في فهم الصوفيّة الإيمانَ
فئة : مقالات
في فهم الصوفيّة الإيمانَ([1])
يلاحظ الباحث في كتب التصوّف حضور تعريفات شتّى للإيمان، يخضع تنوّعها لتباين السياقات التي ترد فيها، ودليل ذلك أنّنا قد نظفر للصوفيّ الواحد بعدد غير هيّن من هذه التعريفات، من ذلك أنّ أبا القاسم الجنيد (ت 297هـ)، مثلاً، يروى عنه أنّه سُئل في أكثر من مناسبة عن الإيمان، ولم يقدّم التعريف نفسه.
- فقد قال مرّة: «الإيمان هو التصديق والإيقان، وحقيقة العلم بما غاب عن الأعيان...»[2].
- وقال في أخرى: «الإيمان هو الذي يجمعك إلى الله، ويجمعك بالله، والحقّ واحد، والمؤمن متوحّد»[3].
- ورُوي عنه أيضاً: «سُئل الجنيد عن الإيمان؟ فقال: هذا سؤال لا حقيقة له، ولا معنى ينبئ عن مزيد من علم، إنّما هو الإيمان بالله جلّ ثناؤه مجرّداً، وحقيقته في القلوب مفرداً، وإنّما هو ما وقر في القلب من العلم بالله، والتصديق بما أخبر من أموره في سائر سمواته وأرضه؛ ممّا ثبت في الإيقان، وإن لم أره بالعيان»[4].
فتارة يكون الجواب مقترناً بماهية الإيمان، وطوراً بوظيفته، أو بضديده، أو بمكوّناته... ومثل هذه الإجابات تفسّر، ربّما، أهمّيّة السياق الذي يكون هو المحدّد حقيقة لدلالة المفهوم، فقد يرد الإيمان مقابلاً للكفر، وقد يستخدم مقابلاً للمعصية[5]... ومع ذلك نجد اتفاقاً حول معانٍ لها بالتعريف اللغوي عُلقة، من قبيل تواتر استحضار معنى التصديق، فهذا ما أثبته أبو الحسن الديلمي في تمييزه بين صنفين من الإيمان بقوله: «الإيمان الشرعي، وهو ثلاثة أشياء: قول وعمل ونيّة، والإيمان اللغوي هو التصديق»[6]. وهو ما أكّده أبو حامد الغزالي (450هـ - 505هـ) فـي قوله: «الإيمان عبارة عن التصديق. قال الله تعالى: {وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا} [يُوسُف: 17]؛ أي: بمصدّق»[7]. وبهذا المعنى، سيرتبط عديد الاصطلاحات الصوفيّة التي ستؤثّث معنى الإيمان في أشكاله، ومكوّناته المختلفة من قبيل العيان، واليقين، والكشف، والمشاهدة، والإخلاص...
فكرة التفاضل والتراتب في الإيمان دارجة في كتب التصوّف، وتختلف من مصنّف إلى آخر وفق زاوية تناوله الموضوع
هذا، فضلاً عن الاتّفاق في المصادر المعتمدة في اشتقاق دلالات الإيمان، وتبريرها؛ إذ يكاد يجمع الصوفيّة على محاولة تأصيل تعريفهم الإيمانَ في عدد من النصوص المستمدّة من القرآن، والحديث النبوي، وهو ما سبق أن أشرنا إليه في حديث الديلمي عن التمييز بين الأصل والفرع في فهم دلالة الإيمان، من خلال قيامه باستعراض جملة من الشواهد القرآنيّة؛ التي تؤكّد اختلاف المعنى بتغيّر المقام، والسياق.
ومثل هذا الأسلوب متداول في جلّ كتابات الصوفيّة في معرض تناولهم الآيات، أو الأحاديث النبويّة؛ التي استخدمت الفعل (آمن)، أو مشتقّاته، أو أوحت به، وبمتعلّقاته، فالحسين بن منصور الحلّاج، مثلاً، يقدّم فهماً للإيمان، انطلاقاً من الآية الثامنة عشرة من سورة آل عمران: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ} [آل عِمرَان: 18]، ينبني على مبدأ التسلسل ابتداء بالله نفسه، فهو أوّل المؤمنين، وعنه تصدر سائر صور الإيمان، ومعانيه، ومقوّماته، وذلك في قوله: «شهادة لنفسه أن لا صانع غيره، آمن بنفسه قبل أن يُؤْمَن به بما وصف من نفسه، فهو المؤمن لغيبه، الداعي إلى نفسه، والملائكة مؤمنون، أي: شاهدون، وبغيبه داعون إليه، والمؤمنون به مؤمنون به وبغيبه، داعون إليه، وكتبه، ورسله، فمن آمن به فقد آمن»[8]. واستناداً إليه يميّز بين الثابت فيه والمتحوّل، فـــ: «الإيمان من الله لا يزيد ولا ينقص، ومن الأنبياء يزيد ولا ينقص، ومن غيرهم يزيد وينقص»[9].
ويعرّف أبو القاسم القشيري، أيضاً، الإيمان، ويميّزه عن الإسلام استناداً إلى ما ورد في الآية الرابعة عشرة من سورة الحجرات، فيقول: «قوله جلّ ذكره: {قالَتِ الأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا} [الحُجرَات: 14]، الإيمان هو حياة القلب، والقلب لا يحيا إلّا بعد ذبح النفس، والنفوس لا تموت ولكنّها تغيب، ومع حضورها لا يتمّ خير، والاستسلام في الظاهر إسلام، وليس كلّ من استسلم ظاهراً مخلصٌ في سرّه {وَلَمّا يَدْخُلِ الإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحُجرَات: 14]، في هذا دليل على أنّ محلّ الإيمان القلبُ، كما أنّه في وصف المنافقين قال تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البَقَرَة: 10]، ومرض القلب والإيمانُ ضدّان»[10]، وهو بمثل هذا التفسير يضبط مقرّه (القلب)، وسبل تحقيقه (ذبح النفس)، مستحضراً ما درج في أدبيّات الصوفيّة من تصوّر يقضي بسلبيّة النفس البشريّة، وضرورة تطهيرها، ومقاومتها، فـــ: «النفس أخبث من سبعين شيطاناً» على حدّ قول الحسين بن منصور الحلّاج[11].
لقد مثّلت هذه النصوص مصدراً أساسيّاً ارتكز عليه الصوفيّة في تحديد مفهوم الإيمان، وضبط مقوّماته، وشروطه، وخصوصيّاته، ومن ثمّ بسط تصوّراتهم للتجربة التعبّديّة، وإيجاد مشروعيّة لها، ولطقوسها، وآدابها، بغية إحلالها المحلّ الأرقى في سلّم القرب من المعبود.
يميز الغزالي بين إيمان العوام القائم على التقليد والاعتقاد، الذي يعتبره الأدنى، أمّا الثاني فيضاف إليه العمل، وهو في الوسط، أمّا المرتبة العليا فيحتلّها الإيمان المؤسّس على اليقين والكشف
ويبدو أنّ الحديث النبويّ المذكور سلفاً حول التمييز بين الإسلام والإيمان، والإحسان هو الأكثر تداولاً في مقالاتهم، فقد خاضوا في دلالاته، ووقعت الإشارة في أكثر من موضع إلى مرتكزات الإيمان استناداً إليه، بل لعلّه أحدث نوعاً من الالتباس في الأفهام أحياناً، وكذلك في الاستعمال لتقارب المعاني، وترادفها.
وهذا ما سعى أبو حامد الغزالي، مثلاً، إلى معالجته وتوضيحه بغية إزالة اللبس عنه من خلال تخصيص فصل في كتابه (إحياء علوم الدين) اختار له عنواناً (في الإيمان والإسلام وما بينهما من الاتّصال والانفصال، وما يتطرّق إليه من الزيادة والنقصان، ووجه استثناء السلف فيه)، وهو يعرض فيه مواطن الخلاف والاضطراب في تحديد دلالات الإيمان والإسلام، من خلال استدعاء ثلاثة مباحث، أو سياقات مختلفة: «بحث عن موجب اللفظين في اللغة، وبحث عن المراد بهما في إطلاق الشرع، وبحث عن حكمهما في الدنيا والآخرة؛ والبحث الأوّل لغوي، والثاني تفسيري، والثالث فقهي شرعيّ... فموجب اللغة أنّ الإسلام أعمّ، والإيمان أخصّ.. والحقّ فيه أنّ الشرع قد ورد باستعمالهما على سبيل الترادف والتوارد، وورد على سبيل الاختلاف، وورد على سبيل التداخل.. وللإسلام والإيمان حكمان: أخروي، ودنيوي.. أمّا الأخروي فهو الإخراج من النار، ومنع التخليد.. حكم الدنيا الذي يتعلّق بالأئمّة والولاة من المسلمين؛ لأنّ قلبه لا يطلع عليه، وعلينا أن نظنّ أنّه ما قاله بلسانه إلّا وهو منطوٍ عليه في قلبه...»[12].
والمتتبّع تفاصيلَ عرض الغزالي يلاحظ حجم حضور المقالات الكلاميّة فيه، إذ يستدعي شواهد المعتزلة والمرجئة، مثلاً، ويعمل على نقدها، منتصراً لما يعدّه عقيدة السلف المتمثّلة في اعتبار الإيمان عقداً، وقولاً، وعملاً[13]، وينتهي إلى نتيجة مفادها أنّ الإيمان «اسم مشترك يطلق من ثلاثة أوجه: الأوّل: أنّه يطلق للتصديق بالقلب على سبيل الاعتقاد والتقليد من غير كشف، وانشراح صدر، وهو إيمان العوام، بل إيمان الخلق كلّهم إلّا الخواص.. الإطلاق الثاني: أن يراد به التصديق والعمل جميعاً.. الإطلاق الثالث: أن يراد به التصديق اليقيني على سبيل الكشف، وانشراح الصدر، والمشاهدة بنور البصيرة»[14].
ويقيم الغزالي، بذلك، مفاضلة بين مراتب الإيمان، عبر تمييزه بين إيمان العوام القائم على مجرّد التقليد والاعتقاد، وهو، وفق تحليله، يحتلّ المرتبة الدنيا في سلّم الإيمان، أمّا الثاني فيضاف إليه العمل، وهو في درجة وسط، أمّا المرتبة العليا فيحتلّها الإيمان المؤسّس على اليقين والكشف، وهو الذي يذهب إليه الصوفيّة، ويدّعون إدراكه، وتفرّدهم به، من ثمّ، عن سائر المؤمنين.
وفكرة التفاضل والتراتب في الإيمان دارجة في كتب التصوّف، وتختلف من مصنّف إلى آخر وفق زاوية تناوله الموضوع، ونظره فيه، فأبو القاسم القشيري، مثلاً، يذهب مذهباً آخر مغايراً للغزالي في تحديد أقسام الإيمان، وإن وافقه في وجود ثلاث مراتب، وذلك استناداً إلى أداته، أو مصدره، فيجعل الإيمان القائم على التأمّل والنظر العقليّين في أدنى مرتبة، يليه الإيمان القائم على البيان باعتباره نوراً من الله، فالإيمان المعتمد على الكشف والعيان، وهو عنده نور على نور[15]، وهو مطلب الصوفيّة، ويتجلّى ذلك في تفسيره للآية 136 من سورة النساء[16]، وكذلك للآية 18 من سورة التوبة[17]، إذ يقول في الأولى: «يا أيّها الذين آمنوا من حيث البرهان؛ آمنوا من حيث البيان، إلى أن تؤمنوا من حيث الكشف والعيان»[18]. ويقول في الثانية: «رتبتهم في الإيمان مختلفة، فإيمان من حيث البرهان، وإيمان من حيث البيان؛ وإيمان من حيث العيان، وشتّان ما هم»[19].
ويقدّم السرّاج الطوسي (ت 378هـ) تقسيماً آخر يقوم على ثنائيّة، وذلك في تعريفه الإيمان بقوله «الإيمان ظاهر وباطن»[20]، وكذلك الحسين بن منصور الحلّاج الذي يفصّل القول في هذا الباب، حين يقرّ التمييز نفسه بين ظاهر وباطن في الإيمان، ويثبت له في ذلك مقامات بصيغة الجمع تؤكّد التفاوت والتفاضل بينها، فهو يقول: «من تكلّم بعلم عن تعليم يجوز عليه الغلط والسهو، وربّما يخطئ ويصيب، وهذا من مقامات ظاهر الإيمان، ومن تكلّم عن الأنوار المشرقة من الصفات الإلهيّة خرجت ألفاظه تامّة، شافية، ناطقة بما في الضمائر من حضور عينه، ودنوّ ما بعُد، وصرف عنه كلّ شكّ، وغفلة»[21].
فالفرق بين الإيمانَيْن (الظاهر والباطن) جوازُ الخطأ والتقصير في الأوّلِ الظاهرِ المقترنِ بالتعليم والتقليد، في حين لا خطأ ولا تقصير في الثاني المستند إلى المشاهدة والعيان، بل هو قرين الاكتمال واليقين، وإليه يشير أبو القاسم القشيري في معرض تفسيره للآية الرابعة من سورة البقرة: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البَقَرَة: 4]، بقوله: «وإنّما أيقنوا بالآخرة لأنّهم شهدوا على الغيب، فإنّ حارثة لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أصبحت؟» قال: أصبحت مؤمناً بالله حقّاً، وكأنّي بأهل الجنّة يتزاورون، وكأنّي بأهل النار يتعاوون، وكأنّي بعرش ربّي بارزاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصَبْتَ فالزم»[22]. فهو الدرجة المنشودة التي يقصد الصوفيّة إلى تحقيقها، وإدراكها.
ويكون الإيمان الكامل، أو إيمان الخواصّ، وفق التمشّي الذي قدّمه الغزالي، والقشيري، والحلّاج، يشاركهم في ذلك سائر الصوفيّة، من باب اختصاص الله لعبده، ومقرّه القلب، وصفته الثبوت، فلا مجال للرجوع عنه، أو التنكّر له، «وهو أفضل المراتب، وبه يدرك جميع المقامات» حسب أبي بكر محمّد بن إسحاق الكلاباذي (ت 380هـ)[23]، «فقد صحّ أنّ المؤمن الحقيقي لا ينتقل عن الإيمان؛ لأنّه موهبة له من الله جلّ وعزّ، وعطاء، وفضل، واختصاص، وحاشا الحقّ -عزّ وجلّ- أن يرجع فيما وهب، أو يستردّ ما أعطى. وصورة الإيمان الحقيقي والرسمي في الظاهر صورة واحدة، وحقائقها مختلفة»[24].
ويُفهم من هذا التصوّر أنّ سائر أنواع الإيمان غير ثابتة، ويمكن لأصحابها التحوّل، والخروج عنها؛ لكونها قائمة على مجهود العبد، وكسبه، وهو في ذلك قاصر، لكونه لم يرتق إلى مرتبة تؤهّله لاصطفاء الله له، وتوفيقه فيه، ويشرح الكلاباذي هذا الموقف بقوله: «الإيمان الذي يجوز الرجوع عنه هو الذي اكتسبه العبد من إقرار لسانه، والعمل بأركانه، ولم يخامر الإيمان حقيقة سرّه، لا من قِبل الشهود، ولا من صحّة العقود، لكنّه أقرّ بشيء، ولا يدري حقيقة ما أقرّ به... أو يكون أقرّ بلسانه، وانطوى على تكذيبه، كالمنافق الذي أقرّ بلسانه، وكذّبه بقلبه، وأضمر خلافه، ولكنّه أقرّ بلسانه، ولم يكذبه بقلبه، ولا أضمر خلافه، ولكن لم يقع له صحّة ما أقرّ به اكتساباً، ولا مشاهدة، ولم يكتسب تحقيقه من جهة العلم، فتقوم له الدلائل على صحّته، ولا شاهد بقلبه حالاً أزال عنه الشكوك، وقد سبق له من الله الشقاء، فاعترضت له شبهة من خاطر أو ناظر، ففتنته، فانتقل عنه إلى ضدّه»[25].
وفي كلامه هذا إشارة واضحة إلى أنّ المؤمن الحق معروف في علم الله مقرّر طريقه، مقدّر عدم افتتانه بالشبهة، ونجاته من الشكوك سلفاً، وبخلافه نجد غير المؤمن. ويكون القول بكسب العبد إذّاك مجرّد محاولة لإثبات مسؤوليّة مفترضة له، من باب الإيهام بقيمة الفعل البشري، وضرورته، للدفع في اتّجاه التفعيل والتحفيز على خوض التجربة الروحيّة.
إنّ تجربة الإيمان، في عرف الصوفية، تقتضي تدبرا، وبحثا في النصّ من جهة، وفي الوجود من جهة أخرى، فلا صحّة لها، ولا استقامة، ما لم تجد لها سنداً، يعمل العبد على تحصيله واكتسابه
فالكلاباذي، مثله مثل سائر الصوفيّة، لا يمنح الكسب، أو جهد العبد مطلق القيمة، بل يرهنه دائماً بتوفيق المعبود ورحمته، سواء بردّ الشبهات والخواطر عنه مباشرة، أم بمدّه بالوسائل التي تتيح له تصحيح إيمانه، وطرد كلّ ما يتهدّده في ذلك؛ من خلال إرشاده إلى الأدلّة التي تحفظه، وتدعمه، سواء كانت نقليّة أم عقليّة، وفي هذا يقول: «فأمّا من سبق له من الله الحسنى، فإنّ الشبهات لا تقع له، والعوارض تزول عنه إمّا اكتساباً من علم الكتاب والسنّة ودلائل العقل، فيزيل خواطر السوء عنه... أو يكون ممّن وقع له صحّة الإيمان، ويردّ الله تعالى عنه خواطر السوء باعتصامه بالجملة، ويردّ عنه الله الناظر المشكّك له لطفاً به، فلا يقابله، فيسلم له صحّة إيمانه، وإن لم يكن عنده من البيان ما يحتاج ناظره، ولا ما يزيل خاطره»[26].
ومن ثمّ فإنّ تجربة الإيمان، في عرف الصوفيّة، تقتضي نظراً، وتدبّراً، وبحثاً في النصّ من جهة، وفي الوجود من جهة أخرى، فلا صحّة لها، ولا استقامة، ما لم تجد لها سنداً، يعمل العبد على تحصيله واكتسابه؛ اعتماداً على ما توافر له من قرائن، وأدوات يشتغل بموجبها عقله بدءاً، في انتظار تتويج هذا المجهود بتوفيق ربّانيّ يترقّى بموجبه في مصافّ الإيمان تصحيحاً، وتحقيقاً، ولعلّ هذا ما دفع إلى تمييز المؤمن من العارف، واعتبار الثاني أرقى درجة لشدّة قربه من ربّه، فـــ: «الفرق بين المؤمن والعارف: المؤمن ينظر بنور الله، والعارف ينظر بالله عزّ وجلّ، وللمؤمن قلب وليس للعارف قلب، وقلب المؤمن يطمئنّ بالذكر، ولا يطمئنّ العارف بسواه»، وفق ما نقله السرّاج الطوسي اعتماداً على ما هو دارج في الاعتقاد بين رجال التصوّف[27].
[1]- جزء من بحث بعنوان "تجربة الإيمان بين الإطلاق والنسبيّة في المدوّنة الصوفيّة" نشر ضمن مشروع "مقاربات في مفهوم الإيمان (1) الإيمان في الفلسفة والتصوف الإسلامييّن"، تقديم نادر الحمّامي، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث.
[2]- المزيدي، أحمد فريد، الإمام الجنيد سيّد الطائفتين: مشايخه، أقرانه، تلامذته، أقواله، كتبه ورسائله، دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، ط1، 2006م، ص260.
[3]- المصدر نفسه، ص260.
[4]- المصدر نفسه، ص260.
[5]- نويا، بولس، نصوص صوفيّة غير منشورة لشقيق البلخي، وابن عطاء الأدمي، ومحمّد بن عبد الجبّار النفّري، بيروت - لبنان، دار المشرق، 1973م، ص292.
[6]- الديلمي، عطف الألف المألوف على اللام المعطوف، ص93-94.
[7]- الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين، دار الشعب، (د.ت)، ج2، ص203.
[8]- عبّاس، محمد قاسم، الحلّاج الأعمال الكاملة، ص111.
[9]- المصدر نفسه، ص243.
[10]- القشيري، أبو القاسم عبد الكريم، تفسير القشيري المسمّى لطائف الإشارات، تحقيق عبد اللطيف حسن عبد الرحمن، دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، ط2، 2007م، ج3، ص223.
[11]- عبّاس، محمد قاسم، الحلّاج الأعمال الكاملة، ص252.
[12]- الغزالي، إحياء علوم الدين، ج2، ص203-207.
[13]- المصدر نفسه، ج2، ص210.
[14]- المصدر نفسه، ج2، ص211-213.
[15]- القشيري، تفسير القشيري المسمّى لطائف الإشارات، ج2، ص368.
[16]- نصّ الآية: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} [النِّسَاء: 136].
[17]- نصّ الآية: {إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التّوبَة: 18].
[18]- المصدر السابق، ج1، ص231.
[19]- المصدر السابق، ج1، ص412.
[20]- السرّاج الطوسي، اللمع، ص22.
[21]- عبّاس، محمد قاسم، الحلّاج الأعمال الكاملة، ص242.
[22]- القشيري، تفسير القشيري المسمّى: لطائف الإشارات، ج1، ص20، والحديث في مجمع الزوائد 1/62.
[23]- الكلاباذي، أبو بكر محمّد بن إسحاق، التعرّف لمذهب أهل التصوّف، تحقيق خالد زهري، دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، ط1، 1993م، ص147.
[24]- المصدر السابق، ص148.
[25]- المصدر السابق، ص147.
[26]- المصدر السابق، ص147.
[27]- السرّاج الطوسي، اللمع، ص63.