إخاء الأديان - محمد حبش


فئة :  قراءات في كتب

إخاء الأديان -  محمد حبش

إخاء الأديان

محمد حبش

كتاب إخاء الأديان للمفكر السوري محمد حبش، صدر، عن دار مؤمنون بلا حدود، بيروت لبنان، ط.1، 2021م.

فكرة الكتاب

الأفق الإنساني الذي تم التفكير فيه على مستوى العالم، ما بعد القرن التاسع عشر، يرتبط بتعزيز الحوار بين الأديان عبر العالم، وباستثمار مختلف المعارف والمناهج في التقريب بين مختلف الأديان عبر العالم؛ فعلم مقارنة الأديان ليس الغرض منه الإبعاد فيما بينها، بقدر ما يهدف إلى الكشف عن مختلف الأصول والمعتقدات وأشكال الطقوس والعبادات لمختلف أديان العالم، بهدف معرفة أوجه التشابه والتباين بينها، وتحديد القواسم المشتركة وعلاقة بعضها ببعض، ومعرفة مواطن القوة والضّعف فيما بينهم من خلال المقابلة والموازنة؛ لأن التقريب فيما بين الأديان فيه تعزيز لقيمة التعارف والتواصل والحوار بين الثقافات؛ لأن الدين بمفهومه الشامل يمتلك الكثير من الطاقة التي بإمكانها مد جسور والإيحاء بين الناس عبر العالم، سواء المتدينين منهم واللادينيّين، ومن هذه الزاوية الواسعة الأفق زاوية الأخوة الإنسانية، ينظر محمد حبش لموضوع العلاقة بين الأديان، فهي في نظره علاقة تتجاوز مجال المقارنة والحوار بين الأديان إلى مجال وأفق إخاء الأديان، وهو مفهوم في غاية الأهمية معرفيا ومنهجيا قد تترتب عنه تبعات تصورية في نظرتنا إلى الدين وإلى الإنسان.

يؤكد محمد حبش أن مفهوم إخاء الأديان لا يهدف إلى "تكريس قطيعة معرفية ومجتمعية مع اللادينيّين، فهدف الدراسة في النهاية هو الإخاء الإنساني، والغاية الإنسان وليست الأديان، وإنّما كرّسنا الحديث عن إخاء الأديان لمعنيَيْن اثنيْن: الأول: أنّ الأديان لا تزال تشكّل الوعي الجمعي لغالبية سكان الأرض، كما سنشرحه بالأرقام، وهي مسؤولة أخلاقياً عن نشر المحبّة ومواجهة الكراهية. الثاني: أنّ ثقافة الكراهية والتدابر تنشأ في الغالب من مجتمعات الأديان، وتُبنى على أساس ديني، وبات من الواجب مواجهة هذه الخطايا باعتماد هدي النبوات، وإظهار الجانب الإيجابي والإنساني من ثقافة الأديان. ومن المؤكد أنّ للإنسان -بغض النظر عن أي انتماء ديني- مساحة في أعماقه للتأمل والروح. وقد نجح الفلاسفة في إيقاظ هذه المشاعر النبيلة عبر حديثهم عن الإشراق والفيض والتأمل، كما نجحت الموسيقا والشعر في إحياء هذه الروح النقية في الإنسان، وباتت هذه المشاعر رصيداً مشتركاً من الصفاء والطهر بين سائر الأبرار في هذا الكوكب، وأصبحت هذه القيم ظهيراً للقيم الدينيّة في دعم الإخاء الإنساني، وهي شريك طبيعي لكلّ جهود إخاء الديانات."[1]

لا شك في أن المؤلف على وعي كبير بطبيعة الانتقادات التي يعترضها طرح إخاء الأديان، من اتجاهين؛ الاتجاه الأول: من لدن الكثير ممن يرون الدين وقضاياه بعقل جامد لا يعترف بالواقع، فالدين بالنسبة إليهم يكمن في مختلف الأقوال والتصورات والمتون التي قال بها المتقدمون؛ فالمنتسبون إلى الدين اليوم عليهم تطبيق ما قالت به تلك المتون دون مراجعة ولا نقد، ولا شك في أن الفئة الواسعة من الذين يتحدثون باسم الدين وينتصرون له، وبالأخص مختلف الجماعات الدينية واتجاه الإسلام السياسي، أنهم لا يميزون بشكل منهجي، ما بين الدين كمنظومة قيم عليا، وما بين التدين كتجربة إنسانية غنية بما أثمر وفق متطلبات مختلف الأزمنة والبلدان؛ فالدين في أصوله المرجعية ثابت، بينما التدين متحول ومتغير، فجل ما قال به الأقدمون يدور في دائرة التدين، وليس في دائرة الدين. والاتجاه الثاني: من لدن فئة ممن يستحضرون الفكرة الدينية كيفما كانت، باسم العلم والتقدم، في غفلة منهم عن قاعدة مفادها أينما حل الإنسان إلا وحل معه الدين، فالإنسان كائن متدين بأوجه متعددة؛ فمختلف المشاكل التي واجهها الإنسان باسم الدين تعود إلى مشكلات في العقل الديني، ولا تعود إلى الدين، مع العلم أن الإنسان خاض تجربة التخلي الكامل عن الدين والمطلق، ولكنه سقط في فخ صناعة معتقدات وتصورات تحل محل الدين، والتجارب في زمن الاتحاد السوفياتي كثيرة في هذا المجال. ونتيجة وعي المؤلف بهذا التحدي طرح مجموعة من الأسئلة ممهدة لموضوع الكتاب من بينها: هل تبدو فكرة إخاء الأديان حلماً خيالياً غير واقعي؟ وهل نحن ننفرد فيه ونخرج به عن الجمهور؟ أم إنّ هناك من يؤيّدنا في هذا التوجه؟ وهل لهذه الدعوة ظهير في الشريعة الإسلامية من نصوصها وفقهائها؟ وهل تشهد المجتمعات المتحضّرة ونخبها الفكرية إصلاحاً حقيقياً في الإخاء مع الآخر الديني؟

أهمية الكتاب

ترتبط أهمية الكتاب في تعزيز قيم الحوار والتواصل بين الثقافات عبر العالم، في وقت اتجه فيه نخبة من مثقفي العالم إلى تسويق ثقافة، صدام الحضارات، بدل حوارها، وقد تعززت هذه الفكرة بالنظر لمختلف الحروب التي ظهرت في الشرق الأوسط من قبيل الحرب على العراق والحرب في أفغانستان، بعد أحداث 11 شتنبر2001م. ولكن بعد هذه الفترة الطويلة اتضح للجميع بأن العالم ليس بالضرورة أن يرسم مستقبله وفق قاعدة الصدام التي يخسر في العالم بأكمله دون نجاة أحد. ومن المعروف أن القول بصدام الحضارات فيه ادعاء بأن الدين دافع من بين الدوافع الكبرى للصدام بين الحضارات.

وقد اتضح للعالم بأن مستقبله لا يمكن أن يكون رهينة الصراع؛ فمن الأولى تعزيز قيم الحوار والثقافي والتواصل الحضاري عبر العالم، وهذه فكرة أصيلة في الإسلام، وكذلك في مختلف الأديان، الإسلام دين يدعو إلى التعارف والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات على ما فيه من صالح للإنسانية، ومن هنا تأتي أهمية كتاب إخاء الأديان، بمعزل عن التصورات المتشددة التي سوقت لها الجماعات الأصولية المتطرفة التي تستعدي كل من القريب المسلم والبعيد غير المسلم.

فصول الكتاب

ويؤكد الكاتب أن الغاية هي صناعة هذا الإخاء الذي تحطم في مسار تاريخي قاس غابت فيه قيم الرحمة وحلت محلها به الحروب باسم الدين. يتألف الكتاب من أربعة أبواب: تناول الباب الأول إخاء الأديان في الأصول المؤسسة في الفقه الإسلامي على رأسها القرآن الكريم؛ فالدراسة المتأنية للقرآن الكريم ستجعلنا ندرك مباشرة أنّه يَنظر إلى العالم نظرته إلى الأسرة الإنسانية الواحدة، فتأكيده المستمر على قصة آدم يرسخ هذه الصورة، بأننا نحن بني الإنسان أسرة واحدة في العالم، وعلينا دوماً أن نسعى للقاء من جديد، وأن نهدم ما بناه الشر والبغي في الأرض من جدران وحدود وقطيعة، لتنعم الإنسانية بروح الأسرة الواحدة. الخطاب القرآن غني بمختلف الصيغ التي تؤكد أن الله جل وعلا رب الناس جميعا، ففي سورة الفاتحة مثلا لم يقل رب المسلمين، بل قال "رب العالمين" وفي سورة الناس لم يقل رب المؤمنين، بل قال: "رب الناس"، فمجمل الخطاب القرآني خطاب عام يشمل كل الخلق من كل الأديان والملل والنحل. القرآن جاء معترفا ومصدقا لما سبقه من الكتاب، ولا يتوقف الأمر عند الاعتراف والتصديق، بل يتجاوزه إلى الهيمنة التي تعني المراجعة والائتمان على روح وجوهر ما تم تصديقه مما سبق من الكتاب، بإظهار النور والهدى الذي تتضمنه تلك الكتب السماوية التي سبقت القرآن. {ألم *اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ *نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالإِنْجِيلَ *مِنْ قَبْلُ هُدَىً لِلنّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ} [آل عِمرَان: 1-4].

الباب الثاني: إخاء الأديان في التراث الإسلامي، يرى المؤلف أن مواقف إخاء الأديان في التراث الإسلامي لا نجدها في كتب مستقلة، ولكنّنا نجد جذوراً علمية وموضوعية لها في أعمال الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، وعبد الكريم الجيلي، وابن سبعين، والعفيف التلمساني، وصدر الدين القونوي، وشمس تبريز، وأعمال مولانا جلال الدين الرومي، وكذلك ما كتبه ابن سينا والبيروني في دراساتهما في الديانات المقارنة. ولا شك في أن التراث الإسلامي مليء بكثير من الكتابات التي تتوافق مع فكرة إخاء الأديان، وربما أن الكثير منها، ظهر وفق ظروف عارضة وفترات كان فيها العالم الإسلامي في حالة من التهديد والعدوان وما شابه ذلك، من قبيل الحروب الصليبية، وهي مواقف ومؤلفات لا تنسجم مع الروح العامة لمقاصد الإسلام.

وقد توقف المؤلف بالعرض والتحليل عند طروحات كثير من المثقفين في زمننا من بينهم جمال الدين الأفغاني، محمد إقبال، ومالك ابن نبي، وروجي غارودي...

الباب الثالث: إخاء الأديان في تراث الأديان، يرى المؤلف أن من أكبر المشاكل التي تعترضنا اليوم بالنظر إلى تراث الأديان أن الخلاص (بحسب المصطلح المسيحي واليهودي) والنجاة والفلاح (بحسب المصطلح الإسلامي)، أو التنوير (بحسب المصطلح البوذي) هو وقف على أتباع هذا الدين دون غيرهم. أما هذا الغير، فيكون مصيره إلى العذاب، ويتجاوز هذا الاعتقاد غالباً التعارضات الدينية إلى التعارضات المذهبية بين أتباع الدين نفسه، بين الكاثوليكية والبروتستانتية في المسيحية، وبين الماهايانا والهنايانا أو الثيرافادا في البوذية، والشيعة والسنة في الإسلام، الأمر الذي يزيد التعددية الدينية تعقيداً.

وعلى الرغم من كل هذا، من المؤكد أنه قد ظهر في الأديان كافة، مفكرون أحرار يدعون إلى الإخاء الإنساني ويرون في الإخاء بين الأديان مدخلاً لبناء الحياة السعيدة واستجابة لإرادة الخالق في بناء أسرة إنسانية واحدة، تكون فيها الأديان على اختلافها أبواباً للوصول إلى الخير الإنساني والتواصل مع المولى سبحانه، وهذا هو الاتجاه العالمي اليوم الذي ساهمت في بسطه الثورة المعلوماتية والأنترنت التي حولت العالم إلى قرية صغيرة.

الباب الرابع: إخاء الأديان في كلام الفلاسفة، تحدث الكاتب عن قادة التنوير في أوروبا وأشار إلى مواقفهم المتتالية في رفض احتكار الخلاص واحتكار الجنة واحتكار الحقيقة وجهودهم في بناء إخاء إنساني يتحاوز التعصب الديني والعرقي، واختتم الكتاب باقتباس أهم أعمال الفلاسفة التنويرين الذين أنصفوا الإسلام وأشادوا بقيمه الكريمة.

[1] محمد حبش، إخاء الأديان، عن دار مؤمنون بلا حدود، بيروت لبنان، ط.1، 2021م. مقدمة الكتاب