مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية مجموعة من المؤلفين
فئة : قراءات في كتب
مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية
مجموعة من المؤلفين
صدر عن مركز نهوض، ترجمة، لكتاب، مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير كل من، محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة كل من، حسام صبري، مصطفى الفقي، مراجعة وتقديم عبد الرحمن حللي، الطبعة الألى 2024م، بيروت لبنان.
مدار فكرة الكتاب
ليس هناك كتاب من الكتب الدينية، اهتم به الناس قديما وحديثا، أكثر من اهتمامهم بكتاب القرآن الكريم، فالنسبة إلى المسلمين طيلة أربعة عشر قرنا، فهم يقرؤون ويفسرون ويؤولون...كتابا يؤمنون بأنه من عند الله، والإيمان هنا على مستوى التطبيق الثقافي، فهو طريق متعدد ومتنوع، بتعدد مختلف طوائف المسلمين ومذاهبهم وفرقهم الكلامية... وبتعدد المجالات الثقافية الواسعة التي غطاها الإسلام ما بين الشرق والغرب، في الهند والصين وآسيا، والفرس والأكراد والأتراك والأمازيغ والأفارقة... فمختلف هذه الثقافات كان لها دورها في تنوع التجارب في فهم القرآن ودراسته وتفسيره، إلى درجة يتعذر معها إحصاء كل ما كتب في الثقافة الإسلامية حول القرآن دراسة وتفسيرا وتأويلا؛ فالمتداول والذي نعرفه هو الذي اكتسب نوعا من الشهرة والحضور نتيجة أسباب ودواع اجتماعية وسياسية وثقافية، في جميع الأحوال. فالمسلمون طيلة أربعة عشر قرنا، متفقون حول قرآن واحد ونسخة واحدة، لكن تصورها وفهمها ودراستهم وقراءتهم لها، ليست فهما وقراءة واحدة، وهذا أمر طبعي وجاري به العمل. فليس هناك زمن تخلى فيه المسلمون عن كتابهم أو استبدلوه بكتاب آخر، صحيح أنهم توسلوا في فهمه وتفسيره من خلال كتب أخرى، ونشير هنا إلى كتب الحديث التي كان لها دور لا غنى عنه في فهم القرآن منذ القدم.
أما بالنسبة إلى الذين لا يرون في القرآن كتابا من عند الله، وخاصة منهم اليهود والنصارى، فالقرآن نفسه يسجل لنا طبيعة مواقفهم منه، ويخبرنا أنه يشترك مع الكتب التي يؤمنون بها (التوراة والإنجيل) في الكثير من القضايا والمواضيع، فالذي جاء محمد، صلى الله عليه وسلم، تكملة لما جاء الأنبياء والرسل من قبله، وقد أقرَّ القرآن بأن الذي يضمه قد سبقته إليه الصحف الأولى التي جاءت الأنبياء قبله قال تعالى:﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)﴾ (الأعلى) القرآن الكريم لا يتوقف عند الإقرار بأنه يعترف بما سبقه من الكتاب، بل يعتبر نفسه مهيمنا؛ أي مؤتمنا على ما سبقه من الكتاب؛ إذ سينفي عنه تلك الكتب ما لحقها من التبديل والإضافات التي أضيفت إليها، نتيجة ظروف مقصودة أو غير مقصودة قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) ﴾ (المائدة)
هذا المعطى المنهجي الذي بسطه القرآن، جعل الجماعات من اليهود والنصارى، تنظر إليه بكونه ناقل عما سبقه من الكتاب؛ يعني أنها تأخذ بمبدأ التصديق والاعتراف الذي قال به القرآن في حق ما سبقه من الكتاب، وتسقط مبدأ الهيمنة التي تعني الائتمان الذي يستوجب المراجعة النقدية، هذا هو الموقف العالم قديما وحديثا من القرآن بالنسبة إلى الذين لا يؤمنون به من اليهود والنصارى. صحيح أنه من الصعب أن نجد أدبيات قديمة تعزز هذا الموقف، ولكن هذا الموقف يبدو واضحا في الكثير من الدراسات والأبحاث والدراسات الاستشراقية، خاصة ما بعد النصف الأخير من القرن التاسع عشر مع أبراهام غايغر ومن بعده تيودور نولدكه وغيرهما كثير؛ إذ ظهرت في القرن العشرين الكثير من الكتابات والمشاريع العلمية في حقل الدراسات الاستشراقية في مجال دراسة القرآن. ومما لا شك فيه أن هناك دراسات قد خرجت عن هذا الموقف، وسعت لتفهم القرآن وتدرسه بمعزل عن خلفياتها الدينية إلا أنها نادرة، ولا شك أن هناك اتجاهات يهمها الجانب العلمي أكثر ما يهمها الموقف الأيديولوجي في النظرة إلى القرآن.
أبواب الكتاب
وفق ما سبق "لا تخفى أهميةُ الاطلاع على ما شهدته الأوساطُ الاستشراقية والدوائر الأكاديمية الغربية في الآونة الأخيرة من جهود وافرة في دراسة النص القرآني والتأريخ له. ومن هنا تأتي أهمية ترجمة هذا الكتاب المرجعي بعنوان "مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية"، وهو مرجع لا يكاد يغادر مسألةً من أصول المسائل أو قضيةً من أمهات القضايا في حقل الدراسات القرآنية إلا تناولها بالدرس والمناقشة، مخاطبًا العقل الحديث بلغة العصر الحديث. ففي أبوابٍ ثمانية تنتظم سبعة وخمسون فصلًا، عرض مؤلِّفو المرجع لكثير من القضايا المتعلِّقة بالحالة الراهنة لحقل الدراسات القرآنية، والمحيط التاريخي الذي نشأ فيه القرآن، وما يتصل بجمعه ونقله ومخطوطاته ونقوشه ومطبوعاته، ومذاهب تفسيره وتأويله، وأبعاده البنيوية والأدبية، وموضوعاته ومحاوره الكبرى العقدية والتشريعية والأخلاقية والسياسية، وغيرها من القضايا المهمَّة"[1] ولتغطية مختلف هذه المواضيع تضمن الكتاب الأبواب التالية: الباب الأول: (وضع الدراسات القرآنية) الباب الثاني: (المحيط التاريخي للقرآن) الباب الثالث: (النقل النصِّي، الجمع القرآني، والمخطوطات، والنقوش والإصدارات المطبوعة) الباب الرابع: (الأبعاد البنيوية والأدبية في القرآن) الباب الخامس:(موضوعات القرآن ومحاوره الكبرى) الباب السادس: (القرآن في ضوء السياق: الترجمة والثقافة) الباب السابع: (الدرس التفسيري: الدراسات العلمية والتفاسير المبكّرة والكلاسيكية والحديثة)، الباب الثامن: (تفسير القرآن: الخطابات، والبنى، والتأويل) مختلف هذه الأبواب تخللتها العديد من الدراسات والأبحاث، من لدن الكثير من الباحثين والدارسين منهم غربيين وعرب.
أهمية الكتاب
تقتضي الضرورة العلمية، معرفة ما يكتبه الآخر عن القرآن؛ وذلك لثلاثة أمور مهمة: الأمر الأول الاطلاع على فهم تصورات الآخر حول القرآن، وفهم كيف ينظر إليه، وهذا أمر ينبني على أساس تقوية الحوار والتواصل الثقافي والفكري؛ إذ ليس بالضرورة أن تكون عند الآخر نفس تصوراتها وقناعاتنا تجاه القرآن الكريم، فكل له منطلق معرفي وثقافي، مع العلم أن القرآن خطاب للناس جميعا فمن حق الكل أن يقرأه وفق سياقه الثقافي. ويترتب عن هذا الأمر أن النظر إلى القرآن من زوايا مختلفة سينتج عنه نوع من الحوار الحضاري والثقافي على أرضية القرآن معه أو ضده. الأمر الثاني: العلم بمختلف الآليات والمعارف والمناهج التي يستحضرها الآخر في قراءته للقرآن، بهدف استثمار الجزء المهم منها في تأويل وقراءة القرآن وفق مقتضيات الزمن الذي نعيشه اليوم. الأمر الثالث: قراءة ما يكتبه الآخر عن القرآن والإحاطة به، سيساعدنا على تصنيف مختلف ما كتب، ونتمكن من تصنيف تلك الكتابات المهوسة بالقول إن القرآن منقول عن العهد القديم والعهد الجديد، أو أنه ظهر في زمن الإمبراطورية العباسية وغير ذلك. وتصنيف مختلف الكتابات المهووسة بالبحث في تاريخ القرآن وتاريخ نزوله وتدوينه، والبحث في تركيبته التاريخية، وهذا اتجاه يخفي من ورائه، هم البحث عن وجود قرآن آخر بدل الذي بين يدي المسلمين اليوم، فمشكلة هؤلاء تعود إلى الاعتراض عن نسخة واحدة من القرآن. ونصنف الاتجاه الذي يبحث في بنية القرآن وتصوراته الكلية ورؤيته الى العالم.
ليس من المعقول أن نعرض كلّيا عما يكتبه الاخر حول القرآن، فهناك الكثير من التصورات الموضوعية حول القرآن نذكر مثلا قول توماس كارليل وهو مفكر إنجليزي، قوله: حين تقرؤن القرآن لمرة واحدة بعناية ودقة تجدون وتظهر لكم المميزات الخاصة به... جمال القرآن يختلف عن سائر الأعمال الأدبية الأخرى.. ومن أهم خصوصيات القرآن أنه لم يحرف.. فمن رأيي أن القرآن من أوله إلى آخره مليء بالصدق والإنصاف.. فما بعث به النبي عليه الصلاة والسلام وبلغه حق وحقيقة. ونستحضر هنا قول موريس بوكيل قوله: مع تحليل القرآن اليوم في ضوء العلم الحديث، نجد القرب والتوافق بينهم. فلا نستطيع أن نفكر ونقول إن شخصا من زمن محمد بالعلم البسيط الذي يملكه كتاب القرآن. إن تلك الأفكار تكشف عن أن القرآن لا مثيل له، وتجبر صاحب التفكير المادي على قبول تقصيره في ايجاد أدلته وتفسيرها.
[1] محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، موقع نهوض للدراسات والأبحاث، نشر بتاريخ تاريخ النشر يناير 15, 2024م، https://nohoudh-center.com/articles