كتاب: "الإسلام" فضل الرحمن

فئة :  قراءات في كتب

كتاب: "الإسلام" فضل الرحمن

كتاب: "الإسلام" فضل الرحمن

كتاب "الإسلام" لفضل الرحمن ترجمة حسون السراي، منشورات الشبكة العربية، الطبعة الأولى 2017م. وفضل الرحمن (1919-1988م)، مفكر إسلامي باكستاني كبير، ترك بعد وفاته تراثا لا يزال متداولا بالبحث والتحليل في أغلب الجامعات الغربية والمنتديات الثقافية العالمية. اشتهر بأنه مصلح ليبرالي بارز للإسلام، كرّس نفسه لإصلاح التعليم وإحياء التفكير المستقل (الاجتهاد). بعد التدريس في بريطانيا وكندا، تم تعيين فضل الرحمن رئيسًا للمعهد المركزي للبحوث الإسلامية في باكستان في عام 1963م. على الرغم من أن أعماله حظيت باحترام واسع من قبل المصلحين الإسلاميين الآخرين، إلا أنها كانت أيضًا سببا في انتقادات شديدة من قبل العلماء المحافظين، لكونها ليبرالية بشكل علني، الأمر الذي وقف سدًّا منيعا أمام مشروعه الإصلاحي التعليمي، وقد اضطر لمغادرة باكستان عام 1968م متوجهاً إلى الولايات المتحدة، حيث درّس في جامعة كاليفورنيا ولوس أنجلوس وجامعة شيكاغو.

أهمية الكتاب

الكتاب فيه جهد من أجل تقريب القارئ من تطور رسالة الإسلام كما تشكل في التاريخ، بدءا من لحظة نزول الوحي على قلب الرسول الأمين، وبما أن الوقائع والأحداث والتحولات التي طبعت التاريخ الإسلامي، متعددة ومتنوعة ويصعب الإحاطة بها، فعلى المؤلف أن يعتمد خطابا تأويليا، بدل أن يقف عند الجانب المرتبط بالمعلومات؛ لأنها سارت شائعة ومعروفة، فالمطلوب هو القراءة المتجددة لمختلف المعلومات سواء تلك الشائعة والمعروفة، أو تلك التي يظفر بها المختصين في مجالات اختصاصهم.[1] أهمية الكتاب تكمن في القراءة التحليلية المنفتحة على مختلف العلوم الإنسانية للتاريخ الإسلامي وللتجربة الروحية النبوية (بعثة محمد).

فصول الكتاب

غطى الكتاب بالبحث والتحليل عدة مواضيع، حيث تحدث عن حياة محمد، وعن القرآن، وعن علم الحديث والفقه، وعلم الكلام، والتصوف، وشمل الحديث عن الشريعة والفرق الإسلامية، والتربية والتعليم، وقد اشتبك المؤلف في إعادة بسط مختلف قضايا هذه المواضيع، مع مختلف الدراسات الاستشراقية من قبيل دراسات، هاملتون جيب، جوزيف شاخت، جولد تسيهر، وغيرهم، فقد ناقش المؤلف مختلف وجهات نظر المستشرقين حول الشريعة وحول بعثة محمد وحول الفقه...ومن الواضح أن المؤلف له نظرته الخاصة لمختلف تلك المواضيع، وهي نظرة تستحضر بشكل كبير فلسفة القرآن ورؤيته إلى العالم والإنسان، كما تستحضر، مختلف آليات العلوم الإنسانية في التحليل والفهم، الأمر الذي يجعل قارئ الكتاب (المسلم خاصة) يحس كأنه يتعرف لأول مرة على مواضيع كان يعرفها من قبل.

محمد

يرى فضل الرحمان أننا لا نعرف الكثير عن حياة محمد، قبل دعوته وهو في سن الأربعين من عمره، ومن المعروف أنه عرف بأمانته ومن بين الذين تأثروا به السيدة خديجة، ومن المعروف أن رقة الإحساس الذي تمتع بها محمد، دفعته على نحو متكرر، إلى أن يخلو بنفسه منعزلا في كهف حراء خارج مكة، حيث كان يمضي وقتا طويلا في التأمل.

اعتنى الكثير من الدارسين في الغرب بحياة محمد قبل البعثة وبعدها؛ فالكثير منهم ركز على طبيعة التحولات التي كانت تعيشها الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي قبل بعثة محمد، فقد كانت الجزيرة العربية تعرف حضور الجماعات اليهودية والجماعات المسيحية، وكل هذا مهد الطريق بفعل اختمار فكرة التوحيد قبل بعثة محمد؛ ففي نظر هؤلاء أن فكرة التوحيد التي قال بها محمد، قد أخذها من اليهودية. ويرى البعض منهم أن السر الكامن من وراء فكرة التوحيد يعود إلى رتابة الحياة الصحراوية المطلقة. فكل من وجهات النظر هذه ما هي إلا تخمينات لا تراعي حقيقة رسالة الإسلام. لقد غاب عن كل هؤلاء أن التوحيد المحمدي كان مرتبطا منذ البداية بنزعة إنسانية مفادها الدعوة إلى العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وإلا ما هي الفائدة من التوحيد. ومن يقرأ السور الأولى المكية من بينها سورة الماعون سيدرك هذا جيدا، بشكل واضح، وهذه هي الرؤية والإعلان الذي تأسس عليه المجتمع الإسلامي؛ فقد كان الرسول يصر على: الله واحد، إنسانية واحدة.

يرى فضل الرحمان أن القول باختمار فكرة التوحيد قبل بعثة محمد، قد تكون صحيحة؛ بمعنى أن مبدأ التوحيد هو استمرار لتراث الأنبياء، ولكن ليس هناك أثر لدليل تاريخي يجعل من فكرة التوحيد مرتبطة بحركة للإصلاح الاجتماعي. فالراجح أن دعوة محمد للتوحيد لا صلة لها بالحياة الصحراوية التي كانت للبدو. وهناك أطروحة أخرى، ترى أن بعثة محمد كانت استجابة لمطلب قومي عروبي، ولكن العدالة والتوحيد الذي يدعو إليه محمد يعلو فوق أي مبدأ قومي، [2] كما أن الذين اعترضوا في البدء على دعوة محمد كانوا عربا، ونحن نعلم أن محمدا حين هجرته إلى المدينة أعلن عقدا بموجبه: ضمان الحرية الدينية لليهود، ودعوة اليهود والمسلمين إلى أن يساهموا في دعوة السلام فيما بينهم، والعقد يسمى اليوم "وثيقة المدينة". فكل الحروب التي خاضها محمد كانت مفروضة عليه، فهو لم يكن يقاتل ولم يأمر بالقتال، إلا عندما يكون القتال أمرا لا يمكن تجنبه.[3]

يرى فضل الرحمن أن هناك مرحلة مهمة في حياة محمد، لم تنل حظها من الدراسة والبحث والفهم، ويتعلق الأمر بتاريخه الروحي والباطني، وهو تاريخ مازال بحاجة إلى إعادة بناء بمجمله، فقد كان ذهن النبي قبل دعوته مهموما بمشكلات تتعلق بوضع الإنسان ومصيره، وهو أمر دفعه إلى خلوات منتظمة، ومن مخاض ذلك البحث المضني الشاق انبثق الوحي، وهو ما يشير إليه القرآن قال تعالى: "أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)" (الشرح) ومن المعروف أن التراث الإسلامي نسج أسطورة مفادها كيف شق الملك صدر محمد وطهر قلبه.[4]

اشتغل كتاب السيرة كثيرا على تصوير مختلف الأحداث والوقائع، أكثر ما اعتنوا بشخص محمد الإنسان، الذي يأخذه الفرح، الحزن، الأمل، التمني، الرجاء، الرأفة، الكرم، العفو، بعد النظر، الفطنة، التوقع...ملاحظة فضل الرحمن هي دعوة لإعادة قراءة السيرة النبوية، بالتركيز على شخص محمد بدل التركيز على ما حدث في التاريخ من وقائع وأحداث؛ لأن هذا الأمر في نظره سيجعلنا نعرف عن قرب شخصية محمد قبل البعثة وبعدها، وبمعرفتنا إياه سنعرف مجددا القيمة الأخلاقية للإسلام، وكيف تمثلها الرسول في حياته، بهدف أن نخوض نفس التجربة وفق واقعنا المختلف عن واقع الرسول الكريم.

القرآن

ينظر القرآن إلى نفسه بأنه كلام الله، فهو كلام إلهي محض، ولكن في نفس الوقت على علاقة حميمة بأعماق شخصية النبي محمد، الذي لا يمكن النظر إلى علاقته بالقرآن على أنها علاقة آلية خارجية، كما لو أننا أمام جهاز تسجيل؛ فالكلام الإلهي ينبع من قلب النبي الكريم، ولكن إذا كان محمد قد أصبح في لحظاته القرآنية، متحدا مع الشرعة الأخلاقية، فإنه مع ذلك، قد لا يكون قد اتحد بالله أو بجزء منه، اتحادا تاما مطلقا. فالقرآن يمنع هذا النحو من الاتحاد مطلقا، ومحمد تجنب ذلك بإصرار لا يلين.[5]

الانطباع الغالب الذي يتركه القرآن ككل عند القارئ عن الله هو ليس: الله المراقب المعاقب، كما وصفه المسيحيون بصفة عامة، وليس قاضي القضاة كما اعتقد المشرعون المسلمون، وإنما هو إرادة خالقة غائية للنظام في الكون: إن صفات القدرة والجلال والاكرام والعدل والحكمة المنسوبة إلى الله في القرآن حقا مؤكدا لا يقبل الخطأ.[6]

الدافع الحيوي للإسلام كان دافعا أخلاقيا، فبما أن القرآن رسم تدريجيا، وجهة نظر، كاملة حول العالم، "فقد كان على النظام الأخلاقي، بالنسبة إلى الناس، أن يفترض نقطة مركزية للاهتمام الإلهي في هذه الصورة الكاملة للنظام الكوني الذي لا يتسم بطابع ديني عال فحسب، وإنما يظهر قدرا كبيرا من الترابط والتماسك، فمفهوم الله، الخالق المطلق للعالم، مفهوم متطور شامل، حيث نجد أن صفات الخلق والنظام والرحمة ليست مجرد صفات يرتبط أحدهما بالآخر أو يضاف أحدهما إلى الآخر، وإنما هي صفات متداخلة على نحو كلي تماما، فلا فرق بالنسبة إلى الله بين الخلق والنظام، أو الأمر، فهي كلها تنتمي إليه قال تعالى: "ورحمتي وسعت كل شيء" (الأعراف/156)"[7].

وعلينا ألا نغفل بأن القرآن من حيث المبدأ كتاب مبادئ ومواعظ، أخلاقية ودينية، وليس وثيقة قانونية، صحيح أنه يضم بعضا من الأحكام الفقهية، والجزء الكبير منها بهدف تقديم تطبيق عملي وفق محيط القرآن، للأخلاق والقيم التي يدعو إليها القرآن، ولهذا نجد في القرآن، صيغة "يسألونك" وهي تدل على أن التشريع يستجيب لمتطلبات الواقع، فعلينا التمييز بين روح الشريعة وتطبيقات التشريعية، (روح القرآن والتطبيقات التشريعية للقرآن).

التربية والتعليم

يرى فضل الرحمن أن مشكلة الأصولية مؤشر على الأزمة التي يعاني منها العالم الإسلامي، والسؤال كيف نتجاوز هذه المعضلة التي عمرت طويلا، ففي نظره أن التعليم والإصلاح يعد مدخلا لا مهرب عنه ومنه، في الإصلاح؛ وذلك بضرورة دمج الإسلام والنزعة العقلية الحديثة في مختلف برامج مستويات التعليم، من أجل خلق وجهة نظر إسلامية حديثة وأصلية حول العالم؛ لأننا اليوم في حاجة لنتعرف على الإسلام من جديد، وهذا لا يعني أننا نجهله، ولكن بالنظر الى ما قامت به الأصوليات من أعمال عنف باسم الإسلام في مناطق متفرقة من العالم، فذلك يعني أن هؤلاء المتطرفين يجهلون الإسلام الذي جاء به محمد، وهو إسلام ذو قيمة أخلاقية عالية يميل الى السلم والسلام.

فمجمل كتابات فضل الرحمن، تستغل كل فرصة بهدف الدعوة إلى ضرورة إعادة اكتشاف رسالة الإسلام الأخلاقية في سياق قرآني، مع التأكيد أن الإسلام دين أخلاقي، وأن القرآن وثيقة أخلاقية ثرية، ولا شك أن فضل الرحمن يستهدف الجمهور الواسع في العالم الغربي، ليعرفه عن الإسلام كما هو في القرآن بكونه منومة أخلاقية، وليس الإسلام كما تشكل في التاريخ والذي كتبت عنه مختلف كتب التاريخ والسير...أو ذلك الإسلام الذي شوهة صورته مختلف الكتابات الاستشراقية، ولاشك أن هذا الكتاب سيكون له أثر بليغ على مختلف الدراسات والأبحاث في الغرب التي تعنى بمعرفة الإسلام.

[1] فضل الرحمن "الإسلام" ترجمة حسون السراي، منشورات الشبكة العربية، الطبعة الأولى 2017م، ص.37

[2] نفسه، ص.55

[3] نفسه، ص.67

[4] نفسه، ص.60

[5] نفسه، ص.83

[6] نفسه، ص.84

[7] نفسه، ص.85