هل انقطعتْ الهجرة؟
فئة : ترجمات
هل انقطعتْ الهجرة؟
تأليف: أ. د. والفرد مادلونغ
ترجمة: د. عبد الكريم مُحَمَّد عبد الله الوظّاف
مقدمة المترجم
نُشرت هذه المقالة والموسومة بـ "Has the hijra come to an end?" في مجلة REI في عددها رقم 54 والصادر عام 1986، من الصفحة 226-237.
والفرد مادلونغ (26 ديسمبر 1930-9 مايو 2023م) هو مستشرق ألمانيّ. ولد في شتوتغارت في ألمانيا، وفي سنة 1947 انتقل مع عائلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث درس في جامعة جورج تاون قبل أن يذهب إلى القاهرة عام 1951 الدراسة الأدب العربيّ والتأريخ الإسلاميّ. وهناك كان تلميذًا لـمُحَمَّد كامل حسين (1901-1961)، الذي قام بتحرير العديد من النصوص الإسماعيليَّة في العصر الفاطميّ. وعند قيام ثورة يوليو؛ غادر إلى ألمانيا، حيث أكمل دراساته العليا وحاز على درجة الدكتوراه سنة 1957 عن أطروحته التي كانت بعنوان "القرامطة والفاطميون: علاقاتهم المتبادلة وتعاليمهم في الإمامة"، ثم في سنة 1958 شغل منصب الملحق الثقافيّ في سفارة ألمانيا ببغداد لمدة سنتين، وبعد ذلك درسّ في جامعة شيكاغو، حيث شغل منصب أستاذ التأريخ الإسلاميّ، وبعدها شغل منصب أستاذ اللغة العربية بجامعة أكسفورد من سنة 1978 إلى 1998. ومنذ عام 1999، أصبح عضوًا في الأكاديمية البريطانية، وكبير باحثي معهد الدراسات الإسماعيليَّة في لندن. وفي عام 2013، حصل على جائزة الفارابيّ الدوليَّة من وزارة الإرشاد والثقافة الإسلاميَّة الإيرانيَّة لمساهماته الكبيرة في مجالات الدراسات الإسلاميَّة والإيرانيَّة.
تتناول هذه المقالة مفهوم الهجرة، والذي ابتدأ بعد المضايقات التي حصلت للمسلمين المكيين الأوائل من أهل مكة؛ مما اضطر إلى إنشاء هذه المفهوم، وجعله واجبًا على مسلمي مكة بالهجرة إلى المدينة المنورة. وبعد فتح مكة، تشوشت فكرة فرضية أو وجوب الهجرة بعد الفتح وأكثر من ذلك بعد وفاة النَّبِيّ مُحَمَّدٍ. لذا جاءت الروايات متضاربةً، ويُمكن تقسيمها على ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى: انقطاع الهجرة بفتح مكة، وهذا مذهب أهل المدينة وغيرهم.
- المرحلة الثانية: استمرار الهجرة إلى البلدان المفتوحة ما ظل القتال مع الكُفار، وهذا يُمكن اعتباره رأي الخلافة الأمويَّة.
- المرحلة الثالثة: انقطاع الهجرة بفتح مكة، وهذا رأي الخلافة العباسيَّة.
ويُمكن حصر أسباب الاختلاف في انقطاع الهجرة أو استمراره في سببين:
- أولهما: حاجة الإسلام للهجرة عند القيام بالفتوحات لكي يستوطنوا في تلك البقاع، ويُعلونها دار هجرة، وتُصبغ عليهم صبغة المهاجرين، وما لها من امتيازات. وهذا حصل بين عُمر بن الخطاب وسَعد بن أبي وقّاص في شأن جعل الكوفة دار هجرة.
- آخرهما: حاجة ماديًّة، وهو الفيء. فلمن يُقسم؟
وقد جاءت إشكالية تقسيم الفيء عقب استقرار ديار الهجرة في الأماكن المفتوحة؛ فجاء المتأخرون الذي لم يُشاركوا أولئك المجاهدين الأوائل في المغرم ليُقاسموهم في المغنم، من استحقاق رواتب شهرية منتظمة للمجاهدين وعائلاتهم؛ باعتبارهم مجاهدين، وهذا أمر رفضه المهاجرون الأول في البلدان المفتوحة. لذا، حاول الخلفاء وأئمة الفقه معالجة هذه المسألة المستعصية، إما بتجميد الهجرة أو إعادة تقسيم الفيء على جميع المسلمين، وقد يكون لإعادة تقسيم الفيء غرضٌ سياسيّ؛ كما تبنته الدولة العباسيَّة عند انتصارها نكايةً بالمهاجرين في بلاد الشام، معقل خلفاء الدولة الأمويَّة.
ناهيك عن مناقشة مسألة ما هي دار الهجرة؟ أهي المدينة المنورة أن يصح إطلاق هذه التسمية على غيرها؟ كل هذا وغيره تناوله مادلونغ في هذا العمل الموجز بأسلوبٍ بسيطٍ، ولغةٍ سهلة، وتحليلٍ عميقٍ بعد قراءةٍ موسعة.
تنويه للقارئ:
- كل ما يُوضّع بين معقوفتين [ ] في المتن أو الهامش، فهو من إضافة مادلونغ، وما كان من إضافة أو تعليق مني؛ فقد وضعته بين حاصرتين { }؛ تمييزًا لإضافات أو تعليقاتي. وما كان من تعقيبٍ مني أو توضيح، فقد وضعته في هامش.
- صنعت قائمةً للمصادر والمراجع، وجعلتها على فئتين: مصادر ومراجع باللغة العربية، والفئة الأخرى قائمةً بالمصادر والمراجع التي باللغة العربيَّة.
وفي الأخير، فهذه ترجمتي؛ فإن استحقت الرضا، فذلك من الله، وإن كان من خطأ، فهو مني.
1
في معرض دفاعه الحماسيّ عن فضائل البدو أو الأعراب الفاضلة، يطرح ابن خلدون الحجة الآتية: "ولا يُعترض على ذلك بما ورد في صحيح البخاريّ من قول الحجَّاج لسلمة بن الأكوع وقد بلغه أنّه خرج إلى سكنى البادية، فقال له: ارتددت على عقبيك، تعرّبت؟!، فقال: لا، ولكنّ رسول الله أذن لي في البدو".
"فاعلم أنّ الهجرة افترضت أوّل الإسلام على أهل مكّة ليكونوا مع النّبيّ في المظاهرة والحراسة ما لا يمسّ غيرهم من بادية الأعراب، وقد كان المهاجرون يستعيذون باللَّه من التّعرّب، وهو سكنى البادية، وقال النَّبِيّ في حديث سَعد بن أبي وقّاص عند مرضه بمكّة: "اللَّهمّ أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردّهم على أعقابهم"؛ ومعناه أن يُوفّقهم لملازمة المدينة وعدم التّحوّل عنها؛ فلا يرجعوا عن هجرتهم الّتي ابتدأوا بها وهو من باب الرّجوع...".
"وقيل إنّ [نهي النَّبِيّ] ذلك كان خاصّا بما قبل الفتح؛ حين كانت الحاجة داعيةٌ إلى الهجرة لقلّة المسلمين، وأمّا بعد الفتح وحين كثر المسلمون واعتزّوا وتكفّل الله لنبيّه بالعصمة من النّاس؛ فإنّ الهجرة ساقطةٌ حينئذ لقول النِّبِيّ: "لا هجرة بعد الفتح"، وقيل: سقط إنشاؤها عمّن يُسلم بعد الفتح، وقيل: سقط وجوبها عمّن أسلم وهاجر قبل الفتح، والكلّ مجمعون على أنّها بعد الوفاة [أي وفاة النَّبِيّ] ساقطةٌ؛ لأنّ الصّحابة افترقوا من يومئذ في الآفاق وانتشروا، ولم يبق إلّا فضل السّكنى بالمدينة، وهو هجرة".
"فقول الحجَّاج لسلمة حين سكن البادية "ارتددت على عقبيك، تعرّبت؟"؛ نَعَى عليه في ترك السّكنى بالمدينة بالإشارة إلى الدّعاء المأثور الّذي قدمناه، وهو قوله: "لا تردّهم على أعقابهم". وقوله: "تعرّبت"؛ إشارة إلى أنّه صار من الأعراب الّذين لا يُهاجرون. وأجاب سلمة بإنكار ما ألزمه من الأمرين، وأنّ النّبيّ أذن له في البدو، ويكون ذلك خاصّا به"([1]).
لا شك أن حُجة ابن خلدون تُلخص بدقةٍ الرأي العلميّ السائد حول وجوب الهجرة في عصره. وقد فرض النَّبِيّ هذا الفريضة في وقت هجرته إلى المدينة المنورة، ثم ألغاها رسميًا بعد فتح مكة. وعلى أبعد تقدير قد انقضت بعد وفاته. وهو التزامٌ مفروضٌ على سكان مكة المسلمين ولم يكن مطلوبًا أبدًا من الأعراب. واقتصر الاسم الشرفي للمهاجرين في المقام الأول على الصحابة القُرشيين الذين انضموا إلى مُحَمَّدٍ في المدينة المنورة قبل فتح مكة.
وهذا الرأي يحجب حقيقة أن الخليفة عُمر قد أعاد التأكيد على واجب الهجرة في بداية الفتوحات الإسلاميَّة. بيد أنه لم تعد الهجرة المُتجددة موجهةً إلى المدينة المنورة، بل إلى مدن الحاميات المنشأة حديثًا في الأراضي المفتوحة. وبهذا التفسير، ظل وجوب الهجرة، المستند إلى سابقة زمن النَّبِيّ، مؤسسةً حيويَّةً في جميع أنحاء الخلافة الأمويَّة. وفي الحديث السُّنِّيّ، كان الادعاء بأن واجب الهجرة قد أُلغى بواسطة النَّبِيّ مُحَمَّد محل نزاعٍ قويٍّ. وقد عَنوَنَ أبو داود السجستانيّ في سُّننه بابًا فسماه "في الهجرة هل انقطعت؟" ونقل أحاديث مُتضاربةً([2]). وكذلك في سُّنن النسائيّ بابًا بعنوان "ذِكْر الاختلاف في انقطاع الهجرة"([3]).
وتكشف أسانيد الأحاديث المُتضاربة، الواردة في هذه الأبواب، عن انقسامٍ مُتقن. ففي حين أن الأخبار التي تُؤكد إلغاء النَّبِيّ للهجرة تأتي في معظمها من أهل المدينة المنورة ومكة، والقليل منها من مرجعيات الكُوفَة والبصرة([4])؛ فإن الادعاءات المُضادة نشأت في الشام وحصلت على دعمٍ أمويٍّ رسميٍّ. وفي إحداها، والتي وردت بالكامل في مسند ابن حَنبل، يَظهر الخليفة مُعاويَة نفسه باعتباره المرجعيَّة الأصليَّة. حدثنا أبو هند البجليّ الشاميّ قال: كنا عند مُعاويَة وهو على سريره وقد غمض عينيه، فتذاكرنا الهجرة، والقائل منا يقول: قد انقطعت، والقائل منا يقول: لم تنقطع، فاستنبه مُعاويَة، فقال: ما كنتم فيه؟ فأخبرناه، وكان قليل الرد على النَّبِيّ، فقال: تذاكرنا عند رسول الله، فقال: "لا تنقطع الهجرة {حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة}([5]) حتى تطلع الشمس من مغربها"([6]). فروى هذا الحديث عن أبي هند عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشيّ - قاضي حمص، وعنه حريز بن عُثمَان الرحبيّ (المُتوفى162هـ/178م)، وكلاهما مُمثلٌ للمهاجرين اليمنيين الغالبين في حمص([7]).
وفي حديثٍ آخر عن عبد الله بن وقدان السعديّ (المُتوفى57هـ/677م)، وهو رجل قبيلةٍ بدويَّةٍ استقر في أواخر حياته في الأردن، أنه زار النَّبِيّ في آخر وفدٍ، وأخبره أن بعض الناس يقولون إن واجب الهجرة قد انقطع. فأجاب النَّبِيّ: "لا تنقطع الهجرة ما قُوتل الكفار"([8]). وقد رَوى هذا الحديث عن السعديّ أبو إدريس عائذ بن عبد الله الخولانيّ (المُتوفى80هـ/699م) المُلقب بـ "قاص أهل الشام وقاضيهم"([9]). كما رُوي بإسنادٍ حمصيٍّ إلى مالك بن يخامر السكسكيّ (المُتوفى70هـ/689~690م أو 72هـ/691~692م)([10]) عن السعديّ في روايةٍ تجمع بينه وبين حديث مُعاويَة. وهنا يستشهد السعديّ، أو مالك بن يخامر، بقول النَّبِيّ في حضرة مُعاويَة وعبد الرحمن بن أبي عوف وعبد الله بن عَمرو بن العاص الذي أيده بعد ذلك بروايةٍ مطوّلةٍ من حديث مُعاويَة([11]).
وروى جُنادة بن {أبي}([12]) أميَّة الأزديّ (المُتوفى بين 75هـ/694م و86هـ/705م)، وهو قائدٌ بارزٌ في الجيش والبحريَّة في عهد مُعاويَة([13])، أن مجموعةً من الصحابة اختلفوا حول ما إذا كانت الهجرة قد انقطعت أم لا؟ فذهب يسأل النَّبِيّ، فقال الأخير: "إن الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد"([14]). والحديث رواه في مصر يزيد بن أبي حبيب الأزديّ (المُتوفى128هـ/745~746م) "مفتي أهل مصر في زمانه"([15]).
وتُحدد أحاديثٌ أخرى بلاد الشام باعتبارها هدفًا للهجرة الأعظم. فقد رَوى شهر بن حوشب الأشعريّ (المُتوفى98هـ/716م - 112هـ/730م)، وهو تابعيٌّ شاميٌّ كان مسؤولًا لبعض الوقت على بيت المال ليزيد بن المُهلب([16])، نقلًا عن عبد الله بن عَمرو بن الـعاص، المتحدث باسم المصالح الأمويَّة، حسب الأخبار: سمعتُ رسول الله يقول: "ستكون هجرةٌ بعد هجرةٍ، فخيار أهل الأرض ألزمهم مُهاجَر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم، تقذرهم نفس الله، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير"([17]). ورَوى عبد الله بن حوالة (المُتوفى58هـ/678 أو 80هـ/699م) الذي نزل بالأردن ثم بدمشق سنة 16هـ أن النَّبِيّ قال له: "سيكون بعدي أجناد مجندة، {جندٌ بالشام، وجندٌ باليمن، وجندٌ بالعراق}([18])"([19]). فقال ابن حوالة: خر لي يا رسول الله إن أدركتُ ذلك، فقال: "عليك بالشام؛ فإنها خيرةُ الله من أرضه، يَجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إن أبيتم؛ فعليكم بيمنكم، واسقوا من غدركم، فإن الله توكل لي بالشام وأهله"([20]). فمن الواضح أن الحديث كان يُهدف منه مناشدة اليمنيين إلى الهجرة إلى الشام والإقامة فيها. وهذا الحديث قد رواه في حمص خالد بن معدان الكلاعيّ (المُتوفى103هـ/721~722م)، وهو أحد الحميريين البارزين ورئيس الشرطة في عهد الخليفة يزيد الأول([21]) عن أبي قتيلة مرثد بن وداعة الحمصيّ([22])؛ وتعكس كل هذه الروايات جُهدًا أمويًا مُتضافرًا لإبقاء واجب الهجرة الدينيّ، الذي أقره القرآن الكريم، وتوجيهه نحو الشام على وجه الخصوص.
2
كانت حالة الهجرة مُعارِضةً لحالة البداوة العربيَّة. وكان ترك دار الهجرة أمرًا شائعًا، كما في رواية عِتاب الحجَّاج لسلمة بن الأكوع نقلًا عن ابن خلدون، ويسمى "تعرب"؛ أي الانضمام إلى الأعراب وأسلوب حياتهم. وغالبًا ما كان يُوصف بأنه "الارتداد"، وهو المصطلح الذي أصبح يعني أيضًا الردة عن الإسلام. وفي حديث سَعد بن أبو وقّاص، يسأل النَّبِيّ مُحَمَّدٌ اللهَ أن يُوفق هجرة الصحابة وأن "لا يردهم على أعقابهم".
ولم يرد مصطلح "التعرب" في القرآن، بيد أن القرآن وبخ الأعراب مرارًا وتكرارًا، الذين رفضوا الهجرة إلى المدينة المنورة، بصفتهم مجرد مسلمين اسمًا ويفتقرون إلى الإيمان والرغبة في القتال من أجل الإسلام. إن التهمة الواردة في سورة الحُجرات، الآية 14 لا لبس فيها: )قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا(. ويُوصف المؤمنون في الآية التالية بأنهم )الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ(.
وفي سورة الفتح، الآيات 11-16، يُقال للأعراب إنهم تخلفوا عن الركب في غزوة الحديبيَّة بسبب افتقارهم إلى الحافز، وأنه للسبب نفسه يجب أيضًا أن يتخلفوا في الحملة إلى خيبر التي سينضمون إليها لمجرد احتمال الغنائم. وتتهم سورة التوبة، الآية 97، أن )الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ(. ويستاء بعض الأعراب من المساهمات المفروضة عليهم، ويأملون أن تحل المصيبة بالمجتمع المسلم في المدينة المنورة. ولكن بعضهم يُؤمن بالله واليوم الآخر ويَعتبر مساهماتهم وسيلةً للتقرب إلى الله (سورة التوبة، الآيتان 98-99). وفي مكانٍ آخر، يُتهم الأعراب بالقدوم إلى النَّبِيّ مُحَمَّدٍ بأعذارٍ، بينما تخلف آخرون كذبًا على الله ورسوله (سورة التوبة، الآية 90). ومن بين الأعراب الذين يعيشون بالقرب من المدينة المنورة كان هناك منافقون متشددون. وقد اعترف آخرون منهم بذنوبهم وخلطوا بين الأعمال الحسنة والسيئة. وكان لزامًا على هؤلاء أن يدفعوا صدقاتٍ لتطهيرهم (سورة التوبة، الآيات 101-103).
وهكذا، كان هناك تمييزٌ حادٌ بين المهاجرين والأنصار، المتجمعين حول مُحَمَّدٍ في المدينة المنورة والذين شاركوا في الجهاد، وبين الاعراب الذين قَبلوا الإسلام اسمًا، ولكنهم فشلوا في الانضمام إلى الهجرة والجهاد. ويتضح هذا التمييز في سورة الأنفال، الآية 72: )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ(. إن مصطلح "الأولياء" هنا بمعنى "الأقربون الذين يقع عليهم واجب الثأر للدم"، كما اقترح ريتشارد بيل R. Bell بالإشارة إلى دستور المدينة المنورة([23]). وهناك يُطلق على المؤمنين اسم موالي بعضهم بعضًا دون سائر الناس([24]). ومِن ثَم، فقد تم استبعاد المؤمنين الذين لم يُهاجروا إلى المدينة المنورة من الأمة المُسلمة التي تشكلت في المدينة المنورة، ولا ينبغي مساعدة أولئك إلا إذا تعرضوا للتهديد بسبب دينهم، إلا أن هناك شرطًا إضافيًا ويتمثل في عدم جواز مساعدتهم ضد قومٍ كان لمسلمي المدينة المنورة اتفاقٌ معه؛ يجعل من المُحتمل أن يكون المقصود بهم الأعراب وليس المكيين. ونقل المُفسِّرون الأوائل، الذين تم الاستشهاد بهم في تفسير الطبريّ، أنه على أساس هذه الآية؛ فإن الميراث المتبادل يقتصر على المهاجرين والأنصار دون ذوي القربى الذين لم يدخلوا في الهجرة. وقد نُسخت هذه القاعدة فيما بعد بالآية 75: )وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ(([25]).
ونظرًا للوضع الدينيّ المتدنيّ لهؤلاء الأعراب الذين رفضوا الانضمام إلى الهجرة؛ فإن أي هُجران لدار الهجرة والعودة إلى دار الحياة البدويَّة لا بد أن يُحكم عليه بصرامة. وبناءً على رواية أبي عُبيد القاسم بن سلام، فإن القاصّ المكيّ البارز عُبيد بن عُمير الليثيّ الجُنديّ (المُتوفى68هـ/687~688م) الذي يُحب عبدُ اللهِ بن عُمر مجالسته([26])، يرى أن الآية 25 من سورة مُحَمَّد تُشير إلى هذه الجريمة. ولما عدَّد الكبائر، وقرأ آيةً من القرآن ذات صلةٍ بكلٍ منها؛ ذكر "التعرب بعد الهجرة"، واستشهد بهذه الآية: )إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى(([27]).
وهناك آياتٌ قرآنيَّةٌ أخرى يمكن أن تُشجع على تعريف "التعرب" مع عدم المشاركة في الجهاد بالارتداد. ففي الآية 21 من سورة المائدة، يصف موسى وهو يحذر قومه: )ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ(. وجاء في سورة المائدة، الآية 54 تحذيرٌ للمؤمنين: )مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ(. ومن الواضح أن جريمة المرتدين، في هذه الآية، هي الإخفاق في "الجهاد في سبيل الله". وقد اعتبرها المفسرون الأوائل عمومًا بمثابة تنبؤٍ بحركة الردة بعد وفاة النَّبِيّ مُحَمَّدٍ. ورأى بعضهم أن المسلمين الأوفياء الذين سيستبدلهم الله هم أبا بكر وأصحابه، وزعم آخرون أن المقصود بهم اليمنيّ أبي موسى الأشعريّ وقومه، أو اليمنيون عامةً، أو هم الأنصار. ويُؤيد الطبريّ الراي القائل بأنهم اليمنيون، قوم أبي موسى الأشعريّ؛ لأنه يستند، على خلاف الأقوال الأخرى، إلى حديثٍ للنَّبِيّ، ويقول إنه على الرغم من أن اليمنيين لم يُقاتلوا في الردة مع أبي بكر؛ إلا أنهم انضموا فيما بعد إلى عُمر للقتال في سبيل الإسلام؛ "فكان موقعهم على الإسلام وأهله أحسن موقعًا. وكانوا أعوان أهل الإسلام، وأنفع لهم ممن ارتد بعد رسول الله مِن طغام الأعراب وجفاة أهل البوادي الذين ارتدوا، والذين كانوا على أهل الإسلام كلًا لا نفعًا"([28]).
ومِن ثَم، فإن الأدلة القرآنيَّة لا تدعم ادعاء ابن خلدون بأن واجب الهجرة كان مقصورًا على قُريش المكيَّة، حيث إنهم كانوا رجال قبائل مُحَمَّدٍ، وكانوا يتمتعون بأقوى روابط الولاء الطبيعيَّة له (العصبيَّة)، وكانوا مسؤولين عن حمايته. بل إن الهجرة إلى المدينة المنورة كانت فرضًا على كل المسلمين الجادين. ولم يكن النَّبِيّ مستعدًا للتنازل وقبولهم كمسلمين غير مهاجرين ذي مكانةٍ أدنى إلا في ضوء إحجام معظم الأعراب عن الهجرة والمشاركة في الجهاد، كما كان مستعدًا لإبرام مواثيق تحالفٍ مع القبائل غير المسلمة. وهذا ما تُؤكده الأخبار التأريخيَّة المُختلفة، فقد كان عبد الله بن أسود بن شهاب من بني سدوس يملك مالًا في اليمامة. فلما أسلم؛ باع ماله وهاجر ليلحق بالنَّبِيّ بالمدينة المنورة([29]). وكان سلمة بن والأكوع، المذكور في حديث البخاريّ الذي أورده ابن خلدون، من قبيلة أسلم. ومن الواضح أنه هاجر إلى المدينة المنورة، لكنه غادر بعد مقتل عُثمَان؛ مدعيًا حصوله على إذنٍ خاصٍ من النَّبِيّ([30]). ولما بايع عقبةَ بن عامر، أمير قبيلة جُهينة، النَّبِيّ؛ سأله النَّبِيّ: "بيعة عربيَّة تُريد أو بيعة هجرة؟"([31]). ومن الواضح أن عُقبة اختار الأخيرة؛ لأنه أقام في المدينة المنورة. وبحسب ما ورد، تم منح بعض المتحولين من البدو وضع المهاجرين دون الهجرة من أراضيهم. ففي رجب سنة 5هـ/ديسمبر (كانون الأول) 626م، جاء أربعمائة رجلٍ من مزينة ليُعلنوا إسلامهم؛ فجعل لهم رسول الله الهجرة في دارهم، وقال لهم: "أنتم مهاجرون حيث كنتم، فارجعوا إلى أموالكم"([32]). وجاء ثلاثةُ رجالٍ من بني عبسٍ إلى النَّبِيّ قائلين: "إنه قدم علينا قراؤنا، فأخبرونا أنه لا إسلام لمن لا هجرة له، ولنا أموالٌ ومواشٍ هي معاشنا. فإن كان لا إسلام لمن لا هجرة له؛ بعناها وهاجرنا". فقال لهم النَّبِيّ: "اتقوا الله حيث كنتم، فلن يلتكم من أعمالكم شيئًا ولو كنتم بصمد وجازان"([33]). ومع تزايد معتنقي الإسلام في جميع أنحاء الجزيرة العربيَّة؛ أصبح بما لا يدعو للشك أن واجب الهجرة إلى المدينة المنورة غير واقعيٍّ أكثر فأكثر، وإن لم يتم إلغاؤه رسميًا، كما أكدت الروايات المكيَّة والمدنيَّة؛ فقد تُرك مُعطلًا.
3
اكتسب واجب الهجرة أهميَّةً مُتجددةً، وإن كانت تغيرت مع انتشار الإسلام بعد وفاة النَّبِيّ مُحَمَّدٍ. ولم تعد هناك حاجةٌ للهجرة إلى المدينة المنورة لحماية وتقوية المجتمع المسلم الناشئ. بل كانت الهجرة إلى الأراضي التي تم فتحها حديثًا مطلوبةً لضمان السيطرة الدائمة للإسلام عليها([34]). وارتبط الخليفة عُمر على وجه الخصوص في المصادر بهذا المفهوم الجديد للهجرة. ويُقال إنه كتب إلى سَعد بن أبي وقّاص، بعد معركة القادسيَّة، ليتخذ للمسلمين "دار هجرة". وبناءً على ذلك، أسس سَعدٌ الكُوفَة([35]). وغزا عُثمَان بن أبي العاص، الذي عيّنه عُمر واليًا على البحرين، فارس وجعل توج دار هجرةٍ، وبنى هنالك مسجدًا جامعًا([36])، وفي رواية نقلها سَيف بن عَمرو، يصف بعض الرجال الذين خرجوا من الكُوفَة والبصرة في خلافة عَلِيٍّ إلى الجزيرة والموصل بأنهم تركوا هجرتهم([37]). ووفقًا لخبر سُليمان بن بُريدة الأسلميّ (المُتوفى105هـ/723~724م)، قاضي مرو، استفسر عُمر عن المشاركين في غزوة سلمة بن قيس الأشجعيّ ضد الأكراد وسماهم مُهاجرين([38]).
ورَوى سُليمان بن وروى بريدة أيضًا أن عُمرًا أمر سلمة بن قيس عندما عيّنه لقيادة الحملة على الأكراد، ليعرض عليهم ثلاثة خياراتٍ قبل الدخول في الحرب. فإذا أسلموا وأرادوا البقاء في أرضهم؛ فعليهم صدقات أموالهم، ولا يكون لهم نصيبٌ في فيءٍ، وهو عائدات الأرض المفتوحة، المسلمين شيئًا. وإذا اختاروا الانضمام إلى الفاتحين (في دار الهجرة)؛ فلهم حصة الغنائم والفيء نفسه، ويكونون مُلزمين بالواجبات العسكريَّة ذاتها. وإذا رفضوا الإسلام؛ فيجب دعوتهم لدفع ضريبة الأرض أو الجزية (الخراج). وإذا رفضوا هذا الخيار الأخير؛ فينبغي قتالهم([39]).
من الواضح أن هذا التعامل مع خصوم المسلمين كان يُعتبر أنموذجيًّا في العصر الأمويّ. فتعليمات عُمر، التي تم تنقيحها قليلًا، تم إسقاطها بشكلٍ عفا عليه الزمن إلى الوراء، ومع إسناد سُليمان بن بريدة، عن أبيه بُريدة، عن النَّبِيّ أنه كان يُصدرها كلما أمّر أميرًا على جيشٍ أو سريَّةٍ. وباعتباره حديثًا النَّبِيّ؛ تم قبول الرواية عند مسلم في صحيحه وعند غيره من مصنفي الحديث([40]). فالقصد من التعليمات في هذا الحديث أكثر وضوحًا. فيجب دعوة المخالفين للانتقال من دارهم إلى دار المهاجرين. وإذا رفضوا التحرك؛ فسيتم إخبارهم بأنهم سيُعاملون كأعرابٍ مسلمين، وستُطبق عليهم أحكام الله المُتعلقة بالمسلمين. وليس لهم من الغنيمة ولا الفيء نصيبٌ ما لم يجاهدوا مع المسلمين. ويشرح أبو عبيد ذلك برفضهم الانتقال من دار التعرب إلى دار الهجرة([41]).
وفي عهد الأمويين الأوائل، ظل واجب الهجرة حيويًا لأمن الإمبراطوريَّة. وكان أعظمها، كما حديث عبد الله بن عَمرو بن العاص هي الهجرة إلى بلاد الشام مُهاجَر إبراهيم التي أصبحت معقل الخلافة. وتتجلى أهميَّة مؤسسة الهجرة في زمن الفتوحات وفي عهد الخلافة الأمويَّة مِن خِلال حقيقة أن المسلمين الفاتحين كانوا معروفين بانتظامٍ بين الشعوب الخاضعة باسم المهاجرين أو مهجر أو مهجراي بالسريانيَّة ومجريتي باليونانيَّة([42]). وفي التراث التأريخيّ الإسلاميّ، من الواضح أن الاسم قد تم قمعه إلى حدٍ كبير فيما يتعلق بالهجرة المُتجددة وتم الاحتفاظ به للمهاجرين المكيين إلى المدينة المنورة في زمن النَّبِيّ؛ باعتباره العقيدة الحجازيَّة المُتعلقة بنهاية الهجرة بعد فتح مكة. بيد أنه قد يظهر بشكلٍ شائعٍ في نبوءات آخر الزمان في العصر الأمويّ([43]). وهناك يتم تطبيق اسم المهاجرين بشكلٍ خاصٍ على المهاجرين من اليمن، الذين اعتبروا أنفسهم رأس الحربة في الفتح الإسلاميّ لبلاد الشام والجهاد ضد الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة. وفي المقابل، يُنظر إلى قبيلة قُضاعة، بما في ذلك قبيلة كلب، التي كانت موجودةً قديمًا في الشام وكانت تقف إلى جانب البيزنطيين أثناء الفتح الأول، في هذه النبوءات على أنهم مجرد أعراب بدو، يميلون دائمًا إلى خيانة الإسلام والتهرب من الجهاد. لقد غيّرت نتيجة معركة مرج راهط المشهدَ السياسيّ في الشام بشكلٍ جذريٍّ ووضعت كلبًا في مقدمة الجيش الأمويّ، بينما هبطت بالمهاجرين اليمنيين إلى المرتبة الثانية. ولا تزال النبوءات تعكس المرحلة المُبكرة عندما كان الفاتحون اليمنيون يأملون في الحفاظ على موقعهم المُميَّز الأولي كمهاجرين؛ يحق لهم الحصول على رواتب من الفيء.
وبادئ ذي بدءٍ كان الواجب يفرض في كثيرٍ من الأحيان تضحياتٍ كبيرةٍ، ثم تحولت الهجرة بعد فترةٍ وجيزةٍ من الفتوحات إلى امتيازٍ مُربح؛ يتم حراسته بغيرةٍ ضد القادمين الجُدد الذين يُطالبون بنصيبٍ. وكما هو حال المستوطنين الأوائل في جيش الفتح في الكُوفَة، أصحاب السابقة، فقد سعوا إلى الحفاظ على موقعهم المُتميِز ضد الوافدين الجدد (الروادف)([44])، وحاول المهاجرون اليمنيون في حمص إبعاد كلب "البدو" عن المدينة. وكان من المُقرر الآن تثبيط الأعراب عن الانضمام إلى الهجرة. وينعكس هذا الاتجاه في الحديث التالي عن النَّبِيّ الذي رواه عبد الله بن عَمرو بن العاص: "الهجرة هجرتان: هجرة البادي، وهجرة الحاضر، فأما هجرة البادي؛ فعليه أن يُجيب إذا دُعي وأن يُطيع إذا أُمر، وأما هجرة الحاضر، فهي أشدهما بليَّةً، وأعظمهما أجرًا"([45]). إذن، فسكان المدن وحدهم، وهم اليمنيون إلى جانب سكان المدن الشماليَّة العربيَّة، هم الذي يستطيعون الهجرة الحقيقيَّة، ويحق لهم بالتالي أجرها كاملًا. وكان من المتوقع من البدو أن يُطيعوا عندما يتم استدعاؤهم للحرب، وربما يشتركون في الغنائم، ولكن ليس في الفيء. ويظهر اتجاهٌ مُماثلٌ في الحديث المنسوب لأبي سَعيدٍ الخدريّ: "أن أعرابيًا سأل النَّبِيّ عن الهجرة، فقال: "ويحك! إن شأن الهجرة شديد، فهل لك من إبل؟" قال: نعم، قال [النَّبِيّ]: "فهل تُؤدي صدقتها؟" قال: نعم، قال: "فاعمل مِن وراء البحار؛ فإن الله لن يترك من عملك شيئًا"([46]). وبذلك يتم ثني البدو عن الهجرة؛ لأنها صعبةٌ عليهم. ويُمكنهم أن يتوقعوا ثوابهم في الآخرة طالما أنهم يدفعون الصدقات. أما السكان الأصليون المتحولون في البلدان المفتوحة، والذين وعدهم عُمر أيضًا بوضعٍ مساوٍ عند الانضمام إلى الهجرة الإسلاميَّة؛ فكان حالهم أسوأ من ذلك. وقد دفعهم الحجَّاج إلى حراثة الأرض التي تُوفر بالفيء. وكانت مصالح المهاجرين والحكومة متطابقةً إلى حدٍ كبيرٍ في هذا الصدد.
كان هذا هو الوضع الذي واجهه عُمر بن عبد العزيز عندما أصدر "مرسومه الضريبيّ"([47]). وفيه وعد بإعادة فتح الهجرة لكل المسلمين. وكان على المسيحيين واليهود والمجوس الذين اعتنقوا الإسلام في دارهم وتركوا ديارهم السابقة أن يتمتعوا بامتيازات المسلمين ويخضعون لواجباتهم، مع بقاء أراضيهم فيئًا. وكان يحق لأي عربيٍّ بدويٍّ أن يخرج من دار عربيته، ويبيع ماشيته، إلى دار الهجرة ويُشارك في قتال أعداء الإسلام. فيُعطى من الفيء مثل نصيب غيره من المهاجرين.
وعلى الرغم من تمسكه العام بالروايات المدنيَّة؛ إلا أن عُمر بن عبد العزيز لم يقبل الفرضيَّة المدنيَّة القائلة بأن النَّبِيّ قد أغلق الهجرة بعد فتح مكة. وأوصى واليهُ يزيد بن الحُصين: "أن مُر للجند بالفريضة، وعليك بأهل الحاضرة، وإياك والأعراب؛ فإنهم لا يحضرون محاضر المسلمين، ولا يشهدون مشاهدهم". لذلك على الأقل رواه اليمنيّ صفوان بن عَمرو الحمصيّ([48]). ومع ذلك، كان يُدرك جيدًا أن واجب الهجرة، الذي أكده سلفه عُمر بن الخطّاب، أصبح في الواقع امتيازًا وراثيًا للقلة؛ فحاول إصلاح إساءة استخدامه.
4
لقد غيّرت الثورة العَباسيَّة الوضع. فقد اعتمدت السلالة الجديدة على جيشها الخاص من الموالين الخراسانيين، أبناء الدولة، أبناء الثورة المجيدة. وتم في البداية تخفيض رتبة مليشيات مدن الهجرة القديمة إلى المرتبة الثانية ثم تم طردها. وتم تجريد أحفاد المهاجرين وعائلاتهم من حقهم في الحصول على معاشاتٍ تقاعديَّةٍ من الفيء. وشعرت الشام، التي كانت في السابق مُهاجَر إبراهيم الجديرة بالتقدير، على وجه الخصوص، بخسارة مكانتها المُتميِّزة. وسرعان ما وجدت المُقاطعة نفسها في حالةٍ من السخط المُتفجر، ولكن العاجز.
وهكذا، انتهت الهجرة كمؤسسةٍ عمليَّةٍ. وفي عقيدة المذاهب الفقهيَّة، التي تشكلت في أوائل العصر العَباسي، تم تجاهلها فعليًا. إن الموقف الحجازيّ القائل إن النَّبِيّ ألغى واجب الهجرة بعد فتح مكة قد وجد الآن تأييدًا بالإجماع. وقد تم إعادة تفسير الروايات الشاميَّة التي تُؤكد استمرارها بشكلٍ مُختلفٍ لتتوافق مع وجهة النظر السائدة. وذهب أبو عبيد إلى أن قول النَّبِيّ: "لا تنقطع الهجرة ما قُوتل الكفار" إنما يعني: كل من آمن وجاهد؛ فهو لاحقٌ بالمهاجرين في الفضيلة والأحكام، وإن كان في بلده، وليس على الوجوب للهجرة إلى دار المهاجرين([49]). وذهب آخرون أن الهجرة هنا هي وجوب الهجرة إلى دار الإسلام على من اعتنق الإسلام في دار الحرب([50]). وبذلك، عكس اتجاه الهجرة المقصودة أصلًا في الروايات الشاميَّة. وكان تفسير أبي سُليمان الخطابيّ (المُتوفى386هـ/996م) أقل عنفًا في مقصدهم الأصليّ، حيث رأى أنه رغم إلغاء فرض الهجرة بعد فتح مكة؛ إلا أنه عاد الأمر فيها إلى الندب والاستحباب([51]).
ومع إلغاء وضع المهاجرين؛ أصبح يُعتبر الفيء عمومًا مِن وجهة نظر المذاهب الفقهيَّة مِلكًا شرعيًا لجميع المسلمين. وكما هو الحال مع الرأي القائل بأن الفيء هو امتيازٌ للمهاجرين؛ فإن هذا الرأي يُنسب، بشكلٍ أقل معقوليَّةً، إلى الخليفة عُمر. وتم ربط رأيه هذا بمناسبةٍ عبّر فيها عن ذلك بشكلٍ مُختلفٍ. وهناك روايةٌ تربطه برفض عُمر ادعاءات عَلِيٍّ والعَباس في ميراث النَّبِيّ من بني النضير([52]). وحسب الرواية الأخرى، بل ذكر ذلك عندما رفض تقسيم الأرض المفتوحة بين المحاربين، كما طالبوا، وجعلها وقفًا دائمًا للفيء([53]). ويُقال إن عُمرًا قد فسر الآيات القرآنيَّة المُتعلقة بالفيء التي تم الاستيلاء عليها من بني النضير (سورة الحشر، الآية 6، وسورة الأنفال، الآيات 8-10)، ضد معناها التقييديّ الواضح الذي يعني أن لكل مسلمٍ الحق في الحصول على نصيبٍ من الفيء([54]). وأعرب أخيرًا عن أمله في أن يشهد الوقت الذي يأخذ كل مسلمٍ حقه، "حتى يأتي الراعي بسرو حمير، ولم يعرق فيه جبينه". ولا بد أن هذا كان أملًا بعيدًا، حيث سعى عُمر إلى توفير القاعدة الماليَّة للفتوحات الواسعة وتشجيع هجرة المحاربين المسلمين إلى مدن الحامية الجديدة.
ولم يُنس الحق التفضيليّ للمحاربين في الدفع من الفيء تمامًا. فرغم إصراره على أن لجميع المسلمين الحق في نصيبٍ من الفيء؛ إلا أن أبا عُبيد يعترف بأن أهل البلدة الذين يُقاتلون أعداء الإسلام وعائلاتهم هم وحدهم من يحق لهم الحصول على نصيبٍ في الفيء، منها راتبٌ مفروضٌ له، وليس للبدو الحق في الأخذ منه إلا إذا هاجمهم المشركون، وأثناء المجاعة، وفي صلح الثارات([55]). ومن بين المذاهب الفقهيَّة، يبدو أن الشافعيَّة قد أخذوا القواعد السابقة لتوزيع الفيء في الاعتبار أكثر من غيرهم. فذهب الشافعيّ في أحد قوليه إلى أن الفيء يخص المحاربين (المُقاتِلة) على وجه التحديد([56]). وقد وصف الماورديّ الشافعيّ في كتابه "الأحكام السُلطانيَّة" مذهب الشافعيّ القديم بشأن استحقاق الفيء بشكلٍ كاملٍ. ومع أنه يؤكد، بالاتفاق مع الإجماع في عصره، أن قانون الهجرة أصبح باطلًا بعد فتح مكة؛ فإنه يستمر في اعتبار التقسيم بين المهاجرين والأعراب قائمًا. وأن المهاجرون هم أهل الفيء، وأما البدو الذين لا يُهاجرون، فهم أهل الصدقات. ولا يجوز منح الأموال إلا للأشخاص المستحقين لها. وكانت هذه ممارسة عُمر. وكان من شكاوى المسلمين على عُثمَان أنه لم يُحافظ على التمييز بين هاتين الفئتين وقدم هدايا من الفيء إلى مَن لا يستحقه. وفيما بعد أخفق أبو حنيفة في إدراك التمييز، وسمح بإنفاق كلا النوعين من الإيرادات بين أيّ من المجموعتين المستفيدين([57]).
وفي رأيه الآخر، أكد الشافعي أن الفيء لجميع المسلمين، ويجب إنفاقه لمصالحهم. وكان من أهمها تحصين بلاد الإسلام الحدوديَّة وإمداد المحاربين الذي يجب توفيره قبل أيّ احتياجاتٍ أخرى([58]). ومثله مذهب أحمَد بن حَنبل والحنابلة([59]) والمالكيَّة([60]) عمومًا. كما أكد أبو يوسف الحنفيّ في كتابه "كتاب الخراج" الذي كبته للخليفة هارون الرشيد، أن الفيء، الذي حدده بخراج الأرض، هو ملكٌ لجميع المسلمين وفقًا لرأي عُمر([61]). ولم يذكر وجوب الهجرة ولا ربط لقب المهاجرين بالفيء'. ومن الواضح أن العقيدة القانونيَّة الجديدة تُناسب العَباسيين جيدًا؛ لأنه في حين أنه وّسع نظريًا استحقاق المهاجرين ليشمل جميع المسلمين؛ فإنه لم يشترط نصيبًا واجبًا لأحد، كما كان يدّعي هؤلاء وعائلاتهم سابقًا. بل كان الفيء، في الرأي العام للفقهاء، يُصرف الآن حسب تقدير الإمام الخليفة. وكانت أرض الفيّ في السابق وقفًا لصالح الجيش الغازي وعائلاتهم، وأصبح الآن مصدرًا عاديًا لعائدات الضرائب الحكوميَّة.
قائمة المصادر والمراجع:
أولًا: المصادر والمراجع باللغة العربيَّة:
1. البخاريّ، الصحيح.
2. البلاذريّ، فتوح البلدان، تحقيق: إم جي دي خويه، ليدن، 1886م.
3. ابن حَجر، تهذيب التهذيب، حيدر أباد، 1325-1327هـ.
4. ابن حَنبل، المُسند، القاهرة، 1311هـ.
5. الخطّابيّ، معالم السًّنن، في مختصر سُّنن أبي داود للحافظ المنذريّ، تحقيق: أحمَد مُحَمَّد شاكر ومُحَمَّد حامد الفقيّ، بغواليّ، 1979م.
6. ابن خلدون، المقدمة، تحقيق: إي إم كواترمير، باريس، 1858م.
7. أبو داود، السُّنن.
8. الدينوريّ، الأخبار الطوال، تحقيق: فلاديمير. جرجاس، ليدن، 1888م، ص131
9. ابن رشد، بداية المجتهد، القاهرة، 1386هـ/1966م.
10. ابن سَعد، كتاب الطبقات الكبير، تحقيق: إدوارد سخو، ليدن، 1904-1940م.
11. الطبريّ، التاريخ، تحقيق: إم جي دي خويه، ليدن، 1879-1901م.
12. "___"، جامع البيان، القاهرة، 1321هـ.
13. ابن عبد الحكم، سِّيرة عُمر بن عبد العزيز، تحقيق: أحمَد عُبيد، دمشق، [1966م].
14. أبو عُبيد، كتاب الأموال، تحقيق: مُحَمَد حميد الفقيّ، [القاهرة، 1353هـ/1934م].
15. ابن عساكر؛ تهذيب تأريخ دمشق، تحقيق: بدران، دمشق، 1347هـ/ 1928-1929م.
16. الماورديّ، الأحكام السُلطانيَّة، تحقيق: مقس أنغر، بون، 1853م.
17. مسلم، الصحيح.
18. النسائيّ، السُّنن، القاهرة، 1964-1965م.
19. النوويّ، المجموع شرب المهذب، القاهرة، 1966م، المجلد 18 (تحقيق: مُحَمَّد حُسين العُقبيّ).
20. ابن هِشام، السِّيرة النبويَّة، تحقيق: مصطفى السقا وآخرون، القاهرة، 1375هـ/1955م.
21. يَحيى بن آدم، كتاب الخراج، تحقيق: أحمَد مُحَمَّد شاكر، القاهرة، 1347هـ.
22. أبو يعلى بن الفراء، الأحكام السُلطانيَّة، القاهرة، 1358هـ.
23. أبو يوسف، كتاب الخراج. القاهرة، 1352هـ.
ثانيًا: المصادر والمراجع باللغات الأجنبيَّة:
24. R. Bell, The Qur'an. Edinburgh 1937-1939
25. L. Caetani, Annali dell'Islam.
26. P. Crone and M. Cook, Hagarism, Cambridge 1977
27. W.M. Watt, Muhammad at Medina, Oxford 1956
28. J. Wellhausen, Das arabische Reich und sein Sturz, Berlin 1902
29. Wensinck, Concordance.
30. H.A.R. Gibb, "The Fiscal Rescript of 'Umar II", in Arabica IT (1955), pp, 1-15
31. M. Hinds, "Kufan Political Alignments and their Backgound in the Mid-Seventh Century A.D.", in IJMES II (1971), pp. 352 ff.
32. W. Madelung, Apocalyptic Prophecies in Ḥimṣ from the Umayyad Age", forthcoming in JSS XXXl/2, (1986).
([1]) ابن خلدون، المقدمة، تحقيق: إي إم كواترمير، باريس، 1858م، 1/226-228
([2]) أبو داود، السُّنن، الجهاد، الباب الثاني.
([3]) النسائيّ، السُّنن، البيعة، الباب 15
([4]) يظهر في الأسانيد على وجه الخصوص: ابن عَباس ← طاووس ← عطاء بن أبي رباح ← الزُهريّ. وفي الكُوفَة: روى نعيم بن دُجاجة عن الخليفة عُمر: "لا هجرة بعد وفاة رسول الله". النسائي، البيعة، الباب 15 وفي البصرة: روى أبو عُثمَان النهديّ حديثا أن النَّبِيّ اعتبر الهجرة منتهيَّةً من تأريخٍ غير محددٍ. مسلم، الصحيح، الإمارة، الباب 20
([5]) سقط من نص مادلونغ هذا. المترجم.
([6]) ابن حَنبل، المُسند، القاهرة، 1311هـ، 4/99
([7]) عن أبي الهند البجليّ ← عبد الرحمن بن أبي عوف ← حريز بن عُثمَان، انظر: ابن حَجر، تهذيب التهذيب، حيدر أباد، 1325-1327هـ (يُشار إليه فيما بعد باسم التهذيب)، 12/268، 6/246، 2/238-241.
([8]) النسائيّ، البيعة، الباب 15
([9]) التهذيب، 5/85-87. وبشأن عبد الله بن وقدان السعديّ؛ انظر: التهذيب، 5/235-236
([12]) سقط من نص مادلونغ هذا. المترجم.
([13]) التهذيب، 2/115-116؛ والطبريّ، التاريخ، تحقيق: إم جي دي خويه، ليدن، 1879-1901م، الفهرس مادة "ولي البحرين لمُعاوية" وربما ينبغي قراءته في التهذيب "ولي البحر لمُعاويَة".
([16]) التهذيب، 4/369-372؛ والطبريّ، التاريخ، 2/1326
([17]) أبو داود، الجهاد، الباب 3
([18]) ما بين الحاصرتين لم أقف عليه في كتاب تهذيب التهذيب الذي بين يدي، وهي موجودة في سُّنن أبي داود. المترجم.
([20]) أبو داود، الجهاد، الباب 3
([21]) التهذيب، 3/118-120؛ وابن عساكر؛ تهذيب تأريخ دمشق، تحقيق: بدران، دمشق، 1347هـ/ 1928-1929م، 5/86-88
([23]) ريتشارد بيل، مقدمة إلى القرآن، R. Bell, The Qur'an. Edinburgh 1937-1939, I/70 n. 2.
([24]) ابن هِشام، السِّيرة النبويَّة، تحقيق: مصطفى السقا وآخرون، القاهرة، 1375هـ/1955م، 1/502-503.
([25]) وانظر: أبو عُبيد، كتاب الأموال، تحقيق: مُحَمَد حميد الفقيّ، [القاهرة، 1353هـ/1934م]، ص215-217.
([27]) الأموال، ص217. وتُؤكد الآية (سورة مُحَمَّد، الآية 26) أن الفئة المُتهمة بالارتداد لم تكن مرتدةً عن الإسلام. وقد أشار الطبريّ إلى ذلك في تفسيره للآية، حيث أنكر التفسير القائل بأنهم أهل الكتاب. ولم ينقل الطبريّ تفسير عُبيد بن عُمير؛ لكنه قَبل وصف الفئة بشكلٍ أكثر غموضًا بأنهم منافقون.
([28]) الطبريّ، جامع البيان، القاهرة، 1321هـ، 6/164
([29]) ابن سَعد، كتاب الطبقات الكبير، تحقيق: إدوارد سخو، ليدن، 1904-1940م، 1/2/55
([30]) البخاريّ، الصحيح، الفتن، الباب 14
([32]) ابن سَعد، 1/2/38. وانظر: ويليام مونتغومري واط، مُحَمَّد في المدينة، W.M. Watt, Muhammad at Medina, Oxford 1956, pp. 85-87.
([34]) تمت الإشارة بإيجاز إلى هذا المفهوم الجديد للهجرة لدى يوليوس فلهاوزن، الإمبراطوريَّة العربيَّة وسقوطها، J. Wellhausen, Das arabische Reich und sein Sturz, Berlin 1902, pp. 16f؛ وليون كايتاني، تأريخ الإسلام، L. Caetani, Annali dell'Islam, IV 371-372.
([35]) الطبريّ، التاريخ، 1/2360؛ والبلاذريّ، فتوح البلدان، تحقيق: إم جي دي خويه، ليدن، 1886م، ص275؛ والدينوريّ، الأخبار الطوال، تحقيق: فلاديمير. جرجاس، ليدن، 1888م، ص131
([37]) الطبريّ، التاريخ، 1/2673
([38]) الطبريّ، التاريخ، 1/2718، 2721؛ "حدثني عن المهاجرين كيف هم؟". وبشأن سُليمان بن بُريدة؛ انظر: التهذيب، 4/174-175
([39]) الطبريّ، التاريخ، 1/2713-2714
([40]) انظر المصادر والمراجع في فنسك، التوافق، Wensinck, Concordance, 5/213 I. 44-46.
([42]) راجع البيانات والملاحظات التي جمعتها باتريشيا كرون وميخائيل كوك، الهاجريون، P. Crone and M. Cook, Hagarism, Cambridge 1977, pp. 8-9. وتعود أقدم الوثائق التي تشهد على استخدام هذا إلى خلافة عُمر.
([43]) انظر: مقالتي "نبوءات آخر الزمان في العصر الأمويّ" "Apocalyptic Prophecies in Ḥimṣ from the Umayyad Age", forthcoming in JSS XXXl/2, (1986)، التي ستصدر قريبًا.
([44]) انظر: مارتن هايندز، "الاصطفافات السياسيَّة الكوفيَّة وخلفياتها في منتصف القرن السابع الميلاديّ"، M. Hinds, "Kufan Political Alignments and their Backgound in the Mid-Seventh Century A.D.", in IJMES II (1971), pp. 352 ff.
([45]) أبو عبيد، الأموال، ص219
([46]) أبو داود، الجهاد، الباب الأول.
([47]) هاملتون غيب، "المرسوم الضريبيّ لعُمر بن عبد لعزيز"، H.A.R. Gibb, "The Fiscal Rescript of 'Umar II", in Arabica IT (1955), pp, 1-15؛ وابن عبد الحكم، سِّيرة عُمر بن عبد العزيز، تحقيق: أحمَد عُبيد، دمشق، [1966م]، ص94، وما يليها.
([48]) أبو عبيد، الأموال. ص228
([50]) وانظر شرحي السيوطيّ والسنديّ على سُّنن النسائيّ في سُّنن النسائيّ، القاهرة، 1964-1965م، 7/146-147
([51]) الخطّابيّ، معالم السًّنن. في مختصر سُّنن أبي داود للحافظ المنذريّ، تحقيق: أحمَد مُحَمَّد شاكر ومُحَمَّد حامد الفقيّ، بغواليّ، 1979م، 3/352
([52]) أبو عُبيد، الأموال، ص 15، 213-214. ولكن معظم روايات هذا الحديث لا تحتوي على هذا القسم الذي كان، كما يُشير أبو عبيد، إضافةً ثانويَّةً.
([53]) أبو يوسف، كتاب الخراج. القاهرة، 1352هـ، ص23-24
([54]) وقد حٌصرت آيات الفيء في فقراء المهاجرين واستثنت الأنصار والوافدين المتأخرين. وقد ورد أن رجلين معوزين من الأنصار قد أُعطيا نصيبًا استثناءً. انظر: يَحيى بن آدم، كتاب الخراج، تحقيق: أحمَد مُحَمَّد شاكر، القاهرة، 1347هـ، ص33؛ وابن هِشام، 2/192. والآية السابعة، التي تذكر إلى جانب رسول الله، ذوي القربى واليتامى والفقراء وابن السبيل باعتبارهم مستحقين للفيء، قد تم إدراجها بشكلٍ ثانويٍّ، وتُشير إلى مناسبةٍ مُختلفةٍ.
([55]) الأموال، ص227 وما بعدها؛ وغيب، “المرسوم الضريبيّ”، Gibb, "Fiscal Rescript", p. 9.
([56]) انظر: النوويّ، المجموع شرب المهذب، القاهرة، 1966م، المجلد 18 (تحقيق: مُحَمَّد حُسين العُقبيّ)، ص158
([57]) الماورديّ، الأحكام السُلطانيَّة، تحقيق: مقس أنغر، بون، 1853م، ص219-223
([59]) المجموع؛ 18/160-161؛ وأبو يعلى بن الفراء، الأحكام السُلطانيَّة، القاهرة، 1358هـ، ص ص121-122
([60]) ابن رشد، بداية المجتهد، القاهرة، 1386هـ/1966م، 1/414
([61]) أبو يوسف، الخراج، ص23-27