منزلة الدلالة في الدراسات الكلامية
فئة : مقالات
منزلة الدلالة في الدراسات الكلامية[1]
"لا يمتنع في اللفظة أن يختلف فيها اصطلاح المتكلمين، فيكون كلّ فريق منهم يستعملها على وجه لأغراض لهم ومذاهب". القاضي عبد الجبار، المغني، ج14، ص 199.
"إنّما منشأ الإشكال التخاوض في هذه الأمور دون التوافق على حدود معلومة لمقاصد العبارات. فيطلق المطلق عبارة لمعنى يقصده، والخصم يفهم منه معنى آخر يستبد هو بالتعبير عنه، فيصير به النزاع ناشباً قائماً لا ينفصل أبد الدهر". الغزالي، شفاء الغليل، ص ص 588-589.
ما منزلة مبحث الدلالة في الدراسات الكلامية الفلسفية المعاصرة؟ ما مكانة هذا المبحث في الدراسات التي أنجزت في شعب الفلسفة في الجامعات المغربية؟ هل نال هذا المبحث ما يستحقه من اهتمام من طرف الباحثين في الفلسفة العربية المعاصرة؟ لماذا تمّ الاهتمام بمبحث الدلالة في الفلسفة وأهمل هذا المبحث عينه في علم الكلام؟ أسئلة نروم من خلالها التنبيه إلى حجم المسؤولية التي تنتظر الباحثين في الفلسفة الإسلامية اليوم للاهتمام بمبحث الدلالة في علم الكلام، لملء فجوة غياب المعجم الكلامي وسدّ ثلم عدم الاهتمام بالمبحث الدلالي، وخروم غياب حصر دلالات الألفاظ الذي لا مهرب منه لتجاوز داء التكفير والاستبداد ومصادرة حق الاختلاف والتعدد والعيش المشترك.
إنّ ما دفعنا إلى طرح هذه التساؤلات هو وعينا بواقع البحث في الدلالة في علم الكلام الذي يكاد يتنكبه أغلب الباحثين في الفلسفة في المغرب والمشرق على حد سواء. إذ لم تعرف الدراسات في المصطلح وما يتصل به من تأويلات بشرية جريئة في أفق التأسيس للاختلاف والحداثة في العالم العربي أية زحزحة. فلم يحقق الباحثون المغاربة والمشارقة أي منعطف أو تراكم في هذا المجال، فالحصيلة التي أنجزت لحد الآن لا تشرف الدراسات الكلامية المذكورة، وهو ما حفزنا لمواصلة البحث وإغناء هذا المبحث الدلالي في أفق عدم الانتصار لهذا المذهب الكلامي أو ذاك، مادامت هذه المذاهب ليست ديناً نتدين به، وإنما هي خطابات بشرية قحّة وتأويلات إنسانية خالصة.
ذلك أنّ ما كتب في مبحث الدلالة في علم الكلام من الضآلة أو الندرة بحيث لا نكاد نعثر على دراسة واحدة تسعفنا في هذا المجال، ومع ذلك فإنّ هناك بعض الدراسات التي حاولت التنبيه على سبيل الدلالة رغم أنها لا تتعدى حدود الإشارات والتنبيهات، وهو ما سنحاول الإبانة عنه اعترافاً بجهود هؤلاء السابقين الرواد الذين حازوا فضيلة السبق، ونقلوا إلينا شيئاً من هذا الهوس الدلالي.
أ- في البدء كان كتاب التعريفات للجرجاني
إنّ الأمانة العلمية تفرض علينا القول إنّ كتاب التعريفات للجرجاني يعدّ من أهم المصادر العمدة التي ألفت في التعريفات، ولننتبه هنا إلى تقاطع عنوانه مع مضمونه. فهو نقطة الانطلاق الإجبارية لكلّ باحث شاء الخوض في هذا الأمر، وأداته التي لا مناص من التعويل عليها في التحديد. فكتاب التعريفات الممتع والمؤنس للجرجاني، هو أول كتاب من نوعه، وأوفاه في موضوعه، لأنّ فيه غنى وغناء في الدلالات. ولذلك فهو أخطر مصدر في التعريفات، والينبوع الذي لا ينضب معينه لكلّ باحث يروم الإمساك بتلابيب نظرية الحد.
ولكن بالرغم من إشادتنا بهذا الكتاب العمدة - كتاب التعريفات للجرجاني - فإنّ الموضوعية تقتضي عدم تجاهل مكامن الضعف ومواطن الوهن فيه، لعل أخطرها وبيت القصيد فيها يتمثل في كون هذا الكتاب/العمدة يفتقد الكرونولوجيا، ولا يفصل الدلالة حسب أجناس القول في الفقه والكلام والفلسفة والتصوف. وهذه هي مثلبته الوحيدة التي تشوش مبحث الدلالة على القارئ، وتحول بينه وبين القطاف.
ب- كتاب دلالات وإشكالات: دراسات في الفلسفة العربية الإسلامية لمحمد المصباحي
يعتبر كتاب دلالات وإشكالات لمحمد المصباحي من الكتب النادرة جداً التي حاولت لفت انتباه القراء إلى مبحث الدلالة في الفلسفة العربية الإسلامية عموماً. فقد حاز هذا الباحث المغربي قصب السبق في تناول قضية الدلالة والتأويل، وملامسة الأرض الصلبة لأصل المشكلة، وتلافى الأرض الرخوة والصلصال، إذ يستحيل أن نقارب إشكالاً كلامياً أو فلسفياً، ما لم نلج إليه من البوابة الحقيقية لذلك، وهي الدلالة. ذلك "أنّ فعل البناء الكلامي أو الفلسفي هو أساساً فعل الدلالة، بمعنى أنّ النشاط النظري هو في جوهره ابتكار للدلالة أو تعديل لها أو إعادة بنائها أو تشويهها"[2]. فحاجة النص الكلامي إلى مبحث الدلالة لا تقلّ إلحاحاً وكبراً وأهمية عن حاجة النص الفلسفي، وقد حاول الباحث المغربي أن يضع يدنا على أهمية مبحث الدلالة عندما ارتأى "أنّ تعاملنا مع تاريخ الفكر، وخصوصاً العربي- الإسلامي منه، جعلنا نلاحظ أنّ انطلاقة شرارة تأسيس المذهب أو الافتراق عنه لبناء مذاهب مضادة تكون في الغالب هي الدلالة. غير أنّ ذلك لا يتمّ إلا عندما تتخذ الدلالة طابع الالتباس، وذلك حينما يطلق الاسم نفسه للتعبير عن حقيقتين متناظرتين أنطولوجياً. ولا يلبث هذا اللبس أن يتحوّل إلى إشكال عندما تتدخل آليات التنظير، وذلك عندما يصاغ اللبس على نحو يتراوح فيه بين حليّن يؤديان كلاهما إلى إلزامات أو محالات عسيرة الارتفاع. غير أنّه للخروج من الإشكال وبناء المذهب الفكري الخاص يتمّ اللجوء من جديد إلى استعمال أداة دلالة الأسماء. وهكذا كانت الدلالة هي علة اللبس والإشكال، وستكون هي أيضاً أداة الخروج منها"[3]. وقد قسّم محمد المصباحي الدلالة إلى قسمين: منفصلة ومتصلة؛ فالدلالة المنفصلة يحدها بـ"تلك التي تحيل إلى حقيقتين متقابلتين أنطولوجياً ودلالياً، بحيث لا يمكن إقامة درجات بينهما تنضوي بعضها تحت لواء البعض الآخر... وينضوي ضمن هذه الدلالة كلٌّ من موقفي التأويل والاشتراك في الاسم، في مقابل التفسير الحرفي أو التفسير المشكك"[4]. ويرى بعيد ذلك أنّ البون الموجود بين موقف التأويل وموقف الاشتراك يتمثل في: "أنّ الأول يقول بحقيقتين منفصلتين بدلالة واحدة تنشطر إلى صنفين: الأولى حقيقية والأخرى مجازية، في حين يقول موقف الاشتراك بنفس الحقيقتين المنفصلتين، لكن بدلالتين منفصلتين للاسم نفسه. فلله يد، لكن لا كالأيدي عند الأشاعرة، بينما قد تعني اليد عند المعتزلة العناية أو الرحمة"[5]. ويتابع المؤلف بعيد أسطر، قائلاً: "ينطلق أصحاب التأويل، أي المعتزلة، من الدلالة الأقل امتلاء إلى الدلالة الأكثر امتلاء، ممّا يضطرها إلى أن تؤول، أي أن تجعل الدلالة الأدنى مجازاً حتى تغدو في مستوى الدلالة الأعلى بالمعنى الذي أعطيناه للمجاز، وهو التعطيل لا المدّ أو النقل. أمّا أصحاب الاشتراك، ومن بينهم الأشاعرة، فإنهم ينطلقون من الدلالة الأعلى إلى الدلالة الأدنى، لأنهم لا يجدون أنفسهم في حاجة إلى التأويل، بل إلى القول بالاشتراك فقط. إذن حتى الموقع من الدلالة يؤثر في سير عملية اختيار استعمالها لتشكيل المذهب"[6].
إنّ السؤال الشائك الذي قد يثار في خضم خوضنا في أهمية الجانب اللغوي في علم الكلام، هو التالي: هل دلالة الألفاظ هي التي تؤثر على بناء المذاهب الكلامية؟ أم أنّ العكس هو الصحيح؟ بمعنى أنّ المذاهب الكلامية هي التي تعود على تلك الألفاظ بالحد، أم أنّ الأصح هو أنّ هناك نوعاً من الدور والجدل، وبالتالي نقول بتأثير الألفاظ في المذاهب وتأثرها بها. قد يكون الرأي الأخير القائل بـ"الجدل" هو الأصوب. يقول محمد المصباحي متسائلاً: "هل يكون المتكلم أو الفيلسوف على بينة من غايته المذهبية منذ البداية، الأمر الذي يجعله يختار الموقف الدلالي المناسب، أم أنّ هذا الأخير هو الذي يقود المفكر شيئاً فشيئاً عبر مسالك متنوعة، ليكتشف معها وبها وعلى ضوئها، مذهبه الفكري"؟[7].
وقد أجاب المصباحي عن تساؤلاتنا السابقة التي أثارها بصيغته الخاصة في هذا النص، قائلاً: "إنه ممّا لا شك فيه أنّه لو كان المذهب هو الذي يقود إلى الدلالة، لكان كلّ مفكر جاهزاً مذهبياً على نحو مسبق. أي يملك تصوراً لفكره منذ البداية، وهذا أمر بعيد الاحتمال، لأنّ المفكر الحق هو الذي يكون في بحث مستمر عن هويّة فكره، هذه الهويّة التي لا تتحقق إلا عبر التعدّد والتجاوز، وذلك من خلال الدلالة وبالدلالة"[8].
ونحن لا نسعى هنا إلى عرض دقيق للكتاب، ولكننا نتغيا فقط التنبيه إلى أهمية موضوعه، والاعتراف بالخدمة الجليلة التي أسداها المؤلف إلى القراء في طرق هذا الموضوع منذ أمد بعيد، فقد كانت له فضيلة السبق في هذا الحقل المليء بالألغام.
ج- مقال: "ملاحظات حول إشكالية المصطلح اللغوي في الخلاف الكلامي"، لعبد المجيد الصغير
لا جدال بين الباحثين في أنّ الخلاف الكلامي ينسج لحمته من السياسي والاجتماعي واللغوي، ومع ذلك فإنّ الاهتمام بالبعد الدلالي للمصطلحات الكلامية كان اهتماماً ضعيفاً، بحيث لا يكاد يبين من طرف الباحثين في علم الكلام الذين طالما أغبنوا البعد اللغوي حقه من الدراسة والرصد والتفكيك، وكأنّ المصطلح اللغوي لم يصب قدراً - يزيد أو ينقص - من الماء في طاحونة الاختلاف بين النظار المتكلمين.
ذلك ما يحاول عبد المجيد الصغير الإبانة عنه والتنبيه إليه في مقالته الموسومة بـ"ملاحظات حول إشكالية المصطلح اللغوي في الخلاف الكلامي"[9]. فقد نبّه هذا الباحث إلى النتائج والتبعات التي تترتب على "عدم توحيد الرؤية اللغوية، وعدم الانطلاق من أرضية مشتركة تحدّد المجال المصطلحي المستعمل أثناء الحوار والمناظرة الجدلية، الشيء الذي قد يترتب عليه إبداء "أحكام وإلزامات للخصم لا تلزمه حقيقة"[10]. وقد أبرز عبد المجيد الصغير أسبقية جهم بن صفوان في طرح مسألة القراءة والتأويل، والهم اللغوي الذي استبد به في كل ذلك. وهو ما فعل فعله في المعتزلة والأشاعرة على حد سواء. بحيث قد لا نجانب الصواب في القول بالاختلاف اللفظي البحت أو اللغوي المحض بين الفرق المختلفة كما يقول عبد المجيد الصغير ويكرر القول. فالخلاف الكلامي ليس بالخلاف الحقيقي، والمشاكل الكلامية هي مشاكل لغوية من الدرجة الأولى.
د- كتاب: فقه وشرعية الاختلاف في الإسلام: مراجعات نقدية في المفاهيم والمصطلحات الكلامية، لعبد المجيد الصغير
هذا الكتاب جمع فيه عبد المجيد الصغير مجموعة من المقالات التي سبق له أن نشرها في مجلات مختلفة. ومن بين هذه المقالات التي تضمنها الكتاب، المقالة السابقة المشار إليها بعنوان: "ملاحظات حول إشكالية المصطلح اللغوي في الخلاف الكلامي". بيد أنّ الكتاب لا يخلو من إضافات وتدقيقات تشكل المفاهيم خيطها الناظم.
لا يجادل عبد المجيد الصغير في الاعتبارات السياسية التي فعلت فعلها في الخلاف السياسي الذي يظل مدموغاً وممهوراً ببصماتها. فالطبيعة السياسية للخلاف بين المسلمين من الوضوح لدرجة أنّ "الاعتبارات السياسية حاضرة في نشأة الخلاف بين المسلمين، وفي تشكل أولى الفقرات الكلامية [...]، بل حتى حينما سيطال هذا الخلاف ـ في مرحلة لاحقة ـ الجوانب الفكرية، ويضطر المتكلمون إلى الخوض في القضايا العقدية الخالصة، فإنّ الاختلاف الناشب بينهم لن يكون في الأغلب اختلافاً في مضمون وأساس العقيدة، وإنّما هو الاختلاف في فهم وتأويل ذلك المضمون المتفق حوله. لذلك حقّ لأبي الحسن الأشعري، وهو أشهر من تناول مذاهب الإسلاميين بالرصد والتحليل، حقّ له أن يعنون كتابه الشهير المؤرخ لتجليات الخلاف بين المسلمين بـ(مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين)، ممّا يوحي بأنّ الاختلاف على مستوى الفهم للنصوص العقدية، بعد الإيمان بها، أمر ممكن تبعاً لاختلاف الناس وارتقاء مداركهم في الفهم والقراءة والتأويل. غير أنّ ما يستغرب له لاحقاّ أن يكون هذا الاختلاف الطبيعي الوارد حتماً على أرض الواقع الإنساني قد ولّد محناً بين المسلمين "فضلل بعضهم بعضاً، وبرئ بعضهم من بعض"، كما يلاحظ الأشعري نفسه. "فصاروا - على حد قوله - فرقاً متباينين، وأحزاباً مشتتين، إلا أنّ الإسلام يجمعهم ويشتمل عليهم". ولعل هذا ما يحملنا الآن على أن نؤكد الضرورة المستعجلة لمراجعة العديد من الأحكام القطعية الغليظة التي انتشرت مع الأسف الشديد دون ضابط شرعي أو عقلي، والتي ترفض الاختلاف وتوصم غيرها بالابتداع وتخريجه من الملة بالكفر، وها قد جاء أوان تصحيح تلك المواقف والأحكام، وبيان علة ذلك التسيب في الأفهام، والوقوف على حقيقة الاختلاف، ولا أدلّ على ضرورة ذلك التصحيح الذي ندعو إليه من كوننا لا نخوض الآن في قضايا نظرية محضة، بل إنّ لهذه القضايا انعكاسات عملية ونتائج تطبيقية تؤثر بعمق على واقع الناس ما يجعل من معالجتها وتصحيحها مطلباً ضرورياً وأمراً مستعجلاً"[11].
ويستغرب عبد المجيد الصغير من مفارقة استحسان الخلاف هنا واستهجانه هناك، والتنويه به في الحقل الفقهي التشريعي مقابل التنديد به في الحقل الكلامي التأويلي الاعتقادي، "باعتباره خلافاً من شأنه أن يفضي إلى القطيعة ويمنع أيّ تواصل، ليس على مستوى المفاهيم والمصطلحات فقط، أو على المستوى المعرفي والعلمي، بل إنّ تلك القطيعة تنسحب أحياناً كثيرة على المستوى العملي، وفي المجال الاجتماعي على الخصوص. الأمر الذي أغرى البعض بالإسراع إلى توظيف مفهوم "السنّة"، لرفعه سلاحاً في وجه مخالفيه ممّن ينعتهم بأهل البدعة والأهواء من المتكلمين الذين لا تكفي مخالفتهم في الرأي، ودحض مواقفهم، بل "ينبغي - على حد قول هذا الفريق - لكلّ من تمسك "بالسنّة" أن يهجر جميع أهل الأهواء: من الخوارج والمرجئة والجهمية والمعتزلة والرافضة...، فلا ينبغي أن يكلمه أو يسلم عليه، ولا يجالسه ولا يصلي خلفه، ولا يزوّجه ولا يتزوج إليه، ولا يشارك، ولا يعامل، ولا يناظر ولا يجادل...وإذا لقيته في طريق أخذت في غيرها إن أمكنك". و يا ليت هذا الموقف من الخلاف اقتصر على الدعوة إلى هذه المقاطعة الاجتماعية لجملة هؤلاء المتكلمين، بل إنه لا يتأخر في استعداء رجل السلطة ضدهم، لأنه من رأيه "أنه ينبغي لإمام المسلمين إذا صحّ عنده مذهب رجل من أهل الأهواء ممّن قد أظهره أنه يعاقبه العقوبة الشديدة، فمن استحق منهم أن يقتله [هكذا] قتله ومن استحق أن يضربه ويحبسه وينفيه فعل به ذلك"."[12]
ويضيف هذا الباحث المغربي أيضاً: "نلاحظ أنّ فهارس موضوعات كتب "الملل والنحل" في الإسلام، وفي حكمها مصنفات المناظرات الكلامية، تكاد تكون عبارة عن موضوعات وإشكالات خاصة بالمفاهيم التي كان لها وقع وحضور واضح في كبرى علوم الإسلام، انطلاقاً من علم الكلام نفسه، غير أنّها كتب ومصنفات لا تؤكد في الغالب شيئاً قدر ما تؤكد دور وإسهام تلك المفاهيم ذاتها في توالد الفرق بعضها من بعض، وفي توسيع شقة الخلاف بينها، هذا الخلاف الذي لا تكفّ تلك المصنفات عن ضرب نماذج له من تلك المفاهيم المتداولة، خاصة بين ما يعرف بمذهب أهل السنّة ومذهب المعتزلة، وهي المفاهيم التي أريد لها دائماً أن تكون مبررات لعدم التواصل والتفاهم بين المذهبين الكبيرين، وحيثيات لتبرير القطيعة والانفصال بينهما، كما يكرّسهما ذلك الموقف القديم الذي أشرنا إليه آنفاً، ومازالت تكرّسهما معه مواقف حديثة ومعاصرة تكتفي ـ مع الأسف دون تحليل نقدي مفاهيمي - بترديد تلك الأحكام المطلقة والتقييمات القديمة عن بديهيات الانفصال بين أهل السنّة والاعتزال رغم القواسم المشتركة بينهما"[13]. وقد حذّر عبد المجيد الصغير من الروح الإقصائية التي تحول دون إنشاء تاريخ محايد للمذاهب والاتجاهات العقدية الإسلامية، وسلبية الخلاف الكلامي بدل إيجابيته، لأنّ ذمّ الخلاف والافتراق والاختلاف والتعدد والخوف منه هو وليد عصر الانحطاط. "والواقع أنّ الفكر الإسلامي في فترات انبثاقه ومراحل ازدهاره قد أشاد بحقّ الاختلاف وكرّسه كممارسة ترقى إلى مستوى الفضيلة الأخلاقية، سواء على المستوى الفقهي أو الأصولي أو الكلامي أو الفلسفي، ووضع لذلك ضوابط أخلاقية وقواعد منهجية أسهمت في ترسيخ "أدب المناظرة"، والحوار الإيجابي بين المختلفين في الرأي، وأقرّت بالاعتراف المتبادل بينهم، ومدّت جسوراً من التواصل بين المفكرين من مختلف المشارب والاتجاهات. إذا كان الفكر الإسلامي في فترة انبثاقه ثمّ في مراحل ازدهاره يدين بالشيء الكثير لهذه الروح من التواصل الإيجابي، فإنّ هذا الفكر بقدر استمرار اعترافه بشرعية الخلاف على المستوى العملي والفقهي، قد مال في وقت لاحق إلى التنديد بكلّ خلاف على المستوى النظري المحض، خاصة على المستوى الكلامي والفلسفي باعتباره خلافاً من شأنه أن يؤثر سلباً على الحياة العملية. وبذلك حلت القطيعة وحلت معها الرغبة في الإقصاء بدل الرغبة في الخلافات الناشبة بينها خلافات ظاهرة لفظية لا تصل في الغالب إلى أن تكون خلافات على الأسس العامة والمقاصد الكبرى، ومع ذلك تطغى الرغبة في إبراز الخلاف وتكريس أسباب القطيعة"[14].
ويقول عبد المجيد الصغير أيضاً: "وإذا كان القدماء يغالون في التنصيص على الأسباب العقدية في الخلاف الكلامي، مقابل إصرار المعاصرين من المؤرخين على دور الأسباب السياسية، فإننا نرى من جهتنا أنّ هنالك عاملاً آخر لا يقلّ أهمية في تعميق الخلاف بين المسلمين، ألا وهو العامل اللغوي. إذ قلما ينتبه الدارسون القدامى والمعاصرون إلى ما قد يكون وراء الخلافات الكلامية من أسباب أخرى ترجع إلى عدم توحيد الرؤية اللغوية، وعدم الانطلاق من أرضية مشتركة تحدّد المجال المصطلحي المستعمل أثناء الحوار والمناظرة، الشيء الذي قد يترتب عليه إبداء أحكام وإلزامات للخصم لا تلزمه حقيقة، نظراً لفقدان الشرط الأساس لصدق تلك الأحكام والإلزامات، ألا وهو الاتفاق على المجال المصطلحي وتوحيد مفاهيمه"[15].
هـ- كتاب البنية والحجّة لأحمد العلمي حمدان باعتباره مراجعة نقدية لكتاب دلالات وإشكالات لمحمد المصباحي
لقد شاء أحمد العلمي حمدان أن يقدّم مراجعة نقدية لكتاب دلالات وإشكالات لمحمد المصباحي ضمن كتاب له بعنوان البنية والحجة الذي اختار فيه المداعبة الفلسفية للكتاب المشار إليه، وسلك فيه المسلك النقدي، وركب مركباً تنازعياً خاصم فيه محمد المصباحي ونازعه فيه، لدرجة يمكن القول معها إنّ هذا الكتاب يعدّ من الكتب النادرة التي حاولت لفت انتباه القراء إلى "اللامفكر فيه" لدى محمد المصباحي في حديثه عن مبحث الدلالة في علم الكلام. يقول أحمد العلمي حمدان: "لم ينتبه المؤلف [محمد المصباحي]، وهو يشرع للدلالة لدى المتكلمين، إلى تمييز دقيق شكل غيابه معول هدم ما بنى من مقدمات ونتائج. فهو إذ لاحظ انفصالية العالم وغياب السببية وانعدام إمكان قيام علم مستقل للطبيعة، فسّر ذلك باستخدام معين للدلالة لدى المتكلمين، هو الاشتراك في الإطلاقات بين الشاهد والغائب، أو تأويل الإطلاقات بتعطيل معاني الشاهد وابتداع غيرها للغائب، لكنه، إذ يفعل ذلك، يغيب عنه التمييز بين الحقائق أو الحدود والأوصاف أو الشروط، فيأخذ الأوصاف أو الشروط مأخذ الحقائق أو الحدود، وينقل اختلاف الأوصاف والشروط، بين الشاهد والغائب، إلى اختلاف الحقائق والحدود بينهما. فإن كان هذا مذهبه قبلناه، وإن ادعى، وهو ما يفعل، أنه مذهب المتكلمين، رددناه. فالإطلاقات التي تتمّ باشتراك لا تنحصر بحد واحد، ولا تجمعها حقيقة (مجرد مقالات الأشعري، ص 25). لكنّ الأشعري يحصر الإطلاقات الوصفية بين الشاهد والغائب ـ بما في ذلك أصول الصفات، كالإرادة والقدرة والعلم ـ بحد واحد، ويجمعها تحت حقيقة واحدة، اعتباراً لكون حقائق المعاني لا تختلف بالحضور والغيبة (نفسه، ص 69). فحقيقة المريد، من له إرادة، وحقيقة الإرادة أنها صفة نافية للسهو عن الحي، سواء تعلق الأمر بالشاهد أو الغائب. فما يختلف بين الشاهد والغائب هو أحكام الشروط والأوصاف، فإرادة الإنسان تتصف بالعزم والشهوة والحرص والإشفاق والحسد والغبطة، وإرادة الله بمنأى عن ذلك، وإرادة الإنسان محدثة، وإرادة الله قديمة، وإرادة الإنسان عرض، وإرادة الله ليست بذلك (نفسه، ص 11 ص 69). إننا مع الأشعري الذي ادّعى المؤلف أنه يستخدم إطلاقاته الوصفية باشتراك، أمام حقيقة واحدة لا حقيقتين، ودلالة واحدة لا دلالتين، للفظ نفسه، حين يصف الشاهد، وحين يصف الغائب، ودعوى أنّ المتكلمين يستخدمون إطلاقاتهم باشتراك تتنافى وإمكان قيام حديث عن الله لدى هؤلاء (نفسه، ص 11).
إنّ الإطلاقات الوصفية، أو غالب الإطلاقات الوصفية، تتمّ لدى الأشعري بتواطؤ. بل قد بلغ التزامه بالتواطؤ أن حدّ معنى الحق المطلق، وجمع تحت المحدود بين الباطل والله تعالى. فكلّ ما تحقق كونه وصح وجوده، في الآن أو المستقبل، هو حق مطلق (نفسه، ص 25). فأين نحن من أقوال منطوقها أنّ الحق المطلق هو الله، وأنّ غيره من الموجودات الأوائل والثواني ليست كذلك؟ وغاية ما يلجأ إليه الأشعري من مسالك، لحفظ الخصوصية للموجود المتعالي، وتأكيد الاختلاف وانعدام المشابهة بين الله والعالم، هو مسلك المجازات في أقرب صلاته بالحقيقة، وبالتالي في رعايته لإمكان النقلة من الشاهد إلى الغائب. فإذا كنا نتداول إطلاق اليد في الشاهد، لتعني بقرينة الحول والطول والقوة، وكنا نتداول الكبير لتعني بقرينة الرفيع، والقريب لتعني بقرينة الحظوة، فلننقل عاداتنا في اللغة من الشاهد إلى الغائب، لنتجنب أصلي التجسيم والتشبيه وفروعهما (انظر المجرد: ص 47). وحتى في اعتماده المجازات، فالأمر عنده لا يرقى إلى أصل في فهم الإطلاقات الوصفية. فـ"الأصل، هو الحقيقة في الأقوال، والمجاز فرع. وأنّ ما وضع مختصاً بشيء من هذه الألفاظ فإطلاقه ينبئ عمّا وضع له"، ولا نتجاوز به ما وضع له إلى ما لم يوضع له، سوى بدليل من عقل أو سمع أو حال مقترنة (المجرد، ص ص 26-27). وفي حالة المجاز، التي ليست هي القاعدة، لا ينبغي الاعتقاد أننا في الاشتراك، مادام الأمر في النهايتين دلالتين. إنّ الاشتراك دلالة اللفظ على معنيين مختلفين بوضع واحد، والحقيقة والمجاز دلالة على أمرين بوضعين"[16].
وهكذا يحكم أحمد العلمي حمدان بالهلهلة على المقدمات والنتائج التي انطلق منها وانتهى إليها محمد المصباحي الذي لم ينتبه بالقدر الكافي إلى التمييز الجاثم بثقله بين الحقائق والأوصاف أو الحدود والشروط، ولم يجد حرجاً في الخلط بينهما بين الشاهد والغائب عندما ذهب إلى القول باشتراك الدلالة بين الشاهد والغائب لدى زمرة المتكلمين الذين حشرهم في كفة واحدة. وهو ما لا يستقيم مع النصوص الأشعرية التي أوردها أحمد العلمي حمدان لتصحيح كلام محمد المصباحي، عندما استدرك بأنّ الدلالة عند المتكلمين تطلق بتواطؤ بين الشاهد والغائب، وليس بالإشراك.
ويستأنف أحمد العلمي حمدان كلامه قائلاً: "أمّا عن مسالك المعتزلة التي جمعها المؤلف في التأويل، بعدما جمع مسالك الأشاعرة في الاشتراك ليبني صرح نتائجه، فأمرها أعقد من أن يبتّ فيه بقول عام. لأنّ الأشاعرة أكثر تماسكاً في منظورهم الدلالي للإطلاقات الوصفية من المعتزلة. فالحديث عن مسلك في الدلالة نسميه التأويل لا يكفي في تمييز مواقف المعتزلة، لأنّه تخصيص بجنس، ذلك أنّ الأشاعرة أنفسهم يتأولون، والباطنية الغلاة يتأولون. والقول إنّ المعتزلة يعطلون الدلالة الأولية، ويبحثون للفظ عن دلالة مجازية حين إطلاقه على الغائب قول عام كذلك، وتخصيص المؤلف له بأنّ المجاز في التقليد الاعتزالي إعدام للصلة بالحقيقة، يصدق على بعض المعتزلة دون البعض الآخر. فلو راجعنا مذاهب الجبائي (أبي علي)، لوجدناها تبني المجاز على صلة بالحقيقة، انطلاقاً من منظور عام لا يعدم صلة الغائب بالشاهد. فلو بدأنا بالفرع، لوجدنا إطلاق الفوق والقرب والمتانة والشدة والنور، في وصف الله تعالى لنفسه، مجازاً في مذهب الجبائي، ووجدنا الأخير يفهم هذا المجاز بأنّه القهر والاستعلاء، أو التفوق في العلم والقدرة بالنسبة لإطلاق الفوق، والعلم بنا والسمع لقولنا والرؤية لأعمالنا بالنسبة لإطلاق القرب، والمبالغة في الوصف بالقوة بالنسبة للمتانة، والقدرة بالنسبة للشدة، والهداية لأهل السماوات والأرض في الوصف بالنور. وهذه المجازات هي بلفظ الجبائي "توسع" أو حسب السياق النحوي "توسعاً". وهي "توسع" لا بشرط الإطلاق في الغائب. فالجبائي يقيمها "توسعاً"، اعتباراً لما يجري في التداول، فـ"القادر منا ـ يقول الجبائي ـ إنما يوصف بالشدةعلى التوسع" (مقالات الإسلاميين، ص ص 533 ـ 34)"[17].
وكأني بمحمد المصباحي قد غمط هذه الفروق الدقيقة بين المعتزلة الذين حشرهم قاطبة في كفة التأويل. بينما تعلمنا صناعة الكلام أنّ المعتزلة ليست طائفة واحدة متجانسة، بل عوالم وعبارة عن "أرخبيل من جزر" فكرية متفرقة ومبعثرة، وكلّ جزيرة مستقلة عن الأخرى، لأنّ كل معتزلي يكوّن مذهباً مستقلاً في ذاته، بحيث نجد بوناً واسعاً بين تصوراتهم الكلامية لدرجة قد تصل أحياناً إلى تكفير بعضهم البعض[18]. وهكذا فكلّ فرقة من فرق المعتزلة تحمل على جبينها اسم مؤسسها الأول، فـ"الواصلية" تنسب إلى مؤسس فرقة المعتزلة واصل بن عطاء، و"الهذيلية" تعزى إلى أبي الهذيل العلاف، و"النظامية" ترتد إلى إبراهيم بن سيار النظام…، إلخ. وقد اختلف المؤرخون في عدد فرقهم، فهم اثنتا عشرة فرقة لدى الشهرستاني، وعشرون فرقة لدى الإسفراييني والبغدادي. وما قلناه هنا عن المعتزلة ينطبق بالتمام والكمال - لكن ليس بالصرامة نفسها - على الأشاعرة. فهناك اختلافات بين الأشاعرة أنفسهم، وهذا يعني أنّ الأشاعرة ليسوا مذهباً واحداً (الأشعري، القاضي، إمام الحرمين، حجّة الإسلام).
وهكذا أغبن الباحث المغربي محمد المصباحي الكلام حقه مرتين: مرّة عندما حشر الأشاعرة في الاشتراك، ومرّة عندما حشر المعتزلة في التأويل. وهو ما يكشف عن رغبة دفينة لديه في إحلال العمومي محل الخصوصي، والمشترك محل المختلف. وكما يقال "لكل جواد كبوة"، و"لكل عالم هفوة".
خاتمة
إنّ همّ الدلالة وتحديد الألفاظ في علم هو الخيط الناظم والهادي إلى وضع اليد على مكمن الإشكالات وأس المذاهب والأطروحات الكلامية. إذ لا مفرّ من فحص وتمحيص ورصد دلالات الأسماء المتداولة بين المتكلمين لنصل إلى مقالة يمكن أن نسميها نحن مقالة الدال في علم الكلام[19]، باعتبارها "تمكننا من مفاتيح فهم الإشكالات والمساهمة أو المشاركة في هذه الإشكالات والانتصار لزيد أو لعمرو"[20]. فـمبحث الدلالة هو صلب الإشكالات الكلامية والفلسفية، إذ يستحيل أن نقارب إشكالاً كلامياً أو فلسفياً ما لم نلج إليه من البوابة الحقيقية لذلك، وهي الدلالة. ولا يخفى على ذوي الألباب أنّ عمل المتكلم في حدوده يختلف عن عمل اللغوي، لأنّ غاية المرام بالحدود هي إعطاء دلالة للفظ يرفع اللبس ويقرب الفهم، وقد أشار الجاحظ إلى أنّ الناظر في القضايا الكلامية، "ولو كان أعلم الناس باللغة، لم ينفعك في باب الدين حتى يكون عالماً بالكلام"[21]. فنظرية الحد الكلامية لا يعتمد فيها على القواميس ومعاني المعاجم. وهي النظرية التي لن تستقيم دون التطرق لدور الأسس الإيبستيمولوجية والأونطولوجية التي لها باع طويل في بلورة المذاهب الكلامية، وتعدّ من أعوص المسائل التي تؤسس هذا المذهب أو ذاك[22]. ولذلك نعتقد جازمين بأنّ الاهتمام بمبحث الدلالة في علم الكلام قمين بإحداث المنعطف في الدراسات الكلامية المعاصرة، وانكسار في المرآة المضللة التي يقدّمها عن المتكلمين خصومهم من الأصوليين الرشديين من جهة والفقهاء المتزمتين الذين سمّاهم الكندي بـ"أهل الغربة عن الحق" من جهة أخرى.
المصادر والمراجع:
- الإسفراييني، التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، تحقيق كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1403هـ- 1983م.
- أبو عثمان الجاحظ، الحيوان، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتاب العربي، ج2، ط 3، بيروت 1969.
ـ القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، (ج6)،1- التعديل والتجوير، تحقيق أحمد فؤاد الأهواني، مراجعة إبراهيم مذكور، بإشراف طه حسين، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1382هـ- 1962م.
- القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، (ج8)، المخلوق، تحقيق توفيق الطويل وسعد زايد، راجعه إبراهيم مذكور بإشراف طه حسين، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر.
- محمد المصباحي، دلالات وإشكالات: دراسات في الفلسفة العربية الإسلامية، منشورات عكاظ، الطبعة الأولى 1988.
- عبد المجيد الصغير، فقه وشرعية الاختلاف في الإسلام: مراجعات نقدية في المفاهيم والمصطلحات الكلامية، دار رؤية للنشر والتوزيع 2011.
- أحمد العلمي حمدان، البنية والحجة: قراءات سيميائية وإبستمولوجية لمظاهر من الفكر العربي، أفريقيا الشرق، 1991.
- محمد أيت حمو، فضاءات الفكر في الغرب الإسلامي: دراسات ومراجعات نقدية للكلام، الناشر: دار الفارابي، منشورات الاختلاف، الطبعة الأولى 2011 م.
- عبد المجيد الصغير، "ملاحظات حول إشكالية المصطلح اللغوي في الخلاف الكلامي"، مجلة المناظرة، السنة الأولى، العدد الأول، شوال 1409 يونيه 1989.
- محمد أيت حمو، "هل لدينا "مقالة دال" في علم الكلام ؟" مجلة فكر ونقد، السنة العاشرة، عدد99 ـ أكتوبر، 2008.
Michel Allard, Le problème des attributs divins dans la doctrine d'AL-AŠ'ARI et de ses premiers grands disciples, éditions de l'imprimerie catholique 20 juillet 1965 Beyrouth.
[1] نص المداخلة التي ألقيت ضمن اليوم الدراسي المعنون بـ"واقع البحث في الفلسفة الإسلامية والعلوم العقلية"، المنظم من طرف الجمعية المغربية للبحث في الفلسفة الإسلامية، جامعة محمد الخامس أكدال، كليّة الآداب والعلوم الإنسانية ـ الرباط، يوم السبت 8 يونيو 2013. وألقيت لاحقاً أمام الطلبة الباحثين في الفلسفة المسجلين في الدكتوراه تحت غطاء مركز الدراسات الرشدية، يوم السبت 26 أبريل 2014، بعنوان: "أهمية مبحث الدلالة"، بمركز الدراسات الرشدية، كليّة الآداب، ظهر المهراز بفاس.(لم تنشر من قبل).
[2]محمد المصباحي، دلالات وإشكالات: دراسات في الفلسفة العربية الإسلامية، منشورات عكاظ، الطبعة الأولى، 1988، ص 5
[5] المرجع نفسه، ص 8
[7] المرجع نفسه، ص 13
[9] عبد المجيد الصغير، "ملاحظات حول إشكالية المصطلح اللغوي في الخلاف الكلامي"، مجلة المناظرة، السنة الأولى، العدد الأول، شوال 1409 يونيه 1989. من الصفحة 97 إلى الصفحة 111
[10] المرجع نفسه، ص 97
[11] عبد المجيد الصغير، فقه وشرعية الاختلاف في الإسلام: مراجعات نقدية في المفاهيم والمصطلحات الكلامية، دار رؤية للنشر والتوزيع 2011، ص ص 130ـ131
[12] المرجع نفسه، ص ص 131ـ 132. والنص الذي استشهد به عبد المجيد الصغير مقتطف من كتاب صون المنطق والكلام، لجلال الدين السيوطي، تحقيق علي سامي النشار، ص 124
[13] المرجع نفسه، ص ص 132ـ 133
[14] المرجع نفسه، ص ص 134 ـ 135
[15] المرجع نفسه، ص ص 135ـ 136
[16] أحمد العلمي حمدان، البنية والحجة: قراءات سيميائية وإبستمولوجية لمظاهر من الفكر العربي، أفريقيا الشرق،1991، ص ص 90-91
[17] المرجع نفسه، ص 92
[18] أورد الإسفراييني في التبصير في الدين أنّ أبا هاشم الجبائي كان "يكفر المعتزلة، ويتبرأ منهم حتى إنّه كفّر أباه و تبرأ منه، ولم يأخذ ميراثه بعد موته لتكفيره إياه وتبريه منه، وكان سائر المعتزلة يكفرونه أيضاً" ويورد بعيد ذلك أيضاً "وممّا يكشف عن افتضاحهم في مذاهبهم و تبريء بعضهم من بعض، ما حكاه أصحاب المقالات، من أنّ سبعة من رؤوس القدرية اجتمعوا في مجلس واحد وتناظروا في أنّ الله تعالى هل يقدر على ظلم وكذب يختص به، فافترقوا من هذا المجلس وكلّ منهم كان يكفر الباقين". الإسفراييني، التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، تحقيق كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1403هـ - 1983م، ص 88. وبالرغم من أنّ ألقاب الزندقة والإلحاد والتطرف هي بالتأكيد ألقاب إيديولوجية، لا تصدر عن رجل العلم، بل عن رجل السلطة المدافع عن موقع معين، فإنّ هذه الألقاب تكاد تكون عملة رائجة بين المعتزلة والأشاعرة بالرغم من أنّ ألسنة الأشاعرة أكثر حدة من المعتزلة. فقد أشبع الأشاعرة خصومهم المعتزلة نبزاً ولمزاً وقذفاً، ولا أدلّ على ذلك من كتاب التبصير في الدين الذي تعدى فيه الإسفراييني حدّ الإنصاف كله إلا جزأه، إذ لم يكتفِ بتصيد هفوات المعتزلة وتخريج أقوالهم تخريجاً يجعلها عين الكفر والإلحاد، بل تعدى ذلك كله إلى شق صدورهم، قائلاً عن النظام مثلاً:"وكان لا يقدر على إظهار ما كان يضمره من الإلحاد" ص 72، و أنه "مات سكران" ص 72. أمّا عباد الذي لا يورد أي رأي له دون أن يسبقه بقوله "وكان يقول هذا الملحد" ص 74، فهو "رأس من رؤوس الضلال والإلحاد" ص 73. وأبو موسى المردار "كان في الحقيقة مرداراً أحق الله فيه حقيقة لقبه" ص 77، ويعلق متكلمنا الأشعري على رأي ثمامة بن الأشرس في سبي النساء قائلاً "هذا منه إقرار بأنه من ولد الزنا لأنه كان من أولاد السبايا" ص 80، وهو "كان في الحقيقة ملحداً" ص 86، فقول الخياط "لا يحتج به في أحكام الشريعة" ص 84، وأبو علي الجبائي "أغوى أهل خوزستان" ص 85، وأبو هاشم الجبائي "أفسق أهل زمانه" ص 85
وبالجملة، فالمعتزلة كلهم ملاعين ومخذولون وضالون وجهلاء، فالجاحظ ملحد لا قيمة لكتبه لأنها تلقن السرقة والغش والدعارة والخيانة، والدليل على ذلك شكل الجاحظ وحجمه، و يعضد رأيه بقول الشاعر ص 83:
لـــو يمسخ الخنزير مسخاً ثانيــاً ما كان إلا دون قبــــح الجاحـظ
شخص ينوب عن الجحيم بنفسه وهو القذى في كلّ طرف لاحظ
ويحذرنا الإسفراييني من الاعتقاد بأنّ النظام سمّي بذلك لأنه حسن الكلام في النظم و النثر، "وإنما سمي به لأنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة ويبيعها"، ص 71. و كأنّ المعتزلة لم يتربعوا على عرش البيان، وكأن الخطباء لم يندحروا على يد مؤسس المذهب الاعتزالي واصل بن عطاء الذي كان بليغاً وخطيباً لا يشق له غبار، رغم لثغته التي أرغمته على استبدال حرف الراء دون أن يثير ذلك انتباه أحد من الخطباء. وصفوة القول: إنّ الإسفراييني نمودج رائع لـ"حصائد الألسنة"، ومن هنا مشروعية ما سميناه في مستهل بحثنا بـ"قراءة المعتزلة بعيون المعتزلة". ومع ذلك فمن الأمانة العلمية القول إنّ موسوعة المغني لا تخلو هي الأخرى من عبارات قادحة في عقيدة الخصوم، حيث نجد في الجزء الثامن مثلاً: "وفي هذا من الخروج في الدين ما فيه"، عبد الجبار (القاضي)، المغني في أبواب التوحيد والعدل، (ج8)، (المخلوق)، تحقيق توفيق الطويل وسعد زايد، راجعه إبراهيم مذكور بإشراف طه حسين، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، ص 201، و"المقصد به الإبانة عن خروجهم من الإجماع، وارتكابهم ما يقتضي الدين خلافه"، ص 210، "والآن فقد عظم خطؤهم حتى بلغ حد الكفر"، ص 211… ونجد في الجزء السادس "ومن بلغ هذا الحد، لم يكن مكالمته إلا التنبيه على جحده الضروريات"، عبد الجبار (القاضي)، المغني في أبواب التوحيد و العدل، (ج6)، (1- التعديل و التجوير)، تحقيق أحمد فؤاد الأهواني، مراجعة إبراهيم مذكور، بإشراف طه حسين، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1382هـ- 1962م، ص 18، "فمن خالف في معنى ما ذكرناه، فهو دافع للضرورة، وقوله غير معتد به"، ص 43، وانظر كذلك ص: 106–109، وانظر كذلك الجزء الثامن ص 139-144-148-155
[19] محمد أيت حمو، "هل لدينا "مقالة دال" في علم الكلام ؟" مجلة فكر ونقد، السنة العاشرة، عدد99 - أكتوبر، 2008، من الصفحة: 91 إلى الصفحة: 128
[20] محمد أيت حمو، فضاءات الفكر في الغرب الإسلامي: دراسات ومراجعات نقدية للكلام، الناشر: دار الفارابي، منشورات الاختلاف، الطبعة الأولى 2011 م، ص 99
[21] أبو عثمان الجاحظ، الحيوان، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتاب العربي، ج2، ط 3، بيروت 1969، ص 223
[22] إنّ الأساس الإيبستيمولوجي لدى بعض المعتزلة يتمثل في كون الأوصاف لها وظيفة إشارية وتواصلية، بينما وظيفتها لدى الأشاعرة دلالية أو تعريفية ولها ثقل أنطولوجي، وتشير إلى حقائق ما.
انظر في هذا الصدد بعض الأضواء الكاشفة الواردة حول الصفات والأسماء الإلهية في كتاب:
Michel Allard, Le problème des attributs divins dans la doctrine d'AL-AŠ'ARI et de ses premiers grands disciples, éditions de l'imprimerie catholique 20 juillet 1965 Beyrouth.