علم الدلالة والرؤية القرآنية للعالم: دراسة في المداخل اللسانية لمشروع الباحث الياباني إيزوتسو توشيهيكو
فئة : مقالات
علم الدلالة والرؤية القرآنية للعالم
دراسة في المداخل اللسانية لمشروع الباحث الياباني إيزوتسو توشيهيكو*
يقول إيزوتسو في تعريفه لعلم الدلالة "إن علم الدلالة، [...] وكما أفهمه، دراسة تحليلية للمصطلحات المفتاحية الخاصة بلغة ما، تتطلع للوصول في النهاية إلى إدراك مفهومي لـ "الرؤية للعالم" الخاصة بالناس الذين يستخدمون تلك اللغة كأداة ليس للكلام والتفكير فحسب، بل الأهم، كأداة لمفهمة العالم الذي يحيط بهم وتفسيره. إن علم الدلالة بهذا الفهم نوع من "علم الرؤية للعالم" (Weltanschauungslehre) أو دراسة لطبيعة رؤية العالم وبنيتها لأمة ما، في هذه المرحلة المهمة أو تلك من تاريخها. وهذه الدراسة تستهدي بوسائل التحليل المنهجي للمفاهيم الثقافية التي أنتجتها الأمة لنفسها وتبلورت في المفاهيم المفتاحية للغتها."[1].
إذن، فعملية "التحليل الدلالي" لتمامها عند إيزوتسو لابد أن تقترن بدعائم مفهومية لاغنى عنها وهي:
1. مفهوم "الرؤية للعالم".
يقوم هذا المفهوم على فكرة "أن لغة الإنسان تشكل إدراكه للواقع أو أن العالم الذي يعيش فيه الإنسان هو بناء لغوي [...] وقد ارتبطت باسمين أمريكيين هما إدوارد سابير وبنيامين لي وورف و[إن كانت] أكثر التصاقا بالأخير"[2].
دون أن نتجاوز الفلسفة الألمانية تحديدا، والتي يعود لها الفضل في نحت وإثراء هذا المفهوم من أمثال: إيمانويل كانط، وهيجل، ودلتاي، وماكس فيبر، وكارل ياسبرز، وهيدجر[3]. وحسب الباحث عبد الرزاق الدواي فقد دل هذا المصطلح في بدايات ظهوره على ذلك المنظور الذي يقارب من خلاله الإنسان تصوره للعالم المحيط به، ويسير من ثم وفقه معتقداته وطريقة عيشه، هذا التحديد سيعرف تطورا سيلخص "الرؤية للعالم" في الكيفية الخاصة لتصور العالم وإدراكه والتعامل معه، كما هي سائدة في حقبة تاريخية معينة، أو داخل ثقافة معينة، أو في مجال معرفي معين[4].
يُرجع اللغوي (جفري سامبسون) هذه الفرضية المشتهرة بـ (فرضية سابير وورف) إلى المدرسة الوصفية، باعتبارها تشكل تطورا طبيعيا لها، كما أنها بقدر ما اعتمدت على الكثير من أفكارها، فقد تعارضت حد التنافر مع الكثير من أفكارها الأخرى[5].
وتعد هذه النظرية امتدادا كذلك لأفكار همبولت "الاتجاه العقلاني"، الذي حاول إقامة نظرية لغوية شاملة، لا تقتصر على لغة بعينها، إذ اللغة لديه[6] "ملكة من عمل العقل، وهي فوق هذا قوة فعالة [..]، وليست مجرد تحصيل حاصل [..]، إذ لولاها لما كان هناك أي نوع من التفكير. وهذه القدرة الخلاقة هي التي تجعل أعمال الإنسان تتميز بالذكاء والإبداع"[7]، ولهذا فقد تم تجاوز ذلك التقسيم المجحف تجاه ثقافات الشعوب، وتجاه قدرات الإنسان اللامحدودة في الإبداع، بالأخص مع تطور الاتجاهات اللغوية في أمريكا التي دمجت الانتروبولوجيا باللغويات[8]، فصرنا نتحدث عن مميزات كل لغة وخصوصياتها، وتوفرها على منطقها الخاص، وحسب فرضية سابير-وورف، توفرها على "رؤية للعالم"[9].
فاللغة هنا - حسب الفرضية نفسها - تتجاوز تلك الأبعاد المثالية والرومانسية التي توقفت عند حدودها أعمال كل من هيردر وهمبولت، لتنسج علاقة متلازمة، بلغ في وصفها الكثيرون بـ "الحتمية" بين اللغة والثقافة والواقع. ولهذا، عد سابير اللغة ناظما لشتات تفكيرنا ومساهما أساس إن لم نقل أوحد في تشيكل تصورنا للعالم الموضوعي[10].
تشكل المصطلحات المفتاحية غاية وناظما منهجيا أطر عمل إيزوتسو في جل مشروعه، الذي يروم الكشف عن "رؤية القرآن للعالم"، فالمصطلحات المفتاحية هنا مقابل للمفاهيم المركزية[11]، إذ يقوم الباحث وفق "التحليل الدلالي"[12] الذي يتبعه بمحاولة تحديد الصنف الدلالي للمفردات، حيث تحمل المفردات دلالتها الأولى (المفترض كونها أصلية) والتي تحددت وفق الوظيفة الدلالية التي التصقت بها، ضمن سياقات مختلفة.
إذن، يعتمد تحليل إيزوتسو بداية على عملية مقارنة وتحليل وتركيب للمعطيات الأولية المتوفرة حول المفردة، سواء معجميا أو ثقافيا، وكذلك تحليلها في انسجامها والوعي التاريخي سكونيا أو حركيا. وذلك بعد أن تم جرد المفردات وفرزها من مجموع المعجم القرآني. ولابد من التنبيه أن الباحث في توافقه مع الفلسفة اللغوية التي تؤطره، يؤكد دوما "على نحو دقيق إنه حيث ينتهي الشكلي الصرف تبدأ المسائل الدلالية ذات المغزى الحقيقي"[13]، ولهذا يتعامل ولغة القرآن باعتبارها معجما دلاليا خاصا، يتقابل والمعجم العربي الجاهلي[14].
وتخضع عملية تحديد الصنف الدلالي للمفردات كذلك، للتحليل السياقي الذي يقوم بوضع المفردات في وضعيات مختلفة (تقابل، توافق، توازي، مركزية، ثانوية، علاقية)، ودائما داخل السياق، سواء على مستوى الجملة، أو الحقل الدلالي، أو النص كبنية ونظام في جملته.
وتعني عملية التصنيف الدلالي في وجهها الآخر، تحديدا للقيمة الدلالية بتحديد وظيفتها داخل الأسيقة سالفة الذكر، والتي تُقَومُ تصورنا للفكرة الأساسية التي يمكن أن نستجمعها حول المفردة.
إذن، يمكننا حسب هذا التحليل استخلاص الوظيفة الدلالية الأولى، والثانية وهكذا دواليك، إلى أن تتحدد معالم القيمة[15] الدلالية للمفاهيم.
لذلك فالمصطلحات المفتاحية باعتبارها تشكل حقلا دلاليا، ستندمج بالحقول الدلالية الأوسع للمعجم القرآني، لتنتظم داخل نظام تأويلي جديد كليا[16]، ستترابط حقوله الدلالية وفق علائق منطقية عامة ممكنة قائمة بين هذه الحقول الدلالية، إما بتضمن حقل لأخر أو لمجموعة حقول، أو من خلال علاقة عبر حقولية يمكن وصفها بالتقاطعية بين حقول لا يتضمن واحدها الآخر، أو عبر علاقة انفصال بين حقول "غير متماسة" حسب تعبير محمد غاليم[17].
ولا نعني بهذه الإمكانات العلائقية الممكنة والقائمة بين الحقول الدلالية حصرها فيما ذكر[18]. وإنما أردنا التنويه باختزال للعلائق المفترض مركزيتها بين الحقول الدلالية- مع استرعاء الوجوب المنهجي تقديمنا لغيرها في موضع بحثي آخر لا تتسع للتفصيل فيه هذه الدراسة المختزلة -، وحسب تعبير إيزوتسو "فإن أية شبكة معقدة من الترابطات هي "معجم" في وجهها اللغوي، وهي "رؤية للعالم" في وجهها المفهومي"[19].
رغم كل ذلك، قد يواجهنا إشكال، يتمثل في السؤال عن المنهجية المثلى لتحديد المفاهيم المركزية؟، كما سيقابلنا تساؤل آخر ملح، عن كيفية التحديد الدقيق للمفهوم؟
ولعل ايزوتسو استشعر قيمة هذين المأزقين المنهجيين، إذ هما محط اختلاف كبير، لذلك جعل من "المفاهيم المركزية" ذات طبيعة مرنة من حيث اختيارها وترتيبها[20]، ما يعني اعترافه بنسبية العملية، وانحصارها في إطار الفرضية الممكنة.
أما المفهوم، وفق الرؤية المحددة سابقا، فهو نقطة جد معقدة ونسبية، في توافق إجماعي كبير لدى العديد من المنظرين، تابعهم في ذلك إيزوتسو في تصوره للمفهوم، إلا أنه أطر تصوره هذا باتجاهه الفلسفي في فهم اللغة، إذ المفهوم - لديه - رغم ضبابيته، "لا يبدأ في الظهور كوجود مستقل ذي حدود ثابتة مستقرة قليلا أو كثيرا، إلا عندما يتخذ هيئة لغوية، أي كلمة"[21].
قد لا نبالغ إن قَرنا أهمية ما سمي بالمقاربة العلم – لغوية حسب تعبير الباحث فضل الرحمان[22] بالأساسين الأولين ضمن المنهج المتبع هنا، تنزيلا لرؤية إيزوتسو واستهداء بمعالمها المركزية. فميزة هذا النوع من المقاربة تتمثل في:
تحقيق كفاية معرفية جد مستوعبة للآلية العلمية "علم الدلالة" الموظفة في قراءة القرآن. نظرا للانشغال الطويل من قبل إيزوتسو بهذا العلم، وتتبعه لكل تفاصيله ونقاشاته المختلفة، إلى جانب الدراية بالشرطيات التنزيلية لعمليات الأجرأة القرائية. فمصطلح علم الدلالة "يفترق في دلالاته الإجرائية عن "المعنى" في دلالاته الحدوثية. [فهذا العلم] ليس هو المعنى، ولكنه طرق دراسة المعنى. وبهذا يصبح جليا من وجهة نظر منهجية، امتناع العلم الدارس عن الاختلاط بموضوع درسه"[23].
وعي المنهجية المقترحة من قبل الباحث، بالحدود الإبستمولوجية للمنهج، يؤكد أن هذا الأخير يتحرك ضمن نسق الفرضية في وعي تام بالحدود النسبية المتلبسة بالقارئ، والمتلبسة كذلك بتراكب البديهيات المؤطرة لنظام الرؤية المتبعة.
ولذلك فما قدمه إيزوتسو، ودون أن يلح في ذلك، ينسجم وروح العلوم المعاصرة، التي لم تعد تقيم ذلك الفارق بين العلمي واللاعلمي، كما وينسجم والتماسك المنهجي والفلسفي الذي لابد أن تسترعيه أية فرضية تقترح.[24]
4- علم دلالة القرآن.
أول ما قد يشد انتباهنا، التخصيص الذي أرفقه إيزوتسو بعلم الدلالة في عناوينه، فجعله "علم دلالة القرآن"[25]، بدل أن يظل المصطلح على عرفه في عدم الاقتران بنص ما، أو مادة درس كيفما كانت طبيعتها. لذلك فتحليل سبب الإرفاق والتعالق، كفيل بتعرية معنى هذا المصطلح علميا.
دفعا لأي لبس وتحقيقا للوضوح المنهجي، فليس المقصود باقتران علم الدلالة بالقرآن، تبيين مدى قدرة هذا الأخير على المواكبة أو إعجازه وما إلى ذلك من التعابير التي تبين عن مدافعة حضارية ما؛ بمعنى كون المصطلح المساق هنا لا يعدو مجرد توليد علمي ينسجم والتطور الحاصل في العلوم اللغوية اليوم، يبين قدرتها على المواءمة مع الاقتضاءات المتجددة لبنى اللغة/الثقافة حتى لا تنسلخ تماما عن صبغياتها، أو أن تصاب بالجمود ودون أن تساير الركب العلمي[26].
إن المقصود هو أن المقاربة المزمع تنزيلها على القرآن، هي ذات منحى دلالي، سيطبق فيها منهج "التحليل الدلالي أو المفهومي لمادة مستمدة من المعجم القرآني"[27]، فالقرآن كما تقبل مقاربات عدة داخل العمل التراثي الضخم الموروث عبر المدارس التفسيرية، سواء في اعتمادها الأثر، أو الفقه، أو الكلام، أو الأشاري، أو اللغوي ..ألخ، يؤكد خاصيته المنفتحة على وجهات نظر عدة تتساوى كلها في الأهمية، إن لم نقل تعكس في تكاملها صورة مركبة تحمل الكثير من أبعاد رؤية القرآن للعالم وللوجود.
لهذا فغاية المنهج المذكور إذن، حسب المعنى الذي أدرجناه سابقا لعلم الدلالة عند إيزوتسو، هو "كيفية تبنين عالم الوجود في منظور هذا الكتاب"[28] - أي القرآن - لهذا، فالانشغال التام حسب مشروع الرجل سينصب على دراسة المفاهيم الكبرى التي يُعتقد أن لها الدور الأبرز في تحديد معالم هذه الرؤية القرآنية للكون[29]. وهي منهجية علمية يؤكد (برتيل مالبرج) معقوليتها في إطار توافقه مع هذه الرؤية، إذ أنه من المعقول أن ينصب تفكيرنا على دراسة المفاهيم والعلاقات القائمة بينها، مما ترحل إلينا عبر التاريخ محملا بالكثير من رؤى العالم الخاصة بنا والتي ورثناها عن طريق اللغة[30].
- يجمع جل الباحثين ـ ودون مبالغة في ذلك ـ على عناية علم الدلالة بالدراسة لموضوع أوحد هو المعنى لغويا، رغم أن الدلالة قد تطال جوانب عديدة غير لغوية. كما يتفقون أيضا على الصعوبة والتعقيد البالغ الذي يشكله تحديد هذا العلم تبعا لتعقد تحديد موضوعه، وقد صنف كلود جيرمان هذه المعضلة التي تجابه الباحثين في التالي:
ü عدم قابلية المصطلح للتحديد بدقة.
ü تناول المصطلح ضمن تخصصات مختلفة[31].
ويرجع هذا التعقيد الذي يعرفه تحديد علم الدلالة في دراسته للمعنى، في كونه أقل جوانب علم اللغة قابلية للمعالجة العلمية على أسس إمبريقية صارمة[32]، ولذلك وصف بلومفيلد هذه النقطة بـ "رؤية يائسة"، حينما قال: "تعيين المعاني هو النقطة الأضعف في الدراسة اللغوية"[33]، حيث إن موطن الضعف هذا شكل دافعا لانفتاح هذا العلم أكثر على التخصصات المختلفة، نظرا لاحتياجه لمعارف فوق لغوية علها تستطيع مقاربة المعنى ومحاولة تفسيره، ما حدا بالعديدين لاعتبار ذلك التوظيف خارجا عن ميدان علم الدلالة، ناسجا لحقل قد تسبغ عليه مسميات كثيرة، دون أن تعني علمية المجال أو اقترانه بعلم الدلالة[34].
إذن فالمعاني[35] التي لا يستقر لها قرار، لاعتمادها على مجال تداولي من المتكلمين والسامعين والسياق، يتحكمون في رسم معالم المعنى، فالمعنى وليد تعالق ذاتي وخارجي، يمكن أن نوصفه بالذاتي ضمن النص والبنية والنظام وما تمثله هذه المراجع من اختلاف ومدى تأثيرها في تشكل المعنى، أما خارجيا فالمسألة تتداخلها حينا جوانب لغوية وحينا آخر جوانب الفوق لغوي من رؤى ومخيال ونفسيات ... ألخ، مما هو أقرب لميادين علم النفس المعرفية منه إلى الألسنية[36].
لذلك، فعلم دلالة القرآن حسب إيزوتسو انسجام معرفي وهذه المداخل الابستمولوجية، حيث هو رؤية للعالم تحتملها لغة القرآن "العربية"، وهو رؤية للعالم تفترضها بنية المعرفة في تركيبيتها داخل القرآن باعتباره "نص"، وهي رؤية للعالم تفترضها كذلك بنية تفكير القارئ وموضعيات رؤاه.
* نشرت هذه المادة في مجلة "ألباب"، العدد 6، صيف 2015، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث.
[1] توشيهيكو إيزوتسو. الله والإنسان في القرآن. علم دلالة الرؤية القرآنية للعالم. ترجمة وتقديم د هلال محمد الجهاد. مركز دراسات الوحدة العربية.ط1. بيروت. 2007م. ص 32
[2] جفري سامبسون. المدارس اللغوية. التطور والصراع. ت أحمد نعيم الكراعين. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. بيروت. ط1. 1993م. ص 83. ويحيل الباحث إيزوتسو إلى البروفيسور (ليو فيسجيربر) من جامعة بون، والذي يعود له الفضل إلى جانب العلمين الأمريكيين المذكورين في تشكيل فكرة أن علم الدلالة نوع من "علم الرؤية للعالم". أنظر: الله والإنسان في القرآن. مرجع سابق. ص 33. وللإطلاع على هذه النظرية عند روادها الأوائل سواء سابير أو وورف، يمكن الإطلاع على:
- Sapir, Eduard. 1921. Language, New York. Harcourt.
- Sapir, Eduard. Language and Environment. American Anthropologist, New series, Vol. 14, No. 2(Apr. Jun., 1912), pp. 226-242. by Blackwell Publishing.
- Sapir, Eduard. Language as a form of behavior. The English Journal. Vol. 16, No. 6 (Jun., 1927), pp. 421-433. by National concil of teachers of English.
وحول فرضيتهما يمكن الاطلاع على الدراسة التالية:
- What is the Sapir-Whorf Hypothesis?, Paul Kay and Willett. New series, Vol. 86, No. 1 (Mar., 1984), pp. 65-79. By Blackwell publishing.
ويمكن اعتماد مقالة ستانلي ناومان حول سابير:
- Eduard Sapir (1884-1939). Stanley, Nawman. Enternational Journal of American Linguistics; Vol. So, No. 4(oct., 1984), pp. 355-357. By The University of chicago Press.
[3] عبدالرزاق الدواي. مجتمع المعرفة، معالم رؤية تكنولوجية جديدة للعالم. مجلة عالم الفكر. العدد 3 المجلد 40. يناير- مارس 2012. ص 96
[4] عبدالرزاق الدواي. مجتمع المعرفة. مرجع سابق. ص 96. وحسب تصور تركيبي لعلاقة الإنسان بالعالم وأشيائه وأحداثه ..الخ، نجد مقاربة هايدغر التي تعتبر الإنسان فاعلا لأنه مرتبط بفواعل إنسانية أخرى وبالعالم المادي، هذه العلاقة أساسية لأنها تجعل من العالم ليس ذلك المعطى الخارجي عنا، يدرس عقليا وتأمليا فحسب، بل المسالة أعقد مما نتصور، إذ لا نقوم بعزل العالم لنتأمله، وإنما بمفهمه باعتبارنا عنصرافيه، وفواعل لا تنفصل عن مواضيعه، ولهذا لا تتوقف الدلالة فيما نصوره عن التولد المستمر. انظر أحمد الوردني، نظرية المعنى بين التوصيف والتعديل والنقد. مركز النشر الجامعي. مركز النشر الجماعي. 2007. ص ص 151- 145
[5] جفري سامبسون. المدارس اللغوية. مرجع سابق. حيث توافقت مع نسبية "فرانس بوس" (Frans Boas)(1858-1942) واختلفت مع الاتجاه السلوكي عند "ليو بلومفيلد" واتجاهه العلمي الصارم. ص 84. ويعتبر "بوس" و"إدوارد سابير" (Edward Sapir)(1884-1939) امتدادا لأفكار همبولت. كما واشتراكهما كذلك "في التعاون والارتباط القوي بين الانتروبولوجيا وعلم اللغة في الجامعات الامريكية" .أنظر: ر.ه. روبنز. موجز تاريخ العلم (في الغرب). ت أحمد عوض. سلسلة عالم المعرفة.الكويت.227. 1997م. ص 334. وللاطلاع بنوع من التوسع على أفكار كل من سابير وورف أنظر، أعلام الفكر اللغوي، التقليد الغربي في القرن العشرين. جون إي جوزيف. نايجل لف. تولبت جي تيلر. ت أحمد شاكر الكلابي. دار الكتاب الجديد المتحدة. ج 2. 2006
[6] "يرى همبولت أن اللغة عمل إبداعي ينطوي على الفعل، وليس شيئا يفعل". روي هاريس وتولبت جي تيلر. أعلام الفكر اللغوي. التقليد الغربي من سقراط إلى سوسير. ج1. ت أحمد شاكر الكلابي. دار الكتاب الجديد المتحدة. ط1. 2004م. ص 228. ولمزيد التوسع في نظرية وأفكار هذا العامل يرجع إلى الفصل الثاني عشر ضمن هذا الكتاب والمخصص لأفكار هذا الأخير وطروحاته. يقدم طه عبدالرحمن نقدا للنسبية اللغوية عند (همبولت) و(وورف) و(كواين) باعتبارها "تجعل من الألسن عبارة عن أنساق (متوحدة) لا صلة لرموز الواحد منها برموز الآخر، ولا تواصل بين = مستعملي الأولى ومستعملي الثانية؛ لذا، صح عندنا أن نسميها ب (النسبية اللغوية المنغلقة)". طه عبدالرحمن. فقه الفلسفة -1- الفلسفة والترجمة. المركز الثقافي العربي. ط1. 1995. ص 145
[7] أحمد مومن. اللسانيات النشأة والتطور. مرجع سابق. ص 60
[8] يمكن الإطلاع على الدراسة الهامة لريشارد هاندلر حول موقف سابير النقدي من الرومانسية والفردانية الأمريكية:
- Anti-Romantic Romanticism: Edward Sapir and the critique of American Indivdualism. Richard Handler. Anthropological Quarterly, Vol. 61, No. 4, culture theory and cultural crticism in boasian anthropology (oct, 1988), pp. 1-13. By the George Washington University Institute for. Ethnographic research.
[9] مصطفى غلفان. في اللسانيات العامة. دار الكتاب الجديد المتحدة. بيروت لبنان. ط1. ص 59
[10] نفسه. ص 57
[11] والمقصود بـ "المفاهيم المركزية" تلك الفكرة الأساسية التي يتم تكونها لدى الباحث بعد أن قام بالأجرأة المطلوبة منهجيا، أي بعد دراسة المفردات في سياقها الاجتماعي والثقافي، وتحديد "النواة الحقيقية لبنيتها الدلالية"، والتي تعني تلك الفكرة الضامة لمجموع صور وروردها وتمظهرها داخل سياقات استعمالية مختلفة. ثم وبعد دراستها داخل السياق الخاص القرآني، تتكون لدينا فكرة مركزية مقابلة للمفردة داخل النص. والتي تعني بعبارة أخرى ولادة مفهوم يحمل دلالات جديدة مرتبطة بالنص وحده. وتشكلها كمفوم تعني أنها تمثل وعيا ومفهمة وتصورا معينا يتطابق وبنية النص المفاهيمية في كليتها، تلك البنية التي تقدم لنا مجتمعة صورة عن العالم.سنتعرف على هذا المفهوم بتفصيل أكبر في الفصول اللاحقة. أنظر: توشيهيكو إيزوتسو. المفهومات الاخلاقية-الدينية في القرآن. ت، عيسى علي العاكوب. ط1. دار الملتقى، حلب، سوريا. 2008م.. ص ص 94- 104.
[12] يعرف ايزوتسو التحليل الدلالي بكونه "ليس تحليلا بسيطا للبنية الشكلية لكلمة ما، [...]إن التحليل الدلالي في تصورنا شيئ يعتزم الذهاب بعيدا وراء ذلك، ويسعى أن يكون علما للثقافة" أنظر توشيهيكو إيزوتسو. الله والإنسان في القرآن. علم دلالة الرؤية القرآنية للعالم. ترجمة هلال محمد جهاد. المنظمة العربية للترجمة. مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت. ط1. 2007. ص 51
[13] توشيهيكو إيزوتسو. المفهومات الأخلاقية. مرجع سابق. ص 82
[14] وهو في ذلك يتوافق مع فكرة "الوضع القرآني الخاص" عند أبو القاسم حاج حمد في مشروعه الفكري. والذي ترد لديه الفكرة قريبة مما ورد عند إيزوتسو، وإن اختلفت مقدمات البحث المنهجية عند كل منهما. دون أن نغفل التنبيه على سمة عدم الوضوح المنهجي في مشروع الحاج حمد، سواء في كتابه "عالمية الإسلام الثانية"، أو كتابه "منهجية القرآن المعرفية". ولايفوتنا التلميح أيضا لكون كلمة "الجاهلي" هنا، لا نبتغي منها تلك الحمولة السلبية المطلقة التي ألصقت بالمجتمعات العربية في مرحلة ما قبل الإسلام. ولكن نروم منها ذلك التمايز الدلالي فحسب، المفارق لما جاء به النص القرآني .
[15] لابد من استرعاء "التمييز بين الدلالة Signification والقيمة Valeur. إن دلالة العنصر اللغوي هي مدخله المعجمي، أي معناه المحايد المسجل في المعجم، وهو معنى موضوعي يوجد باستقلال عن كل سياق لغوي وعن كل استعمال فعلي لهذا العنصر في علاقته مع عناصر أخرى. أما القيمة فهي الدلالة التي يكتسبها هذا لعنصر أو ذاك في= سياق معين من خلال طبيعة ونوعية العلاقات التي تجمعه بغيره من العناصر." مصطفى غلفان. في اللسانيات العامة. مرجع سابق. ص 262
[16] إيزوتسو توشيهيكو. الله والإنسان في القرآن. مرجع سابق. ص 76
[17] محمد غاليم. التوليد الدلالي في البلاغة والمعجم. دار توبقال للنشر. الدار البيضاء المغرب.ط 1. 1987م. ص 171
[18] هنالك التقاسيم التي يمكن وسمها بالكلاسيكية، من مثل الحركة، والزمن، والإدراك، واللون، والملكية والتعيين ..الخ، ويمكن لهذه السمات أو الخصائص سواء إدراكية أو لغوية، أن تتوافق وبناها التصورية، لكن دون أن تعبر عن الدقة التامة أو تبلغها، لأن عدم صرامتها في التحدد تابع لعدم الوضوح التام في الدلالة بالدقة الكافية، ونقصد أي عدم توافقها ومبدأ: نعم أو لا، وإنما مجال الدلالة يبقى رهينا بالبنى الإدراكية واللغوية. للتفصيل أكثر انظر: محمد غاليم. المعنى والتوافق، مبادئ لتأصيل البحث الدلالي العربي. سلسلة أبحاث وأطروحات. منشورات معهد الدراسات والأبحاث للتعريب بالرباط. مارس 1999. ص248 .250. 252
[19] محمد غاليم. المعنى والتوافق. مرجع سابق. ص 67
[20] توشيهيكو إيزوتسو. الله والإنسان في القرآن. مرجع سابق. ص 59
[21] توشيهيكو إيزوتسو. الله والإنسان. مرجع سابق. ص 67. واضح هنا إعتماد إيزوتسو على ما كان قد اسماه وورف بـ "الأنماط الخفية" والتي تفسر بالدور الذي تلعبه اللغة دون وعي منا في صوغ الكثير من أفكارنا، أي تجاوز الاعتقاد الكلاسيكي الذي يتصور اللغة معبرا عن الأفكار، إن اللغة والفكر هنا، تماهيان يؤثر كل منهما في الآخر. لمزيد من التفصيل أنظر: جون إي جوزيف- نايجل لف- تولبت جي تيلر. أعلام الفكر اللغوي. مرجع سابق. ص 85
[22] أنظر مقدمة المُراجِع لكتاب "الله والإنسان"، المفكر فضل الرحمان. وهي مما تُرجم في النسخة العربية كذلك، حسب ترجمة محمد جلال جهاد.
[23] منذر عياشي. اللسانيات والدلالة: الكلمة. دراسات لغوية. مركز الإنماء الحضاري. ط1. 1996. ص ص 31-32. دون أن ننفي هذا الاختلاط بتاتا، وإلا فإنا نخالف ما سبق وأقرته المباحث المفهومية، والتي كان من أبرز خلاصاتها؛ ذلك الفصل المستحيل للذات الدارسة أو المبدعة عن مادة درسها وإبداعها، في أشكال نستطيع تفسير البعض منها، دون أن نستطيع تفسير البعض الآخر في عفويته. وقريب من هذا المعنى، ما عبر عنه "همبولت" بالقول: "اللغة، عالم موجود بين العالم الخارجي، والعالم الذي يتفاعل داخلنا". رفيق البوحسيني. معالم نظرية للفكر اللغوي العربي، مقاربة ابيستمولوجية، المزهر نموذجا. افريقيا الشرق. 2013. ص 32
[24] لعل هذا النوع من المقاربة، وهذا النوع من التنزيل لعلم الدلالة، كان العامل الأساس في تجسير العلاقة بين دراسات إيزوتسو والقارئ الإسلامي، دون أن نغفل دور الترجمة في ذلك. لكن الأهمية تكمن أساسا في الانعتاق من إسار الإيديولوجي والمحاولة ما أمكن تقديم قراءة علم – لغوية، وقراءة معرفية، بعيدة عن الحسابات اللامعرفية.
[25] التسمية من وضع الباحث إيزوتسو في كتابه الله والإنسان، وقد اقتبسناها لأهمية إيرادها في متن هذه الدراسة، ولما تلعبه من دور في إيضاح الرؤية والمنهج التطبيقي الذي يروم الباحث إجراءهما على القرآن الكريم ثانيا. أنظر. أيزوتسو. الله والأنسان في القرآن. مرجع سابق. ص 29- 30- 31- 32
[26] عبد السلام المسدي.مباحث تأسيسية في اللسانيات. دار الكتاب الجديد المتحدة. بيروت لبنان. ط1. 2010. ص 49
[27] توشيهيكو إيزوتسو. الله والإنسان في القرآن. مرجع سابق. ص 30
[28] نفسه. ص 32
[29] توشيهيكو إيزوتسو. الله والإنسان. مرجع سابق. ص 33
[30] برتيل مالبرج. مدخل إلى اللسانيات. ت السيد عبد الظاهر. مراجعة وتقديم صبري التهامي. المركز القومي للترجمة. القاهرة. ط1. 2010. ص 222. دون أن يعني ذلك انكفاء على الوجه التارخي من حيث تحميله المفردات الكثير من حمولات الوعي التاريخي للمفردات ومعانيها حول الوجود والوعي به. بينما المنحى التاريخي في الدراسة لا يعدو تقابلا متوازيا من حيث الأهمية والوجه الآني إن لم نقل بنوع أكبر من الأهمية - حسب التحليل الدلالي المعمل عند إيزوتسو هنا- للمنحى الآني في تجاوزه للمنحى السابق، لكن دون استغنائهما عن التكامل المنهجي والضروري بينهما.
[31] كلود جيرمان – ريمون لوبلون. علم الدلالة. ت نور الهدى لوشن. دامعة قاريونس. بنغازي. ط1. 1997 م. أنظر ص 19- 20- 21- 22- 23
[32] ر.ه. روبنز. موجز تاريخ العلم (في الغرب). ت أحمد عوض. سلسلة عالم المعرفة.الكويت.227. 1997م. ص 342
[33] نفسه. ص 342
[34] نفسه. ص 362
[35] للتوسع في العوامل التي تؤطر تشكل المعنى، أنظر: المعنى وتشكله. (الجزء الأول). أعمال الندوة الملتئمة بكلية الآداب منوبة. في 17-18 و19 نوفمبر 1994. تكرريما للأستاذ عبدالقادر المهيري. تنسيق المنصف عاشور. منشورات كلية الآداب. منوبة. 2003
[36] نسيم عون. الألسنية. مرجع سابق. ص 148