مفهوم الخلافة: من التّوظيف الأيديولوجي إلى التحرير العلمي
فئة : مقالات
الهدف الأساسي لهذا البحث، هو معالجة الأسئلة البحثيّة التّاليّة: هل الخلافة فريضة شرعية أم اجتهاد سياسي؟ اعتقاد ديني لا يستقيم تدين المجتمع إلا به، أم تجربة تاريخية خاضعة لضرورات ومصالح الاجتماع الإنساني وقواعد وإكراهات التدافع السياسي؟ هل الخلافة الإسلامية نموذج شرعي ديني ثابت توقيفي أنتجه الوحي المقدس يجب استعادته، أم نموذج تاريخي متطور أنتجه الفعل الإنساني المتأثر بقيمه وبيئته الزمنية والمكانية؟ هل في الإسلام أحكام ملزمة، تعين شكل الحكومة، أو تشير إلى هيكل النظام السياسي في الدولة؟ هل تشكل الخلافة مطلبا واقعيا أم أنها مجرد طوبى تستخدم كأداة للتوظيف الأيديولوجي؟
كل هذه الأسئلة، سنعمل على معالجتها بالاستناد إلى تعريف مفهوم الخلافة كما ورد في بعض المعاجم اللغوية، وبعض كتب التفسير، والأحاديث النبوية، وكذلك في اصطلاح العلماء والفقهاء، وذلك حتى نتبيّن الفروق بين المعنى الأصلي لمفردة الخلافة، وبين المعنى السياسي الذي أعطي لها فيما بعد.
أوّلا: تعريف الخلافة في المعاجم اللغوية
قبل البدء بتعريف الخلافة، لابد من الإشارة إلى مسألة يبدو أن لها أهميتها الخاصة، وهي أن لفظ الخلافة مفهوم لغوي، وليس مفهوما شرعيا، ذلك أنه من المعلوم أن علماء الأصول يقسمون الألفاظ من حيث حقيقتها، إلى حقيقة لغوية، وحقيقة عرفية، وحقيقة شرعية، ثم المجاز عند القائلين به، ولفظ الخلافة يندرج ضمن الألفاظ اللغوية التي ليست لها دلالة شرعية.
فالألفاظ الشرعية هي الألفاظ التي اكتسبت مفاهيم جديدة ترتبط بعبادات معروفة، وذلك مثل الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، فهذه الألفاظ كانت تحمل دلالات لغوية خاصة بها قبل الإسلام، ولكنها بعد الإسلام أصبحت تكتنفها دلالات أخرى، إلا أن هذه الدلالات الجديدة لا تخلو من مناسبة تجمع بين هاتين الدلالتين (اللغوية والشرعية).
فالصلاة عبارة عن الدعاء كما في اللغة، والحج عبارة عن القصد، والصوم عبارة عن الإمساك، والزكاة عبارة عن النماء[1]، فالشرع تصرف في هذه الألفاظ وخصصها، حيث أصبحت تدل على حقائق شرعية، صارت هي المتبادرة منه عند الإطلاق.
ويترتب على هذا التمييز أنه لا يحق لأحد أن يصادر على هذا اللفظ، وعلى غيره من الألفاظ التي ليست لها دلالات شرعية، فيعمد إلى إكسابها صبغة شرعية يدعي أنها هي المقصودة للشارع، لأن ذلك يتعارض مع ما قرره علماء الأصول في مناهج تحليل الخطاب وفهم النصوص الشرعية، هذا فضلا عما في ذلك من تقوّل على النص يفضي بصاحبه إلى أن يدخل في الشريعة ما ليس منها.
بعد هذا التنبيه نمر إلى تحديد الدلالة اللغوية للفظ الخلافة كما وردت في المعاجم العربية القديمة، لأنها في نظرنا الأقدر على تقديم التعريفات اللغوية الأصلية، ففي معجم العين للخليل الفراهيدي (ت170ه)، نجده يقول: "والخليفة من استخلف مكان من قبله، ويقوم مقامه، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ﴾[2] أي مستخلفين في الأرض والخالفة الأمة الباقية بعد السالفة"[3].
وجاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس (ت395ه) "الخاء واللام والفاء أصول ثلاثة أحدها أن يجيء شيء بعد شيء، والثاني خلاف قدام، والثالث التغيّر والخلف ما جاء بعد والخلّيفى: الخلافة وإنما سميت خلافة، لأن الثاني يجيء بعد الأول قائما مقامه"[4] وورد في معجم الصحاح "الخليفى بتشديد اللام: الخلافة والخليفة السلطان الأعظم"[5] وقال الزمخشري (ت 538ه): "خلفه جاء بعده خلافة، وخلفه على أهله فأحسن الخلافة، ومات عنها زوجها فخلف عليها فلان إذا تزوجها بعده"[6].
أما في معجم لسان العرب لابن منظور (ت711ه)، فنجده يقول: "الخليفة الذي يستخلف ممن قبله، والخلافة الإمارة وهي الخلّيفى"[7] وفي مفردات القرآن للراغب الأصفهاني (ت 425ه) يقول: "والخلافة النيابة عن الغير إما لموته وإما لعجزه وإما لتشريف المستخلف"[8].
من الواضح إذن أن مفهوم الخلافة في المعاجم اللغوية قد لا يسعف في حسم الخلاف حولها، لكنه يصلح ليكون أرضية تأسيسية، يمكن الانطلاق منها من أجل توضيح دلالات هذا المفهوم، وذلك من أجل المقارنة بين هذه الدلالات، وتبين المعنى اللغوي الأصلي من المعنى التّبعي الذي تم إضافته إلى مفهوم الخلافة.
مما تقدم حول لفظ الخلافة نستنتج الأمور التالية:
1- اشتراك جميع دلالات اللفظ في معنى التغير والتحول من حال إلى حال.
2- انتقال المعنى من الدلالة الحسية الظاهرة لتغير الأشياء وتحولها الجامدة إلى دلالة معنوية لتغير وغياب الأشخاص.
3- إطلاق لفظ الخليفة على القائد وزعيم القبيلة، عرفها العرب قبل الإسلام كما جاء في بيت الشاعر الجاهلي أوس بن حجر:
إن من الحي موجوداً خليفته وما خليف أبي وهب بموجود
فدلالة كلمة خليفة على الأمير دلالة عربية تطور إليها الاستعمال العربي للفظ قبل الإسلام، لا تحمل قدسية ولا اصطلاحية شرعية استحدثت مع الإسلام.
4- إطلاق الخليفة على السلطان الأعظم هي دلالة متأخرة زمناً في الاستعمال اللغوي مقارنة بغيرها من الدلالات، فهي تعبير عما صارت إليه الدلالة في استخدام المتأخرين في القرن الحادي عشر الهجري، والتي باتت الدلالة الأكثر استدعاء في الواقع المعاصر، واستعمالا في الخطاب الفكري الحديث.
بعد عرض مفهوم الخلافة كما وردت في بعض المعاجم اللغوية، يتضح أن هذا اللفظ لا يحمل أية دلالة سياسية، باستثناء ما جاء في لسان العرب لابن منظور ومعجم الصحاح للجوهري، ولا يمكن تفسير ذلك إلا بالنظر إلا السياق الاجتماعي والسياسي الضاغط، وأما ما جاء في مقاييس اللغة لابن فارس من معنى سياسي لمدلول الخلافة، فقد جاء في سياق التأكيد على المعنى اللغوي الأصلي لهذه الكلمة.
وسوف نرى أن القرآن الكريم اقتصر من المعاني اللغوية لمادة الخلافة اللغوية على معنى الاستبدال والتغيير والإنابة، دون معنى السلطان أو الأمير، كما لم تحمل الآيات الدلالات اللغوية المختلفة للفظ في لغة العرب والتي سبق الإشارة إليها، وأنه لم يضف دلالة جديدة إلى لفظ الخلافة، مثل كلمة صلاة التي أضيف إلى مدلولها اللغوي "دعاء" دلالة اصطلاحية شرعية جديدة، كما سنرى امتناع أن يُراد بالخليفة في القرآن الكريم المعنى اللغوي الحرفي الذي يقتضي جعل الإنسان محل الله وبدلا عنه، لأن الدلالة اللغوية تحمل دلالة مستخلِف يرحل، ومستخلَف يحل محله، ويقوم مقامه، وهذا المعنى الحقيقي يمتنع إيراده بالقرينة العقلية والنقلية.
الخلافة الراشدة ليست لها دلالة شرعية دينية، بل لها وصف تاريخي استحدثه المفسر لفترة توفرت في أمرائها عدة خصائص
ثانيا: الخلافة في كتب التفسير
أما في كتب التفسير، فسنجد اختلافا بين المفسرين في تحديد مفهوم الخلافة كما وردت في بعض آيات القرآن الكريم، وذلك بغية الإجابة عن سؤال هل الخلافة الإسلامية نموذج شرعي ديني ثابت توقيفي أنتجه الوحي المقدس يجب استعادته، أم نموذج تاريخي متطور أنتجه الفعل الإنساني المتأثر بقيمه وبيئته الزمنية والمكانية؟ ذلك أن البحث في هذه المسألة هو من أجل ممارسة القراءة التحليلية النقدية البعيدة عن التبريرية أو الدوغمائية السائدة في الخطاب الإسلامي لإظهار أوجه التعدد في أقوال القدامى، وفهمهم الظني المتأثر بثقافة عصرهم لنصوص ذات دلالة احتمالية.
فأخطر ما وقع فيه الخطاب الإسلامي المعاصر تثبيت المعنى عند فهم المفسر وترويجه، كأنه المعنى الوحيد المطابق لمراد الله، مما أعطى للمنتج البشري سلطة الإلهي، وعليه تأسس مفهوم الخلافة الإسلامية في الثقافة الإسلامية المعاصرة، فكثيراً ما يذهب "الدارسون إلى النص القرآني بمفهوم استقر في أذهانهم، ويريدون له سنداً ودليلا من القرآن الكريم، فيستدل باللفظة في الآية القرآنية على معنى لم تُوضع له في أصل الاستعمال العربي الذي نزل به القرآن، فيراد بها دلالة حديثة اكتسبها اللفظ مؤخراً مما يُحدث خلطاً في الدلالة، وارتباكاً في المفهوم، ينبني عليه فهم ضبابي للآية القرآنية".[9]
لم ترد مفردة "الخلافة" في القرآن الكريم، وإنّما وردت مشتقات أخرى من جذرها اللغوي خلف، ويمكن تصنيف الصيغ التي وردت في القرآن الكريم في ست صيغ لغوية:
(أ) جاءت في صيغة استخلف في أربعة مواضع:
1- ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ(133)﴾[10]
2- ﴿قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ(129)﴾[11]
3- ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ(57)﴾[12]
4- ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(55)﴾[13]
(ب) استخدم القرآن الكريم كلمة خليفة في موضعين:
1- ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُون (30)﴾[14]
2- ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ(26)﴾[15]
(ج) جاءت بصيغة الجمع في أربعة مواضع بلفظ خلائف، وموضعين بلفظ خلفاء:
1- ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(165)﴾[16]
2- ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)﴾[17]
3- ﴿فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ(73)﴾[18]
4- ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)﴾[19]
5- ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)﴾[20]
6- ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ(74)﴾[21]
(د) جاءت بلفظ خَلْفٌ في ثلاثة مواضع:
1- ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(169)﴾[22]
2- ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا(59)﴾[23]
(هـ) جاءت بصيغة خلْف بمعنى وراء في أربعة مواضع مثل قوله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ(92)﴾[24]
(و) جاءت بصيغة خلْف جزءاً من تركيب لغوي مقابل لـ «بين يديه» أو «بين أيديهم» في عشرة مواضع، مثل قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17)﴾[25]
بناء على ما تقدم يمكن استخلاص النتائج التالية[26]: "
أولا: لم يرد لفظ الخلافة صراحة في القرآن الكريم، وإنّما جاء الفعل يستخلف، والمفرد خليفة، والجمع خلائف وخلفاء، والمفرد خلْف.
ثانيا: أن كلمة (خلْفَ) من بين مشتقات مادة خلَف اللغوية الأكثر استعمالا في القرآن الكريم كما جاء في (د،) (هـ،) (و) مفيدة الظرفية الزمنية، فهي تشير إلى سابق ولاحق، ففي (د) أفادت معنى القرن يأتي بعد القرن، أو العوض والبدل، وفي (هـ) أفادت معنى وراء، وفي (و) جاءت كلمة خلف مضادة لكلمة أمام المدلول عليها بلفظ «ما بين أيديهم»؛ ليدل التركيب بطريق الكناية على معاني الإحاطة، والشمول، والعموم، والتخلل تارة صفة لعلم الله «يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم»، وتارة صفة لتقوى العبد في قوله تعالى: «اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم، » وتارة صفة للتأمل والنظر كما في قوله تعالى: «أولم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم.
ثالثا: أن الآيات تحدثت عن استخلاف الله للإنسان بالفعل يستخلف في (أ) والاسم خليفة وخلفاء في (ب،) و(ج) في قوله تعالى: «وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة»؛ أي أن آدم وبنيه خلائف الله في الأرض، والدلالة هنا ليست بالمعنى المعجمي للكلمة الذي يقتضي جعل الإنسان محل الله وبدلا عنه؛ لأن الدلالة اللغوية الحقيقية للكلمة مستخلِف يرحل، ومستخلَف يحل محله، ويقوم مقامه، وهذا المعنى الحقيقي يمتنع إيراده بالقرينة النقلية والعقلية، فالوحي والعقل يأباه. فما دلالة الاستخلاف؟ يُوضح ذلك حوار الملائكة: «أتجعل فيها من يُفسد فيها، ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟» فتحدثت الملائكة بنقيض حقيقة الاستخلاف التي قد يُضيعها آدم أو بنوه من بعده. فحقيقة الاستخلاف القرآني الذي عهد به الله لآدم وبنيه كامن في تعمير الأرض وإصلاحها، فلا يفسدون فيها، والتعايش رغم اختلافهم فلا يسفكون الدماء، والتعبد بكلمات الله كما تسبح الملائكة وتقدس لله.
رابعا: لم يُضف القرآن الكريم دلالة جديدة إلى لفظ الخلافة، مثل كلمة صلاة التي أضيف إلى مدلولها اللغوي (دعاء) دلالة اصطلاحية شرعية جديدة بالاستعمال القرآني لها، فأصبحت اسماً لشعيرة تعبدية تمثل إحدى أركان الإسلام، ومثلها كلمة زكاة، بخلاف كلمة خلافة التي لم تكتسب مفهوماً شرعياً جديداً في الاستعمال القرآني، كما روج لذلك كثير من الناس في خطابهم الدعوي.
خامسا: الأساليب القرآنية التي وردت فيها مشتقات الخلافة ليست من قبيل الأساليب الإنشائية التي تحمل معنى الأمر أو النهي، مثل آيات التكليف في القرآن الكريم، بل جاءت آيات الخلافة في سياقات خبرية تنوعت بين التذكير بنعمة الله امتناناً على الإنسانية في عمومها أو الفئة المؤمنة المتعبدة المتبعة لنبي بعينه، فأتت كلمة خلائف وخلفاء في سياق التذكير بنعمة تجدد الحياة جيلا من بعد جيل.
فمن الأخطاء الشائعة في التعامل مع دلالات القرآن الكريم البحث عن معنى الكلمة المعجمي منفردا واختيار الدلالة التاريخية المتأخرة، والصواب حسم دلالته المعجمية من خلال الاستعمال الوظيفي للكلمة في السياق القرآني، فمعاني القرآن تكمن في سياقاته اللغوية، وليس بعزل الألفاظ والبحث في دلالاتها الحديثة ثمّ إعادة إسقاطها على القرآن الكريم مرة أخرى.
سادسا: أن الاستخلاف يقتضي سيادة الإنسان على الكون، وهذا لن يتحقق إلا بإطلاق نعمة التفكير العقلي مناط التكليف والتكريم، والتميز الإنساني عن سائر المخلوقات، فيكون الكون خاضعاً لعقل الإنسان، ويكون الإنسان روحياً في الكون متعبداً لله، فلا يطغى فيه، فآيات الاستخلاف في القرآن الكريم تأكيد على قيادة العقل البشري للأرض وفق مبادئ وقيم القرآن العامة.
سابعا: إنّ القرآن الكريم اقتصر من المعاني اللغوية لمادة الخلافة اللغوية على معنى الاستبدال والتغيير والإنابة في مفهومها العام، دون غيرها من الدلالات اللغوية بما فيها معنى السلطان أو الأمير، فمفهوم الإمارة تحدث عنه القرآن بلفظ الملك كحديث القرآن عن مُلك طالوت وسليمان.
أما في أقوال المفسرين، فسنجد أن معنى الخلافة والاستخلاف يتراوح بين التفسير اللغوي للآية وبين التفسير الأيديولوجي والسياسي، فنجد الطبري مثلا يقول في تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُون (30)﴾[27] والخليفة الفعلية من قولك خلف فلان فلانا في هذا الأمر، إذا قام مقامه فيه بعده، كما قال جل ثناؤه ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)﴾[28] يعني بذلك أنه أبدلكم في الأرض منهم فجعلكم خلفاء بعدهم، من ذلك قيل للسلطان الأعظم خليفة لأنه خلف الذي كان قبله، فقام بالأمر مقامه"[29] ويقول الزمخشري في تفسيره الكشاف "والخليفة من يخلف غيره، والمعنى خليفة منكم فخلفهم فيها آدم وذريته"[30]
أما في تفسير التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور، فنجده يقول في تفسير الآية الثلاثين من سورة البقرة بأن فيها "إيماء إلى حاجة البشر إلى إقامة خليفة لتنفيذ الفصل بين الناس في منازعاتهم، إذ لا يستقيم نظام يجمع البشر بدون ذلك (...) إلى أن جاء الإسلام فجمع الرسالة والخلافة لأن دين الإسلام غاية مراد الله تعالى من الشرائع، وهو الشريعة الخاتمة، ولأن امتزاج الدين والملك هو أكمل مظاهر الخطتين..ولهذا أجمع أصحاب رسول الله بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على إقامة الخليفة لحفظ نظام الأمة وتنفيذ الشريعة"[31].
وجاء في تفسير القرطبي في تفسير هذه الآية "هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع لتجتمع به الكلمة وتنفذ به أحكام الخليفة (...) ثم إن الصديق رضي الله عنه لما حضرته الوفاة عهد إلى عمر في الإمامة، ولم يقل له أحد هذا أمر غير واجب علينا ولا عليك، فدل ذلك على وجوبها، وأنها ركن من أركان الدين الذي به قوام المسلمين"[32].
هكذا إذاً نلاحظ أن تفسير هذه الآية يختلف من مفسر لآخر، وذلك بحسب الاعتبارات المذهبية والسياسية التي كانت سائدة في حياة كل مفسر، فقد لاحظنا كيف أن القرطبي عمل على ليّ عنق الآية وتفسيرها تفسيرا خاصا، حيث عمد إلى تأصيل المعنى السياسي للفظ الخلافة من خلال تأويل معناها تأويلا سياسيا، إلى الحد الذي اعتبر فيه أن الخلافة بمعناها السياسي ركن من أركان الدين، ولا يخفى ما في ذلك من مخالفة لمذهب أهل السنة الذين يجمعون على اعتبارها من الفروع الفقهية، وذلك خلافا للشيعة الذين يعتبرونها أصلا من أصول الدين، وقد تبين لنا أن الخلافة لا تخرج في مدلول القرآن الكريم عن معنى الاستخلاف وعمارة الأرض، بالسعي فيها إصلاحا لا إفسادا.
فتداول البعض أقوال المفسرين وكأنها مطابقة لمراد الله في الآية، فألغى المسافة بين ذات المفسر المفكرة والموضوع متمثلا في النص الديني، فبات تفسير النص له سلطة المطلق الإلهي. كما عمل البعض على تعظيم أقوال المفسر ظنّاً منه أن فهم المفسر موضوعي تماماً ليس فيه حضور لذات المفسر برؤيته الإنسانية النسبية المحتملة للصواب والخطأ المتأثرة بالأفق التاريخي، والنسق الثقافي لعصرها، فأمسى لتراث المفسرين مكانة ترتفع بكتاباتهم عن النقد والمراجعة والتجاوز، فتوقف أكثر الدارسين عند حدود الشرح والترديد، ولهذا أخرنا أقوال المفسرين عن دراسته المباشرة في اللفظ القرآني، في محاولة لرفع الوساطة التراثية بين الباحث وبين القرآن الكريم، وليس هذا دعوة لإهدار جهود القدامى، بل للاستفادة منها بوضعها في مكانتها الحقيقية.
لقد كان المفسر السني تحت تأثير الخطاب الشيعي الذي يُخاصمه فكرياً، لكنه ليس منفصلا عنه، فمثلما صنف المتكلمون والفقهاء في باب الخلافة تحت عنوان الإمامة بتأثر من تنظير الشيعة السابق عليهم، كذلك تأثر المفسرون بالشيعة حين ارتفعوا بعهد الخلفاء الأوائل إلى منزلة قريبة من منزلة عهود الأئمة المعصومين في الفكر الإسلامي الشيعي، فإذا كان للشيعة أئمة فللسنّة أئمة هم خلفاء الله في الأرض، ومن ثم تشكلت الدلالة اللغوية المتأخرة لكلمة خليفة متأثرة بثقافة المفسر، فأصبح الخليفة الإمام والسلطان الأعظم، وارتفع المفسر بتلك الحقبة الزمنية إلى منزلة مثالية في حياة الإنسانية، فجرد من النتاج البشري التجريبي المتطور تجربة تاريخية أعطاها قداسة المطلق فكأنهم عاشوا زمناً ملائكياً.
وفي الوقت الذي جعل المفسر فترة الخلافة الراشدة صورة ثابتة، كان الواقع التاريخي لها يقول شيئا آخر من اختلاف في الرؤى حول الكثير من المواقف والقرارات، ابتداء من اختلاف طريقة كل واحد من الراشدين في اختيار خليفته، وقرارات الحرب والمهادنة التي ظهرت في اختلاف أبي بكر وعمر حول حرب القبائل العربية الممتنعة عن الزكاة، وطريقة تقسيم الغنائم التي استحدث فيها عمر نظاماً يخالف ظاهر النص القرآني، وصنيع سابقه أبي بكر، مراعاة من عمر لمتغيرات الواقع الجديد في لفتة تُظهر تاريخية وزمنية بعض الأحكام، بل تبدل الاتفاق إلى اختلاف في المواقف في أواخر عهد عثمان، ثم صراع واقتتال في عهد علي رضي الله عنهم جميعا.
ولم تشمل الخلافة الإسلامية من منظور المفسرين كامل المسار التاريخي من خلافة أبي بكر وصولا لعصورهم، بل ميزوا عهود الصحابة الأربعة بالخلافة الراشدة، ورأوا ما عداها خلافة صورية وملكاً جبرياً، فالمفسر استلهم تاريخ المسلمين الأوائل من مرويات الحديث، وليس من أحداثه، متأثراً في فهمه بشواغل عصره وهمومه وما تتوق إليه نفسه من خلافة عادلة على منهاج النبوة لم يرها في الماضي القريب أو في واقعه الذي تعاقب عليه خلفاء رأى فيهم ضعفاً وظلماً انتهى بالتفكك والانهيار؛ لذا ميّز خلافة الصحابة الأوائل عنهم بكلمة "راشدة".
فالخلافة الراشدة ليست لها دلالة شرعية دينية كما أوهم فهم المفسر، بل لها "وصف تاريخي استحدثه المفسر لفترة توفرت في أمرائها عدة خصائص ميّزتهم عن ملوك العرب من الغساسنة، وهي أنّهم أقوياء وأمناء يميزون بين ملكيتهم الخاصة المحدودة والملكية العامة، والحرص على تحقيق العدل، وعدم جعل الحكم في عصبتهم بتوريث الحكم في ذويهم، فالخلافة ملك راشد على منهج النبي، حاول فيه الصحابة التزام مبادئ الإسلام في إمارتهم."[33]
بناء على ما سبق، يمكن القول إنّ الخلافة لا تشير إلى أي معنى سياسي، إذ إن المعنى المتعارف عليه هو الأمر والإمارة، لكن السياق التاريخي والاجتماعي والجدل الكلامي والفقهي هو الذي دفع بعض المفسرين إلى تغليب الاعتبارات السياسية الضيقة، على الاعتبارات العلمية، وذلك خدمة لأهدافهم وانتماءاتهم المذهبية، ذلك أن حقيقة الاستخلاف القرآني أن الله عهد للإنسان بمهمة التعمير والإصلاح في الأرض، فلا يفسد فيها، والتعايش رغم الاختلاف فلا يسفك الدماء، والتعبد بكلمات الله كما تسبح الملائكة وتقدس لله، فلم يضف القرآن الكريم دلالة جديدة إلى لفظ الخلافة، مثل كلمة صلاة التي أضيف إلى مدلولها اللغوي »دعاء» دلالة اصطلاحية شرعية جديدة من الاستعمال القرآني لها، فالقرآن الكريم اقتصر من المعاني اللغوية لمادة الخلافة اللغوية على معنى الاستبدال والتغيير والإنابة، دون معنى السلطان أو الأمير، كما لم تحمل الآيات الدلالات اللغوية المختلفة للفظ في لغة العرب، والتي سبقت الإشارة إليها، كما أن الأساليب القرآنية التي وردت فيها مشتقات كلمة الخلافة ليست من قبيل الأساليب الإنشائية التي تحمل معنى الأمر أو النهي مثل آيات التكليف في القرآن الكريم، بل جاءت آيات الخلافة في سياقات خبرية تنوعت بين التذكير بنعمة الله امتناناً على الإنسانية في عمومها أو الفئة المؤمنة المتعبدة المتبعة لنبي بعينه، وأتت تارة في أسلوب حث واستنهاض كما جاءت استعمالات للّفظ في سياقات قصص النبيين.
ثالثا: الخلافة في السُنّة النبوية
أما في السنة النبوية، فإننا نجد عددا من الأحاديث تتضمن لفظة الخلافة، ومنها عن أبي حازم أنّه قال قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يحدث عن النبي، قال: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك منهم نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا؟ قال فوا بيعة الأول فالأول واعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استراعهم"[34] وهذا الحديث كما يقول محمد عمارة "يحدد أن طبيعة نظام الخلافة في الإسلام تختلف عن طبيعة نظام الحكم لدى العبرانيين، فعند العبرانيين كانت السلطة الدينية متحدة بالسلطة السياسية، لأن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي. أما في الإسلام، فالخلفاء غير الأنبياء لأنه لا نبوة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم"[35].
ومن أشهر ما ورد في الشأن السياسي، من الحديث النبوي، قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم يكون ملكا عاضا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت"[36]
وهذا حديث مشهور، متداول لدى كثير من أبناء الحركات الإسلامية اليوم، يستدلون به على فساد الوضع السياسي المعاصر، و(يؤصلون) به للثورة ضده والزحف عليه! ويرد فريد الأنصاري على من يستدلون بهذا الحديث في التنظير السياسي للخلافة، فيعتبر أن هذا الحديث بالنسبة إلى النظر العلمي الأصولي لا يؤصل لشيء من ذلك! وإنما الدلالة الأصولية لهذا الحديث، بكل مراتبها الممكنة، هي مجرد وصف خبري لما سيكون عليه الحال بعد النبي صلى الله عليه وسلم، من أمر الخلافة والملك إلى ما شاء الله! فهو إذن من أحاديث الفتن، لا من نصوص التشريع[37].
ومشكلة الاستدلال بالسنة لدى بعض الإسلاميين اعتمادهم في كثير من الأحوال على الأحاديث الضعيفة والموضوعة، بل في بعض الأحيان على الخرافات، ومعلوم أن أحاديث الفتن في غالبها أخبار، لا إنشاءات، بالمعنى البلاغي. والأحكام الشرعية إنما تؤخذ من (الإنشاء) لا من (الخبر) بالمعنى المذكور، ويعضد هذا الفهم ما قاله بشار عواد من أن الأحاديث التي ساقها مصنفو كتب الحديث في الإمارة ليس فيها أي تقنين لنظام الحكم، معقباً على حديث «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ» بأن الحديث صححه الترمذي في الجملة، وحسنه هو في تعليقه على ابن ماجه من حيث السند، لكن متنه فيه نظر، ... في عبارة «وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين»، إذ كيف يُمكن إقرانُها بسنّةّ النبي - صلى الله عليه وسلم - الواجبة الاتباع، فالنبي يُوحى إليه، ولا يقره الله على خطأ، بينما الخلفاء من بعده لا يُوحى إليهم لا بتصحيح خطأ ولا غيره، كما أن تعبير (الراشدين) قد استعمل بعد انقضاء عهد الخلفاء الأربعة الأوائل؛ تمييزاً لهم عمن جاء من بعدهم، فضلا عن أن هذه العبارة ليس لها شاهد صحيح في الحديث النبوي، كما تشهد بذلك الصناعة الحديثية، ... فلفظ خليفة كلمة استحدثت وصفاً لرجل على رأس السلطة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان يُمكن أن يُسمى بتسمية أخرى، ورغم ذلك صار هذا المصطلح ذا صفة دينية، وكأنّه نظام وضعه الإسلام أو أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى صار نظام الخلافة مقدساً عند الكثير من الجماعات قديماً وحديثاً، ويرى - مشيراً إلى روايتي "اثنا عشر خليفة" و"اثنا عشر رجلا" أن رواية الحديث جاءت بالمعنى، وأن هذا جائز ومعروف؛ لذا تعددت ألفاظ الروايات، فمجيء كلمة "خليفة" في أحاديث الفتن والتنبّؤات وأشراط الساعة من قبيل الرواية للحديث بالمعنى، والكثير منها أحاديث ضعيفة لا تصح والقليل الصحيح استعمل لفظ الخليفة بالمعنى الذي عرف فيما بعد في عصر الرواة."[38]
اضطر الفقهاء لشرعنة إمارة الاستيلاء وسلطة المتغلب، حفظا للوحدة، ودرءا للانقسام
فالخلافة الراشدة في الروايات "استخلاف إنساني عام كما أشار إليه الخطاب القرآني، وأنّه يتعين تأويل الأحاديث وعدم تقييدها بحوادث تاريخية، أو التمسك بظاهر لفظها، حتى لا يحدث تعارض بين المرويات، فأحاديث التبشير والتحذير مثل آيات الاستخلاف لا تحمل تحديداً ولا تخصيصاً، ولا تحكي وقائع تاريخية بعينها، فمحاولات المفسر إسقاط المرويات على الواقع احتمالية، لا يملك أن يقطع بها، فكيف نجعلها يقينية مقطوعا بها؟ فالخلافة ليست رجلا خليفة أو ملكاً أو رئيساً، بل هي فعل إنساني عام، تعبد وعمران وإصلاح يشترك فيه الرعيّة والراعي معاً... فالمرويات تحكي حالة متجددة متغايرة في المسار الإنساني بين استخلاف يصلح فيحقق مبادئ الإسلام، وملك يركن إلى الأطماع فيفسد ويهدر قيم العدل والحرية والمساواة وغيرها من مبادئ الإسلام، فكل ممارسة إنسانية تحترم مبادئ الإسلام وثوابته تُعد جزءاً من البشرى النبوية، فالمعنى مرهون بالإنسان الذي يقيم مبادئ الإسلام أو نقيضها في الأرض."[39]
والإشكالية أن الرشد تحول إلى "مرادف لكلمة مثالي، ثم أصبح صفة اجتماعية ملاصقة لكل من عاش الأربعين عاماً الأولى من تاريخ المسلمين، وهذا يتنافى مع الطبيعة البشرية، فالتجربة الإنسانية تقول إنّه لا يوجد مجتمع مثالي، والواقع التاريخي يؤكد ذلك، فالمجتمع الأول ضم جميع ألوان الطيف مثل غيرهّ من المجتمعات، غير أن تلك الفترة من التاريخ اكتسبت رفعة ومكانة في نفوس المسلمين لمنزلة أصحابها وقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم، وهنا يتعين التمييز بين أمانة الصحابي في النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحرصه على التأسي به التي أثنت عليها المرويات الحديثية ولا نتحدث عنها، وبين ممارساتهم الحياتية، وأفعالهم الإنسانية القابلة للقصور والأخطاء والنقد والمراجعة بما في ذلك السلطة بوصفها تجربة إنسانية يجتهد فيها فيصيب ويخطئ كما عرفوا هم بأنفسهم".[40]
رابعا: الخلافة في الاصطلاح
أما تعريف الخلافة في الاصطلاح: فيقول الماوردي (ت450ه) "الخلافة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به"[41] في حين يعرفها التفتازاني (ت791ه) في متن مقاصد الطالبين بأنها "رئاسة عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم"[42]، وهي على حد قول ابن خلدون(732-808ه) "حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به"[43] وعرفها الجويني (419-478ه) "الإمامة رياسة تامة وزعامة تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا"[44] وقال عنها القلقشندي (756-860ه) هي "الولاية العامة على كافة الأمة والقيام بأمورها والنهوض بأعبائها"[45] وقال رشيد رضا "الخلافة رئاسة الحكومة الجامعة لمصالح الدين والدنيا"[46].
يتبين لنا بعد بسط هذه التعاريف أنها، وإن اختلفت في الصياغة والتعبير عن معنى مصطلح الخلافة، إلا أنها تكاد تتفق على جملة أمور، وهي:
- أن وظيفة الخلافة لها جانبان حفظ المصالح الدنيوية وحفظ المصالح الأخروية، ويترتب على ذلك أن للخليفة سلطة دينية إلى جانب سلطانه السياسي.
- أن الخلافة وسيلة أو أداة لتحقيق تلك المصالح الدنيوية والأخروية، فهي وإن كانت من قبيل ما لا يتم الواجب إلا به، فإن وجوبها هذا لا يستمد من ذاتها وإنما من الغايات والمقاصد العليا للدين فكونها من ذلك لا يضفي عليها أية صبغة من القداسة، فضرورة السلطة في الإسلام لا يعني أنها جزء لا يتجزأ منه، فليس في الإسلام أمر مباشر بإقامتها، لأنها تندرج ضمن سنن الاجتماع البشري وضروراته.
- أنها إمامة وخلافة عن النبوة، ويؤكد هذا أن رجلا قال لأبي بكر رضي الله عنه "يا خليفة الله، فأنكر عليه أبو بكر ذلك، وقال لست بخليفة الله ولكن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم"[47] ومعنى هذا أن منزلة الخليفة من الأمة بمنزلة رسول الله من المؤمنين له عليهم الولاية العامة والطاعة التامة، وله حق القيام على دينهم فيقيم فيهم حدوده وينفذ شرائعه، وله حق القيام على شؤون دنياهم أيضا.
- أن شرعية الخليفة رهينة بتحقيق مصالح الأمة ومن القيام بهاتين الوظيفتين (حراسة الدين وسياسية الدنيا به)
إن هذه التعاريف التي أوردناها لا تخلو بدورها من الاعتبارات المذهبية والسياسية والعقائدية، فلو أخذنا على سبيل المثال تعريف الماوردي (ت450ه) ووقفنا عند دلالات قوله حول وظيفة الخلافة في قوله (حراسة الدين وسياسة الدنيا) سنجد أنها أقرب إلى عبارة عهد أردشير بابك مؤسس الدولة الساسانية والقائلة "إن الدين والملك أخوان، لا قوام لأحدهما إلا بصاحبه، لأن الدين أسّ والملك حارس، ولابد للملك من أسِّه، ولابد للأس من حارسه، لأن ما لا حارس له ضائع، وما لا أس له مهدوم"[48].
وبهذا الصدد يرى رضوان السيد أن المقايسة بين علاقة الدين الزرادشتي بالدولة وعلاقة الإسلام بالدولة هو الذي أفضى إلى هذه الصياغة الوهمية (حراسة الدين وسياسة الدنيا) "لقد اعتقد الماوردي وزملاؤه أنهم بهذه الصياغة وتلك المقايسة، إنما يؤكدون على قوة علاقة السلطة السياسية في عالم الإسلام بالدين بينما الواقع أن الأمور مختلفة تماما بين المجالين الإيراني والإسلامي، فالدين الزرادشتي كان مستتبعا لكسرى وكاد يزول بزوال الدولة الساسانية، وليس الإسلام كذلك (...) ولهذا فأقصى ما يمكن قوله في علاقة الدين بالدولة منذ القرن الرابع الهجري، أن المرجعية العليا للإسلام، وأن السلطة الإسلامية مدنية وأن هناك مؤسسة دينية تتولى الشأن الديني وأن الطرفين يعترف كل منهما بالآخر مع استمرار الصراع على أطراف المجالين، فعندما تقوى الدولة تأخذ من الفقهاء بعض الأمور، وعندما تضعف الدولة ينتزع الفقهاء منها بعض الأمور"[49].
الخاتمة
لقد اضطر الفقهاء لشرعنة إمارة الاستيلاء وسلطة المتغلب، حفظا للوحدة، ودرءا للانقسام، فوجود الدولة السلطانية في المركز إلى جانب الخلافة، بعد أن كانت قد تحكمت بالأطراف "جعل من الضروري بالنسبة إلى الفقهاء صياغة نظرية تأخذ هذا الواقع بعين الاعتبار"[50]. إن تنظير الماوردي إذن للخلافة ليس موجها للخلافة، بل للدولة السلطانية فهو يضع القواعد التي يجب على الدولة السلطانية التقيد بها كي تبقى منسجمة مع تعاليم الدين، فالماوردي عاش في مرحلة تاريخية تميزت بتراجع سلطة الخلافة وصعود دول سلطانية في الأطراف أمسكت بالسلطة الفعلية، وحولت الخلافة إلى مركز تاريخي يعبر عن وحدة الجماعة رغم تفككها السياسي.
وبحكم طبيعة المجتمع العربي الإسلامي، فإن الدين يقوم بأدوار محورية سواء في حياة الفرد أو في حياة المجتمع، ولذلك فإن الفقهاء سعوا إلى تأصيل الواقع السياسي بالعودة إلى الدين، ليضفوا على ذلك صبغة الشرعية والقداسة، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار الصراعات السياسية المذهبية التي كانت سائدة آنذاك.
بناء على كل ذلك، فإننا نصل إلى خلاصة أساسية مفادها أنه بالرغم من خلو لفظة الخلافة من أي مدلول سياسي عند العرب حيث كان اللفظ المتداول آنذاك هو الأمر والإمارة، إلا أن بعض اللغويين والمفسرين والفقهاء تأثرا منهم بالسياق الاجتماعي والسياسي، عملوا على تأصيل المعنى السياسي للفظ الخلافة، بما ينسجم مع انتماءاتهم المذهبية والعقائدية وبما يخدم أغراضهم السياسية، حيث السلطة العلمية في الغالب الأعم تابعة للسلطة السياسية.
[1] ينظر: المستصفى من علم الأصول، للإمام أبي حامد الغزالي، (450 - 505ھ) اعتنى به طه الشيخ المكتبة التوفيقية. 2010. ص 339-341.
[2] سورة الأنعام: الآية 165.
[3] الفراهيدي، الخليل بن أحمد (791-718ھ): معجم العين، ترتيب وتحقيق عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية بيروت- لبنان الطبعة الأولى 2003م، الجزء الأول ص 437
[4] ابن فارس، أبو الحسين أحمد(329-395ھ): معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، دار الفكر، 1979، الجزء الثاني ص 210
[5] الجوهري، إسماعيل بن حماد(ت393 هـ): الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطا دار العلم للملايين بيروت- لبنان الطبعة الرابعة 1990م، المجلد الرابع ص 1356
[6] الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود بن عم بن أحمد (467-538ھ): أساس البلاغة، تحقيق محمد الباسل عيون السود، دار الكتب العلمية بيروت-لبنان الطبعة الأولى 1998، ص 263
[7] ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الإفريقي المصري: لسان العرب، دار صادر بيروت 1997.المجلد التاسع، ص 83
[8] الراغب، الأصفهاني (ت502ھ): مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق عدنان صفوان داوودي، دار القلم دمشق، الطبعة الرابعة 2009م. ص 294
[9] سلامة هيكل، عبد الباسط: مفهوم الخلافة في القرآن الكريم وسلطة المفسر، بحث منشور على موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود، مؤسسة دراسات وأبحاث، بحث عام، قسم الدراسات الدينية، 21 يونيو 2016م. ص4
[10] سورة الأنعام: الآية 133
[11] سورة الأعراف: الآية 129
[12] سورة هود: الآية 57
[13] سورة النور: الآية 55
[14] سورة البقرة: الآية 30
[15] سورة ص: الآية 26
[16] سورة الأنعام: الآية 165
[17] سورة يونس: الآية 14
[18] سورة يونس: الآية 73
[19] سورة فاطر: الآية 39
[20] سورة الأعراف: الآية 69
[21] سورة الأعراف: الآية 74
[22] سورة الأعراف: الآية 169
[23] سورة مريم: الآية 59
[24] سورة يونس: الآية 92
[25] سورة الأعراف: الآية 16
[26] سلامة هيكل، عبد الباسط: مفهوم الخلافة في القرآن الكريم وسلطة المفسر، ص 8-9 مقال سابق.
[27] سورة البقرة: الآية 30
[28] سورة يونس: الآية 14
[29] الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، (224-310ه): تفسير الطبري من كتابه جامع البيان عن تأويل آي القرآن، هذبه وحققه وضبط نصه، وعلق عليه الدكتور بشار عواد وعصام فارس الحراشني، مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الأولى 1994، المجلد الأول ص 162
[30] الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر (467-538): اعتنى به وخرج أحاديثه وعلق عليه خليل مأمون شيحا، دار المعرفة بيروت-لبنان الطبعة الثالثة 2009م. الجزء الأول ص 70
[31] ابن عاشور، محمد الطاهر (1879 - 1973م): تفسير التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984، الجزء الأول ص 399
[32] القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر(ت671ھ): الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، بمشاركة محمد رضوان عرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت –لبنان 2006م. الجزء الأول، ص 396
[33] سلامة هيكل، عبد الباسط: مفهوم الخلافة في القرآن الكريم وسلطة المفسر، ص 24. مقال سابق
[34] أخرجه مسلم في صحيح: كتاب الإمارة.(10) باب وجوب الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء، الأول فالأول حديث رقم (1842) ص 894
[35] عمارة، محمد: الإسلام وفلسفة الحكم، دار الشروق القاهرة، الطبعة الرابعة، 1989م. ص 30
[36] أخرجه الإمام أحمد في مسنده، حديث رقم 18434. والبزار في مسنده7/223. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة تحت رقم: 5
[37] الأنصاري، فريد: البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي، منشورات ألوان مغربية، سلسلة اخترت لكم، 19، مكناس المدينة، المغرب، الطبعة الأولى 1424-2003. ص 63
[38] ينظر: معروف، بشار عواد: مجلة الأزهر، ذو الحجة 1436ھ- سبتمبر، أكتوبر 2015م. ص 2722-2720
[39] سلامة هيكل، عبد الباسط: مفهوم الخلافة في القرآن الكريم وسلطة المفسر، ص 19
[40] المرجع السابق: ص 25
[41] الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب (364-450ھ): الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تحقيق أحمد مبارك البغدادي، مكتبة دار ابن قتيبة، الكويت الطبعة الأولى 1989م. ص 2
[42] التفتازاني، سعد الدين(716-793): شرح المقاصد، تحقيق وتعليق، الدكتور عبد الرحمن عميرة، عالم الكتب بيروت- لبنان الطبعة الثانية 1998م. الجزء الخامس ص 232
[43] ابن خلدون، عبد الرحمان (732-808ھ): المقدمة، حققه عبد الله محمد الدرويش، دار يعرب دمشق الطبعة الأولى 2004م. ص 338
[44] الجويني، أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله: الغياثي، غياث الأمم في التياث الظلم، تحقيق ودراسة الدكتور عبد العظيم الديب، دار المنهاج للنشر والتوزيع، جدة، الطبعة الأولى 2011م، ص 15
[45] القلقشندي(756-860): مآثر الأناقة في معالم الخلافة، تحقيق عبد الستار أحمد فراج، عالم الكتب بيروت، الجزء الأول، بدون تاريخ، ص 13
[46] رضا، محمد رشيد: الخلافة، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة ص 17
[47] ابن خلدون: المقدمة الجزء الأول، ص 366. مصدر سابق
[48] عهد أردشي، نشر إحسان عباس، بيروت 1967 ص 54
[49] ينظر رضوان السيد: الفكر السياسي الإسلامي، دراسة في تطور التفكير بالدولة، مجلة التسامح فصلية فكرية إسلامية، تصدر عن وزارة الشؤون الدينية سلطنة عمان، العدد 4، ص 10
[50] الفضل، شلق: الفقيه والدولة السلطانية، مجلة الاجتهاد، دار الاجتهاد بيروت- لبنان، العدد الرابع السنة الأولى صيف العام 1989م. ص 92