في التثاقف ومسلوبيته: قراءة في إكراهات التواصل الحضاري وموانعه
فئة : مقالات
في التثاقف ومسلوبيته: قراءة في إكراهات التواصل الحضاري وموانعه
مدخل:
تتأسس حياة الإنسان، حسب أدبيات الفكر، على منظومات قيمية ومعرفية ومنهجية، تعد ترجمة واعية مقصودة لتساؤلات الواقع وما يفرضه على وعي البشر من تحديات وإكراهات، فيعمدون إلى الإجابة عن تلكم التساؤلات بوحي من تفاعلاتهم مع العناصر الأساسية التي شكلت وجودهم التاريخي، من مرجعيات عقدية، وإبداعات فكرية ومنهجية وفنية وقانونية سالفة؛ أي إنها تفاعلهم مع جُماع ما يحمل وعيهم إزاء الحياة وتقلباتها، وهنا ينشأ فهم خاص، ويتولد سلوك متفرد، وانتظام حياتي يعكس رؤيتهم ويلخص تجاربهم، وهذا ما يمكننا نعته بالثقافة. وتعني الثقافة فيما تعني تفاعلات خلاقة مع الوجود العام، بتصميمات مستقاة من معطيات الواقع في شكليه؛ الحاضر واقعًا، والمأمول طرحًا بديلاً وأفقًا مستقبليًا مرادًا، ويتم ذلك كله بهداية متجاوزة تخطط للإنسان منطلقاته، وترسم له منعرجات والتواءات المسير، وتضبط فعله وحركته إلى نهايات تشده وتستحثه على الخطو والحراك الذي لا يخور ولا ينقطع. وتتمايز الأمم، بناء على ما تقدم، حسب نوع المنطلقات التي تتخذها لنفسها، تجاوبًا مع النهايات والغايات التي تسعى لبلوغها.
وزيادة في الإمعان نشير إلى أن المجتمعات الخالية من الأحوال المنتظمة والقيم الهادية المسددة، فإنها تكون عرضة لتداخل الموجهات وتضاربها، فينتهي بها الوضع إلى الاختلاط والتضارب، والضعف والتراجع داخليًا، وإلى الاستسلام والتقليد خارجيًا، فهو لا يملك شكل حياة ولا نظام لها، باعتبار الذات والخصوصية، ولا يحوز النموذج المميز قبالة ما للآخر من الميزات عينها، فيقال: أحدهما لا يملك الثقافة ولا مقوماتها، ويفتقر تاليًا إلى مكونات الهوية ومفرداتها، والمتفوق عليه يملي ذاته، ويتخارج بها بعيدًا عن نطاق الخصوصية، بزعم الهيمنة مرة، وبدعوى نقل التفوق والتحضر للآخر الهمجي الرجعي مرة أخرى. فيتنمط الوجود، قياسًا في رؤيتين، وفهمين، ونظامين، وممارستين، و... إلخ، بين جهة ترى نفسها الأفضل، وينبغي أن يكون العالم مشابهًا لها، في ظاهر الأمر، على أقل تقدير، وأخرى مُتَلَمْلِمَة الكيان متململتُه، تعمل للبناء والتنمية، متصارعة مرة، ومهادنة أخرى، تناجز ليكون لها موضع قدم، فيسمح للمكرر المستنسخ، ويمنع المخالف المناوئ، أو المستقل المباين، فتستحيل أوضاع الدنيا، إلى تنابذات وتجاذبات، بين مركز وهامش، وقوة ومجال، ومنتج ومستهلك، مهيمن ومتربص، في ثنائية تتعالج، فتصبح دوامة، يعسر الخروج منها، إلا في اتجاه رؤية وجودية، متأسسة على التنوع والاختلاف، مبدأً ومنطلقًا، وممارسةً وعملاً، وتنظيمًا وحكمًا، ومساهمةً وإضافةً، وغايةً ونُشدانًا.
ويمكن أن نقرر بادئ الأمر أن شكل العلاقات الإنسانية، أو التثاقف، في نطاق الطرح الأول هو المسلوبية والاغتراب عن الهوية والذات، تخارجًا ودمجًا وإكراهًا، وثانيهما يعمل ضمن مبررات التنوع والتعايش في أفق التعارف المعقول، أو معقولية التعارف، وهذا ما كنا قد عرضنا له في دراسة سابقة. وهنا تعن لنا جملة من التساؤلات المهمة، منها: ماذا نعني بالتثاقف؟ وما حقيقته معرفيًا ومنهجيًا؟ وما هي نهاياته؟ ومالفرق بينه وبين الحوار؟ وكيف يكون في أرض التنابذ والتدابر؟ وما مبررات ذلك؟ وما هو مردوده ومفعوله في سياق التفاهم وتبادل الاعتراف؟
في حقيقة المثاقفة وماهية التثاقف:
يظهر، بالنظر إلى مسمى العنوان الفرعي الأول، أن العلاقات الثقافية تسمى "مثاقفة" مرةً، و"تثاقف" مرةً أخرى، فما جوهر التمايز بينهما؟ نقول ابتداءً إن بينهما تمايز المصدر والفاعلية، أي منبثق الحالة وواضعها، وأعني به المثاقفة سليلة الثقافة، والتثاقف الفاعلية الساعية إلى تجسيدها. ومصدر كليهما هو الثقافة، لذا من اللازم المرور بمعاني المصطلحات الثلاثة، وإن باقتضاب:
أ- الثقافة:
عادة ما يشار إلى الثقافة على أنها نظرية في المعرفة، خلطًا بينها وبين العلم، في حين أنها أوسع منه دلالة وأوفى تعبيرًا، خاصة إذا أخذنا في الحسبان، بقاءها عند ذهاب ظاهر العلم وتفاصيله، وهنا يعطي الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي (1905/1973) فهمًا للثقافة يتسم بالعمق، يرتقي لأن يكون نظرية للتغيير والتنمية.
ليست هي نظرية في المعرفة فقط، بل هي فلسفة الإنسان، وفلسفة المجتمع، وفلسفة السلوك، وتعد لشمولها مشروعًا للتربية والشكل العام للحياة، تصورًا وتمثلاً، وممارسةً وحركةً، فهي "العلاقة المتبادلة، التي تحدد السلوك الاجتماعي لدى الفرد، بأسلوب الحياة في المجتمع، كما تحدد أسلوب الحياة بسلوك الفرد".([1])
فالثقافة محيط يتلقى الأفراد في إطاره هوياتهم، وطريقة تفكيرهم، ونمط معيشتهم، بالارتباط مع نسق القيم الاجتماعي، المنبثق بدوره من مصدرية تصورية متجاوزة، وبذلك يترابط وعي الناس إزاء الحياة، وإن تفاوت مستواهم الحياتي، ودرجاتهم العلمية؛ فـ "الخليفة المسلم، والراعي المسلم، يتصفان بسلوك واحد، لأن جذور شخصيتهما تغور في أرض واحدة، هي المجال الروحي للثقافة الإسلامية، والطبيب الإنجليزي والطبيب المسلم، يختلف سلوكهما، لأن جذورهما لا تغوص في أرض واحدة، على الرغم من أن تكوينهما تم في إطار منهجي واحد".([2]) وهنا نقر حقيقة مفهومية مفصلية، وهي أن الثقافة لا تتكرر، ولا تنتقل، وإن غادرت أرضها ومنبتها، فهي تموت حتمًا، باعتبار أصل التكون، وعوامل الصيرورة، وإلحاحات المآلات، ويتضح الفهم المقرر، إذا نظرنا إلى الثقافة على أنها: "الجو المشتمل على أشياء ظاهرة، مثل الأوزان والألحان والحركات، وعلى أشياء باطنة كالأذواق والعادات والتقاليد، بمعنى أنها الجو العام الذي يطبع أسلوب الحياة في مجتمع معين وسلوك معين، وسلوك الفرد فيه بطابع خاص، يختلف عن الطابع الذي نجده في مجتمع آخر".([3])
فالخصوصية من أجلى خصائص الثقافة وألصقها بمفهومها، غير العلم، الذي قد يتسم بنوع من العمومية والكلية، والاشتراك الإنساني العام فيه، وإن أُخذ الأمر بنظر حذر،لا يستعجل التقريرات، ولا يفضي تحليلنا إلى نتيجة تجعلنا نرى الثقافة سياقًا ذاتيًا، تولد عبر مكابدات متواصلة، مع البيئة، بلازماتها الكونية والبشرية، بالإضافة إلى توافر المنظومات القيمية المتجاوزة عند بعض المجتمعات، مما يجعل التفرد، والتميز، والاستقلال، سمت الثقافة في معناها، فما ظنك بمبناها.
ولا يزعمن مقلد أن الثقافة ربيبة العلم وملازمته مطلقا، إذ نسبية الصلة لا تكون من جهة شروط ضمان نشأة العلم وتطوره، أما أن يؤخذ بملحقاته المعنوية والرؤيوية، فهذا من الخطورة بمكان، وبالقدر المفضي إلى التقليد الأعمى المهلك.."..إن السلوك الاجتماعي للفرد خاضع لأشياء أعم من المعرفة، وأوثق صلة بالشخصية منها بجمع المعلومات، وهذه هي الثقافة التي تعني مجموعة من الصفات الخلقية، والقيم الاجتماعية، التي تؤثر في الفرد منذ ولادته، وتصبح لا شعوريا، العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه".([4])
تشمل الثقافة في هذا المنظور بعدين أساسين يكونان الحياة، هما؛ محيط يؤثر في الفرد، وفي تكوين عوالمه المعرفية، والروحية، والسلوكية، والإنجازية، والخبراتية، من ناحية، ومن ناحية ثانية، هي الصلة التي تنبع من الفرد تجاه مجتمعه، وتجاه الكون والحياة، والتاريخ، بصفة أشمل وأعمق. إن ما يثيرنا في التحديد السالف، أن الأفراد كما يتلقون من الطبيعة عناصر وجودية، تحفظ استمرارهم، بيولوجيًا وفيزيائيًا، فكذلك يأخذون من المجتمع لغتهم، وقوالب إدراكهم للحياة، وأشكال تفاعلهم معها وهكذا، والعلاقات المتنوعة الملمح إليها، ما هي سوى "علاقات ثقافية، أعني أنها خاضعة لأصول ثقافة معينة، إذ قلنا: إن الثقافة هي المحيط الذي يصوغ كيان الفرد، كما أنها مجموع من القواعد الأخلاقية والجمالية".([5]) وتدور العلاقات وتنشد في إطار الأخلاقية والمعنوية في طبيعة الارتباطات، والجمالية للمسحة الشكلانية في وجه العلاقة، فالثقافة أخلاقية وجمالية، تعطي للحياة عمقها القيمي، أخلاقيًا، وظاهرها القيمي، جماليًا...إلخ.
وإمعانًا في الدقة، نزيد القول تأكيدًا على أن شكل المجتمعات، ووجه الحضارات وقلبها، لا تعطيه إلا الثقافة، وتاليًا التثاقف وسيلةَ تواصل، لكن من غير العدل تعميم الخصوصية، بدعوى الكوننة، أو العولمة، أو ما شئت من التوصيفات والنعوت، خاصة إذا وضعنا في حسباننا نظريًا ما قيل سابقًا، وتأكيدًا إن الثقافة "بيئة مكونة من الألوان والأصوات، والأشكال والحركات والأشياء المأنوسة، والمناظر والصور، والأفكار المتفشية، في كل اتجاه... صورة خيالية... تمارس مفعولها على الراعي وعلى العالم بالسواء، وهي الوسط الذي يتشكل داخله الكيان النفسي للفرد، بالصورة نفسها التي يقيم بها تشكل كيانه العضوي داخل المجال الحيوي الذي ينتظمه".([6])
تحدد التعريفات التي أوردناها، على اقتضابها، مفهوم الثقافة في صورة تعكس حضارة ما، يتحرك في نطاقها الإنسان المتحضر، ويسلك وفقها، في جدلية فردية جماعية، لا تلغي الواحد لحساب الآخر والعكس صحيح، في انساجم تحدثه الدفعات الروحية المتتالية، المأخوذة من مرجعية الجماعة الإنسانية، حينما يؤذن فجر حضارة جديدة.
يقول محمد عابد الجابري، إننا نقصد بـ "الثقافة" هنا: ذلك المركب المتجانس من الذكريات والتصورات والقيم والرموز والتعبيرات والإبداعات والتطلعات التي تحتفظ لجماعة بشرية، تشكل أمة أو ما في معناها، بهويتها الحضارية، في إطار ما تعرفه من تطورات بفعل ديناميتها الداخلية وقابليتها للتواصل والأخذ والعطاء. إن الثقافة، بعبارة أخرى، هي "المعبر الأصيل عن الخصوصية التاريخية لأمة من الأمم، عن نظرة هذه الأمة إلى الكون والحياة والموت والإنسان ومهامه وقدراته وحدوده، وما ينبغي أن يعمل وما لا ينبغي أن يأمل".([7]) ويظهر طابع الخصوصية مرة أخرى في التعريف الوارد، وهذا ما نوظفه فيما بعد في ضبط مفهوم التثاقف، وتعيين حدوده خاصة، رفعًا للإشكالات العالقة، وجوابًا عن التساؤلات المطروحة.
ب- المثاقفة والتثاقف:
يظهر من الاشتقاق اللغوي للمصطلحين، المصدرية والفاعلية، ضرورة الإشارة إلى أهمية التفريق في الاستعمالين، بين مستوى الحالة القارة، المنبئة عن شكل صلات وعلاقات بين مجتمعات مختلفة، وبين تفعيل تلك العلاقة والإثمار منها، فليس كل من صور العلاقة أفاد بوجودها، فكم من توصيفات أظهرت العلاقات الثقافية بين المجتمعات الإنسانية، لكن من جهة واحدة فقط، مما يجعل مفهوم المثاقفة لا يصلح للاستعمال نموذجًا للتفسير والفهم لظاهرة التنوعات الثقافية والصلات بينها، غير الحال نسبة إلى التثاقف الذي يحمل في جوانبه نوعًا من الحضور والاستقلال والغيرية، وداعي التواصل يعود إلى كون المجتمعات كثيرة عديدة، وليست متراصة في أبنية تاريخية واحدة، متدامجة ذائبة، لا تكاد تستبين من ثناياها، الأصل والفرع، أو المركز والهامش، أو في أبلغ تقدير، ذات وأخرى.
ومن هنا تكون المثاقفة هي: حالة ووضعية وأفق من الصلات والعلاقات الثقافية بين أبناء المجتمع الواحد، وبين المجتمعات المختلفة، وبتعبير أوفى بين الكيانات الثقافية والحضارية العديدة، باعتبار تباين الكيانات المشار إليها واختلافها، بقصد التعرف والفهم، من أجل الاقتراب المتبادل، تبعًا لمقصد كل جهة من العلاقة الأولى ومحركاتها، بمعنى التعرف للتعارف، والفهم لإعادة الصياغة والتشكيل، أو الاقتراب للسيطرة والتعدي... إلخ، وهذا ما يجعل المثاقفة وضعية ساكنة تخلو من الحراك القائم على التغذية المتبادلة، وتتلافى السير في اتجاه واحد، فهمًا وحكمًا وصلةً. ويتضح التحليل أكثر إذا اعتبرنا المثاقفة جُماع الظواهر التي تستبطن الصلات المتنوعة سواء بين الأفراد، أو المجاميع الثقافية التي تنتهي إلى تمايز الأنساق الثقافية، وإن في إطار تفاعلها.
فالمثاقفة نظام عالمي كوني تواصلي، يبغي تهيئة أرض الاطلاع على ما للآخر من عناصر مكونة لذاته، ولشخصيته التاريخية، ورؤية ما له من مميزات هوية، ومفردات تكون، حتى يقدر على الدخول إلى عالمه، والولوج إلى حياته، بقصد الفهم، أو الهيمنة، أو التعرف...الخ، ومن الخطأ حصر مفهوم المثاقفة في نطاق أيجابي فقط، فقد يجاوز إلى توظيفات سلبية، على مستوى التصور، والحركة أيضًا. ومصطلح المثاقفة مليء بطبقات دلالية، تعني الاقتراب مرة، والتميز أخرى، والتبادل الخطي، والمبادلة الرجعية، وتنظر إلى عالم الوعي البشري، بوصفه جزرًا من الثقافات، تجمع ببينها عوامل إنسانية عديدة، تحفز الالتقاء والتكتل في إطار تعاون، وليس وحدة، بقصد القضاء على مشكلات التنمية الحضارية للبشرية، تقليلاً لعوامل الصدام والصراع.
ولا يتبادر إلى الفهم، أن المثاقفة حالة وعملية بسيطة سطحية أفقية، وإنما هي تراكب متدامج، تتدخل في التهيئة لها وتفعيلها والإثمار منها، قوى ضخمة، تبدأ من الحضارات وتنتهي إلى الفرد ذاته، وكيف يتجاوب مع الآخر تبعًا لنظرته إليه؟ ويعتمد على تراكمات نفسية ومعرفية وسياسية واجتماعية متنوعة، مما يجعل السهولة في التعاطي معها تسطيح للعلاقات، واستسهال للعملية التواصلية بين الثقافات والحضارات.ويفيد التغيير الثقافي في تلك الظواهر التي تنشأ حين تدخل جماعات من الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافتين مختلفتين في اتصال مباشر، جراء استعمار، أو رغبة في الحوار ونقل الخبرات، مما يترتب عليه حدوث تغييرات في الأنماط الثقافية الأصلية السائدة في إحدى الجماعتين أو فيهما معًا. "ومن هنا يمكننا القول أيضًا، إن هناك جانبين في الحضارة والثقافة الإنسانية؛ أحدهما الجانب الإنساني العالمي، والجانب الآخر، الجانب القومي، أما الفرق بينهما فهو أن الحضارة القومية حضارة وثقافة انشعابية، فيما تكون الحضارة العالمية حضارة انسيابية".([8])
أما التثاقف، يكون أدخل تعبيرًا في موضوعنا، وأزعم أنه الأغنى في محتواه ودلالته، ليس من ناحية شموليته وعمقه، إنما من زاوية الفعالية والوعي والحضور، فالتثاقف بذلك: شكل من الفعل العالمي، الناجم عن إدراك التميز، والاستقلال الحضاري، لكن مع الرغبة في التعرف على ما عند الآخر، من خصوصيات، تحفظ استمراره، لكن لا تمنعه من تكوين تواصلات واعية حذرة تبغي تبادل الفضائل، والمساعدة على تخطي المشكلات.
ج- الاستلاب، والمسلوبية:
يعد الاستلاب من المفاهيم الملازمة للصلات الثقافية أو التثاقف، وكذلك حالته المسلوبية، ووجهها الثاني الاغتراب؛ بمعنى أن الكيانات المختلفة قد يعمل بعضها على طمس الآخر ومحوه، بقصد الامتداد فيه، وتحويله إلى عنصر ضمن سياق النوع الخاص، وتذويبه في بوتقة الهوية الكلية المزعومة، أو تدجينه، وتركه هائمًا كيفما اتفق، دون التفات إلى خطورة ذلك على المستوى التاريخي للإنسانية جمعاء. وبتعبير أدق؛ فإن المجتمعات الغالبة قد تعمل على استقطاب المجتمعات الأضعف وإدخالها، في دوامة الابتلاع لخصوصيات الآخرين، فينتهي بها الوضع، إلى الذهول عن الذات، والاستحالة إلى الآخر، وإن شكليا، لكن بغير رجعة أو عودة، ونذكر في هذا السياق، ما قرره ابن خلدون732/808 هـ منذ قرون حينما أورد: "في أن المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب، في شعاره وزيه ونحلته، وسائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلك؛ أن النفس أبدًا تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه، إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه، أو لما تغالط به من انقيادها ليس لغلب طبيعي، إنما هو لكمال الغالب، فإذا غالطت بذلك واتصل لها، حصل اعتقادًا، فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به، وذلك هو الاقتداء أو لما تراه، والله أعلم".([9])
وأزعم أن أول محدد لمفهوم الاستلاب والاغتراب، هو ابن خلدون، واستعمل له دالاً هو التقليد، الذي يحضر في ثناياه، الحضور والغياب، والوعي واللاوعي، وهي جدلية الاستلاب مفهوميًا، فهو حضور حال التقليد، وغياب بتقمص الآخر وأخذ عوائده، وهو وعي بقصد إفنائه وإعمائه، ولا وعي؛ لأن من نتائج التلاقي تلاشي الآخر، سعيًا لذاك ورغبة. وهناك جدلية في الصلة بين الاستلاب والاغتراب، فمن أستُلب، اغترب. "فالإنسان الذي استسلم للتقليد، في العادات والأذواق، وبصورة عامة في تقليد ما يكتظ به عالم أشياء شيده غيره، يصبح في المجال النظري مقلدًا للأفكار التي صاغتها تجارب وخبرات غيره"([10]). فمفهوم الاستلاب، جذب الآخرين، إلى شرطيات الخصوصية، والعمل على التدريج والتدقيق، في طمس معالم هوياتهم، ومحوها، واحتوائها، بابتلاعها، بآليات أنتجتها الثقافة الخاصة، ثم إنتاجها وفق مقاييس ذاتية خاصة، تؤول مع الوقت إلى فسخ المستقل، وجعله تكرارًا للمركز وتقليدًا له.
وسعيًا إلى التعميق في الطرح، نوضح مفهوم الاغتراب/ الاستلاب: "في الاستعمال العام يدل اللفظ، في المقام الأول، على الاغتراب النفسي، على الانعزال عن الناس والانطواء على الذات، إلخ، وفي الفلسفة، يعني، أساسًا، غربة الشيء عن جوهره، واكتسابه صورة مناقضة لطبيعته الأصلية، لما يجب أن يكون عليه"([11]). وما يعنينا بصفة أدق، المعنى الفلسفي الذي يفيد، غياب الشيء أو الشخص، عن فضائه الخاص، وتحوله إلى حالة أخرى، غير ما كان عليه، فيفقد الذات ويصير حتى غير الآخر. أما المسلوبية فهي نتاج الاستلاب الواعي، وهي حالة تورث اتباعًا، يأخذ بمجاميع الحياة وبأنظمتها، وفق طريقة الآخر وأسلوبه، وهي تختلف عن الاستلاب، في ضمور الحضور، وقلة الحساسية، واختفاء الوعي شبه التام، لعلة التراكم المورث للإلف، الذي ينتهي إلى إساغة الأمر، وعدم استهجانه، فيصير الوضع الناشئ مألوفًا، تُنظم الحياة وشؤونها على سمته، وكأنه العادي، وكل ما يزايل ذلك من قبيل الخطر المهدد، وإذا شئنا التعرف على منبت المسلوبية، ننظر إلى الاستلاب، ومقابله المسلوب.
فالاستلاب:
وعي+ أدوات = نتيجة مقصودة، أما المسلوبية: نتيجة = لا وعي+ أدوات.
1- منابت المسلوبية ومكونات الاحتواء:
إن مبعث الوجه الأول للعلاقات الثقافية، أو للتثاقف القائم على التغذية الامتصاصية، هو جملة مؤسسات نظرية وعقدية وأيديولوجية، تتشعب وتتشابك فتفرز وضعًا تاريخيًا ونفسيًا خلاصته الاحتواء والمسلوبية؛ أي عقيدة مبعثها تصور للحياة بوجه الانفراد والتفوق على ما عند الآخرين، ويكون التاريخ وصيرورته شكلاً خطيًا يبدأ من عندي وإليه ينتهي، ومعابر فضاءات الآخر فراغات عدمية لا يمكن ردمها، أو إيجاد نوع من التعقل داخلها، فنحن المنبثق ونحن المصب تاليًا.
ومن الآراء التي أُوردها معبرة عما أقصده ما قاله الفيلسوف الألماني المعاصر هانس جيورغ غادامير (1900/2002)، حينما أشار إلى أن الثقافة الغربية، وقدر إنسانها عبر تاريخها، تحدد في أعماق الجذور اليونانية الإغريقية فقط، متناسيًا أن الوعي لا يظهر منبتًا ومعلقًا في فضاء الوجود، بغير عوامل ممهدة، "الثقافات التي ليست لها أصول في الثقافة الإغريقية، بخلاف ثقافتنا، وهذا هو السبب لاهتمامنا بالمراحل الأولى لتطور الفكر الإغريقي. إن مثل هذه الدراسة... تعمق فهمنا لقدرنا الخاص، القدر الذي بدأ على نحو دقيق، كما هو حال الفلسفة والعلم الإغريقيين، في تلك السنوات التي بدأ فيها رسوخ سيطرة اليونان على العالم المتوسطي، سواء في البحر أم في التجارة، وقد تبع ذلك تطور ثقافي سريع".([12]) وعلى العالم أن يتصور منشأ حضارة وكيان ثقافي، باعتبار عوامل تاريخية، وكأنها عدم، انبثق منه الوجود فجأة، ودون مسوغات ظهور انوجدت عند الشرقيين، ليس لأنهم كذلك، وإنما ولد الغرب وثقافته بتفاعلات تلاقحية، وليس مقطوع الوصال ومفصوله، وهذا من مولدات التدابر الثقافي المفضي إلى حالات الاستلاب والمسولبية، فيمتنع الحوار والتثاقف.
ورب مصادرٍ يقول: ما ذنب المصب، إذا كان تَكوّن البدء كذلك؟ نضيف تقريرًا للفيلسوف نفسه يبرهن على ما بدأنا به فهمنا لمنشأ الرؤية الاحتوائية، إذ يقول: "أظن في هذه النقطة التقيد بدقة بحقيقة أن شيئًا ما يمثل بداية وحيدة فيما يتعلق بنهاية أو هدف، وفيما بين هذين الاثنين، البداية والنهاية، يشخص ارتباط غامض، فالبداية تتضمن دائمًا النهاية... والنهاية تحدد البداية..."([13]). فقدر الغرب ثقافيًا التفرد والاستقلال التام الذي لم تتدخل أية حضارة، عبر تاريخ العالم الطويل، في تكوين أو مساعدة أو إسهام فيه، من أي نوع كان.
ولكي يتمكن الغرب من الانكفاء على الذات ثقافيًا، والانغلاق في بوتقة الموروث الخاص الذاتي، عبر تشكلاته المترامية تاريخيًا، من اللازم استصحاب شرط التكون، والعمل على تكوثره باستمرار، وهذا ما أقره مفكر الحضارة الأمريكي صمويل هنتنغتون، في كراسته الصغيرة ذات المغزى الكبير، الغرب متفرد وليس متكررًا، يقول: "إن تعزيز تماسك الغرب، يعني الحفاظ على الحضارة الغربية في داخل الغرب، وتعيين حدود الغرب، ويقتضي الحفاظ على الحضارة الغربية أمورًا، من بينها التحكم في الهجرة في المجتمعات غير الغربية،... وضمان اندماج المهاجرين الذين يسمح بهم في الحضارة الغربية، والاعتراف بالحلف الأطلسي...وأن هدفه الأساسي هو الدفاع عن هذه الحضارة والمحافظة عليها...".([14]) والدول الراغبة في الاندماج في الحضارة الغربية لا يسمح لها، باعتبار وحدة الغرب وتميزه وتفرده، وتركيا ومحاولاتها للدخول إلى الاتحاد الأوروبي خير مؤشر على صدق التحليل، فكيف يتأسس إرهاص قبول الآخر في ظل هذا الوعي وهذه النفسية؟
2- الانكفاء على الذات والتوجس من الآخر:
إن مما يُرْبِي التحليل السالف، ما قاله الفيلسوف الفرنسي المعاصر روجيه غارودي، في كتابه المهم، الإرهاب الغربي بجزئيه، حينما أومأ إلى عمق الوعي المتقنفد على الذات، وجذوره التاريخية العميقة، إذ يقول: "طريق الهيمنة الذي أخذ اليوم اسم العولمة، أضحى ممهدًا جدًا، وهذا الطريق يضرب بجذوره إلى آلاف السنين منذ أسطورة الشعب المختار، التي بررت إبادة الآخرين، حتى الإمبراطورية الرومانية، التي ادعت أنها تضم في حدودها كل العالم المعروف آنذاك، وهذا ما سمته أوروبا بالحضارة، كما لو كان ذلك حكرًا عليها، لكي تعطي الشرعية لاستعباد واستعمار الشعوب الأخرى، أما قادة الولايات المتحدة الأمريكية، فقد جعلوا مهمتهم-التي كلفهم بها القدر- هي قيادة العالم، لإقامة نوع من العولمة، أي نظام وحيد خاضع لما أسماه أحد منظريها بقانون السوق".([15])
فمنطق الأفضلية، والاصطفاء الحصري لخصوصيات عرقية وثقافية، لازمة لوعي الآخر منذ القدم، بمقولات مركزية لا يمكن زحزحتها أو التشكيك فيها، فشعب الله مختار، وإله الجنود يقوده، وأمم الأرض تدلل، ومن امتنع فقوة الرومان وحيلة اليونان وحكمتهم تلزمه، وقدر الوجود أوجب الخصوصية الأبدية، وكل العالم ملك مباح مشاع يمتدون فيه بغير وازع أو مانع، فأين ممهدات الحوار ومسوغاته؟ ولقد أشار نائب مؤسس الولايات المتحدة الأمريكية، جون آدمز إلى قريب من هذا المعنى، إذ يقول: "لن أكف عن الاعتقاد بأن تأسيس أمريكا ليس إلا إرادة للعناية الإلهية، لتعليم وتحرير قطاع كبير من البشرية التي ما تزال تخضع للرق، ويقول: لقد أوجدت العناية الإلهية أمريكا، لتكون مسرحًا يحقق فيه الإنسان مكانته الخاصة".([16]) وإن لم يُوجد الرب أمريكا ما مصير الإنسان في بقية العالم، هل يهلك؟ وتاريخ البشرية قبل عام 1492م كيف كان؟ أي قبل ما يزعمونه، اكتشافًا للعالم الجديد. ومن أراد الحضارة فعليه بنمط الحياة الحقيقية في الرؤية الغربية وممارستها "والتنمية-كما تطلق عليها مجتمعاتنا الغربية المعاصرة- يتم تحديدها وفقًا لمعايير معينة أحادية".([17]) وكل شكل مخالف للحياة مخالف غير إنساني وغير حضاري، بل متوحش.
ولا نفهم كثيرًا مما سيرد في الموضوع من تفاصيل، إن لم نضع وعينا على محك التحليل العميق، الذي يرجع بالأمور إلى مسلماتها، خاصة إذا علمنا أن "الثقافة الغربية المسيطرة، منذ خمسة قرون، والتي تعتبر نفسها المصدر الوحيد الخلاق للقيم، والمحور الفريد للمبادرة التاريخية، تقوم على ثلاث مسلمات للحداثة:
1-مسلمة آدم سميث في العلاقات الإنسانية القائلة: عندما يعمل كل منا في سبيل منفعته الخاصة، فهو بهذا يساهم في تحقيق المنفعة العامة.
2-مسلمة ديكارت في علاقتنا مع الوجود، التي تجعلنا أسياد الطبيعة وملاك الوجود.
3-مسلمة فاوست في علاقتنا المستقبلية، فقد كتب الأديب المسرحي مارلو /1563م/1593م في مسلمة فاوست الأولى: أيها الإنسان، تحول بفضل عقلك القوي إلى إله وإلى سيد ومولى كل عناصر الكون"([18]). ماديها وبشريها، وخذ منه ما تقدر عليه، ولا تأبه للآخرين، فإنهم طوع بنانك، فالغربي سيد العالم بما فيه، وليس في مكنة أحد أن يناقش، فمنفعتنا منفعتهم، فكل الواقع يمر من خلالنا، نحن منتجو الحقيقة، ومعيارها، وإذا أراد الآخرون سبيل النماء، فدربهم نحن، فهم قصر لا يمكلون من أنفسهم، أقل مما نحوزه منهم، وكذلك كل العالم. بهذا ينعدم التثاقف، وإن عملت له قرونًا، باعتبار ذاتية المنطلق والغاية.
3- ازدواج المعايير والمكاييل المائلة:
اعتمد التعامل مع قضايا الإنسانية في رؤية الاحتواء الفارقية المفضوحة، وخذ ما أبرزه الفيلسوف الفلسطيني إدوارد سعيد في تعاطيه مع المسألة الفلسطينية مقابل المسألة اليهودية، وكيف نظر المجتمع الغربي إليهما بمنظار التفاوت الواضح، بزعم أحقية يهودية في أرض فلسطين، التي هي أرض بلا شعب، فـ "بعد إقامة إسرائيل كدولة يهودية في فلسطين؛ فقد حدث، من جديد نوع من إعادة التصنيف والتبويب والفصل لجملة من الأعراق والأقوام والشعوب التي سبق لها أن بدت لدارسي الظاهرة في أوروبا القرنين التاسع عشر والعشرين، إعادة لعملية تجسيد سلسلة الانقسامات التي كانت فيما مضى ملأى بالدماء والقتل، بين ظهراني من كانوا، ذات يوم، كتلة ساكنية، متنوعة متعددة الأعراق للعديد من الشعوب، وفي هذا السياق أقدم الغرب الأطلسي على تبني إسرائيل دوليًا،... وإعاقة تطور، شعوب المنطقة الأصلية غير الأوروبية، أطول مدة ممكنة".([19]) فلم يكفهم أن أعطوا إسرائيل وعدًا بما لا يملكون، بل تجاوزوا ذلك إلى حمايتها، والتنظير لأحقيتها، وخطأ الأغيار في تصورهم للمسألة، وكل الهيئات العالمية ملزمة بالإقرار بمفاد ما فعلوا بمواثيق قانونية عالمية، أو بساعد القوة، وذلك بمنع دول الشرق الأوسط وشعوبها من تكوين كيانات ثقافية وسياسية قوية، إمعانًا في ضمانات البقاء والاستمرار لدولة إسرائيل التي كانت في الأصل بمحتوياتها عبئًا ينبغي التخلص منه، فداعي الاستيطان ليس رؤيويًا، بقدر ما هو استراتيجي.
تتحكم الصورة العامة التي رسمناها في خلاصة ما انتهينا إليه، وهي صورة "لأيديولوجية استيطانية، اقتلعت بعض أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب وغرستهم غرسا في فلسطين، بعد أن استولت عليها وطردت سكانها منها، وقد تمت عملية نقل اليهود باسم شعارات يهودية، مثل... أرض الميعاد... ويساند الكيان الصهيوني كله دولة استعمارية راعية (إنجلترا في البداية والولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحالي)، وهذه الدولة تفعل ذلك، لأن جماعة المستوطين، بغض النظر عن إدراكهم لأنفسهم... هم موضوعيًا جماعة بشرية مملوكية تخدم مصالحه الاستراتجية".([20]) فلا يهم مصادرة الحقائق لحساب المصالح، وتحويل العالم كله إلى أداة استعمالية، حتى يصل الأمر بالرؤية الاحتوائية إلى المتاجرة بآلام الآخرين ومعاناتهم، المهم أن تتحقق الغاية، وإن بليّ عنق التاريخ وحقائقه، وفسر بكيفيات تتوافق والمصالح المشار إليها.
ولو أمعنا الفهم وحاولناه في بداية ما ينعت بالقرن الواحد والعشرين، وكيف فقدت الإنسانية شكل الرشد في علاقاتها الدولية خاصة، سنلاحظ كيف أن فقدان الاتجاه، يورث حالة من العداوات المتغطرسة على الآخرين، ويسلمهم المعتدي إلى وضع من الظلم، والغريب ليس أن يكون الظلم موجودًا، وإنما الأغرب أن تعمد المؤسسات الدولية إلى تبريره، فأضحى الجلاد صاحب حق، والمعتدى عليه ظالمًا، وأبسط تصفح لمقررات مجلس الأمن الدولي يبرز ما قررناه.
فلا يكفي أن تتدعم المجتمعات الإنسانية، في دائرة حاجاتها البيولوجية البحتة، وإنما غذاؤها الروحي أوكد وأبرز، لأنه ضمانة عدم التغطرس والتعدي، فـ "إذا شبعت البطون تبقى الأرواح متطلعة، وحين لا تجد وجهة تتطلع إليها تفضل الاستقالة من الحياة...".([21]) فما الحيرة وجوديًا، إلا فقدان بوصلة التوجيه حياتيًا، فتصبح المجتمعات على المستوى التاريخي متخبطة بين خيارات قاتلة، ومتراوحة بين صور للحياة انتحارية، ومن الأمثلة على ذلك تطبيق رؤى البشر وفهومهم في تصور التاريخ وفاعليته في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ثم تعدي الكيانات الغاصبة على مجتمعات مسالمة، ليس لها خيار إلا أن تدفع ثمن الأخطاء الفكرية والرؤيوية والأخلاقية القاتلة للنظريات البشرية القاصرة ابتداءً، فما بالك أن تكون النظريات البشرية ذات روح استغلالية استكبارية تاليًا.
وإمعانًا في التأسيس نشير إلى آراء بعض كبار فلاسفة الحضارة في الغرب، ومنهم الفيلسوف الألماني آلبرت شفيتسر Albert Siweitzer في سِفْره المهم "فلسفة الحضارة"، إذ يشير في بدايته إلى أننا "نعيش اليوم في ظل انهيار الحضارة، وهذا الوضع ليس نتيجة الحرب، إنما الحرب مجرد مظهر من مظاهره، ولقد تجمد الجو الروحي في وقائع فعلية ينعكس أثرها عليها انعكاسًا له نتائج مدمرة عن كل ناحية، وهذا التفاعل بين ما هو مادي وما هو روحي قد اتخذ طابعًا مقرًا كل الأضرار...".([22]) ورب معترضٍ يقول: ثمة مبالغة في التوصيف المُورد، وإلا كيف تفسرون كل هذا التطور التقني الهائل الذي يلف البسيطة كلها، وتنعم البشرية تحت ظله؟ تتبدد مسوغات السؤال إذا أشرنا إلى أرقام الفقر في العالم، وإلى الهوة السحيقة المفتعلة بين عالم الشمال والجنوب، وبين أجناس العالم، وبين ما يسمى بالدول الكبرى وأخرى بالصغرى. يظهر أبسط قياس مبلغ الحيف والظلم الممارس في حق الإنسان من حيث هو، باسم التقدم والتطور، ففرق بين من تقتله التخمة وآخر يهلكه الجوع، بين من يستهلك 80% من خيرات العالم، وهو لا يشكل إلا عشرين في المئة من سكان الأرض، وبين 80% من سكانها لا يستهلكون إلا 20% من خيراتها، ثم يقال إن الإنسانية الآن تعيش العدالة والرشد العالمي.
يقول جارودي مرة أخرى: "من الواضح لكل ذي عينين أن الحضارة بسبيل الانتحار، وما بقي منها لم يعد في أمان، إنها لا تزال قائمة لأنها لم تتعرض للضغط المدمر الذي طغى على التبعية (هكذا)، لكنها كالبقية بنيت على شفا حرف...، ومن المحتمل أن يجرفها أي انهيار جديد".([23]) فظاهر القوة لا يعني بأية حال أن الأمر كذلك، فلم يسقط الاتحاد السوفياتي إلا بعد أن بلغ أوج قوته.
ويزيد المقصد المعرفي الموضوع وضوحًا، فلسنا بصدد إيفاد التحليل السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي للدلالة على حال الإنسان اليوم، وعجز الصلات الثقافية بين البشر، أو تفاوت مستوياتها بحسب الدوائر الحضارية المختلفة، وإنما المطلوب هو الكشف عما هو أعمق وأدل؛ أعني القصور الإنساني من حيث هو، فالاستغناء بالتعبير القرآني نهاية مؤذية "كلا إنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى".([24])
والإنسان لما جرب طاقاته الذاتية بعيدًا عن الحماية الفوقانية المتجاوزة انتهى به الأمر إلى التشرد وجوديًا، وتجريب كل ما يظن أنه صالح. ولكن للأسف من ضيق لآخر، ومن نكسات تاريخية لأخرى. فالجوع يفتك بملايين الناس، ووكذلك الجهل والاستعباد واغتصاب الحقوق، وثمة عالم للشمال وآخر للجنوب، ومؤسسات يمنع الضعاف من دخولها، أو الاحتماء بلوائحها، والبرمجة للحراك الاقتصادي والمعرفي والسياسي عالميًا. يحدث كل ذلك لأنهم يملكون القوة، وقد قالها فلاسفتهم: من امتلك المعرفة حاز القوة، ومن حاز القوة، صاغ الحقيقة.
4- ثقافة الإمبراطورية وضمور الوازع الإنساني الكوني:
تلك مقولة تحليلية تفسيرية أوردها المفكر الجزائري مالك بن نبي في معرض توصيفه للروح الكامنة خلف التصرفات الغربية إزاء العالم، والموقف من البشر، وفي هذا يقول إدوارد سعيد: "فها نحن أولاء من أول خطوة في طريقنا أمام اختيار رئيس، فإما أن نعرف الثقافة وسيلة للإمبراطورية، وإما أن نعرفها طريقًا إلى الحضارة، وبعبارة أخرى يواجه المجتمع مشكلاته بلغة القوة، أو بلغة البقاء، بقدر ما تصوغ ثقافته أسلوب حياته وسلوك الأفراد فيه".([25]) فمنبع الصلات الثقافية بين المجتمعات المكونة للساكنة، هي نفسية الأفراد التي ينشأون وقد تشكلت لديهم، يأخذون منها طباعهم، والعنصر الأول المولد لوعيهم بالعالم، فإما أن تحمل على روح السيطرة والتحكم وإعمال الممكن وغير الممكن في سبيل إخضاع الآخرين بمنطق الإمبراطورية والروح الغالبة المتوسعة، وإما أن تؤدب وفق مقاييس الإنسانية جمعاء، لصالح الإنسان، كما سنلمح إليه لاحقًا.
وباعتبار الاحتكاك الثقافي بيننا وبين الغرب المعاصر، وفي مقدمته أوروبا، فإننا ملزمون نظريًا برمق محتوى الوجدان الأوروبي إزاء العالم، حتى نستبين طريق الوصال معهم، ولكي نبرر بعض تصرفاتهم تجاهنا، فلا نستغرب الفشل إذا علمنا أن "أوروبا التي ورثت التقاليد الرومانية من عصر النهضة، قد أصبحت اليوم رهينة ثقافة إمبراطورية. فقد تغذى ضميرها بما أثار القرن التاسع عشر من قضايا، وهو القرن الذي شهد ازدهار فكرة جوبينو، ذلك الكاتب الذي طبق أفكار داروين عن أصل الأنواع على مجال الإنسان، فخلف بهذا القرن العشرون تراثًا ضارًا ثقيلاً، أنتج أمثال هتلر...".([26]) ونعرف ما فعله هتلر، وما تفعله روح الاستعلاء المبثوثة في الأجيال الجديدة هناك، مما ينعت بالنازيين الجدد، وكيف عانى المهاجرون العرب والمسلمون منهم، وما موجة العداء الصارخ للإسلام وقيمه إلا أظهر مؤشر، فاضطهاد الحجاب والرسوم المسيئة للرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، وشن الحروب على الآخرين، تتويج لضمير النظرة الاحتوائية المستلبة للآخرين وحظهم في البقاء، ولا يزال الأمر على حاله، في نظرة الغربيين، وما يسمى سلامًا ما هو إلا "نتيجة لحرب ظافرة، وليس نتيجة لتخطيط صالح للحياة الدولية، تحت رقابة فعالة من الضمير العالمي، ففكرة السلام لم تحقق حتى الآن إستقلالها وشخصيتها الخاصة، وهي تدين في خضوعها هذه للثقافة الإمبراطورية التي لا ترى السلام إلا حيثما يكون مؤيدًا بالسلاح".([27]) ويلي الوضع المدجج بترسانة فقدان الثقة، فهو يفضي بنفسيات الناس وأحوالهم إلى التوجس والريبة، وعدم الإيمان بالآخر، تاريخًا وذاتًا، وذلك عندما انحرف مضمون الثقافة، فانحرف اتجاهها، "وإذا انحرفت المواقف الثقافية تصبح تريد الشر".([28]) وتلح عليه، وأبلغ ما في الأمر، تبرير الشر بمسوغات، لا تستند إلى أدنى دليل، إلا إلى روح القوة؛ فقد عزم العالم ألّا ينصت إلا إلى حركة العضلات وتفتلها، ونخلص إلى "أن الإنسانية بشطريها المتخلف، وبشطرها المتحضر تعاني أزمة خطيرة، هي أخطر أزمة في وجودها على سطح الأرض، وفي حين يسير الزمان كعادته إلى مصب، فإننا نرى خطورة هذا السير من خلال التوقعات التي تصورها لنا ملابسات هذه الفترة من الزمن التي نعيشها الآن بكل تقلباتها السياسية العسكرية الثقافية...لأن التاريخ سينفرد إلى حد كبير بأشياء أخطر مما يتصور العقل، كأنما التاريخ تجمع منذ بدايته...واقترب من مصبه...وسينصب قريبًا في سنة ألفين التي تضع أمام الإنسانية جمعاء أخطر نقط الاستفهام، على مصير الإنسانية منذ بدايتها".([29])
ويكون الجواب ليس وعي العالمية المتدامجة، وإنما القوة الخرساء التي تتكلم لغة العضلات، ولا تستجيب للقانون، فكيف بالتثاقف طريقًا وأملاً؟
5- عولمة الذات وتنميط الآخر:
تعد العولمة ذاتها من أخطر موانع التثاقف، خاصة إذا فهمناها؛ أي العولمة، على حد ما أتصور، عمليةَ تعميم وفرض لنموذج الحياة الغربية، بكامل أبعادها؛ الأيديولوجية والاجتماعية والنفسية والأخلاقية، وكونها أسلوب المعيشة وطريقة التفكير ونمط الذوق والحساسية الجمالية والآفاق والجانب السياسي والناحية الاقتصادية والأحلام والمشاعر...إلخ؛ أي النموذج الحضاري الغربي والرؤية الكونية الغربية، إذ تعم أرجاء العالم إلى أبعد نقطة ممكنة ومتاحة، وغير متاحة، إذا لزم، وهي إضافة إلى ما سبق، عملية ابتلاع للعالم بثقافاته وإثنياته وخصوصياته، ثم إعادة إنتاجه وفق منظور مادي رأسمالي سلعي شيئي.
وتتخذ عملية التعميم ركائز ودعامات متنوعة ومتداخلة يعد الغزو الثقافي أحدها، إذ لا يزال الغرب يذكر بأنه حامل لرسالة حضارية إلى العالم، رسالة مفادها تحضر أمم العالم وشعوبه، وإخراجه من ضيق منظوماتها الحياتية وضحالته إلى سعة الأسلوب الغربي، وهكذا كانت دعوى الاستعمار، "الاستحمار" على حد قول علي شريعتي، والتنصير والاستشراق. والأمر ذاته مع العولمة الآن، وبالأحرى القولبة والتعليب بماركة مُأَمركة.
وما سبق توصيفه، من أزلية وكونية تفوق الثقافة الغربية وحاملها، لا خلاف عليه في حسبان البعض، وإن كان الأمر فيه نظر. فهذا صاحب نهاية التاريخ يشير علينا بجدوى اللحاق بقاطرة المدنية الغربية ونموذجها المعيشي، لأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، فإما الغرب بديموقراطيته ورأسماليته وحداثته، وإلا لا تقدم ممكن؛ لأن التاريخ قد وضع رحاله وكف عن الترحال في نهاية ليس بعدها ولم يشهد العالم قبلها، والإنسان الذي أنتجته هذه المدنية هو آخر إنسان سيتمخض عنه التاريخ.([30]) لنسلك سلوكه، إذن، ونفعل فعاله، ونحلم بما يحلم، ونتعس لما يتعسه، ونمرض إذا مرض، ونلعب إذا لعب، ونرمي قيمنا وراءنا إن رمى قيمه، لما لا فهو الإنسان الأخير.
إضافة إلى الترويج لعالمية الثقافة المذكورة، والإلماح إلى إنسانيتها وحضاريتها، وأنها نتاج لمجهود البشرية كلها عبر مسار تاريخها الطويل الشاق، فالجميع مطالب بمشاركتها منجزاتها، وليس إنجازاتها، ولا داعي للإصرار على معاداتها، لأن من يأتي ذلك فهو همجي ضد الحضارة، والآن عدو للعدالة خارج عن القانون.
والآليات الواردة قبلاً لها حضورها في مستوى آخر، ونعني به الناحية النفسية، عن طريق الإيحاء والإيهام، بترويج مقولة عتاقة المخزون الخاص وكون الثقافة الخاصة قديمة بالية تمتد بجذورها إلى عصور الظلام؛ أي القرون الوسطى، وفي ذلك ابتلاع للتقويم التاريخي الخاص بالأمم الأخرى، التي تم تجاوزها بتحديث الإنسان، خاصة بعد أن تمت غلبة الدين ورموزه وشعاراته الرجعية المنافية لكل تقدم، وعندئذ لا وعي ولا تقدم إلا باحتضان الثقافة العالمية التي ليس هناك غيرها، وفي ذلك مراوغة مفضوحة، وتنكر للخصوصية الثقافية التي هي ضد الإنسانية.
وتعتمد العولمة أيضًا على القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية، وقبلها وأخطر منها الثقافية، وفي ذلك احتواء لكل من ينتهج أسلوبًا حياتيًا مختلفًا، ويريد التأكيد على خصوصيته الحضارية الشاملة، احتواء يتم بالحصار، كما حدث في العراق وليبيا وإيران وكوريا الشمالية...الخ، وضرب العملات المحلية، كما حدث مع النمور الآسيوية، وماليزيا، ورعاية الانقلابات، وتمويل المعارضة المسلحة والسياسية، كما حدث مع الأكراد، وحركة خلق، وحركة قرنق، وتيمور الشرقية...إلخ، وفرض سياسات محددة من طرف البنوك العالمية المُقرضة والتدخل في سياسات السيادة كالتعليم، والصحة، والتوظيف، والإنفاق...إلخ، ومن الأمثلة كذلك تدمير الاتحاد السوفياتي، وحصار كوبا والصين، وحرب العراق الأولى والثانية والثالثة.
وتلجأ العولمة إلى تشويه كل خصوصية تحت مسميات مختلفة ومقصودة، كما هو الحال بالنسبة للحركات الإسلامية التي تلح العولمة الُمأمركة وقاموسها على نعتها بالإرهاب والأصولية، حسب الدلالة الغربية، وعلى أنها خطر محدق بالمجتمعات الإنسانية جمعاء، وأنها معادية للعدالة والحرية والحداثة... إلخ، "بل إن بعض الكتاب الغربيين، الذين أطلقوا مصطلح الأصولية على الصحوة الإسلامية المعاصرة، نراهم وهم يتحدثون عن علاقة هذه الصحوة بالماضي الإسلامي يجعلون موقفها هذا من الماضي والتراث على العكس من موقف... الغربيين".([31])
إضافة إلى العمل على دعم الديكتاتوريات ضد التعدديات الحقيقية المعارضة للسياسة الغربية ومصالحها، والعالم العربي خير دال على ما نقر، فما معنى أن يبقى رئيس غير منتخب ولا مرغوب فيه، حتى يموت أو يُتقلب عليه، أو يخلفه ابنه، أو أن يخلف نفسه.
أما التداعيات المباشرة لهذه العولمة، فهي إلغاء الخصوصيات الثقافية للمجتمعات الإنسانية قاطبة، ولا أقول الأخرى كما يقولون تأكيدًا على مركزيتهم، واحتوائها ضمن نسق من القيم والأساليب، بادعاء عالمية ما ينتجون، وكونية ثقافتهم وعلومهم، وضرورة الاندماج في القرية الكونية، متى أصبح العالم قرية، خاصة من الناحية الإعلامية، برواج القنوات الفضائية، وتبني شبكة المعلومات الانترنيت آلية للتواصل والتواصل بلا رقيب، ولتمرير هذه المغالطات وترويجها، جُندت جميع الطرق كما أسلفنا، أمريكا كل الغرب الحضاري والسياسي، وإظهار الإنسان الغربي كـ"سوبرمان" فوق جميع الناس، كما ورد عند الفيلسوف الألماني نتشه في كتابه هكذا تكلم زرادشت، وأنه أرقى وأكمل نموذج ممكن ومتاح للإنسانية، في العصر نفسه مع سكان المعمورة، وفي مختلف العصور السالفة والبائدة، وحتى الآتية.
يقوم الغرب، في صلاته مع الآخرين، من داخل منطق عولمي، يمتح من "أسطورة الثقافة العالمية التي يتوحد بها الغرب، ويجعلها مرادفة لثقافته، وهي الثقافة التي على كل شعب أن يتبناها حتى ينتقل من التقليد إلى الحداثة، فالفن فنه، والثقافة ثقافته، والعلم علومه، والحياة أساليبه، والعمارة طرازه، والعمران نمطه، والحقيقة رؤيته...إلخ".([32]) فالغرب هو المحور الذي يجب أن تسبح في مداره كواكب وكويكبات وأقمار الحضارات الأخرى، نسميها حضارات تجاوزًا، والمركز الذي يشع بقيمه وأخلاقه ونظمه لأجل الإنسان في أي مكان وزمان.
ولكن، بعدما قيل، أليس إلى خروج من سبيل؟ هل يمكن معارضة العولمة لكونها خطرًا يتهدد الخصوصيات الثقافية؟ أم أنها وطأة تاريخية وسياسية وعالمية لا يمكن الفكاك منها؟
[1] مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ت: عبد الصبور شاهين، الجزائر، دار الفكر، ط 04، 1987، ص ص 32-33
[2] المرجع السابق، ص 54
[3] مالك بن نبي، تأملات، الجزائر، دار الفكر، ط05، 1991، ص 147
[4] مالك بن نبي. مشكلة الثقافة، مرجع سابق، ص ص 145-146
[5] مالك بن نبي. ميلاد مجتمع، الجزائر، دار الفكر، ط 03، 1986، ص 32
[6] مالك بن نبي، القضايا الكبرى، الجزائر، دار الفكر، 1987، ص 84
[7] محمد عابد الجابري، العولمة والهوية الثقافية، المغرب، مجلة فكر ونقد، العدد06، ص 5
[8] علي شريعتي، تاريخ الحضارة، ت: حسين نصري، بيروت، دار الأمير، ط1، 2006، ص 42
[9] ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، السعودية، بيت الأفكار الدولية، د.ت، ص 77
[10] المسلم في عالم الاقتصاد، الجزائر، دار الفكر، 1987، ص 08
[11] نتاليا يفريموفا وتوفيق سلوم، معجم العلوم الاجتماعية، موسكو، دار التقدم، 1992، ص 332
[12] عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليلهودية والصهيونية، ج02، النسخة الإلكترونية، ص 1
[13] سورة الحجرات، آية 13
[14] محمد حسين فضل الله، من وحي القرآن، بيروت، دار الملاك، ط02، ج21، 1998، ص 159
[15] طيب برغوث، الفعالية الحضارية والثقافة السننية، الجزائر، دار قرطبة، ط1، 2004، ص 110
[16] عبد العزيز برغوث، التجديد الحضاري والحاجة إلى المنظور الاستخلافي وثقافة التعارف الحضاري، بيروت: مجلة الكلمة، العدد 56، السنة 14، صيف 2007، ص 65
[17] عبد الله محمد الغذامي، الإسلام والقبيلة، جريدة الرياض، الخميس 15 مارس 2007، العدد 141143
[18] هانز جورج غادامير، بداية الفلسفة، ترجمة: علي حاكم صالح وحسن ناظم، بيروت، ط01، 2002، ص 6
[19] المرجع السابق، ص ص 14-15
[20] صمويل هنتغتون، الغرب متفرد وليس متكررًا، القاهرة، مركز الدراسات الاستراتجية والبحوث والتوثيق، د.ت، ص ص 21-22
[21] روجيه غارودي، الإرهاب الغربي، ترجمة: داليا الطوخي وآخرون، القاهرة، مكتبة الشروق الدولية، ط01، ج01، 2004، ص 49
[22] المرجع السابق، ص 69
[23] المرجع السابق، ص 117
[24] سورة العلق، آية 6-7
[25] إدوارد سعيد، فرويد وغير الأوروبيين، ترجمة: فاضل جتكر، بيروت، دار الآداب، ط1، 2004، ص ص 58-59
[26] عبد الوهاب المسيري، الإيديولوجية الصهيونية، الكويت، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ط2، ص 324
[27] مالك بن نبي، مجالس دمشق، دمشق، دار الفكر، ط1، 2005، ص 165
[28] ألبرت شفيتزر، فلسفة الحضارة، ترجمة: عبد الرحمن بدوي، بيروت، دار الأندلس، ط3، 1983، ص 11
[29] المرجع نفسه، ص 12
[30] مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ص 119
[31] المرجع السابق، ص 124
[32] المرجع السابق، ص 128