مؤشرات الإرهاب: تكمّيــة أم تعمّيــة؟ مؤشرات الإرهاب وقواعد البيانات...2
فئة : مقالات
سبق أن نشرت أكثر من بحث ومقالة حول أهمية وجود مؤشرات الإرهاب العالمي. وفي مقالتي السابقة (مؤشرات الإرهاب: تكمّيـة أم تعمّيــة؟) التي نشرت في مؤمنون بتاريخ 23 مايو 2017 أشرت إلى أمنيتي بأن تكون فاتحة لأخريات حول موضوع قياس ظاهرة الإرهاب (الدولي/المحلي /العالمي ) بهدف المساهمة في تطوير حقل دراسات ظاهرة الإرهاب بشكل عام، والمساهمة بالإضافة المعرفية لحقل دراسات الإرهاب باللغة العربية. ثم على أمل القدرة على التوصل لبناء مؤشر عربي كمّي للإرهاب بما في ذلك مساهمتي المتواضعة لبناء هذا المؤشر، والذي أطلقت عليه اسم (مؤشر الإرهاب البديل-S). والذي سأتحدث عنه في مقالاتٍ لاحقة.
مؤشرات الإرهاب وقواعد البيانات
أقصد بمؤشرات الإرهاب تلك المؤشرات الخاصة بالقياس الكمّيّ (أرقام وإحصاءات ودراسات مستقبلية ) للظاهرة، التي تستخدمها الأجهزة الأمنية والاستخبارية في العالم اليوم وبشكل متفاوت من جهاز إلى آخر. ويستخدمها الباحثون والمهتمون والخبراء، إن على مستوى الأفراد أو مراكز الدراسات والأبحاث الحكومية أو الخاصة، أو مراكز الأبحاث الجامعية أو الدراسات الأكاديمية المتخصصة التي نشطت بشكل منقطع النظير بعد هجمات 11 أيلول 2001 ضد الولايات المتحدة.
تتحدث مراكز الأبحاث والجهات والمؤسسات التي قدمت بيانات عن ظاهرة الإرهاب، والتي يلاحظ بأن جميعها أمريكية (STATE MIPT- RAND- PGIS، ITERATE) عن "قواعد بيانات الإرهاب" (Database) واتجاهاته، وتتحدث من خلال ذلك عن تصنيفات، وقوائم، وفئات، لكنهاـ وهذا هو المهم- لا تتحدث عن أسس قياس "لمؤشرات الإرهاب"، ولا نجد عند استعراض المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت ومحرك البحث غوغل للمؤسسات أعلاه أيّ ذكر لكلمات (Terrorism Index)، كذلك فإنّ جميع الدراسات التي تناولت قواعد البيانات أعلاه لم تشر أو تذكر المفهوم صراحة، ولم أجد خلال استعراض المراجع كافة التي عدت إليها أية إشارة تذكر للمفهوم، لذلك فإن موضوع مؤشرات الإرهاب (Terrorism Index) جدير بالبحث والدراسة والاهتمام من كافة الجهات، سواء في القطاع العام الحكومي أو الخاص وذلك بالنظر لخطورة ظاهرة الإرهاب حالياً، وتأثيره العميق على بِنية وسلوك الدول والمجتمعات المعاصرة([1]).
ومن الأهمية بمكان وجود مؤشرات كمّية للإرهاب، وبخاصة في ظل الميل المتزايد لمعظم الباحثين والدارسين لعولمة الإرهاب (Globalization Of Terrorism) لاعتبار أن هذه الظاهرة يمكن أن تكون الخطر طويل المدى للأمن العالميّ في القرن الحادي والعشرين، وبالذات لأن هناك غياباً للدراسات الأكاديمية الجادّة لتحليل الترابط بين الظاهرتين([2]).
وتشير الأدبيات المتعلقة "بالدراسات المقارنة" لمحتوى "قواعد البيانات" المذكورة أعلاه إلى أن هناك عدداً قليلاً من الدراسات الأكاديمية التي بحثت المشاكل التي تعاني منها تلك القواعد، منها: (فالكرات.Falkenrath، 2001)، شميد ويونغمان Schmid & Jong Man. 1988، هوفمان Hoffmen، 1988، يونغمان 1993، لفري ودوغان La free & Dugan، وفولر: Fowler 1981)، ويلاحظ من هذه الدراسات (حسب الخبراء) أن هناك قصوراً في عملية التحليل تتناول قضية: هل تقيس جميع تلك القواعد بالفعل الحوادث نفسها؟ ولماذا تختلف؟ وكيف أن الحادثة الإرهابية نفسها في قاعدة من القواعد يختلف تحليلها عن بقية القواعد؟ لذلك، فإن عملية القيام بدراسة كمية ـ مقارنة بين تلك القواعد ـ معقدة، نظراً للاختلافات الهيكلية بينها([3]).
كما يؤكد عدد من الباحثين أن هناك عدداً قليلاً من الأدبيات الأكاديمية تناولت حقل المقارنة بين المنهجيات أعلاه بشكل مباشر.
وتعدّ دراسة (فولر: K، W.W. Fowler، 1981)([4]) من أقدم تلك الدراسات، والأساس في هذا الحقل، إذ درس خمس منهجيات إضافة إلى (RAND، PGIS وITERATE)، وتوصّل إلى ذلك الاستنتاج، وهو: "أن القصور الشديد في عمليات تصنيف وتبويب الحوادث، والاعتماد الكليّ، (Reliance) على عملية السرد التقويميّ (Chronologies)، حسب التسلسل الزمنيّ، هو أهم نقاط الضعف في تلك المنهجيات"، من جانبه قام (يونغمان Jongman) بدراسة أربع منهجيات أخرى، إضافة إلى المنهجيات المذكورة أعلاه، وهي([5]):
1- منهجية تدعى (Imprimis) وتتبع لمؤسسة دراسة الإرهاب في لندن.
2- منهجية تدعى (Comt) وتتبع لمركز دراسات الحركات الاجتماعية في جامعة لايدن-هولندا
3- منهجية مركز (جافا) للدراسات الاستراتيجية في إسرائيل.
4- منهجية خاصّة بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA).
لكن دراسته كانت تعاني من عدم وجود اختبارات إحصائية لتحديد وجه المقارنة بين تلك المنهجيات([6]).
ولعل هذا ما يعيدنا للحديث عن العمل الموسوعيّ (شميد وي ونغمان، 1988) حول "الإرهاب السياسيّ" الذي أكّدا فيه على أن معظم الأديبات التي تناولت دراسة ظاهرة الإرهاب، هي دراسات غير كمّية، وغير تحليلية، بل انطباعية وسطحية (Impressionistic، Superficial)([7]). ولعله من المخيب للأمل أنه لم يتغير شيء على هذا الوضع منذ ثلاثة عقود حتى الآن.
هذا يعني - حسب اعتقادي - أن دراسة المؤشرات دون قواعد شاملة للإرهاب من الناحية الإحصائية الكمّية، ستبقى انطباعية وسطحية، ولعل هذا هو أحد جوانب التحدّي في دراسة ظاهرة الإرهاب العالمي في الحقبة الحالية من العولمة، وهو ما المؤشرات البديلة للإرهاب؟ وهذا ما أرجو أن أتحدث عنه في مقالتي القادمة.
المراجع:
1- الشَرَفات، سعود فياض (2011)، العولمة والارهاب: عالم مسطح أم وديان عميقة؟، دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع، الأردن، عمان، الطبعة الأولى.
2- Kurth Audrey, Cronin, (2003). Behind The Curve: Globalization and International Terrorism, International Security 27, No.3.
3- La Free, Gary,. Dugan, Laura,. Fogg, Heater V., (2006). And Scott, Jeffrey, Building A Global Terrorism Database.
4- Jongman, A.J. “Trends In International And Domestic Terrorism In Western Europe 1968-1988”, 1993, P.26-76 In “Western Responses To Terrorism”, Edited By Alex Schmid And R. Creliristen, London, Frank Class.
[1]. الشَرَفات، سعود، ص ص 124-130 (2011)
[2]. Cronin, Audrey Kurth, op. Cit., (2003), P.58.
[3]. La free, et al, op, cit., ( 2006), P.27.
[4]. Ibid, P.34
[5]. Lafree, et al, op, cit., (2006), P.35.
[6]. Ibid, P.34.
[7]. Schmid, A. & Jongman, )1988(, P.177