قراءة في كتاب: أن تكون مسلمًا أصيلً
فئة : قراءات في كتب
قراءة في كتاب: أن تكون مسلمًا أصيلًا([1]) للباحثة سيفكان أوزتورك
كيركيغارد ومحمد إقبال
يكمن الهدف العام من كتاب أن تكون مسلمًا أصيلًا، لمؤلفته سيفكان أوزتورك Sevcan ÖZTÜRK[2]، الصادر عام 2019 عن دار نشر روتليدج، في توفير قراءة كيركيغاردية لفلسفة محمد إقبال عن الذاتية؛ خاصة الذاتية الإسلامية. وكما تقول هي، تبدو فكرة الكتاب مثيرة للدهشة للوهلة الأولى؛ حيث كيركيغارد (1813-1855) مفكرًا دنماركيًا مسيحيًا من القرن التاسع عشر، في حين ينتمي إقبال (1877-1938) إلى القرن العشرين، حيث عاش في الهند الخاضعة للوصاية البريطانية. علاوة على ذلك، يشير كيركيغارد إلى الإسلام بصورة عرضية في مؤلفاته، بينما لا يشير إقبال إلى كيركيغارد في أي من أعماله، على الرغم من أنه كان على اتصال وثيق بالفكر الأوروبي ودائم الإحالة في مؤلفاته إلى العديد من الفلاسفة الأوروبيين والأمريكيين الرئيسيين.
من هنا يمكننا بسهولة التأكيد على عدم وجود صلة مباشرة تربط كيركيغارد بإقبال. ومع ذلك، فإن المؤلفة ترى أن هناك أسبابًا وجيهة للتعامل مع هذين المفكرين كموضوع بحثي مقارن. أولاً، ثمة دراسات نقدية قليلة جدًّا مخصصة لفلسفة إقبال. يحاول هذا الكتاب تصحيح هذا الوضع من خلال تقديم تحليل نقدي لمفهوم إقبال عن الذاتية. فبما أن إقبال يطور مفهومه للذات، ولو بصورة جزئية، في حوار مع المفكرين الوجوديين، ولا سيما نتشه، فمن المنطقي مقارنة ما قدمه إقبال مع ما أفاض فيه "الأب الروحي للوجودية"؛ كيركيغارد، من تحليل عميق لما أطلق عليه "الدينية الذاتية". ثانيًا، على الرغم من أن هذا الكتاب يهدف في المقام الأول إلى تسليط الضوء على فكر إقبال، إلا أنه يسهم كذلك في تقديم كيركيغارد على نحو مختلف. حيث في الأدبيات الثانوية الضخمة حول كيركيغارد، لا توجد سوى دراسات محدودة جدًّا تستهدف مناقشة العلاقة بين كيركيغارد وأي مفكر ينتمي إلى تقاليد أو دين مختلف؛ خاصة الإسلام. وعلى الرغم من وجود عدد كبير من الدراسات حول كل واحد من هذين المفكرين بشكل منفصل، إلا أن هناك ثلاثة أعمال منشورة فقط تعالج ما هو مشترك بينهما. قدم غلام صابر، دراسة مقارنة طويلة حول إقبال وكيركيغارد، ونشر إبراهيم خان، مقالين عن هذين المفكرين باللغة الإنجليزية. كما نشر صابر كتابًا آخر في هذا الصدد. ومع ذلك، وكما يوحي عنوان الكتاب بوضوح، يركز العمل على المقارنة بين إقبال وكيركيغارد، ومحاولة رصد أوجه التشابه بين هذين المفكرين.
السبب الثالث وربما الأكثر أهمية لإجراء هذه الدراسة، هو أن كيركيغارد وإقبال يعالجان مشكلات متشابهة في طبيعتها. كلاهما يهدف إلى تنقية الدين من العناصر "الغريبة". فبالنسبة إلى كيركيغارد، يجب التمييز بين المسيحية والظواهر الأخرى التي أصابتها بالحيرة والارتباك مثل الهيغلية Hegelianism، والتي حولت المسيحية إلى شكل أدنى من الفلسفة. يهتم كيركيغارد أيضًا بتمييز المسيحية عن الأعراف الاجتماعية للمجتمع وعن كونها مجرد نزعة إنسانية؛ أي إنه في أعمال كيركيغارد، يوجد نقد مبكر لما يمكن تسميته فيما بعد "الثقافة البروتستانتية"، وعلاقة المسيحية بالأعراف والقيم السائدة في المجتمع المعاصر. على نحو مماثل تضمن فكر إقبال مجموعة موازية من المخاوف. فمثل كيركيغارد فيما يتعلق بالمسيحية، يرى إقبال أن الإسلام قد تم الخلط بينه وبين الأفكار غير الإسلامية التي تقوض الطابع الحقيقي للإيمان. بالنسبة إلى إقبال، فإن العناصر التي يجب تطهير الدين منها هي الفكر اليوناني والتصوف الإسلامي. وتلك العناصر تقوض في رأيه مغزى الوجود الإنساني. وقد دعا كلا المفكرين للعودة إلى المصادر الأصلية للمسيحية والإسلام على التوالي.
وعلى الرغم من أوجه التشابه تلك التي تسمح بالمقارنة، فإن أي شخص يحاول القيام بمعالجة مُقارنة لإقبال وكيركيغارد، وخاصة تصورهما لمفهوم الذات، سيلاحظ أن مشكلة إقبال تتمثل في أنه لا يخطط لتفاصيل فلسفته عن الذات بطريقة واضحة كما يفعل كيركيغارد. وعلى حد تعبير خان، يعرض إقبال مفهوم الذات بوصفه منبثقًا من خلال وعي الفرد لنفسه، لكنه لا يبدو أنه يرسم تفاصيل ذلك كما يفعل كيركيغارد. ونتيجة لذلك، فإن فلسفة إقبال عن الذات تواجه مشكلة بسبب المصطلحات التي لا تتناسب تمامًا مع هذا الغرض. فما يبدو مناط اهتمام إقبال هو تحديد مشاكل العالم الإسلامي في العصر الحديث، كما يقول إبراهيم موسى بشكل جيد، "لقد كان أكثر اهتمامًا بدفع حدود الفكر من خلال طرح المزيد من الأسئلة لتسليط الضوء على بعض المشكلات التي لا تنتهي". وسواء كان ذلك الأمر مبرّرًا كما يدعي موسى أم لا، فإن النتيجة الرئيسة لذلك هي أن إقبال لا يوفر لقرائه فكرة واضحة عن كيفية أن يصبحوا مسلمين، على الرغم من حقيقة أنه ربما يكون هذا الأمر هو جوهر فكره الفلسفي.
تهدف فلسفة إقبال إلى معالجة مشاكل العالم الإسلامي الحديث من خلال إعادة بناء الفكر الإسلامي وخلق عالم جديد. ويركز إقبال على هذا الدافع ويبحث عن طريقة عاجلة لجعل هذا الهدف حقيقيًا بطريقة أكثر طموحًا، وهو يعتقد أنه من أجل خلق عالم متكامل، هناك العديد من القضايا الملحة التي يتوجب معالجتها، وهي تتراوح بين السياسة والاقتصاد والتعليم. كان إقبال صاحب معرفة فلسفية واسعة للغاية، وأظهر قدرته على استخدام هذه المعرفة فيما كتبه. واحدة من السمات الرئيسة لفكره، على حد تعبير تشارلز تايلور، هو قدرته على إقامة تبادل متبادل ومثمر بين المفكرين والنصوص التي تبدو بعيدة كل البعد عن بعضها البعض: نتشه وبيرغسون، الحلاج والرومي، وبين هؤلاء وغيرهم، التي اتخذت في سياق إعادة قراءة القرآن.
يربط إقبال حديثه عن الفعل "في رسالة الخلود" بحديثه عن الإبداع، إذ يقول: "إن الأصالة كامنة في جذور كل مخلوق، وإصلاح الحياة وتقويمها لا يكون أبدًا بالتقليد". فكل إنسان إذن هو فرد "أصيل" لا يشبه إلا ذاته، وبالتالي فهو قادر على الفعل الأصيل بلا شك. ويمكن القول هنا إن عدد احتمالات الإبداع في الأرض، هو ذاته عدد سكان الأرض. إن الإبداع عند إقبال ينشأ من هذا القانون، فالفن هو تعبيرٌ عن الذات، بجمال وليس بكمال؛ أي بأن يشبه الفنان فنه قدر الإمكان، وليس بأن يكون على أكمل وجه. وبما أن كل ذات هي أصيلة، فعندما يقلّد إنسان إنسانًا آخر، فإنّه بالتالي يخنقها ويهملها، ويتسول من أوعية الآخرين ويترك وعاءه للعفن. وبالتقليد، الذي يقتل الحياة، لا يمكن أبدًا إصلاحها. وأما أخيرًا، فإن تقدير الإنسان لإنسانه ووضعه في موضعه السامي لا الموحل هو بداية التفات الإنسان إلى نفسه، وإلى "القدرة" الكامنة التي يملكها كل إنسان، والتي يحتاج إظهارها عبر "المهارة". فالإبداع عملية نمو، تبدأ بإدراك الإنسان فرادته في هذا العالم، ثم بالإيمان بأنه يملك القدرة، ثم بالبحث عن المهارة وتنميتها. وهذا الشغف في البحث، والفعل، والتجربة، والإبداع، هو بذرة القلب التي يضعها المؤمن في طينته الموات، فيحيا.
والمهارة، هي الوسيلة التي تتجلى من خلالها الذات على هذا العالم، وهي الوسيلة التي تثبت الخطى، وتأخذ بالعبد إلى معرفة ربه: "المهارة تصير عارفة بالله من خلال العشق، وتتوطد أركان العشق بالمهارة". فبالعمل الإبداعي يثبت الإنسان خطواته، حتى يستطيع الانتقال لما بعدها. إن الإبداع هو نوع من كتابة الإنسان كتاب وجوده، وتدوين مراحل نضجه.
وكما ترصد المؤلفة، يمكن تقسيم الأدبيات التي ناقشت العلاقة بين إقبال وكيركيغارد إلى مجموعتين؛ المجموعة الأولى تتكون من أعمال أقامت مقارنة مباشرة بين إقبال وكيركيغارد. في هذه المجموعة، يمكن إدراج كتاب غلام صابر "كيركيغارد وإقبال: تشابهات مذهلة" ومقالان إبراهيم خان "كيركيغارد وإقبال. من أجل أن تكون ذاتًا أصيلة" و"محمد إقبال وكيركيغارد". تتكون المجموعة الثانية من الدراسات التي تتناول فكر إقبال وكيركيغارد بشكل غير مباشر؛ أي من خلال علاقة إقبال بالوجودية. هنا يمكن إدراج دراسة إرفان عن وجودية إقبال ودراسة سيد لطيف حسين كاظمي عن (إقبال والوجودية). يشمل هذان العملان أيضًا بعض أوجه المقارنة بين كيركيغارد وإقبال؛ ومع ذلك، فإن محتواهما الرئيس هو المقارنة بين فكر إقبال والوجودية الغربية في عمومها. وعلى الرغم من أن دراسة غلام صابر مهمة بالنسبة إلى هذا الكتاب، كما تذكر المؤلفة، باعتبارها الدراسة الموسعة الوحيدة في هذا المجال، إلا أنها تعاني من مشاكل خطيرة، حيث لا يشير المؤلف إلى الهدف من دراسته، ولكنه يذكر في المقدمة إنها تعبير عن حبه لكل من كيركيغارد وإقبال. علاوة على ذلك، كما يقترح في ثنايا كتابه، فهو يهدف إلى إزالة الاختلافات بين الثقافات المختلفة والأديان من أجل أن أهداف العيش المشترك والسلام بين الثقافات. كتب صابر: يمكننا أن نضيء قلوبنا، وننحي خلافتنا، ونحول تفككنا إلى نوع من التكامل، ونفهم مفهوم الذات كما تعلمنا من كلاهما، وبالتالي نعيش حياة وحدة داخل التعددية.
تنتقد المؤلفة توجه صابر العام في معالجته لأفكار كيركيغارد وإقبال، وترى أنه قام بنوع من التشويه لأفكارهما حتى تتماشى مع ما يصبو إليه والذي يحدد في قوله "تتمثل مهمة كيركيغارد وإقبال، بعبارة بسيطة، في توحيد الإنسانية وترسيخ فكرة أن البشر على الأرض ينتمون إلى عائلة واحدة. فالغرض من خلقنا واحد، ومصيرنا واحد، وإلهنا واحد".
يمكن لأي شخص مطلع على فكرة كيركيغارد أو إقبال أن يرى أن تصريحات صابر أعلاه هي نوع من القراءة الخاطئة والتفسير المشوه لكليهما، حيث كان كل من إقبال وكيركيغارد على درجة كبيرة من التدين. وفي حين اعتقد كيركيغارد أن المسيحية هي الحقيقة المطلقة، وأنه يتوجب على الإنسان أن يصبح مسيحيًا أصيلًا، اعتقد إقبال في أن الإسلام هو الدين المطلق، وأنه يتوجب على الإنسان أن يصبح مسلمًا على وجه الأصالة. وفي الواقع يمكن اعتبار كل من إقبال وكيركيغارد شخصيات دينية محافظة في هذا الصدد.
تتضمن القراءة الكاركيغاردية لنظرية إقبال عن الذات استخدام مفاهيم كيركيغارد من أجل تحديد وتوضيح وكشف تصور إقبال لمفهوم تطور الذات. وهنا تجدر الإشارة إلى أن العلاقة التأويلية بين إقبال وكيركيغارد تعني أن هذا الكتاب يمكن اعتباره دراسة مقارنة، لأن موضوع الكتاب يعتمد على الحكم المقارن الذي يقوله إقبال. ويظهر كيركيغارد بعض أوجه التشابه، مثل اهتمامهما المشترك بفكرة الالتزام الديني في مجتمعاتهم وبمسألة الوجود الإنساني. ومع ذلك، بدلاً من مجرد مقارنة أفكارهم، فإن إجراء الانتقال من أوجه الشبه وتطوير علاقة تفسيرية، سيمكننا من تبديد التناقضات الواضحة التي يقدمها إقبال وتوضيح المشكلات المصيرية بمساعدة مصطلحات كيركيغارد. تحدد المؤلفة محددين رئيسين لدراستها، تعرضهما على النحو الآتي:
1- يمكن اعتبار فلسفة إقبال فلسفة للفعل: حيث يؤسس فكره الفلسفي بهدف إحداث تغييرات ملموسة ونتائج في العالم الخارجي، وهو ما يلخصه في عبارات مثل: "مهمتك هي خلق العالم الجديد". وتوصلوا إلى عالم جديد وفقًا لرغبتكم الخاصة، وتلك النتائج والتغيرات في العالم الخارجي أو إنشاء عالم جديد تتطلب الفعل الإنساني الذي يساعده على تطوير شخصيته ونفسه، و"ينقذه من الفساد". يسلط إقبال الضوء على أهمية أن تصبح شخصية إسلامية حقيقية في خلق العالم الإسلامي المثالي. المشكلة هي أنه لا يزود أتباعه ببيان واضح حول كيفية تحقيق هذه الأهداف. بمعنى آخر، إقبال شديد الحذر في الإشارة إلى ما يجب القيام به، لكنه أقل اهتمامًا بإظهار كيفية القيام بذلك. يمكن رؤية مثال على ذلك في تأكيده لمفهوم "الفعل"، حيث يقسم إقبال الأفعال البشرية إلى مجموعتين، هما الأفعال الداعمة للأنا وأفعال انحلال الأنا، أو الأفعال الداعمة للأنا والإجراءات الذائبة في الأنا. بالنسبة إليه، فإن المثل الأعلى للإنسان هو تطوير نفسه من خلال أفعال الداعمة للأنا، مما سيساعد له في خلق عالم جديد.
ومع ذلك، فإن إقبال لا يزود قراءه وأتباعه بخارطة طريق واضحة عن كيفية التصرف بطريقة مكتفية ذاتيًا أو تحويل الأفعال إلى أفعال داعمة وتجنب أفعال انحلال الأنا. يمثل الفعل أيضًا جزءًا مهمًّا من وجهة نظر كيركيغارد بأن تصبح مسيحيًا أصيلًا. ومن بين المفاهيم التي طورها كيركيغارد، والتي تقود الفرد إلى أن يصبح مسيحيًا عللا الأصالة. على الرغم من أن التأثير الخارجي لا يمثل أحد اهتمامات كيركيغارد، إلا أن فكرته عن "الفعل" وأنواعه المختلفة تتيح فرصة لتوضيح وتفسير مفهوم إقبال بأن يصبح المرء مسلمًا حقيقيًا من خلال أعمال داعمة للأنا. مثال آخر على ذلك يمكن العثور عليه في خطوات إقبال الثلاث في تطوير الذات. في كتابه أسرار الذات، يقدم ثلاث خطوات، ليصبح إنسانًا مسلمًا على وجه الأصالة: الامتثال للقانون، والتحكم الذاتي، والاستخلاف الإلهي، ويقدم تلخيص لهذه الخطوات في أقل من ثلاث صفحات. ومع ذلك، فإن المشكلة تتمثل في أنه لا يقدم أية مناقشة حول هذه الخطوات في أي من أعماله اللاحقة. هذا يعني أن إقبال كان لديه وعي بضرورة أن يقدم لقراءه نهجًا معينًا يمكن من خلاله أن يكون المرء مسلمًا أصيلًا، لكنه لسبب ما لم يطور فكرته أكثر من ذلك.
2- إن مشكلة إقبال لا توفر مخططًا لكيفية تحقيق الأهداف المذكورة أعلاه تنبع من افتقار فلسفته إلى المصطلحات التي تعبر عنها. وللوهلة الأولى لا تبدو هذه المشكلة كبيرة، لأنه لا يتعين على المفكر، لكي يشتبك مع الأفكار السائدة، تطوير مصطلحاته الخاصة. ومع ذلك يمكن لأيّ شخص أن يصادف لدى إقبال محاولة لتطوير المصطلحات الفلسفية، وهو يفعل هذا عن طريق إسناد معاني جديدة إلى المفاهيم الكلاسيكية. على سبيل المثال، يحل إقبال الكلمة الفارسية "خودي khudi"، محل مفهومي الذات والأنا. وبعبارة أخرى، يقدم مفهوم "خودي" كمفهوم يشير إلى الذات والنفس. وتعني كلمة "خودي" في الواقع "الأنا Ego" في الاستخدام الشائع للكلمة باللغة الفارسية والأردية. ومع ذلك، يشدد إقبال على أنه لا يشير إلى المعنى الفعلي للمصطلح، ولكنه ينسب إليه معنى جديد.
هذا يدل على أنّ إقبال يحاول تحديد المصطلحات الخاصة به، حتى لو لم يكن ذلك شاغله الأساسي. السبب الرئيس لعدم وجود مصطلحات متسقة في فلسفة إقبال، والتي من شأنها أن تساعد القراء على فهم آثاره الحقيقية، ينشأ من المشكلة العامة المتمثلة في أنه لا يقدم مفاهيمه بطريقة واضحة. نتيجة لذلك، تنشأ مشكلة أخرى، وهي أن فلسفته تقدم أحيانًا بعض المفاهيم والأفكار التي تبدو متناقضة وغامضة. يمكن العثور على مثال على ذلك في مناقشات إقبال حول ذاتية الخبرة الدينية وموضوعيتها، حيث يوجد لديه خلط واضح بين مصطلحي الموضوعية والذاتية، عن طريق تجنب استخدام مفهوم "الذاتية" وزعمه بأن الخبرة الدينية ذاتية وغير ذاتية على حد سواء. مرة أخرى، فإن مفهوم كيركيغارد المتمثل في التمييز الكيفي سيسمح بتفسير وتوضيح مفهومي الذاتية والموضوعية التي يقوم إقبال بالخلط بينهما.
أخيرًا، على الرغم من عدم وجود علاقة ثقافية ودينية تجمع بين كيركيغارد وإقبال، إلا أن اهتماماتهم الفلسفية والدينية وطرائق تعاملهم مع تلك الاهتمامات تظهر بعضًا من أوجه التشابه. يقدم هذا الكتاب قراءة باللغة الكيركيغاردية لفكرة محمد إقبال بأن يكون المسلم أصيلًا. إنه يعكس أوجه التشابه بين المقاربات الفلسفية لكيركيغارد وإقبال، ويجادل بأنه، على الرغم من وجود بعض أوجه التشابه بين مناهجهما، إلا أن هناك فرقا كبيرا بين مواقفهما الفلسفية. كان كيركيغارد مهتمًّا بتطوير ديالكتيك وجودي؛ ومع ذلك، ركز إقبال في الغالب على تحديد مشاكل العالم الإسلامي الحديث. نتيجة لذلك، تبدو فكرة إقبال بأن تكون مسلمًا أصيلًا- الجانب العملي لفكره وأحد أهم قضايا فلسفته- غير واضحة بل ومتناقضة في بعض المواضع. لذلك يستخدم هذا الكتاب أوجه التشابه بين مساعي الفيلسوفين والمفاهيم التي طورها كيركيغارد لتوفير أداة تأويلية قوية، لتوضيح أين تكمن أهمية فكرة إقبال في أن تصبح مسلمًا أصيلًا.
[1] Sevcan Ozturk, Becoming a Genuine Muslim Kierkegaard and Muhammad Iqbal (London: Routledge, 2018).
[2] تشغل وظيفة عضو هيئة تدريس في قسم الفلسفة والدراسات الدينية بجامعة العلوم الاجتماعية في أنقرة بتركيا.