قراءة في كتاب "في مدح الحبّ" للفيلسوف الفرنسي المعاصر "آلان باديو"
فئة : قراءات في كتب
على سبيل التقديم
"سعيت وراء الأعداد دائما وأبدا، معتبرا إيّاها ما يحملنا على فهم المادي والميتافيزيقي، لكنّني لم أفهم يوما من خلالها ما هو الصواب أو المنطق في الحياة؛ إلاّ أنه في الحبّ يمكننا فهم الصواب والمنطق معا، لأنّ الحبّ هو العلّة الحقيقية لأسباب وجودنا كلّها" جون ناش
أن تحبّ يعني أن تناضل، في ما وراء العزلة، مع كل ما يمكن أن ينعش وجودك في هذا العالم[1]؛ فالحبّ ليس بضاعة للبيع والتسويق كما تصوّره الرأسمالية، وليس تعبيرا عن علاقة بورنوغرافية يحكمها التكرار والانغماس في الأنانية الجنسية، بل الحبّ هو اختبار لشخصين جمعت بينهما الصدفة واقتنعا بعدها بمحض إرادتهما تجريب النظر إلى العالم من زاويتين تأويليتين مختلفتين.
فلم يكن يوما، ولن يكون للحبّ معنى خارج دائرة الإيمان بالاختلاف؛ لأنّ البناء الوجودي القائم على الحبّ، لا يمكنه أن يتم إلاّ بالجمع بين المكونات المختلفة. وإذا ما رغب الإنسان في أن يحيا تجربة الحبّ بما يثبت تصوّره للحياة على حساب التصورات الأخرى، حينها يكون قد سقط ضحية للتعصب الهوياتي الذي يمنعنا من التعرف على حقيقة الحبّ.
إنّ هذا الفهم "ما بعد الحداثي" للحبّ، والذي يجمع بين نقد الفكر الرأسمالي من جهة، والتأسيس لفلسفة الاختلاف من جهة ثانية، هو حجر الزاوية الذي يقوم عليه تسويغ الفيلسوف الفرنسي المعاصر آلان باديو (Alain Badiou)[2] لموضوعة الحبّ، ضمن كتابه العميق "في مدح الحبّ" (128 صفحة).
ليس "في مدح الحبّ" كتاب بالمعنى الأكاديمي لمفهوم كتاب، بل هو تفريغ لحوار صحفي أجراه آلان باديو في مقابلة إعلامية حول موضوع "الحبّ الآمن في المجتمع الرأسمالي" مع الإعلامي نيقولا ترونج (Nicolas Truong).
لكنّه كتاب بالمعنى الفلسفي ما دام يتضمّن نظرية متكاملة الجوانب حول مفهوم "الحبّ"، نظرية يتدرج في بنائها آلان باديو، بداية من نقد المفهوم الرأسمالي للحبّ وتفنيد المقدّمات التي بني عليها، مرورا باستحضار الإرث الفلسفي المؤسس لنظرية الحبّ، منتهيا إلى تحديد مفهوم للحبّ، من خلال ربط هذا الأخير بالوجود الإنساني الأصيل وبمظاهره الفلسفية والأدبية كذلك.
ويبدو جليّا في هذا الكتاب مدى التحمس اللانهائي والأصيل لآلان باديو - والذي يعلنه دائما وباستمرار - تجاه الفكرة الماركسية حول مفهوم "الشيوعية"، هذا المفهوم الأخير الذي يجد فيه آلان باديو الترياق الأساس لداء العدمية الذي نتج عن اعتناق الناس للفكر الرأسمالي.
كما يطغى على باديو في فهمه للحبّ ضمن كتابه العميق هذا، تصوره للمسرح، باعتباره أرقى الأشكال الأدبية والفنية التي يمكنها أن تمنح الإنسان نظرة متكاملة حول كيف يجب أن يكون الحبّ، خصوصا وأن المسرح يعلمنا ذوبان فكرتي الأنانية والهوية الطبقية لصالح فكرة "تعايش أشخاص مختلفين في مشهد واحد".
من كل هذا وذاك، لا يمكننا وضع تصور حقيقي حول مفهوم الحبّ حسب آلان باديو، إلا إذا آمنا بالاختلاف البنّاء الذي يبتكر في مضماره الحبّ دائما وأبدا دون توقف. إنّه الاختلاف، ماهية التشرع الإنساني داخل العالم. ولفهم هذه النظرية الأصيلة - نظرية آلان باديو - حول مفهوم الحبّ، نجد أنه لابد لنا أن ننطلق من الأسئلة الآتية:
ما طبيعة هذا الحبّ الذي يخترق كيان الإنسان المعاصر؟ وإلى أيّ حدّ يشكّل التفكير الرأسمالي الاستهلاكي تهديدا حقيقيا للحبّ بمعناه الإنساني؟ وكيف يسهم الرّجوع إلى الإرث الفلسفي حول موضوع الحبّ في نقد وتبيان حدود التفكير السائد في عصرنا هذا حول مسألة الحبّ؟ إذا كان الحبّ قد أفرغ من معناه نظرا لتحكم الرأسمالية في الإنسان وسطوها عليه، ما هي البدائل التي يقدمها باديو لإخراج الإنسان المعاصر من هذا المأزق الوجودي؟ وإلى أيّ حد يمكن تعميم تصور آلان باديو بهذا الخصوص؟
1- الحبّ في مواجهة عدمية المجتمع الليبيرالي المعاصر
لا يمكننا أن نحبّ دون الوقوع في الحبّ. إنها المسلّمة البديهية التي لا يمكن لكل شعور يسمى حبًّا إلا وأن يبنى عليها؛ فالحبّ الذي يسوقه دعاة الرأسمالية والقائم على قتل "الصدفة في الحبّ" من خلال إنشاء منصّات إلكترونية للبحث عن الحبّ لا يغدو أن يكون سوى عملية تسليع للشعور ووضعه ضمن خانة "كل شيء آمن" فقط يمكنك الضغط على الزر.
إنّ هذه المحاولات البائدة التي تغزو السوق الإعلامية، تقتل لدى الإنسان أهم متعة يمكنه الشعور بها عند الوقوع في الحبّ، ألا وهي متعة الإحساس بخطر الحبّ. إنّ الحبّ كما هو متعة جماعية، وكما أنه الشيء الذي يضفي المعنى والكثافة على حياة كل شخص تقريبا، ... فالحبّ لا يمكن أن يصبح هدية تمنح في غياب تام للمخاطرة[3].
إنّ الحبّ ليس وظيفة يجب أن نبحث في سبل وقوعها وآليات الحفاظ عليها بأمان أو حرب خيالية باردة تنتهي بصفر ضحايا؛ فكل الأشكال الإعلامية أو الثقافية أو الدينية التي تربط الحبّ بالأمن و"فقه كل شيء مرتّب"، بل وأكثر من ذلك تدرب على التعامل معه أثناء عيشه؛ فهي ليست في الأصل سوى فلسفة عدمية تنزع المعنى عن الحبّ وتفرغه من شغفه وأصالته. فالحبّ في مجتمعنا المعاصر حسب ألان باديو يواجه عدوين في الأساس: الأمان الذي تضمنه بوليصة تأمين، ومنطقة الراحة التي تحددها المتع المحدّدة[4]. إنّ المجتمع الليبيرالي حسب باديو يقنعنا بأن الحبّ مخاطرة عديمة الجدوى. وهذا يعني أنك تستطيع من ناحية، أن تحقق زواجا جيد التخطيط ينشد كل المتع الاستهلاكية؛ وترتيبات جنسية مبهجة مليئة باللذة من ناحية ثانية، إذا أغفلت العشق. وبالتالي من منطلق هذا المنظور... إنّ الحبّ في عالم اليوم أسير هذه الحلقة المفرغة، وعليه فهو تحت التهديد[5]؛ أي تحت سطو العدمية.
إنّ هذا الوصف الذي يقدّمه ألان باديو حول حالة الحبّ في عالمنا المعاصر لا يمكن وسمه إلا بالدقة. لكن السؤال الذي يطرح ذاته هنا، هو: ما العمل؟ ما العمل لإخراج الحبّ من هذا المأزق؟ أو بالأحرى لإخراج الإنسان المعاصر من هذا المأزق؟ هل يتطلب الأمر الرجوع إلى تاريخ الفلسفة والعلوم الإنسانية والحفر فيهما لإيجاد حلول فكرية للخروج من الأزمة، أم أن نستفيد فقط من هذا التاريخ الفلسفي نقديا لكي نبني على غراره تصورا جديدا عن الحبّ؟
2- الحبّ في دائرة الاختلاف الفلسفي
إنّ الحبّ من أهمّ الموضوعات التي اهتم بها الفلاسفة في إطار اشتغالهم على المجال القيمي. ولقد خلق التفكير في موضوع الحبّ من داخل الفكر الفلسفي فريقين من الفلاسفة حسب ألان باديو، وهما:
الفريق الأول، أعداء الحبّ ويتزعمهم الفيلسوف الألماني "آرثر شوبنهاور" الذي يعتقد بأن الحبّ مجرد خديعة تتيح للمرأة عيش شغف الشعور بالحبّ الذي يهدف إلى الحفاظ على النوع البشري. فالحبّ في نظر هذا الفريق الذي يتزعمه شوبنهاور ليس إلا ذريعة لإخفاء استسلامنا للغريزة الحيوانية فينا. إنّ القدرة على ممارسة الجنس لا تعني أبدا ضرورة ممارسته كما لا تعني القدرة على الإنجاب المساهمة في بقاء النوع. إنّ للإنسان الإرادة، لكي يختار عكس ما تمليه علينا الطبيعة، لكن استسلامنا لما يسمى الحبّ يجعلنا نعاكس نقاء الإرادة، فنقبع في حيوانيّتنا أبدا.
أما الفريق الثاني، ويمثله أهم فلاسفته ألا وهو "سورين كيركغارد"، يضع الحبّ في أعلى مراتب التجربة الشخصية لكل فرد. إنّ الحبّ في نظر هذا الفريق من الفلاسفة، لا يمكنه أن يقف في حدود التجربة الجنسية التافهة والمتكررة القائمة على أنانية اللذة، بل الحبّ يتعدى هذا المستوى نحو مستوى أخلاقي ديني يرتبط أساسا بفكرتي الالتزام الأبدي والزواج. وبناء عليه، يصبح الزواج مؤسسة ترشد الحبّ الحقيقي إلى محطته الأساسية، وليس مجرّد تقوية للرابط الاجتماعي في مواجهة خطر الحبّ العاصي. يصبح التجلي الأخير للحبّ ممكنا حين "تغرق الأنا من خلال شفافيتها في القوة التي خلقتها"؛ أي، حين، بفضل خبرة الحبّ، تجذّر الأنا نفسها في منبعها المقدس. من ثم، يتجاوز الحبّ الإغواء. ومن خلال الوسيط الجاد، الزواج، يصبح طريقا للارتقاء إلى السوبرمان.[6]
ينتهي النقاش الفلسفي بين هذين الفريقين إلى التنافي المطلق، نظرا لحصول الاختلاف بينهما في الأساس على مستوى التصور؛ فالفريق الأول ينطلق من وجهة نظر تشاؤمية تجاه الحياة. أما الفريق الثاني، فينطلق من وجهة نظر دينية تجاه الحياة.
في سياق مناقشة مفهوم الحبّ من داخل الفكر الفلسفي، يرى ألان باديو أنه يجب إعطاء التحليل النفسي كذلك قيمته الحقيقية من أجل إغناء هذا النقاش، وذلك من خلال استحضار نموذج المفكر الفرنسي الشهير "جاك لاكان"، والذي يعتبر واحدا من أهم منظّري فلسفة الحبّ.
إذا كان أفلاطون يعتقد بأنّ خبرة الحبّ هي الزخم الذي يتحرك تجاه ما يسميه الفكرة، ... حركة تجاه فكرة الجمال[7]. فإنّ جاك لاكان، وهو يعتقد أن الحبّ يتجه بنا نحو فكرة ما، لا يعتبر هذه الفكرة موضوعية بالضرورة خارجة عن ذواتنا، بل هي الذات نفسها؛ أي إنّ الحبّ توسط إيثيقي يبحث من خلاله الإنسان عن نفسه. فمثلا عندما نمارس الجنس، فنحن لا نبتغي بلوغ لذة مشتركة مع الآخر، بل على العكس من ذلك نكون بصدد صناعة صورة جنسية جديدة عن أنفسنا من خلال العلاقة بالآخر. إنّ الحبّ بهذا المعنى، هو توسطٌ يحرّكنا نحو اكتشاف النرجسية فينا من جهة، وهو ملءٌ للفراغ الذي تتركه العملية الجنسية بين شخصين من جهة ثانية. وبالتالي يمكننا القول، إنّه لا يوجد اتصال جنسي وأن الحبّ هو ما يأتي ليحلّ محلّ اللااتصال[8].
يبدو جليا إذن، أنّ الاختلاف الفلسفي حول موضوع الحبّ وصل إلى درجات عليا من النقاش والأهمية، إلا أنّ هذا النقاش حسب ألان باديو انخرط في دوائر الوصف أكثر منه في دوائر البناء. فالحبّ يحتاج إلى التنظير البنائي أو تصوره بطريقة تمكننا من الانخراط في الممارسة بكل واقعية وشغف.
إذن كيف تصوّر ألان باديو الحبّ؟ وهل يشمل تصوّره للحبّ عناصر وجودية تشرّع هذا الشعور، باعتباره حقيقة داخل العالم؟
3- الحبّ بين التصوّر والوجود
لا يمكن تصور الحبّ حسب ألان باديو خارج "مبدأ الاختلاف"، مادام هذا المبدأ هو ما يعطي للحبّ معنى ووجودا. فسحر الحبّ يتجلّى في لقاء شخصين مختلفين، ليعيشا تجربة الوجود لا من زاوية نظر واحدة، بل من زاوية نظر تعبر عن وجود رأيين، شخصين، تأويلين متمايزين للعالم.
إنّ الحبّ بهذا المعنى، لا يخضع لمبدأ الهوية، بل يصنع عندما يلتقي شخصين من معسكرين متضادين؛ مثل ما حدث بين روميو وجولييت في أدب شكسبير. ولكي يتجسّد هذا الأمر واقعا، لابدّ من حضور الصدفة في الحبّ؛ أي ألا يكون الحبّ مرتّب له من قبل. فالصدفة هي من تجعل من اللقاء الأول لقاء مذهلا يخرج بالشخصين من النسق العليّ للعالم ليعيشا الحالة الساحرة؛ أي حالة الحرّية.
لكن ماذا بعد هذه الصدفة واللّقاء المذهل الساحر؟
يأتي بعد ذلك حسب باديو الأمر الأكثر أهمية في الحبّ، وهو أن نحيا الحبّ بالاستمرارية التي تضمن نشوء الاختلاف وإعادة بنائه في الزمان. إنّ الحبّ ليس ببساطة لقاء شخصين وعلاقتهما الداخلية؛ إنّه بناء حياة تصنع، لم تعد من منظور واحد من تلك اللحظة، بل من منظور اثنين[9]. وهذا ما يسمّيه باديو بـ "مشهد من اثنين" القائم على الاستمرارية في تصور العالم بشخصين، في مقابل كل أشكال الذوبان في الحبّ، والتي تقتل الاختلاف من أجل خلق ضرب من التطابق الإنسي.
بالإضافة إلى فكرتي الاختلاف والاستمرارية في الحبّ، يرفض باديو أن نسلّم بإمكانية استهلاك الحبّ في اللقاء الأول، وكأن الحبّ يرتبط فقط باللقاء الأوّل. اللقاء الأول مهم؛ لأنّه يضمن مسألة الصدفة في الحبّ، لكن لا يجب حصر الحبّ في هذا اللقاء، أو أن نعيد تخيّله في مرحلة ما حتى نشعر بالحبّ، فهذا الأخير هو بناء وجودي مسؤول مرتبط بالزمان والمكان. يقول باديو في هذا السياق: "لا يمكن اختصار الحبّ في اللقاء الأول؛ لأنّ الحبّ عملية بناء. إنّ اللغز في التفكير حول الحبّ هو قضية المدة الزمنية الضرورية التي يحتاجها الحبّ ليزدهر. في الحقيقة، إنّ النقطة الأهم، أساسا، ليست قضية نشوة البدايات. بالطبع، توجد نشوة في البداية، لكن الحبّ فوق كل شيء بناء يبقى... إنّ الحبّ مغامرة متماسكة، لهذا يجب تكريس ثقافة البوح الدائم بالحبّ من قبل الطرفين وإعادة إعلانه باستمرار، حتى يكون لفعل الاستمرارية في الحبّ معنى وجودي مسؤول، الجانب المغامر منه ضروري، لكن لا يقلّ ضرورة عن الحاجة إلى التماسك. إنّ التخلّي عنه مع أوّل حاجز، مع أوّل اختلاف جاد، مع أول شجار، يعني تشويه الحبّ. الحبّ الحقيقي هو الحبّ الذي ينتصر باستمرار، أحيانا بألم، فوق العوائق التي تقف حاجزا عبر الزمان والمكان والعالم".[10]
إذن؛ لن يوجد الحبّ بشكل أصيل إلاّ إذا كانت الصدفة واللقاء الساحر شرطيْن ضرورييْن لبدايته. لكنّ هذا الحبّ لن تكتمل أصالته بمقابل كلّ هذا إلاّ إذا وجد في الزمان والمكان وتشرع داخل العالم عن طريق الإيمان باستمرارية الاختلاف. هكذا، فالحبّ يستحيل تصوّره خارج فلسفتي؛ "المسؤولية الوجودية في الحبّ" و"الإيمان الدائم بحقّ كل طرف داخل علاقة الحبّ في الاختلاف عن الطرف الآخر". إنّ الحبّ بهذا المعنى، يمكن حدّه في المضمون التالي؛ "الحبّ هو إجراء الحقيقة"؛ أي الخبرة التي من خلالها يشيّد نوع معيّن من الحقيقة...حقيقة جديدة حول الاختلاف... حول كيف نكون اثنين وليس واحدا. فأيّا كان الحبّ، فهو يعطينا دليلا جديدًا على أنّنا نستطيع أن نقابل العالم ونختبره بوعي آخر غير الوعي المنعزل.[11]
إذا كان الحبّ إذن هو إجراء الحقيقة كما يدعي باديو؛ أي إنه الممارسة التي نبني من خلالها ضرب من الوجود؛ فما سبلنا لبناء هذا الوجود واقعيا؟ وفي إطار الحديث عن الحبّ بمعنى إجراء الحقيقة؛ ألا يمكننا أن نتحدث هنا أساسا عن فن للحبّ يجد أساسه في كل الأفكار المخالفة للتوجه الرأسمالي الليبرالي التنميطي؟ بمعنى آخر أليس الحبّ بهذه الدلالة سياسة من نوع ما؟
4- الحبّ بين السياسة والفنّ
أ- في طبيعة العلاقة الممكنة بين الحبّ والسياسة
لا يمكننا أن نختلف بشأن أنّ كل من السياسة والحبّ يتماثلان في اعتبارهما إجراء من نوع ما للحقيقة، لكنّهما رغم ذلك، يختلفان في الطبيعة والمعنى. يمكن تصنيف السياسة في السؤال التالي؛ ما الذي يستطيع الأفراد عمله حين يلتقون، وينتظمون، ويفكرون ويقرّرون؟ أما في الحبّ، يتعلّق الأمر بمعرفة ما إذا كان كشخصين، قادرين على التعامل مع الاختلاف وجعله خلاقا.[12]
في السياسة توجد نقاط لسلطة الدولة والجبهات السياسية والقوانين والبوليس... وليس سهلا أبدا قصرها على وجهة نظر سياسية مفتوحة ثورية تعتنق المساواة[13]؛ فالسياسة يمكنها أن تجمع بين أشخاص تصل العلاقة بينهما إلى درجة العداء، يمكنها أن تجمع بيننا وبين أشخاص لا يستطيع أحد أن يحبهم. وبالتالي، فالسياسة رغم وجود التحالفات تبقى دائما خاضعة لمنطق العداء والكره أكثر من خضوعها لمنطق الحبّ. إذن، إنّ السياسة هي مواجهة دائمة مع الأعداء الذين نسوس حبّنا تجاههم.
أمّا في الحبّ، مع الاختلاف المطلق الذي يوجد بين الفردين، أحد أكبر الاختلافات التي يستطيع المرء تخيّله، مع معطى أنّه اختلاف لانهائي، يمكن للقاء والإعلان والولاء، تحويل هذا الاختلاف إلى وجود إبداعي. لا شيء من هذا القبيل يمكن أن يحدث في السياسة بالنسبة إلى التناقضات الأساسية. والواقع أنّ هناك أعداء معينين تعيينا واضحا... في الحبّ، تصبح قضية العدو غريبة تماما. في الحبّ قد تقابل عوائق، قد تغمرك الدراما الداخلية لكن في الحقيقة، لا يوجد أعداء في الحبّ[14].
إنّ العدو الأساسي في الحبّ ليس عدوا خارجيا بالمعنى السياسي للعدوّ، بل هو عدو داخلي. إنّها الأنانية، هي عدو الحبّ، وليست غريمه. يمكن أن نقول إنّ عدو حبيبي الأساسي، الذي يجب أن أهزمه، ليس الآخر بل نفسي. إنها نفسي التي تفضل الهوية على الاختلاف، التي تفضل أن تضع عالمها في مواجهة العالم الذي تمت تنقيته وإعادة بنائه من خلال منشور الاختلاف. [15] إنّ العدو الأساسي في الحبّ ليس الغير، بل الذات. وبالتالي يمكننا من خلال هدا الخطاب أن نخرج بنتيجة واضحة، وهي؛ إذا كانت السياسة تطرح سؤال العنف والمواجهة المادية، فإنّ الحبّ يطرح سؤال الدراما الباطنية الداخلية، إذ إنّ دراما الحبّ بشكل عام هي أكثر الخبرات حدّة في الصراع بين الهوية والاختلاف.[16]
لكن ألهذا الحد الشاسع تتنافر السياسة مع الحبّ من حيث الطبيعة والمعنى؟ أليس هناك بعض المفاهيم السياسية التي يمكن أن تسهم في بناء الحبّ وإعادة ابتكاره باستمرار؟
يمكن حسب آلان باديو في هذا السياق - ولو بشكل جزئي - أن نستثني مفهومي؛ إخاء وشيوعية، باعتبارهما مفهومين ساهما في سحق الهوية ودنيوة الحبّ.
فمفهوم الإخاء، وهو من أبرز مفاهيم الثورة الفرنسية - وأكثرها غموضا - وضع أساسا باعتباره بديلا لسياسة الهوية، إذ إنّه بفضل هذا المفهوم تمّ القضاء على الأنماط الاجتماعية والثقافية التي تتسم بالتعالي وتعرقل بناء الحبّ بين شخصين من فئتين اجتماعيتين مختلفتين. أمّا مفهوم الشيوعية، فقد تم من خلاله دنيوة الحبّ؛ أي إنه بفضل الشيوعية أنزل الحبّ من السماء إلى الأرض. فإذا كانت المسيحية تؤمن بالحبّ الذي يجمع البشر بالآخر الترنسندنتالي؛ أي الإله القدير العظيم، والذي يمثل فكرة الخير في فلسفة أفلاطون، فإنّ الشيوعية نزعت القداسة عن هذا الآخر وجعلته الإنسان فقط. وبالتالي، فالإنسان لا يمكنه أن يعيش تجربة الاختلاف مع كائن متعالٍ، بل فقط مع كائن أرضي. لكن وفي مقابل هذا، ألم تسقط الشيوعية ذاتها في فكرة تقديس الآخر؟ ألم تصنع الشيوعية آلهتها الترنسندنتاليين؛ الحزب الواحد، الرفيق الأعلى - ستالين مثلا - الذي يطبّل له الجميع؟
إنّ فضل الشيوعية الأخلاقي يتمثل في دنيوة الحبّ، لكنها من حيث لم تقصد - أو قصدت - خرجت عن مقاصدها وسقطت في فخ الهوية الواحد التي تنفي الاختلاف. لقد تم في هذه الحالة، خلط الحبّ مع العاطفة السياسية[17].
إذن هل يجب فصل الحبّ عن السياسة بشكل تام؟
يجيب آلان باديو؛ "لا بد من فصل الحبّ فصلا تاما عن السياسة، باعتباره مغامرة فردية في السؤال عن الحقيقة حول الاختلاف. وحين أتحدث عن الفرضية الشيوعية، فإنني ببساطة أقول ما يلي: الأشكال المستقبلية من سياسة التحرير يجب أن تحفر في إحياء فكرة الشيوعية وتوكيدها؛ فكرة عالم لا يستسلم أمام شهية الملكية الخاصة، عالم من الارتباط الحر والمساواة. من أجل هذا الهدف، لدينا أدوات فلسفية جديدة وعدد معقول من الخبرات السياسية المحلية، التي شهدت تفكيرا متجددا. في هذا الإطار، يصبح الحبّ طيّعا لإعادة ابتكاره أكثر ممّا لو أحاطه السعار الرأسمالي؛ ذلك أنّنا يجب أن نتيقّن من أنّ كل ما هو إيثاري يشعر بالراحة في خضم هذا السعار. والحبّ، مثل أيّ إجراء يبحث عن الحقيقة، هو بالأساس إيثاريٌّ؛ تكمن قيمته في ذاته وحدها وتتجاوز المصالح الآنية للطرفين. إنّ معنى كلمة شيوعية لا تتعلق مباشرة بالحبّ. ومع ذلك، تجلب الكلمة معها احتمالات جديدة للحبّ".[18]
ب- في طبيعة العلاقة الممكنة بين الحبّ والفنّ
يتمتّع الفن بنقطة قويّة جدّا، وهي تحقيق العدالة للحدث... تحقيقا كاملا.... على المستوى الفكري. في السياسة، يقوم التاريخ بترتيب الأحداث بعد وقوعها. لكن الفن متفرد في استعادة أو محاولة استعادة الأحداث بكامل قوتها الكثيفة، وحده الفن يستعيد بعض المعاني للقاء، للثورة، للتمرد. إنّ الفنّ في كل أشكاله هو تأمل عظيم للحدث كما هو؛ إنّ اللوحة العظيمة هي القبض على شيء ما، لا يمكن اختصاره إلى ما تعرضه بأسلوبها[19]. إنّ الفن بهذا المعنى، هو المؤرّخ الحقيقي للحظة التي يخترق فيها الحدث العالم. والحبّ أساسا، هو اللحظة التي يخترق فيها الحدث الوجود. هذا يشرح "الحبّ الجنوني"؛ ذلك أنّه لا يمكن اختصار الحبّ لأيّ قانون. لا يوجد قانون للحبّ... وكما يقول المثل الشائع في النهاية "العشاق وحيدون في العالم"، هم وحدهم يمتلكون ذلك الاختلاف الذي يختبرون به العالم[20]. إنّ العشاق بهذا المعنى فنّانون، لأنهم يؤصلون لتجربة الاختلاف داخل العالم من خلال حدث الحبّ.
وللبرهنة على هذا التماثل الموجود بين الفن والحبّ، يستحضر آلان باديو؛ الحركة الفنية السريالية؛ باعتبارها حركة إنسانية تجمع بين ما هو سياسي ووجودي وفنّي من خلال فكرة "قوّة الحبّ العابرة للوجود".
لقد انتصرت هذه الحركة حسب باديو للحبّ الجنوني المتجاوز للقوانين والأعراف والأنظمة، معتمدين في ذلك على ثورة شعرية وجودية وجنسية، تدعم مبادئ التغيير والتحرر. لكن ما يعيبه باديو على هذه الحركة هو اهتمامها في مسألة الحبّ، بمعطى البدايات الأولى في الحبّ أو ما يسميه باديو باللقاء الأول، في حين لم يتم التطرق من داخل هذه النزعة الفنية لمسألة الاستمرارية في الحبّ. إنّ السرياليين يهتمون فقط بقوة البدايات التي تعبّر عن الثورة والحدث. وإذا ما نظرنا للكتابات الأدبية التي تنبع من هذه الحركة أو تؤسس لها، فإنّنا نجدها في أقصى حدودها تهتم بما يسمى انتصار الحبّ على العلل الخارجية دونما التطرق إلى الكيفية التي يجب سلكها لاستمرار هذا الحبّ.
إلا أنّ آلان باديو لا يقف في هذه الحدود، بل يؤمن بأنّ الفن غنيّ بما يجسد فكرة الاستمرارية في الحبّ. فيستدعي في هذا الإطار أديب اليأس صموئيل بكيت؛ فبِغضّ النظر عن النغمة التشاؤمية التي يمتاز بها أدب بكيت في حديثه عن السعادة، إلاّ أنّه نظّر لمسألة الاستمرارية في الحبّ بقوة من خلال كتاباته. يتحدث باديو في هذا السياق عن بكيت قائلا: "والآن نجد تحديدا لدى بكيت، الذي نقول عنه إنّه كاتب اليأس والمستحيل شيء ما شديد الخصوصية بصدد هذا الموضوع؛ هو كاتب عناد الحبّ. فلنأخذ على سبيل المثال عمله "أيتها الأيّام الجميلة"؛ قصة عن زوج عجوز. لا نرى سوى المرأة والرجل يزحفان خلف المشهد، وكل شيء بال، وهي تغرق في التراب/الأرض، لكنها تقول؛ "كم كانت أيّاما جميلة". وتقول له هذا، لأنّ الحبّ مازال موجودا. الحبّ هو ذلك العنصر الثابت والقوي الذي بنى وجودها في مظهر كارثي. والحبّ هو القوة الخفية لهذه الكارثة. في نص قصير رائع بعنوان "كفى" يحكي بكيت عن تجوّل زوج عجوز خلال ديكور جبلي صحراوي في الوقت ذاته. والقصة هي قصة حب، قصة استمرارية هذا الزّوج العجوز، ولا يخفي على الإطلاق الحالة الكارثية لجسدهما، وأحادية نغمة وجودهما، والصعوبة المتنامية في ممارسة الجنس... إلخ. يسرد النص كل هذا، لكنه يضع القصة ضمن إطار القوة الرائعة، في النهاية، للحبّ عناد استمراريته الذي يشكّله[21].
يبدو جليا إذن، كيف يجسّد بكيت فكرة الاستمرارية في الحبّ، رغم مأساوية المشاهد، إلاّ أنّ ما يستفاد من عمله الدرامي هذا هو، السرمدية التي يتميز بها الحبّ الحقيقي، الذي لا تقف في وجهه عقبات الزمان والشيخوخة.
وفي نهاية حديثه عن هذه العلاقة التلازمية بين الحبّ والفن، يستحضر آلان باديو أهم شكل من الأشكال الفنية الإبداعية التي تجسّد المعنى الحقيقي للحبّ القائم على الاستمرارية؛ ألا وهو المسرح، ليوضح أكثر هذه العلاقة بشكل قطعي. يقول باديو متحدثا بهذا الخصوص: "إنّ المسرح في الأساس بالنسبة لي استعارة لما قد يكون الحبّ في ما بعد، لأنّه اللحظة التي تتلاشى فيها الحدود بين الفكر والجسد على نحو ما... فهما مكشوفان لبعضهما بطريقة لا يمكن أن تقول معها؛ "هذا جسد" أو "هذه فكرة".... المسرح، في أصوله. إنّه الفكر في الجسد".[22]
إنّ مبدأ الفكر في الجسد على المستوى المسرحي يعبّر بشكل جيد عن طبيعة الحبّ كما يفهمه باديو؛ فالحبّ هو الفكرة التي تسكن جسدنا لتحمله على الاستمرارية في الحياة، وتحفّزه على مجابهة كل المخاطر. بالإضافة إلى هذا المبدأ، توجد حسب باديو مبادئ أخرى مشتركة بين طبيعة الحبّ وفن المسرح، تسهم في إرساء المبدأ الأول القائم على الفكر في الجسد، لعل أهمها مبدأين مهمين؛ التكرار والتراجيدية.
فالمسرح كما نعرف يعني التكرار. يقول المخرج "فلنكرر المشهد مرّة أخرى"؛ لا تندمج الفكرة بسهولة في الجسد، إنّها مسألة معقدة؛ علاقة الفكر بالمكان مع الإيماءات التمثيلية. لابد أن تكون عفوية ومدروسة في الوقت ذاته. هذا ما يحدث في الحبّ أيضا، الرغبة قوة آنية، لكنّ الحبّ يتطلب فوق ذلك الاستئناف والرعاية. يعرف الحبّ نظام التكرار. "قل مرّة ثانية إنّك تحبّني"، وفي أحيان كثيرة، "قلها أفضل من هذا". وتبدأ دائما الرغبة مرة أخرى[23]. كما تبدأ المشاهد المسرحية دائما وبدون انقطاع مع رغبة متجددة في أن نحيا تلك المشاهد على نحو سرمدي خصوصا عندما يتعلق الأمر بمشهد من اثنين يجسّد معنى من معاني الحبّ.
أما بخصوص مبدأ التراجيديا، فالحبّ باعتباره فكرة لا يمكنه أن يجد طريقه للممارسة إلاّ بتلقين أجسادنا شتى أنواع العذابات والمأساة. إنّ الحبّ الحقيقي تراجيدي الحبكة دائما، وهو نفس الأمر الذي يعرضه المسرح عن الحبّ، فلا يمكن أن نجد مسرحا حقيقيا إلاّ في حضرة قصص الحبّ المريرة.
فالمسرح لا يمكنه أن يضيف لنا شيئا على المستوى الأدبي، إذا لم يتخذ من الحبّ المفعم بنضال العاشقين في مواجهة سلط الدين والمجتمع، والسياسة، موضوعا له. فلولا قصص الحبّ الرائعة لما وجد المسرح أساسا، وإذا وجد كان سيبقى حبيس القصص السياسي والبوليسي الذي يفقد المسرح أهدافه الجمالية.
زيادة على كل هذا وذاك، فالمسرح عندما يجسّد قصص الحبّ الرائعة التي تقوم أساسا على الاختلاف، يكون قد لامس المعنى الحقيقي للإنسانية، وذلك بتبيئته لأهمّ قيمتين إنسانيتين حسب باديو، ألا وهما؛ الإخاء والشيوعية، اللتين لا تنتصرا لا لهوية ذاتية على أخرى، ولا لفئة اجتماعية على أخرى، بل تنتصرا فقط للمساواة والحرية. وهنا بالضبط، تكمن القيمة التربوية للمسرح في علاقته بالجمهور.
على سبيل الختم
حاصل القول؛ إنّ فهم آلان باديو للحبّ من حيث هو الحدث الذي يخترق الوجود، ليعلم الأشخاص كيفية الحياة ضمن دائرة الاختلاف، لا يمكن تعميمه من الناحية العملية إلا إذا توافرت أربعة شروط أساسية، وهي:
- النضال الدائم ضد كلّ النزعات السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية، التي تهدف إلى قتل فلسفة الاختلاف.
- التشبع بالنظر الفلسفي القائم على فكرتيْ الشيوعية والإخاء، باعتبارهما قيمتين أساسيتين لمواجهة الرأسمالية.
- فهم الإنسان بكيفية وجودية؛ أي اعتباره - أي الإنسان - مشروعا زمنيا يتطلب بناؤه الاستمرارية وعدم الاستسلام للمخاطر.
- الإعلاء من شأن الفن المسرحي بما هو فضاء خصب للتربية على الحبّ.
المصادر
[1]ألان باديو؛ في مدح الحبّ، ترجمة؛ غادة الحلواني، دار التنوير للطباعة والنشر، لبنان، بيروت، الطبعة الأولى، 2014، ص 124. وقد صدر الكتاب في طبعته الفرنسيّة الأصليّة سنة 2009 تحت عنوان:
Éloge de l'Amour, avec Nicolas Truong, Paris, Flammarion (coll. Café Voltaire)
[2]آلان باديو؛ فيلسوف وأديب وسياسي فرنسي معاصر. ولد بمدينة الرباط المغربية سنة 1937م. اشتغل على موضوعات عديدة في فكره من أهمها؛ التاريخ، الفن، الأنطولوجيا، السياسة. من أهم مؤلفاته؛ "الوجود والحدث"، و"معنى ساركوزي". كما يعرف باديو باعتناقه التوجه الماركسي، باعتباره منهجا ضروريا لفهم العالم الرأسمالي المعاصر ونقده، ومذهبا أصيلا لبناء فكرة جديدة حول الإنسان والمجتمع والعالم.
[3] ألان باديو؛ في مدح الحبّ، ترجمة؛ غادة الحلواني، دار التنوير للطباعة والنشر، لبنان، بيروت، الطبعة الأولى، 2014، ص45
[4] نفسه، ص 48
[5] نفسه، ص 49
[6] نفسه، ص 54
[7] نفسه، ص 55
[8] نفسه، ص 57
[9] نفسه، ص 66
[10] نفسه، ص 68
[11] نفسه، ص ص 75-76
[12] نفسه، ص 87
[13] نفسه، ص 88
[14]نفسه، ص 90
[15] نفسه، ص 91
[16] نفسه، ص 92
[17] نفسه، ص 98
[18] نفسه، ص 99
[19] نفسه، ص ص 105-106
[20] نفسه، ص 106
[21] نفسه، ص ص 108-109
[22] نفسه، ص ص 109-110
[23] نفسه، ص 110