أثر التشريع اليهودي في الإسلام: عقوبة الرجم نموذجاً
فئة : أبحاث محكمة
الملخّص:
اقترن القول بالاحتكام إلى الشريعة الإسلاميّة غالباً بإنفاذ صنف من أحكام العقوبات البدنيّة المتّسمة بالقسوة الشديدة. وكانت عقوبة الرجم بمثابة العلامة البارزة على القانون الجزائي "الشرعي". وقد روّجت أكثر الحركات الإسلاميّة المعاصرة لحتميّة هذا الاقتران، بالاستناد إلى ما وصل إليها من أقوال الفقهاء القدامى من مختلف المذاهب. والناظر في مدوّنات الفقه يلاحظ أنَّ الإجماع منعقد ـ عدا قلّة يسيرة- على أنَّ عقوبة الرجم واجبة وجوباً قاطعاً في حقّ الزناة المحصنين. وقد أحكم الفقهاء صوغ هذه القاعدة الجزائيّة من كلّ الجوانب، فاستدلّوا على صحّتها بالنصوص الدينيّة المناسبة. وتوسعوا في بيان صفتها، باعتبارها مخالفة أخلاقيّة، وعقوبة بدنيّة مفضية إلى الموت.
ولكنَّ الحجج الفقهيّة على صحّة العمل بهذه العقوبة تشكو من وهن في مواطن متعدّدة، أهمّها غياب الدليل القرآني الحاسم في هذا الباب الخطير. والشبهات تكتنف كذلك الآثار المنسوبة إلى النبي محمّد في شأن هذه العقوبة. وفي بعض هذه الآثار ما يوجّه النظر نحو التأثير اليهودي في إقرار عمل المسلمين بالرجم. والذي يزكّي هذا الاحتمال أنَّ عقوبة الرجم ثابتة في نصوص التوراة في مواطن متعدّدة، وأنَّها مقرّرة في حقّ جريمة الزنى في أغلب الأحيان. وتشهد أخبار الفقهاء على أنَّ الرسول قد راجع بنفسه ثبوت حكم رجم الزاني في التوراة، وقضى به في حقّ الزناة من اليهود في حادثة مشهورة. ومن هذه الأخبار ما يؤكّد أنَّ النبي حكم بالرجم على بعض من أقرّ لديه بالزنى من المسلمين، وقد تبعه في ذلك بعض الصحابة.
والسؤال المركزي الذي ينبغي مواجهته يتعلّق بتحديد مرجع النبي محمّد في العمل بالرجم، أهو القرآن أم التوراة؟ والذي يضاعف من الحيرة في هذه الإشكاليّة أنَّ القرآن قد أصدر أكثر من عقوبة في شأن جريمة الزنى. وكان الحكم بالجلد مئة في حقّ الزانية والزاني أشهر تلك الأحكام وأشدّها وضوحاً. وفي غياب معرفة دقيقة بتاريخ تنزّل آيات القرآن، وموقعها من السيرة النبويّة، فإنَّه لا يبقى أمام الباحث سوى الترجيح بحسب ما يقوى عنده من الأدلّة. وفي ظلّ ما يظهر من أقوال متنافرة في مذاهب الفقهاء، فالغالب على الظنّ أنَّ عمل الرسول بالرجم كان اهتداء بفعل شريعة موسى. وهو اختيار جزائي قائم على تغليظ العقوبة حسماً لمادة الجريمة على الأعراض. ومن الصعب أن نتصوّر استمرار العمل بالرجم بعد نزول حكم الجلد للزاني في سورة النور. وعلى هذا لا يكون الرجم عقوبة أصليّة في الإسلام، بل اقتصر العمل به على مرحلة محدّدة، سابقة لنزول حكم الجلد. وفي ما نقل عن ترك النبي العمل بهذه العقوبة في بعض الحالات أقوى دليل على أنَّ الرجم ليس عقوبة إسلاميّة، إذ لا يعقل أن يتهاون النبي في حدّ من حدود الله.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا