تاريخ مصر منذ عهد محمد علي إلى اليوم قاطرة الإصلاح.
[1] محمد حسنين هيكل، خريف الغضب، قصة بداية ونهاية حكم أنور السادات، شركة المطبوعات للنشر والتوزيع، بيروت 1983
[2] المصدر السابق نفسه، ص 286
[3] المصدر السابق نفسه، ص 288
[4] المصدر السابق نفسه، 282
[5] المصدر السابق نفسه، ص 270
[6] حسن هيكل، خريف الغضب، مصدر مذكور سابقًا ص 91
[7] عمر عبد العزيز، تاريخ مصر الحديث والمعاصر، دار النهضة العربية والنشر بيروت، ص 162