ملامح التجديد في فكر الإمام الفيلسوف مصطفى عبد الرازق (1302-1366هـ / 1885-1947م)
فئة : مقالات
ملامح التجديد في فكر الإمام الفيلسوف مصطفى عبد الرازق[1]
(1302-1366هـ / 1885-1947م)
مقدمة
إن الأمة الإسلامية كانت ولا تزال زاخرة بروادها ومفكريها في شتى ميادين الفلسفة والعلم والأدب والفن، وملأت إسهاماتهم وأفكارهم ربوع الأرض؛ شرقا وغربًا، وأثّرت نظريات فلاسفتهم حتى وصلت إلى جامعات الغرب عبر دٌور الترجمة في العصر الوسيط، وامتلأت بها مكتباتهم، وارتقى باحثوهم على سيرة الكندي والفارابي، وابن سينا وابن رشد وغيرهم، وكانت سيرتهم ومشوارهم العلمي محط نظر واهتمام، وساحات للبحث والدرس لدى باحثيهم، كما خُصصت لهم محاضرات وندوات وبرامج أسبوعية، وخير مثال على هذا، وغيره، برنامج (ثلاثاء الفلسفة)، بمعهد العالم العربي بباريس، حول إسهامات الفلسفة العربية في الفكر الإنساني المعاصر، تحت إشراف البروفيسور جون باتيست برونيه[2].
ولهذا، فإننا نستعرض من خلال هذا المقال واحدًا من أهم الفلاسفة العرب في العصر الحديث، وهو الإمام الفيلسوف مصطفى عبد الرزاق، نظرًا لإسهاماته الفكرية في مجال الفكر الإسلامي، ولما له من حضور منقطع النظير داخل أروقة واحدة من أعرق جامعات أوروبا، وهي جامعة السوربون؛ وذلك من أجل إبراز سيرته الذاتية، والإشارة إلى ملامح التجديد في فكره، لا سيما في مجال الفلسفة العربية.
مولده ونشأته
ولد الشيخ مصطفى عبد الرزاق سنة (1302ه/1885م) - على أرجح الأقوال- في قرية "أبو جرج" التابعة لمركز بني مزار بمحافظة المنيا، حيث نشأ في كنف أبيه "حسن عبد الرازق" الذي ولد حوالي (1260هـ/1844م)، وانتخب عضوا بمجلس شورى القوانين في عهد "إسماعيل باشا"، وبقي فيه لأكثر من ثمانية عشر عاما إلى أن اغتيل لأسباب سياسية في (1325هـ/1907م).
التحق الشيخ بكتاب القرية في سن مبكرة، ثم بادر والده بإلحاقه بالأزهر الشريف، وهو في الحادية عشرة من عمره، وسرعان ما ظهر عليه ميل واضح إلى الأدب، حيث أصدر صحيفة عائلية، وأسس "جمعية غرس الفضائل" التي استمرت في العمل ما بين (1318هـ/1900م) و(1323ه/1905م). وفي عام (1326هـ/1908م) حصل على إجازة "العالمية" من الدرجة الأولى، ثم انتدب في أغسطس من العام ذاته بالتدريس بـ "مدرسة القضاء الشرعي"، والتي كانت في ذلك الحين الأزهر الشريف.
سافر الشيخ مصطفى عبد الرازق إلى فرنسا لدراسة اللغة الفرنسية، وبعض العلوم هناك يوم الثلاثاء (4 جمادى الأخرة 1327هـ/22 يونيو 1909م)، بصحبة الأستاذ أحمد لطفي السيد الذي كان يوم ذاك رئيسا لتحرير "الجريدة"، لسان "حزب الأمة" وفيما كان من المقرر أن تكون مدة هذه الرحلة عاما واحدا قضى الشيخ في فرنسا ثلاثة أعوام متتالية، حيث لم يعد إلى مصر إلا في شهر (رجب 1330هـ/ يوليه 1912).
تم اختيار فضيلة الإمام الشيخ مصطفى عبد الرازق عضوًا في إدارة دار الكتب المصرية، وعضوا في مجمع اللغة العربية أيضًا، ثم مُنح لقب أستاذ الفلسفة في (رجب 1354هـ/أكتوبر 1935م). وفي (صفر 1357/إبريل1938م) عين الشيخ وزيرا للأوقاف للمرة الاولى، وكان أول أزهري يتولى وزارة، حيث أعيد تعيينه بها ست مرات كان آخرها ضمن حكومة أحمد باشا ماهر تألفت في (22 شوال 1363هـ/9 أكتوبر 1944م) وبقي وزيرا للأوقاف إلى أن تم تعيينه شيخًا للأزهر في ظل حكومة محمود فهمي النقراشي في (23 المحرم 1365هـ/27 ديسمبر 1945م)، إلى أن توفي في (24 ربيع الأول 1366هـ/15 فبراير 1947م).
شيوخه وتلاميذه
أما شيوخه المباشرون، فقد تتلمذ في الفقه والتصوف على يد الشيخ بسيوني عسل، والشيخ محمد حسنين البولاقي، وفي النحو على يد الشيخ محمد شقير، والشيخ محمد الغريني، وفي البلاغة على يد الشيخ محمد الحلبي، وفي أصول الفقه علي يد الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي، شيخ الجامع الأزهر، والشيخ محمد بخيت، مفتي الديار المصرية، وفي المنطق والفلسفة على يد الشيخ محمد حسنين مخلوف العدوي، والشيخ أحمد أبي خطوة وآخرين.
أما عن النجباء من تلامذته، فقد جاوز عددهم خمسة وعشرين تلميذا صاروا في ما بعد روادا في الدرس الفلسفي، نذكر منهم على سبيل المثال: عثمان أمين، أحمد فؤاد الأهواني، وتوفيق الطويل، علي سامي النشار، محمد مصطفى حلمي، أبو الوفاء الغنيمي التفتازاني، محمود الخضيري، محمد عبد الهادي أبو ريدة، عباس محمود، عثمان نجاتي وعبد الرحمن بدوي وآخرين.
تأثره بالإمام محمد عبده
والد الشيخ الفيلسوف هو "حسن باشا عبد الرازق"، وكان عضوًا في مجلس النواب عن مديرية المنيا في عهد الخديوي إسماعيل، وبعد انحلال المجلس بقي عضوا في مجلس شورى القوانين عن مديرية المنيا، وكان معه في المجلس الشيخ محمد عبده، واشترك معه في إنشاء "الجمعية الخيرية الاسلامية" في القاهرة، وجمع تبرعات لبناء مدرسة في "بني مزار" افتتحها الشيخ محمد عبده في احتفال كبير. هذا ومن المحتمل بقوة أن يكون الشيخ مصطفى عبد الرازق قد تعرف على الشيخ محمد عبده عن طريق أبيه "حسن باشا".
كان الشيخ مصطفى عبد الرازق قد بدأ تعليمه في الأزهر على يد شيوخ متزمتين غالبيتهم كانوا يعارضون آراء الإمام محمد عبده، وكانوا يتهمونه بانعدام الوطنية، وقلة احترام الدين، لكن من حوالي سنة 1903، بدأ الشيخ مصطفى عبد الرازق يحضر دروس الإمام محمد عبده بعد صلاة المغرب في الرواق العباسي في الجامع الأزهر، كما كان الشيخ مصطفى عبد الرازق يحضر اجتماعاته في بيت عائلة طه حسين.
تذكر المصادر التاريخية عن حياة الشيخ مصطفى عبد الرازق أنه بعد ما دخل في صراع نفسي داخلي بسبب تلك الأفكار الرجعية المتزمتة التي تعلمها في الأزهر على يد هؤلاء المشايخ الذين عكفوا على التقليد وكراهية التجديد من جهة، والأفكار التنويرية التي تعرف عليها من الشيخ محمد عبده من جهة أخرى، كتب جوابا للشيخ محمد عبده يعبر فيه عن كل ما يشغله من هموم ومن آراء حول درسه وتعليمه في الأزهر الشريف، فرحب الإمام محمد عبده وسعد بهذا الجواب ونشره من غير إمضاء في مجلة "المنار" التي كان يصدرها في القاهرة الأستاذ محمد رشيد رضا.
ملامح التجديد في شخصيته
يعد الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق بحق أهم رواد الدرس الفلسفي في فكرنا العربي الحديث، فضلا عن أنه صاحب اتجاه في الإصلاح والتجديد الديني بصفة خاصة ومدرسة فلسفية تأصيلية؛ وذلك بحكم انتمائه لمدرسة الشيخ الإمام محمد عبده الذي توفي في (1323هـ/1905م).
ومن المأثور عن والده، كما أشرنا آنفا، أنه اشترك مع الإمام محمد عبده في تأسيس "الجمعية الخيرية الإسلامية بالقاهرة"، حيث أنشأ أيضا مع كل من: "محمود باشا سليمان" و"على باشا شعراوي"، وآخرين في تأسيس "حزب الأمة" عام (1325ه/1907م)، واختير وكيلا للحزب.
كان الشيخ مصطفى عبد الرازق رائدًا وأحد زعماء حركة الإصلاح في الأزهر الشريف، تلك الحركة التي بدأها الإمام محمد عبده رحمه الله، لكن تبرز أهمية الإمام الشيخ مصطفى عبد الرازق كرائد من رواد حركة الإصلاح والتجديد في الفكر الإسلامي من خلال نظرته الشمولية ورؤيته الثاقبة في تجديد علم الفلسفة الإسلامية، ومن خلال إقراراه بمركزية علم أصول الفقه في البناء الفكري للفلسفة الإسلامية؛ فبعد أن كان ينظر لهذا العلم على أنه يرتكز على أصول الدين وفلاسفة المسلمين في العصور الوسطى؛ الكندي والفارابي وابن سينا، وابن باجة وابن طفيل وابن رشد، وعلم التصوف الإسلامي، أدخل الإمام الشيخ مصطفى عبد الرازق علم أصول الفقه كمجال حيوي لا غنى عنه داخل الهيكل التنظيمي لحركة الفلسفة الإسلامية.
برزت تلك الرؤية الجديدة، وعبر عنها الإمام مصطفي عبد الرازق في مناسبات عديدة من مؤلفاته، لكن لعل أهمها هو طرح تلك الرؤية من خلال مؤلفه الماتع "تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية". ولا شك في أن تلك الرؤية الشمولية وسعت آفاق علم الفلسفة الإسلامية، وطرحت أنساقًا جديدة داخل إطار هذا العلم، وأبرزت أهميته إلى جانب العلوم التجريبية والروحية الأخرى.
وقبل أن نستعرض الأسباب والمبررات لهذه الرؤية المعاصرة للفلسفة الإسلامية، كان الإمام الشيخ مصطفى عبد الرازق قد أعد أطروحته لنيل درجة الدكتوراه تحت عنوان "الإمام الشافعي أكبر مشرعي الإسلام"، ومن ثم بدت عبقرية الشيخ في التقاط أهمية دراسة أصول الفقه وتطوره من ناحية، والبناء على هذا الأمر فيما بعد بالشكل الذي أتاح له إنتاج رؤيته الخاصة بنشأة وتطور الفلسفة الإسلامية من ناحية أخرى على النحو الذي ظهر بصورة ضافية ضمن تضاعيف كتابه التمهيد.
وفي هذا الصدد، يذكر الأستاذ الدكتور طه حسين في السيرة الذاتية التي أعدها عن الفيلسوف الإمام؛ في ثنايا كتابه الموسوم "من آثار مصطفى عبد الرازق"؛ فصل "مصطفى عبد الرازق كما عرفته"، قائلا: «كان وفيا للشافعي، رحمه الله، لأنه كان يذهب مذهبه في الفقه، ويرى الوفاء له دينا له. ومن أجل ذلك ترجم رسالته وعني بدرسها وترجمتها وقتا غير قصير. وأثر هذا الوفاء للشافعي في حياته العقلية نفسها وفي نهجه الفلسفي تأثيرا شديدا، وفتح له أبوابا من العلم لم تفتح لأحد من قبله من علماء المسلمين. فدراسته لرسالة الشافعي في الأصول ألقت في روعه رأيا خصبا لم يستغله تلاميذه بعد، وأرجو أن يتاح لبعضهم تعمقه واستقصاء آثاره الخطيرة في تاريخ الحياة العقلية للمسلمين».[3]
وفي المحصلة؛ لقد خلقت حركات الإصلاح الديني بزعامة الإمام محمد عبده آثارها الملحوظة في الحياة الثقافية العربية بمختلف ميادينها الفكرية والاجتماعية والسياسية، وتشهد بهذا حركة التأليف في الفكر الديني في شتي ميادينه، ومحاولة رد أصوله إلى الإسلام؛ فالمشتغلون بالفلسفة الإسلامية يتابعون تلميذ الإمام الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق في إثبات أن الفلسفة الإسلامية لم تكن مجرد نقل وتأويل للفلسفة اليونانية؛ كما ادعى ذلك بعض المستشرقين من أمثال إرنست رينان و ت.ج. ديبور الهولندي في كتابه تاريخ الفلسفة في الإسلام، والمستشرق الإيطالي كارلو نلينو وغيرهم، وإنما هي فكر إسلامي نبت ونما وعاش في ظل الإسلام.
مآثره وأقوال العلماء عنه
قال عنه الأستاذ الدكتور طه حسين: «كان وفيًا وكان أبيّا وكان بارّا، وكان سمح الطبع والنفس والقلب. لم أره قط يخرج عن هذه الخصال منذ عرفته إلى أن فرق بيننا الموت. وكان لهذه الخصال كلها تأثير أي تأثير في حديثه إذا تكلم، وفى فنه إذا كتب، واقرأ ما شئت من فصول هذا الكتاب: ما كتبه منها أيام شبابه الأول، وما كتبه منها بعد أن تقدمت به السن؛ ما كتبه منها حين كانت الأيام هينة لينة، وما كتبه منها حين كانت الأيام شدادا ثقالًا»[4].
وقال عنه حفيده المستشار عبد الوهاب عبد الرازق رئيس محكمة الدستورية العليا، في حوار معه بعنوان (إمام الفلسفة: مصطفى عبد الرازق، مشوار التجديد والعشق الإلهي!) تم نشره بجريدة الأهرام بتاريخ 2 يونيو 2017: «مثّل الشيخ مصطفى عبد الرازق الفكر الديني الراقي الوسطي، ولا يزال للآن كل ما كتبه، وكل ما قُدم عنه في هذه الفترة التي عاش فيها هو نفسه ما نأمل في وجوده وفي التمسك به في ظل ما يمر به الوطن والعالم من أحداث مؤسفة، وقد كان ذلك مثار حديث دار أمامي أكثر من مرة بين علماء ورجال الدين، مؤكدين أن فكر الشيخ مصطفى لايزال يتأسى به الكثيرون، وأن الالتفات إلى أهمية أفكاره والأخذ بها يزداد يوما بعد يوم، فما أحوجنا للتمسك بكل هذه المبادئ حتى نستطيع أن يعود الفكر الإسلامي إلى سابق عهده من حيث التوازن والعقلانية، وحكم التعامل مع الآخر ونبذ التشدد، وقد كانت كل الأفكار والرؤى التي يطرحها في كتاباته، والتي تتضمنها تصرفاته إنما تؤكد هذا المعنى وتتماهى معه، فمازلنا في الوقت الحالي نحتاج أن نستعيد بشدة فكره الوسطى المتوازن العقلاني الذي سبق به عصره، والذي يمثل به روح الإسلام بصدق، وهذا هو الغاية التي نريد تحقيقها ،خاصة أن ما يثار حاليا عن تصحيح المفهوم الديني، إنما يدفعنا إلى العودة إلى أمثال الشيخ مصطفى عبد الرازق، لنتأسى بهم، فالدين يسر، والإسلام لم يدعو يوما إلى التعصب أو التشدد».[5]
ومن جهة أخرى، ذكر الدكتور علي عبد الفتاح المغربي في مقدمة كتابه الموسوم "المفكر الإسلامي مصطفى عبد الرازق: «لقد كان الشيخ مصطفى عبد الرازق من أكثر المفكرين المسلمين إحاطة ومن أشدهم ابتكارا. وكان واسع المعرفة بمذاهب الفلسفة الإسلامية والفلسفة الغربية، وكان على دراية بالمبادئ الأساسية في العلوم الاجتماعية وغيرها، ولقد أمدته تلك المعرفة بمادة خصبة صاغتها عبقريته، وفوق هذا فله فلسفة خاصة فيها نزوع إلى العمل وتغليبه على جوانب النظر، ولقد احتل مكانه في الفكر الإسلامي المعاصر عن استحقاق كبير، وكان ممثلا للمدرسة الفلسفية المنبثقة عن الأستاذ الإمام محمد عبده، وصاحب منهج علمي فريد في دراسة الفلسفة الإسلامية، وأن هذه الشخصية العظيمة التي جمعت جوانب عديدة من العظمة لجديرة بالبحث والدراسة للوقوف على آثارها الخالدة»[6].
مؤلفاته
قام الإمام الشيخ مصطفى عبد الرازق بتأليف وترجمة عدد من الكتابات والرسائل، كما قد قدم لعدد كبير من أمهات الكتب، نذكر منها على سبيل المثال ما يلى:
- البهاء زهير، دار الكتب المصرية، 1930م.
- تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1944م.
- الدين والوحي والإسلام، مؤلفات الجمعية الفلسفية المصرية، 1945م.
- الإمام الشافعي، سلسة من أعلام الإسلام، دار إحياء الكتب العربية، 1954م.
- محمد عبده، تقديم محمد عثمان نجاتي، دار المعارف، القاهرة، 1946م.
- فيلسوف العرب والمعلم الثاني، مؤلفات الجمعية الفلسفية المصرية، 1945م.
- الصوفية والفرق الإسلامية، وهو عبارة عن كلمة ألقاها فضيلته في مؤتمر تاريخ الأديان بلندن سنة 1932م، وتم نشرها ضمن تحقيق تلميذه على سامي النشار لكتاب الرازي: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، مكتبة النهضة المصرية، 1356ه/1938م.
- وفاءً للأستاذ الإمام محمد عبده، قدم الشيخ مصطفى عبد الرازق ترجمة كتاب "رسالة التوحيد" للفرنسية بمشاركة "برنار ميشيل"
- كما ترجم كتاب قدرية حسين من الفرنسية إلى العربية بعنوان: "طيف ملكي"، مطبعة المقتطف، 1930م.
خاتمة
إن شخصية الشيخ مصطفى عبد الرازق؛ الإمام الفيلسوف كما أُطُلق عليه، هي شخصية بارزة في حقل الفكر الإنساني على وجه العموم، وفى حقل المعارف الفلسفية على وجه الخصوص، ولا شك هي شخصية جديرة بالاهتمام والتقدير، نظرا لما أسعدت به البشرية جمعاء من علم وافر، ولما زانت به المكتبة الإسلامية من معارف ومؤلفات.
لقد كان الإمام مصطفى عبد الرازق شخصية مخضرمة، حيث شهدت بعقلها وأبصرت بقلبها عهود الظلام والتقليد والعكوف على القديم، وعبرت بقدمها الراسخة وتقدمت وترعرعت في عهد التجديد والإصلاح، جنبا إلى جنب مع أقرانه من أعلام الفكر في العصر الحديث من أمثال الإمام محمد عبده والأفغاني وغيرهم. لقد استحق الإمام الفيلسوف لقب شيخ الأزهر لمدة عامين بجدارة، فاستنارت مشيخة الأزهر بعقلية مستنيره تري الإسلام بروح الدين وآليات ومناهج الفلسفة، فكان الإمام باعث التوفيق بين الشريعة والحكمة، تماما كما فعل أجداده في القرون الأولى للحضارة الإسلامية، حيث الكندي والفارابي وابن سينا وابن باجة وابن طفيل وابن رشد وغيرهم الكثير. إن العالم الإسلامي قد قدم للعالم أجمع، في القديم شتى ألوان المعارف; بجانبيها النظري والعملي، حيث الطب والفلك والهندسة والموسيقى وعلم النجوم وعلوم الشرع والفلسفة، فاستفادت أوروبا آنذاك بحركات الترجمة التي لم يشهد العالم بعدها حركات أخرى مماثلة. ولا يزال العالم الإسلامي مزدهرًا بزعماء الإصلاح والتجديد، ولا يزال مستعدًا لحمل لواء النور والفكر للعالم كله، شريطة أن يؤذن ويتسنى له بذلك.
المراجع:
- مصطفى عبد الرازق: تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، تقديم: محمد حلمي عبد الوهاب، دار الكتاب المصري، 2011م.
- طه حسين، من آثار مصطفى عبد الرازق، صدرها بنبذة عن حياته تاريخ حياة شقيقة على عبد الرزاق، مقدمة بقلم طه حسين، دار المعارف بمصر 1957م.
- على عبد الفتاح المغربي، المفكر الإسلامي المعاصر مصطفى عبد الرازق، دار المعارف المصرية، الطبعة الثانية 1987
- مقال بعنوان: إمام الفلسفة...مصطفى عبد الرازق...مشوار التجديد والعشق الإلهي!
رابط المقال:
[1] الباحث: محمد رضا عبد الصادق، مدرس مساعد، قسم الدراسات الإسلامية باللغات الأجنبية، تخصص العقيدة والفلسفة، كلية اللغات والترجمة، شعبة فرنسي، جامعة الأزهر، وباحث سابق بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف بمشيخة الأزهر الشريف.
[2] فيلسوف فرنسي معاصر، وأستاذ الفلسفة العربية بجامعة باريس 1، بدأ بتعلم اللغة العربية (في التسعينيات)، ثم أصبح أستاذًا جامعيًا وبروفيسورًا (في العام 2011) للفلسفة العربية.
[3] من آثار مصطفي عبد الرازق، مقدمة بقلم الأستاذ الدكتور طه حسين، دار المعارف بمصر،1957، ص10
[4] من آثار مصطفي عبد الرازق، سابق، ص13
[5] https://gate.ahram.org.eg/daily/News/202283/152/596979/مشوار/إمام-الفلسفةمصطفى-عبد-الرازق-مشوار-التجديد-والعشق-.aspx
[6] على عبد الفتاح المغربي، المفكر الإسلامي المعاصر مصطفى عبد الرازق، دار المعارف المصرية، الطبعة الثانية 1987، ص11