هل كان ابن تيميّة بريئاً فعلاً؟ قراءة في كتاب "متاهة الحاكميّة"
فئة : قراءات في كتب
صدر في 2015م، في 431 صفحة من القطع المتوسط، كتاب متاهة الحاكميّة: أخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية، عن مركز دراسات الوحدة العربيّة في بيروت.
صاحب هذا الكتاب هو الباحث والأكاديمي المصري الدكتور هاني نسيرة، وهو باحث متخصّص في أبحاث الإسلام السياسي، ومؤلف لعدد من الكتب المهمّة، منها: الإيديولوجيا والقضبان: نحو أنسنة الفكر القومي العربي في 2002م، وأزمة تاريخ أم أزمة وعي، د. محمود عزمي سيرة ليبرالي منسي في 2005م، وأمّة في التيه: معالم للخروج في 2005م.
وكتاب متاهة الحاكميّة هو بالأصل أطروحة دكتوراه للمؤلف بعنوان "تأويل فكر ابن تيمية لدى جماعات التطرّف الديني في مصر: جماعة الجهاد أنموذجاً"، وقد تمّت مناقشتها وإجازتها بقسم الفلسفة في كليّة دار العلوم بجامعة القاهرة عام 2015م.
الموضوع الرئيس الذي يناقشه المؤلف، عبر صفحات كتابه التي تزيد عن الأربعمئة، هو فضّ حالة الاشتباك القائمة ما بين أفكار العالم والفقيه السنّي الأشهر تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني ت728هـ/ 1328م الملقب بشيخ الإسلام، من جهة، وأفكار منظّري الجماعات السلفيّة الجهاديّة المعاصرة من جهة أخرى.
ويحدّد المؤلف فرضيّة أطروحته "أنّ ثمّة اشتباهاً في فهم ابن تيمية في بعض أجزائه... يأتي هذا الاشتباه عبر التأويل المتحيز للخطاب نحو هدف الحاكميّة الوحيد..."[1].
وتأسيساً على تلك الفرضيّة، فإنّ الباحث يرى أنّ ابن تيمية لم يكن مرجعاً أو ملهماً لحركات السلفيّة الجهاديّة كما هو ذائع ومشهور، بل إنّه كان "مرجعاً موظفاً"، لجأ إليه منظّرو الفكر الجهادي، إذ انتقوا من أفكاره ما يوافقون عليه دون أن يبدوا اهتماماً حقيقيّاً بأفكاره الأخرى المخالفة لتوجّهاتهم الفكريّة.
وقد عمل الباحث على تقديم أطروحته في شكل بحث علمي متسلسل، إذ قسّم كتابه إلى مقدّمة، وخمسة فصول، وخاتمة خصّصها لأهمّ النتائج التي توصّل إليها من خلال البحث، ثمّ تبع ذلك بقائمة المصادر والمراجع التي استفاد منها في أطروحته.
السياق التاريخي لعصر ابن تيمية
في مقدّمة كتابه، يولي الباحث اهتماماً كبيراً بعرض صورة متكاملة لشخصيّة شيخ الإسلام، مع إلقاء الضوء على أهمّ الوقائع والأحداث التي تزامنت مع المحطّات الرئيسة في حياته.
يذكر نسيرة أنّ ابن تيمية ولد في عام 661هـ/ 1263م، في مدينة ماردين الموجودة داخل حيّز منطقة حرّان الواقعة في الجزيرة الفراتيّة، جنوب تركيا الحاليّة، ويلفت النظر إلى أهميّة الالتفات إلى توقيت ولادته، حيث تزامن هذا التوقيت مع الاجتياح المغولي الكاسح لمنطقة الشرق الأدنى، وسقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسيّة على يد قوّات القائد المغولي هولاكو في 656هـ/ 1258م، وما تبع ذلك من وقوع أحداث متلاحقة، عانى فيها أهل الشام والعراق من قسوة وشراسة المحتل، وفرّ العديد منهم إلى المدن الشاميّة الأبعد عن أيدي التتار.
وجد ابن تيمية نفسه في سنين عمره الأولى هارباً مع أسرته إلى مدينة دمشق، وفيها تلقى علومه ومعارفه الدينيّة الأولى على يد أبيه وباقي أفراد أسرته، التي كانت معروفة بمكانتها العلميّة المتميزة.
ويشير نسيرة إلى الخلاف القائم بين الباحثين حول أصول ابن تيمية العرقيّة، إذ ذهب بعض الباحثين إلى كونه كرديّاً، بينما أصرّ باحثون آخرون على تصحيح نسبه العربي، معتمدين في ذلك على ما قال به بعض من ترجموا له بتسميته "النميري"، والتي تشير إلى أنّه كان يرجع إلى قبيلة بني نمير العربيّة.
بعد ذلك يتناول الباحث، في عجالة، أهمّ المؤلفات التي صنّفها ابن تيمية، وجهوده في مقاومة الغزو المغولي لدمشق، ومحنه التي مرّ بها وتسبّبت في سجنه سبع مرّات في كلٍّ من الشام ومصر.
وبالتوازي مع عرضه المحطّات الرئيسة في سيرة شيخ الإسلام، فإنّ الباحث قد تناول أيضاً أحداث الصراع المغولي-المملوكي، وتطوّرات هذا الصراع وتغير موازين القوّة فيه، والتغيرات العقائديّة والمذهبيّة التي طرأت على قادة المغول بعد هزيمتهم في معركة عين جالوت 658هـ/ 1260م، واستقرار بعضهم في حواضر إيران والعراق.
محطّات السيرة وإشكاليّات الخطاب
في الفصل الأوّل من كتابه، يلقي المؤلف الضوء على الظروف والسياقات التاريخيّة التي تزامنت مع ظهور فكر ابن تيمية، حيث يحدّد خمسة معالم رئيسة لتلك الفترة، وهي:
- الغزو المغولي والصليبي.
- الفتن الداخليّة في الدول الإسلاميّة.
- التعصّب المذهبي وهيمنة التقليد الفقهي.
- الصراع الطائفي.
- حدوث صحوة دينيّة باطنيّة.
في وسط تلك العوامل الخمسة، كانت دولة المماليك التي فرضت سيطرتها على مصر وبلاد الشام تمثل الكثير عند شيخ الإسلام، حيث اعتبرها الحصن الأخير للمذهب السنّي، وذلك بعدما تولّى سلاطينها الدفاع عن بيضة الإسلام بجهادهم ضدّ المغول والصليبيين.
من هنا، فإنّ نسيرة يرى أنّ مسألة الدفاع عن بلاد المسلمين كانت هي السبب الرئيس في تصحيح حكم المماليك عند ابن تيمية، معتمداً في ذلك على التراث السنّي الذي يقرّر شرعيّة إمارة التغلب والاستيلاء، وذلك على الرغم من افتقاد المماليك لصفات الحريّة والنسب المشروطين لصحّة الولاية العامّة والإمامة.
ويشرح المؤلف أشكال جهاد ابن تيمية التي يقسّمها إلى ثلاثة أشكال: الأوّل: هو جهاده القتالي إبّان مشاركته في الحملات المملوكيّة ضدّ شيعة كسروان في 699-700هـ/ 1299-1300م، والثاني: هو جهاده الدعوي، الذي تمثل في دعواته المتكرّرة للناصر محمّد بن قلاوون لردّ الغزو المغولي على بلاد الشام، ولدعوته لأهل دمشق لقتال غازان خان وقوّاته، أمّا الشكل الثالث من أشكال جهاد شيخ الإسلام، فكان جهاده لإزالة صور البدع والمنكرات، وهو الشكل الذي "غلب على مسيرته وتسبّب في إثارة خصومه المذهبيين"[2].
ويوضح تلك النقطة أحد المؤرّخين الذين ترجموا لابن تيمية، بقوله: "وضيّع الزمان في ردّه على النصارى والرافضة، ومن عاند الدين أو ناقضه، ولو تصدّى لشرح البخاري أو تفسير القرآن العظيم، لقلد أعناق أهل العلوم بدر كلامه النظيم"[3]، ويعلّق المؤلف على تلك النقطة تحديداً، مفسّراً تركيز ابن تيمية على ذلك النوع من الجهاد، بأنّه يأتي "كاستجابة لتحدّيات عصره، وانتشار التأويل الباطني والكلامي"[4].
ويلاحظ المؤلف من خلال بحثه في سيرة ابن تيمية، أنّ معظم المحن التي تعرّض لها شيخ الإسلام كانت بسبب خلافات مذهبيّة مع الصوفيّة وأتباع محيي الدين بن عربي بالإضافة إلى خصومه من داخل دائرة أهل السنّة والجماعة، بينما كان القليل من تلك المحن بسبب الخصومة السياسيّة مع سلاطين وحكّام زمانه.
من هنا، فإنّ الباحث يصل إلى نقطة في غاية الأهميّة، وهي "أنّ الأخطر في اشتباه وأخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية هو توظيفهم له لهدف وغاية لم تكن أبداً من أولويّات خطابه وثانويّاته، بل كانت موضع هجومه وهدف نقده، وهو موضوع الحاكميّة والإمامة"[5].
ويقترح الباحث عدداً من القواعد الحاكمة لفهم خطاب ابن تيمية، ومن أهمّها مراعاة ظروف عصره، التمييز بين الفتاوى العامّة التي قال بها وتلك التي أفتى بها لظروف تاريخيّة بعينها، وإدراك مراحل تطوّر خطابه.
ويتساءل المؤلف عن السبب الذي جعل كتابات ابن تيمية تحديداً تُحدث كلّ هذا القدر من الجدل المؤدّي للاشتباه والالتباس، ويجيب عن ذلك السؤال بأنّ ابن تيمية نفسه كان هو المسؤول عن ذلك الاشتباه، فهو مفكّر موسوعي أحاط بالكثير من العلوم، وصنّف العشرات من المؤلفات، كما أنّ منهجه في الكتابة كان يتراوح ما بين التأصيل المتعمّق والاستشهاد بما قاله مخالفوه من جهة، وبين الاستطراد في الردّ عليهم من جهة أخرى، وهو الأمر الذي جعل الكثير من أعدائه يسيئون فهمه وينسبون إليه ما لم يقصده.
في السياق نفسه، فإنّ ابن تيمية كان دائماً موضوع جدل في قضايا التعصّب المذهبي، بين السنّة والشيعة، السلفيين والأشاعرة، أهل السنّة وأهل البدع، وهكذا كان يُنظر إليه على أنّه منظّر لتيّار، ومعارض لتيّار آخر، وهو الأمر الذي تسبّب في حالة متجدّدة من الجدل حوله.
ويستعرض المؤلف بعد ذلك بعض نماذج من قضايا الاشتباه في فهم خطاب ابن تيمية، والتي من أبرزها اتهامه بالناصبيّة.
يعرّف المؤلف النصب بأنّه هو "العداء لأهل البيت عموماً، ولأمير المؤمنين علي بن أبي طالب على وجه الخصوص"[6]، ويذكر نسيرة أنّ العديد من العلماء قد رموا ابن تيمية بتلك التهمة، ومنهم على سبيل المثال: تاج الدين السبكي ت771هـ/ 1370م، وابن حجر الهيثمي ت973هـ/ 1566ه، ومحمّد زاهد الكوثري ت1371هـ/ 1952م، وعبد الله الغماري ت1413هـ/ 1992م.
ويردّ المؤلف على ذلك الاتهام، بأنّ كتاب ابن تيمية (منهاج السنّة النبويّة في الردّ على الشيعة والقدريّة)، الذي ورد فيه أغلب مآخذ العلماء على نيل ابن تيمية من علي بن أبي طالب، كان قد صنّفه صاحبه للردّ على ما أورده العالم الشيعي جمال الدين يوسف بن المطهر الحلي (ت726هـ/ 1325م) في كتابه (منهاج الكرامة في إثبات الإمامة)، ومن ثمّ فقد غلبت على كتابات ابن تيمية في مصنفه الصبغة الجداليّة الصداميّة التي لا يمكن إنكارها أو التغافل عنها "وهذا الطابع الحجاجي يفسّر ما يمكن وصفه بعدل وتصحيح المغالاة لآل البيت وعلي إلى درجة المحبّة غير المغالية، ممّا بان في بعض الأحيان خفضاً من شأن علي..."[7].
وفي الحقيقة، فإنّ محاولة المؤلف للبحث عن أعذار أو تبريرات لأقوال ابن تيمية التي يظهر منها الحطّ من شأن آل البيت والخليفة الرابع، قد جانبها الصواب، ذلك أنّ كتابات شيخ الإسلام طافحة بمحاولات النيل من علي بن أبي طالب، وقد عدّها بعض العلماء في سبعة عشر موضعاً، واعترف بها أكابر علماء السنّة عموماً، والسلفيّة والحنابلة منهم على وجه الخصوص، ومنهم على سبيل المثال ناصر الدين الألباني، الذي علّق على تضعيف ابن تيمية المستمر لأحاديث فضائل ومناقب علي بن أبي طالب، بقوله:
"فلا أدري بعد ذلك وجه تكذيبه للحديث، إلّا التسرّع والمبالغة في الردّ على الشيعة، غفر الله لنا وله"[8].
وبعد ذلك، ينتقل المؤلف لشرح موقف شيخ الإسلام من قضايا التوحيد والتكفير، وهما من المسائل التي احتلت مكانة مهمّة في فكر ابن تيمية، فيذكر أنّ العالم الحراني قد قسّم التوحيد إلى ثلاثة أنواع؛ وهي توحيد الربوبيّة "ويُقصد به الإيمان بأنّ الله هو الخالق وأنّه الربّ صاحب النعم كلّها"، ولا يترتب عليه إسلام، حيث يشترك فيه المؤمنون والمشركون، وتوحيد الألوهيّة، وكان المقصود منه عند ابن تيمية "تمام لا إله إلّا الله، بمعنى توحيد العبادة والطاعة والخضوع لله تعالى دون خلقه..."، وأمّا النوع الثالث، فهو توحيد الذات والصفات، حيث يرى شيخ الإسلام "أنّه لا يمكن أن توجد ذات خالية من الصفات، كما أنّ الذات الموصوفة لا تنفكّ عن الصفات"، ومذهب ابن تيمية في تلك النقطة ضرورة إثبات الصفات التي أثبتها الله لنفسه، والبُعد عن التعطيل والتشبيه والتمثيل والتكييف، والبُعد عن تأويل حقيقة الصفات[9].
بعد ذلك، يتعرّض المؤلف لضوابط التكفير عند ابن تيمية، فيؤكّد أنّ شيخ الإسلام كان يرفض التكفير بسبب ابتداع بعض الفرق، "فلا يجوز تكفيرها لمجرّد بدعتها"[10]، وكذلك يُظهر المؤلف منع ابن تيمية تفسيق المتأوّل ولو كان مبتدعاً أو باغياً، ويستشهد المؤلف على رأيه بمجموعة كبيرة من كتابات شيخ الإسلام في معرض تعليقه على أحداث الفتنة الكبرى والحرب الأهليّة بين الصحابة.
وأعتقد أنّ ذلك الرأي قد جانب فيه الباحث الصواب؛ ذلك أنّ فترة الحرب الأهليّة الأولى بين المسلمين تتمتّع بميزة خاصّة في الفكر السلفي بشكل عام، وعند ابن تيمية على وجه الخصوص، ولا يمكن الاستشهاد بما كتبه ابن تيمية عنها في سبيل إثبات بُعده عن تكفير المتأوّلة والبغاة على مدار التاريخ الإسلامي كله، فابن تيمية في أحكامه على (عائشة وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص) يحاول أن يبعد بهم عن شبهات الكفر والنفاق، دون أن يؤسّس لقاعدة أصوليّة تُطبّق فيها الأحكام نفسها فيما بعد.
ويقرّر المؤلف في أكثر من موضع من كتابه[11] اتجاه شيخ الإسلام للبُعد عن تكفير المعين، ويورد في هذا السياق العديد من القصص والروايات التي تدلّ على تسامحه مع مخالفيه دون أن يتعرّض لهم بالتكفير.
وفي ظنّي أنّ المؤلف قد سارع إلى تبرئة ابن تيمية من تهمة التكفير، واستخدم في سبيل ذلك نصوصاً انتقاها من كتب شيخ الإسلام، وتغافل عن ذكر وإيراد نصوص أخرى واضحة، ومن ذلك قول شيخ الإسلام "فنفي الصفات كفر، والتكذيب بأنّ الله لا يُرى في الآخرة كفر، وإنكار أن يكون على العرش كفر، وكذلك ما كان من معنى ذلك كإنكار تكليم الله لموسى واتخاذ الله إبراهيم خليلاً"[12].
وهي النصوص التي يتّضح منها تكفير ابن تيمية للكثير من الجماعات المخالفة للمنهج السنّي، فرغم أنّه -نظريّاً- لا ينساق وراء تكفير المُعين، إلّا أنّ منهجيته تلك دفعته دفعاً لإطلاق أحكام تكفير عموميّة راح ضحيّة لها الآلاف من المسلمين من أهل القبلة، الذين اعتبرهم شيخ الإسلام من أهل البدع والانحرافات الفكريّة.
ومن أشهر الأمثلة في ذلك السياق، فتوى ابن تيمية الشهيرة التي عُرفت باسم الفتوى الكسروانيّة، التي أتبعها بكتاب تهنئة للملك الناصر محمّد بن قلاوون، بعد انتصار جيوش المماليك على شيعة كسروان، حيث ورد في تلك الرسالة وصف الكسروانيين "بالكفار والمنافقين والخوارج المارقين"، كما شبّه ما جرى في هذه المذابح بانتصارات الرسول على الكفار والمشركين في مغازيه[13].
النظريّة السياسيّة عند ابن تيمية
في الفصل الثاني من كتابه، يبحث المؤلف في معالم النظريّة السياسيّة عند شيخ الإسلام.
ويؤكّد نسيرة أنّ التراث السياسي كان ملتحماً بشكل وثيق بالتاريخ السياسي عند المسلمين، وهو الأمر الذي غاب عن فهم جماعات السلفيّة الجهاديّة، ممّا تسبّب في خلق مشكلة معرفيّة ومنهجيّة في الكثير من الأحيان.
في بداية الفصل، يستعرض المؤلف في عجالة أهمّ ملامح نظريّة الإمامة عند مجموعة من المفكّرين المسلمين السابقين على ابن تيمية، ومنهم أبو الحسن الماوردي ت450هـ/ 1058م وأبو يُعلى الحنبلي ت458هـ/ 1066م، وأبو المعالي الجويني ت478هـ/ 1085م.
وبعد ذلك، يحدّد المؤلف أهمّ معالم النظريّة السياسيّة عند ابن تيمية، فيجملها في خمسة محدّدات مهمّة، وهي: أنّ الإمامة ليست من أصول الدين، رغم كونها "جوهريّة لدنيا الناس ودينهم"[14]، وأنّ حفظ الشرع مسؤوليّة الأمّة، حيث انتقد القائلين بمركزيّة الإمامة، وفي كونها مصدر التزام الناس بالشرع؛ لأنّ الأمّة عنده "حارسة الشرع"[15]، القول بالنصّ على إمامة أبي بكر، سواء كان النصّ بشكل ظاهر أو خفي، تخليص العقيدة من خلاف الإمامة التاريخي. أمّا المحدّد الخامس، فهو إثباته وتصحيحه لإمامة المتغلب.
ما نلاحظه هنا أنّ تلك النقاط الخمس التي ساقها نسيرة في معرض صياغته لمعالم نظريّة ابن تيمية السياسيّة لا تعدو أن تكون استجابة لمجريات الواقع بكلّ ما فيه من متغيرات فكريّة أو سياسيّة.
فالنقاط الأربع الأولى، تأتي في سياق الدفاع الحجاجي عن التصوّر السنّي العام للإمامة، في مقابل التصوّر الشيعي الإمامي لها، ومن هنا فلم يكن من المستغرب أن يذهب ابن تيمية إلى أنّ الإمامة ليست من أصول الدين، حيث ذهبت إلى ذلك الأغلبيّة العظمى من علماء السنّة من قبله، وذلك خوفاً من الانسياق وراء الزعم الشيعي الذاهب لمركزيّة الإمامة وعدم إمكانيّة قيام الدين بغيرها.
النقطة الثانية أيضاً، تأتي في سياق الردّ على الإماميّة، وقد سبقه إلى ذلك علماء السنّة من الأشاعرة والحنابلة. أمّا النقطة الثالثة، فقد دُفع إليها ابن تيمية دفعاً في سياق المناظرة والردّ على ما كتبه العلّامة الحلي في منهاج الكرامة، وقد سبقه إليها الجويني مؤصّلاً إيّاها في كتابه الأشهر "غياث الأمم في التياث الظُلم".
أمّا النقطة الرابعة، فكانت نوعاً من أنواع التغطية على التاريخي بالمتعالي، وتحرير فترة الفتنة من قيود الأحكام التي سيتمّ تطبيقها وإسقاطها فيما بعد، وهي تقنية استخدمها العديد من علماء السنّة من قبل، في سبيل دفاعهم عن رموز المذهب والشخصيّات المؤسّسة له، ومن أشهر من استخدم تلك التقنية أبو بكر بن العربي المالكي ت 543هـ/ 1148م في كتابه "العواصم من القواصم".
أمّا النقطة الخامسة، فتبقى النقطة الوحيدة التي من الممكن أن نعتبرها قد ظهرت في سياق بعيد -إلى حد ما- عن التنافس المذهبي السنّي-الشيعي، ومع ذلك فقد كانت استجابة لظروف ومجريات الأمر الواقع الذي عاش فيه ابن تيمية.
ومن هنا يحقّ لنا أن نتساءل، هل كانت لابن تيمية نظريّة سياسيّة حقيقيّة مختلفة عن مجموع أفكار سابقيه من علماء أهل السنّة، أم إنّ أفكاره قد وردت في سياق تتبع الأقوال التي قال بها سابقوه، وإن تمّ إبرازها بفعل الظرف التاريخي الحرج الذي ظهر فيه شيخ الإسلام؟
تأثيرات ابن تيمية في حركات الإسلام السياسي
يناقش المؤلف في الفصل الثالث من كتابه تأثير ابن تيمية في الدعوات والحركات الإسلاميّة منذ سبعينيّات القرن التاسع عشر، حتى ثورات الربيع العربي في 2011م.
المحطّة الأولى التي يقف عندها الباحث هي محطّة مدرسة السيد جمال الدين الأفغاني الإصلاحيّة، التي شهدت حضوراً لعدد من كبار المفكّرين من أمثال الشيخ محمّد عبده، وتلميذه محمّد رشيد رضا.
يرى المؤلف أنّ هناك عدداً من المواضيع التي شهدت اتفاقاً ما بين فكر ابن تيمية وأعلام تلك المدرسة، من تلك المواضيع الميل لتجديد العلم الديني، والموقف المتشدّد مع أهل البدع، والتركيز على الجهاد وفعاليّة الأمّة.
ولكن في الوقت نفسه، كان هناك العديد من أوجه الاختلاف، منها مركزيّة الاحتكام للعقل، واختلاف الدوافع والأولويّات، حيث يؤكّد نسيرة على الاتجاه التوفيقي الذي مال إليه الأفغاني وتلاميذه، من خلال محاولتهم إدماج قيم الحداثة مع قيم الحضارة الإسلاميّة، ليخرجوا بمبادئ الحقوق والمساواة والحريّة الديمقراطيّة، وذلك بعكس مدرسة ابن تيمية التي انطلقت من ضرورة الحفاظ على الدين الصحيح فحسب، ومن ثمّ لم تولِ اهتماماً ملحوظاً بالأبعاد الإنسانيّة التي دعا إليها الأفغاني وتلاميذه.
ويعتقد المؤلف أنّ محمّد رشيد رضا كان المتأثر الأكبر بأفكار ابن تيمية من بين جميع أفراد تلك المدرسة، حيث تحوّل شيئاً فشيئاً نحو أفكاره، وظهر ذلك واضحاً في تحقيقه لبعض كتبه، وتقريظه له في بعض كتاباته.
المحطّة الثانية التي يصل إليها المؤلف، هي جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومؤسّسها حسن البنا.
يذكر نسيرة أنّ اسم ابن تيمية قد ورد مرتين في رسائل البنا، "ولكنّهما موضوعان تعليميّان، لا ينمّان عن تشابه منهجي أو تأثير وتأثر من البنا وابن تيمية"[16].
ويعدّد المؤلف أوجه الاختلاف المنهجي بين الرجلين، فيحدّدها في اختلاف الاعتقاد في قضيّة الأسماء والصفات، والاختلاف في النظرة إلى التصوّف، والاختلاف حول جدوى التقريب ما بين المذاهب.
بعد ذلك يتناول نسيرة أثر كتابات ابن تيمية في أفكار سيد قطب، فيصرّح بأنّه لم يعثر على أيّ موضع استشهد فيه قطب بابن تيمية في كتاباته، كما أنّه يذكر أنّ قطب في تعريفاته لتوحيد الألوهيّة والربوبيّة والأسماء والصفات، قد خالف شيخ الإسلام بشكل ظاهر، وهو الأمر الذي جعل المؤلف يرجّح أنّ قطب لم يطّلع على الإرث الفكري لابن تيمية بشكل مباشر، وأنّه ربما قد وصله عن طريق كتابات ومؤلفات أبي الأعلى المودودي.
ويرى المؤلف أنّ الاستدعاء الحقيقي الأوّل لأفكار ابن تيمية في أدبيّات الإخوان المسلمين، قد تحقق في كتاب "دعاة لا قضاة" للمستشار حسن الهضيبي، المرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين، وذلك خلال ردّه على أفكار ودعوات شكري مصطفى وجماعة التكفير والهجرة، ومن الملاحظات المهمّة التي يذكرها نسيرة أنّ استدعاء ابن تيمية عند الهضيبي قد وقع في سياق "الردّ على الحاكميّة ورفض التكفير وضبط مسألته"[17].
أما المحطّة الرابعة التي يتوقف عندها المؤلف، فهي محطّة أمير الجماعة الإسلاميّة بالهند أبي الأعلى المودودي، حيث يؤكّد نسيرة أنّ المودودي قد "تأثر بتصوّر ابن تيمية فيما يخصّ التوحيد في صياغته للحاكميّة"[18].
ويورد المؤلف العديد من النصوص المقتبسة من كتاب المودودي "المصطلحات الأربعة"، التي يظهر فيها مدح المفكّر الهندي لشيخ الإسلام وإعجابه به، ولكنّه -أي المؤلف- يبرز انتقاد المودودي لابن تيمية، لبُعد الأخير عن قيادة حركة سياسيّة انقلابيّة ضدّ السلطة المملوكيّة الحاكمة في عصره، وهو ما يفسّره المؤلف بالاختلاف الكبير ما بين توجّهي الرجلين وبعضهما البعض.
أمّا المحطّة الخامسة التي يعرج إليها المؤلف، فهي محطّة التنظيمات الجهاديّة المعاصرة، ويتخذ نسيرة من رسالة "الفريضة الغائبة" لمحمّد عبد السلام فرج، نموذجاً لتأثير أفكار ابن تيمية على أدبيّات جماعة الجهاد، حيث اعتمد مؤلف الرسالة على فتوى قتال التتار لابن تيمية، ومبادئ الولاء والبراء، والقاعدة التي تنصّ على أنّ مواجهة العدو القريب أولى وأهمّ من مواجهة العدو البعيد.
ويذكر نسيرة أنّ عبد السلام فرج قد عمل على استدعاء ابن تيمية في كتاباته، في آراء متناثرة تتعلّق بالتتار وحكم موالاتهم، وعمل بعد ذلك على إسقاطها على الحالة المصريّة بعد اتفاقيّة كامب ديفيد في 1978م، ويلاحظ المؤلف أنّ فرج في رسالته قد أهمل الفارق بين "الفتوى التي هي تاريخيّة التوجّه لحادث ما في زمن ما، والحكم التأسيسي الذي يمتدّ لغير هذا الزمن"[19].
ويذكر نسيرة هنا، في سياق فضّ الاشتباك ما بين شيخ الإسلام وأفكار عبد السلام فرج، أنّ دعوته لقتال المغول كانت لظروف معيّنة، "وأنّه لولا تحوّلهم للتشيّع ما عارضهم ابن تيمية"[20].
وفي الحقيقة، فإنّ ذلك الرأي ينطوي على مخالفة واضحة للحقيقة التاريخيّة، والتي تقرّ بأنّ تحوّل المغول للتشيع قد وقع في عهد أولجايتو (خدابنده)، وليس في عهد أخيه الأكبر محمود غازان الذي حدث في عهده الهجوم على بلاد الشام، والذي صدرت فتوى شيخ الإسلام في حقه.
يحاول المؤلف بعد ذلك، أن يحلل ما أورده عبد السلام فرج في رسالته عن "فتوى التترّس"، والتي أفتى فيها ابن تيمية بأنّه يجوز للمسلمين المحاربين أن يقاتلوا الكفار، حتى لو تترّس هؤلاء واحتموا بالمسلمين، وأنّه في تلك الحالة يُعامَل المسلمون القتلى الذين احتمى بهم الكفّار معاملة الشهداء.
إنّ نسيرة يتّهم عبد السلام فرج "بغائيّة الإسقاط"، بهدف إسقاط شبهة التكفير على نظام السادات بعد كامب ديفيد "فلم تكن غايته -أي عبد السلام فرج- الفهم أو التأصيل الشرعي المجرّد، فالتوت الأدلة لمصلحة الأحكام والنتائج، وكلاهما مختزل تاريخيّاً ونصيّاً في آنٍ واحد"[21]، كما أنّ نسيرة يتّهم فرج بتجاهل تفاصيل جهاد ابن تيمية التي كانت مضبوطة في إطار المشروعيّة الحاكمة تحت راية الدولة المملوكيّة، كما اتهّمه بالتغافل عن الإكراهات الاقتصاديّة وموازين القوى العالميّة التي اضطرت السادات للقبول بالصلح مع إسرائيل.
ويحقّ لنا أن نسأل المؤلف: هل كانت تلك الضغوط التي يسوقها لالتماس فهم أسباب الصلح مع إسرائيل لتصمد في وجه العقليّة الشرعيّة الصارمة التي لطالما اعتاد أن يفكّر بها شيخ الإسلام؟ وهل كان الفقيه الذي جنح للدعوة لقتال الفرق والمذاهب والطوائف المبتدعة الضعيفة في زمانه، ليقبل أن تُعقد المعاهدات والمصالحات ما بين السلطة الحاكمة والسلطات التي تنتهج الشرائع الكفريّة؟ ولماذا لم يدعُ ابن تيمية إلى ذلك، وقد كان مع أقرانه من الدمشقيين لقمة سائغة في فم القوّتين الإقليميتين الأكبر في زمانه؟
بعد ذلك يتناول المؤلف حضور ابن تيمية في أدبيّات الجماعة الإسلاميّة التي نشأت في مصر في 1972م، ويذكر أنّ كلّاً من "رسالة حتميّة المواجهة" و"الرسالة الليمانيّة" و"رسالة القول القاطع"، كانت من أهمّ رسائل تلك الجماعة التي سجّل فيها اسم ابن تيمية حضوراً ظاهراً في بعض المواضع.
ويرى نسيرة أنّ معظم الآراء والأفكار التي أخذ بها منظّرو السلفيّة الجهاديّة عن ابن تيمية قد نُقلت إليهم من بوّابة المودودي وقطب، رغم أنّ الثاني على وجه التحديد لم يولِ اهتماماً كبيراً بابن تيمية؛ ومعنى ذلك أنّ السلفيّة الجهاديّة المعاصرة قد شكّلت مُتخيلها الخاص عن ابن تيمية، وفق تصوّرات عموميّة غير تاريخيّة وغير دقيقة تمّ الوصول إليها من كتابات المودودي وقطب، ومن ذلك ما نقله أيمن الظواهري الأمير الحالي لتنظيم القاعدة، في كتابه "الحصاد المر: الإخوان المسلمون في سبعين عاماً" "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أنّ من سوّغ اتباع دين غير الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمّد، فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض..."[22]، ويلاحظ نسيرة هنا أنّ مفهوم الدين عند شيخ الإسلام في النصّ السابق، يقصد الدين كنسق اعتقادي إيماني عام، وليس كحكم وتشريع كما يحاول الظواهري أن يبيّن.
ويذكر المؤلف بعد ذلك، أنّ بعض منظّري السلفيّة الجهاديّة قد قاموا بتخطئة ابن تيمية في بعض أفكاره وآرائه، ومنهم عبد القادر بن عبد العزيز الذي خطّأه في الفتوى الماردينيّة، لقوله إنّ ماردين ليست بدار إسلام ولا دار حرب، وإنّها نوع ثالث من الديار وهو "دار مركّبة"، حيث ذهب إلى أنّها دار حرب؛ لأنّ الدّيار في الإسلام نوعان لا ثالث لهما.
ويعرض نسيرة بعد ذلك للاختلاف الحادث بين ابن تيمية من جهة ومنظّري الفكر الجهادي الذين اتخذوا منه مرجعاً لأفكارهم من جهة أخرى، وذلك فيما يخصّ مسألة الخروج على الحاكم، إذ يؤكّد المؤلف أنّ كتابات شيخ الإسلام تؤكّد على تحريمه القاطع للخروج على الحاكم، وهو الأمر الذي أساء منظّرو التيار الجهادي فهمه، عندما أوجبوا الخروج على الحاكم الذي لا يطبّق الشريعة، واستندوا في ذلك على آراء شيخ الإسلام التي تقدّم قتال المرتد على قتال الكافر الأصلي.
ويردّ المؤلف على هؤلاء المنظّرين، بأنّ آراء ابن تيمية قد اقتصرت فقط على المرتدّين المحاربين، وأنّ الردّة التي قصدها ابن تيمية هي الخروج من الإسلام على الجملة وإنكار الشهادتين، وليس مجرّد إنكار الحاكميّة، أو تعطيل بعض الحدود.
كيف ظهر تأثير أفكار ابن تيمية في مراجعات السلفيّة الجهاديّة؟
في الفصل الرابع من كتابه، يبين المؤلف الحضور القوي لأفكار ابن تيمية في مراجعات حركات السلفيّة الجهاديّة، وهو الأمر الذي يؤكّد وجهة نظر المؤلف الذاهبة إلى حدوث اشتباه حول أفكار شيخ الإسلام، ممّا جعل منها أفكاراً مؤسّسة وحاكمة في الفكر الجهادي في أوّل الأمر، ثمّ تمّ استدعاؤها مرّة أخرى في سياق التراجع عن تلك الأفكار بعد ذلك.
يُعرّف نسيرة عمليّة المراجعة بأنّها "عمليّة نقد ذاتي وتصحيح ومراجعة، يقوم بها تنظيم أو عنصر إيديولوجي معيّن أو فرد معيّن، لتصوّرات ومنطلقات فكريّة وإيديولوجيّة سابقة مثلت قناعات سابقة لديه، ومرجعيّة له في ممارسات عمليّة سابقة، وتشتمل عمليّاً -بوضوح أو بإيحاء- على وضع أسس فكريّة وأولويّات جديدة ومختلفة عن الأولويّات والحتميّات السابقة، تتجاوز عوارها وأزماتها الفكريّة ومآلاتها الأخيرة، تعبّر عن مرجعيّة جديدة"[23].
ويرى المؤلف أنّ هناك نموذجين مهمّين للمراجعات -الكليّة- التي قام بها الجهاديّون، واستندوا فيها إلى أفكار شيخ الإسلام، وهي مراجعات الجماعة الإسلاميّة المصريّة والجماعة الإسلاميّة المقاتلة الليبيّة، هذا بالإضافة إلى نموذج المراجعة -الجزئيّة- التي قام بها عبد القادر بن عبد العزيز.
فيما يخصّ مراجعات الجماعة الإسلاميّة المصريّة، فإنّ المؤلف يستند إلى كتابات ناجح إبراهيم، وهو أحد كبار القادة التاريخيين لتلك الحركة؛ وذلك في موضع تخطئته لإسقاط فتوى التترّس التي قال بها ابن تيمية على الواقع المعاصر، مستنداً فيما ذهب إليه للاختلاف بين التتار وحكومات البلاد الإسلاميّة الحاليّة، والتقييد الزمني والمكاني لفتوى شيخ الإسلام، ولأنّ التشريع البشري الذي يطبّقه الحكّام المسلمون اليوم لا يلزم أن يكون كله باطلاً.
أمّا بالنسبة إلى الجماعة الإسلاميّة المقاتلة في ليبيا، فإنّ المؤلف ينقل عن مجموعة من منظّريهم العديد من الاقتباسات التي تحرّم الخروج على الحكّام والأمراء، حتى في حالة ميلهم إلى الجور والظلم[24].
النموذج الثالث الذي يتناوله نسيرة بالدراسة هو نموذج مراجعات تنظيم الجهاد، ممثلة في كتابات سيّد إمام الشريف، واسمه الحركي الذي عُرف به في الأوساط الجهاديّة هو عبد القادر بن عبد العزيز، وكان واحداً من أهمّ عناصر تنظيم الجهاد المصري الذين شاركوا في قتال السوفييت بأفغانستان، وكانت له مكانة كبيرة بين المجاهدين العرب هناك، ويذكر نسيرة أنّ عدد الجهاديين التائبين بسبب مراجعاته قد وصل لما يقرب من ثلاثين ألف شخص[25].
يذكر نسيرة أنّ أفكار سيّد إمام ومراجعاته قد صيغت فيما عُرف بـ "وثيقة ترشيد العمل الجهادي"، وقد ورد فيها اسم ابن تيمية أربعاً وعشرين مرّة، واستند فيها صاحبها لمجموعة من آراء شيخ الإسلام، ومنها ذمّ التقليد التنظيمي والتوسّع في التعزير بالجهل ومراعاته لمقاصد الشريعة وللقاعدة الذاهبة إلى أنّ درء المفسدة مقدّم على جلب المصلحة، وتحريمه للخروج على الحكّام والأمراء.
إعادة بناء أفكار ابن تيمية
في الفصل الخامس، وهو الفصل الأخير من كتابه، يقوم الدكتور هاني نسيرة، بمحاولة إعادة بناء لأفكار شيخ الإسلام المركزيّة، التي دار حولها الكثير من المجادلات والشبهات، وذلك بعدما قام عبر صفحات كتابه بنقد فهم الإسلاميين وتعاطيهم مع تلك الشخصيّة التاريخيّة المحيرة.
بدايةً، يتعرّض المؤلف لمفهوم الجهاد عند ابن تيمية، فيقول إنّه قد قسّمه إلى ثلاثة أشكال؛ وهي الدعاء إلى الله، والجهاد بالتدبير والرأي، والجهاد بالطعن والضرب بالسيف؛ ويرى نسيرة أنّ شيخ الإسلام كان يرفع من شأن النوعين الأوّلين، مستنداً في ذلك على سيرة الرسول نفسه، وهو الذي كان يكثر من الدعاء والدعوة للقتال، مع الاشتراك بشكل محدود في القتال والحرب[26].
ويرى المؤلف أنّ ابن تيمية قد نبّه في كتبه مراراً على حتميّة اتّباع سنّة التدرّج في الجهاد قبل اللجوء للعنف، وأنّه كان يرى أنّ الجهاد مجرّد وسيلة وليس غاية في حدّ ذاته.
كما أنّ نسيرة يؤكّد على الشروط التي ألزم بها شيخ الإسلام المسلمين المقبلين على الجهاد، ومنها القدرة والاستطاعة والاستعداد والكفاءة وإذن ولي الأمر، وهذا الشرط الأخير تحديداً يعلق عليه المؤلف: "وهو الشرط الذي تتجلّى به واقعيّة شيخ الإسلام ابن تيمية وقدرته على قراءة واقعه وواقع المسلمين ودولهم، دون استعلاء بخطابيّة من لا يقرؤون هذا الواقع..."[27].
ومن الغريب هنا، أنّ المؤلف يتابع تعليقه على شرط "إذن ولي الأمر في الجهاد"، بأنّه لا يوجد نصّ واضح لشيخ الإسلام فيه، إلّا ما قام به من خلال حياته وعلاقته مع الدولة في عهده.
والحقيقة أنّ هناك مجموعة من النصوص التي وردت في كتب ابن تيمية والتي تعطينا تصوّراً مختلفاً عن رأيه في المسألة، ومن ذلك قوله في معرض فتوى له عن الأمور التي لا يجوز للحاكم أن يلزم الناس فيها برأيه: "فكيف يسوّغ لولاة الأمور أن يمكّنوا طوائف المسلمين من اعتداء بعضهم على بعض وحكم بعضهم على بعض بقوله ومذهبه هذا ممّا يوجب تغيّر الدول وانتقاضها فإنّه لا صلاح للعباد على مثل هذا، وهذا إذا كان الحكّام قد حكموا في مسألة فيها اجتهاد ونزاع معروف، فإذا كان القول الذي قد حكموا به لم يقل به أحد من أئمّة المسلمين، ولا هو مذهب أئمّتهم الذين ينتسبون إليهم ولا قاله أحد من الصحابة والتابعين ولا فيه آية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل قولهم يخالف الكتاب والسنّة وإجماع الأئمة فكيف يحلّ مع هذا أن يلزم علماء المسلمين باتباع هذا القول وينفذ فيه هذا الحكم المخالف للكتاب والسنّة والإجماع..."[28].
ومن الواضح أنّ الاقتباس السابق من كلام ابن تيمية يميل إلى ترجيح قوله بعدم اعتباريّة أمر ولي الأمر في المسائل الشرعيّة الواضحة، والتي يقف جهاد الدفع في أوّلها بطبيعة الحال ومقتضى الواقع.
ومن الغريب أنّ المؤلف لمّا افتقر إلى العثور على اقتباس يؤيّد ما ذهب إليه من كلام ابن تيمية، قد عمل على التضعيف والتقليل من أهميّة جهاد الطلب ومكانته عند ابن تيمية بكلّ وسيلة ممكنة، فاقتبس من كلامه "... وأمّا من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة، كالنساء والصبيان والراهب، والشيخ الكبير، والأعمى، والزِمن ونحوهم، فلا يُقتل عند جمهور العلماء، إلّا أن يقاتل بقوله أو فعله، وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرّد الكفر، إلّا النساء والصبيان لكونهم مالاً للمسلمين، والأوّل هو الصواب، لأنّ القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار ديننا..."[29].
ويحقّ لنا أن نستغرب ممّا ذكره المؤلف، وما ساقه من كلام ابن تيمية على وجه الشاهد والدليل، إذ لا علاقة البتة بين "أهميّة الجهاد ولزومه"، وهو الموضوع الرئيس الذي يناقشه المؤلف، وبين "أحكام قتال الشيوخ والنساء والأطفال" وهو محصّلة الاقتباس السابق، والرأي عندي أنّ المؤلف قد تكلّف في إثبات الوجه الآخر المخالف والمعارض لجهاديّة ابن تيمية.
وفي السياق نفسه، يتطرّق المؤلف بعد ذلك لمسألة جواز التمثيل بجثث الأعداء، وموقع ذلك الفعل في أفكار ونظريّات ابن تيمية، خصوصاً أنّ تلك المسألة قد أحدثت ضجّة كبيرة بعد قيام عناصر تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام (داعش) بحرق الطيّار الأردني الأسير معاذ الكساسبة في الثالث من فبراير 2015م.
تحت عنوان فرعي (رأي صريح في رفض التمثيل بجثة أيّ ميت، كافراً كان أو مؤمناً)، يورد نسيرة كلام شيخ الإسلام في كتابه "منهاج السنّة النبويّة في الردّ على الشيعة القدريّة"، والذي يُفهم منه بشكل قاطع نهي ابن تيمية عن التمثيل بالكافر بعد موته، وأنّ القصاص يُحرّم إذا كان عدواناً أو معصية.
ويتّهم نسيرة تنظيم الدولة الإسلاميّة بالتدليس على شيخ الإسلام، في الفقرة التي أوردها بيان التنظيم في شريط إحراق الضابط الأردني، والتي يظهر منها ترجيح ابن تيمية إلى اللجوء للتمثيل بجثة الكافر "إذا كان في التمثيل الشائع دعاة لهم -أي الكفار- إلى الإيمان أو زجر لهم عن العدوان، فإنّه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع"، وهي جملة واردة في أحد كتب شمس الدين بن مفلح تلميذ ابن تيمية.
والحقيقة أنّ المؤلف هنا يتابع التكلّف لتحسين صورة ابن تيمية وإبعاده بكلّ وسيلة ممكنة عن الخطاب الجهادي المعاصر، حيث قام المؤلف بالخلط المعيب ما بين (المثلة) و(أحكام القصاص)؛ ذلك أنّ ما وقع للكساسبة يأتي في سياق النوع الثاني لا الأوّل، وهو فعل لا يختلف ابن تيمية في طريقة تطبيقه وتنفيذه، فقد ورد في "منهاج السنّة"، وهو الكتاب نفسه الذي ورد احتجاج المؤلف به في السطور السابقة، اعتراف شيخ الإسلام بأنّ أبا بكر قد أحرق الفجاءة السلمي بالنار، وأنّ عليّاً بن أبي طالب قد أحرق جماعة من غلاة الشيعة بالنار أيضاً، وقد علّق شيخ الإسلام على تلك الأخبار في سياق مناظرته للشيعة الاثني عشريّة بقوله: "فإن كان ما فعله أبو بكر منكراً، ففعل علي أنكر منه، وإن كان فعل علي ممّا لا يُنكر مثله على الأئمة، فأبو بكر أولى أن لا يُنكر عليه"[30]، وهو التعليق الذي يتّضح منه موافقة ابن تيمية على حرق الكافر أو المرتد، وأنّه لا يعتبر ذلك من باب المثلة المنهي عنها.
ويتابع المؤلف بعد ذلك جهوده المضنية في محاولة تعليق أحكام الجهاد عند ابن تيمية بمستجدّات ونوازل عصره، فيذكر الصحوة الشيعيّة التي وقعت في زمانه، وارتباطها بالغزو العسكري المغولي، وتأثيرها على "إيمان كلّ الفرق غير السنيّة بفكرة الخروج..."[31].
والمؤلف هنا، يقع في خطأ تاريخي واضح ومركّب، ذلك أنّ التحوّل المغولي إلى المذهب الشيعي لم يقع إلّا عقب وفاة السلطان محمود غازان خان في 703هـ/ 1304م، ووصول أخيه محمّد أولجايتو (خدابنده) إلى السلطة.
والحقيقة التاريخيّة تثبت أنّ موجات الصدام المملوكي-المغولي في بلاد الشام، وعند أسوار مدينة دمشق، حيث كان ابن تيمية يدعو للجهاد وقتال المغول، لم تقع إلّا في عهد السلطان السّني غازان خان، بينما تؤكّد المصادر التاريخيّة أنّ فترة حكم خدابنده (703-716هـ/ 1304-1316م)، قد ساد فيها الهدوء والاستقرار على الجبهة الشاميّة، ولم تقع فيها أيّ حروب مؤثرة فيما بين القوتين المتنافستين.
المغالطة الثانية التي وقع فيها المؤلف أنّ المذهب الشيعي الإمامي بالذات لا يدعو للخروج والثورة، بل إنّ أدبيّاته تحرّم وتجرّم ذلك بشكل واضح، ولم يذكر أحد من المؤرّخين المعاصرين لابن تيمية أنّ خدابنده قد مال بعد تشيّعه، لاستخدام المذهب الجديد أداةً تعبويّة حاشدة.
وفي السياق ذاته، يتابع المؤلف قائلاً: "لا يمكن أن تقرأ وتفسّر شدّة بعض السلف وفي مقدّمتهم ابن تيمية، هذا الخلاف الفرقي والمذهبي حول الإمامة والحكم وإسقاط الحكم، بعيداً عمّا تبلور منذ القرن الخامس الهجري، من بدء عصر التدوين الشيعي خصوصاً، لممارسات تمثل خطراً على الشرائع والشعائر الإسلاميّة، إبطالاً وتعطيلاً، وكذلك على كلٍّ من الأمّة والدولة، حرباً عليها وموالاة لأعدائها"[32].
والحقيقة أنّ كلام المؤلف هنا يحمل عدداً من الأسئلة والمغالطات، وهي:
ماذا كان يقصد بالخطر والتهديد الذي حمله التدوين الشيعي بداية من القرن الخامس الهجري؟
فمن المعروف أنّ المدوّنات الشيعيّة المعتمدة قد ظهرت بدايةً من القرن الرابع الهجري على يد الكليني، والصدوق، والمفيد، والمرتضى، والطوسي، وغيرهم من علماء المذهب الإمامي الاثني عشري، وهي في مجملها بعيدة كلّ البُعد عن تمثيل أيّ خطر على الأمّة أو الدولة، وذلك لبُعد الإماميّة عن ممارسة السياسة وميلهم للتخفّي والتقيّة.
ماذا كان يقصد بحرب الشيعة للأمّة والدولة، وموالاة أعدائها؟
وهل تورّط الاثنا عشريّة الذين اعتنق المغول مذهبهم في أيّ من تلك المزاعم؟
الحقيقة أنّ الأخطار التي واجهت الدولة السنيّة كانت في معظمها من جهة الفاطميين/ الإسماعيليّة، الحشيشيّة/ الإسماعيليّة النزاريّة، والبويهيّين من قبلهم/ والزيديّة، أمّا الاثنا عشريّة الذين وجّه لهم شيخ الإسلام نقده وانتقاده، فقد كانوا بعيدين عن إلحاق أيّ أذى بالمسلمين السنّة، أمّة أو دولة.
وفي السياق نفسه، فإنّ الحديث عن مساعدة بعض رجال الشيعة للمغول في غزوهم لبلاد الإسلام، بالصورة التي يلمّح لها المؤلف، والتي يُفهم منها وقوع تحالف مغولي-شيعي ضدّ السنّة، فإنّه يتغافل عن أمرين مهمّين: الأوّل هو أنّ المغول اجتاحوا بعض المناطق الشيعيّة إبّان غزوهم للمنطقة، ومن ذلك اجتياحهم لقلاع الحشيشيّة النزاريّة في إيران قبل مسيرهم لبغداد[33]، وهو الأمر الذي يثبت أنّ المغول لم يكونوا يتعاملون مع المسلمين بشكل مذهبي.
الأمر الثاني: أنّ الشيعة الذين انضمّوا للمغول، ومن أشهرهم الوزير ابن العلقمي والعالم نصير الدين الطوسي، والمؤرخ رشيد الدين الهمذاني، قد جرى التحاقهم بالصفّ المغولي في سياقات وظروف وأسباب مختلفة؛ فالأوّل تحالف مع هولاكو قُبيل دخوله بغداد، بشكل براجماتي فردي لا مذهبي جمعي طائفي، وانتهى ذلك التحالف بقتله على يد المغول، والثاني (الطوسي) قد وقع أسيراً عند اجتياح المغول لقلعة ألموت، ثمّ تمكّن بذكائه ودهائه من استمالة عقل هولاكو، وهو الأمر الذي لم ينجح فيه زعيم طائفة الحشيشيّة ركن الدين خورشاه نفسه[34].
أمّا الهمذاني، فقد كان يهودي الأصل، وتحوّل للإسلام الشيعي في عهد غازان خان، ولا يمكن الزعم أنّ علاقته بخان المغول قد نتجت بسبب مكانته وتأثيره في الأوساط الإسلاميّة الشيعيّة[35].
ولو أعدنا قراءة أحداث تلك الفترة، لوجدنا الكثير من الساسة والعلماء والأعلام من أهل السنّة والجماعة قد دخلوا في تحالفات وعلاقات وديّة مع المغول، ومن هؤلاء بعض قادة البيت الأيوّبي في بلاد الشام، وعطا الله ملك الجويني الذي تولّى حكم العراق لهولاكو، والمؤرّخ ابن الفوطي، والعالم ظهير الدين الكازروني الذي كان يعمل في بلاط هولاكو[36]. وقد اختتم المؤلف دفاعه المستميت عن رفض الصورة الجهاديّة لابن تيمية، عندما يلفت النظر للسياقات الغائبة عن مسألة الفتوى الماردينيّة.
حيث يذكر المؤلف أنّ مدينة ماردين لها خصوصيّة ثقافيّة مرجعها كثرة الثقافات والتيّارات الفكريّة المتعايشة داخل أسوارها، وأنّها تتمتع بتنوّع ثري في أعراق سكّانها، حيث يقيم فيها العرب والكرد والترك جنباً إلى جنب، هذا بالإضافة إلى كونها مسقط رأس شيخ الإسلام، حيث ولد فيها عام 661هـ، ويحاول المؤلف أن يستقي من جميع ما سبق أنّ شيخ الإسلام كان عنده ما يفسّر إطلاقه عليها "دار مركّبة".
والحقيقة أنّ المؤلف هنا يواصل تكلّفه الظاهر؛ لأنّ طبيعة هذ العصر الديموغرافيّة قد اقتضت وقوع حالة من حالات الدمج والتعايش المشترك بين فئات ومذاهب وأعراق مختلفة ومتباينة في كلّ مدينة، كما أنّ أصل ابن تيمية المارديني لا يعطي لماردين أيّة خصوصيّة في خطاب شيخ الإسلام، ويشهد على ذلك أنّ ابن تيمية في فتواه الماردينيّة قد ذكر أكثر من مرّة جملة "في ماردين أو غيرها"، وهو ما يوضح غياب أيّ خصوصيّة لتلك المدينة، حيث ورد في الفتوى المذكورة: "دماء المسلمين وأموالهم محرّمة حيث كانوا في ماردين أو غيرها، وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام محرّمة سواء كانوا أهل ماردين أو غيرهم... بل السبّ والرّمي بالنفاق يقع على الصفات المذكورة في الكتاب والسنّة، فيدخل فيها بعض أهل ماردين وغيرهم"[37].
وأغلب الظن أنّ المؤلف، الذي عمل بكلّ جهده لاستنقاذ شخصيّة ابن تيمية من أسر الفكر الجهادي، قد تورّط -بغير قصد- في اصطناع واختلاق صورة موازية لشخصيّة شيخ الإسلام، وهي صورة تميل إلى المثاليّة في معظم جوانبها، وهو الأمر الذي ظهر واضحاً في محاولة المؤلف انتقاء بعض النصوص التي تميل لإثبات وجهة نظره والتغافل عن نصوص أخرى مهمّة، وأيضاً لليّ عنق بعض النصوص، محاولاً استنطاق ابن تيمية بما لم يقصده ولم يفكّر فيه، وأخيراً العمل على تصوير جهاد ابن تيمية وفتاواه ضدّ المغول على كونه نوعاً من أنواع الجهاد المذهبي الخالص، حتى يبتعد بشيخ الإسلام عن نظريّات الحاكميّة السياسيّة التي ألصقها به الجهاديّون المعاصرون.
كلّ تلك المغالطات والاشتباهات جعلت المؤلف يقدّم ابن تيمية على كونه مفكراً بريئاً من كلّ الاتهامات التي لاحقته، رغم أنّ القراءة التاريخيّة الموضوعيّة لشخصيّة شيخ الإسلام تؤكّد على أنّه يعود إلى السياق الفكري السائد في العصور الوسطى، بكلّ ما فيه من اشتباكات فكريّة ومجادلات مذهبيّة ودعاوى لاستخدام الدين وسيلة سياسيّة، وأنّ مشروعه الفكري الأهمّ كان موجّهاً نحو التأكيد على الهويّة السنيّة التي شعر بالخطر عليها، فانبرى مدافعاً عنها بكلّ طاقته، تارة بالقلم وباللسان، وبالسيف تارة أخرى.
[1] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة: أخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية، ص16
[2] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص36
[3] ابن أيبك الصفدي، أعيان العصر وأعوان النصر، ص66
[4] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص36
[5] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص45
[6] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص55
[7] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص59
[8] ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، ج5، ص264
[9] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص73-75
[10] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص77
[11] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص 81- 82- 83
[12] ابن تيمية-مجموع الرسائل والمسائل-ج3-348
[13] ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج28، ص39
[14] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص129
[15] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص134
[16] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص170
[17] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص181
[18] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص183
[19] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص204
[20] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص205
[21] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص209
[22] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص245
[23] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص275
[24] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص313
[25] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص323
[26] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص355
[27] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص358
[28] ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج35، ص222
[29] ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج28، ص354
[30] ابن تيمية، منهاج السنّة، ج5، ص497
[31] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص368
[32] هاني نسيرة، متاهة الحاكميّة، ص369
[33] محمّد السعيد جمال الدين، دولة الإسماعيليّة في إيران، الدار الثقافيّة للنشر، القاهرة، 1999م، ص121
[34] محسن الأمين، أعيان الشيعة، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1983م، ج9، ص417
[35] رشيد الدين فضل الله الهمذاني (ت717ه)، جامع التواريخ، راجعه وقدّم له: يحيى الخشاب، الإدارة العامّة لقصور الثقافة، ج1، ص6-20
[36] ابن حجر العسقلاني (ت852ه)، الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة، ط2، مجلس دائرة المعارف العثمانيّة، حيدر أباد، 1972م، ج3، ص123
[37] ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج5، ص533