هدى الخولي: نظرات في الموروث الإغريقي: أرسطو وأفلاطون


فئة :  حوارات

هدى الخولي: نظرات في الموروث الإغريقي:  أرسطو وأفلاطون

هدى الخولي: نظرات في الموروث الإغريقي:  أرسطو وأفلاطون

يوسف بن عدي: تحية وتقدير كبيرين للدكتورة هدى المحترمة

أهلا بكم على منبر مؤسسة مؤمنون بلا حدود

هل بإمكان الدكتورة هدى الخولي أن تحدثنا عن رحلتها العلمية ومسارها الأكاديمي؟

دة. هدى الخولي: استكملت دراستي العليا في اليونان حيث حصلت على درجة الدكتوراه في الفلسفة اليونانية من جامعة أثينا وعملت في بعض الجامعات اليونانية مدرسةً للفلسفة؛ عدت إلى جامعة القاهرة التي أشغل فيها الآن وظيفة أستاذ للفلسفة اليونانية؛ ومناطق تخصصي هي الفلسفة اليونانية بفروعها الهيلينية والهلنستية ولي دراسات متخصصة منشورة باليونانية والإنجليزية والفرنسية إلى جانب مؤلفاتي باللغة العربية. أشارك في عضوية عدد من الجمعيات الفلسفية الدولية أذكر منها: الجمعية الفلسفية البريطانية British Philosophical Association (BPA) وجمعيه بريطانيا للاهوت والفلسفة Center of Theology and Philosophy University of Nottingham والجمعية الفلسفية اليونانية، وقد انتخبت مؤخرًا عضوًا كاملاً بالأكاديمية الدولية للفلسفة بباريس ولي الشرف أن أكون أول عضو مصري منذ تأسيس الأكاديمية 1937 Membre titulaires d'Institut International de Philosophie

يوسف بن عدي: هل يمكن الحديث بهذا النوع من العموم عن قلة المختصين في الفلسفة اليونانية في الجامعات العربية؟

دة. هدى الخولي: إذا كنت تقصد التخصص بالمعنى الدقيق ففعلاً يمكن القول بأنّ الفلسفة اليونانية وعلى الرغم من كونها الأساس والجذر لشجرة الفلسفة ككل لم تلق الاهتمام اللازم في العالم العربي؛ ومعظم الترجمات فيها من اللغات الأوروبية الحديثة وتندر الترجمات عن النصوص اليونانية مباشرة؛ وصدقني هناك فرق كبير أن تقرأ النص في لغته الأصلية وأن تقرأه عبر لغة ثانية.

يوسف بن عدي: هل شرط الاختصاص في هذا الفرع الفلسفي إتقان اللغة اليونانية؟

دة. هدى الخولي: بل إنّ شرط الاختصاص في الفلسفة بوجه عام هو معرفة اليونانية واللاتينية، فلا يوجد أستاذ للفلسفة في الجامعات الأوربية والغربية بصفة عامة لا يعرف هاتين اللغتين فالمبادئ الفلسفية والمشكلات الرئيسة فيها وضعت باليونانية.. المصطلح نفسه!

يوسف بن عدي: ما منزلة الجدل الدائر بين أرسطو وأفلاطون في الفكر اليوناني وما هي انعكاساته؟

دة. هدى الخولي: أرسطو هو فيلسوف طبيعي من الطراز الأول على حين كان أفلاطون فيلسوف الميتافيزيقا بجدارة؛ في تصوري إنّ أرسطو قد استخدم الميتافيزيقا ليكمل منظومته الطبيعية أما أفلاطون فقد استخدم الطبيعة لينتهي إلى الميتافيزيقا وعلى الرغم من رفض أرسطو للمثل الأفلاطونية فإنّ الفلسفة الأرسطية تبدو لي في مجملها مصلحة ومكملة للأفلاطونية وتبقى أهم إنجازات أفلاطون: فلسفته ككل والتي تمثل الحل الذي قدمه للمشكلة الموروثة من فلاسفة ما قبل سقراط (التغير والثبات أو الوحدة والكثرة) في قسمته للعالم إلى محسوس ومعقول نعيش الأول وأعيننا على الثاني؛ وكأنّه وضع بارمنيدس في السماء وهرقليطس في الأرض! أما أهم ما قدمه أرسطو للبشرية فهو وضعه قواعد للتفكير السليم الذي يجب أن تراعى كي يوصف التفكير بالتفكير المنضبط.. وأقصد علم المنطق أداةً للتفكير "الأورغانون" وما أشد حاجتنا اليوم لقراءة هذا العمل العظيم مرة أخرى!، وكأنّ أفلاطون يمثل الجدل الصاعد وأرسطو يمثل الجدل الهابط إذا أردنا استخدام مصطلحات أفلاطونية!

يوسف بن عدي: هل وراء حضور أرسطو عند العرب أكثر من حضور أفلاطون دواع ودوافع فلسفية أم أيديولوجية مذهبية؟

دة. هدى الخولي: دعنا نتفق في البداية على أنّ الفلسفة اليونانية وصلت إلى العرب عن طريق المدارس المتأخرة لها خاصة في الإسكندرية وأثينا وأنّ دور تلك المدارس – منذ القرون الأولى للميلاد بداية من أفلوطين - كان التوفيق بين محورين عظيمين للفلسفة اليونانية أقصد أفلاطون وأرسطو أمام المسيحية – حديثة العهد وقت ذاك- فكانت المدارس المتأخرة (المسماة بالأفلاطونية المحدثة) تدافع عن وحدة الفلسفة اليونانية ووجودها في آخر محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الميراث الفلسفي اليوناني أمام خطر الدين الجديد وتعصبه بعد أن أصبحت المسيحية ديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية. ولنتفق مرة أخرى على أنّ الفلسفة الأفلاطونية والأرسطية وصلت إلى العرب في صورة توفيقية وتلفيقية، كانت تتحاشى الدخول في جدل مع العقيدة المسيحية وتهرب من مناقشة قضايا فلسفية كانت تناقش بحرية في العصر الكلاسيكي في اليونان؛ وبعد ظهور الإسلام في القرن السادس لم يتغير الموقف من الفلسفة اليونانية كثيرًا.

وأخيرًا، نعرف أنّ فلسفة أفلاطون كانت ميتافيزيقية بالدرجة الأولى أما الفلسفة الأرسطية فهي فلسفة طبيعية ومن الطبيعي أن تصبح الأخيرة أكثر شعبيةً من الأولى وأن تنال تأييدًا بعد ظهور الأديان السماوية التي قد حسمت من وجهة نظر مؤيديها قضايا الميتافيزيقا الكلاسيكية!

يوسف بن عدي: هل يمكن أن نربط بين هذا الحضور القوي لأرسطو بنشوء مدرسة أثينا والإسكندرية اللتين تفرغتا، مع اختلافهما، لشرح كتب المعلم الأول وتفسيرها؟

دة. هدى الخولي: يمكن أن أجيب بسؤال آخر: إلى أي مدى لعبت المسيحية دورًا في الاختلاف القائم بين مدرسة أثينا مع بروقلس والإسكندرية مع أمونيوس إيرمياس في فهم أرسطو وأفلاطون وشرحهما؟ فعلى سبيل المثال يقدم لنا أمونيوس إيرمياس (آخر فلاسفة مدرسة الإسكندرية وتلميذ بروقلس) أرسطو في كتاب كامل يوضح فيه أنّ أرسطو كان يؤمن بالمثل الأفلاطونية وأنّه وصل إلى نتيجة مفادها أنّ الله علة فاعلة لوجود العالم ويستخدم أمونيوس حجج الفيلسوف بروقلس لبيان ذلك وتأكيده!

إنّ مدرسة الإسكندرية المتأخرة قدمت تصورًا مختلف – عن تصور أرسطو نفسه- للمحرك الأول فكان عندهم يمثل الخير والعقل معًا في محاولة للتوفيق بين الخير الأفلاطوني والعقل الأرسطي. والحقيقة أنّ الشروح المتأخرة لأرسطو في مدرسة الإسكندرية كانت تبتعد كل البعد عن الفلسفة الأرسطية الأصلية كما أرادها المعلم الأول؛ في محاولة منها لتقريب المسافة بين أرسطو وبين المسيحية؛ أما مدرسة أثينا فربما كانت أكثر اتساقًا مع الميراث اليوناني القديم! فأرسطو كما نعرف وضع مفهوم المحرك الأول ليكمل منظومته الطبيعية... المحرك الأول عند أرسطو في الحقيقة يظهر بمثابة قانون طبيعي ليفسر به الحركة ولم يكن مفهومًا ثيولوجيًّا بأي حال من الأحوال. لك أن تتصور إذا الصورة التي وصلت بها الفلسفة الأرسطية إلى العرب!

يوسف بن عدي: هل هناك مشاريع فلسفية وفكرية قريبة؟

دة. هدى الخولي: هناك العديد من المشاريع التي بدأت فيها بالفعل وهي في مرحلة الإعداد والبناء أذكر منها: الفلسفة للأطفال، والتعليم في مصر من النظرية إلى التطبيق، والفلسفة طريقةَ حياة... فلقد حان الوقت أن تخرج الفلسفة من التاريخ والتأريخ إلى العمل والتطبيق هذا ما فعله الغرب عندما أنشأ الفلسفة للأطفال في سبعينيات القرن الماضي ونحن مازلنا نتساءل: هل الفلسفة تؤدى إلى الكفر؟

إلي جانب ما تقدم هناك مشاريع بحثية على النصوص اليونانية القديمة فهناك العديد من المناطق الفلسفية التي أتمنى الخوض فيها والبحث وكلما قمت ببحث في منطقة اكتشفت جهلي بمناطق كثيرة... لقد انتهيت مؤخرًا من ترجمة الحجة الأولى لبروقلس من كتابه المفقود "في قدم العالم" والذي يعاد جمعه الآن في اليونان ونشره في موسوعة ضخمة تضم كل أعماله والطريف أنّ الحجة الأولى حفظت باللغة العربية وضاع أصلها اليوناني؛ وقد استغرق مني هذا العمل وقتًا وجهدًا كبيرين في التنقيح ودراسة لغة بروقلس ومفرداتها... ولكن النتيجة كانت مرضية. وقد فتح لي هذا العمل أبوابًا كثيرة تلقي أضواء على مناطق لم أكن أعرفها فزدت إيمانًا بالمبدأ السقراطي: "أعرف شيئًا واحدًا أنّني لا أعرف".