محمّد مخاطَبًا في القرآن
فئة : أبحاث محكمة
ملخص الدراسة:
يناهز عدد المسلمين اليوم، وفق آخر الإحصائيّات مليارًا وثلاثمائة مليون نسمة[1]، أغلبهم أمّيّون، والفئة القليلة المتمدرسة منهم لا تحسن فهم العربيّة الفصحى، وهذا ما جعل من عدد القادرين على تعقّل نصّ الوحي نسبة لا تتجاوز 5% من المسلمين[2]. أمّا إذا نظرنا إلى المسألة من زاوية الدّراسات العلميّة المعاصرة، فإنّ المتمثّلين للقرآن، في ضوء المقاربات الحديثة للكتب المقدّسة والنّصّ الدّيني عموما، تصبح ضئيلة جدّا؛ ولعلّ هذا ما دفع المفكّر يوسف الصدّيق إلى القول بوقاحة جميلة، "نحن لم نقرأ القرآن البتّة[3]". ثمّة إذن، فجوة كبيرة تفصل مسلم اليوم عن القرآن، لا من جهة المبادئ العَقَديّة العامّة التي يتضمّنها (التّوحيد، الإيمان بالرّسل والملائكة واليوم الآخر، وإلزاميّة الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ وبعض الأحكام الشّرعيّة)، إنّما من جهة مقاصده التّواصليّة كخطاب بلّغه محمّد بن عبد الله، في لحظة تاريخيّة مخصوصة، إلى سكّان منطقة الحجاز، خلال العقدين الثّاني والثّالث من القرن السّابع بعد الميلاد، وهي فجوة على مستويين:
- مستوى العامّة التي لا تفقه في نصّ الوحي شيئا، وتكتفي بترديد بعض سوره أثناء الصّلاة أو خلال بعض المناسبات الدّينيّة؛ وهي من هذا المنظور أشبه بــ" الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا" حسب تعبير القرآن نفسه. (الجمعة 62/5)
- مستوى الخاصّة التي تشمل فئتين، إحداهما قادرة عند الاقتضاء على التّعامل مع النّصّ في دلالته المباشرة، باعتبار إتقانها للعربيّة الكلاسيكيّة، شأن أغلب المتعلّمين[4]. وثانيتهما قادرة على فهم القرآن، وقد نهضت نخبة منها لتفسيره، شأن وهبة الزّحيلي[5] ومحمّد علي الصّابوني[6] ومحمد متولي شعراوي[7]؛ غير أنّ أصحاب هذه التّفاسير بقوا في نهاية المطاف مشدودين إلى مقتضيات مؤسّسة التّفسير الكلاسيكي، من قبيل التّسليم بعصمة النّبيّ، وبإعجاز النّصّ، وبالمناسبة بين آخر السّورة والبداية التي تليها في ترتيب المصحف[8]، وتندرج ضمن هذا التّوجّه، ويا للمفارقة ! بعض الأعمال الأكاديميّة "الرّاقية"، مثل "الموسوعة القرآنيّة المتخصّصة" التي شارك في تحريرها اثنا عشر أستاذا، جلّهم من جامعة الأزهر، وأستاذا آخر من جامعة عين شمس[9]، وهي في اعتقادنا، مع تقديرنا للمجهودات التي بذلها أصحابها، تبقى دون التّفاسير الكلاسيكيّة عمقًا وانفتاحا، ناهيك ومقارنة بالموسوعات القرآنيّة الصّادرة في الغرب خلال نفس الفترة تقريبا.[10]
معنى هذا أنّ النّخبة المثقّفة في العالم العربي الإسلامي مطالبة اليوم، لا سيما بعد هيمنة خطاب الجهل المقدّس[11] على النّسيج الثّقافي العام، بالسّعي إلى التّقليص من هذه الفجوة التي تفصل المسلم عن كتابه المقدّس، لأنّ الخطابات السّائدة عن القرآن اليوم، ليست متخلّفة عن المنجَز في الغرب فحسب، بل هي متخلّفة حتّى عن منجزات الخطاب التّفسيري القديم.[12]
في هذا السّياق، تندرج دراستنا لمحمّد "مخَاطَبًا في القرآن"، وهي مسألة لم تحظ في تقديرنا بالحدّ الأدنى من البحث، مقارنة بمسائل أخرى من قبيل الوحي أو جمع القرآن أو القصص القرآني أو آيات الأحكام الشّرعيّة.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
[1]- Le monde: (La vie), L’Atlas des religions Hors série, Editions 2011. P.16
[2]- Mohammed Ali Amir- Moezzi, In Dictionnaire du Coran (S.D).M.A.Moezzi, Paris Robert Laffont 2007. P. XII
[3]- Youssef SEDDIK. Nous n’avons jamais lu le Coran. Paris. Editions de l’Aube,2006
[4]- نقول عند الاقتضاء؛ أي إذا فرض عليها إعمال النظر مباشرة في بعض الآي القرآني، لأنّ أغلب المتعلمين المسلمين من أصحاب الشهادات العليا (مهندسين، أطباء، رجال أعمال، أساتذة، يجهلون الكثير من المعطيات الأساسية عن القرآن، وهم من هذه الزاوية لا يختلفون عن عامّة الناس، ولعلّ هذا ما يفسر سهولة اختراق خطاب الدعاة السّلفيين عقولهم. وفي هذا السياق، سبق لي أن سألت طلبتي في الجامعة في عدّة مناسبات عن معنى "وَقَب" في سورة الفلق، فلم يجبني أحد رغم أنّ الكثير منهم يؤدون الصلاة يوميا ويتلون هذه السورة!
[5]- وهبة الزحيلي، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، 15 مجلدا،30 جزءا، بيروت. دمشق، دار الفكر المعاصر ودار الفكر،1991
[6]- محمد علي الصّابوني، صفوة التفاسير، 3 مجلدات، بيروت، دار القلم، 1976
[7]- محمد متولّي شعراوي، خواطري حول القرآن الكريم، القاهرة، أخبار اليوم،1991
[8]- انظر عن التسليم بالمناسبة مثلا تفسير فخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب. بيروت، دار الفكر 1990، الجزء 30، ص.188
[9]- الموسوعة القرآنية المتخصصة، القاهرة، جمهورية مصر العربية، وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 2005
[10]- من هذه الموسوعات نذكر بالخصوص:
-Encyclopeadia of the Quran. 5 volumes, Brill. Leidier. Jane Dammen McAuliffe, Editor. 2001. 2006.
- Dictionnaire du Coran (S.D), Mohammed Ali Amir- Moezzi, Paris,2007
[11]- هذه عبارة مقتبسة من عنوان كتاب أوليفيي رُوا. أحد المختصين في دراسة الإسلام المعاصر. انظر:
-Olivier Roy, La sainte ignorance, le temps de la religion sans culture, Paris Editions du seuil. 2008.
و المقصود هنا، الخطاب السّلفي الذي ينهض بنشره الدعاة والأئمة عبر مختلف الأجهزة الإيديولوجية للدولة (المساجد. وسائل الإعلام السمعية البصرية. دور النشر...)، ويمكن اعتبار أعمال محمد متولي شعراوي وخُطَبُهُ عيّنة ممثلة لهذا الخطاب.
[12]- يمكنك أن تقارن في هذا الصدد بين انفتاحيّة تفسير الطبري مثلا (جامع البيان في تأويل القرآن)، من جهة قبوله للعديد من التآويل "المحرجة"، وبين ضيق أفق بعض التفاسير المعاصرة مثل "تفسير وهبة الزّحيلي".