مقال حول الحركة النسوية

فئة :  مقالات

مقال حول الحركة النسوية

مقال حول الحركة النسوية

تقديم:

لا يخفى عن أذهاننا أن موضوع النسوية هو موضوع شائع منذ القرن التاسع عشر في الغرب، وأصبح يلقى رواجا شيئا فشيئا عند الشعوب العربيّة كذلك، لتصبح في فترة وجيزة موضوع العصر، خصوصا لما تمثله هذه الحركة من تأثيرات إيجابيّة في حياة النساء بعد الاضطهاد والتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي كانت تلحق بهم منذ ولادتهم، وعلى غرار هذه الحركة تلقت المرأة مفتاحا جديدا لتحقيق ذاتها وإبراز قدراتها الفكريّة والثقافيّة أمام المجتمعات الغربيّة أو العربيّة.

1- تاريخها وأهمّ روّادها:

هذه الخطوة والبادرة نالت الاستحسان من قبل العديد من المفكّرين والفلاسفة أهمّهم نجد الفيلسوفة الفرنسيّة "سيمون دي بوفوار"، وهي من مؤسّسي هذه الحركة ولا ننكر مجهوداتها في بعث روح جديدة في المرأة، روح تقدّس الحياة وتكرّس قوّتها وعزيمتها في إثبات وجودها ودعم نفسها بنفسها دون الحاجة إلى أي أحد ومحاربتها لشتى أنواع التمييز الجندري. ومن أهمّ كتاباتها، نجد: الجنس الآخر أو الجنس الثاني، وهو كتاب يختزل معاناة المرأة على مر السنين، وتعالج فيه مسألتين كيف أن المرأة جعلت من نفسها هذا الآخر بعد تنازلاتها الدائمة عن دورها في الحياة، ووظيفتها ككائن حي مثلها تماما كالرجل.

وممّا لا شك فيه أنّ بوفوار استطاعت وبقدر كبير من إنشاء ثورة أو موجة ثانية تدعو إلى تحرير المرأة وافتكاك أو نزع مكانتها التّي كانت مسلوبة، ونجد أيضا "ماري ولستون كرافت" من الأوائل المنادين بالنسوية في الغرب، ومن أشهر كتاباتها "الدفاع عن حقوق المرأة" سنة 1792؛ إذ طالبت بحق النساء في التعليم ومشاركتهم في الحياة العامّة.

نؤكّد هنا أنّ ثمة نضالات عديدة لتحرير المرأة وفي العقود الأخيرة، رأينا توسّع في رقعة المطالب مثل المساواة في الأجر والميراث في دول إسلاميّة ومكافحة ظاهرة العنف ضد المرأة...

هذه الحركة لم يكن هدفها تمييز المرأة عن الرجل فقط، ولكن مبدأها الأساسي هو تحقيق العدالة واسترجاع مكانة النساء بطريقة أو بأخرى في المجتمعات الأوروبية أو غيرها...فلا خوف على مكانتك كرجل. وأبرز مطالب هذه الحركة:

*- الحريّة: من أولى الشعارات التي رفعت في ذلك الزمن شعار الحريّة؛ فالمرأة كانت خاضعة لسلطة الأب، الأخ، الأم، العم، الخال...والدولة أيضا تهمّشها، لا قانون يحميها، المرأة خادمة في المنزل لا حقوق ولا حريات هي جارية...

*- العدالة: تحقيق العدالة لما تتعرض إليه هذه الأخيرة من تمييز في التعليم، العمل، الثقافة...

*- المساواة: طلب المساواة مع الرجل في الفرص المتاحة الاقتصادية بالأساس، المساواة في الأجور، وفرص الترقيات، والتمتع بالعطل...

*- حق الصحة: من حق المرأة أن تقرر كم طفلا تريد إنجابه، لا دخل للمجتمع في ذلك، فهذا جسدها وهي من تقيّمه؛ ففي الشعوب القديمة يفرض عليها العمل في البيت وإنجاب الأطفال فقط فهل هذا عدل؟

2- الحركة النسويّة وإشعاعها في عالمنا العربي:

تسلّلت هذه الحركة إلى الفكر العربي تدريجيا؛ إذ أصبحت النساء تعي بمدى خطورة الوضعية التي وصلن إليها ممّا خلّف حملة كبيرة وكبيرة جدّا لاقتلاع حقوقهنّ من الجذور، اندلعت هذه الشعلة النضاليّة في رحاب بلاد الفراعنة مصر، ونذكر أوّل مؤسسيها "هدى الشعراوي"، حيث كان لمنظمتها صدى كبير ليس على مصر فقط، بل حتى في دول أخرى. وبهذا استطاعت أن تفرض مطالبها وتحرّر نساء مصر، وكان هذا التأثير على لبنان وتونس وغيرها من الدول بتحقيق الحرية والحق في التعليم والمشاركة في الحياة السياسية...ورغم ذلك، فإنّ إلى يومنا هذا، هناك بعض الدول العربيّة تسلب حرّيات النساء وتحتكر كل تفاصيل حياتهم بقيود صارمة وأنانيّة دون التفكير فيها ككائن حيّ ومن حقه ممارسة حياة طبيعيّة بلا ضغوطات وإلزاميات.

3- النسويّة كما لم نتحدّث عنها من قبل "النسويّة الحديثة":

هي نسويّة ليست مختلفة عن ذي قبل، ولكن تنوّعت فيها المطالب، لم تعد تسعى للحريّة فقط والمساواة مع الرجل، وإنّما خرجت هذه الأخيرة واغتنمت كلّ الفرص، ونجحت في فرض ذاتها وأفكارها بعملها المستمر، ولم يكفها ذلك، بل صارت تتسابق مع الرجل في الحكم والسلطة...حتى تستطيع تعميم حركتها ويصل صوتها إلى أبعد الحدود وممّا ساعدها في هذا الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعيّة.

إذن من الدول المتقدّمة إلى الدول النامية، ستبقى هذه الحركة قائمة ومتواصلة في كل أنحاء العالم؛ لأنّ أهداف الحركة واحدة وواضحة.

خاتمة:

النسوية فكرة ولدت معنا، وهي ليست مجرّد حركة تسعى إلى فرض آرائها وأفكارها لتحقيق العيش الكريم، وإنّما هي قد شاركت في بناء مجتمعات متوازنة وعادلة وذات قيمة. وعلى الرغم من تحقيقها لنتائج باهرة منذ تأسيسها في مجال حقوق المرأة والطفولة، إلاّ أنّ مازال هناك ملفات لم تفتح بعد ولم ينظر فيها بخصوص تحقيق المساواة الحقيقية التامّة بين الرجل والمرأة، ولتحقيق ذلك ينبغي العمل ثمّ الإصرار على إحراز نتيجة حاسمة وناجعة.

وفي النهاية، نقول إنّ النسوية ظاهرة وليست مجرّد حركة، حيث نجدها إلى حد الآن ثابتة وحيّة في عالمنا المعاصر.