أبو مدين شعيب الأندلسي
فئة : أعلام
هو شعيب بن الحسن (أو ابن الحسين) الأنصاري الأندلسي البجائي المعروف بـ"أبي مدين الغوث" ولد بالقرب من إشبيليّة بالأندلس حوالي سنة 510 هـ/ 1116 م، وغادر مسقط رأسه صغيرا لأسباب ذكرها في قوله: "كنت بالأندلس يتيما فجعلني إخوتي راعيا لمواشيهم.. فقويت عزيمتي على الفرار لأتعلّم القراءة والكتابة. ففررت.. ذهبت إلى سبتة فكنت أجيرا للصّيادين.. ثمّ ذهبت إلى مرّاكش... فقيل لي: "إن رأيت أن تتفرّغ لدينك فعليك بمدينة فاس"" (ابن الزيات، 1984، ص 322).
و في مدينة فاس يذكر أنّه لزم جامعها وتعلّم الوضوء والصّلاة (ابن الزيات، 1984، ص 320) وجلس إلى حلقات الفقهاء والذّاكرين ويؤكّد ذلك قوله: "ذهبت إلى فاس فلقيت بها الأشياخ فسمعت رعاية المحاسبي على أبي الحسن بن حرزهم وسمعت كتاب السّنن لأبي عيسى الترمذي على أبي الحسن علي بن غالب وأخذت طريقة التصوف عن أبي عبد الله الدقّاق وأبي الحسن السلاوي" (ابن الزيات، 1984، ص 322). كما التقى بالصّوفي أبي يعزى.
ثمّ انتقل إلى المشرق بغية أداء مناسك الحجّ. وفي طريق عودته بقي برهة بتونس حسب ما يذكره محمد البهلي النيّال، والتقى هناك في مسجد السكّاجين (المعروف بمسجد أبي مدين أيضا) عددا من صوفيّة إفريقيّة أمثال الدهماني والمهدوي والباجي.. (النيّال، 1965، ص 206).. ثمّ اختار الاستقرار أخيرا ببجاية حيث كرّس حياته للتربية والتعليم والعبادة. وأضحى مجلسه مقصدا لعديد المريدين من الصّوفيّة مشرقا ومغربا.
و يبدو أنّ شهرته ومنزلته قد أزعجتا عددا من المقرّبين لدى الموحّدين إذ يورد النبهاني في "جامع كرامات الأولياء" الخبر التّالي: "وشى به بعض علماء الظاهر عند يعقوب المنصور وقال له إنّا نخاف منه على دولتكم فإنّ له شبها بالإمام المهدي وأتباعه كثيرون بكلّ بلد فوقع في قلبه وأهمّه شأنه فبعث إليه في القدوم عليه وكتب لصاحب بجاية بالوصيّة به والاعتناء وأن يحمل خير محمل" (النبهاني، د.ت، ج2، ص 41).
وقد اختصر عبد السّلام الغرميني مكونات تجربته الصوفيّة فيما يلي:
- طريق التصوّف القائم على "الوعظ والتذكير ومحاسبة النفس" واعتماد كتب مثل رعاية المحاسبي والإحياء للغزالي علي يد أبي الحسن بن حرزهم.
- طريق التصوّف المبني على "الكرامة وخرق العادة" والمجاهدة على يد أبي يعزى.
- طريق التصوف المتضمّن "للبس الخرقة وربط السند بالرّجال الأوائل" على يد أبي الحسن السلاوي وأبي عبد الله الدقاق.
- طريق التصوّف المشرقي "الممزوج بتبجيل آل البيت" كما تمثّله الطريقة القادريّة على يد المولى عبد القادر الجيلاني. (غرميني، 2000، ص ص 324 -323)
إلاّ أنّه لم يترك أيّ أثر مكتوب باستثناء ما يلي:
- رسائل توجّه بها إلى أصحابه (من قبيل تلك التي أوردها ابن الطّوّاح في كتابه "سبك المقال" ومطلعها "الحمد لله الّذي ذبح قلوب المجتهدين بالجدّ وذهّبها بذهب الذّهاب عن شكواها..." (ابن الطواح، 1995، ص 61). وهي موجهة إلـى عبد العزيز المهدوي وقد "بناها على تأويل أسماء الطّيور واستغلال أصواتها وتوظيف كلّ ذلك للتنبيه على الحقائق الدّينيّة" (غرميني، 2000، ص 350)، عقيدته (ومطلعها "الحمد لله الذي تنزّه عن الحدّ والأين والكيف والزّمان..")، حكمه (وقد وردت في "كتاب أنس الوحيد ونزهة المريد")، وصيّته، بعض أشعاره الصّوفيّة وهي متناثرة وقليلة إمّا ضمنها رسائله أو تناقلها عنه أصحابه.
توفي أبو مدين سنة 594 هـ/1198-1197 م، ودفن بتلمسان.
انظر:
- ابن الزّيّات، أبو يعقوب يوسف بن يحي التّادلي. (1984). التّشوّف إلى رجال التّصوّف وأخبار أبي العبّاس السّبتي. (تحقيق أحمد التّوفيق). (ط.1). الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة بالرّباط.
- ابن الطواح، عبد الواحد محمد. (1995) سبك المقال لفك العقال. (تحقيق ودراسة محمد مسعود جبران) (ط.1). بيروت: دار الغرب الإسلامي.
- غرميني، عبد السّلام. (2000). المدارس الصّوفيّة المغربيّة والأندلسيّة في القرن السّادس الهجري. (ط.1). الدّار البيضاء، المغرب: دار الرّشاد الحديثة.
- النّبهاني، يوسف بن إسماعيل. (د.ت). جامع كرامات الأولياء. بيروت: دار صادر.
- النّيّال، محمّد البهلي. (1965). الحقيقة التّاريخيّة للتّصوّف الإسلامي. تونس: نشر وتوزيع مكتبة النّجاح.